تفسير القرآن الكريم



للعلامة المحقق الجليل السيد عبدالله شبر

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي انزل القرآن الكريم والفرقان الحكيم على النبي الحليم الذي هوعلى خلق عظيم وجعله الدليل على خير سبيل وكتابا فيه تفصيل وتحصيل, ظاهره انيق وباطنه عميق لا تحصى عجائبه ولا تبلىغرائبه والصلاة على من أرسل حجة للعالمين وكان نبيا وآدم بين الماء والطين وآله بحار العلوم والحقائق وكنوز المعارف والدقائق الذين أوتوا علم الكتاب تأويلا وتفسيراً واذهب عنهم الرجس اهل البيت وطهرهم تطهيراً (وبعد) فيقول المذنب الجاني ولأسير الفاني أفقر الخلق إلى ربه الغني عبد الله (شبر) بن محمد رضا الحسيني رضى الله عنهما وأرضاهما وجعل الجنة مأواهما ومثواهما : هذه كلمات شريفة وتحقيقات منيفة وبيانات شافية وإشارات وافية تتعلق ببعض مشكلات الآيات القرآنية وغرائب الفقرات الفرقانية ونتحرى غالباً ماورد عن خزان أسرار الوحي والتنزيل ومعادن جواهر العلم والتأويل الذين نزل في بيوتهم جبرائيل
بأوجز إشارة والطف عبارة وفيما يتعلق بالالفاظ والأغراض والنكات البيانية تفسير وجيز فإنه ألطف التفاسير بيانا وأحسنها تبيانا مع وجازة اللفظ وكثرة المعنى والله المستعان وعليه التكلان.


سورة الفاتحة

مكية وقيل نزلت ثانيا بالمدينة وتسمى فاتحة الكتاب لأنها مفتتحة وأم الكتاب لاشتمالها على جمل معانيه والحمد لله لذكره فيها والسبع المثاني لأنها سبع آيات اتفاقا لكنهم بين عاد للبسملة دون (أنعمت عليهم) وعاكس، وتثنى في الفريضة أو الإنزال.
(بسم الله الرحمن الرحيم)
آية من الفاتحة ومن كل سورة بإجماعنا ونصوصنا والباء للاستعانة أو المصاحبة والاسم من السمو أو من السمة ولم يقل بالله لأن التبرك باسمه وليعم كل أسمائه (والله) أصله إله حذفت الهمزة وعوضت عنها أداة التعريف وهو علم شخصي للذات المقدس الجامع لكل كمال و(الرحمن الرحيم) صفتان مشبهتان من رحم بالكسر ووصف تعالى بهما باعتبار غايتهما والرحمن أبلغ لاقتضاء زيادة المباني زيادة المعاني أما باعتبار الكم لكثرة أفراد المرحومين وقلتها وعليه حمل يا رحمان الدنيا لشمول المؤمن والكافر ورحيم الآخرة للاختصاص بالمؤمن أو باعتبار الكيف وعليه حمل يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما لجسامة نعم الآخرة كلها بخلاف نعم الدنيا، وإنما قدم الرحمن ومقتضى الترقي العكس لصيرورته بالاختصاص كالواسطة بين العلم والوصف فناسب توسيطه بينهما أو لأن الملحوظة في مقام التعظيم جلائل النعم وغيرها كالتتمة فقدم وأردف بالرحيم للتعميم تنبيها على أن جلائلها ودقائقها منه تعالى وخص البسملة بهذه الأسماء إعلاما بأن الحقيق بأن يستعان به في مجامع الأمور وهو المعبود الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها المولى للنعم كلها.
(الحمد لله) على ما أنعم علينا (رب العالمين) مالك الجماعات من كل مخلوق وخالقهم وسائق أرزاقهم إليهم ومدبر أمورهم وحافظهم والعالم كالطبائع ما يعلم به الصانع من الجواهر والأعراض وإنما جمع والتعريف الاستغراقي يفيد الشمول للدلالة على أن للعالم أجناس مختلفة الحقائق كعالم الأرواح وعالم الأفلاك وعالم العناصر ونحوها وربوبيته تعالى شاملة لها وجمع بالواو والنون لما فيه من معنى
الوصفية من الدلالة على العلم فغلب العقلاء واختص بهم.
(الرحمن الرحيم) كرر تأكيدا واهتماما وبيانا لعلة تخصيص الحمد به تعالى.
(مالك) (يوم الدين) أي الجزاء أو الحساب وقرأ ملك كما عن أهل البيت (عليهم السلام) وسوغ وصف المعرفة به قصد معنى المضي تنزيلا لمحقق الوقوع منزلة ما وقع أو قصد الاستمرار الثبوتي أي ملك الأمر كله في ذلك اليوم أو له الملك بكسر الميم فيه فإضافته حقيقية وكذا إضافة ملك إذ لا مفعول للصفة المشبهة وتخصيص اليوم بالإضافة مع أنه مالك وملك جميع الأشياء في كل الأوقات لتعظيم اليوم.
(إياك نعبد وإياك نستعين) قدم المعمول للحصر ولتقدمه تعالى في الوجود وللإشعار بأن العابد والمستعين ينبغي أن يكون نظرهما بالذات إلى الحق وكرر الضمير للتنصيص على تخصيص كل منهما به تعالى ولبسط الكلام مع المحبوب ولعل تقديم العبادة لتوافق الفواضل ولأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة ولمناسبة تقديم مطلوبه تعالى من العباد على مطلوبهم ولأن المتكلم لما نسب العبادة إلى نفسه كان كالمعتد بما يصدر منه فعقبه بأنها أيضا لا تتم إلا بمعونة الله تعالى والضمير المستكن في الفعلين للقارىء وأثره على المفرد والمقام مقام تحقير لدخول الحفظة أو حاضري الجماعة أو كل موجود أو كل عضو من أعضائه (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) وإيذانا بحقارة نفسه عن عرض العبادة وطلب المعونة منفردا بدون الانضمام إلى جماعة تشاركه كما يصنع في عرض الهدايا ورفع الحوائج إلى الملوك واحترازا عن الكذب لو انفرد في ادعائه وحسن الالتفات هنا أن إظهار مزايا المحمود يحسن عند غيره بخلاف العبادة ونحوها فإنه ينبغي كتمانها عن غير المعبود فناسب الخطاب ولأنه أقرب إلى الإخلاص والإشارة إلى قوله (عليه السلام) اعبد الله كأنك تراه والله تعالى لغاية ظهوره كأنه حاضر مشاهد.
(اهدنا الصراط المستقيم) أدم لنا توفيقك الذي أطعناك به قبل حتى نطيعك بعد والهداية والرشاد والتثبت والصراط، الجادة والمستقيم المستوي أي طريق الحق وهو ملة الإسلام.
(صراط الذين أنعمت عليهم) بالتوفيق لدينك وطاعتك من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (غير المغضوب عليهم) من اليهود الذين قال الله فيهم من لعنه الله وغضب عليه (ولا الضالين) النصارى الذين قال الله فيهم (قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا) وصح وقوع غير صفة للمعرفة إجراء للموصول مجرى النكرة إذ لم يقصد به معين معهود أو يجعل غير معرفة لأنه أضيف إلى ما له ضد وحد وإنما دخلت لا في (ولا الضالين) لما في غيره من معنى النفي وإنما صرح بإسناد النعمة إليه تعالى على طريق الخطاب دون الغضب والضلال تأدبا وإشارة إلى تأسيس مباني الرحمة وأن الغضب كأنه صادر عن غيره تعالى ولحسن التصريح بالوعد والتعريض بالوعيد كما في قوله (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) دون لأعذبنكم إشارة إلى أن العذاب والانتقام ونحوها عبارة عن أعمالهم تكون وبالا عليهم.




سورة البقرة

(2) (سورة البقرة) مائتان وسبع وثمانون آية (287) مدنية
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(ألم) قيل هي أسماء للسور وقيل مختصرة من كلمات ف (الم) معناه أنا الله أعلم قيل: إشارة إلى مدة وآجال بحساب الجمل وقيل مقسم بها وقيل أسماء للقرآن وقيل أسماء الله تعالى وقيل سر الله وقيل من المتشابه.
(ذلك الكتاب) أي القرآن الذي افتتح بالم هو الكتاب الذي أخبرت به موسى ومن بعده من الأنبياء وهم أخبروا بني إسرائيل (لا ريب) لا شك (فيه) لظهوره عندهم (هدى) بيان من الضلالة (للمتقين) الذين يتقون الموبقات وتسليط السفه على أنفسهم وهدى خبر محذوف أو خبر ثان لذلك والتوصيف به للمبالغة والتنكير للتعظيم واختصاصه بالمتقين لأنهم المهتدون به أو المراد زيادته وثباته لهم كاهدنا الصراط المستقيم.
(الذين يؤمنون بالغيب) بما غاب عن حواسهم من معرفة الصانع وصفاته والنبوة وقيام القائم والرجعة والبعث والحساب والجنة والنار (ويقيمون الصلاة) بإتمام ركوعها وسجودها وحفظ مواقيتها وحدودها وصيانتها عما يفسدها أو ينقصها (ومما رزقناهم ينفقون) من الأموال والقوى والأبدان والجاه والعلم.
(والذين يؤمنون بما أنزل إليك) من القرآن والشريعة (وما أنزل من قبلك) من التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وسائر كتب الله المنزلة (وبالآخرة هم يوقنون) وفي تقديم الظرف وبناء يوقنون على هم تعريض بغيرهم من أهل الكتاب (أولئك على هدى من ربهم) من بيان وصواب وعلم بما أمرهم به.
(وأولئك هم المفلحون) الناجون مما منه يوجلون الفائزون بما يؤملون وتكرير أولئك يفيد اختصاصهم وتميزهم عن غيرهم بكل واحدة من المزيتين وأدخل العاطف لاختلاف الجملتين مفهوما قيل نبه تعالى على اختصاص المتقين بذكر اسم الإشارة المفيد للعلية مع الإيجاز وتكريره وتعريف المفلحين وضم الفصل إعلاما بفضلهم وحثا على لزوم نهجهم وإرادة الكامل من الهدى والفلاح توهن تمسك الوعيدية به في دوام عذاب الفاسق.
(إن الذين كفروا) بالله وبما آمن به هؤلاء المؤمنون (سواء عليهم ءأنذرتهم) أأخوفتهم (أم لم تنذرهم لا يؤمنون) أخبر تعالى عن علمه فيهم.
(ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم) وسمها بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته وأوليائه إذا نظروا إليها بأنهم لا يؤمنون وعن الرضا (عليه السلام) الختم هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم كما قال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم وعلى أبصارهم (غشاوة) غطاء أقول: ويمكن أن يكون تهكما حكاية لقولهم: قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي ءاذاننا
وقر، ومن بيننا وبينك حجاب أو في الآخرة والتعبير بالماضي لتحققه ويشهد له قوله ونحشرهم يوم القيمة على وجوههم عميا وبكما وصما وكرر الجار ليكون أدل على شدة الختم وأفرد السمع لأمن اللبس أو لمح أصله المصدر أو بتقدير حواس سمعهم أو لمناسبة لوحدة المدرك كالجمع لتكثره (ولهم عذاب عظيم) أي في الآخرة العذاب المعد للكافرين.
(ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الآخر) نزلت في الذين زادوا على كفرهم النفاق وتكرير الباء لادعاء الإيمان بكل على الأصالة (وما هم بمؤمنين) نفي وتكذيب لما ادعوه وعدل عما آمنوا المطابق لقولهم (ءامنا) للمبالغة لأن إخراجهم عن جملة المؤمنين أبلغ من نفي إيمانهم في الماضي ولذا أكد النفي بالباء.
(يخادعون الله والذين ءامنوا) يعاملونهم معاملة المخادع (وما يخدعون) ما يضرون بتلك الخديعة (إلا أنفسهم) رجوع وبال ذلك عليهم دنيا وآخرة (وما يشعرون) أن الأمر كذلك وأن الله يطلع نبيه على نفاقهم وكفرهم.
(في قلوبهم مرض) نفاق أو شك أو كفر وغل أو جبن (فزادهم الله، مرضا) بإعلاء شأن نبيه (ولهم عذاب أليم) مؤلم (بما كانوا يكذبون) بالتخفيف أي بسبب كذبهم بقولهم آمنا بالله وبالتشديد أي لتكذيبهم الرسول ولفظ كان للاستمرار.
(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض) بإظهار النفاق لعباد الله المستضعفين فتشوشوا عليهم دينهم (قالوا إنما نحن مصلحون) لأنا لا نعتقد دينا فنرضى محمدا في الظاهر فنعتق أنفسنا من رقة في الباطن.
(ألا إنهم هم المفسدون) بما يفعلون في أمور أنفسهم لأن الله يعرف نبيه نفاقهم فهو يلعنهم ويأمر المسلمين بلعنهم (ولكن لا يشعرون) بذلك مع ظهوره.
(وإذا قيل لهم ءامنوا كما ءامن الناس) كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار (قالوا أنؤمن كما ءامن السفهاء) المذلون أنفسهم لمحمد حتى إذا اضمحل أمرهم أهلكهم أعداؤه (ألا إنهم هم السفهاء) الأخفاء العقول والأراذل إذ عرفوا بالنفاق عند الفريقين (ولكن لا يعلمون) أن الأمر كذلك وأن الله يطلع نبيه على أسرارهم.
(وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا) صدر القصة بيان لمذهبهم وهذه بيان لصنعهم مع المؤمنين والكفار فلا تكرير (وإذا خلوا إلى شياطينهم) أخدانهم من المنافقين المشاركين لهم في تكذيب الرسول (قالوا إنا معكم) أي في الدين والاعتقاد كما كنا وخاطبوهم بالاسمية تحقيقا لثباتهم على دينهم وأكد بإن اعتناء بشأنه ورواجه منهم والمؤمنين بالفعلية إخبارا بإحداث الإيمان ولم يعتنوا به ولم يتوقعوا رواجه (إنما نحن مستهزءون) بالمؤمنين.
(الله يستهزىء بهم) يجازيهم جزاء من يستهزىء به أما في الدنيا فبإجراء أحكام الإسلام عليهم وأما في الآخرة فبأن يفتح لهم وهم في النار بابا إلى الجنة فيسرعون نحوه فإذا صاروا إليه سد عليهم (ويمدهم) يمهلهم (في طغيانهم)

في التعدي عن حدهم (يعمهون) يتحيرون والعمه عمى القلب.
(أولئك الذين اشتروا الضلالة) التي اختاروها (بالهدى) الذي فطروا عليه (فما ربحت تجارتهم) ما ربحوا في تجارتهم (وما كانوا مهتدين) إلى الحق والصواب إذ أضاعوا رأس مالهم باستبدالهم الضلالة ولا ربح لمن ضيع رأس المال.
(مثلهم) حالهم العجيبة (كمثل الذي استوقد نارا) ليبصر بها ما حوله (فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم) بإرسال ريح أو مطر أطفأها وذلك لأنهم أبصروا بظاهر الإيمان الحق وأعطوا أحكام المسلمين فلما أضاء إيمانهم الظاهر ما حولهم أماتهم الله وصاروا في ظلمات عذاب الآخرة (وتركهم في ظلمات لا يبصرون) بأن منعهم المعاونة واللطف وخلى بينهم وبين اختيارهم وإسناد الإذهاب إليه تعالى لأنه المسبب للإطفاء وعدي بالباء لإفادتها الاستصحاب وعدل عن الضوء الموافق لأضاءت إلى النور للمبالغة إذ لو قيل ذهب بضوئهم لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نورا.
(صم بكم عمي) يعني في الآخرة وفي الدنيا عما يتعلق بالآخرة (فهم لا يرجعون) عن الضلالة إلى الهدى.
(أو كصيب) أو مثل ما خوطبوا به من الحق والهدى كمثل مطر إذ به حياة القلوب كما أن بالمطر حياة الأرض (من السماء) من العلاء (فيه ظلمات) مثل الشبهات والمصيبات المتعلقة به (ورعد) مثل للتخويف والوعيد (وبرق) مثل الآيات الباهرة (يجعلون أصابعهم في ءاذانهم من الصواعق حذر الموت) لئلا يخلع الرعد أفئدتهم أو ينزل البرق بالصاعقة فيموتوا والمنافقون كانوا يخافون أن يعثر النبي على كفرهم ونفاقهم فيستأصلهم فإذا سمعوا منه لعنا أو وعيدا لمن نكث البيعة جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا فتتغير ألوانهم فيعرف المؤمنون أنهم المعنيون بذلك (والله محيط بالكافرين) مقتدر عليهم لا يفوتونه.
(يكاد البرق يخطف أبصارهم) يذهب بها هذا مثل قوم ابتلوا ببرق فنظروا إلى نفس البرق لم يغضوا عنه أبصارهم لتسلم من تلألؤه ولم ينظروا إلى الطريق الذي يريدون أن يتخلصوا فيه بضوء البرق فهؤلاء المنافقون يكاد ما في القرآن من الآيات المحكمة التي يشاهدونها ثم ينكرونها يبطل عليهم كلما يعرفونه (كلما أضاء لهم مشوا فيه) في مطرح ضوئه (وإذا أظلم عليهم قاموا) وقفوا وتحيروا فهؤلاء المنافقون إذا رأوا ما يحبون في دنياهم فرحوا بإظهار طاعتهم وإذا رأوا ما يكرهون فيها وقفوا (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) حتى لا يتهيأ لهم الاحتراز من أن يقف على كفرهم (إن الله على كل شيء قدير) لا يعجزه شيء وقيل التمثيل إما مركب تشبيه لحال المنافقين من الشدة والدهشة بحال من أخذه المطر في ليل مظلم مع رعد عاصف وبرق خاطف وخوف من الصواعق أو مفرق تشبيه لذواتهم بذوي الصيب وإيمانهم المشوب بالكفر بصيب فيه ظلمات ورعد وبرق فإنه وإن كان رحمة في نفسه لكنه عاد نقمة في هذه الصورة ونفاقهم حذرا مما يطرق به غيرهم

من الكفرة بجعل الأصابع في الآذان من الصواعق حذر الموت وتحيرهم بشدة الأمر بأنهم كلما أضاء لهم انتهزوا الفرصة فمشوا قليلا وإذا أظلم عليهم وقفوا متحيرين والمثل الأول يجري فيه الوجهان.
(يا أيها الناس) لما ذكر تعالى فرق المكلفين وأحوالهم التفت إليهم بالخطاب تنشيطا للسامع وروي أن لذة النداء أزالت مشقة التكليف (اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) أي خلقكم لتتقوه أي تعبدوه أو لعلكم تتقون النار ولعل من الله واجب.
(الذي جعل لكم الأرض فراشا) جعلها ملائمة لطبائعكم موافقة لأجسادكم مطاوعة لحرثكم وأبنيتكم ودفن موتاكم ولا ينافي كرويتها لعظم حجمها (والسماء بناء) سقفا محفوظا وقبة مضروبة عليكم يدير الكواكب لمنافعكم (وأنزل من السماء) من السحاب أو مما فوقه إليه ومنه إلى الأرض (ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم) أي بسببه بأن جعله سببا في خروجها أو مادة لها (فلا تجعلوا لله أندادا) أشباها وأمثالا نهي معطوف على اعبدوا أو نفي منصوب بإضمار أن جوابا له (وأنتم تعلمون) أن الأنداد لا تقدر على شيء من ذلك والجملة حال من فاعل تجعلوا.
(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله) صفة سورة أي كائنة من مثله والضمير لما ومن للتبعيض وللتبيين أو زائدة أي مماثلة للقرآن في الطبقة أو لعبدنا ومن للابتداء أي بسورة كائنة ممن هو على حاله لم يقرأ الكتب ولم يأخذ من العلماء (وادعوا) إلى المعارضة (شهداءكم) كل من حضركم (من دون الله) أي غير الله لأنه حاضر قادر على ذلك أو ادعوا من دون الله من يشهدون بصدقكم أي تشهدوا بالله كما يفعله العاجز عن البينة أو المعنى ادعوا الذين اتخذتموهم آلهة من دون الله وزعمتم أنهم يشهدون لكم يوم القيامة ليعينوكم في المعارضة (إن كنتم صادقين) أن محمدا يقوله من تلقاء نفسه.
(فإن لم تفعلوا) لم تأتوا (ولن تفعلوا) ولا يكون هذا منكم أبدا (فاتقوا النار التي وقودها) حطبها (الناس والحجارة) حجارة الكبريت لأنها أشد الأشياء حرا أو الأصنام التي نحتوها لقوله إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم وجيء بإن التي للشك مكان إذ التي للوجوب تهكما بهم وعبر عن الإتيان بالفعل الأعم منه إيجازا وفيه إخبار بالغيب أنهم لن يفعلوا كما دل عليها ثبوت إعجاز المتحدي وتعريف النار للعهد.

(أعدت) هيئت (للكافرين) المكذبين بكلامه ونبيه
.
(وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها) تحت أشجارها أو مساكنها (الأنهار كلما رزقوا منها) من تلك الجنات (من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) في الدنيا فأسماؤه كأسمائه ولكنه في غاية اللطافة والطيب واللذة غير مستحيل إلى ما يستحيل إليه ثمار الدنيا (وأتوا به متشابها) يشبه بعضه بعضا بأنها كلها خيار وبأنها متفقات الألوان مختلفات الطعوم (ولهم فيها أزواج مطهرة) من أنواع الأقذار والمكاره (وهم فيها خالدون) وبه يتم النعمة لأن خوف الانقطاع ينغص العيش.
(إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا) للحق يوضحه به لعباده المؤمنين (ما) أي مثل كان إبهامية تزيد النكرة إبهاما أو زائدة للتأكيد نحو فبما رحمة (بعوضة) عطف بيان لمثلا أو مفعول يضرب ومثلا حال منه مقدمة لتنكيره أو هما مفعولاه لتضمنه معنى الجعل (فما فوقها) والبعوض صغار البق وهو رد على الطاعنين في ضربه الأمثال في كتابه بالذباب والعنكبوت وغيرهما (فأما الذين ءامنوا فيعلمون أنه) المثل المضروب (الحق من ربهم) أراد به الحق وإبانته (وأما الذين كفروا فيقولون ما ذا) أي شيء (أراد الله بهذا مثلا) من جهة المثل (يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا) قيل هو جواب ماذا أي إضلال كثير بسبب إنكاره وهداية كثير من جهة قبوله فهو يجري مجرى البيان للجملتين أي إن كلا من الفريقين موصوف بالكثرة وبسببية لهما نسبأ إليه وروي أنه قول الكفار أي لا معنى للمثل لأنه وإن نفع به من يهد به فهو يضربه من يضل به فرد الله عليهم قولهم فقال (وما يضل به إلا الفاسقين) الخارجين عن دين الله.
(الذين ينقضون عهد الله) ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد وصدق الرسل وما أخذ في عالم الذر من الإقرار لله بالربوبية ولمحمد بالنبوة ولأهل بيته بالولاية (من بعد ميثاقه) أي أحكامه (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) من الأرحام والقرابات سيما صلة النبي ومودة ذي القربى (ويفسدون في الأرض) بسبب قطع ما في وصله نظام العالم وصلاحه (أولئك هم الخاسرون) لما صاروا إلى النيران وحرموا الجنان.
(كيف تكفرون بالله) الخطاب لكفار قريش (وكنتم أمواتا) عناصر وأغذية وأخلاطا ونطفا وما يتعقبها إلى ولوج الأرواح في أصلاب آبائكم وأرحام أمهاتكم (فأحياكم) بنفخ الأرواح فيكم وعطف بالفاء لتعقيب الموت بلا تراخ والبواقي بثم للتراخي (ثم يميتكم) في هذه الدنيا ويقبركم (ثم يحييكم) في القبور وينعم فيها المؤمنين ويعذب فيها الكافرين أو في القيامة (ثم إليه ترجعون) بعد النشور للجزاء أو تبعثون من قبوركم إليه للحساب فواو (وكنتم) للحال والحال هي العلم بجملة القصة لا كل جملة منها لمضي بعضها واستقبال بعضها.
(هو الذي خلق لكم) لانتفاعكم (ما في الأرض جميعا) لتعتبروا به وتتوصلوا به إلى رضوانه وتتوقوا من عذاب نيرانه والأرض داخلة فيما في الأرض إن

أريد بها جهة السفل كالسماء جهة العلو وإلا فلا وجميعا حال من ما (ثم استوى إلى السماء) أخذ في خلقها وإتقانها (فسويهن) عدلهن عن العوج والفطور والضمير للسماء إن فسرت بالجنس أو الجمع وإلا فمبهم يفسره ما بعده كربه رجلا (سبع سموات) بدل أو مفسر (وهو بكل شيء عليم) علم المصالح فخلق ما فيه صلاحكم.
(وإذ قال ربك) أي اذكر الحادث فحذف الحادث وأقيم الظرف مقامه أو ظرف لقالوا (للملائكة) الذين كانوا في الأرض مع إبليس وقد طردوا عنها الجن لإفسادهم فيها (إني جاعل في الأرض خليفة) يكون حجة لي في أرضي على خلقي (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) كما فعلته الجن والنسناس (ونحن نسبح) ننزهك عما لا يليق بك متلبسين (بحمدك ونقدس لك) نطهر أرضك ممن يعصيك فاجعل ذلك الخليفة منا (قال إني أعلم ما لا تعلمون) من الصلاح الكائن فيه ومن الكفر الباطن فيمن هو فيكم وهو إبليس.
(وعلم آدم الأسماء كلها) أسماء المخلوقات قيل اضطره إلى العلم بها أو ألقاه في قلبه أي علمه أسماء الأجناس التي خلقها وخواصها وما يتبعها من المنافع الدينية والدنيوية وقيل أريد أسماؤه الحسنى التي بها خلقت المخلوقات وبتعليمها كلها إياه خلقه من أجزاء متباينة وقوى مختلفة ليستعد لإدراك أنواع المدركات ليتأتى له بمعرفتها مظهريته لأسماء الله الحسنى كلها وجامعيته جميع الوجوه اللائقة به (ثم عرضهم على الملائكة) الضمير للمسميات المدلول عليها بالأسماء والتذكير لتغليب ما فيها من العقلاء (فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء) المعروضات تبكيت لهم وبيان لأحقية آدم بالخلافة (إن كنتم صادقين) أنكم أحق بالخلافة.
(قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) إقرار بالقصور وإيذان بأن سؤالهم كان استعلاما لا اعتراضا (إنك أنت العليم) بكل شيء (الحكيم) المصيب في كل فعل.
(قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم) أخبرهم بالحقائق المكنونة منهم ليعرفوا جامعيتك لها وقدرة الله على الجمع بين الصفات المتباينة في مخلوق واحد (فلما أنبأهم بأسمائهم) فعرفوها (قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض) سرهما (وأعلم ما تبدون) من ردكم علي (وما كنتم تكتمون) من أنه لا يأتي أفضل منكم وفي الآيات دلالة على شرف الإنسان والعلم وفضله على العبادة وتوقف الخلافة عليه وإن آدم أفضل من الملائكة لأنه أعلم منهم.
(وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لآدم) لما في صلبه من نور محمد وأهل بيته وهذا السجود كان لهم تعظيما وإكراما ولله سبحانه عبودية ولآدم طاعة (فسجدوا إلا إبليس) إنما دخل في الأمر لكونه منهم بالولاء ولم يكن من جنسهم (أبى واستكبر) ترفع (وكان من الكافرين) أي صار منهم باستكباره.
(وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك) حواء ولم يخاطبهما أولا إشعارا بأنه المقصود وهي تبع له (الجنة) من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس وتغرب وقيل دار الثواب إذ لا معهود غيرها (وكلا منها رغدا) واسعا بلا تعب (حيث شئتما) أي مكان منها (ولا تقربا هذه الشجرة) هي الحنطة أو الكرمة أو التينة أو شجرة تحمل أنواع المطاعم والفواكه وهي شجرة علم محمد وآل محمد.

(فتكونا من الظالمين) بالإقدام على ما فيه عدم صلاحكما.
(فأزلهما الشيطان عنها) حملهما على الزلة بسبب الشجرة أو أزالهما عن الجنة أي أذهبهما بوسوسته وغروره بأن دخل بين لحيي الحية فأراهما أن الحية تخاطبهما (فأخرجهما مما كانا فيه) من النعيم (وقلنا اهبطوا) خطاب لهما بدليل اهبطا منها كأنهما الإنس كلهم فجمع الضمير أو مع إبليس مع الحية أو بدونها (بعضكم لبعض عدو) آدم وحواء وولدهما عدو للحية ولإبليس وإبليس والحية وأولادهما عدو آدم (ولكم في الأرض مستقر) منزل ومقر للمعاش (ومتاع) تمتع ومنفعة (إلى حين) الموت أو القيامة.
(فتلقى آدم من ربه كلمات) وقرىء بنصب آدم ورفع كلمات على معنى تداركته وهي التوسل في دعائه بمحمد وآله الطيبين وقيل ربنا ظلمنا أنفسنا الآية (فتاب عليه) قبل توبته واكتفى به لأن حواء تبع (إنه هو التواب) القابل للتوبات (الرحيم) بالتائبين.
(قلنا اهبطوا منها جميعا) أمر أولا بالهبوط وثانيا بأن لا يتقدم أحدهم الآخر وقيل الأول هبوط قرن بالتعادي والثاني للتكليف وقيل الأول من الجنة إلى سماء الدنيا والثاني منها إلى الأرض وقيل تأكيد (فإما يأتينكم مني هدى) ما زائدة تؤكد إن الشرطية والجواب (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم) حين يخاف الكافرون (ولا هم يحزنون) حين الموت.
(والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون).
(يا بني إسرائيل) يا ولد يعقوب معناه صفوة الله وقيل عبد الله (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) بأن بعثت محمدا في مدينتكم وأوضحت دلائل صدقه أو المراد ما أنعم على آبائهم من إنجائهم من فرعون والغرق (وأوفوا بعهدي) الذي أخذته عليكم بلسان أنبيائكم وأسلافكم لتؤمنن بمحمد (أوف بعهدكم) بالفوز بنعيم الأبد (وإياي فارهبون) في نقض العهد وإياي نصب بمضمر يفسره المذكور وهو آكد في إفادة التخصيص من إياي ارهبوا.
(وءامنوا بما أنزلت) على محمد (مصدقا لما معكم) فإنه مماثل ما في كتابكم أو مطابقا لها في الدعاء إلى التوحيد والإقرار بمحمد والأمر بالعبادة وغير ذلك (ولا تكونوا أول كافر به) والواجب أن تكونوا أول مؤمن به لعلمكم بشأنه (ولا تشتروا بآياتي) بتحريف آيات من التوراة فيها صفة محمد (ثمنا قليلا) عوضا يسيرا من الدنيا (وإياي فاتقون) في كتمان أمر محمد.
(ولا تلبسوا الحق بالباطل) لا تخلطوه به قالوا نعلم أن محمدا نبي ولكن لست أنت ذلك (وتكتموا الحق) في صفة محمد (وأنتم تعلمون) أنكم تكتمونه.
(وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة واركعوا مع الراكعين) صلوا في جماعتهم عبر عن الصلاة بالركوع لخلو صلاة اليهود عنه أو أريد به الخضوع والانقياد للحق.
(أتأمرون الناس بالبر) توبيخ وتعجيب من حالهم والبر يعم كل خير (وتنسون أنفسكم) تتركونها (وأنتم تتلون الكتاب) التوراة وفيها الوعيد على ترك البر ومخالفة القول للعمل (أفلا تعقلون)

قبح ذلك فيمنعكم منه نزلت في علماء اليهود ورؤسائهم ويعم كل من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره.
(واستعينوا) على مشقة التكليف والبر (بالصبر) على الطاعات وعن المعاصي أو بالصيام (والصلوة وإنها) أي الصلاة (لكبيرة) عظيمة ثقيلة (إلا على الخاشعين) الخائفين عقاب الله في مخالفته لتوطين أنفسهم عليها ويقينهم بجزائها.
(الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) يوقنون أنهم يبعثون (وأنهم إليه راجعون) إلى كراماته.
(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) كرر تأكيدا (وأني فضلتكم) فضلت أسلافكم (على العالمين) عالمي زمانهم الذين خالفوا طريقتهم بالإيمان والعلم وجعل الأنبياء فيهم وأنزل الكتاب عليهم.
(واتقوا يوما) وقت النزع (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) لا تدفع عنها عذابا قد استحقته (ولا يقبل منها شفاعة) بتأخير الموت (ولا يؤخذ منها عدل) فداء بأن يمات ويترك هي (ولا هم ينصرون) في دفع الموت والعذاب والضمير للنفوس الكثيرة الدال عليها النفس النكرة في سياق النفي.
(وإذ نجيناكم) واذكروا إذ أنجينا أسلافكم (من آل فرعون يسومونكم) يعذبونكم (سوء العذاب) العذاب الشديد (يذبحون أبناءكم) لما قيل لفرعون إنه يولد في بني إسرائيل مولود يكون على يده هلاكك (ويستحيون نساءكم) يبقونهن ويتخذونهن إماء (وفي ذلكم) الإنجاء أو منعهم أو كليهما (بلاء) اختبار بنعمة أو محنة أو بهما (من ربكم عظيم) كبير.
(وإذ فرقنا بكم البحر) فصلنا بين بعضه وبعض حتى صارت فيه مسالك بسلوككم فيه (فأنجيناكم) هناك (وأغرقنا آل فرعون) أي هو وقومه واقتصر عليهم للعلم بأولويته به (وأنتم تنظرون) إليهم وهم يغرقون.
(وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة) وعده بعد هلاك فرعون أن يعطيه التوراة بعد ثلاثين ليلة فلما استاك فذهب طيب فمه فأخر عشرا (ثم اتخذتم العجل) إلها (من بعده) بعد انطلاقه إلى الجبل (وأنتم ظالمون) بإشراككم.
(ثم عفونا عنكم) عن أوائلكم حين تابوا (من بعد ذلك) الاتخاذ للعجل (لعلكم تشكرون) تلك النعمة على أسلافكم وعليكم بعدهم.
(وإذ ءاتينا موسى الكتاب والفرقان) أي التوراة الجامع بين كونه كتابا وفارقا بين الحق والباطل أو أريد بالفرقان معجزاته الفارقة بين الحق والباطل (لعلكم تهتدون) لكي تهتدوا بما فيه.
(وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم) يقتل من لم يعبد العجل منكم من عبده (ذلكم) القتل (خير لكم عند بارئكم) من أن تعيشوا لأنه كفارتكم (فتاب عليكم) قبل توبتكم قبل استيفاء القتل لجماعتكم (إنه هو التواب الرحيم) الكثير القبول للتوبة البليغ في الرحمة.
(وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) عيانا (فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون) إلى الصاعقة تنزل أو إلى

أسبأب الموت.
(ثم بعثناكم من بعد موتكم) بسبب الصاعقة (لعلكم تشكرون) نعمة البعث وفيه حجة على صحة البعث والرجعة.
(وظللنا عليكم الغمام) لما كنتم في التيه ليقيكم حر الشمس (وأنزلنا عليكم المن) الترنجبين ينزل عليكم بالليل فتأكلونه (والسلوى) السماني تجيء بالعشاء مشويا فيقع على موائدهم فإذا أكلوا وشبعوا طار عنهم (كلوا من طيبات ما رزقناكم) قول الله تعالى (وما ظلمونا) لما غيروا وبدلوا ما أمروا به (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) إياها يضرون بالكفران.
(وإذ قلنا) حين خرجوا من التيه (ادخلوا هذه القرية) هي أريحا من بلاد الشام (فكلوا منها حيث شئتم رغدا) واسعا (وادخلوا الباب) باب القرية أو بيت المقدس أو القبة التي كانوا يصلون إليها (سجدا) لله شكرا أو منحنين (وقولوا حطة) سجودنا لله حطة لذنوبنا أو ثقلنا أو أمرك حطة (نغفر لكم خطاياكم) السالفة (وسنزيد المحسنين) من يقارف الذنوب منكم ثوابا بالامتثال كما جعلناه توبة للمسيء.
(فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم) دخلوا بأستاههم وقالوا ما معناه حنطة حمراء نتقوتها أحب إلينا من هذا الفعل والقول (فأنزلنا على الذين ظلموا) كرر تأكيدا في تقبيح أمرهم وإيذانا بأن عذابهم بظلمهم (رجزا) عذابا (من السماء) بأن مات منهم في بعض يوم مائة وعشرون ألفا (بما كانوا يفسقون) يخرجون عن طاعة الله.
(وإذ استسقى موسى لقومه) لما عطشوا في التيه (فقلنا اضرب بعصاك) التي دفعها إليه شعيب من آس الجنة أهبط مع آدم طولها عشرة أذرع على طول موسى ولها شعبتان تتقدان في الظلمة (الحجر) المعهود روي أنه حجر طوري مربع ينبع من كل وجهه ثلاثة أعين لكل سبط عين يسيل في جدول وكانوا ستمائة ألف سعتهم اثنا عشر ميلا فضربه بها (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس) كل قبيلة (مشربهم) ولا يزاحم الآخرين في مشربهم (كلوا واشربوا من رزق الله) من المن والسلوى والماء (ولا تعثوا) تعتدوا (في الأرض مفسدين) وقيد به لأنه منه ما ليس بفساد كمقابلة المعتدي من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه.
(وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد) هو المن والسلوى أريد بالواحد أنه لا يتبدل وإن تعددا وضرب واحد لأنهما طعام المتلذذين وهم فلاحة نزعوا إلى ما ألفوه (فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها) أطائب الخضر التي تؤكل (وقثائها وفومها) الحنطة أو الخبز أو الثوم (وعدسها وبصلها قال) الله أو موسى (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) تستدعون الأدون ليكون لكم بدلا من الأفضل (اهبطوا مصرا) من الأمصار (فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة) الجزية والفقر فاليهود أذلاء مساكين إما على الحقيقة أو التكلف خوف تضاعف الجزية (وباءوا بغضب من الله) رجعوا وعليهم الغضب واللعنة (ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله) حججه من إفلاق البحر وإظلال الغمام وإنزال المن والسلوى

وانفجار الحجر وبالإنجيل والقرآن أو ما في التوراة من صفة محمد (ويقتلون النبيين بغير الحق) بلا جرم منهم إليهم ولا إلى غيرهم كما قتلوا شعيبا وزكريا ويحيى (ذلك) كرر تأكيدا (بما عصوا وكانوا يعتدون) بسبب عصيانهم واعتدائهم حدود الله مع كفرهم بالآيات وقتلهم الأنبياء وقيل الإشارة إلى الكفر والقتل أي جرهم العصيان والاعتداء إلى الكفر والقتل.
(إن الذين ءامنوا) بأفواههم وهم المنافقون (والذين هادوا) يقال هاد وتهود إذا دخل في اليهودية (والنصارى) جمع نصران كسكران ويا نصراني للمبالغة كياء أحمري سموا بذلك لنصرهم المسيح أو لكونهم معه في قرية تسمى ناصرة (والصابئين) الذين زعموا أنهم صبوا إلى دين الله وهم كاذبون وقيل هم كاذبون وقيل هم قوم بين اليهود والمجوس لا دين لهم وقيل دينهم يشبه دين النصارى يزعمون أنه دين نوح وقيل هم عبدة النجوم أو الملائكة (من ءامن) منهم ونزع عن كفره (بالله واليوم الآخر) أي بالمبدإ والمعاد (وعمل صالحا فلهم أجرهم) الذي يستوجبونه على الإيمان والعمل (عند ربهم ولا خوف عليهم) من العقاب (ولا هم يحزنون) على فوت الثواب.
(وإذ أخذنا ميثاقكم) عهودكم أن تعملوا بما في التوراة فأبيتم ذلك (ورفعنا فوقكم الطور) الجبل رفع جبرائيل بأمرنا قطعة منه على قدر معسكر أسلافكم فوق رءوسهم حتى قبلوا (خذوا) بتقدير القول (ما ءاتيناكم بقوة) من قلوبكم وأبدانكم قيل لهم إما أن تأخذوا بما أمرتم به فيه وإما أن ألقي عليكم هذا الجبل فالتجئوا إلى قبوله كارهين أو خذوا ما آتيناكم من التوراة بجد وعزم (واذكروا ما فيه) من جزيل ثوابنا على قيامكم به وشديد عقابنا على إبائكم له أو احفظوه أو اعملوا به (لعلكم تتقون) لتتقوا المخالفة أو وجاء منكم أن تكونوا متقين.
(ثم توليتم من بعد ذلك) عن القيام به (فلو لا فضل الله عليكم ورحمته) بإمهالكم للتوبة وبمحمد يهديكم للحق (لكنتم من الخاسرين) بإهلاككم أنفسكم بالمعاصي.
(ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت) لما اصطادوا السموك فيه وكانوا قد نهوا عنه وكانت قريتهم على البحر ولم يبق فيه حوت إلا أخرج خرطومه يوم السبت فإذا مضى تفرقت فحفروا حياضا وشرعوا إليها الجداول فكانت الحيتان تدخلها يوم السبت فيصطادونها يوم الأحد

(فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) مبعدين من كل خير.
(فجعلناها) أي المسخة (نكالا) عقوبة (لما بين يديها) ما قبلها (وما خلفها) ما بعدها من الأمم أو لمعاصريهم ومن بعدهم أو لأجل ذنوبهم المتقدمة والمتاخرة (وموعظة للمتقين) من قومهم أو كل متق سمعها.
(وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) قيل كان فيهم شيخ موسر فقتل ابنه بنو أخيه ليرثوه وطرحوه على باب المدينة وطالبوا بدمه فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها فيحيا ويخبرهم بقاتله وقيل قتلوا الشيخ وعن الصادق (عليه السلام) قتله ابن عمه ليتزوج ابنته وقد خطبها فرده وزوجها غيره (قالوا أتتخذنا هزوا) سخرية نأتيك بقتيل فتقول اذبحوا بقرة (قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) أنسب إلى الله ما لم يقل لي.
(قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) ما صفتها (قال إنه) إن الله (يقول) بعد ما سأل ربه (إنها بقرة لا فارض ولا بكر) لا كبيرة ولا صغيرة (عوان بين ذلك) وسط بين الفارض والبكر (فافعلوا ما تؤمرون).
(قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول: إنها بقرة صفراء فاقع لونها) حسن الصفرة ليس بناقص ولا مشبع (تسر الناظرين) لحسنها.
(قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) ما صفتها يزيد في صفتها (إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون) إلى المراد من ذبحها أو القائل روي أنهم لو لم يستثنوا لما تبينت لهم أبدا.
(قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض) لم تذلل لإثارة الأرض (ولا تسقي الحرث) ولا هي مما تجر الدلاء وتدير النواعير (مسلمة) من العيوب كلها (لا شية فيها) لا لون فيها من غيرها (قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها) بعد ما اشتروها بملء جلدها ذهبا (وما كادوا يفعلون) من عظم ثمنها وكانت ليتيم وكانت البقرة حينئذ بثلاثة دنانير قيل كاد كباقي سائر الأفعال في الأصح فلا ينافي الذبح عدم مقاربته لاختلاف وقتيهما إذ المعنى ما قاربوا الفعل حتى انتهت سؤالاتهم ففعلوا.
(وإذ قتلتم نفسا) خوطب الجميع لوجود القتيل فيهم (فادارأتم فيها) فاختلفتم وتدافعتم في القتل (والله مخرج ما كنتم تكتمون) من خبر القاتل وإرادة تكذيب موسى.
(فقلنا اضربوه ببعضها) اضربوا المقتول بذنب البقرة ليحيا ويخبر بقاتله (كذلك يحيي الله الموتى) في الدنيا والآخرة كما أحيا الميت بملاقاة ميت آخر (ويريكم آياته لعلكم تعقلون) أن القادر على إحياء نفس قادر على

إحياء الكل.
(ثم قست) غلظت وجفت ويئست من الخير والرحمة (قلوبكم) معاشر اليهود (من بعد ذلك) بعد ما بينت الآيات الباهرات (فهي كالحجارة أو أشد قسوة) أي زائدة عليها في القسوة ولم يقل أقسى لأن أشد أبلغ أي من عرفها شبهها بالحجارة أو ما هو أقسى منها (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار) بيان التفضيل في الأشدية (وإن منها لما يشقق فيخرج) ينبع (منه الماء) وهو ما يقطر منه الماء حول الأنهار (وإن منها لما يهبط من خشية الله) إذا أقسم عليها باسم الله أو أسماء أوليائه (وما الله بغافل عما تعملون) بالياء والتاء وهو وعيدهم.
(أفتطمعون) الخطاب للنبي والمؤمنين (أن يؤمنوا لكم) اليهود بقلوبهم (وقد كان فريق منهم) طائفة من أسلافهم (يسمعون كلام الله) في أصل جبل طور سيناء (ثم يحرفونه) إذا أدوه إلى من وراءهم (من بعد ما عقلوه) فهموه بعقولهم (وهم يعلمون) أنهم في نقولهم كاذبون فما طمعكم في سفلتهم وجهالهم.
(وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا) أي منافقوهم (ءامنا) بأنكم على الحق وأن محمدا هو المبشر به في التوراة (وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا) أي الذين لم ينافقوا عاتبين على المنافقين (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم) من دلائل نبوة محمد (ليحاجوكم به عند ربكم) بأنكم قد علمتم هذا فلم تؤمنوا به (أفلا تعقلون) أن الذي تخبرونه به حجة عليكم عند ربكم.
(أولا يعلمون) أي القائلون لإخوانهم أتحدثونهم (أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) جميعه ومنه إسرارهم الكفر وإعلامهم الإيمان.
(ومنهم أميون) لا يقرءون ولا يكتبون (لا يعلمون الكتاب إلا أماني) إلا أن يقرأ عليهم ويقال لهم هذا كتاب الله لا يعرفون أن ما قرىء من الكتاب خلاف ما فيه (وإن هم إلا يظنون) لا علم لهم ويدل على منع التقليد.
(فويل) تلهف شدة من العذاب في أسوء بقاع جهنم (للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) يحرفون من أحكام التوراة (ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا) ليأخذوا به عرضا من الدنيا فإنه قليل وإن جل (فويل لهم مما كتبت أيديهم) من المحرف (وويل لهم) ثانية مضافة إلى الأولى (مما يكسبون) من المعاصي والرشاء.
(وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) قلائل أربعين يوما أيام عبادة العجل وقيل زعموا أن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوما (قل أتخذتم عند الله عهدا) أن عذابكم على كفركم منقطع (فلن يخلف الله عهده) أي إن اتخذتم فمن يخلف إلخ (أم تقولون على الله ما لا تعلمون) بل أنتم في أيهما ادعيتم كاذبون فأم منقطعة بمعنى بل أو عديلة أي أي الأمرين كائن.
(بلى) رد عليهم (من كسب سيئة) أي الشرك (وأحاطت به خطيئته) بأن تحيط بأعماله

فتبطلها أو تخرجه عن جملة دين الله (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) دائمون.
(والذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) شفع قسم الوعد بالوعيد ليرجى ثوابه ويخشى عقابه وأخرج العطف العمل عن الإيمان.
(وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل) عهدهم المؤكد عليهم (لا تعبدون) أي لا تعبدوا (إلا الله وبالوالدين إحسانا) وأن تحسنوا بهما إحسانا وأفضل والديكم وأحقهما بشكركم محمد وعلي (وذي القربى) وأن تحسنوا بقراباتكم منهما (واليتامى والمساكين) من سكن الضر والفقر حركته (وقولوا للناس) مؤمنهم ومخالفهم (حسنا) عاملوهم بخلق جميل (وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة ثم توليتم) عن الوفاء بالعهد (إلا قليلا منكم وأنتم معرضون) عن العهد تاركين.
(وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم) لا يريق بعضكم دماء بعض (ولا تخرجون أنفسكم من دياركم) لا يخرج بعضكم بعضا (ثم أقررتم) بذلك الميثاق كما أقر به أسلافكم (وأنتم تشهدون) بذلك.
(ثم أنتم هؤلاء) المنافقون (تقتلون أنفسكم) بقتل بعضكم بعضا (وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم) حال من فاعل تخرجون يعاون بعضكم بعضا على الإخراج والقتل (بالإثم والعدوان) الإفراط في الظلم (وإن يأتوكم) الذين ترومون إخراجهم وقتلهم (أسارى) قد أسرهم الأعداء (تفادوهم) بأموالكم (وهو محرم عليكم) الضمير للشأن أو مبهم يفسره (إخراجهم) أو لمصدر يخرجون وإخراجهم تأكيد (أفتؤمنون ببعض الكتاب) الذي أوجب المفاداة (وتكفرون ببعض) الذي حرم القتل والإخراج (فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي) ذل بضرب الجزية (في الحياة الدنيا) وقيل هو قتل قريظة وأسرهم وإجلاء النضير (ويوم القيامة يردون) بالياء والتاء (إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون) بالتاء والياء تأكيد للوعد.
(أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة) ابتاعوا حظوظ الدنيا الفانية بنعيم الآخرة الباقية (فلا يخفف عنهم العذاب) بنقص الجزية في الدنيا وعقوبة الآخرة (ولا هم ينصرون) بالدفع عنهم.
(ولقد ءاتينا موسى الكتاب) والتوراة (وقفينا من بعده بالرسل) جعلنا رسولا في إثر رسول (وءاتينا عيسى بن مريم البينات) أعطيناه الآيات الواضحات (وأيدناه بروح القدس) هو جبرائيل وقيل روح عيسى إذ لم تضمها الأصلاب والأرحام الطوامث أو الإنجيل أو الاسم الأعظم (أفكلما جاءكم رسول) يا أيها اليهود (بما لا تهوى أنفسكم) بما لا تحبون (استكبرتم) عن الإيمان والاتباع (ففريقا كذبتم) كموسى وعيسى (وفريقا تقتلون) قتل أسلافكم كيحيى وزكريا من قبل وأنتم رمتم قتل محمد في العقبة وقتل علي بالمدينة وعبر بالمضارع حكاية للحال الماضية لتستحضر في النفوس للفضاعة والمفاصلة وأسند إليهم لأنه فعل أسلافهم ورضوا

به.
(وقالوا قلوبنا غلف) بضم اللام أوعية للخير والعلوم ومع ذلك لا نعرف لك فضلا وبسكونها أي في غطاء فلا نفهم حديثك (بل لعنهم الله) أبعدهم من الخير (بكفرهم) فهم الذين غلفوا قلوبهم بما أحدثوا من الكفر (فقليلا) فإيمانا قليلا (ما يؤمنون) ببعض ويكفرون ببعض.
(ولما جاءهم) أي اليهود (كتاب من عند الله) القرآن (مصدق لما معهم) هو التوراة (وكانوا من قبل) أن ظهر محمد بالرسالة (يستفتحون) يسألون الله الفتح والظفر (على الذين كفروا) من أعدائهم (فلما جاءهم ما عرفوا) من الحق (كفروا به) حسدا وطلبا للرئاسة (فلعنة الله على الكافرين) أي عليهم أقيم الظاهر مقامه ليفيد أنهم لعنوا بكفرهم.
(بئسما) ما نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس المستكن أي بئس شيئا (اشتروا به أنفسهم) باعوها به صفة ما (أن يكفروا) هو المخصوص بالذم (بما أنزل الله) على موسى من تصديق محمد (بغيا) لبغيهم وحسدهم (أن ينزل) لأن أو على أن ينزل (الله من فضله) أي بالوحي (على من يشاء من عباده) كما أنزل القرآن على محمد (فباءوا بغضب) حين كذبوا بعيسى فجعلوا قردة (على غضب) حين كذبوا بمحمد فسلط عليهم السيف (وللكافرين) أي لهم أظهر لما مر (عذاب مهين) مذل.
(وإذا قيل لهم ءامنوا بما أنزل الله) على محمد من القرآن أو كل كتاب أنزله (قالوا نؤمن بما أنزل علينا) وهو التوراة (ويكفرون بما وراءه) حال من فاعل قالوا (وهو الحق) الضمير لما وهو القرآن لأنه ناسخ لما تقدمه (مصدقا لما معهم) حال مؤكدة رد لمقالهم إذ كفرهم بما يوافق التوراة كفر بها (قل فلم كنتم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين) بالتوراة فإن فيه تحريم قتلهم فما آمنتم به بعد.
(ولقد جاءكم موسى بالبينات) الآيات التسع (ثم اتخذتم العجل) معبودا (من بعده وأنتم ظالمون) حال أي اتخذتموه ظالمين بعبادته أو اعتراض أي وأنتم قوم عادتكم الظلم.
(وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما ءاتيناكم بقوة) بجد وعزم (واسمعوا) ما يقال لكم (قالوا سمعنا) بآذاننا (وعصينا) بقلوبنا أو سمعنا قولك وعصينا أمرك (وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) قيل لأنهم مجسمة استحسنوا جسمه فرسخ في قلوبهم حبه (قل بئسما يأمركم به إيمانكم) بموسى والتوراة أن تكفروا بي (إن كنتم مؤمنين) كما تزعمون.
(قل إن كانت لكم الدار الآخرة) الجنة ونعيمها (عند الله خالصة) خاصة بكم كما زعمتم (من دون الناس) للجنس أو العهد وهم المسلمون (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) لأن من أيقن الجنة اشتاقها وتمنى التخلص من دار الفناء والهوان وفي التوراة مكتوب إن أولياء الله يتمنون الموت.
(ولن يتمنوه أبدا

بما قدمت أيديهم) موجبات النار كالكفر بمحمد والقرآن وتحريف التوراة وعبر عن النفس باليد لأنها آلة للإنسان بها عامة صنائعه والجملة إخبار بالغيب وكان كما أخبر (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعنه (عليه السلام) لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه وما بقي على وجه الأرض يهودي (والله عليم بالظالمين) تهديد لهم.
(ولتجدنهم أحرص الناس على حياة) ليأسهم عن نعم الآخرة (ومن الذين أشركوا) محمول على المعنى أي أحرص من الناس ومن الذين أشركوا أفردوا بالذكر لشدة حرصهم إذ لم يعرفوا إلا الحياة الدنيا (يود) يتمنى (أحدهم لو يعمر ألف سنة) حكاية لما ودوا ولو بمعنى ليت (وما هو) التعمير ألف سنة (بمزحزحه من العذاب) بمباعده منه (أن يعمر) بدل التعمير عن الضمير لئلا يتوهم عوده إلى التمني أو الضمير لا إلى أحدهم وأن يعمر فاعل مزحزحه أي ما واحدهم منجيه عن النار تعميره (والله بصير بما يعملون) عليم بأعمالهم.
(قل من كان عدوا لجبريل) وقرىء جبرئيل كسلسبيل وبفتح الجيم وكسر الراء وبلا همزة كقنديل نزلت لما قال اليهود لو كان الذي يأتيك ميكائيل آمنا بك فإنه ملك الرحمة وجبرائيل ملك العذاب وهو عدونا (فإنه) أي جبرائيل (نزله) أي القرآن (على قلبك) أي على فهمك وحفظك وكان حقه على قلبي فجاء على حكاية كلام الله كأنه قيل قل ما تكلمت به (بإذن الله) بأمره (مصدقا لما بين يديه) من كتب الله (وهدى وبشرى للمؤمنين) أحوال من مفعوله وجزاء الشرط فإنه نزله أي من عاد منهم جبرئيل فغير منصف لأنه ينزل كتابا يصدق الكتب السالفة فحذف الجزاء وأقيم علته مقامه أو من عاداه فبسبب أنه نزل عليك.
(من كان عدوا لله) مخالفا له (وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل) أفردا بالذكر لفضلهما كأنهما من جنس آخر ولأن النزاع كان فيهما (فإن الله عدو للكافرين) يفعل بهم ما يفعل العدو بالعدو وأقيم الظاهر مقام المضمر ليفيد أنه تعالى عاداهم لكفرهم وأن عداوة المذكورين كفر.
(ولقد أنزلنا إليك آيات بينات) القرآن ودلائله الواضحات نزلت حين قال اليهود ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل عليك من آية فنتبعك (وما يكفر بها إلا الفاسقون أوكلما) الهمزة للإنكار والواو عاطفة على مقدر أي أكفروا بالآيات وكلما (عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم) نقضه وطرحه وقيل منهم لأن بعضهم لم ينقض (بل أكثرهم لا يؤمنون) بالتوراة فلا يبالون بنقض العهد.
(ولما جاءهم رسول من عند الله) محمد أو عيسى أو القرآن (مصدق لما معهم) من التوراة أو موسى (نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله) التوراة وسائر كتب الله لأن كفرهم بالمصدق لها كفر بها (وراء ظهورهم) مثل تركهم إياه كمن ترك المرمى وراء الظهر استغناء عنه (كأنهم لا يعلمون) أنه كتاب الله أي علموا وعاندوا.
(واتبعوا) عطف على نبذوا (ما تتلوا الشياطين) أي نبذوا كتاب الله واتبعوا كتب السحرة التي تقرؤها أو تتبعها الشياطين من الجن أو الإنس أو منهما (على ملك سليمان) على عهده زعما منهم أنه بالسحر نال ما نال (وما كفر سليمان) ولا استعمل السحر كما!

زعم هؤلاء (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) كفروا بتعليمهم الناس السحر (وما أنزل) وبتعليمهم إياهم ما نزل (على الملكين) النازلين (ببابل) يسميان (هاروت وماروت) أظهرهما الله للناس بصورة بشرين ليقفوا به على حد السحر وأن يبطلوه ونهاهم أن يسحروا (وما يعلمان من أحد) السحر وإبطاله (حتى يقولا) للمتعلم (إنما نحن فتنة) امتحان للعباد (فلا تكفر) بها باستعمال السحر (فيتعلمون منهما) مما تتلوا الشياطين ومما أنزل على الملكين (ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) بتخليته فربما أحدث فعلا وربما لم يحدث (ويتعلمون ما يضرهم) في دينهم (ولا ينفعهم) فيه (ولقد علموا) أي هؤلاء المتعلمون أو اليهود (لمن اشتراه) استبدل السحر بدينه الذي ينسلخ عنه بتعلمه أو بكتاب الله واللام للابتداء علقت علموا (ما له في الآخرة من خلاق) نصيب لاعتقادهم أن لا آخرة (ولبئس ما شروا) باعوا (به أنفسهم) ورهنوها بالعذاب (لو كانوا يعلمون) يعلمون بعلمهم إذ علم من لا يعمل به كلا علم فلا ينافي إثبات العلم لهم.
(ولو أنهم ءامنوا) بمحمد والقرآن (واتقوا) المعاصي كنبذ كتاب لله واتباع السحر (لمثوبة من عند الله) خير جواب لو، أي لا يثبوا مثوبة فحذف الفعل وعدل إلى الإسمية ليفيد ثبات المثوبة ونكرت لأن المعنى لشيء من الثواب (خير) لهم (لو كانوا يعلمون) أن ثواب الله خير مما هم فيه.
(يا أيها الذين ءامنوا لا تقولوا راعنا) أي راع أحوالنا وتأن بنا حتى نفهم ما تلقنا وذلك لأن اليهود توصلوا بهذا اللفظ إلى شتم رسول الله وكانت في لغتهم سبأ بمعنى اسمع لا سمعت وقيل نسبته إلى الرعونة (وقولوا انظرنا) انظر إلينا (واسمعوا) إذ قال لكم أمرا وأطيعوا (وللكافرين) للشاتمين (عذاب أليم) وأتى بالظاهر إشعارا بالعلة وبأن ذلك يجر إلى الكفر.
(ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب) الود المحبة ومن للتبيين (ولا المشركين) لا لتأكيد النفي

(أن ينزل عليكم) مفعول يود (من خير) هو الوحي ومن مزيدة للاستغراق (من ربكم والله يختص برحمته) بالنبوة (من يشاء) ولا يشاء إلا ما تقتضيه الحكمة (والله ذو الفضل العظيم) يشعر بأن النبوة من الفضل.
(ما ننسخ من آية) بأن نرفع حكمها (أو ننسها) بأن نمحو من القلوب رسمها (نأت بخير منها) بما هو أعظم لثوابكم وأجل لصلاحكم (أو مثلها) من الصلاح أي لا ننسخ ولا نبدل إلا وغرضنا في ذلك مصالحكم (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) ألم تعلم خطاب للنبي وأمته لقوله تعالى.
(وما لكم) وأفرد لأنه أعلمهم أو لمنكر النسخ (أن الله له ملك السموات والأرض) فهو يملك أموركم ويجريها على ما يصلحكم من النسخ وغيره (وما لكم من دون الله من ولي) يقوم بأمركم (ولا نصير) ينصركم.
(أم تريدون) أيها الكفار واليهود (أن تسئلوا رسولكم) ما تقترحوا من الآيات (كما سئل موسى من قبل) واقترح عليه نزلت في أهل الكتاب حين سألوه أن ينزل عليهم كتابا من السماء أو في المشركين حين قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا إلى قولهم أو تأتي بالله والملائكة قبيلا (ومن يتبدل الكفر بالإيمان) ترك الثقة بالآيات المنزلة وشك فيها واقترح غيرها (فقد ضل سواء السبيل) أي وسطه فلا يصل إلى المقصود.
(ود كثير من أهل الكتاب) كحي بن أخطب ونظرائه (لو يردونكم) يرجعونكم (من بعد إيمانكم كفارا) مفعول ثان ليردون أو حال من مفعوله (حسدا) علة ود (من عند أنفسهم) متعلق بود أي تمنوا ذلك من قبل أنفسهم لا من قبل التدين أو حسدا منبعثا من أنفسهم (من بعد ما تبين لهم الحق) صدق محمد (فاعفوا واصفحوا) اتركوا العقوبة والتثريب (حتى يأتي الله بأمره) فيهم بالقتل يوم فتح مكة أو ضرب الجزية أو قتل قريظة وإجلاء النضير (إن الله على كل شيء قدير) فيقدر على الانتقام منهم.
(وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة) كأنهم أمروا بهما للاستعانة على مشقة العفو (وما تقدموا لأنفسكم من خير) كصلاة وإنفاق (تجدوه) تجدوا ثوابه (عند الله إن الله بما تعملون بصير) لا يضيع لديه عمل.
(وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) جمع بين قوليهما لا من اللبس بعلم السامع بالتعادي بينهما وهود جمع هائد وإفراد الاسم وجمع الخبر باعتبار اللفظ والمعنى (تلك) الأماني (أمانيهم) التي يتمنونها بلا حجة (قل هاتوا برهانكم) على اختصاصكم بالجنة (إن كنتم صادقين) في قولكم إذ ما لا دليل عليه باطل.
(بلى) رد لمقالتهم (من أسلم وجهه) أخلص نفسه (لله) لما سمع الحق (وهو محسن) في عمله لله (فله أجره عند ربه) ثابتا لديه ومن شرطية أو موصولة والجملة جوابها أو خبرها والفاء لتضمنها معنى الشرط فالرد بلى وحده أو من فاعل فعل مقدر أي بلى يدخلها من أسلم (ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) في الآخرة.
(وقالت اليهود ليست النصارى على شيء) من الدين (وقالت النصارى ليست اليهود على شيء) وقيل نزلت

حين قدم وفد نجران على الرسول وأتاهم أحبار اليهود وتقاولوا بذلك (وهم يتلون الكتاب) الواو للحال والكتاب للجنس أي قالوا ذلك وهم من أهل التلاوة للكتب (كذلك) أي مثل ذلك (قال الذين لا يعلمون) كعبدة الأصنام والدهرية (مثل قولهم) يكفر بعضهم بعضا وبخهم على تشبههم بالجهلة (فالله يحكم بينهم) بين الحزبين (يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) بأن يكذبهم ويدخلهم النار أو بما يقسم لكل منهم من العقاب.
(ومن أظلم ممن منع مساجد الله) قيل نزلت في الروم لما غزوا بيت المقدس وخربوه وقتلوا أهله وأحرقوا التوراة والمشركين حين منعوا رسول الله دخول المسجد الحرام عام الحديبية والحكم عام في كل مانع وساع في خراب كل مسجد وإن خص السبب (أن يذكر فيها اسمه) مفعول ثان لمنع أو مفعول له أي كراهة أن يذكر (وسعى في خرابها) لئلا تعمر بطاعة الله (أولئك) المانعون (ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين) من عذابه أو من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلا أن يمنعوهم منها أو ما كان لهم في علم الله فهو وعد للمؤمنين بالنصر وقيل معناه النهي عن تمكينهم من دخول المسجد (لهم في الدنيا خزي) القتل أو السبي أو الجزية أو فتح مدائنهم إذا قام المهدي أو طردهم عن الحرم (ولهم في الآخرة عذاب عظيم) بظلمهم.
(ولله المشرق والمغرب) يملكهما يعني بهما ناحيتي الأرض أي له الأرض كلها فإن منعتم الصلاة في المساجد فصلوا حيث كنتم (فأينما تولوا) إلى أي جهة صرفتم وجوهكم (فثم وجه الله) جهته التي جعلها قبلة لكم أو ذاته أي عالم بما فعلتم فيه (إن الله واسع) الرحمة فيوسع على عباده (عليم) بمصالحهم قيل منسوخة بآية فول وقيل مخصوصة بحال الضرورة والمروي عن أئمتنا (عليهم السلام) أنها نزلت في قبلة المتحير وفي التطوع في السفر على الراحلة.
(وقالوا اتخذ الله ولدا) قالت اليهود عزير ابن الله والنصارى المسيح ابن الله ومشركو العرب الملائكة بنات الله (سبحانه) تنزيها له عن ذلك (بل له ما في السموات والأرض) ملكا من جملة ذلك الملائكة وعزير والمسيح (كل له قانتون) منقادون لمشيئته وتكوينه.
(بديع السموات والأرض) منشئهما لا من شيء ولا على مثال سبق (وإذا قضى أمرا) أراد خلقه وفعله (فإنما يقول له كن فيكون) والمراد تمثيل حصول ما تعلقت به إرادته بلا مهلة بطاعة المأمور بلا توقف لا حقيقة أمر وامتثال.
(وقال الذين لا يعلمون) جملة المشركين وأهل الكتاب (لو لا يكلمنا الله أو تأتينا آية) كما تأتيك بزعمك (كذلك قال الذين من قبلهم) من الأمم (مثل قولهم) كأرنا الله جهرة هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة (تشابهت قلوبهم) في العمى والعناد (قد بينا الآيات لقوم يوقنون).
(إنا أرسلناك بالحق) متلبسا به (بشيرا ونذيرا) لا جابرا على الإيمان تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذ كان يغتم لإصرارهم على الكفر (ولا تسئل) على النهي كما عن نافع والباقون على النفي (عن أصحاب الجحيم) ما لهم لا يؤمنوا بعد تبليغك.
(ولن ترضى عنك

اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) إقناط له تعالى عن إسلامهم وكأنهم قالوا ذلك فحكاه تعالى ولذا قال (قل) مجيبا لهم (إن هدى الله) أي الإسلام (هو الهدى) بالحق لا ما تدعون إليه (ولئن اتبعت أهواءهم) بدعهم (بعد الذي جاءك من العلم) أي الدين الصحيح أو البيان (ما لك من الله من ولي ولا نصير) يدفع عنك من قبيل إياك أعني.
(الذين ءاتيناهم الكتاب) وهم مؤمنوا أهل الكتاب (يتلونه حق تلاوته) بالتدبر له والعمل بمقتضاه أو بالوقف عند ذكر الجنة والنار والسؤال في الأولى والاستعاذة في الأخرى (أولئك يؤمنون به) بكتابهم دون المحرفين (ومن يكفر به) من المحرفين (فأولئك هم الخاسرون) حيث اشتروا الضلالة بالهدى.
(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين).
(واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل) فريضة أو فداء (ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون) مر مثل الآيتين والتكرير لبعد ما بين الكلامين تأكيدا للتذكير ومبالغة في النصح وإقامة الحجة.
(وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) عامله معاملة المختبر وفسرت بذبح ولده والنار وبمناسك الحج وبالكوكب والقمر والشمس وبالعشر الحنيفية وبالكلمات التي تلقاها آدم من ربه وهي أسماء محمد وأهل بيته (عليهم السلام) (فأتمهن) أداهن بغير تفريط (قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي) نسلي الواو للاستيناف أو العطف على محذوف ومن للابتداء أو التبعيض أو زائدة أي اجعلني إماما واجعل من ذريتي أو بعضها أو ذريتي على جهة السؤال (قال لا ينال عهدي) الإمامة (الظالمين) لا يكون السفيه إمام التقي دلت على وجوب عصمة النبي والإمام لصدق الظالم على العاصي سواء فسر بانتقاص الحق أو بوضع الشيء في غير موضعه.
(وإذ جعلنا البيت) الكعبة (مثابة للناس) مرجعا ومحل عود أو موضع ثواب (وأمنا) من دخله كان آمنا (واتخذوا) بتقدير القول (من مقام إبراهيم) الحجر الذي قام عليه ودعا الناس إلى الحج أو بنى البيت (مصلى) موضع صلاة أو قبلة (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل) أمرناهما (أن) بأن أو أي (طهرا بيتي) نحيا عنه المشركين أو من الأصنام والأنجاس (للطائفين) الدائرين حوله (والعاكفين) المقيمين عنده أو المعتكفين فيه (والركع السجود) المصلين.
(وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا) البلد أو المكان (بلدا ءامنا) ذا أمن كعيشة راضية أو آمنا أهله كليل نائم (وارزق أهله من الثمرات من ءامن منهم بالله واليوم الآخر) ومن آمن بدل البعض من أهله (قال) الله تعالى (ومن كفر) عطف على محذوف أي ارزق من آمن ومن كفر (فأمتعه) أزمانا أو متاعا (قليلا) في الدنيا قل متاع الدنيا قليل (ثم أضطره) ألزمه (إلى عذاب النار وبئس المصير) والمخصوص محذوف أي العذاب.(وإذ يرفع

إبراهيم) حكاية حال ماضية (القواعد) جمع قاعدة أي الأساس ورفعها البناء عليها أو السافات إذ كل ساف قاعدة (من البيت وإسماعيل) ولعل الفصل لأنه كان يناوله الحجارة قائلين (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع) لدعائنا (العليم) بنياتنا.
(ربنا واجعلنا مسلمين) مخلصين أو منقادين (لك) والمراد طلب الزيادة في الإخلاص أو الانقياد أو الثبات عليه (ومن ذريتنا) واجعل بعضها وخصا البعض لما علما أن فيهم ظلمة (أمة) من أمه إذا قصده قيل للجماعة لأنها تام (مسلمة لك) أمة محمد لقوله وابعث فيهم وعن الصادق (عليه السلام) هم بنو هاشم خاصة (وأرنا مناسكنا) عرفنا متعبداتنا أو مذابحنا أو عبادتنا (وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم) بعباده.
(ربنا وابعث فيهم) في تلك الأمة (رسولا منهم) من تلك الأمة ولم يبعث منهم غير محمد قال أنا دعوة إبراهيم وبشرى عيسى (يتلو عليهم آياتك) دلائل التوحيد والنبوة الموحاة إليهم (ويعلمهم الكتاب) القرآن (والحكمة) المعارف والأحكام (ويزكيهم) يطهرهم من خبائث العقائد والأخلاق والأعمال (إنك أنت العزيز) لا تغلب على ما تريد (الحكيم) المحكم له.
(ومن يرغب عن ملة إبراهيم) إنكار واستبعاد وهي دين الإسلام والحنيفية العشر التي جاء بها (إلا من سفه نفسه) أذلها واستخف بها قيل سفه بالكسر متعد وبالضم لازم وفي السجادي ما أحد على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا (ولقد اصطفيناه) الرسالة (في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين) المستقيمين على الخير ومن كان كذلك كان حقيقا بالإتباع لا يرغب عنه إلا سفيه.
(إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) ظرف لاصطفيناه أو لأذكر مقدرا.
(ووصى بها) بالملة أو كلمة أسلمت (إبراهيم بنيه) الأربعة إسماعيل وإسحق ومدين ومدان (ويعقوب) أي وصى بها يعقوب بنيه الاثني عشر قائلا (يا بني إن الله اصطفى لكم الدين) الإسلام (فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون أم كنتم شهداء) إنكاري أي ما كنتم حاضرين (إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي) المراد به أخذ ميثاقهم على الثبات على الإسلام والتوحيد (قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق) عطف بيان لآبائك وعد إسماعيل منهم لأن العم يسمى أبا (إلها واحدا) بدل من إله آبائك للتصريح بالتوحيد ورفع توهم ينشأ من تكرير المضاف أو نصب على الاختصاص (ونحن له مسلمون) حال من فاعل نعبد أو مفعوله أو منهما أو اعتراض.
(تلك) أي إبراهيم ويعقوب وبنوهما (أمة قد خلت) مضت (لها ما كسبت ولكم ما كسبتم) لكل أجر عمله (ولا تسئلون عما كانوا يعملون) لا تؤاخذون بمعاصيهم كما لا تثابون بطاعاتهم.

(وقالوا) أي أهل الكتاب (كونوا هودا أو نصارى) أي دعا كل من الفريقين إلى دينه (تهتدوا) جواب كونوا (قل بل) نتبع (ملة إبراهيم حنيفا) حال أي مائلا من الباطل إلى الحق (وما كان من المشركين) تعريض بأهل الكتاب وغيرهم إذ دعوا أتباعه وهم مشركون.
(قولوا) أيها المؤمنون (ءامنا بالله وما أنزل إلينا) أي القرآن (وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسبأط) صحف إبراهيم فإنها منزلة إليهم لأنهم متعبدون بما فيها كما أن القرآن منزل إلينا والأسبأط حفدة يعقوب ذراري بنيه الاثني عشر (وما أوتي موسى وعيسى) التوراة والإنجيل وخصا بالذكر لأنه احتجاج على أهل الكتابين (وما أوتي النبيون) المذكورون وغيرهم (من ربهم) منزلا منه (لا نفرق بين أحد منهم) بأن نؤمن ببعض ونكفر ببعض كاليهود والنصارى وأضيفت بين إلى أحد لعمومه في سياق النفي (ونحن له) لله تعالى (مسلمون) منقادون مخلصون.
(فإن ءامنوا بمثل ما ءامنتم به) دخلوا في الإيمان بشهادة مثل شهادتكم التي آمنتم بها (فقد اهتدوا وإن تولوا) أعرضوا عن الإيمان (فإنما هم في شقاق) مخالفة للحق فهم في شق غير شقه (فسيكفيكهم الله) وعد له تعالى النصر عليهم (وهو السميع) لدعائك (العليم) بنيتك وهو مستجيب لك فهو من تمام الوعد أو وعيد للمعرضين أي يسمع أقوالهم ويعلم أعمالهم فيجازيهم عليها.
(صبغة الله) مصدر مؤكد لآمنا أي صبغنا الله صبغة وهي الفطرة التي فطر الناس عليها أو هدانا دينه أو طهرنا بالإيمان تطهيرا سماه صبغة للمشاكلة فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية يجعلون ذلك تطهيرا لهم ومحققا لنصرانيتهم (ومن أحسن من الله صبغة) لا صبغة أحسن من صبغته (ونحن له عابدون) عطف على آمنا.
(قل أتحاجوننا) تجادلوننا (في الله) في أمره واصطفائه النبي من العرب دونكم قيل قال أهل الكتاب كل الأنبياء منا فلو كنت نبيا لكنت منا فنزلت (وهو ربنا وربكم) الكل عباده يصيب برحمته من يشاء (ولنا أعمالنا ولكم

أعمالكم ونحن له مخلصون) دونكم.
(أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسبأط كانوا هودا أو نصارى) أم منفصلة والهمزة للإنكار وقرىء بتاء الخطاب فيجوز كونها عديلة همزة أتحاجوننا (قل أأنتم أعلم أم الله) وقد قال ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا وقال ما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده والمعطوفون عليه أتباعه (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) تعريض لأهل الكتاب بكتمهم ما نزل في محمد (وما الله بغافل عما تعملون) وعيد لهم.
(تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون) كرر تأكيدا للزجر عن الاتكال على فضل الآباء وأريد بالأمة هناك الأنبياء وهنا أسلاف أهل الكتاب.
(سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم) ما صرفهم (عن قبلتهم التي كانوا عليها) أي بيت المقدس (قل لله المشرق والمغرب) أي الأرض كلها (يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) وهو ما توجبه الحكمة من المصلحة.
(وكذلك) أي كما جعلناكم مهتدين (جعلناكم أمة وسطا) عدولا أو خيارا وعنهم (عليهم السلام) نحن الأمة الوسط وإيانا عنى وفي قراءتهم أئمة (لتكونوا شهداء على الناس) بأعمالهم المخالفة للحق في الدنيا والآخرة أو حجة عليهم تبينون لهم أو تشهدون للأنبياء على أممهم المنكرين لتبليغهم (ويكون الرسول عليكم شهيدا) بما عملتم أو حجة تبين لكم أو يشهد بعدالتكم وعديت شهادته بعلى لأنه كالرقيب عليهم (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها) بيت المقدس (إلا لنعلم) نمتحن الناس فنميز (من يتبع الرسول) في الصلاة إليه (ممن ينقلب على عقبيه) فيرتد لألفة بقبلة آبائه أو ليتعلق عليها به وجودا أو ليعلم أولياءه الرسول والمؤمنون وفي الولاية إشعار بأن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة وما جعلنا قبلتك بيت المقدس إلا لنعلم وقيل المراد الكعبة أي ما رددناك إلى ما كنت عليها إلا لنعلم الثابت من المرتد لأنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يصلي بمكة إليها ثم أمر بالصلاة إلى بيت المقدس ثم رد إليها بعد الهجرة (وإن كانت) التحويلة أو القبلة وإن مخففة (لكبيرة) ثقيلة واللام فارقة (إلا على الذين هدى الله) إلى الحكمة الثابتين على اتباع الرسول (وما كان الله ليضيع إيمانكم) صلاتكم نزلت حين قال المسلمون كيف حال من صلى إلى بيت المقدس (إن الله بالناس لرءوف رحيم) لا يضيع أعمالهم.
(قد نرى تقلب وجهك) تردده (في السماء) في جهتها ترقبا للوحي نزلت حين عيرته اليهود بأنه تابع لقبلتهم واغتم لذلك وكان (صلى الله عليه وآله وسلّم) يترقب أن يحوله ربه للكعبة لأنه قبلة أبيه إبراهيم وأدعى للعرب إلى اتباعه ولمخالفة اليهود (فلنولينك قبلة ترضاها) لمقاصد دينية وافقت حكمة الله تعالى (فول وجهك شطر المسجد الحرام) نحوه (وحيث ما كنتم) أيها الناس (فولوا وجوهكم شطره) خصه أولا ثم عمم تصريحا لعموم الحكم (وإن الذين

أوتوا الكتاب ليعلمون أنه) أي التوجه إلى الكعبة (الحق من ربهم) لتضمن كتبهم أنه يصلي إلى القبلتين (وما الله بغافل عما يعملون) وعد ووعيد للحزبين وقرىء بتاء الخطاب.
(ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية) برهان وحجة (ما تبعوا قبلتك) عنادا (وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض) لتعصبهم وتصلبهم واليهود تستقبل الصخرة والنصارى المشرق (ولئن اتبعت أهواءهم) فرضا (من بعد ما جاءك) بالوحي (من العلم إنك إذا لمن الظالمين) أكد الوعيد له لطفا للسامعين وتحذيرا عن اتباع الهوى وتحريصا على الثبات على الحق.
(الذين ءاتيناهم الكتاب) أي علماؤهم (يعرفونه) أي محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأوصافه (كما يعرفون أبناءهم) لا يشبهون عليهم بغيرهم أو الضمير للعلم أو القرآن أو تحويل القبلة (وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون الحق) مبتدأ خبره (من ربك) واللام للعهد إشارة إلى ما عليه الرسول أو الحق الذي يكتمونه أو للجنس أي الحق ما كان من ربك أو الحق خبر محذوف أي هو الحق والظرف حال أو خبر ثان (فلا تكونن من الممترين) الشاكين في ذلك من قبيل إياك أعني.
(ولكل وجهة) لكل أهل ملة قبلة أو لكل قوم من المسلمين جهة من الكعبة والتنوين للعوض (هو موليها) وجهة أو الله تعالى موليها إياه وقرىء مولاها أي مولى تلك الجهة (فاستبقوا الخيرات) الطاعات (أينما تكونوا) في أي موضع متم (يأت بكم الله) إلى المحشر (جميعا) من موافق ومخالف مجتمع الأجزاء ومتفرقها وعنهم (عليهم السلام) أنها في أصحاب القائم يفقدون من فرشهم ليلا فيصبحون بمكة (إن الله على كل شيء قدير) ومنه جمعكم .
(ومن حيث) من أي بلد (خرجت) إلى السفر (فول وجهك شطر المسجد الحرام) في الصلاة (وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون) بالتاء والياء .
(ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) قيل كرر تأكيدا لأمر القبلة وتثبيتا للقلوب عن فتنة النسخ وذكر في كل آية غاية للتحويل من ابتغاء مرضاة الرسول وجرى عادة الله على توليته كل أمة وجهة ودفع حجة المخالف (لئلا يكون للناس عليكم حجة) علة لولوا أي توليتكم عن الصخرة إلى الكعبة ترد احتجاج اليهود بأن المنعوت في التوراة قبلة الكعبة والمشركين بأنه يخالف قبلة إبراهيم ويدعي ملته (إلا الذين ظلموا منهم) استثناء من الناس أي لئلا يكون حجة لأحد من الناس إلا المعاندين من اليهود القائلين ما تحول إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه وحبه لبلده وسمي حجة لسوقهم إياه مساقها أو من العرب القائلين رجع إلى قبلة آبائه ويوشك أن يرجع إلى دينهم إذ الاستثناء للمبالغة في نفي الحجة إذ لا حجة للظالم (فلا تخشوهم) من مطاعنهم (واخشوني) بمخالفة أمري (ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون) عطف على لئلا وعلة محذوف أي وأمرتكم لإتمامي النعمة عليكم وإرادتي اهتداءكم .
(كما أرسلنا فيكم رسولا منكم)

متصل بسابقه أي ولأتم نعمتي عليكم بالقبلة أو الثواب كما أتممتها بإرسال رسول منكم أو بلاحقه أي كما ذكرتكم بإرساله فاذكروني (يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم) يعرفكم ما تكونون به أزكياء (ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) مما لا سبيل إلى علمه إلا بالوحي .
(فاذكروني) بطاعتي (أذكركم) برحمتي (واشكروا لي) نعمتي (ولا تكفرون) بجحدها .
(يا أيها الذين ءامنوا استعينوا) على الجهاد أو الطاعات (بالصبر) عن الشهوات (والصلوة إن الله مع الصابرين) بالنصر والتوفيق .
(ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات) أي هم أموات (بل) هم (أحياء ولكن لا تشعرون) كيف حياتهم في الصافي أن أرواح المؤمنين في الجنة على صور أبدانهم فلو رأيته لقلت فلان وعنه (عليه السلام) أنها تصير في مثل قوالبهم ويعرفون القادم عليهم بصورته وعلى هذا فتخصيص الشهداء لمزيد قربهم ونزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر .
(ولنبلونكم) نختبرنكم اختبار الممتحن (بشيء) بقليل (من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات) قيل الخوف خوف الله والجوع الصوم والنقص من الأموال الزكاة ومن الأنفس الأمراض ومن الثمرات موت الأولاد لأنهم ثمرة القلب (وبشر الصابرين) .
(الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله) إقرارا بالملك ورضا بالقضاء (وإنا إليه راجعون) إقرار بالهلك والبعث للجزاء .
(أولئك عليهم صلوات من ربهم) أنواع الأثنية الجميلة ويفيد أن الصلاة ليست من خصائص النبي فيجوز أن يصلي على غيره بانفراده فعلى آله بطريق أولى (ورحمة) وإحسان (وأولئك هم المهتدون) للحق في الاسترجاع والتسليم .
(إن الصفا والمروة) هما جبلان بمكة معروفان (من شعائر الله) من أعلام مناسكه (فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) نزلت حين تحرج المسلمون من الطواف بهما وعليهما الأصنام أو حين ظنوا أن السعي بهما شيء صنعه المشركون (ومن تطوع خيرا) تبرع زيادة على الواجب من حج أو عمرة أو غيره أو الأعم أو من فعل طاعة من فرض أو نفل وقرىء يطوع وأصله يتطوع (فإن الله شاكر) مجاز على ذلك (عليم) به .
(إن الذين يكتمون) من أهل الكتاب أو الأعم (ما أنزلنا من البينات) في أمر محمد أو الأعم (والهدى) ما يهدي إلى الحق (من بعد ما بيناه للناس في الكتاب) التوراة والإنجيل أو الأعم (أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) كل من يتأتى منه اللعن حتى أنفسهم يقولون لعن الله الظالمين .
(إلا الذين تابوا) من كتمانهم (وأصلحوا) أعمالهم وما كانوا أفسدوه (وبينوا) ما كتموا (فأولئك أتوب عليهم) أقبل توبتهم (وأنا التواب الرحيم) البالغ في العقود والإحسان .
(إن الذين كفروا) من الكاتمين وغيرهم (وماتوا وهم كفار) لم يتوبوا (أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) قيل الأول لعنهم أحياء وهذا لعنهم أمواتا .
(خالدين فيها) في اللعنة أو النار (لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) نظر رحمة أو لا يمهلون ليعتذروا .
(وإلهكم) المستحق للعبادة (إله واحد) لا شريك له في الإلهية (لا إله إلا هو) تقرير لوحدانيته بنفي غيره وإثباته

(الرحمن الرحيم) المولى لجميع النعم أصولها وفروعها .
(إن في خلق السموات والأرض) على هذا الطراز العجيب والنمط الغريب وما فيها من العجائب والغرائب والمنافع والمصالح (واختلاف الليل والنهار) اعتقابهما كل يخلف الآخر (والفلك) السفن (التي تجري في البحر بما ينفع الناس) بنفعهم أو بالذي ينفعهم والاستدلال بأحوالها وبالبحر وعجائبه (وما أنزل الله من السماء) السحاب وما فوقه (من ماء) بيان لما (فأحيا به الأرض بعد موتها) بالنبات (وبث) فرق (فيها من كل دابة وتصريف الرياح) تقليبها في مهابها وأحوالها وقرىء الريح (والسحاب المسخر) الرياح تقلبه (بين السماء والأرض) بمشيئة الله تعالى (لآيات) دلائل على وجود الإله ووحدته وعلمه وقدرته تعالى وسائر صفاته (لقوم يعقلون) يتفكرون فيها بعقولهم .
(ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا) من الأصنام أو الرؤساء الذين يتبعونهم (يحبونهم) يعظمونهم (كحب الله والذين ءامنوا أشد حبا لله) لا يعدلون عنه إلى غيره (ولو يرى) يعلم (الذين ظلموا) بالشرك (إذ يرون) حين يرون (العذاب) في القيامة (أن القوة) القدرة (لله جميعا) أي لندموا وقرىء ترى على الخطاب أي لرأيت أمرا عظيما (وأن الله شديد العذاب) استيناف .
(إذ تبرأ) بدل من إذ يرون (الذين اتبعوا) الرؤساء (من الذين اتبعوا) من الأتباع (ورأوا العذاب) حال بإضمار قد (وتقطعت بهم الأسبأب) الوصل التي كانت بينهم من مودة أو قرابة .
(وقال الذين اتبعوا) الأتباع (لو أن لنا كرة) ليت لنا عودة إلى الدنيا (فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك) الأمر الفظيع (يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم) ندامات (وما هم بخارجين من النار) عدل عن وما يخرجون إليه مبالغة في الخلود وإقناطا من الكرة .
(يا أيها الناس كلوا مما في الأرض) من أنواع ثمارها وأطعمتها (حلالا) مباحا مفعول كلوا أو صفته مصدر محذوف (طيبا) ملتذا أو طاهرا من الشبه (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) ما يخطو بكم إليه ويعزيكم به من مخالفة الرسول فتحرموا حلالا وتحللوا حراما (إنه لكم عدو مبين) ظاهر العداوة .
(إنما يأمركم بالسوء) القبائح (والفحشاء) ما تجاوز الحد في القبح (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) كادعاء الأنداد والأولاد وتحريم حلاله وبالعكس .
(وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا) وجدنا (عليه آباءنا) نزلت في المشركين أو اليهود (أولو كان ءاباؤهم لا يعقلون شيئا) من الدين (ولا يهتدون) للحق .
(ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق) يصيح (بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) أي مثل داعي الذين كفروا كمثل الناعق بالبهائم التي لا تسمع إلا تصويته ولا تفهم معناه (صم بكم عمي) عن الهدى (فهم لا يعقلون) لتركهم النظر .
(يا أيها الذين ءامنوا كلوا من طيبات

ما رزقناكم) من مستلذاته أو حلاله (واشكروا لله) الذي رزقكموها (إن كنتم إياه تعبدون) فإن العبادة لا تتم إلا بالشكر .
(إنما حرم عليكم الميتة) ما مات حتف أنفه (والدم) أي المسفوح منه لقوله أو دما مسفوحا (ولحم الخنزير) وإن ذكي (وما أهل) صوت (به لغير الله) ما ذبح للأصنام تقربا إليها فذكر اسم غير الله (فمن اضطر) إلى شيء من هذه المحرمات (غير باغ) خارج على الإمام أو باغ الصيد بطرا (ولا عاد) متعد بقطع الطريق (فلا إثم عليه إن الله غفور) ستار لعيوبكم (رحيم) بكم بإباحة المحرمات في الضرورة .
(إن الذين يكتمون) من اليهود وغيرهم (ما أنزل الله من الكتاب) التوراة في بعث محمد (ويشترون به ثمنا) عوضا (قليلا) من حطام الدنيا (أولئك ما يأكلون في بطونهم) ملؤها يقال أكل في بطنه وفي بعض بطنه (إلا النار) إذ يؤديهم ذلك إليها ولا يكلمهم الله يوم القيامة) بكلام خير بل بنحو اخسئوا أو عبر به عن غضبه (ولا يزكيهم) من ذنوبهم أو بالثناء عليهم (ولهم عذاب أليم) مؤلم .
(أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) الكفر بالإيمان (والعذاب بالمغفرة) إذ كتموا الحق للرشا (فما أصبرهم على النار) تعجب من التباسهم بموجبات النار بلا مبالاة .
(ذلك) العذاب (بأن الله نزل الكتاب بالحق) فكذبوه وكتموه (وإن الذين اختلفوا في الكتاب) القرآن فقالوا سحر وشعر وكهانة وأساطير الأولين أو كتب الله فآمنوا ببعض وكفروا ببعض (لفي شقاق) خلاف (بعيد) عن الحق .
(ليس البر) الطاعة (أن تولوا وجوهكم) بصلاتكم (قبل المشرق) أيها النصارى (والمغرب) أيها اليهود (ولكن البر) بر (من ءامن) ولكن ذا البر من آمن (بالله واليوم الآخر) صدق بالمبدإ والمعاد (والملائكة والكتاب) جنسه أو القرآن (والنبيين وآتى المال على حبه) أي مع حب المال أو الإيتاء أو حب الله (ذوي القربى) للمعطي والرسول وهو مروي عن الصادق (عليه السلام) (واليتامى) المحاويج منهم (والمساكين) من لم يجدوا نفقة السنة (وابن السبيل) المسافر المنقطع به سمي ابنه للملازمة وقيل الضيف (والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلوة) بحدودها (وآتى الزكوة) المفروضة (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) عطف على من آمن (والصابرين) نصب على المدح (في البأساء) مجاهدة النفس أو الفقر (والضراء) الفقر والشدة أو المرض (وحين البأس) عند شدة القتال (أولئك الذين صدقوا) في إيمانهم (وأولئك هم المتقون) لما أمروا باتقائه .
(يا أيها الذين ءامنوا كتب) فرض (عليكم القصاص) المساواة أو التعويض (في القتلى الحر بالحر) يقتص به (والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفا) ترك (له من أخيه شيء فاتباع) فعلى العافي اتباع (بالمعروف) من غير استزادة ولا تعنيف (وأداء) من الجاني (إليه) إلى العافي (بإحسان) من غير بخس ولا مماطلة (ذلك) الحكم المذكور (تخفيف من ربكم ورحمة) لما فيه من التسهيل والنفع (فمن اعتدى) بالقتل أو التمثيل (بعد ذلك) بعد قبول الدية (فله

عذاب أليم) .
(ولكم في القصاص حياة) لأن من علم أن القصاص واجب لا يجترىء على القتل (يا أولي الألباب) نودوا للتأمل في حكمة القصاص (لعلكم تتقون) القتل خوفا من القصاص .
(كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت) ظهرت أسبأبه وأماراته (إن ترك خيرا) مالا كثيرا (الوصية) مرفوع بكتب وتذكيره بتأويل أن توصوا (للوالدين والأقربين بالمعروف) بالعدل فلا يتجاوز الثلث ولا يفضل الغني ولا يضر الوارث (حقا) مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا (على المتقين) قيل وجوبها منسوخ وجوازها واستحبابها باق .
(فمن بدله) غير ذلك الإيصاء (بعد ما سمعه) وتحققه (فإنما إثمه) إثم التبديل (على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم) وعيد للمبدل .
(فمن خاف) توقع وعلم (من موص جنفا) ميلا عن الحق في الوصية خطأ (أو إثما) تعمدا للجنف (فأصلح بينهم) بالرد إلى الحق (فلا إثم عليه) في تبديل الباطل إلى الحق بخلاف العكس (إن الله غفور) للمذنب (رحيم) به فكيف للمصلح المستحق الأجر .
(يا أيها الذين ءامنوا كتب) فرض (عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) أي الأنبياء والأمم من لدن آدم والتشبيه في أصل الصوم وقيل في العدد والوقت (لعلكم تتقون) به المعاصي فإنه يقمع الشهوة كما قال خصاء أمتي الصوم .
(أياما معدودات) محصورات أو قلائل ونصبها بالصيام (فمن كان منكم مريضا) بحيث يضر به الصوم (أو على سفر) راكب سفر (فعدة) فعليه صوم عدة أيام المرض والسفر (من أيام أخر) وهو صريح في الوجوب ودعوى أنه رخصة بإضمار فأفطر تعسف (وعلى الذين يطيقونه) هم الذين يكون الصيام بقدر طاقتهم ويكونون معه على مشقة وعسر خيرهم بين الفدية وبين الصوم إذ لا يكلف إلا بما دون الطاقة (فدية) عن كل يوم (طعام مسكين) إن أفطروا (فمن تطوع خيرا) زاد في مقدار الفدية (فهو خير له وأن تصوموا) أيها المطيقون (خير لكم) من الفدية وتطوع الخير (إن كنتم تعلمون) منهم وقيل كان القادرون على الصوم مخيرين بينه وبين الفدية ثم نسخ بقوله فمن شهد وقيل غير منسوخ بل المراد به الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن ومن كان يطيقه ثم أصابه كبر أو عطاش فصار لا يطيقه إلا بمشقة وهو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) .
(شهر رمضان) خبر محذوف أي الأيام المعدودات أو مبتدأ خبره (الذي أنزل فيه القرآن) نزل فيه جملة واحدة إلى البيت المعمور ثم نزل في طول عشرين سنة أو ابتداء إنزاله فيه وأنزل في شأنه (هدى) هاد (للناس وبينات) آيات واضحات (من الهدى والفرقان) مما يهدي إلى الحق ويفرق بينه وبين الباطل (فمن شهد) حضر غير مسافر ولا مريض (منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) تأكيدا لوجوب الإفطار والقضاء (يريد الله بكم اليسر) في جميع أموركم (ولا يريد بكم العسر) فلذا أمر بالإفطار في السفر والمرض (ولتكملوا العدة) أيام الشهر بالصيام (ولتكبروا

الله على ما هداكم) تعظموه على هدايته إياكم أو فدية تكبير صلاة العيد والتكبيرات بعد أربع صلوات (ولعلكم تشكرون) تسهيله الأمر لكم .
(وإذا سألك عبادي عني) نزلت حين سألوا أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه (فإني قريب) عليهم بأحوالهم سميع لدعائهم كما يسمع القريب كلام صاحبه (أجيب دعوة الداع إذا دعان) إذا أتى بشرائط الدعاء وعرف من يدعو (فليستجيبوا لي) إذا دعوتهم للإيمان والطاعة (وليؤمنوا بي) وليتحققوا أني قادر على إعطائهم ما سألوه (لعلهم يرشدون) يصيبون الحق ويهتدون إليه .
(أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) كناية عن المواقعة (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) استيناف يبين سبب الإحلال وهو صعوبة الصبر عنهن لشدة الملابسة والمخالطة التي هي وجه تمثيل كل منهما باللباس لصاحبه أو بستر كل منهما حال صاحبه ومنعه عن الفجور (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) بتعريضها للعقاب وتنقيص حظها من الثواب (فتاب عليكم وعفا عنكم) روي أنها نزلت حين كان النكاح في ليالي شهر رمضان والأكل فيها بعد النوم حراما فنكح قوم من الشبان فيها سرا ونام رجل قبل الإفطار وحضر حفر الخندق فأغمي عليه (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم) من الولد (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) بياض النهار من سواد الليل وهو الفجر الصادق المعترض في الأفق الذي لا شك فيه (ثم أتموا الصيام إلى الليل) بيان حده (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) التي يجوز الاعتكاف فيه وهي كل مسجد جامع على الأظهر (تلك) الأحكام المذكورة (حدود الله فلا تقربوها) بالمخالفة نهوا عن قربها مبالغة في منع التعدي (كذلك) البيان (يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) تعدي حدوده .
(ولا تأكلوا أموالكم بينكم) لا يأكل بعضكم مال بعض (بالباطل) بالوجه الذي لم يشرعه الله (وتدلوا بها) عطف على تأكلوا أي ولا تلقوا أمرها (إلى الحكام) بالجور (لتأكلوا) بالتحاكم (فريقا) طائفة (من أموال الناس بالإثم) بموجب الإثم كاليمين الكاذبة وشهادة الزور (وأنتم تعلمون) أنكم مبطلون .
(يسألونك عن الأهلة) ما الحكمة في اختلاف حالها وزيادتها ونقصانها (قل هي مواقيت للناس والحج) معالم لهم يوقتون بها معاملاتهم وعدد نسائهم وصومهم وفطرهم ومعالم للحج (وليس البر بأن تأتوا البيوت) من ظهورها كان الرجل إذا أحرم نقب في مؤخر بيته نقبا منه يدخل ويخرج وروي معناه أن تأتوا الأمور من غير وجوهها (ولكن البر من اتقى) ما حرم الله (وأتوا البيوت من أبوابها) ائتوا الأمور من وجوهها وعنهم (عليهم السلام) هي بيوت العلم ونحن أبوابها (واتقوا الله) في أوامره ونواهيه (لعلكم تفلحون) لكي تظفروا بالهدى .
(وقاتلوا في سبيل الله) جاهدوا في دينه لإعزازه (الذين يقاتلونكم) لا الكافين فتكون منسوخة تقابلوا المشركين أو أريد بهم من يتوقع منهم القتال

ليخرج الشيوخ والصبيان والنساء (ولا تعتدوا) عما حد الله في القتل (إن الله لا يحب المعتدين). .
(واقتلوهم حيث ثقفتموهم) وجدتموهم في حل أو حرم (وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) أي مكة (والفتنة أشد من القتل) أي شركهم وصدهم إياكم عن الحرم أعظم من قتلكم إياهم فيه (ولا تقاتلوهم) تفاتحوهم بالقتال (عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم) فإنهم هم الذين هتكوا حرمة الحرم (كذلك) الجزاء (جزاء الكافرين) يفعل بهم كفعلهم .
(فإن انتهوا) عن القتال والشرك (فإن الله غفور رحيم) بهم .
(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) شرك (ويكون الدين) الطاعة والعبادة (لله) وحده (فإن انتهوا) عن الشرك (فلا عدوان إلا على الظالمين) فلا تعتدوا على المنتهين وسمي جزاء الظلم ظلما للمشاكلة كاعتدوا عليه .
(الشهر الحرام بالشهر الحرام) أي إذا قاتل المشركون في الشهر الحرام جاز قتالهم فيه (والحرمات قصاص) يجري فيها القصاص فلما هتكوا حرمة شهركم فافعلوا بهم مثله (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله) فلا تعتدوا في الانتصار (واعلموا أن الله مع المتقين) فينصرهم .
(وأنفقوا) من أموالكم (في سبيل الله) في وجوه البر والجهاد (ولا تلقوا بأيديكم) أي أنفسكم (إلى التهلكة) بالإسراف وكل ما يؤدي إلى الإهلاك (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) أي المقتصدين .
(وأتموا الحج والعمرة) ائتوا بهما تامين كاملين (لله) لوجه الله خالصا (فإن أحصرتم) منعكم خوف أو مرض بعد ما أحرمتم (فما استيسر من الهدي) فعليكم إذا أردتم التحليل ما تيسر من الأنعام تبعثونه (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله) مكانه الذي ينحر فيه وهو في المرض للحاج منى يوم النحر وللمعتمر مكة في الساعة التي وعد المبعوث معهم وفي العدو مكانه الذي صد فيه حين يريد الإحلال (فمن كان منكم مريضا) مرضا محوجا للحلق (أو به أذى من رأسه) كقمل أو غيره (ففدية) أي فحلق فالواجب فدية (من صيام) ثلاثة أيام (أو صدقة) على عشرة مساكين لكل مد وروي ستة لكل مدان (أو نسك) ذبح شاة (فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة) استمتع بعد التحلل من عمرته بإباحة ما حرم عليه (إلى الحج) إلى أن يحرم بالحج (فما استيسر من الهدي) شاة (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج) في أيامه أي في ذي الحجة (وسبعة إذا رجعتم) إلى أهاليكم فإن أقام بمكة انتظر وصول أهل بلده ثم يصوم ما لم يتجاوز شهرا فيجتزي به (تلك عشرة كاملة) في بدلية الهدي لا تنقص عن الأضحية الكاملة أو تأكيد آخر مبالغة في حفظ العدد (ذلك) أي التمتع (لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) من كان منزله على ثمانية وأربعين ميلا منه (واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب الحج) أي وقته (أشهر معلومات) معروفات هي شوال وذو القعدة وذو الحجة وقيل تسعة من ذي الحجة بليلة النحر وقيل العشرة فالجمع لإقامة البعض مقام الكل أو لاستعماله فيما فوق الواحد وبناء الخلاف أن المراد بوقته وقت أفعاله وإحرامه

(فمن فرض فيهن الحج) بأن لبى أو أشعر أو قلد (فلا رفث) هو الجماع (ولا فسوق) هو الكذب والسبأب (ولا جدال) هو قول لا والله وبلى والله (في الحج) في أيامه (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) يجازيكم به (وتزودوا) لمعادكم التقوى (فإن خير الزاد التقوى) وقيل كان أهل اليمن لا يتزودون ويقولون نحن متوكلون ويكونون كلا على الناس فنزلت فيهم (واتقون يا أولي الألباب) خصوا بالخطاب إشعارا بأن مقتضى العقل خشية الله وتقواه .
(ليس عليكم جناح) إثم (أن تبتغوا) في أن تطلبوا (فضلا) رزقا (من ربكم) بالتجارة قيل كانوا يتأثمون بالتجارة في الحج فرفع ذلك أو المراد مغفرة منه (فإذا أفضتم) دفعتم أنفسكم بكثرة (من عرفات فاذكروا الله) بالتسبيح ونحوه (عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم) لدينه أي بإزاء هدايته أو كما علمكم المناسك وغيرها (وإن) مخففة (كنتم من قبله) قبل الهدى (لمن الضالين) الجاهلين .
(ثم أفيضوا) يا معشر قريش (من حيث أفاض الناس) من عرفات وكان قريش يقفون بجمع ولا يقفون مع سائر الناس بعرفات ترفعا عليهم فأمروا بمساواتهم فثم لتفاوت ما بين الإفاضتين إذ تلك حرام وهذه واجبة وقيل من جمع إلى منى بعد الإفاضة من عرفات إليها والأمر عام ويراد بالناس إبراهيم والأنبياء وهو الأنسب بثم والسوق (واستغفروا الله) من جاهليتكم عند الإفاضة إلى المشعر أو من ذنوبكم (إن الله غفور رحيم) .
(فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله) ذكرا كثيرا (كذكركم آباءكم) كانوا إذا فرغوا من الحج يجتمعون فيذكرون مفاخر آبائهم وأيامهم (أو أشد ذكرا) بأن تزيدوا في ذكر آلائه وشكر نعمائه (فمن الناس من يقول ربنا ءاتنا) اجعل عطاءنا (في الدنيا) خاصة (وما له في الآخرة من خلاق) نصيب .
(ومنهم من يقول ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة) كالصحة والأمن وسعة الرزق وحسن الخلق (وفي الآخرة حسنة) رضوانك والجنة (وقنا عذاب النار) بالعفو وعن علي (عليه السلام) الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحوراء وعذاب النار امرأة السوء .
(أولئك لهم نصيب مما كسبوا) من جنسه وهو جزاؤه أو من أجله (والله سريع الحساب) يحاسبهم في قدر لمحة .
(واذكروا الله في أيام معدودات) كبروه أدبار الصلاة في أيام التشريق عقيب خمس عشرة صلاة في منى وعشر في غيرها أولها ظهر يوم النحر (فمن تعجل) استعجل النفر (في يومين) أي نفر في ثاني أيام التشريق بعد الزوال والرمي إلى الغروب (فلا إثم عليه) بتعجيله ومن تأخر إلى الثالث فنفر فيه أي وقت شاء بعد الرمي قال الصادق (عليه السلام) لو سكت لم يبق أحد إلا تعجل ولكنه قال (ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى) أي ذلك التخيير للمتقي المعاصي لأنه الحاج على الحقيقة أو لمن اتقى الصيد والنساء في إحرامه (واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون)

فيجازيكم بأعمالكم .
(ومن الناس) نزلت في المرائي أو المنافق أو الأخنس بن شريق (من يعجبك قوله في الحياة الدنيا) أي قوله في ذمها وزوالها أو يعجبك في الدنيا كلامه دون الآخرة إذ لا حقيقة له (ويشهد الله) يستشهده ويحلف به (على ما في قلبه) أي أنه مضمر ما يقول (وهو ألد الخصام) جمع خصم أي أشد الخصوم خصومة أو شديد المخاصمة .
(وإذا تولى) عنك أو صار واليا (سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل) كما فعل الأخنس بثقيف إذ بيتهم وأهلك مواشيهم وأحرق زروعهم أو كما تفسد ولاة السوء بالقتل والإتلاف أو بالظلم حتى يحبس الله بشؤمه القطر فيهلك الحرث والنسل (والله لا يحب الفساد) لا يرضاه .
(وإذ قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم) حملته الحمية الجاهلية على الإثم الذي أمر باتقائه (فحسبه جهنم) كفته عقوبة (ولبئس المهاد) الوطء هي له .
(ومن الناس من يشري نفسه) يبعها ويبذلها (ابتغاء مرضاة الله) نزلت في علي (عليه السلام) حين هرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى الغار وبات على فراشه يفديه بنفسه (والله رءوف بالعباد) .
(يا أيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم) الانقياد والطاعة أو الإسلام أو الصلح (كافة) جميعا (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) بتفرقكم أو تفريقكم (إنه لكم عدو مبين) .
(فإن زللتم) عما أمرتم به (من بعد ما جاءتكم البينات) الحجج (فاعلموا أن الله عزيز) لا يعجزه البطش (حكيم) لا يبطش إلا بحق .
(هل ينظرون) معناه النفي (إلا أن يأتيهم الله) بأسه أو أمره أو يأتيهم بنقمته أو عذابه (في ظلل) جمع ظلة وهي ما أظلك (من الغمام) السحاب الأبيض فإنه مظنة الرحمة فإتيان العذاب منه من حيث لا يحتسب (والملائكة وقضي الأمر) فرغ من تدميرهم والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه (وإلى الله ترجع الأمور) ببناء الفاعل والمفعول .
(سل بني إسرائيل) أمر للرسول أو لكل أحد والسؤال تقريع (كم ءاتيناهم من ءاية) نعمة (بينة) معجزة واضحة على أيدي أنبيائهم أو حجة في الكتب على صدق محمد (ومن يبدل نعمة الله) آياته (من بعد ما جاءته) وعرفها (فإن الله شديد العقاب) له أو لمن عصاه .
(زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين ءامنوا) من فقراء المؤمنين (والذين اتقوا) من المؤمنين (فوقهم يوم القيامة) لأنهم في عليين وهم في سجين (والله يرزق من يشاء) في الدارين (بغير حساب) بغير تقدير .
(كان الناس) قبل نوح أو بين آدم ونوح أو أهل السفينة (أمة واحدة) على الفطرة لا مهتدين ولا كافرين (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) ليتخذ عليهم الحجة (وأنزل معهم الكتاب بالحق) متلبسا به (ليحكم بين الناس) أي الله أو الكتاب (فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه) في الحق أو الكتاب (إلا الذين أوتوه) أعطوا العلم به إذ جعلوا المزيل للاختلاف سببا لحصوله (من بعد ما جاءتهم البينات بغيا) ظلما وطلبا للرئاسة (بينهم فهدى الله الذين ءامنوا لما اختلفوا فيه من الحق) بيان لما (بإذنه) بلطفه وأمره (والله يهدي من يشاء إلى

صراط مستقيم) موصل إلى النجاة .
(أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم) أي مثل حالهم فتصبروا كما صبروا (مستهم البأساء والضراء) استيناف بيان للمثل (وزلزلوا) أزعجوا بأنواع البلايا (حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه) لاستطالة زمان الشدة وفناء الصبر (متى نصر الله) معناه طلب النصر وتمنيه (ألا إن نصر الله قريب) أي قل لهم ذلك إجابة لسؤالهم .
(يسألونك ماذا ينفقون) قيل كان عمرو بن الجموح شيخا ذا مال فقال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بما أتصدق وعلى من أتصدق فنزلت (قل ما أنفقتم من خير) مال (فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) لا يضيعه .
(كتب عليكم القتال وهو كره لكم) طبعا والوصف بالمصدر للمبالغة (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) في المال إذ فيه الظفر أو الشهادة (وعسى أن تحبوا شيئا) وهو ترك الجهاد والحياة (وهو شر لكم) إذ فيه الذل وحرمان الأجر (والله يعلم) ما يصلحكم (وأنتم لا تعلمون) ذلك فامتثلوا ما أمرتم به وإن لم تعرفوا الحكمة .
(يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) بدل اشتمال قتل المسلمون مشركا في غرة رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة فاستعظمت قريش ذلك فنزلت (قل قتال فيه كبير) أي ذنب عظيم (وصد) منع (عن سبيل الله) طاعته أو الإسلام أي ولكن ما فعلوا بك من الصد عن الإسلام (وكفر به) بالله (والمسجد الحرام) أي وبه (وإخراج أهله منه) وهم النبي والمؤمنون (أكبر عند الله) وزرا مما فعله المسلمون خطأ وهو خبر الأربعة المذكورة (والفتنة) أي الكفر والإخراج (أكبر من القتل) المذكور (ولا يزالون) أي الكفار (يقاتلونكم) لدوام عداوتهم لكم (حتى) كي (يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا) بفوات ثمرة الإسلام (والآخرة) بفوات الثواب (وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) لكفرهم .
(إن الذين ءامنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله) نصرته في الدنيا وثوابه في الآخرة (والله غفور) لذنوبهم (رحيم) بهم وفيه إشعار بأن الرجاء إنما يليق مع وجود أسبأبه لا بدونه فإنه رجاء كاذب وغرور .
(يسألونك عن الخمر) وهو كل شراب مسكر (والميسر) كل ما تقومر عليه أي عن تعاطيها (قل فيهما إثم كبير) يؤدي إلى ارتكاب سائر المحرمات وترك الواجبات (ومنافع للناس) من كسب المال واللذة والطرب (وإثمهما) الفساد الذي ينشأ منهما أو عقابهما الأخروي الدائم (أكبر من نفعهما) الدنيوي الزائل روي نزلت حرمة الخمر في أربع آيات كل لاحقة أشد وأغلظ من سابقتها وهذه أولها (ويسألونك ماذا ينفقون) ما قدر الإنفاق (قل العفو) هو نقيض الجهد أي

ما تيسر بذله قيل نسخ بآية الزكاة وقيل هو الوسط بين الإسراف والإقتار أو ما فضل عن قوت السنة أو طيب المال (كذلك) التبيين لأمر النفقة والخمر والميسر أي (يبين الله لكم الآيات) الحجج في الأحكام تبيينا مثل ذلك التبيين (لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة) فتؤثرون إبقاءهما وأكثرهما نفعا (ويسألونك عن اليتامى) لما نزل قوله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما اجتنبوا مخالطتهم فشق ذلك عليهم فنزلت (قل إصلاح لهم) أي مداخلتهم لإصلاحهم (خير) من مجانبتهم (وإن تخالطوهم) وتعاشروهم (فإخوانكم) في الدين ومن حق الأخ أن يخالط (والله يعلم المفسد من المصلح) لا يخفى عليه من داخلهم بإفساد وإصلاح فيجازيه بفعله (ولو شاء الله لأعنتكم) لحملكم على العنت وهو المشقة ولم يطق لكم مداخلتهم (إن الله عزيز) غالب قادر على ما يشاء (حكيم) يفعل ما توجبه الحكمة .
(ولا تنكحوا المشركات) لا تتزوجوهن (حتى يؤمن ولأمة) مملوكة (مؤمنة خير من) حرة (مشركة ولو أعجبتكم) لمالها أو جمالها ولو بمعنى إن (ولا تنكحوا المشركين) لا تزوجوهم المؤمنات (حتى يؤمنوا ولعبد) مملوك (مؤمن خير من) حر (مشرك ولو أعجبكم) ماله أو جماله (أولئك) أي المشركون (يدعون إلى النار) أي الكفر المؤدي إلى دخولها فحقهم أن لا يواصلوا (والله يدعو إلى الجنة والمغفرة) إلى ما يوجبهما (بإذنه) بأمره وتوفيقه (ويبين ءاياته) حججه أو أوامره ونواهيه (للناس لعلهم يتذكرون) لكي يعلموا ويتذكروا .
(ويسألونك عن المحيض) مصدر كالمبيت قيل كانوا في الجاهلية لم يؤاكلوا الحائض ولا يساكنوها كفعل اليهود فسئل (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ذلك فنزلت (قل هو أذى) أن الحيض قذر مؤذ (فاعتزلوا النساء في المحيض) فاجتنبوا مجامعتهن (ولا تقربوهن) بالجماع (حتى يطهرن) بالتشديد أي يتطهرن والتخفيف أي ينقين وجمع بينهما بحمل تطهر على معنى طهر كتبين بمعنى بان وكذا (فإذا تطهرن) أي طهرن أو غسلن الفرج (فأتوهن من حيث أمركم الله) اطلبوا الولد من القبل الذي حلله لكم أو من قبل الطهر لا الحيض أو من قبل النكاح لا الفجور (إن الله يحب التوابين) من الذنوب أو الكبائر (ويحب المتطهرين) بالماء أو من الصغائر ويدل على الأول ما روي أنهم كانوا يستنجون بالكرسف والأحجار فلانت بطن رجل من الأنصار فاستنجى بالماء فنزلت .
(نساؤكم حرث) محل حرث (لكم) قيل نزلت ردا على اليهود قالوا إذا أتى الرجل المرأة من خلفها في قبلها خرج الولد أحول (فأتوا حرثكم) نساءكم (أنى) من أين (شئتم) وروي متى شئتم في الفرج (وقدموا لأنفسكم) بالطاعة فيما أمرتم به وقيل التسمية على الوطء وقيل طلب الولد (واتقوا الله) بترك معاصيه (واعلموا أنكم ملاقوه) أي ملاقوا ثوابه وجزائه

(وبشر المؤمنين) بالثواب والجنة .
(ولا تجعلوا الله عرضة) معرضا (لأيمانكم) فتبتذلوه بكثرة الحلف به قيل نزلت في عبد الله بن رواحة حلف لا يكلم ختنه ولا يصلح بينه وبين أخته (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا) علة للنهي أي نهاكم عنه إرادة بركم وتقواكم وإصلاحكم (بين الناس) فإن الخلاف مجتر على الله ولا تطع كل حلاف مهين وقيل أي لا تجعلوا الله حاجزا لما حلفتم عليه فيكون الإيمان بمعنى المحلوف عليه وأن تبروا عطف بيان لها واللام متعلق بتجعلوا أو بعرضة (والله سميع) بأقوالكم (عليم) بأسراركم .
(لا يؤاخذكم الله باللغو) الكائن (في أيمانكم) إذا حنثتم أي بما يسبق به اللسان من غير عقد معه (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) بما واطأت فيها قلوبكم ألسنتكم وعزرتموه (والله غفور رحيم) لا يعجل بالعقوبة .
(للذين يؤلون من نسائهم) يحلفون أن لا يطئوهن مطلقا أو أزيد من أربعة أشهر وعدي بمن لتضمنه معنى البعد (تربص أربعة أشهر) انتظارها وابتداؤها وقت الإيلاء وقيل حين الحكم (فإن فاءوا) رجعوا عن اليمين بالوطء للقادر وبإظهار العزم عليه للعاجز في المدة أو بعدها (فإن الله غفور رحيم) .
(وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع) بطلاقهم (عليم) بضمائرهم .
(والمطلقات) إذا كن مدخولات ذوات الأقراء (يتربصن بأنفسهن) عن التزويج بقمع نفوسهن الطوامح إلى الرجال ومعناها الأمر والتعبير بالخبر للتأكيد (ثلاثة قروء) جمع قرء يقال للطهر والحيض والمراد به هنا الطهر على الأصح وذكر القرء وهو للكثرة والمقام للقلة وصيغتها الأقراء لاستعمال كل من الجمعين مكان الآخر وأوثر لكثرة استعماله (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) من الحمل أو الحيض استعجالا للعدة وإبطالا لحق الرجعة ويفيد قبول قولها في ذلك (إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر) أي كمال الإيمان يمنع من الكتمان (وبعولتهن أحق بردهن) إلى النكاح (في ذلك) في زمان التربص (إن أرادوا) بالمراجعة (إصلاحا) لا ضررا بهن (ولهن) حقوق عليهم (مثل الذي عليهن) في الوجوب لا في الجنس (بالمعروف) بالوجه الذي لا ينكر شرعا وعرفا (وللرجال عليهن درجة) زيادة في الحق وفضيلة (والله عزيز حكيم الطلاق مرتان) أي التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق لا الجمع أو التطليق الرجعي اثنتان لما روي أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) سئل أين الثالثة فقال أو تسريح بإحسان (فإمساك بمعروف) بالمراجعة وحسن المعاشرة (أو تسريح) طلاق (بإحسان) بأن لا يراجعها ضرارا حتى تبين وهو المروي عنهم (عليهم السلام) (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما ءاتيتموهن) من المهور (شيئا إلا أن يخافا) أي الزوجان (ألا يقيما حدود الله) من لوازم الزوجية (وإن خفتم) أيها الحكام (ألا يقيما

حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) نفسها واختلعت به ولو بأزيد من المهر أي لا إثم عليه في الأخذ ولا عليها في الإعطاء وإن أثمت في إظهار الكراهة (تلك) الأحكام المذكورة (حدود الله فلا تعتدوها) تجاوزوها بالمخالفة (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) قيل ظاهرها تقييد الأخذ بالتباغض من الجانبين وهو في المباراة لا الخلع إذ شرطه البغض من المرأة فقط .
(فإن طلقها) الطلاق المكرر المذكور في الطلاق مرتان واستوفى نصابه أو ثالثة بعد المرتين (فلا تحل له من بعد) من بعد ذلك الطلاق (حتى تنكح زوجا غيره) ولا بد من الوطء للإجماع والنص (فإن طلقها) الثاني (فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله) ما شرع من لوازم الزوجية (وتلك) الأحكام المذكورة (حدود الله يبينها لقوم يعلمون) وينتفعون بالبيان .
(وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) قاربن آخر عدتهن (فأمسكوهن بمعروف) اتركوهن حتى تنقضي عدتهن بلا ضرار وكرر هذا الحكم للاهتمام به (أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا) نصب علة أو حالا كان المطلق يترك المطلقة حتى تقارب الأجل ثم يراجعها لتطول العدة عليها وهو الضرار (لتعتدوا) لتظلموهن أو تلجئوهن إلى الافتداء (ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه) بتعريضها للعذاب (ولا تتخذوا ءايات الله هزوا) لا تستخفوا بأوامره ونواهيه (واذكروا نعمة الله عليكم) بالإسلام وبمحمد فقابلوها بالشكر أو بما أباحه لكم من زواج وأموال (وما أنزل عليكم من الكتاب) القرآن (والحكمة) السنة فاعملوا بهما (يعظكم به) بما أنزل (واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم) تهديد وتأكيد .
(وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) انقضت عدتهن (فلا تعضلوهن) تمنعوهن (أن ينكحن أزواجهن) الخطاب عام أي ليس لأحد ذلك أو للأزواج الذين يمنعون نساءهم بعد العدة عن التزويج ظلما للحمية لقوله إذا طلقتم أو للأولياء (إذا تراضوا بينهم) أي الخطاب والنساء (بالمعروف) شرعا حال من الواو أو صفة مصدر محذوف ويفيد جواز العضل عن غير الكفؤ (ذلك) المذكور (يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر) إذ هو المنتفع به (ذلكم) أي عملكم بموجب ما ذكر (أزكى) خير (لكم وأطهر) من دنس الذنوب (والله يعلم) ما فيه الصلاح (وأنتم لا تعلمون) ذلك .
(والوالدات يرضعن أولادهن) خبر بمعنى الأمر مبالغة وهو للندب أو الوجوب فيختص بما إذا تعذر غير الأم أو بالمطلقات والمعنى أن الإرضاع حقهن لا يمنعن منه إن أردنه (حولين كاملين) نعت لرفع احتمال التسامح (لمن أراد أن يتم الرضاعة) هذا الحكم لمن أراد إتمام الرضاع أو متعلق بيرضعن أي لأجل أزواجهن فإن نفقة الولد على والده وظاهره أن أقصى مدة الرضاع حولان ولا يعتد به بعدهما وجواز النقص ويحد بأحد وعشرين شهرا وبعض الأخبار يفيد جواز الزيادة على الحولين (وعلى المولود له) أي الأب إذ الولد يولد له وعبر به إشارة إلى المعنى الموجب للإرضاع عليه (رزقهن

وكسوتهن) قيل يفيد وجوب أجرة المثل وقيل المراد نفقة الزوجية وقد يختص بالمطلقة (بالمعروف) بحسب وسعه كما نبه (لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) أي لا يكلف كل منهما الآخر ما ليس في وسعه (وعلى الوارث) وارث الوالد إن مات (مثل ذلك) ما على الوالد (فإن أرادا) أي الوالدان (فصالا) قبل الحولين أو بعدهما صادرا (عن تراض منهما وتشاور) مشتمل على مصلحة الطفل (فلا جناح عليهما) فيه واشترط رضا الأب لولايته والأم لأحقيتها بالتربية وهي أعلم بحال الصبي (وإن أردتم أن تسترضعوا) المراضع (أولادكم فلا جناح عليكم) فيه ويفيد أن للأب استرضاع غير الأم لكنه مقيد بما إذا لم يستلزم الإضرار بها للنهي عنه (إذا سلمتم) إلى المراضع (ما ءاتيتم) ما أردتم إعطاءه (بالمعروف) شرعا صلة سلمتم (واتقوا الله) بالمحافظة على حدوده سيما في أمر الأطفال والمراضع (واعلموا أن الله بما تعملون بصير) وعد ووعيد .
(والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن) أي بعدهم أو أزواج الذين يتوفون يتربصن (أربعة أشهر وعشرا) أنث باعتبار الليالي وتدخل الأيام معها والحكم يعم الصغيرة والكبيرة والمدخول بها وغيرها والمسلمة والكتابية أما الحامل فبأبعد الأجلين إجماعا فتوى ونصا (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم) أيها الحكام والمسلمون (فيما فعلن في أنفسهن) من التعرض للخطاب (بالمعروف) الذي لا ينكر شرعا ويشعر بأن عليهم منعهن لو فعلن ما ينكر فإن قصروا أثموا (والله بما تعملون خبير) ترغيب وترهيب .
(ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) المعتدات غير الرجعيات (أو أكننتم في أنفسكم) أضمرتم في قلوبكم بلا تصريح ولا تعريض (علم الله أنكم ستذكرونهن) لرغبتكم فيهن فلا تصبرون على الكتمان (ولكن لا تواعدوهن سرا) خلوة كانوا يتكلمون فيها بما يستهجن فنهوا عن ذلك (إلا أن تقولوا قولا معروفا) بأن تعرضوا ولا تصرحوا (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) ينقضي مكتوب من العدة (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم) من العزم (فاحذروه) ولا تعزموا ما لا يجوز (واعلموا أن الله غفور) لمن عزم ولم يفعل خشية الله (حليم) بمهل العقوبة .
(لا جناح) لا تبعة (عليكم) من مهر أو لا إثم رفع لتوهم منع الطلاق قبل المسيس (إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) تجامعوهن (أو تفرضوا لهن فريضة) أي وتفرضوا أو لا أن تفرضوا أي لا تبعة على المطلق من المطلق من المهر إذا لم يمس المطلقة ولم يسم لها مهرا إذ مع المس عليه المسمى أو مهر المثل وبدونه مع التسمية نصف المسمى فمنطوقها ينفي وجوب المهر في الصورة الأولى ومفهومها يثبته في الجملة في الأخيرتين (ومتعوهن) حيث لا مهر (على الموسع قدره) مقدار ما يليق به (وعلى المقتر) الضيق الحال (قدره متاعا) تمتيعا (بالمعروف) شرعا وعرفا بحسب المروءة (حقا) واجبا أو حق ذلك حقا (على المحسنين)

إلى أنفسهم بالامتثال أو إلى المطلقات بالتمتيع سموا بالمشارفة محسنين ترغيبا .
(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) أي فعليكم أو فالواجب ‌(إلا أن يعفون) أي المطلقات عن حقهن كلا أو بعضا والصيغة للمؤنث ووزنها يفعلن ولا أثر لأن فيها لبنائها ويأتي للمذكر ووزنها يفعون بحذف اللام (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) الولي إذا كانت صغيرة أو غير رشيدة إذ له العفو إذا اقتضته المصلحة ولكن لا عن الكل عند الأصحاب وقيل الزوج لأنه المالك لحله وعقده وعفوه أن يسوق إليها المهر كاملا (وأن تعفو أقرب للتقوى) خطاب للأزواج فعلى الأول لما ذكر عفو المرأة ووليها ذكر عفو الزوج وعلى الثاني أعيد ذكره تأكيدا وجمع باعتبار كل زوج أو للزوجين معا بتغليب الذكورة (ولا تنسوا الفضل بينكم) لا تتركوا أن يتفضل بعضكم على بعض (إن الله بما تعملون بصير) عليم .
(حافظوا على الصلوات) بأدائها لأوقاتها بحدودها (والصلاة الوسطى) واختلف فيها وبكل واحدة من الخمس قائل والأشهر الأقوى عندنا أنها الظهر في غير الجمعة والجمعة يوم الجمعة (وقوموا لله قانتين) داعين أو ذاكرين أو خاشعين .
(فإن خفتم) عدوا أو غيره ولم يمكنكم الصلاة بشرائطها (فرجالا) جمع راجل (أو ركبانا) أي فصلوا راجلين أو راكبين على أي هيئة تمكنتم (فإذا أمنتم) من الخوف (فاذكروا الله) صلوا صلاة الأمن أو اشكروه على الأمن (كما) ذكر مثل ما (علمكم) من الشرائع أو شكرا يوازيه (ما لم تكونوا تعلمون) موصولة أو موصوفة .
(والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية) بالنصب أي يوصون وصية أو ألزموا وصية وبالرفع أي عليهم وصية (لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) بدل منه أو حال من أزواجهم أي غير مخرجات أي يجب على المقاربين للوفاة أن يوصوا بأن تمنع أزواجهم بعدهم حولا بالنفقة والسكنى وهي منسوخة إجماعا وعن الصادق (عليه السلام) نسخها بأربعة أشهر وعشرا (فإن خرجن) من منزل الزوج (فلا جناح عليكم) أيها الحكام أو الأولياء (في ما فعلن في أنفسهن) من ترك الحداد (من معروف) شرعا ويفيد أنها كانت مخيرة بين ملازمة المنزل والحداد وأخذ النفقة وبين الخروج وتركها (والله عزيز) لا يقهر (حكيم) يفعل بحسب المصلحة .
(وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) قيل عمم وجوب المتعة لكل مطلقة بعد إيجابها لواحدة منهن وعندنا أن العموم مخصص بالآية السابقة وقيل التمتيع يعم الواجب والمندوب وقيل أريد به نفقة الزوجية .
(كذلك يبين الله لكم آياته) دلائله وأحكامه (لعلكم تعقلون) .
(ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم) هم أهل مدينة من مدائن الشام (وهم ألوف) كانوا سبعين ألف بيت (حذر الموت) إذ وقع فيهم الطاعون (فقال لهم الله موتوا) فماتوا وصاروا رميما (ثم أحياهم) بدعوة حزقيل النبي وعاشوا ما شاء الله ثم ماتوا بآجالهم (إن الله لذو فضل على الناس) كإحياء أولئك ليعتبروا وذكر خبرهم

ليستبصروا (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) له حق شكره .
(وقاتلوا في سبيل الله) لما بين أن الفرار من الموت غير منج أمرهم بالجهاد (واعلموا أن الله سميع) لأقوالكم (عليم) بنياتكم .
(من ذا الذي يقرض الله) ينفق في طاعته (قرضا حسنا) خالصا لوجهه أو حلالا طيبا (فيضاعفه له أضعافا كثيرة) لا يحصيها إلا الله (والله يقبض ويبسط) يمنع ويوسع بحسب المصلحة (وإليه ترجعون) تأكيدا للجزاء .
(ألم تر إلى الملأ) جماعة الأشراف (من بني إسرائيل) من للتبعيض (من بعد موسى) من للابتداء أي بعد وفاته (إذ قالوا لنبي لهم) هو إسماعيل وقيل شمعون أو يوشع (ابعث) سل الله أن يبعث (لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا) لأن جالوت والعمالقة كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين فغلبوا على ديار بني إسرائيل وسبوا ذراريهم (فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم) ثلاثمائة وثلاثة عشر عدد أهل بدر (والله عليم بالظالمين) في ترك القتال وعيد لهم .
(وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى) من أين (يكون له الملك علينا) وهو من ولد بنيامين وكانت النبوة يومئذ في أولاد لاوي والملك في ولد يوسف (ونحن أحق بالملك منه) وراثة ومكنة (ولم يؤت سعة من المال) ولا بد للملك من مال يعتضد به قيل كان سقاء أو دباغا فأنكروا تملكه لسقوط نسبه وفقره فرد عليهم (قال إن الله اصطفاه) اختاره (عليكم) وهو أعلم بالمصالح منكم (وزاده) ما هو أنفع مما ذكرتم (بسطة) سعة (في العلم) ولا يتم أمر الرئاسة إلا، به (والجسم) إذ الجسيم أعظم في النفوس وأقوى على مكابدة الحروب وكان إذا مد الرجل القائم يده نال رأسه أو المراد الشجاعة (والله) له الملك (يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم) بمن يصلح لذلك .
(وقال لهم نبيهم) حين طلبوا منه الحجة على رياسته (إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت) هو الذي أنزله الله على موسى فوضعته أمه فيه وألقته في اليم (فيه سكينة) أمنة وطمأنينة وروي هو ريح من الجنة لها وجه كوجه الإنسان (من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون) هي الألواح وسائر آيات الأنبياء (تحمله الملائكة) وكان التابوت يدور في بني إسرائيل حيثما دار الملك فرفعه الله إليه بعد موسى حين استخفوا به ثم لما بعث طالوت أنزله إليهم (إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) من كلام نبيهم أو خطاب عن الله تعالى .
(فلما فصل طالوت بالجنود) انفصل بهم عن بلده (قال إن الله مبتليكم) ممتحنكم (بنهر فمن شرب منه فليس مني) من حزب الله (ومن لم يطعمه) لم يذقه (فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده) استثناء من فمن شرب (فشربوا منه إلا قليلا منهم) إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر

رجلا منهم من اغترف ومنهم من لم يشرب والذين شربوا كانوا ستين ألفا (فلما جاوزه هو) تخطى النهر طالوت (والذين ءامنوا معه قالوا) قال الذين اغترفوا منه (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) لكثرتهم وقوتهم (قال الذين يظنون) يتيقنون (أنهم ملاقوا الله) وهم الذين لم يشربوا (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) بأمره ونصره (والله مع الصابرين) بالنصر.
(ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا) في مداحض الحرب (وانصرنا على القوم الكافرين) بذلك وبإلقاء الرعب في قلوبهم .
(فهزموهم بإذن الله) بنصره (وقتل داود جالوت) وزوجه طالوت بنته (وءاتاه الله الملك) في الأرض المقدسة ولم يجتمعوا على ملك قبل داود (والحكمة) النبوة (وعلمه مما يشاء) كمنطق الطير والسرد (ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض) بدفع الهلاك بالبر عن الفاجر أو بنصر المسلمين على الكفار (لفسدت الأرض) بغلبة المفسدين فيها (ولكن الله ذو فضل على العالمين) في دينهم وديارهم .
(تلك) القصص المذكورة (ءايات الله) دلائله (نتلوها عليك بالحق) بالصدق الذي لا يشك فيه أحد (وإنك لمن المرسلين) لإخبارك بها ولم تقرأ ولم تسمع .
(تلك الرسل) إشارة إلى جماعة الرسل المذكورة في السورة أو المعلومة له (صلى الله عليه وآله وسلّم) فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله) كموسى (ورفع بعضهم درجات) كمحمد خص بالعلوم الوافرة والآيات الباهرة والدعوة العامة والمعجزة المستمرة (وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس) خصه وموسى لوضوح معجزاتهما وعظمها (ولو شاء الله) مشيئة إلجاء (ما اقتتل الذين من بعدهم) من بعد الرسل (من بعد ما جاءتهم البينات) الحجج الواضحة لاختلافهم في الدين وتكفير بعضهم بعضا (ولكن اختلفوا فمنهم من ءامن) بتوفيقه (ومنهم من كفر) بخذلانه (ولو شاء الله ما اقتتلوا) كرر تأكيدا (ولكن الله يفعل ما يريد) من العصمة والخذلان .
(يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم) الموت (لا بيع فيه) فينتفع به (ولا خلة) فيسامح لأجلها (ولا شفاعة) إلا لمن أذن له الرحمن حتى تتكلوا على شفيع يشفع لكم (والكافرون) أي التاركون للزكاة عبر عنهم به تغليظا (هم الظالمون) لأنفسهم .
(الله لا إله إلا هو الحي) الذي يصح أن يعلم ويقدر (القيوم) الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه (لا تأخذه سنة) فتور يتقدم النوم فلذا قدم على (ولا نوم) والقياس العكس والجملة نفي للتشبيه وتأكيد للقيوم إذ لا تدبير ولا حفظ لمن ينعس أو ينام (له ما في السموات وما في الأرض) ملكا وملكا (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) بيان لكبريائه أي لا أحد يتمالك يوم القيامة أن يشفع لأحد إلا بإذنه (يعلم ما بين أيديهم) ما كان (وما خلفهم) ما لم يكن بعد أو ما قبلهم وما بعدهم أو عكسه أو أمور الدنيا والآخرة أو عكسه، والضمير لما في السموات والأرض تغليبا للعقلاء أو لما دل عليه من الملائكة

والأنبياء (ولا يحيطون بشيء من علمه) من معلوماته (إلا بما شاء) بما يوحي إليهم (وسع كرسيه) علمه أو ملكه أو الجسم المحيط دون العرش أو العرش (السموات والأرض ولا يئوده) يثقله (حفظهما وهو العلي) عن المثل والند (العظيم) الشأن .
(لا إكراه في الدين) لم يجر الله أمر الدين على الإجبار بل على الاختيار فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (قد تبين الرشد من الغي) تميز الحق من الباطل أو الإيمان عن الكفر بالدلائل الواضحة (فمن يكفر بالطاغوت) الشياطين أو ما عبد من دون الله (ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) المحكمة تمثيل للمعلوم بالظاهر المحسوس (لا انفصام) لا انقطاع (لها والله سميع) للأقوال (عليم) بالضمائر والأحوال .
(الله ولي الذين ءامنوا) متولي أمورهم (يخرجهم) بلطفه (من الظلمات إلى النور) من الكفر إلى الإيمان أو من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت) الشياطين أو رؤساء الضلالة (يخرجونهم) بوسوستهم إليهم (من النور إلى الظلمات) من نور الإسلام الذي فطروا عليه إلى ظلمات الكفر ومن نور البينات إلى ظلمات الشبهات (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) وعيد .
(ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه) تعجب من محاجة نمرود وكفر به (أن) لأن (ءاتاه الله الملك) أي محاجته لبطره بإيتاء الملك (إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت) يخلق الحياة والموت (قال أنا أحيي وأميت) أعفي عن القتل وأقتل (قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب) لم يجب معارضته لظهور فسادها إذ المراد بالإحياء والإماتة خلقها لا الإبقاء والقتل عدل إلى ما لا يمكنه التمويه فيه، وعن الصادق (عليه السلام) أن إبراهيم قال له: فأحي من قتلته إن كنت صادقا (فبهت الذي كفر) صار مبهوتا (والله لا يهدي القوم الظالمين) إلى المحاجة أو الجنة .
(أو كالذي) أي إذا رأيت مثل الذي (مر على قرية) هو إرميا النبي أو عزير (وهي خاوية على عروشها) ساقطة حيطانها على سقوفها (قال أنى) أي متى وكيف (يحيي هذه الله بعد موتها) قاله لما رأى أهلها موتى والسبأع تأكل الجيف وكلامه اعتراف بالعجز عن معرفة طريق الحشر أو لاستزادة البصيرة (فأماته الله مائة عام ثم بعثه) ثم أحياه (قال) الله تعالى أو ملك أو نبي آخر (كم لبثت قال) قول الظان (لبثت يوما أو بعض يوم): قيل أميت ضحى وبعث بعد المائة آخر النهار فقال ولم يعلم بقاء الشمس يوما ثم التفت فرأى بقية منها فقال: (أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك) قيل: كان تينا وعنبا (وشرابك) كان عصيرا أو لبنا (لم يتسنه) لم يتغير بمر السنين أخذ من السنة ولامها إما هاء أصلية أو واو فالهاء للسكت وإفراد الضمير لأن الطعام والشراب كالجنس الواحد وجد الكل على حاله (وانظر

إلى حمارك) كيف تفرقت عظامه وتفتتت (ولنجعلك آية) حجة (للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها) نرفع بعضها إلى بعض (ثم نكسوها لحما فلما تبين له) أمر الإحياء أو كمال قدرة الله (قال أعلم أن الله على كل شيء قدير) وقرىء أعلم أمرا .
(وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى) سأل ذلك ليصير علمه عيانا (قال أولم تؤمن) بقدرتي على الإحياء (قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) بمضامة العيان إلى الوحي والبيان وروي ليطمئن قلبي على الخلة لأن الله أوحى إليه: إني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته فوقع في نفسه أنه ذلك الخليل فسأل ما سأل (قال فخذ أربعة من الطير) الطاووس والديك والحمامة والغراب (فصرهن) اضممهن (إليك) وقرىء بكسر الصاد لتتأملها فلا تلبس عليك بعد الإحياء فقطعهن واخلطهن واجعل مناقرهن بين أصابعك (ثم اجعل على كل جبل) وكانت الجبال عشرة وقيل أربعة (منهن جزءا ثم ادعهن) قل لهن: تعالين بإذن الله (يأتينك سعيا) ساعيات مسرعات طيرانا أو مشيا، فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان (واعلم أن الله عزيز) لا يعجزه شيء (حكيم) في أفعاله وأقواله .
(مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) في وجوه البر أي مثل نفقتهم (كمثل حبة) أو مثلهم كمثل باذر حبة (أنبت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم).
(الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا) بالاعتداد بالإحسان (ولا أذى) بالتطاول بالإنعام (لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
(قول معروف) رد جميل (ومغفرة) ستر على السائل أو عفو من الحاجة (خير من صدقة يتبعها أذى والله غني) عن إنفاقكم (حليم) لا يعجل بعقوبة من يمن ويؤذي .
(يا أيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم) أجرها (بالمن والأذى) المنافقين للإخلاص (كالذي ينفق ماله رئاء الناس) كإبطال المنافق المرائي بإنفاقه (ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله) المرائي (كمثل صفوان) حجر أملس (عليه تراب فأصابه وابل) مطر عظيم القطر (فتركه صلدا) أجرد لا تراب عليه (لا يقدرون على شيء مما كسبوا) لا يجدون ثواب ما عملوا رياء والضمير للذي ينفق مرادا به الجنس أو الفريق (والله لا يهدي القوم الكافرين) لا يقسرهم على الطاعة وفيه تعريض بأن المن والرياء من صفة الكافر لا المؤمن .
(ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم) توطينا لها على الثبات على طاعة الله (كمثل جنة) أي مثل نفقتهم في النمو كمثل بستان (بربوة) موضع مرتفع إذ شجره أنضر وثمره أكثر (أصابها وابل) مطر

عظيم القطر (فأتت أكلها) ثمرها (ضعفين) مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل وقيل: أربعة أمثاله ونصب حالا أي مضاعفا (فإن لم يصبها وابل فطل) فمطر صغير القطر يكفيها لكرم منبتها أو فيصيبها طل والمعنى أن نفقتهم زاكية عند الله لا تضيع بحال وإن تفاوتت باعتبار ما ينضم إليها من الأحوال (والله بما تعملون بصير) ترغيب في الإخلاص وترهيب من الرياء .
(أيود أحدكم) استفهام إنكاري (أن تكون له جنة من نخيل وأعناب) خصا بالذكر لأنهما أكرم أشجارها فغلبا (تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات) يدل على احتوائها على سائر الأشجار (وأصابه الكبر) الواو للحال (وله ذرية ضعفاء) صغار عجزة عن الكسب، فهو للشيخوخة والمعالة أحوج ما يكون إلى جنة (فأصابها إعصار) ريح مستديرة من الأرض نحو السماء كالعمود (فيه نار فاحترقت) روي: من أنفق ماله ابتغاء مرضات الله ثم امتن على من تصدق عليه كان كمن قال الله: أيود أحدكم إلخ (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون) فتعتبرون.
(يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم) من جيده أو حلاله (ومما أخرجنا لكم من الأرض) أي ومن طيبات ما أخرجنا من الغلات والثمار والمعادن (ولا تيمموا الخبيث منه) لا تقصدوا الرديء أو الحرام من المال (تنفقون) حال من فاعل تيمموا ويجوز تعلق منه به والضمير للخبيث والجملة حال منه (ولستم بآخذيه) والحال أنكم لا تأخذونه في حقوقكم لخبثه (إلا أن تغمضوا فيه) تتسامحوا في أخذه (واعلموا أن الله غني) عن إنفاقكم (حميد) بقبوله .
(الشيطان يعدكم الفقر) في الإنفاق (ويأمركم بالفحشاء) بالبخل أو المعاصي (والله يعدكم مغفرة منه) لذنوبكم (وفضلا) خلفا أفضل مما أنفقتم في الدنيا والآخرة (والله واسع) فضله للمنفق (عليم) بإنفاقه .
(يؤتي الحكمة) العلم النافع أو تحقيق العلم وإتقان العمل (من يشاء) قدم ثاني المفعولين اهتماما به (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) نكر تعظيما أي أي خير كثير (وما يذكر) يتعظ بالآيات (إلا أولو الألباب) ذوو العقول العالمون العاملون .
(وما أنفقتم من نفقة) حسنة أو قبيحة (أو نذرتم من نذر) في طاعة أو معصية (فإن الله يعلمه) فيجازيكم عليه (وما للظالمين) الذين يمنعون الصدقات أو ينفقون في المعاصي أو ينذرون فيها أو لا يوفون بالنذر (من أنصار) تمنعهم من عذاب الله .
(إن تبدوا الصدقات) أي الزكاة المفروضة (فنعما هي) نعم شيئا إبداؤها (وإن تخفوها) يعني النافلة (وتؤتوها الفقراء) سرا (فهو خير لكم) وقيل الآية على عمومها للفرض والنفل (ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون) سرا وجهرا (خبير) عليم .
(ليس عليك هداهم) لا يجب عليك وإنما عليك الإبلاغ (ولكن الله يهدي من يشاء) يلطف بمن يعلم أنه يصلح باللطف (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم) ثوابه لا لغيركم فلا تمنوا عليه ولا تنفقوا الخبيث (وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله)

ليس نفقتكم إلا طلبا لرضاء الله تعالى أو معناه النهي (وما تنفقوا من خير يوف إليكم) ثوابه أضعافا تأكيد للشرطية السابقة (وأنتم لا تظلمون) لا تنقصون ثوابه .
(للفقراء) أي أعمدوا، أو صدقاتكم للفقراء (الذين أحصروا في سبيل الله) أحصرهم الجهاد (لا يستطيعون) لاشتغالهم به (ضربا) ذهابا (في الأرض) للكسب وقيل هم أهل الصفة وهم نحو من أربعمائة من فقراء المهاجرين كانوا في صفة المسجد دأبهم التعلم والعبادة والخروج في كل سرية يبعثها النبي (يحسبهم الجاهل) يخالهم (أغنياء من التعفف) من جهة امتناعهم عن المسألة (تعرفهم بسيماهم) من صفرة الوجوه ورثاثة الحال (لا يسألون الناس إلحافا) إلحاحا (وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم) ترغيب في الإنفاق .
(الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية) يعمون الأوقات والأحوال وأموالهم بالصدقة نزلت في علي (عليه السلام) لم يملك إلا أربعة دراهم فتصدق بواحد ليلا وواحد نهارا وواحد سرا وواحد علانية (فلهم أجرهم) بالاستحقاق (عند ربهم ولا خوف عليهم) من أهوال القيامة (ولا هم يحزنون) فيها .
(الذين يأكلون الربوا) يأخذونه وذكر الأكل لأنه أغلب منافع المال والربا الزيادة في المعاملة أصلا أو عوضا (لا يقومون) إذا بعثوا من قبورهم (إلا كما يقوم الذي يتخبطه) إلا قياما كقيام المصروع بناء على زعمهم أن (الشيطان) يخبطه فيصرع (من المس) الجنون وهو على زعمهم أن الجني يمسه فيختلط عقله يعني أنهم ينهضون ويسقطون كالمصروعين لأنه تعالى أربى في بطونهم الربا فأثقلهم وتلك سيماهم في المحشر (ذلك) العقاب (بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربوا) قاسوا أحدهما بالآخر وعكس التشبيه مبالغة كأنهم جعلوا الربا أصلا وقاسوا به البيع (وأحل الله البيع وحرم الربوا) رد لقياسهم إذ الأحكام تبع للحكمة (فمن جاءه موعظة) بلغه وعظ ونهي (من ربه فانتهى فله ما سلف) أخذه قبل النهي لا يلزمه رده (وأمره إلى الله) يحكم في شأنه ولا اعتراض لكم عليه أو يجازيه على انتهائه إن اتعظ لله تعالى (ومن عاد) بعد ما تبين له تحريمه استخفافا (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) لكفرهم بتحليل ما حرم الله أو أريد به المكث الطويل .
(يمحق الله الربوا) يهلكه ويذهب ببركته (ويربي الصدقات) ينميها ويضاعف ثوابها (والله لا يحب كل كفار) مصر على تحليل الحرام (أثيم) متماد في ارتكابه .
(إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلوة وءاتوا الزكوة) عطفهما على ما يعمهما لفضلهما (لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) .
(يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا) اتركوا (ما بقي من الربوا) البقايا الذي اشترطتم على الناس وهي الربا قيل كان لثقيف مال على بعض قريش فطالبوهم عند المحل بالمال والربا فنزلت (إن كنتم مؤمنين) إن صح إيمانكم .
(فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) أي فأعلموا بها من أذن به أي علم وتنكير حرب

للتعظيم (وإن تبتم) من الارتباء (فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون) بأخذ الزيادة (ولا تظلمون) بالنقصان .
(وإن كان) وقع غريم (ذو عسرة) إعسار (فنظرة) فالواجب أو فعليكم إنظار (إلى ميسرة) يسار (وأن تصدقوا) بالإبراء (خير لكم) أكثر ثوابا من الإنظار أو خير مما تأخذون لبقاء ثوابه (إن كنتم تعلمون) الخير والشر أو ما في التصدق من الأجر.
(واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) يوم القيامة أو يوم الموت فتأهبوا للقائه (ثم توفى كل نفس ما كسبت) جزاءه خيرا كان أو شرا (وهم لا يظلمون) بنقص ثواب وزيادة عقاب وروي أنها آخر آية نزل بها جبرائيل وقال ضعها في رأس المائتين والثمانين من البقرة وعاش الرسول بعدها أحدا وعشرين يوما وقيل سبعة أيام .
(يا أيها الذين ءامنوا إذا تداينتم) داين بعضكم بعضا وتعاملتم (بدين) بمعاملة أحد العوضين فيها مؤجل وذكر الدين مع تداينتم تأكيدا أو لرفع توهمه بمعنى تتاجرتم من أول الأمر وعن ابن عباس أنها في السلم خاصة (إلى أجل مسمى) موقت (فاكتبوه) لأنه أوفق (وليكتب بينكم كاتب بالعدل) بألا يزيد ولا ينقص (ولا يأب كاتب أن يكتب) لا يمتنع من الكتابة (كما علمه الله) من الكتابة بالعدل (فليكتب وليملل الذي عليه الحق) أي المديون لأنه المشهود عليه والإملال الإملاء (وليتق الله ربه) في الإملال (ولا يبخس منه) ولا ينقص من الحق (شيئا) قدرا ووصفا (فإن كان الذي عليه الحق

سفيها) ناقص العقل مبذرا (أو ضعيفا) في بدنه أو فهمه أو علمه (أو لا يستطيع أن يمل هو) باشتغاله بما يهمه (فليملل وليه) نائبة والقيم بأمره (بالعدل) بلا حيف على المكتوب له وعليه (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) المسلمين (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) في دينه وأمانته وتيقظه (أن تضل إحداهما) الشهادة بأن تنسها (فتذكر إحداهما الأخرى) وعلة اعتبار تعدد المرأة التذكير لكن جعل الضلال علة لكونه سببا له كأنه قيل: إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى أن ضلت (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) لإقامة الشهادة أو تحملها وسموا شهداء لمجاز المشاركة (ولا تسئموا) لا تملوا (أن تكتبوه) الدين أو الحق (صغيرا) كان (أو كبيرا إلى أجله) المسمى (ذلكم) أي الكتب (أقسط) أعدل (عند الله وأقوم) وأثبت (للشهادة وأدنى ألا ترتابوا) وأقرب إلى أن لا تشكوا في قدر الدين وأجله (إلا أن تكون) التجارة (تجارة حاضرة) حالة (تديرونها) تتعاطونها (بينكم) يدا بيد والاستثناء من التداين والتعامل أي وإن كانت المعاملة يدا بيد (فليس عليكم جناح ألا تكتبوها) لبعدها عن الشك والتنازع (وأشهدوا إذا تبايعتم) مطلقا للاحتياط والأمر للاستحباب أو الإرشاد (ولا يضار كاتب ولا شهيد) نهاهما عن ترك الإجابة والتحريف في الكتابة والشهادة إن بني للفاعل أو نهى عن الضرار بها باستعجالهما عن مهم أو تكليف الكاتب قرطاسا ونحوه أو الشهيد الشاهد مئونة مجيئه من بلده إن بني للمفعول (وإن تفعلوا) المضارة (فإنه فسوق) خروج عن الطاعة لاحق (بكم واتقوا الله) في أوامره ونواهيه (ويعلمكم الله) ما فيه مصالحكم ويشعر بأن التقوى تورث العلم النافع (والله بكل شيء عليم) ولعل تكرار لفظ الله في الجمل الثلاث لكونه أدخل في التعظيم من الضمير .
(وإن كنتم على سفر) مسافرين (ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) تقوم مقام الوثيقة أو فالوثيقة رهان وتقيد الارتهان بالسفر وعدم وجدان الكاتب خرج مخرج الغالب وظاهره اعتبار القبض كما عليه أكثر الأصحاب ومالك وقرىء رهن كسقف وكلاهما جمع رهن بمعنى المرهون (فإن أمن بعضكم بعضا) وثق الدائن بالمديون ولم يرتهن منه (فليؤد الذي اؤتمن أمانته) أي دينه الذي ائتمنه عليه وسمي أمانة لذلك (وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة) أيها الشهود (ومن يكتمها) مع تمكنه من أدائها (فإنه ءاثم) كافر (قلبه) أسند الإثم إلى القلب لأن الكتمان فعله، أو لأنه رئيس الأعضاء (والله بما تعملون عليم) ترهيب .
(لله ما في السموات وما في الأرض) ملكا وخلقا (وإن تبدوا ما في أنفسكم) من السوء (أو تخفوه يحاسبكم به الله) في القيامة (فيغفر لمن يشاء) فضلا (ويعذب من يشاء) عدلا (والله على كل شيء قدير) على المغفرة والعذاب .
(ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون

كل) منهم (ءامن بالله وملائكته وكتبه ورسله) وقرىء وكتابه أي القرآن أو الجنس قائلين (لا نفرق بين أحد) بمعنى الجمع لوقوعه في سياق النفي ولذا دخل عليه بين (من رسله) أي نؤمن بجميعهم (وقالوا سمعنا) قولك (وأطعنا) أمرك (غفرانك ربنا) اغفر غفرانك (وإليك المصير) المرجع بعد الموت .
(لا يكلف الله نفسا) فيما افترض عليها (إلا وسعها) ما تتسع فيه طاقتها ولا تضيق عنه أي ما دونها (لها ما كسبت) من خير (وعليها ما اكتسبت) من شر لا يثاب بطاعتها ولا يؤاخذ بذنبها وخص الكسب بالخير والاكتساب بالشر لأن في الاكتساب اعتمالا والشر تشتهيه النفس الأمارة فهي أعمل في تحصيله بخلاف الخير وفيه إشعار بأن أدنى خير ينفعها والشر القليل غير ضار بل الذي يضرها كثيرة لأن كثرة المباني تدل على كثرة المعاني وفيه إشارة إلى أن الصغاير مكفرة بترك الكبائر (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) إن تعرضنا لما يؤدي بنا إلى نسيان أو خطأ من تفريط أو إغفال أو إن تركنا أو أذنبنا أو يكون الدعاء به لاستدامة فضله (ربنا ولا تحمل علينا إصرا) ثقلا أي تكليفا شاقا (كما حملته على الذين من قبلنا) كتكليف بني إسرائيل بقتلهم أنفسهم وقرض ما أصابه البول من أبدانهم بالمقاريض (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا) الأولى بنا (فانصرنا على القوم الكافرين) فمن حق المولى أن ينصر عبيده على أعدائهم.


سورة آل عمران

(3) سورة آل عمران مائتا آية (200) مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(ألم) مر تأويله وعن الصادق (عليه السلام) معناه أنا الله المجيد .
(الله لا إله إلا هو الحي القيوم) روي أنه اسم الله الأعظم .
(نزل عليك الكتاب) القرآن (بالحق) بالصدق في إخباره أو بما يحقق إنه منه تعالى وهو حال وكذا (مصدقا لما بين يديه) من الكتب (وأنزل التوراة والإنجيل) جملة على موسى وعيسى .
(من قبل) قبل تنزيل القرآن (هدى للناس) لقومهما (وأنزل الفرقان) كل آية محكمة في الكتاب أو ما يفرق به بين المحق والمبطل أو القرآن وكرر ذكره بوصفه المادح تعظيما لشأنه (إن الذين كفروا بآيات الله) من كتبه وغيرهما (لهم عذاب شديد) بكفرهم (والله عزيز) غالب (ذو انتقام) لا يقدر على مثله أحد .
(إن الله لا يخفى عليه شيء) كلي أو جزئي إيمان أو كفر كائن (في الأرض ولا في السماء) أي في العالم فعبر عنه بهما إذ الحس لا يتجاوزهما .
(هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء) من حسن أو قبيح ذكر أو أنثى تقرير للقيومية وإثبات لعلمه تعالى بإتقان فعله في تصوير الجنين (لا إله إلا هو) لا يعلم غيره علمه ولا يقدر قدرته (العزيز) في سلطانه (الحكيم) في أفعاله .
(هو الذي أنزل عليك الكتاب
منه آيات محكمات) أحكمت عبارتها بالحفظ من الإجمال (هن أم الكتاب) أصله يرد إليها غيرها وأفرد أم على إرادة كل واحد أو المجموع (وأخر متشابهات) تحتمل وجوها وروي المحكم ما يعمل به والمتشابه ما يشتبه على جاهله (فأما الذين في قلوبهم زيغ) ميل عن الحق إلى البدع (فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة) طلب إيقاع الناس في الكفر فيه أن يفتنوا عن تأويله (وابتغاء تأويله) بما يناسب رأيهم الفاسد (وما يعلم تأويله) تأويل القرآن كله الذي يجب أن يحمل عليه (إلا الله والراسخون في العلم) الثابتون فيه من لا يختلف في علمه عن الصادق (عليه السلام) نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله ومن وقف من الجمهور على الله فسر المتشابه بما استأثر تعالى بعلمه كوقت قيام الساعة ونحوه (يقولون ءامنا به) حال من الراسخين أو خبر له إن جعل مبتدأ وروي أن القائل شيعتهم (كل) أي من المتشابه والمحكم (من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب) مدح للراسخين بإلقاء الذهن وإعمال الفكر في رد المتشابه إلى المحكم .
(ربنا لا تزغ قلوبنا) من مقول الراسخين أي لا تبلينا ببلاء تزيغ فيه قلوبنا (بعد إذ هديتنا) إلى الحق (وهب لنا من لدنك رحمة) نعمة أو لطفا نثبت به على الإيمان (إنك أنت الوهاب) النعم .
(ربنا إنك جامع الناس) لحساب يوم أو جزائه (لا ريب فيه) في وقوعه (إن الله لا يخلف الميعاد) الوعد .
(إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا) أي بدل رحمته أو من عذابه (وأولئك هم وقود النار) حطبها .
(كدأب) أي شأن هؤلاء كشأن (ءال فرعون) في الكفر أو النصب بتغني أو وقود أي لن تغني عنهم كما لم تغن عن أولئك أو توقد بهم كما توقد بأولئك (والذين من قبلهم) عطف على آل فرعون (كذبوا بآياتنا) تفسير لدأبهم أو بيان لسببه أي (فأخذهم الله) أهلكهم (بذنوبهم والله شديد العقاب) ترهيب للكفرة .
(قل للذين كفروا) مشركي مكة (ستغلبون) أي بيوم بدر (وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد) جهنم أو ما مهدوا لأنفسهم .
(قد كان لكم آية) خطاب للمشركين أو اليهود أو المؤمنين (في فئتين التقتا) يوم بدر (فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم) يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين قريب ألفين أو مثلي عدد المسلمين ستمائة وستة وعشرين قللوا أولا في أعينهم حتى اجترءوا عليهم كما قال ويقللكم في أعينهم فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا أو يرى المسلمون المشركين مثلي المسلمين وكانوا ثلاثة أمثالهم ليثبتوا ثقة بالنصر الذي وعدوه في فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وقرىء ترونهم بالخطاب (رأي العين) رؤية ظاهرة (والله يؤيد بنصره من يشاء) كما أيد أهل بدر (إن في ذلك) التقليل والتكثير ونصر القليل على الكثير (لعبرة لأولي الأبصار) عظة لذوي العقول .
(زين للناس حب الشهوات) أي المشتهيات جعلها شهوات مبالغة (من النساء والبنين والقناطير) جمع قنطار وهو المال الكثير

وقيل ملء مشك ثور وقيل مائة ألف دينار (المقنطرة) مبنية منه للتأكيد كبدرة مبدرة (من الذهب والفضة والخيل المسومة) المعلمة من السومة وهي العلامة أو المرعية من أسام الدابة وسومها (والأنعام) الإبل والغنم والبقر (والحرث ذلك) المذكورة (متاع الحيوة الدنيا والله عنده حسن المآب) المرجع .
(قل أؤنبئكم بخير من ذلكم) المتاع الفاني (للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة) من الأدناس خلقا وخلقا (ورضوان من الله) وهو أصل النعم (والله بصير بالعباد) أي بأعمالهم فيجازيهم بها .
(الذين يقولون ربنا إننا ءامنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار) صفة المتقين أو مدح منصوب أو مرفوع .
(الصابرين) على الطاعة والبلاء عن المعاصي (والصادقين والقانتين) المطيعين (والمنفقين) أموالهم في سبيل الله (والمستغفرين بالأسحار) عن الصادق (عليه السلام) من استغفر الله سبعين مرة في السحر فهو من أهل هذه الآية .
(شهد الله أنه لا إله إلا هو) بدلالته على وحدانيته يعجب صنعه (والملائكة) بالإقرار بها (وأولوا العلم) به (قائما بالقسط) مقيما للعدل في أمور خلقه (لا إله إلا هو) كرر تأكيدا (العزيز الحكيم) الذي لا مغالب له ولا يخل بالعدل وهما مقرران للوحدانية والعدل وعن الباقر (عليه السلام) إن أولي العلم الأنبياء والأوصياء .
(إن الدين عند الله الإسلام) أي الدين المرضي له تعالى الإسلام أو الانقياد له في جميع أوامره ونواهيه (وما اختلف الذين أوتوا الكتاب) اليهود والنصارى وأهل الكتب السالفة في دين الإسلام فأثبته قوم وخصه قوم بالعرب ونفاه قوم أو في التوحيد فثلث النصارى وقالت اليهود عزير ابن الله وقيل هم اليهود اختلفوا بعد موسى وقيل النصارى اختلفوا في أمر عيسى (إلا من بعد ما جاءهم العلم) بشرائعهم أو بعد أن علموا الحق أو تمكنوا من العلم به بالدلائل (بغيا) حسدا وطلبا للرئاسة (بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب) وعيد لهم .
(فإن حاجوك) في الدين (فقل أسلمت وجهي) أخلصت نفسي (لله) عبر به عن النفس لأنه أشرف الأعضاء (ومن اتبعني) عطف على التاء وحسن للفصل (وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين) من لا كتاب لهم كمشركي العرب (أأسلمتم) بعد وضوح الحجج أم كنتم على كفركم ومثله فهل أنتم منتهون وفيه توبيخ لهم بالمعاندة (فإن أسلموا فقد اهتدوا) نفعوا أنفسهم بإخراجهم من الضلال (وإن تولوا) لم يضروك (فإنما عليك البلاغ) لا الجدال ولا الإجبار على الإسلام (والله بصير بالعباد) تهديد لمن لا يسلم .
(إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق) فسر في البقرة (ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس) فيشتمل أهل الكتاب الذين قتلوا أنبياءهم ومتابعيهم ومن يقتل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر (فبشرهم بعذاب أليم) .

(أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا) لم ينالوا المدح والثناء وحقن الأموال والدماء (والآخرة) لم يستحقوا بها الأجر والثواب (وما لهم من ناصرين) يدفعون عنهم العذاب .
(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) التوراة أو جنس الكتب المنزلة وتنكير النصيب للتعظيم أو التحقير أريد بهم أحبار (يدعون إلى كتاب الله) القرآن أو التوراة (ليحكم بينهم) في نبوة محمد أو في أن دين إبراهيم الإسلام أو في أمر الرجم (ثم يتولى فريق منهم) استبعاد لتوليهم مع علمهم بوجوب الرجوع إليه (وهم معرضون) شأنهم الإعراض .
(ذلك) التولي والإعراض (بأنهم قالوا) بسبب قولهم (لن تمسنا النار إلا أياما معدودات) قلائل (وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون) من أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم .
(فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه) تهويل لما أعد لهم في الآخرة (ووفيت كل نفس ما كسبت) جزاءه (وهم لا يظلمون) الضمير لكل نفس لأنه بمعنى كل الناس .
(قل اللهم مالك الملك) كله نداء ثاني أو صفته (تؤتي الملك) أي ما تشاء منه (من تشاء) وكذا (وتنزع الملك ممن تشاء) فالملك الأول عام والآخران خاصان وقيل الملك هنا النبوة ونزعه نقلها من قوم إلى قوم (وتعز من تشاء وتذل من تشاء) في الدنيا والدين بالنصر والإدبار والتوفيق والخذلان (بيدك الخير) لم يذكر الشر إيماء إلى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك أو لأن أفعاله تعالى بين نافع وضار للمصالح فكلها خير (إنك على كل شيء قدير) .
(تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل) بإدخال كل منهما في الآخر بالزيادة والنقص (وتخرج الحي من الميت) المؤمن من الكافر والحيوان من النطفة (وتخرج الميت من الحي) بالعكس (وترزق من تشاء بغير حساب) غير محاسب له أو غير مضيق عليه .
(لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء) نهوا عن موالاتهم لقرابة أو صداقة جاهلية (من دون المؤمنين) إشارة إلى أن في موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة (ومن يفعل ذلك فليس من الله) من ولايته (في شيء) إذ لا يجتمع موالاة متعاديين (إلا أن تتقوا منهم تقاة) تخافوا من جهتهم ما يجب اتقاؤه وخص لهم إظهار موالاتهم إذا خافوهم مع إبطان عداوتهم وهي التقية التي تدين بها الإمامية ودلت عليه الأخبار المتواترة وقوله تعالى إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان (ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) فلا تتعرضوا لسخطه بموالاة أعدائه وهو ترهيب بليغ .
(قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه) من ولاية الكفار وغيرها (يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض) فيعلم سركم وعلنكم (والله على كل شيء قدير) .
(يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه) بين ذلك اليوم (أمدا بعيدا) مسافة بعيدة (ويحذركم الله نفسه) ترهيب للحث على عمل الخير وترك السوء والأول للمنع من موالاة الكفرة فلا تكرار (والله رءوف بالعباد) ومن رأفته أن حذرهم عقابه .
(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)

أي لا يكون العبد محبوبا لله حتى يعمل بطاعته متبعا لحججه (ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) قيل نزلت حين قال اليهود نحن أبناء الله وأحباؤه أو حين قال وفد نجران إنا نعبد المسيح حبا لله.
(قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا) ماضي أو مضارع (فإن الله لا يحب الكافرين) لا يرضى عنهم وعدل عن الضمير إلى الظاهر للتعميم والدلالة أن التولي كفر أو اختصاص محبته بالمؤمنين .
(إن الله اصطفى ءادم ونوحا وءال إبراهيم وءال عمران على العالمين) بالنبوة والإمامة والعصمة وآل إبراهيم إسماعيل وإسحق وأولادهما دخل فيهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، تلا الباقر (عليه السلام) هذه الآية فقال نحن منهم ونحن بقية تلك العترة وآل عمران موسى وهارون ابنا عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب أو عيسى ومريم بنت عمران بن ماثان من ولد سليمان بن داود بن أيشا من ولد يهودا بن يعقوب وكان بين عمرانين ألف وثلاثمائة سنة .
(ذرية بعضها من بعض) من نسل بعض (والله سميع) للأقوال (عليم) بالنيات والأعمال .
(إذ قالت امرأة عمران) بن ماثان حنة بنت فاقودا جدة عيسى وكانت لعمران بن يصهر بنت اسمها مريم أكبر من هارون فظن أن المراد امرأته ويبطله كفالة زكريا لمعاصرته لابن ماثان وتزوج بنته أيشاع أم يحيى أخت مريم للأب (رب إني نذرت لك ما في بطني محررا) معتقا لخدمة بيت المقدس (فتقبل مني إنك أنت السميع) لقولي (العليم) بنيتي.
(فلما وضعتها) الضمير لما في بطني وأنث لأنه كان أنثى أو لتأويله بالنفس أو النسمة (قالت) تحسرا إذ كانت ترجو ذكرا (رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت) اعتراض وهو قول الله وقرىء على التكلم فيكون كلامها تسلية لنفسها (وليس الذكر كالأنثى) في الخدمة واللام للعهد وإن كان من قولها فللجنس أي وليس الذكر كالأنثى فيما نذرت (وإني سميتها مريم) وهي في لغتهم بمعنى العابدة (وإني أعيذها) أجيرها (بك وذريتها من الشيطان الرجيم) .
(فتقبلها ربها) رضي بها في النذر مكان الذكر (بقبول حسن) بوجه حسن يقبل به النذور (وأنبتها نباتا حسنا) رباها تربية حسنة بما يصلحها في جميع أحوالها (وكفلها) أي الله جعل كفيلها (زكريا) وقرىء بالتخفيف وكان زوج أختها (كلما دخل عليها زكريا المحراب) الصومعة التي بناها لها أو المسجد أو أشرف مواضعه سمي به لأنه محل محاربة الشيطان (وجد عندها رزقا) فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء (قال يا مريم أنى) من أين (لك هذا قالت هو من عند الله) قيل تكلمت صغيرة كعيسى وما رضعت قط وكان رزقها يأتيها من الجنة كرامة لها (إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) بغير تقدير لكثرته أو بغير استحقاق تفضلا .
(هنالك) في ذلك المكان

أو الوقت (دعا زكريا ربه) لما رأى كرامة مريم على الله (قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة) كما وهبتها لحنة العاقر العجوز أو لما رأى الفاكهة في غير وقتها طمع في ولادة العاقر يسأل الولد (إنك سميع الدعاء) مجيبه .
(فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن) أي بأن (الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله) أي بعيسى لأنه وجد بقوله تعالى كن من غير أب (وسيدا) رئيسا في طاعة الله على أهل طاعته (وحصورا) لا يأتي النساء (ونبيا من الصالحين) .
(قال رب أنى يكون لي غلام) تعجبا (وقد بلغني الكبر) أدركني كبر السن وأضعفني وكان له تسع وتسعون سنة ولامرأته ثمان وتسعون (وامرأتي عاقر) لا تلد (قال كذلك) مثل خلق الولد من الهرمين (الله يفعل ما يشاء) .
(قال رب اجعل لي آية) علامة لوقت الحمل لأتلقاه بالشكر أو أعلم بها أن ذلك البشارة منك (قال ءايتك ألا تكلم الناس) لا تقدر على تكليمهم (ثلاثة أيام) بلياليهن (إلا رمزا) إشارة كان يومىء برأسه (واذكر ربك كثيرا) في أيام المنع وفيه تأكيد لما قبله (وسبح بالعشي) من الزوال إلى الغروب (والإبكار) من الفجر إلى الضحى .
(وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك) أولا حين تقبلك من أمك رباك وأكرمك برزق الجنة (وطهرك) مما يستقذر من النساء أو من السفاح (واصطفاك) آخرا بالهداية وتكليم الملائكة والولد بلا أب (على نساء العالمين) عالمي زمانك وفاطمة سيدة نساء العالمين مطلقا .
(يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي) أمرت بالصلوات بذكر أركانها (مع الراكعين) أي في الجماعة أو مع من يركع في صلاته لا مع من لا يركع .
(ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك) أي ما سبق من الغيوب التي لا تعرف إلا بالوحي (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم) التي كانوا يكتبون بها التوراة للإقراع أو قداحهم ليعلموا (أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون) تنافسا في كفالتها .
(إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح) في لغتهم مسيحا لأنه معناه المبارك (عيسى ابن مريم وجيها) حال من كلمة سوغه وصفها (في الدنيا) بالنبوة (والآخرة) بالشفاعة (ومن المقربين) من الله .
(ويكلم الناس في المهد وكهلا) من غير تفاوت في الحالين بكلام الله قيل رفع شابا فالمراد كهلا بعد نزوله وذكر تقلب أحواله دليل على نفي إلهيته (ومن الصالحين) حال رابع من كلمة .
(قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر) تعجب أو استفهام (قال) جبرائيل أو الله وهو المبلغ (كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) قادر

أن يخلق الأشياء بلا أسبأب كما خلقها بأسبأب .
(ويعلمه الكتاب) الكتابة أو جنس الكتب المنزلة (والحكمة والتوراة والإنجيل) خصا لفضلهما .
(ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم) أي بقبول أرسلت رسولا (أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه) الضمير للكاف بمعنى مثل (فيكون طيرا بإذن الله) وأمره إشارة إلى أن إحياءه من الله لا منه (وأبرىء الأكمه) الذي ولد أعمى (والأبرص) قيل ربما اجتمع عليه ألوف من المرضى من أطاق أتاه ومن لم يطق أتاه عيسى وما يداوي إلا بالدعاء (وأحيي الموتى) وممن أحيا سام بن نوح (بإذن الله) كرر لدفع توهم الألوهية (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) أي بالمغيبات من أحوالكم (إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) مصدقين بالمعجزات .
(ومصدقا لما بين يدي من التوراة) أي وجئتكم مصدقا (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) في شريعة موسى كلحم الإبل والشحوم والثرب وبعض الطير والسمك (وجئتكم بآية من ربكم) ذكر ذلك أولا تمهيدا للحجة ثم كرره بعد ذكر الحجة تذكيرا يترتب عليه (فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه) إشارة إلى العلم والعمل (هذا) أي الجمع بين الأمرين (صراط مستقيم) موصل إلى النجاة .
(فلما أحس عيسى منهم الكفر) لما سمع ورأى أنهم يكفرون وعلم ذلك منهم كعلم ما يدرك بالحواس (قال من أنصاري إلى الله) الجار متعلق بأنصاري أي من يضيف نفسه إلى الله في نصري (قال الحواريون) حواري الرجل خالصته من الحور وهو البياض الخالص لنقاء قلوبهم وخلوص نيتهم (نحن أنصار الله) أنصار دينه ورسوله (ءامنا بالله واشهد بأنا مسلمون) استشهدوه لأن الرسل يوم القيامة يشهدون لقومهم وعليهم .
(ربنا ءامنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) بالوحدانية أو مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم أو مع أمة محمد لقوله لتكونوا شهداء على الناس .
(ومكروا) أي اليهود الذين أحس منهم الكفر بتوكيلهم من يقتله غيلة (ومكر الله) برفعه عيسى وإلقاء شبهة على من أراد اغتياله حتى قتل وأسند المكر إليه تعالى للمقابلة (والله خير الماكرين) أنفذهم كيدا .
(إذ قال الله) ظرف خبر الماكرين أو لمكر الله (يا عيسى إني متوفيك) مستوفي أجلك وعاصمك من قتلهم إلى أجلك المسمى أو متسلمك من الأرض أو قابضك إلى غير موت (ورافعك إلي) إلى سمائي ومقر ملائكتي (ومطهرك من الذين كفروا) من سوء جوارهم (وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة) يعلونهم بالحجة والسيف في أكثر الأحوال ومتبعوه هم المسلمون دون من كذبه وكذب عليه من اليهود

والنصارى (ثم إلي مرجعكم) أي عيسى ومن تبعه وكفر به (فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون) في أمر الدين .
(فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين) .
(وأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم) تفصيل للحكم وقرىء يوفيهم بالياء والباقون بالنون (والله لا يحب الظالمين) لا يرضى عنهم .
(ذلك) المذكور من نبأ موسى وغيره (نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم) القرآن الناطق بالحكمة أو المحكم أو اللوح المحفوظ .
(إن مثل عيسى) في الخلقة من غير أب (عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب) من غير أب ولا أم، شبه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم (ثم قال له كن فيكون) حكاية حال ماضية .
(الحق) خبر محذوف أي هذا أو هو أو مبتدأ خبره (من ربك فلا تكن من الممترين) نهيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) من باب التهيج لزيادة اليقين أو من باب إياك أعني .
(فمن حاجك) من النصارى (فيه) في عيسى (من بعد ما جاءك من العلم) بأنه عبد الله ورسوله (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) أي يدعو كل منا ومنكم أبناءه ونساءه ومن هو كنفسه إلى المباهلة (ثم نبتهل) نباهل بأن نلعن الكاذب منا والبهلة بالفتح والضم اللعنة (فنجعل لعنة الله على الكاذبين) دعاهم إلى الشهادتين وأن عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث فأبوا فقال فليحضر كل منا ومنكم نفسه وأعزة أهله فندعوا على الكاذب من الفريقين فقبلوا فأتى (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأمير المؤمنين وفاطمة والحسنين (عليهم السلام) فخافوا ولم يرضوا ورضوا بالجزية وانصرفوا .
(إن هذا) الذي قص من نبإ عيسى (لهو القصص) النبأ (الحق وما من إله إلا الله) رد على النصارى في تثليثهم (وإن الله لهو العزيز الحكيم) لا يشارك في الحكمة والقدرة .
(فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين) وعيد لهم ولم يقل بهم ليدل على أن الإعراض عن الحجج والتوحيد إفساد للدين بل للعالم.
(قل يا أهل الكتاب) يعم أهل الكتابين أو نصارى نجران أو يهود بالمدينة (تعالوا إلى كلمة سواء) مستوية (بيننا وبينكم) لا نخلف فيها الرسل والكتب وهي (ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا) في عبادة وغيرها (ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) لا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوا من التحليل والتحريم إذ من أصغى إلى ناطق فقد عبده (فإن تولوا) عن التوحيد (فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) أي لزمتكم الحجة فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم .
(يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم) ادعى كل من اليهود والنصارى أنه منهم (وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون) وكان إبراهيم قبل موسى بألف سنة وقبل عيسى بألفين فكيف يكون على اليهودية والنصرانية .
(ها) للتنبيه (أنتم هؤلاء حاججتم) جادلتم (فيما لكم به علم) مما في التوراة والإنجيل (فلم تحاجون فيما

ليس لكم به علم) ولا ذكر في كتابيكم من دين إبراهيم (والله يعلم) ذلك (وأنتم لا تعلمون) .
(ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا) مائلا عن الأديان الباطلة (مسلما) مخلصا لله (وما كان من المشركين) فيه تعريض بشركهم.
.
(إن أولى الناس بإبراهيم) أخصهم به وأقربهم منه (للذين اتبعوه) سابقا (وهذا النبي والذين ءامنوا) معه لموافقتهم له في أكثر شريعته أصالة (والله ولي المؤمنين) ناصرهم .
(ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم) قيل هم اليهود دعوا حذيفة وعمار ومعاذ إلى اليهودية ولو بمعنى أن (وما يضلون إلا أنفسهم) لا يلحق وبال ضلالهم إلا بهم إذ يضاعف به عذابهم (وما يشعرون) بذلك .
(يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله) في كتبكم الناطقة بنبوة محمد (وأنتم تشهدون) بصدقها .
(يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل) تخلطونه بالتحريف (وتكتمون الحق) من نبوة محمد (وأنتم تعلمون) .
(وقالت طائفة من أهل الكتاب ءامنوا بالذي أنزل على الذين ءامنوا) أظهروا الإيمان بالقرآن (وجه النهار) أوله (واكفروا) به (ءاخره لعلهم يرجعون) في دينهم لذلك ويرجعون عنه .
(ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) أي لا تصدقوا إلا لأهل دينكم أو لا تظهروا إيمانكم وجه النهار إلا لمن كان على دينكم فإنهم أرجى رجوعا (قل إن الهدى هدى الله) يوفق من يشاء للإسلام ويثبته عليه (أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) يتعلق بلا تؤمنوا أي لا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم ولا تفشوه للمسلمين لئلا يزيدهم ثباتا ولا للمشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام أو بمحذوف أي قلتم ذلك ودبرتموه لأن يؤتى يعني دعاكم الحسد إلى ذلك ويؤيده قراءته أن يؤتى على الاستفهام للتوبيخ أي لأن يؤتى دبرتم كذا وقوله (إن الهدى هدى الله) اعتراض حتى (أو يحاجوكم) به (عند ربكم) فيقطعوكم والواو لأحد لأنه في معنى الجمع (قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) .
(يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم) فلا هداية ولا توفيق إلا من لطفه .
(ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك) كعبد الله بن سلام استودعه قرشي ألفا ومائتي أوقية ذهبا فأداه إليه (ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك) كفنحاص بن عازورا استودعه قرشي دينارا فجحده (إلا ما دمت عليه قائما) تطالبه بالعنف (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين) في مال من ليس من أهل الكتاب (سبيل) عقاب وذم (ويقولون على الله الكذب) بما ادعوا (وهم يعلمون) كذبهم .
(بلى) عليهم فيهم سبيل (من أوفى بعده واتقى فإن الله يحب المتقين) استئناف مقرر لما نابته بلى، والضمير في بعده لله أو لمن وعموم المتقين باب العائد من

الجزاء إلى من وأقيم مقام الضمير إشارة إلى العلة واعتناء بالتقوى وهي أداء الواجبات وترك المحرمات .
(إن الذين يشترون بعهد الله) من الإيمان بالرسول والوفاء بالأمانات (وأيمانهم) وبما حلفوا به من قولهم والله لنؤمنن به ولننصرنه (ثمنا قليلا) عرض الدنيا (أولئك لا خلاق) لا نصيب (لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله) بكلام خير (ولا ينظر إليهم يوم القيامة) لا يصيبهم بخير (ولا يزكيهم) ولا يثني عليهم (ولهم عذاب أليم) على فعلهم قيل نزلت في أحبار كتموا أمر محمد وحرفوا التوراة للرشوة أو في رجل حلف كاذبا في إنفاق سلعة .
(وإن منهم لفريقا يلون ألسنتهم بالكتاب) يفتلونها بتلاوته عن المنزل إلى المحرف (لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) تأكيد وتسجيل بتعمد الكذب على الله .
(ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله) تكذيب لعبده عيسى (ولكن) يقول (كونوا ربانيين) الرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون وهو الكامل علما وعملا (بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) تقرءون أي بسبب كونكم معلمين الكتاب وبكونكم دارسين إذ ثمرة التعليم والتعلم كسب العلم والعمل .
(ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون) إنكار، والضمير المستتر للبشر أو الله .
(وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما ءاتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه) أخذ الميثاق على الأنبياء قبل نبينا أن يبشروا أممهم به ويأمروهم بتصديقه ونصره أو أخذ على الأنبياء وأممهم بذلك واستغنى بذكرهم عن الأمم، وعن الصادق (عليه السلام) معناه أخذ ميثاق أممهم بالعمل بما أتوا به فما وفوا (قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا) فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار (وأنا معكم من الشاهدين) عليكم وعلى أممكم وهو تحذير بليغ .
(فمن تولى بعد ذلك) الميثاق (فأولئك هم الفاسقون) .
(أفغير دين الله يبغون) وقرىء بتاء الخطاب وقدم المفعول لتوجه الإنكار إليه (وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها) طائعين بالنظر إلى الحجج وكارهين بالسيف (وإليه يرجعون) بالتاء والياء .
(قل ءامنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسبأط وما أوتي موسى وعيسى

والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم) بالتصديق والتكذيب (ونحن له مسلمون) منقادون موحدون .
(ومن يبتغ غير الإسلام) غير الانقياد لله وتوحيده (دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) .
(كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات) أي كيف يلطف بهم وقد علم تصميمهم على الكفر (والله لا يهدي القوم الظالمين) لا يلطف بهم لعنادهم .
(أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها) في اللعنة أو العقوبة (لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) .
(إلا الذين تابوا من بعد ذلك) الارتداد (وأصلحوا) ما أفسدوا أو دخلوا في الصلاح (فإن الله غفور رحيم) قيل نزلت في الحارث بن سويد حين ندم على ردته فأرسل إلى قومه سلوا هل لي من توبة فأرسلوا إليه بالآية فأتى المدينة فتاب .
(إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا) هم اليهود كفروا بعيسى بعد إيمانهم بموسى ثم ازدادوا كفرا بمحمد أو بمحمد بإيمانهم به قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرا بإصرارهم وطعنهم فيه وصدهم عن الإيمان (لن تقبل توبتهم) لنفاقهم فيها، أو لأنهم لا يتوبون إلا عند المعاينة (وأولئك هم الضالون) .
(إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا) جيء بالفاء إشعارا بأن سبب امتناع قبول الفدية الموت على الكفر (ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين) قيل التقدير فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا أو لو افتدى بمثله أي معه وكثر حذف المثل إذ المثلين كشيء واحد .
(لن تنالوا البر) رحمة الله ورضوانه ولن تبلغوا كمال البر ولن تكونوا أبرارا (حتى تنفقوا مما تحبون) من المال والجاه والنفس وعنهم (عليهم السلام) ما تحبون (وما تنفقوا من شيء) طيب أو خبيث (فإن الله به عليم) .
(كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل) يعقوب (على نفسه) وهو لحم الإبل (من قبل أن تنزل التوراة) فما حرم عليهم بعد نزولها كان لظلمهم وبغيهم (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) أن تحريم الطيبات كان قديما .
(فمن افترى على الله الكذب) بزعمه أن تحريم ذلك قديم (من بعد ذلك) بعد لزوم الحجة (فأولئك هم الظالمون) بمكابرة الحق الواضح .
(قل صدق الله) وأنتم الكاذبون (فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) تعريض بشركهم .
(إن أول بيت وضع للناس) ليكون متعبدا لهم (للذي ببكة) لغة في مكة وقيل موضع المسجد ومكة البلد من البك أي الزحم أو الدق للازدحام فيها ودقها أعناق العتاة وعنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أول مسجد وضع المسجد الحرام ثم بيت المقدس، وعن علي (عليه السلام) كان قبله بيوت ولكنه أول بيت وضع للعبادة (مباركا) كثير الخير والنفع (وهدى للعالمين) لأنه قبلتهم ومتعبدهم .
(فيه آيات بينات) لقهره لمن تعرض له بسوء (مقام إبراهيم)

أي منها المقام لتأثير قدميه في الحجر ومنها الحجر الأسود ومنها منزل إسماعيل (ومن دخله كان ءامنا) في الآخرة من النار، أو أمر ليؤمن من دخله جانيا خارجه ولا يتعرض له ولكن يلجأ إلى الخروج (ولله على الناس حج البيت) أي الحج والعمرة جميعا (من استطاع إليه سبيلا) بأن يكون صحيحا في بدنه مخلى في سربه له زاد وراحلة (ومن كفر) ترك وهو مستطيع (فإن الله غني عن العالمين) أكد أمر الحج بإيجابه بصيغة الخبر والجملة الإسمية وإيراده على وجه يفيد أنه حق لله في رقاب الناس وتخصيص الحكم بعد تعميمه وهو تكرير للمراد وبيان بعد إبهام وتغليظ تركه بتسميته كفرا كما سمي تاركه في الخبر يهوديا أو نصرانيا وذكر الاستغناء الدال على المقت والسخط وإبدال عن عنه بعن العالمين .
(قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله) الدالة على صدق محمد (والله شهيد على ما تعلمون) فيجازيكم بها .
(قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من ءامن وتبغونها عوجا) حال من الواو، أي طالبين لها اعوجاجا بتلبيسكم على الناس لتوهموا أن فيه عوجا أو بإغوائكم بين المؤمنين ليختل أمر دينهم (وأنتم شهداء) أنها سبيل الله والصاد عنها ضال (وما الله بغافل عما تعملون) وعيد لهم .
(يا أيها الذين ءامنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) كما حكى الله عنهم ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم بعد إيمانكم كفارا .
(وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم ءايات الله وفيكم رسوله) استبعاد لكفرهم حال وجود ما يدعوهم إلى الإيمان ويصرفهم عن الكفر (ومن يعتصم بالله) يتمسك بدينه (فقد هدي إلى صراط مستقيم) جيء بالماضي لتحقق وقوعه .
(يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته) عن الصادق (عليه السلام)، هو أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) لا تكونوا على حال سوى الإسلام إذا أدرككم الموت وقرىء بالتشديد أي منقادون للرسول ثم الإمام من بعده .
(واعتصموا بحبل الله) بدينه أو كتابه وعنهم (عليهم السلام) نحن حبل الله وروي القرآن والولاية فإنهما (جميعا) لا يفترقان (ولا تفرقوا) عن الحق تفرق أهل الكتاب باختلافهم (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم) بالإسلام (فأصبحتم بنعمته إخوانا) متواصلين متحابين في الله (وكنتم على شفا حفرة من النار) مشرفين على الوقوع في نار جهنم لكفركم (فأنقذكم منها) بمحمد وبالإسلام (كذلك يبين الله لكم آياته) للناس (لعلكم تهتدون) لكي تثبتوا على الهدى أو تزادوه .
(ولتكن منكم) بعضكم وهو خاص غير عام يدل على أنهما كفائيان (أمة) وقرىء أئمة (يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) روي: أنما يجب على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر (وأولئك هم المفلحون) الأحقاء بالفلاح .
(ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا) في الدين كاليهود والنصارى (من بعد

ما جاءهم البينات) الدلائل الموجبة للاتفاق على الحق (وأولئك لهم عذاب عظيم) وعيد للمتفرقين .
(يوم تبيض وجوه) من النور (وتسود وجوه) من الظلمة أو يوسم أهل الحق ببياض الوجه والصحيفة وشق النور بين يديه وبيمينه وأهل الباطل بضد ذلك (فأما الذين اسودت وجوههم) فيقال لهم (أكفرتم بعد إيمانكم) توبيخ أو تعجب من حالهم وهم المرتدون أو أهل البدع أو أهل الكتاب كفروا بالنبي بعد إيمانهم به قبل مبعثه أو جميع الكفار كفروا بعد إقرارهم في عالم الذر أو تمكنوا من الإيمان بالنظر إلى الحجج (فذوقوا العذاب) أمر إهانة (بما كنتم تكفرون) بسبب كفركم .
(وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله) ثوابه الدائم (هم فيها خالدون) .
(تلك ءايات الله) المتضمنة للوعد والوعيد (نتلوها عليك) متلبسة (بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين) لأحد من خلقه إذ لا يظلم إلا جاهل أو محتاج وهو منزه عن ذلك وبين غناه بقوله .
(ولله ما في السموات وما في الأرض) ملكا وخلقا (وإلى الله ترجع الأمور) فيجازي كلا بما يستحقه .
(كنتم خير أمة) هم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقرىء كنتم خير أئمة (أخرجت) أظهرت (للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) تضمن الإيمان بكل ما يجب الإيمان به (ولو ءامن أهل الكتاب) إيمانا يعتد به (لكان خيرا لهم) مما هم عليه (منهم المؤمنون) كعبد الله بن سلام وأضرابه (وأكثرهم الفاسقون) .
(لن يضروكم إلا أذى) ضررا يسيرا كطعن ووعيد (وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار) منهزمين ولا يضروكم بقتل ولا أسر (ثم لا ينصرون) عليكم .
(ضربت عليهم الذلة) فهي محيطة بهم إحاطة البيت المضروب على أهله (أينما ثقفوا) وجدوا (إلا بحبل من الله وحبل من الناس) استثناء من أعم الأحوال أي ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا معتصمين بذمة الله وذمة المسلمين (وباءو) رجعوا (بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة) فاليهود غالبا فقراء مساكين (ذلك) الضرب والبوء (بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق) ذلك الكفر والقتل (بما عصوا وكانوا يعتدون) حدود الله مع الكفر والقتل ويفيد خطابهم بالفروع .
(ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة) مستقيمة عادلة بيان لنفي استوائهم (يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) عبر عن تهجدهم بالتلاوة والسجود لأنه أبلغ في المدح أو أريد صلاة العشاء لأن أهل الكتاب لا يصلونها .
(يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين) الذين صلحت أحوالهم عند الله .
(وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) لن تنقصوا ثوابه وقرىء بالباء (والله عليم بالمتقين) .
(إن الذين كفروا لن تغني) لن تدفع (عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله) عذابه (شيئا وأولئك

أصحاب النار) وملازموها (هم فيها خالدون) .
(مثل ما ينفقون) سمعة أو قربة أو في عداوة الرسول (في هذه الحيوة الدنيا كمثل ريح فيها صر) برد شديد (أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم) بالمعاصي (فأهلكته) شبه ما أنفقوا في ضياعه بحرث عصاة أهلكه البرد فذهب حطاما وهو من التشبيه المركب (وما ظلمهم الله) بضياع نفقاتهم (ولكن أنفسهم يظلمون) حيث لم يأتوا بها خالصة .
(يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة) هو الذي يعرفه الرجل أسراره ثقة به مشبه ببطانة الثوب (من دونكم) كائنة من غير المسلمين أو متعلق بلا تتخذوا (لا يألونكم خبالا) لا يقصرون في الفساد والإلواء التقصير (ودوا ما عنتم) تمنوا ضرركم ومشقتكم (قد بدت البغضاء من أفواههم) من عدم تمالكهم أنفسهم لفرط بغضهم (وما تخفي صدورهم أكبر) مما بدا والواو للحال (قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) ما بينا والجمل الأربع مستأنفات للتعليل وقيل الثلاث الأول نعوت لبطانة .
(ها أنتم أولاء) الخطان في موالاة الكفار (تحبونهم ولا يحبونكم) بيان لخطئهم (وتؤمنون بالكتاب) بجنسه (كله) أي لا يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتابهم فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بكتابكم وفيه توبيخ في أنهم في باطلهم أصلب منكم في حقكم (وإذا لقوكم قالوا ءامنا) نفاقا وتعزيزا وتغريرا (وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) من أجله فإن المغتاظ والنادم يعض الأنامل (قل موتوا بغيظكم) دعاء عليهم بزيادة غيظهم بازدياد عز الإسلام (إن الله عليم بذات الصدور) بخفياتها .
(إن تمسسكم حسنة) نعمة (تسؤهم وإن تصبكم سيئة) محنة (يفرحوا بها وإن تصبروا) على عداوتهم (وتتقوا) موالاتهم لا يضركم (كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط) علما .
(وإذ) واذكر إذ (غدوت) خرجت غدوة (من أهلك) لغزوة أحد (تبوىء المؤمنين) تهيىء لهم (مقاعد للقتال) مواطن ومواقف له (والله سميع) لأقوالكم (عليم) بنياتكم .
(إذ همت طائفتان منكم) بنو سلمة وبنو حارثة (أن تفشلا) أن تجبنا وتضعفا (والله وليهما) ناصرهما فما لهما تفشلان (وعلى الله فليتوكل المؤمنون).
(ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) ضعفاء وجمع القلة للدلالة على قلتهم مع ذلتهم (فاتقوا الله) في الثبات (لعلكم تشكرون) بتقواكم وروي أن عدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر للمؤمنين .
(إذ تقول للمؤمنين).
ظرف لينصركم أو بدل ثان من إذ غدوت (ألن يكفيكم أن يمد ربكم بثلاثة ءالاف من الملائكة منزلين) إنكار ألا يكفيهم ذلك وقرىء منزلين بالتشديد .
(بلى) يكفيكم (إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم) أي المشركين (من فورهم هذا) أي من ساعتهم (يمددكم ربكم بخمسة ءالاف من الملائكة مسومين) معلمين بأنهم

ملائكة وكانت عليهم العمائم البيض المرسلة .
(وما جعله الله) أي إمدادكم بالملائكة (إلا بشرى) بشارة (لكم) بالنصر (ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز) الذي لا يغالب (الحكيم) في النصر والخذلان بحسب المصلحة لا من العدد والعدة ولا من الملائكة وإنما أمدهم ووعدهم بذلك بشارة وتقوية لقلوبهم .
(ليقطع طرفا من الذين كفروا) متعلق بنصركم أو وما النصر أي ليهلك طائفة منهم بالقتل والأسر وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من رؤسائهم (أو يكبتهم) يخزيهم (فينقلبوا خائبين) ينهزموا منقطعي الأمل .
(ليس لك من الأمر شيء) مفترضة (أو يتوب عليهم) إن أسلموا (أو يعذبهم) إن أصروا أي إن الله مالك أمرهم فأما أن يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب أو يعذب ليس لك من أمرهم شيء إنما أنت عبد مأمور منذر وقرىء إن يتب عليهم أو يعذبهم وأن تتوب عليهم أو تعذبهم بتاء الخطاب فيهما (فإنهم ظالمون) مستحقون للعذاب بظلمهم .
(ولله ما في السموات وما في الأرض) فله الأمر كله (يغفر لمن يشاء) من مذنبي المؤمنين (ويعذب من يشاء) ممن لم يتب (والله غفور رحيم) للمؤمنين .
(يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الربوا أضعافا مضاعفة) لا تأخذوا زيادة مكررة ولعل التقييد بحسب ما وقع إذ كان الرجل يربي إلى أجل ثم يزيد فيه زيادة أخرى وهكذا وقرىء مضعفة (واتقوا الله) في مناهيه (لعلكم تفلحون) راجين الفلاح .
(واتقوا النار التي أعدت للكافرين) .
(وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) ترغيب بالوعد بعد الترهيب بالوعيد .
(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) أي إلى ما يوجبها وهو أداء الفرائض أو الطاعة أو التوبة (وجنة عرضها السموات والأرض) إذا وضعتا مبسوطتين وقيل عرضها كعرضهما، وذكر العرض مبالغة في وصفها بالسعة لأنه دون الطول قيل: كسبع سموات وسبع أرضين لو تواصلت (أعدت) هيئت (للمتقين) فهي مخلوقة اليوم كما تواتر في الأخبار .
(الذين ينفقون في السراء والضراء) حال اليسر والعسر أو كل الأحوال إذ لا تخلوا من مسرة ومضرة (والكاظمين الغيظ) الكافين عن إمضائه مع القدرة عليه (والعافين عن الناس) إذا جنوا عليهم (والله يحب المحسنين) العهد إشارة إلا هؤلاء أو الجنس ويدخلون فيه.
(والذين إذا فعلوا فاحشة) سيئة بالغة في القبح بتعدي أثرها (أو ظلموا أنفسهم) بارتكاب ذنب لا يتعدى (ذكروا الله) تذكروا وعيده وعظمته (فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله) استفهام معناه النفي معترض لبيان سعة رحمته ومغفرته وحث على التوبة وتقوية للرجاء (ولم يصروا على ما فعلوا) لم يقيموا على الذنب (وهم يعلمون) أي لم يصروا على القبيح عالمين به .
(أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار

خالدين فيها ونعم أجر العاملين) أجرهم .
(قد خلت) مضت (من قبلكم سنن) وقائع سنها الله في أمم مكذبة (فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) لتتعظوا بحالهم (هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين) إشارة إلى قوله .
(قد خلت) إلى ما ذكر من أمر المتقين والتائبين (ولا تهنوا) لا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم (ولا تحزنوا) على ما أصابكم من قتل وأذى (وأنتم الأعلون) أعلى منهم لأن قتالكم لله وقتالهم للشيطان وقتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار، أو الأعلون في العاقبة (إن كنتم مؤمنين) إن صح إيمانكم .
(إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) بفتح القاف وضمها لغتان في الجراح أو الفتح لها والذم لآلها يعني إن نالوا منكم بأحد فقد نلتم منهم ببدر وأنتم الأعلون وترجون من الله ما لا يرجون (وتلك الأيام نداولها) نصرفها (بين الناس) تارة لهؤلاء وأخرى لغيرهم (وليعلم الله الذين ءامنوا) أي ليتميز الثابتون على الإيمان وليس المراد ثبات علمه بل متعلقه أو المعنى ليعلمهم علما يتعلق به الجزاء وهو العلم بالشيء موجودا (ويتخذ منكم شهداء) يكرم بعضكم بالشهادة (والله لا يحب الظالمين) اعتراض .
(وليمحص الله الذين ءامنوا) يخلصهم من ذنوبهم إن كانت الدولة عليهم (ويمحق) يهلك (الكافرين) .
(أم حسبتم) إنكاري (أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) أي ولما تجاهدوا أريد بنفي العلم نفي متعلقه (ويعلم الصابرين) نصب بإضمار أن .
(ولقد كنتم تمنون الموت) بالشهادة حين سمعتم ما فعل الله بشهداء بدر من الكرامة (من قبل أن تلقوه) تشاهدوه وتعرفوا شدته (فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) معاينين لقتل من قتل منكم .
(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) فسيخلو كما خلوا (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) إنكار لانقلابهم عن دينهم لخلوه بموت أو قتل مع علمهم بخلو الرسل قبله وبقاء دينهم، روي أن إبليس نادى فيهم: أنه قد قتل فانهزموا وارتدوا عن الدين (ومن ينقلب على عقبيه) يرتد (فلن يضر الله شيئا) بل يضر نفسه (وسيجزي الله الشاكرين) نعمة الإسلام بثباتهم عليه .
(وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله) بعلمه وأمره وفيه تشجيع على الجهاد (كتابا) مصدر مؤكد أي كتب الموت كتابا (مؤجلا) موقتا لا يتقدم ولا يتأخر (ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين) للنعمة الذين لم يؤثروا على الجهاد شيئا .
(وكأين) كم (من نبي قاتل معه ربيون كثير) ربانيون علماء عباد أو جماعات وقرىء قتل (فما وهنوا) فتروا (لما أصابهم في سبيل الله) من قتل وذل (وما ضعفوا) عن الجهاد (وما استكانوا) خضعوا لعدوهم

(والله يحب الصابرين) فينصرهم ويرضى عنهم .
(وما كان قولهم) مع أنهم ربانيين (إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) أضافوا الذنوب والإسراف إلى أنفسهم فاستغفروا .
(فآتيهم الله) بما قالوا (ثواب الدنيا) النصر والغنيمة وحسن الذكر (وحسن ثواب الآخرة) الجنة والرضوان (والله يحب المحسنين) خص ثواب الآخرة بالحسن إيذانا بأنه المعتد به عنده .
(يا أيها الذين ءامنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين) قيل نزلت في قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة ارجعوا إلى دين إخوانكم وقيل: عام في إطاعة الكفر فإنها تجر إلى موافقتهم .
(بل الله مولاكم) ناصركم (وهو خير الناصرين) لا تحتاجون معه إلى غيره .
(سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) قذف في قلوبهم الخوف يوم أحد فرجعوا من غير سبب (بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا) بسبب إشراكهم آلهة ليس على إشراكها حجة (ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين) أي مثواهم وعدل إلى الظاهر للتعليل .
(ولقد صدقكم الله وعده) إياكم بالنصر بشرط الصبر والتقوى وكان كذلك حتى خالفهم الرماة (إذ تحسونهم) تبطلون حسهم بقتلهم (بإذنه) من حسه أي أبطل حسه (حتى إذا فشلتم) جبنتم وضعف رأيكم (وتنازعتم في الأمر) حين انهزم المشركون فقال بعض الرماة فما موقفنا هاهنا، وقال آخرون لا نخالف أمر النبي فلبث أميرهم في نفر دون العشرة ونفر الباقون للنهب وهو معنى (وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون) من النصر والغنيمة وحذف جواب إذا وهو ابتلاكم (منكم من يريد الدنيا) وهم من أخلوا مراكزهم للغنيمة (ومنكم من يريد الآخرة) وهم من ثبتوا طاعة لأمر الرسول (ثم صرفكم) كفكم (عنهم) اذكروا عليكم فغلبوكم (ليبتليكم) ليمتحن صبركم (ولقد عفا عنكم) بعد أن عصيتم أمر الرسول (والله ذو فضل على المؤمنين) .
(إذ تصعدون) تفرون وتبعدون متعلق بصرفكم أو ليبتليكم أو باذكر مقدرا (ولا تلون على أحد) لا يقف أحد لأحد (والرسول يدعوكم) ويقول إلى عباد الله (في أخراكم) ساقتكم وجماعتكم الأخرى (فأثابكم غما بغم) عطف على صرفكم أي فجازاكم غما بسبب غم أذقتموه الرسول بعصيانكم له أو فجازاكم عن فشلكم وعصيانكم غما متصل بغم بالإرجاف بقتل الرسول وظفر المشركين والقتل والجرح (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم) من المنافع (ولا ما أصابكم) من المضار (والله خبير بما تعملون) عالم بأعمالكم .
(ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة) أمنا مفعول (نعاسا) بدل عن أبي طلحة: غشينا الناس في مصافنا وكان السيف يسقط من

يد أحدنا فيأخذه (يغشى) النعاس وقرىء بالتاء أي الأمنة (طائفة منكم) خلص المؤمنين (وطائفة) هم المنافقين (قد أهمتهم أنفسهم) ما بهم إلا هم خلاص أنفسهم (يظنون بالله) صفة أخرى لطائفة أو حال أو استيناف (غير) الظن (الحق) الذي يجب أن يظن به (ظن الجاهلية) بدل (يقولون) للرسول (هل لنا من الأمر) أمر الله أي النصر والفتح (من شيء) نصيب (قل إن الأمر كله لله) النصر أو مطلقا لله وأوليائه (يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك) يظهرون أنهم مسترشدون ويبطنون النفاق (يقولون) في أنفسهم أو بعضهم لبعض (لو كان لنا من الأمر) النصر الموعود به (شيء) أو كان لنا اختياره (ما قلنا هاهنا) لما غلبنا وقتل أصحابنا هنا (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل) في علم الله (إلى مضاجعهم) مصارعهم ليكون ما علم كونه و(ليبتلي الله ما في صدوركم) من الإخلاص علة لمحذوف أي فعل ذلك ليبتلي أو عطف على محذوف أي برزوا لمصالح وللابتلاء (وليمحص ما في قلوبكم) ليخلصه من الشك (والله عليم بذات الصدور) بأسرارها قبل ظهورها وفيه وعد ووعيد .
(إن الذين تولوا) انهزموا (منكم يوم التقى الجمعان) يوم أحد (إنما استزلهم) حملهم على الزلة (الشيطان ببعض ما كسبوا) أي كان انهزامهم بسبب ترك المركز والميل إلى الغنيمة بتسويل الشيطان أو بسبب ذنوب قدموها والذنب يجر إلى الذنب كالطاعة (ولقد عفا الله عنهم) لتوبتهم (إن الله غفور) للذنوب (حليم) لا يعجل العقاب .
(يا أيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين كفروا) أي المنافقين (وقالوا لإخوانهم) لأجلهم وإخوتهم في النسب أو المذهب (إذا ضربوا) سافروا (في الأرض) لتجارة ونحوها (أو كانوا غزى) جمع غاز (لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا) مقول قالوا (ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم) متعلق بقالوا واللام للعاقبة (والله يحيي ويميت) لا الحضر والسفر (والله بما تعملون بصير) .
(ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم) في سبيله (لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون) من منافع الدنيا لو لم يموتوا .
(ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون) لا غيره فيعظم أجركم .
(فبما رحمة من الله لنت لهم) ما مزيدة للتأكيد وتقديم الظرف للحصر (ولو كنت فظا) جافيا (غليظ القلب) قاسية (لانفضوا من حولك) وتفرقوا عنك (فاعف عنهم) فيما يختص بك (واستغفر لهم) فيما لله (وشاورهم في الأمر) أمر الحرب ونحوه مما لم يوح إليك تطييبا لنفوسهم وتأسيسا لسنة المشاورة للأمة (فإذا عزمت) على شيء بعد الشورى (فتوكل على الله) في إمضائه (إن الله يحب المتوكلين) .
(إن ينصركم الله) كما نصركم ببدر (فلا غالب لكم وإن يخذلكم) كما في أحد (فمن ذا الذي ينصركم من بعده) بمعنى النفي (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) إذ لا ناصر سواه .
(وما كان)

ما صح (لنبي أن يغل) يخون في الغنيمة، فقدت يوم بدر قطيفة حمراء من الغنيمة فقال رجل ما أظن إلا رسول الله أخذها فنزلت (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) يأتي بالذي غل يحمله على ظهره كما في الخبر أو بما حمل من وباله (ثم توفى كل نفس ما كسبت) تعطى جزاؤه وافيا ولم يقل يوفى ما كسبت للمبالغة فإنه إذا كان كل كاسب مجزيا بعمله شمل الحكم الغال وغيره (وهم لا يظلمون) .
(أفمن اتبع رضوان الله) بالطاعة (كمن باء بسخط من الله) بالمعصية (ومأواه جهنم وبئس المصير) يفرق بينه وبين المرجع بمخالفته للحالة الأولى بخلاف المرجع .
(هم درجات عند الله) أي متفاوتون في الثواب والعقاب تفاوت الدرجات أو ذوو درجات (والله بصير بما يعملون) عليم بأعمالهم ودرجاتها يجازيهم بحسبها .
(لقد من الله على المؤمنين) خصوا مع عموم نعمة البعث لأنهم المنتفعون بها (إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم) عربيا مثلهم ليسهل عليهم فهم كلامه أو من نسبهم ليكونوا عارفين صدقه (يتلو عليهم آياته) القرآن وكانوا من قبل جهالا لم يسمعوا وحيا (ويزكيهم) يطهرهم من دنس العقائد والأعمال (ويعلمهم الكتاب والحكمة) القرآن والسنة (وإن كانوا من قبل) قبل بعثه (لفي ضلال مبين) ظاهر .
(أولما أصابتكم مصيبة) الهمزة للتقريع والواو عطف الجملة على قصة أحد ولما ظرف قلتم مضاف إلى أصابتكم أي حين أصابتكم مصيبة وهي قتل سبعين منكم بأحد والحال أنكم (قد أصبتم مثليها) ضعفها ببدر (قلتم أنى هذا) من أين هذا أصابنا وقد وعدنا النصر (قل هو من عند أنفسكم) أنتم السبب فيه لترككم المركز أو لاختياركم الخروج من المدينة أو الفداء يوم بدر (إن الله على كل شيء قدير) فيقدر على النصر ومنعه .
(وما أصابكم يوم التقى الجمعان) بأحد (فبإذن الله) بتخلية الكفار سميت إذنا لأنها من لوازمه (وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا) ليتميز الفريقان فيظهر إيمان المؤمنين وكفر المنافقين (وقيل لهم) عطف على نافقوا أو كلام مبتدأ (تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا) خيروا بين أن يقاتلوا للآخرة أو للدفع عن أنفسهم أو المعنى قاتلوا العدو أو ادفعوا بتكثيركم سواد المجاهدين فإن كثرة السواد مما يروعهم (قالوا لو نعلم) لو نحسن (قتالا لاتبعناكم) أو لو نعلم ما يسمى قتالا لاتبعناكم فيه لكنه ليس بقتال بل إلقاء النفس إلى التهلكة (هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان) أي هذا القول أمارة كفرهم، أو أنه تقوية لقول المشركين (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون) من النفاق .
(الذين قالوا لإخوانهم) لأجلهم يعني من قتل بأحد من جنسهم وأقاربهم (وقعدوا) أي قالوا وقد قعدوا عن القتال (لو أطاعونا) على القعود (ما قتلوا) كما لم نقتل (قل فادرءوا) فادفعوا (عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين) أنكم تقدرون على دفع الموت وأسبأبه عمن كتب عليه .

(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) نزلت في شهداء بدر أو أحد والخطاب للرسول أو لكل أحد (بل) هم (أحياء عند ربهم) مقربون شرفا (يرزقون) .
(فرحين بما ءاتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) زمانا أو رتبة (ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وفيه حث على الجهاد وترغيب في الشهادة وازدياد الطاعة .
(يستبشرون) كرر ليتعلق به ما هو بيان لقوله (أن لا خوف)، أو الأول بحال إخوانهم والثاني بحال أنفسهم (بنعمة من الله) أجرا لأعمالهم (وفضل) زيادة عليه ونكر تعظيما (وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين) .
(الذين استجابوا لله والرسول) بالخروج إلى بدر الصغرى لغزوة أبي سفيان وقومه (من بعد ما أصابهم القرح) بأحد (للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم) ومن للبيان إذ المستجيبون كلهم محسنون متقون لما رجع أبو سفيان وأصحابه فبلغوا الروحاء ندموا وهموا بالعود فبلغ ذلك النبي فندب أصحابه لطلبهم وقال لا يخرجن معنا إلا من حضر يومنا بالأمس فخرج في جماعة على ما بهم من القرح حتى بلغوا حمراء الأسد على ثمانية أميال من المدينة فألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا .
(الذين قال لهم الناس) هو نعيم بن مسعود الأشجعي كان أبو سفيان خرج في أهل مكة يريد قتال رسول الله ببدر الصغرى فألقى الله عليه الرعب فرجع فلقي نعيم فوعده عشرة من الإبل إن تثبط أصحاب محمد من القتال ففترهم فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي فخرج في سبعين وهم يقولون حسبنا الله (إن الناس) أي أبو سفيان وأصحابه (قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم) المقول أو القول أو القائل (إيمانا) قوي يقينهم وعزمهم على الجهاد (وقالوا حسبنا الله) كافيا (ونعم الوكيل) هو .
(فانقلبوا) رجعوا من بدر (بنعمة من الله) بعافية وزيادة إيمان (وفضل) ربح من التجارة التي وافوا بها سوق بدر (لم يمسسهم سوء) من كيد عدو (واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم) .
(إنما ذلكم الشيطان) يعني المثبط نعيما أو أبا سفيان أي هو قول الشيطان (يخوف أولياءه) القاعدين عن الخروج مع النبي أو يخوفكم من أوليائه أبي سفيان وأتباعه (فلا تخافوهم وخافون) فأطيعوا رسولي وجاهدوا معه (إن كنتم مؤمنين) إذ المؤمن لا يخاف إلا الله .
(ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) يقعون فيه سريعا (إنهم لن يضروا الله شيئا) بكفرهم وإنما يضرون أنفسهم (يريد الله ألا يجعل لهم حظا) نصيبا من الثواب (في الآخرة) وفي ذكر الإرادة إشعار ببلوغهم الغاية في الكفر حتى أراد أرحم الراحمين أن لا يرحمهم (ولهم عذاب عظيم) بدل الثواب .
(إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا

ولهم عذاب أليم) تكرير للتأكيد أو عام والأول خاص بالمنافقين أو المرتدين .
(ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) استيناف يعلل ما قبله وما كافة واللام للعاقبة (ولهم عذاب مهين) .
(ما كان الله ليذر) ليترك (المؤمنين على ما أنتم عليه) من اختلاط (حتى يميز) بالتخفيف والتشديد (الخبيث من الطيب) بإخبار الرسول بأحوالكم أو بالتكاليف الصعبة كبذل النفس والمال لله ليظهر به ما تظهرون (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) فتعرفوا الإخلاص والنفاق (ولكن الله يجتبي من رسله) يختار لرسالته (من يشاء فآمنوا بالله ورسله) مخلصين (وإن تؤمنوا) حق الإيمان (وتتقوا) النفاق (فلكم أجر عظيم) على ذلك .
(ولا يحسبن) بالتاء والياء (الذين يبخلون بما ءاتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو) البخل (شر لهم) ويفسره (سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) يلزمون وباله إلزام الطوق، وعنه (عليه السلام): ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل في عنقه شجاع يوم القيامة وتلاها (ولله ميراث السموات والأرض) يرث ما يمنعونه ويبقى عليهم وباله (والله بما تعملون) من إعطاء ومنع (خبير) فيجازيهم به وقرىء بالتاء على الالتفات .
(لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) قالته اليهود حين سمعوا من ذا الذي يقرض الله أي إنه لم يخف عليه وإنه أعد لهم العقوبة (سنكتب ما قالوا) في صحف الحفظة أو نحفظه في علمنا وقرنه بقوله (وقتلهم الأنبياء بغير حق) بيانا بأنهما في العظم سيان فإن هذا ليس بأول عظيمة اجترحوها وأن من قتل الأنبياء لم يستبعد منه هذا القول وقرىء سيكتب بالياء مجهولا (ونقول ذوقوا عذاب الحريق) .
(ذلك) العذاب (بما قدمت أيديكم) من المعاصي وذكر الأيدي لأن أكثر الأعمال بها (وأن الله ليس بظلام للعبيد) إن عذب فبعدله .
(الذين قالوا) هم جماعة من اليهود (إن الله عهد إلينا) في التوراة (أن) بأن (لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار) كانت هذه معجزة لأنبياء بني إسرائيل أن يقرب بقربان فيدعوا النبي فتنزل نار من السماء فيحترق قربان من قبل منه (قل) في إلزامهم (قد جاءكم رسل من قبلي) كزكريا ويحيى (بالبينات) الموجبة للتصديق (وبالذي قلتم) واقترحتم (فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين) أنكم تؤمنون بذلك .
(فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات) تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن تكذيب قومه واليهود (والزبر) وقرىء وبالزبر جمع زبور والكتاب المتضمن للحكم والزواجر (والكتاب المنير) التوراة والإنجيل والزبور .
(كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) تعطون جزاء أعمالكم (فمن زحزح) نجي (عن النار وأدخل الجنة فقد فاز) فاز ظفر بالبغية (وما الحياة الدنيا) وشهوتها (إلا متاع الغرور) .
(لتبلون) لتمتحن (في أموالكم) بإخراج الزكاة (وأنفسكم) بالتوطين على الصبر بالقتل والأسر والجراح والمصائب (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم

ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) من هجاء النبي والطعن في الدين والصد عن الإيمان، أخبروا بذلك قبل كونه ليوطنوا أنفسهم على الصبر حتى لا يرهقهم وقوعه (وإن تصبروا) على ذلك (وتتقوا) المعاصي (فإن ذلك من عزم الأمور) مما يجب العزم عليه منها أو مما عزم الله عليه أي أوجب .
(وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) أي العلماء به (لتبيننه للناس ولا تكتمونه) حكاية مخاطبتهم وقرىء بالياء (فنبذوه) أي الميثاق (وراء ظهورهم) كناية عن الطرح وترك الاعتناء (واشتروا به) أخذوا بدله (ثمنا قليلا) من عرض الدنيا (فبئس ما يشترون) .
‌(لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب) فائزين بنجاة منه (ولهم عذاب أليم) بكفرهم وكذبهم نزلت في اليهود إذ سألهم (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن شيء في التوراة فأخبروه بخلاف ما فيها وأروه أنهم صدقوا وفرحوا بما فعلوا، أو في المنافقين إذ يفرحون بمنافقتهم المسلمين ويستحمدوا إليهم بالإيمان الذي لم يفعلوه على الحقيقة .
(ولله ملك السموات والأرض) فيملك أمرهم (والله على كل شيء قدير) فيقدر على عقابهم .
(إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار) كل يخلف الآخر (لآيات لأولي الألباب) على وجود الصانع ووحدته وعلمه وقدرته وحكمته عن النبي ويل لمن قرأها ولم يتفكر .
(الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) يذكرونه دائما على كل الحالات أو يصلون على هذه الأحوال (ويتفكرون في خلق السموات والأرض) اعتبارا وهو أفضل العبادات عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا عبادة كالتفكر (ربنا ما خلقت هذا باطلا) يتفكرون قائلين ذلك (سبحانك) تنزيها لك عن العبث (فقنا عذاب النار) .
(ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) بالغت في جزائه نظير فقد فاز، لم يقل: أحرقته لأن العذاب الروحاني أشد (وما للظالمين من أنصار) يدفعون عنهم العذاب .
(ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان) هو الرسول والقرآن (أن) بأن (ءامنوا بربكم فآمنا) فأجبنا (ربنا فاغفر لنا ذنوبنا) كبائرنا (وكفر عنا سيئاتنا) صغائرنا بتوفيقنا لاجتناب الكبائر (وتوفنا مع الأبرار) مصاحبين لهم معدودين من جملتهم .
(ربنا وءاتنا ما وعدتنا على رسلك) على تصديقهم من الثواب أو على ألسنتهم، أو متعلق بمحذوف أي ما وعدتنا منزلا على رسلك (ولا تخزنا يوم القيامة) لا تفضحنا أو لا تهلكنا (إنك لا تخلف الميعاد) بإثابة المؤمن وإجابة الداعي، وتكرير ربنا للمبالغة في السؤال والابتهال أو باستقلال الطلبات .
(فاستجاب لهم ربهم) ما طلبوا (أني) بأني (لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) بيان لعامل (بعضكم من بعض) بجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد أو الإسلام (فالذين هاجروا) الشرك أو أوطانهم أو قومهم للدين (وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي) من أجل ديني وبسببه (وقاتلوا) المشركين (وقتلوا) واستشهدوا والواو لا توجب الترتيب إذ المراد لما قيل لهم قاتلوا (لأكفرن)

لأمحون (عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله) يستحقونه منه (والله عنده حسن الثواب) على الأعمال لا يقدر عليه أحد سواه .
(لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) خطاب للنبي أريد به الأمة أو لكل أحد أي لا تنظر إلى ما هم عليه من السعة والحظ أو لا تغتر بما ترى من تصرفهم في البلدان يتكسبون فتقلبهم .
(متاع قليل) في جنب ما أعد الله للمؤمنين لزواله (ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد) أي ما مهدوا لأنفسهم .
(لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا) ما بعد النازل من الكرامة (من عند الله وما عند الله خير للأبرار) مما يتقلب فيه الفجار .
(وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) نزلت في ابن سلام وأصحابه أو غيرهم (وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم) من الكتابين (خاشعين لله) حال من فاعل يؤمن وجمع نظرا إلى المعنى (لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا) كما يفعل المحرفون (أولئك لهم أجرهم عند ربهم) الأجر المختص بهم الموعود في أولئك يؤتون أجرهم مرتين (إن الله سريع الحساب) .
(يا أيها الذين ءامنوا اصبروا) على المصائب ومشاق التكاليف وعن المعاصي (وصابروا) على الفرائض أو غالبوا عدوكم في الصبر على القتال أو على مخالفة الهوى (ورابطوا) على الأئمة أو على الصلاة أي انتظروا الصلاة بعد الصلاة أو أقيموا في الثغور رابطين خيولكم مستعدين للغزو (واتقوا الله) فيما أمركم به وافترض عليكم (لعلكم تفلحون) لكي تظفروا بالبغية.


سورة النساء

(4) سورة النساء مائة وست وسبعون آية (176) مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الناس) خطاب عام يفيد تكليف الكفار بالفروع (اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) آدم (وخلق منها زوجها) عطف على محذوف أي أنشأها وخلق منها من فضل طينتها أو من ضلعها أمكم أو على خلقكم أي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها أمكم (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) بيان لكيفية التولد منهما روي أن الله أنزل على آدم حوراء من الجنة فزوجها أحد ابنيه وتزوج الآخر ابنة الجان (واتقوا الله الذي تساءلون به) يسأل بعضكم بعضا فيقول: أسألك بالله (والأرحام) واتقوا الأرحام أن تقطعوه وهي أرحام الناس (إن الله كان عليكم رقيبا) حفيظا .
(وءاتوا اليتامى أموالهم) إذا بلغوا وءانستم منهم رشدا (ولا تتبدلوا الخبيث) الرديء من أموالكم (بالطيب) الجيد من أموالهم (ولا تأكلوا أموالهم) مضمومة (إلى أموالكم) حتى لا تفرقوا بينهما إلا قدر أجرة المثل بسبيل القرض أو الاستحقاق (إنه) أي الأكل (كان حوبا كبيرا) ذنبا عظيما .
(وإن خفتم ألا تقسطوا) تعدلوا (في اليتامى) يتامى النساء إذا تزوجتم بهن (فانكحوا) فتزوجوا (ما طاب) ما أحل (لكم من النساء) من غيرهن إذ كان الرجل يجد يتيمة ذات مال وجمال وتزوجها فربما جمع عنده عشرا منهن فيقصر فيما يجب لهن أو إن
خفتم أن تجوروا في أمر اليتامى وتحرجتم منه فخافوا أيضا الجور في أمر النساء فانكحوا مقدارا تفون بحقه وروي أسقط المنافقون بين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن (مثنى وثلاث ورباع) حال مما طاب معدولة عن أعداد مكررة هي ثنتين ثنتين، ثلاث ثلاث، أربع أربع: منع صرفها للعدل والوصف أو لتكرار العدل باعتبار الصيغة والتكرير ومعناه الإذن لكل ناكح يريد الجمع أن ينكح ما شاء من العدد المذكور متفقين فيه أو مختلفين، نظيره اقتسموا هذا المال درهمين درهمين أو ثلاثة ثلاثة ولو أفردت وقيل اثنتين وثلاثا وأربع ألزم جواز الجمع بين الأعداد دون التوزيع ولو قيل أو لمنع الاختلاف في العدد (فإن خفتم ألا تعدلوا) بين هذه الأعداد أي في النفقة .
(فواحدة) فانكحوا واحدة (أو ما ملكت أيمانكم) وإن تعددت لخفة مئونتهن (ذلك أدنى) أقرب (ألا تعولوا) لا تميلوا (وءاتوا النساء صدقاتهن) مهورهن (نحلة) عطية بلا توقع عوض (فإن طبن لكم عن شيء منه) من الصداق (نفسا) وهبن لكم عن طيب نفس (فكلوا هنيئا مريئا) سائغا من غير غص .
(ولا تؤتوا السفهاء) النساء والصبيان ومن لا تثق به (أموالكم التي جعل الله لكم قياما) تقومون بها (وارزقوهم) واجعلوا لهم (فيها) رزقا (واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا) حسنا شرعا أو عقلا من وعد جميل .
(وابتلوا اليتامى) اختبروهم قبل البلوغ (حتى إذا بلغوا النكاح) حدا يتأتى منهم النكاح (فإن آنستم منهم رشدا) عقلا وإصلاح مال (فادفعوا إليهم أموالهم) عند تحقق البلوغ والرشد بلا تأخير (ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا) مسرعين ومبادرين كبرهم أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم (ومن كان غنيا فليستعفف) عن أكلها (ومن كان فقيرا) من أوليائه (فليأكل بالمعروف) بقدر أجرته أو كفايته أو أقلهما (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) بأنهم تسلموها نفيا للتهمة وفرارا من الخصومة (وكفى بالله حسيبا) محاسبأ فلا تتعدوا حدوده .
(للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) هم المتوارثون بالقرابة (وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر) بدل مما بتكرير العامل (نصيبا مفروضا) واجبا كانت العرب في الجاهلية لا تورث البنات فرد الله عليهم .
(وإذا حضر القسمة) قسمة التركة (أولوا القربى) ممن لا يرث (واليتامى والمساكين فارزقوهم منه) من المقسوم شيئا أمر ندب للورثة البلغ (وقولوا لهم قولا معروفا) بأن تلطفوا لهم في القول .
(وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم) أمر للأوصياء بأن يخشوا الله في أمر اليتامى ليفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل

بذراريهم بعدهم أو للحاضرين المريض عند الإيصاء بأن يخشوا الله في أولاده ويحبون لهم ما يحبون لأولادهم (فليتقوا الله) في أمر اليتامى (وليقولوا) لهم (قولا سديدا) كما يقولون لأولادهم .
(إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) ظالمين أو على وجه الظلم (إنما يأكلون في بطونهم) ملئها (نارا) لأن ذلك يكون نارا في القيامة أو ما يجر إلى النار أو يأكلونها يوم القيامة (وسيصلون سعيرا) بفتح الياء وضمها .
(يوصيكم الله) يأمركم ويعهد إليكم (في أولادكم) في شأن ميراثهم (للذكر مثل حظ الأنثيين) إذا اجتمع الصنفان وقدم الذكر لفضله كما ضوعف حظه لذلك (فإن كن) مولودات (نساء) خلصا ليس معهن ذكر (فوق اثنتين) خبر ثان أو صفة النساء (فلهن ثلثا ما ترك) الميت (وإن كانت) أي المولودة (واحدة فلها النصف) وحكم الاثنتين حكم ما فوقها إجماعا مما عدا ابن عباس ويعضده أن للواحدة الثلث مع أخيها فأولى أن تستحق مع أخت مثلها وإن للأختين الثلثين والبنتان ليس رحما (ولأبويه) لأبوي الميت (لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له) للميت (ولد) وإن نزل ذكرا أو أنثى متعددا أو لا لكنهما يشاركان البنت في الباقي بعد السهام فيقسم أخماسا (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) مما ترك أجمع ولو مع أحد الزوجين عندنا وثلث ما بقي بعد نصيبه عند الجمهور ولم يذكر ما للأب لظهور أن له الباقي (فإن كان له إخوة) اثنان فصاعدا لأب أو لأبوين وتنوب الأختان ذكرا (فلأمه السدس) يحجبها الإخوة عن الثلث إلى السدس ولا يرثون (من بعد وصية يوصي بها أو دين) للإباحة وتفيد تساويهما في وجوب التقديم على القسمة انفردا أم اجتمعا وقدمت الوصية على الدين مع تقدمه شرعا اهتماما بشأنها لأنها شاقة على الورثة لشبهها بالإرث فهي مظنة التفريط بخلاف الدين لاطمئنانهم إلى أدائه (ءاباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا) اعتراض مؤكد لأمر القسمة أو تنفيذ الوصية أي لا تعلمون من أنفع لكم ممن يرثكم من أصولكم وفروعكم فاقسموا على ما بينه الله (فريضة) مصدر مؤكد أي فرض ذلك فريضة (من الله إن الله كان عليما) بالمصالح (حكيما) فيما فرض .
(ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد) وإن ترك ذكرا أو أنثى منكم أو من غيركم (فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين) في الصورتين (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد) ولو من غيرهن (فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين) وتستوي الواحدة والأكثر منهن في الربع والثمن (وإن كان رجل) وهو الميت (يورث) منه صفة لرجل (كلالة) خبر كان أو الخبر يورث والكلالة حال من الضمير فيه والكلالة من ليس بولد ولا والد وأريد بها هنا الأخ أو الأخت من الأم خاصة (أو امرأة) كذلك (وله) لكل واحد منهما (أخ أو أخت) من الأم إجماعا ونصا وبها قرىء (فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك

فهم شركاء في الثلث) يستوي الذكر والأنثى في القسمة (من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار) حال من فاعل يوصي على البناء للفاعل أو المدلول عليه بيوصى بالبناء للمفعول أي غير مضار لوارثه بالزيادة على الثلث أو قصد المضار بالوصية لا القربة أو الإيصاء بدين لا يلزمه .
(وصية من الله) مصدر مؤكد (والله عليم) بمن ضاره وغيره (حليم) لا يعجل العقوبة (تلك) الأحكام المذكورة في اليتامى والوصايا والمواريث (حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) حال مقدرة لا صفة جنات وإلا لأبرز الضمير لجريانها على غير من هي له وجمع للمعنى (وذلك الفوز العظيم) .
(ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدين فيها) حال لا صفة نار لما مر (وله عذاب مهين) .
(واللائي يأتين الفاحشة من نسائكم) أي الزنا (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) اطلبوا من قاذفهن أربعة رجال من المؤمنين (فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت) كان ذلك عقوبتهن في أول الإسلام فنسخ بالحد (أو يجعل الله لهن سبيلا) هو النكاح أو الحد قيل لما نزلت آية الجلد قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) قد جعل الله لهن سبيلا .
(واللذان يأتيانها منكم) أي الزاني والزانية (فآذوهما) بالتوبيخ والتعيير (فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما) وكفوا عن إيذائهما (إن الله كان توابا رحيما) علة الأمر بالإعراض قيل هذه سابقة على الأولى نزولا وكان عقوبة الزنا الأذى ثم الحبس ثم الجلد .
(إنما التوبة) أي قبول التوبة الذي أوجبه الله على نفسه بمقتضى وعده (على الله للذين يعملون السوء) متلبسين (بجهالة) إذ ارتكاب الذنب جهل وسفه قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) كل ذنب عمله العبد وإن كان عالما فهو جاهل حين خاطر في معصية ربه (ثم يتوبون من قريب) وهو ما قبل حضور الموت لقوله: حتى إذا حضر أحدهم الموت وقوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من تاب قبل أن يغرغر تاب الله عليه أو المعنى قبل أن يصير رينا على قلوبهم (فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما) بتوبتهم (حكيما) فيها يعاملهم به .
(وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن) وذلك إذا عاين أمر الآخرة (ولا الذين يموتون وهم كفار) نفى التوبة عمن سوفها إلى حضور الموت ومن مات كافرا وسوى بينهما في نفيهما لمجاوزة كل منهما وقت التكليف والاختيار (أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما) .
(يا أيها الذين ءامنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) بالضم والفتح كان الرجل إذا مات قريبه ألقى ثوبه على امرأته وقال أنا أحق بها فإن شاء تزوجها بصداقها الأول وإن شاء زوجها غيره وأخذ صداقها فنزلت: (ولا تعضلوهن) لا تمسكوهن إضرارا بهن وتمنعوهن من النكاح (لتذهبوا ببعض ما ءاتيتموهن) كان الرجل يمسك زوجته إضرارا بها لتفتدي بمالها فنهوا عن ذلك

(إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) زنا أو نشوزا أو سوء خلق فيحل للزوج أن يخلعها (وعاشروهن بالمعروف) بالنصفة (فإن كرهتموهن) فلا تفارقوهن لكراهة النفس (فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) .
(وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) تزويج امرأة ومفارقة أخرى (وءاتيتم إحداهن قنطارا) ملء مسك ثور ذهبا أو مالا عظيما (فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) كان الرجل إذا أراد تزويج جيدة بهت التي تحته بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء ليصرفه في تزويج الجديدة .
(وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض) إنكار لأخذه والحال أنه وصل إليها بالملامسة ودخل بها ووجب المهر (وأخذن منكم ميثاقا غليظا) عهدا وثيقا وهو حق الصحبة والمضاجعة، وروي الميثاق: الكلمة التي بها عقد النكاح والغليظ هو ماء الرجل يفيضه إليها .
(ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم) وإن علوا (من النساء إلا ما قد سلف) استثناء من لازم النهي أي معاقبون بنكاح ما نكح آباؤكم إلا ما قد سلف أو من اللفظ مبالغة في التحريم كلا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى أو منقطع أي ولكن ما سلف فلا تؤاخذون عليه (إنه كان فاحشة ومقتا) موجبا لمقت الله وهو علة النهي (وساء سبيلا) سبيل من دان به .
(حرمت عليكم أمهاتكم) أي نكاحهن لما قبله بعده والمتبادر كالأكل في حرمت عليكم الميتة والأم: من ولدتك أو ولدت من ولدتك وإن علت (وبناتكم) وإن سفلت (وأخواتكم) من الأب أو الأم أو منهما (وعماتكم وخالاتكم) وإن علت (وبنات الأخ وبنات الأخت) وإن نزلن (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) سماها أما وأختا تنزيلا للرضاع منزلة النسب قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فيحرم به السبع المحرمات بالنسب (وأمهات نسائكم) وإن علون دخلتم بالبنات أم لا (وربائبكم) بنات نسائكم من غيركم وإن سفلن (اللاتي في حجوركم) في ضمانكم وتربيتكم وفائدته تقوية العلة وتكميلها لا تقييد الحرمة، وروي هن حرام كن في الحجور أو لم يكن (من نسائكم) دائما أو منقطعا أو ملك يمين متعلق بربائبكم لقربه (اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) احترازا عن المتبني لا أبناء الولد فيشملونهم وإن سفلوا (وأن تجمعوا بين الأختين) عطف على المحرمات والمحرم الجمع دون العين فلو فارق إحداهما حلت له الأخرى (إلا ما قد سلف) منقطع أي ولكن ما مضى مغفور لقوله: (إن الله كان غفور رحيما) فلا تيأسوا من رحمته .
(والمحصنات من النساء) ذوات الأزواج أحصنهن الزوج عطف على المحرمات (إلا ما ملكت أيمانكم) من سبأيا دار الكفر المزوجات فإنهن حلال لرفع السبي النكاح أو ما ملكتم من الإماء المتزوجات فإن للمالك فسخ نكاحهن ووطئهن بعد العدة على وجه

(كتاب الله) كتب ذلك كتابا (عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم) ما عدا ما ذكر من المحرمات إلا ما خص بالسنة كالمنكوحة على عمها وخالتها وغيرهما (أن تبتغوا) بدل اشتمال من ما أو مفعول له أي أحل ذلك إرادة أن تطلبوا النساء (بأموالكم) بصداق أو ثمن (محصنين) أعفاء (غير مسافحين) غير زناة (فما استمتعتم به منهن) من النساء والمراد به نكاح المتعة بإجماع أهل البيت ويدل عليه قراءة أبي وابن عباس وابن مسعود: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى (فأتوهن أجورهن) مهورهن (فريضة من الله ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) من استئناف عقد آخر بعد انقضاء المدة بزيادة في الأجر والمدة (إن الله كان عليما) بمصالحكم (حكيما) فيما شرع لكم .
(ومن لم يستطع منكم طولا) غنى أي من لم يجد غنى يبلغ به (أن ينكح المحصنات) الحرائر (المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم) فليتزوج أو يشتري منهن (من فتيانكم) إمائكم (المؤمنات والله أعلم بإيمانكم) فاكتفوا بظاهر الإيمان وكلوا السرائر إليه فرب أمة تفضل الحرة في الإيمان وهذا تأنيس بنكاح الإماء (بعضكم من بعض) كلكم من آدم ودينكم الإسلام فلا تستنكفوا من نكاحهن (فانكحوهن بإذن أهلهن) مالكيهن (وءاتوهن أجورهن) مهورهن لعل المراد آتوا أهلهن (بالمعروف) بلا مطل وضرار (محصنات) عفائف (غير مسافحات) معلنات بالزنا (ولا متخذات أخدان) أخلاء يزنون بهن (فإذا أحصن) بالتزويج بالبناء للمفعول والفاعل (فإن أتين بفاحشة) بزنا (فعليهن نصف ما على المحصنات) أي الحرائر (من العذاب) من الجلد كقوله وليشهد عذابهما وليس الإحصان شرطا للحد وإنما ذكر لإفادة أنه لا رجم عليهن أصلا لأنه لا ينتصف (ذلك) أي نكاح الإماء (لمن خشي العنت منكم) خاف الوقوع في الزنا أو الحد (والله غفور) لذنوبكم بالتوبة أو بفضله (رحيم) بكم .
(يريد الله ليبين لكم) أحكام دينه ومصالحكم (ويهديكم سنن الذين من قبلكم) من أهل الحق لتقتدوا بهم (ويتوب عليكم والله عليم) بمصالحكم (حكيم) فيما دبر لكم .
(والله يريد أن يتوب عليكم) كرر للتأكيد وليبني عليه (ويريد الذين يتبعون

الشهوات) لمبطلون أو الزناة أو اليهود أو المجوس فإنهم يحلون الأخوات من الأب وبنات الأخ وبنات الأخت (أن تميلوا) عن الحق بموافقتهم على اتباع الشهوات أو إحلال المحرمات (ميلا عظيما) إذ لا ميل أعظم من ذلك .
(يريد الله أن يخفف عنكم) بإحلال نكاح الأمة وغيره من الرخص (وخلق الإنسان ضعيفا) لا يصبر على الشهوات ولا يحتمل مشاق الطاعات .
(يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) بما لم يبحه الشرع أو بما حرمه كالربا والقمار والنجش والظلم (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) منقطع أي ولكن كون تجارة صادرة عن تراض المتبايعين غير منهي عنه وقيل أريد بالمنهي عنه صرف المال فيما لا يرضاه الله وبالتجارة صرفه فيما يرضاه وقرىء بنصب التجارة أي إلا أن تكون التجارة تجارة وبرفعها (ولا تقتلوا أنفسكم) بارتكاب ما يؤدي إلى هلاكها (إن الله كان بكم رحيما) .
(ومن يفعل ذلك) أي القتل وما سبق من المنهيات (عدوانا) تجاوزا عن الحق (وظلما) إتيانا بما لا ينبغي (فسوف نصليه) ندخله (نارا وكان ذلك على الله يسيرا) هينا لا مانع عنه .
(إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) ما أوعد الله عليه النار أو العقاب أو جعل فيه حدا أو كلما نهى الله عنه وقيل سبع وقيل أكثر وقيل هي إلى السبعة أقرب منها إلى السبع (نكفر عنكم سيئاتكم) يغفر لكم ما سوى ذلك (وندخلكم مدخلا) بضم الميم وفتحها أي موضعا (كريما) هو الجنة أو إدخالا مع كرامة .
(ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) لا تقل: ليت ما أعطي فلان من المال والجاه كان لي، ولكن قل: اللهم أعطني مثله (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) لكل منهما حظ وفضل بالعمل فاطلبوا الفضل بالعمل (واسألوا الله من فضله) وقرىء وسلوا (إن الله كان بكل شيء عليما) قيل قالت أم سلمة يا رسول الله تغزو الرجال ولا نغزو وإنما لنا نصف الميراث ليتنا رجال، فنزلت (ولكل) لكل واحد (جعلنا موالي) وراثا (مما ترك) هم أولى بميراثه وهم أولوا الأرحام في المواريث فأولاهم بالميت أقربهم إليه من الرحم التي تجره إليها (الوالدان والأقربون) أي لكل ميت جعلنا وراثا مما ترك أو لكل قوم جعلناهم موالي حظ مما ترك (والذين عقدت) وقرىء عاقدت (أيمانكم) جمع يمين بمعنى اليد أو القسم أي الحلفاء الذين عاهدتموهم على النصرة (فأتوهم نصيبهم) إذا والى الرجل الرجل فله ميراثه وعليه معقلة أي دية جنايته خطأ وروي: هم الأئمة بهم عقد الله أيمانكم (إن الله كان على كل شيء شهيدا) لا يغيب عنه شيء .
(الرجال قوامون) قيمون مسلطون (على النساء) في السياسة والتدبير (بما فضل الله بعضهم على بعض) بسبب تفضيلهم عليهن كفضل الماء على الأرض ولو لا الرجال ما خلقت النساء (وبما أنفقوا من أموالهم) في مهورهن ونفقتهن (فالصالحات قانتات) مطيعات لله أو

للأزواج (حافظات للغيب) تحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله (بما حفظ الله) بحفظه له إياهن (واللاتي تخافون نشوزهن) عصيانهن أو ترفعهن عن طاعتكم بظهور أماراته أو أريد بالخوف العلم (فعظوهن) بالقول وخوفوهن الله (واهجروهن في المضاجع) المراد فلا تدخلوهن تحت اللحف أو لا تجامعوهن أو ولوهن ظهوركم (واضربوهن) ضربا غير مبرح ولا مدم والثلاثة مترتبة فيدرج فيها (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) إلى التوبيخ والإيذاء إذ التائب من الذنب كمن لا ذنب له (إن الله كان عليا كبيرا) فاحذروه .
(إن خفتم شقاق) مخالفة مفرقة (بينهما) الضمير للزوجين المدلول عليهما بذكر الرجال والنساء (فابعثوا) أيها الحكام (حكما) رجلا عدلا صالحا للحكومة والإصلاح (من أهله وحكما من أهلها) إذ الأقارب أعرف بأحوالهما وبما يصلحهما (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) الضميران للحكمين أي إن قصدا الإصلاح يوفق الله بينهما وليس لهما أن يفرقا حتى يستأمراهما (إن الله كان عليما خبيرا) بالبواطن .
(واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) غيره أو شيئا من الإشراك (وبالوالدين) أو أحسنوا (إحسانا وبذي القربى) القرابة (واليتامى والمساكين والجار ذي القربى) القريب في الجوار أو النسب أو الدين، وروي أن حد الجوار أربعون دارا من كل جانب (والجار الجنب) البعيد جوارا أو نسابة أو دينا وقيل ليس حسن الجوار كف الأذى بل الصبر على الأذى (والصاحب بالجنب) الرفيق في السفر أو تعلم أو حرفة وقيل الزوجة (وابن السبيل) المسافر أو الضيف (وما ملكت أيمانكم) الأهل والخادم (إن الله لا يحب من كان مختالا) متكبرا يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه (فخورا) يفتخر عليهم .
(الذين يبخلون) نصب بدلا ممن كان أو على الذم أو رفع عليه أو مبتدأ حذف خبره (ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما ءاتاهم الله من فضله) المال والعلم أحقاء بالعقوبة (وأعتدنا للكافرين) بذلك وغيره (عذابا مهينا) لهم قيل نزلت في اليهود الذين كانوا ينتصحون للأنصار ويقولون لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر والذين يكتمون صفة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
(والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس) مرائين أو مراءاة لهم (ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) هم المنافقون أو مشركو مكة (ومن يكن الشيطان له قرينا) صاحبا يتبع أمره كهؤلاء أو هو وعيد لهم بأن يقرن بهم في النار .
(فساء قرينا) هو (وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله) أي أي ضرر عليهم بالإيمان والإنفاق في سبيل الله وهو توبيخ لهم إذ كل منفعة في ذلك وإنما الضرر فيما هم عليه (وكان الله بهم عليما) فيجازيهم بأعمالهم .
(إن الله لا يظلم مثقال ذرة) زنة غلة صغيرة أو جزء من أجزاء الهباء لغناه عن الظلم وعلمه بقبحه

(وإن تك) أي مثقال الذرة، وأنث الضمير لتأنيث الخبر أو لإضافة المثقال إلى مؤنث (حسنة) بالرفع على التامة وبالنصب على الناقصة (يضاعفها) يضاعف ثوابها (ويؤت من لدنه أجرا عظيما) عطاء جزيلا .
(فكيف) حال هؤلاء الكفرة (إذا جئنا من كل أمة بشهيد) يشهد عليها بعملها (وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) .
(يومئذ يود) يتمنى (الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض) لو مصدرية أي أن يدفنوا فتسوى بهم الأرض كما تسوى بالموتى أو لم يبعثوا أو لم يخلقوا وكانوا هم والأرض سواء (ولا يكتمون الله حديثا) لا يقدرون على كتمانه لأن جوارحهم تشهد عليهم، وقيل الواو للحال أي يودون أن يدفنوا تحت الأرض وأنهم لا يكتمون الله حديثا ولا يقولون والله ربنا ما كنا مشركين فإنهم إذا قالوا ذلك ختم على أفواههم فتشهد عليهم جوارحهم فيشتد الأمر عليهم فيتمنون لو تسوى بهم الأرض وقرىء تسوى بفتح التاء أي تتسوى فأدغم التاء في السين، وقرىء بحذف التاء الثانية .
(يا أيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة) أي مواضعها أو لا تصلوا مبالغة في النهي (وأنتم سكارى) من نحو نوم أو خمر وكل ما يمنع من حضور القلب (حتى تعلموا ما تقولون) في الصلاة (ولا جنبا) عطف على (وأنتم سكارى) إذ محله النصب على الحال (إلا عابري سبيل) مجتازين أي لا تدخلوا المساجد جنبا في عامة الأحوال إلا حال الاجتياز (حتى تغتسلوا) غاية النهي عن القرب حال الجنابة (وإن كنتم مرضى) مرضا يضره الماء أو يعجز عن تناوله (أو على سفر) تفقدونه فيه (أو جاء أحد منكم من الغائط) هو المطمئن من الأرض كنى به عن الحدث (أو لامستم النساء) أي جامعتموهن (فلم تجدوا ماء) متعلق بكل من الأربع أي لم تتمكنوا من استعماله (فتيمموا صعيدا طيبا) فاقصدوا شيئا من وجه الأرض طاهرا مباحا قيل: وإنما نظم في سلك واحد بين المرضى والمسافرين وبين المحدثين والمجنبين، والمرض والسفر سببان من أسبأب الرخصة والحدث سبب لوجوب الوضوء والجنابة لوجوب الغسل لأنه سبحانه أراد أن يرخص لمن وجب عليهم التطهير إذا عدموا الماء في التيمم فخص أولا مرضاهم ومسافريهم لكثرة المرض والسفر ثم عمم كل من وجب عليه التطهير إذا عدموا الماء من هؤلاء وغيرهم (فامسحوا بوجوهكم) أي بعضها وهو الجبهة والجبينان إلى طرف الأعلى كما في السنة (وأيديكم) ظهرها من الزند إلى أطراف الأصابع (إن الله كان عفوا غفورا) فلذا خفف .
(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) حظا من علم التوراة وهم أحبار اليهود (يشترون الضلالة) يستبدلونها بالهدى بإنكار محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (ويريدون أن تضلوا السبيل) طريق الحق كما أخطئوه .
(والله أعلم) منكم (بأعدائكم) وقد أخبركم بهم فاحذروهم (وكفى بالله وليا) يلي أمركم

(وكفى بالله نصيرا) يعينكم .
(من الذين هادوا) بيان للذين أوتوا وما بينهما اعتراض أو لأعدائكم أو صلة لنصيرا أو خبر محذوف أي منهم قوم (يحرفون الكلم) يميلونه (عن مواضعه) التي وضعه الله فيها بتبديله بغيره أو بتأويله على ما يشتهون (ويقولون سمعنا) قولك (وعصينا) أمرك (واسمع غير مسمع) حال تضمن الدعاء أي اسمع لا سمعت أو غير مجاب لك (وراعنا) يريدون به السب والسخرية كما مر في البقرة (ليا بألسنتهم) فتلا بها وتحريفا للحق إلى الباطل بوضعهم راعنا مكان انظرنا و(غير مسمع) مكان لا سمعت مكروها (وطعنا) عيبا (في الدين) الإسلام (ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا) بدل وعصينا (واسمع) فقط (وانظرنا) راقبنا أو انظر إلينا بدل راعنا (لكان خيرا لهم وأقوم) أعدل (ولكن لعنهم الله) أبعدهم عن رحمته (بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) منهم كابن سلام وأصحابه أو إلا إيمانا قليلا ببعض ما أنزل الله أو ضعيفا لا إخلاص فيه .
(يا أيها الذين أوتوا الكتاب ءامنوا بما نزلنا) من القرآن (مصدقا لما معكم) من التوراة (من قبل أن نطمس وجوها) نطمسها عن الهدى بأن نمحو تخطيط صورها أو نمحو ما فيها من العين والأنف والحاجب (فنردها على أدبارها) في ضلالتها فلا يفلح أبدا أو على هيئة أدبارها وهي الأقفية أو ننكسها إلى خلف (أو نلعنهم) نخزيهم بالمسخ (كما لعنا أصحاب السبت) وهو وعيد مشروط بعدم إيمانهم أجمع فلما آمن بعضهم رفع أو يقع في الآخرة أو منتظر يقع قبل القيامة أو أريد باللعن متعارفة، وقد لعنوا بكل لسان (وكان أمر الله) بكون شيء أو وعيده أو قضاؤه (مفعولا) كائنا لا بد أن يقع .
(إن الله لا يغفر أن يشرك) أي الشرك (به) بدون توبة للإجماع على غفرانه بها (ويغفر ما دون ذلك) ما سواه من الذنوب بدون توبة (لمن يشاء) تفضلا ومقتضاه الوقوف بين الخوف والرجاء (ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما) ارتكبه، والافتراء يقال للقول أو الفعل كالاختلاف .
(ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم) نزلت في أهل الكتاب حيث قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ويعم الحكم غيرهم (بل الله يزكي من يشاء) فتزكيته هي المعتد بها لعلمه بالسرائر والعواقب (ولا يظلمون) بعقابهم على تزكيتهم أنفسهم (فتيلا) مقدار فتيلة وهو الخيط في شق النواة .
(أنظر كيف يفترون على الله الكذب) في زعمهم أنهم أزكياء عنده (وكفى به) بزعمهم هذا (إثما مبينا) بينا .
(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) صنمان لقريش، أو كلما عبد من دون الله، نزلت في اليهود حين سألهم مشركو العرب: أديننا أفضل أم دين محمد؟ قالوا: بل دينكم، أو في حي وكعب خرجا في جمع من اليهود يحالفون قريشا إلى محاربة النبي فقالوا: أنتم أقرب إلى محمد منكم إلينا فلا نأمن مكركم فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا (ويقولون للذين كفروا) أي فيهم (هؤلاء) إشارة إليهم (أهدى من الذين

ءامنوا سبيلا) أرشد طريقا .
(أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا) دافعا عنه العذاب .
(أم لهم نصيب من الملك) إنكار نفسي ولو كان (فإذا لا يؤتون الناس نقيرا) قدر نقير وهو النقطة في وسط النواة .
(أم يحسدون) النبي وأهل بيته نحن المحسودون (على ما ءاتاهم الله من فضله) من النبوة والإمامة (فقد ءاتينا ءال إبراهيم الكتاب والحكمة) النبوة والفهم والقضاء (وءاتيناهم ملكا عظيما) هو الطاعة المفروضة أو ملك يوسف وداود وسليمان فكيف يقرون بآل إبراهيم وينكرونه في آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهم أسلافهم .
(فمنهم) من اليهود (من ءامن به) بمحمد (ومنهم من صد عنه) فلم يؤمن، أو فمن أمة إبراهيم من آمن به ومنهم من كفر فلم يوهن ذلك أمره فكذا كفر هؤلاء لا يوهن أمرك (وكفى بجهنم سعيرا) نارا موقدة يعذبون بها .
(إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) بخلقها مكانها، ومدرك العذاب النفس العاصية لا الجلد وإنما هو آلة لإدراكها أو بإعادتها بنفسها على صورة أخرى كتبديل الخاتم خاتما أو بإذهاب أثر الإحراق عنها ليعود أثر الإحساس بها وسئل الصادق (عليه السلام) ما ذنب الغير؟ فقال: هي هي، وهي غيرها كلبنة كسرت ثم ردت في ملبنها (ليذوقوا العذاب) أي ليدوم إحساسهم به (إن الله كان عزيزا) لا يعجزه شيء (حكيما) في تعذيب من يعذبه .
(والذين ءامنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة) من كل دنس وقذر (وندخلهم ظلا ظليلا) كنيفا لا حر فيه ولا برد أو دائما لا تنسخه الشمس وصف مؤكد كليل أليل .
(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) يعم كل مكلف وكل أمانة وعنهم، (عليهم السلام) أنه أمر لكل واحد من الأئمة أن يسلم الأمر إلى من بعده (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) بالنصفة والسوية (إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا) لأقوالكم (بصيرا) بأفعالكم .
(يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) دل على وجود أولي الأمر في كل زمان بحيث يجب طاعتهم لعلمهم وفضلهم وعصمتهم ولا ينطبق إلا على مذهب الإمامية وفصل بين الله والرسول بالفعل للبينونة بين الواجب والممكن ولم يفصل بينه وبين أولي الأمر إشارة إلى أنهم واحد وعنهم (عليهم السلام): إيانا عنى خاصة أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا (فإن تنازعتم) أيها المأمورون (في شيء) من أمور الدين (فردوه) فراجعوا فيه (إلى الله) إلى محكم كتابه (والرسول) بالأخذ لسنته والمراجعة إلى من أمر بالمراجعة إليه فإنها رد إليه وقرىء فإن خفتم تنازعا في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم (إن كنتم

تؤمنون بالله واليوم الآخر) فإن من أبى ذلك لا إيمان له (ذلك) أي الرد (خير) لكم من التنازع والقول بالرأي والتشهي (وأحسن تأويلا) من تأويلكم بلا رد وأحسن مآلا .
(ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ءامنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) من يحكم بغير ما أنزل الله (وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) عن الحق .
(وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله) في القرآن من الحكم (وإلى الرسول) ليحكم به (رأيت المنافقين يصدون) حال أي يعرضون (عنك) إلى غيرك (صدودا) .
(فكيف) يصنعون (إذا أصابتهم مصيبة) عقوبة (بما قدمت أيديهم) من النفاق والصد عنك (ثم جاءوك يحلفون بالله إن) ما (أردنا) بالتحاكم إلى غيرك (إلا إحسانا) تخفيا عنك أو صلحا بين الخصمين (وتوفيقا) تأليفا بينهما بالتوسط دون الحمل على مر الحق .
(أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم) من النفاق (فأعرض عنهم) لا تعاقبهم لمصلحة في استبقائهم (وعظهم) بلسانك (وقل لهم في أنفسهم) في شأنها أو خاليا بهم إذ النصح سرا أنفع (قولا بليغا) بالغا منهم مؤثرا فيهم وهو التوعد بالقتل .
(وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع) في أمره وحكمه (بإذن الله) بسبب إذنه بطاعته وأمره المرسل إليهم بأن يطيعوه (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) بنفاقهم وتحاكمهم إلى الطاغوت (جاءوك) تائبين (فاستغفروا الله) من ذلك بإخلاص (واستغفر لهم الرسول) واعتذروا إليك حتى صرت شفيعا لهم وعدل عن الخطاب تفخيما لشأنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) (لوجدوا الله توابا) عليهم (رحيما) بهم .
(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر) اختلف واختلط (بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا) ضيقا أو شكا (مما قضيت) من حكمك (ويسلموا تسليما) ينقادوا لك انقيادا ظاهرا وباطنا .
(ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم) كما كتبنا على بني إسرائيل قتل أنفسهم وخروجهم إلى التيه (ما فعلوه إلا قليل منهم) وهم المخلصون وقرىء بنصب قليل (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به) من طاعة الرسول والانقياد (لكان خيرا لهم) آجلا وعاجلا (وأشد تثبيتا) لإيمانهم .
(وإذا) لو ثبتوا (لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما) .
(ولهديناهم صراطا مستقيما) .
(ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين) الصادقين في القول والعمل المصدقين بما جاءت به الرسل

(والشهداء) المقتولين في سبيل الله (والصالحين) الملازمين للصلاح (وحسن أولئك رفيقا) فيه معنى التعجب ورفيقا تمييز أو حال يقال للواحد والجمع كالصديق ولذا لم يجمع أو المراد حسن كل واحد منهم رفيقا .
(ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما) .
(يا أيها الذين ءامنوا خذوا حذركم) تيقظوا واحترزوا من عدوكم والحذر والحذر كالأثر والأثر أو ما يحذر به كالسلاح (فانفروا) فاخرجوا إلى الجهاد (ثبات) جماعات متفرقة جمع ثبة (أو انفروا جميعا) مجتمعين .
(وإن منكم) أي من عدكم أيها المؤمنون (لمن) اللام للابتداء دخلت على اسم إن للتأكيد (ليطمئن) ليتثاقلن ويتأخرن عن الجهاد وهم المنافقون (فإن أصابتكم مصيبة) كقتل أو هزيمة (قال) المبطىء (قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا) حاضرا فأصاب .
(ولئن أصابكم فضل من الله) كفتح وغنيمة (ليقولن) متحسرا (كأن لم تكن بينكم وبينه مودة) حال من القائل أو اعتراض بين القول ومقوله (يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما) للإيذان بأن قوله هذا قول من لا مواصلة بينكم وبينه وإنما أراد الكون معكم للمال لا للقتال .
(فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون) يبيعون (الحياة الدنيا بالآخرة) أي إن صد المنافقون عن القتال فليقاتل المخلصون المختارون للآخرة على الدنيا (ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل) فيستشهد (أو يغلب) يظفر بالعدو (فسوف نؤتيه أجرا عظيما) .
(وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله و) في سبيل (المستضعفين) وهو خلاصهم من أيدى المشركين أو المراد وفي خلاص المستضعفين (من الرجال والنساء والولدان) ممن لم يستطع الهجرة (الذين يقولون) داعين (ربنا أخرجنا من هذه القرية) مكة (الظالم أهلها) صفتها وذكر لتذكير فاعله (واجعل لنا من لدنك وليا) يلي أمرنا (واجعل لنا من لدنك نصيرا) يعيننا فاستجاب الله لهم ويسر لبعض الخروج ولمن بقي نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) وليا وناصرا حين فتح مكة .
(الذين ءامنوا يقاتلون في سبيل الله) في طاعته الموصلة إلى رضوانه (والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت) في طاعة الشيطان (فقاتلوا أولياء الشيطان) أتباعه ينصركم الله عليهم (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) في جنب كيد الله للكافرين وفيه تشجيع للمؤمنين .
(ألم تر إلى الذين قيل لهم) في مكة قبل الهجرة (كفوا أيديكم) عن قتال الكفرة حين طلبوه لإيذائهم له (وأقيموا الصلاة) اشتغلوا بما فرض عليكم (وءاتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال) في المدينة (وإذا فريق منهم يخشون الناس) الكفار أن يقتلوهم (كخشية الله) أن ينزل عليهم بأسه (أو أشد

خشية وقالوا) خوفا من الموت (ربنا لم كتبت علينا القتال لو لا) هلا (أخرتنا إلى أجل قريب) استزاده في مدة الكف عن القتال (قل) لهم (متاع الدنيا قليل) زائل (والآخرة) أي ثوابها الباقي (خير لمن اتقى) الله (ولا تظلمون) بالتاء والياء (فتيلا) أدنى شيء .
(أينما تكونوا يدرككم) يلحقكم ويحل بكم (الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) في قصور أو حصون مرتفعة أو مجصصة فلا تنجيكم منه ترك القتال (وإن تصبهم) أي اليهود أو المنافقين (حسنة) نعمة كالخصب (يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة) بلية كالجدب (يقولوا هذه من عندك) بشؤمك يا محمد (قل) لهم (كل) من النعمة والبلية (من عند الله) صادر عن حكمته بحسب المصالح (فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) لا يقاربون أن يفقهوا قولا فيعلموا أن القابض والباسط هو الله .
(ما أصابك) يا إنسان (من حسنة) من نعمة (فمن الله) تفضلا منه وامتحانا (وما أصابك من سيئة) بلية (فمن نفسك) لأنك السبب فيها لارتكاب الذنوب الجالبة لها (وأرسلناك للناس رسولا) حال مؤكدة (وكفى بالله شهيدا) على إرسالك .
(من يطع الرسول فقد أطاع الله) لأنه يأمر بما أمر الله وينهى عما نهى الله (ومن تولى) أعرض عن طاعته (فما أرسلناك عليهم حفيظا) نحاسبهم على أعمالهم بل نذيرا وعلينا حسابهم .
(ويقولون) إذا أمرتهم بأمر (طاعة) أي شأننا طاعة (فإذا برزوا) خرجوا (من عندك بيت طائفة منهم) دبروا ليلا (غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون) يثبته في صحائفهم ليجازيهم عليه (فأعرض عنهم) بالصفح (وتوكل على الله) ثق به يكفك أمورهم (وكفى بالله وكيلا) .
(أفلا يتدبرون القرءان) يتبصرون ما فيه من بلاغة ألفاظه وجزالة معانيه (ولو كان من عند غير الله) كما زعم الكفار أنه قول بشر (لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) من تفاوت نظمه وبلاغته ومعانيه لقصور القوة البشرية .
(وإذا جاءهم) من الرسول أو من أمر إياه (أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) أفشوه وتحدثوا به وكان فيه مفسدة (ولو ردوه) أي الأمر (إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم) هم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) يستخرجون تدبيره بأفكارهم وهم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (ولو لا فضل الله عليكم ورحمته) بالإسلام والقرآن وروي بالنبي وعلي (ع) (لاتبعتم الشيطان) بالكفر (إلا قليلا) لقليل منكم .
(فقاتل في سبيل الله) ولو وحدك (لا تكلف إلا نفسك) إلا فعل نفسك ولا يهمك تقاعدهم، روي أنه كلف أن يخرج على الناس كلهم وحده بنفسه إن لم يجد فئة تقاتل معه (وحرض المؤمنين) وما عليك في شأنهم إلا الترغيب لا التعنيف.

(عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا) شدتهم وقد فعل بإلقاء الرعب في قلوبهم فلم يخرجوا (والله أشد بأسا) منهم (وأشد تنكيلا) تعذيبا منهم .
(من يشفع) للناس (شفاعة حسنة) توافق الشرع (يكن له نصيب منها) بسببها وهو أجرها (ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل) نصيب (منها) وكأنه مختص بالشر منها بسببها وهو وزرها (وكان الله على كل شيء مقيتا) مقتدرا وحفيظا .
(وإذا حييتم بتحية) هي السلام المتعارف شرعا لا الجاهلي وروي هي السلام وغيره من البر (فحيوا بأحسن منها أو ردوها) بمثلها (إن الله كان على كل شيء) من تحية وغيرها (حسيبا) محاسبأ .
(الله لا إله إلا هو ليجمعنكم) ليحشرنكم (إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله) أي لا أحد أصدق منه (حديثا) تميز .
(فما لكم في المنافقين) في شأنهم (فئتين) فرقتين ولم يجتمعوا على كفرهم وهو حال عاملها ما لكم (والله أركسهم) ردهم إلى حكم الكفر أو خذلهم حتى ارتكسوا فيه (بما كسبوا) من الكفر وهم قوم قدموا من مكة وأظهروا الإسلام ثم رجعوا وأظهروا الشرك وسافروا إلى اليمامة وقيل هم المتخلفون يوم أحد (أتريدون أن تهدوا) تعدوا من جملة المهتدين (من أضل الله) من حكم بضلاله (ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) حجة .
(ودوا لو تكفرون كما كفروا) تمنوا أن تكفروا ككفرهم (فتكونون) أنتم وهم (سواء) في الكفر (فلا تتخذوا منهم أولياء) فلا توالوهم وإن أظهروا الإيمان (حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا) عن الإيمان والهجرة (فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم) في الحل والحرم كسائر الكفرة (ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا إلا الذين يصلون) أي فخذوهم واقتلوهم إلا الذين يلجئون (إلى قوم بينهم وبينكم ميثاق) عهد والقوم هم الأسلميون فإنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) وادع هلال بن عويم الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه ومن لجأ إليه فله من الجوار مثل ما له (أو جاءوكم) عطف على الصلة أي أو الذين جاءوكم ممسكين من قتالكم وقتال قومهم أو على صفة قوم والتقدير إلا الذين يصلون إلى قوم معاهدين أو قوم كافين عن الحرب لكم وعليكم ويعضد الأولى (فإن اعتزلوكم) (حصرت) حال بإضمار قد أي ضاقت (صدورهم) عن (أن يقاتلوكم) أو كراهة أن يقاتلوكم مع قومهم (أو يقاتلوا قومهم) وهم بنو مدلج أتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) غير مقاتلين قيل وهذا وما بعده نسخ بآية السيف (ولو شاء الله لسلطهم عليكم) بتقويته قلوبهم (فلقاتلوكم) ولكنه لم يشأ فقذف في قلوبهم الرعب (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم) الانقياد (فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) بأخذ وقتل .
(ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم) قيل هم ناس أتوا المدينة وأظهروا الإسلام ليأمنوا المسلمين فلما رجعوا كفروا (كلما ردوا إلى الفتنة) دعوا إلى الشرك (أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا

إليكم السلم ويكفوا أيديهم) عن قتالكم (فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم) صادفتموهم (وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا) حجة بينة على قتلهم وسبيهم لوضوح عداوتهم وكفرهم .
(وما كان) ما صح وما جاز (لمؤمن أن يقتل مؤمنا) بغير حق في حال من الأحوال أو لعلة من العلل (إلا خطأ) مخطئا أو للخطإ أو إلا قتلا خطأ، أو أريد به النهي والاستثناء منقطع أي لا يقتله لكن قتله خطأ جزاءه ما يذكر، الخطأ أن لا يقصد بفعله قتله (ومن قتل مؤمنا فتحرير رقبة) أي فعليه أو فالواجب في ماله (مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) مؤداة من العاقلة إلى ورثته (إلا أن يصدقوا) عليهم بالدية بأن يعفو عنها استثناء من وجوب التسليم أي يجب تسليمها إليهم إلا حال تصدقهم أو زمانه (فإن كان) القتل (من قوم عدو لكم) محاربين (وهو مؤمن) ولم يعلم قاتله إيمانه (فتحرير رقبة مؤمنة) فعلى قاتله الكفارة ولا دية لأهله لأنهم حرب (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق) عهد (فدية مسلمة إلى أهله) تلزم عاقلة قاتله (وتحرير رقبة مؤمنة) يلزم قاتله كفارة (فمن لم يجد) رقبة (فصيام) فعليه صيام (شهرين متتابعين) ويتحقق التتابع بشهر ويوم من الثاني (توبة من الله) مصدر أو مفعول له أي قبل توبتكم بالكفارة قبولا، أو شرع ذلك للتوبة أي لقبولها (وكان الله عليما) بخلقه (حكيما) في تدبيره .
(ومن يقتل مؤمنا متعمدا) قاصدا قتله عالما بإيمانه (فجزاؤه جهنم خالدا فيها) إن لم يتب ويعف الله عنه وحمل على المستحل لقتله وعن الصادق (عليه السلام): هو أن يقتله على دينه وقيل كني بالخلود عن طول المكث (وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) .
(يا أيها الذين ءامنوا إذا ضربتم في سبيل الله) سافرتم للجهاد في سبيله (فتبينوا) وقرىء فتثبتوا أي اطلبوا بيان الأمر أو ثباته ولا تعجلوا فيه (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام) حياكم بتحية الإسلام أو استسلم كقراءة السلم بحذف الألف (لست مؤمنا) مقول القول أي قلت ذلك تقية فتقتلونه (تبتغون) بذلك (عرض الحياة الدنيا) حطامها النافد (فعند الله مغانم كثيرة) تغنيكم عنها (كذلك كنتم من قبل) كفارا (فمن الله عليكم) بأن جعلكم في زمرة المسلمين (فتبينوا) كرر تأكيدا (إن الله كان بما تعملون خبيرا) فاحتاطوا في القتل وغيره قيل غزت سرية للنبي أهل فدك فهربوا وبقي مرداس لإسلامه وانحاز بغنمه إلى جبل فتلاحقوا فنزل وقال السلام عليكم لا إله إلا الله محمد رسول الله فقتله أسامة واستاق غنمه فنزلت .
(لا يستوي القاعدون من المؤمنين) عن الجهاد (غير أولي الضرر) من مرض أو عمى أو زمانة بالرفع صفة القاعدون إذ لم يعينوا، أو نصب على الحال أو الاستثناء (والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين) غير أولي الضرر (درجة) قيل المراد به معنى الجنس لا المرة (وكلا)

من المجاهدين والقاعدين (وعد الله الحسنى) المثوبة الحسنى وهي الحسنة بحسن نيتهم وإن فضل المجاهدين بالعمل (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) نصب على المصدر لأن فضل بمعنى أجر .
(درجات منه ومغفرة ورحمة) إبدال من أجر، قيل: القاعدون الأول الأضراء والثاني المأذون لهم في القعود اكتفاء بغيرهم وقيل المجاهدون الأول من جاهد الكفار والآخر من جاهد نفسه (وكان الله غفورا) لعباده (رحيما) بهم .
(إن الذين توفاهم) أو مضارع أي تتوفاهم (الملائكة ظالمي أنفسهم) في حال ظلمهم بترك الهجرة وموافقة الكفرة وهم ناس من أهل مكة أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة (قالوا) أي الملائكة للمتوفين توبيخا لهم (فيم) في أي شيء (كنتم) من أمر دينكم (قالوا) اعتذارا (كنا مستضعفين في الأرض) عاجزين عن الهجرة وإقامة الدين (قالوا) أي الملائكة (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) من أرض الكفر إلى بلد آخر كمن هاجر إلى المدينة والحبشة (فأولئك مأواهم جهنم) خبر إن والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط (وساءت مصيرا) هي ويدل على وجوب الهجرة عن بلد لا يتمكن فيه من إقامة الدين .
(إلا المستضعفين من الرجال والنساء) منقطع إذ لم يدخلوا في أولئك (والولدان) الصبيان ذكروا مبالغة أو المماليك (لا يستطيعون حيلة) صفة المستضعفين إذ لم يعينوا أو حال عنهم إذ لا يجدون أسبأب الهجرة لعجزهم (ولا يهتدون سبيلا) لا يعرفون طريقا إلى الهجرة وعن الباقر (عليه السلام): لا يهتدون حيلة إلى الكفر فيكفروا ولا سبيلا إلى الإيمان فيؤمنوا، وعنه (عليه السلام): لا يستطيعون حيلة إلى الإيمان ولا يكفرون .
(فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم) ترك الهجرة لضعف عقولهم وعجزهم (وكان الله عفوا غفورا) .
(ومن يهاجر) يفارق أهل الشرك (في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا) متحولا إلى الرغام أي التراب أو طريقا يرغم بسلوكه قومه أي يهاجرهم على رغم أنوفهم (وسعة) في الرزق (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت) في الطريق (فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما) .
(وإذا ضربتم) سافرتم (في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) بتنصيف الرباعيات وهو صفة محذوف أي شيئا من الصلاة أو مفعول تقصروا بزيادة من والقصر عندنا عزيمة إجماعا ونصا ولا ينافيه نفي الجناح كما في لا جناح عليه أن يطوف بهما ولعله لأن الطباع لما ألفت التمام كان مظنة أن يخطر ببالهم أن عليهم نقصا في القصر فنفى عنهم الجناح لتطيب أنفسهم (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) يتعرضوا لكم بمكروه وهو شرط باعتبار الغالب في ذلك الوقت ولذا لم يعتبر مفهومه (إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا) بيني العداوة .
(وإذا كنت فيهم) في الخائفين (فأقمت لهم الصلاة) بأن تؤمهم (فلتقم) في الركعة الأولى (طائفة منهم معك) وتقوم الأخرى تجاه العدو (وليأخذوا أسلحتهم) لأنه أقرب إلى الاحتياط (فإذا

سجدوا) سجدة الركعة الأولى فصلوا لأنفسهم ركعة أخرى (فليكونوا من ورائكم) وقفوا موقف أصحابهم يحرسونهم (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا) ركعتهم الأولى (معك) وأنت في الثانية فإذا صلت قاموا إلى ثانيتهم وأتموها ثم جلسوا ليسلموا معك (وليأخذوا حذرهم) تيقظهم (وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم) أي تمنوا أن يجدوا منكم غرة في الصلاة (فيميلون) فيحملون (عليكم ميلة) حملة (واحدة) ولذا أمرتم بأخذ السلاح (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى) فيثقل عليكم حمل السلاح (أن تضعوا أسلحتكم) يدل على أن الأمر بأخذ الأسلحة للوجوب (وخذوا حذركم) احترزوا إذ ذاك من عدوكم (إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا) لما كان أمرهم بالحزم يوهم أنه لضعفهم وغلبة الكفار بل أزال الوهم بوعدهم أن الله يهين عدوهم وينصرهم عليه لتقوى قلوبهم .
(فإذا قضيتم الصلاة) فرغتم منها وأنتم محاربو عدوكم (فاذكروا الله) بالتسبيح ونحوه (قياما وقعودا وعلى جنوبكم) مضطجعين أي في كل حال وإذا أردتم فعل الصلاة حال الخوف فصلوا كيف ما أمكن قياما مقارعين وقعودا مؤمنين وعلى جنوبكم منحنين (فإذا اطمأننتم) بالأمن (فأقيموا الصلاة) فأدوها بحدودها وشرائطها أو أتموها ولا تقصروها (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا) فرضا (موقوتا) مفروضا أو محدودا بأوقات وفيه إشعار بأن المراد بالذكر الصلاة .
(ولا تهنوا في ابتغاء القوم) لا تضعفوا في طلبهم للقتال (إن تكونوا تألمون) مما ينالكم (فإنهم يألمون كما تألمون) ليس ما تجدون من ألم القتال مختصا بكم بل مشترك وهم يصبرون عليه فما بالكم والحال أنكم (وترجون من الله) من النصر والثواب عليه (ما لا يرجون) فأنتم أولى بالصبر والرغبة (وكان الله عليما حكيما) في تدبيره .
(إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك) عرفك (الله) قيل: سرق أبو طعمة درعا وخبأها عند يهودي فوجدت عنده فقال: دفعها إلي أبو طعمة فانطلق قومه بنو ظفر إلى النبي فسألوه أن يجادل عنه ويبرؤه فهم أن يفعل فنزلت (ولا تكن للخائنين خصيما) للبرآء .
(واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما) .
(ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم) يخونونها بالمعصية إذ وبال خيانتهم عليها (إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما) كثير الخيانة والإثم مصرا عليهما .
(يستخفون) يسرون (من الناس) حياء وخوفا (ولا يستخفون من الله وهو معهم) عالم بهم (إذ يبيتون) يدبرون (ما لا يرضى من القول) من الحلف الكاذب وشهادة الزور ورمى البريء (وكان الله بما يعملون محيطا) عليما .
(ها أنتم) مبتدأ (هؤلاء) خبره (جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا) حافظا من عذاب الله .
(ومن يعمل سوءا) ذنبا يسوء به غيره أو صغيرة أو ما دون الشرك (أو يظلم نفسه) بذنب

لا يتعداه إلى غيره أو كبيرة أو الشرك (ثم يستغفر الله يجد الله غفورا) لذنوبه (رحيما) به .
(ومن يكسب إثما) ذنبا (فإنما يكسبه على نفسه) من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها (وكان الله عليما) بكسبه (حكيما) في عقابه .
(ومن يكسب خطيئة) صغيرة أو ما لا يتعمده (أو إثما) كبيرا أو ما تعمده (ثم يرم به بريئا) كرمي أبي طعمة اليهودي (فقد احتمل بهتانا) برمي البريء (وإثما مبينا) بينا بكسبه .
(ولو لا فضل الله عليك) بالنبوة أو الصيانة (ورحمته) بالعصمة أو إعلامك سرهم الوحي (لهمت) أضمرت (طائفة منهم) من بني ظفر (أن يضلوك) عن الحكم بالحق ولم يرد نفي همتهم بل نفي تأثيره فيه (وما يضلون إلا أنفسهم) يعود وبالهم عليهم (وما يضرونك) لأن الله عاصمك ومسددك (من شيء) في محل المصدر أي شيئا من الضرر (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة) القرآن والأحكام (وعلمك ما لم تكن تعلم) من الشرائع وخفيات الأمور (وكان فضل الله عليك عظيما) إذ ختم بك النبوة .
(لا خير في كثير من نجواهم) تناجيهم (إلا) نجوى (من أمر بصدقة) أو منقطع أي ولكن من أمر ففي نجواه الخير (أو معروف) فرض أو عمل بر أو إغاثة ملهوف أو صدقة تطوع (أو إصلاح بين الناس) تأليف بينهم بالمودة (ومن يفعل ذلك) المذكور (ابتغاء) طلب (مرضات الله) لا لغرض دنيوي (فسوف نؤتيه) بالنون والياء (أجرا عظيما) .
(ومن يشاقق الرسول) يخالفه (من بعد ما تبين له الهدى) ظهر له الحق بالدلائل (ويتبع غير سبيل المؤمنين) الذي هم عليه من الدين (نوله ما تولى) من الضلال ونخلي بينه وبينه (ونصله جهنم وساءت مصيرا) .
(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) كرر تأكيدا أو لقصة أبي طعمة (ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا) عن الحق .
(إن يدعون) ما يعبدون (من دونه) دون الله (إلا إناثا) أصناما مؤنثة كاللات والعزى ومناة قيل: كان لكل حي صنم يعبدونه ويسمونه أنثى بني فلان وقيل: والأصنام كلها مؤنثة سماعية أو إلا جمادات لأن الجمادات مؤنث أو إلا ملائكة لقولهم الملائكة بنات الله (وإن يدعون) ما يعبدون (إلا شيطانا) لطاعتهم له فيها (مريدا) عاتيا خارجا عن الطاعة .
(لعنه الله) طرده عن رحمته (وقال) جامعا بين لعنه وقوله (لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا) مقطوعا فرضته لنفسي فكل من أطاعه فهو من نصيبه .
(ولأضلنهم) عن الحق بالوسوسة (ولأمنينهم) الأماني الكاذبة كطول العمر وأن لا بعث ولا حساب (ولآمرنهم فليبتكن) فليقطعن أو يشققن (ءاذان الأنعام) لتحريم ما أحل الله وقد فعلوه بالبحائر والسوائب (ولآمرنهم

فليغيرن خلق الله) دينه بتحريم ما أحل وتحليل ما حرم أو فقء عين الحامي أو خصاء العبد أو الوشم (ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله) بإيثار طاعته على طاعة الله (فقد خسر خسرانا مبينا) إذ استبدل الجنة بالنار .
(يعدهم) الشيطان الأكاذيب (ويمنيهم) الأباطيل (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) هو إيهام النفع فيما فيه الضرر .
(أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا) معدلا من حاص أي عدل وعنها حال عنه لا صلة له .
(والذين ءامنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله) مصدر مؤكد لنفسه لأن مضمون الجملة قبله وعد (حقا) أي حق ذلك حقا (ومن) أي لا أحد (أصدق من الله قيلا) قولا تمييز .
(ليس) ما وعد الله من الثواب ينال (بأمانيكم) أيها المسلمون (ولا أماني أهل الكتاب) بل بالعمل الصالح أو ليس الإيمان بالتمني ولكن ما قر في القلب وصدقه العمل قيل: تفاخر المسلمون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب نبينا وكتابنا قبل نبيكم وكتابكم ونحن أولى بالله منكم وقال المسلمون نحن أولى منكم نبينا خاتم النبيين وكتابنا يقضي على الكتب المتقدمة فنزلت، وقيل: الخطاب للمشركين أي ليس الأمر بأمانيكم أن لا جنة ولا نار ولا أماني أهل الكتاب أنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى (من يعمل سوءا يجز به) آجلا وعاجلا بالآلام والمصائب ما لم يتب أو يعفو الله عنه (ولا يجد له من دون الله وليا) يحميه (ولا نصيرا) ينجيه من العذاب .
(ومن يعمل) شيئا (من الصالحات) أو بعضها وهو ما في وسعه وكلف به (من ذكر أو أنثى وهو مؤمن) حال (فأولئك يدخلون الجنة) بالياء للمعلوم والمجهول (ولا يظلمون نقيرا) قدر نقرة النواة .
(ومن) أي لا أحد (أحسن دينا ممن أسلم وجهه) استسلم نفسه أو أخلص قلبه (لله وهو محسن) قولا وعملا أو موحد (واتبع ملة إبراهيم) الموافقة لملة الإسلام (حنيفا) مائلا عن الأديان (واتخذ الله إبراهيم خليلا) صفيا خالص المحبة له .
(ولله ما في السموات وما في الأرض) ملكا وخلقا (وكان الله بكل شيء محيطا) قدرة وعلما .
(ويستفتونك في) ميراث (النساء قل الله يفتيكم) يبين لكم حكمه (فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب) أي والله يفتيكم وما في القرآن من آية المواريث تفتيكم أو ما يتلى عليكم مبتدأ خبره في الكتاب ويراد به اللوح المحفوظ (في يتامى النساء) صلة يتلى إن عطف يتلى على ما قبله وإلا فبدل من فيهن والإضافة بمعنى من (اللاتي لا تؤتونهن ما كتب) ما فرض (لهن) من الميراث (وترغبون أن) في أو عن (تنكحوهن) كان الرجل يضم اليتيمة فإن كانت جميلة تزوجها وأكل مالها وإلا عضلها ليرثها والواو للعطف أو الحال (والمستضعفين من الولدان) الصبيان عطف على يتامى النساء وكانوا لا يورثونهم كالنساء (وأن تقوموا لليتامى بالقسط) بالعدل في حقوقهم عطف عليه أيضا أو منصوب بتقدير فعل أي ويأمركم أن تقوموا (وما تفعلوا من خير) في أمر هؤلاء (فإن

الله كان به عليما) فلا يضيعه .
(وإن امرأة) فاعل فعل يفسره (خافت) علمت أو توقعت (من بعلها) لأمارات ظهرت لها (نشوزا) ترفعا عنها بمنع حقوقها كراهة لها (أو إعراضا) بتقليل محادثتها ومؤانستها (فلا جناح عليهما أن يصلحا) يتصالحا (بينهما صلحا) بأن تهب له بعض القسم أو المهر أو غيره فتستعطفه به (والصلح خير) من الفرقة أو النشوز أو الإعراض أو من الخصومة أو في نفسه خير كما أن الخصومة شر (وأحضرت الأنفس الشح) جبلت عليه وجعل حاضرا لها لا ينفك عنها فلا تكاد المرأة تسمح بنصيبها من زوجها ولا الرجل يسمح بإمساكها على ما ينبغي إذا كرهها (وإن تحسنوا) العشرة (وتتقوا) النشوز والإعراض (فإن الله كان بما تعملون خبيرا) فيجازيكم عليه .
(ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) في المودة القلبية أو في كل الأمور من جميع الوجوه (ولو حرصتم) على ذلك فلا تكلفون منه إلا ما تستطيعون (فلا تميلوا كل الميل) بترك المستطاع (فتذرها كالمعلقة) التي ليست بأيم ولا ذات بعل (وإن تصلحوا) بترك الميل (وتتقوا) الله فيه (فإن الله كان غفورا رحيما) فيغفر لكم ما سلف .
(وإن يتفرقا) أي الزوجان بالطلاق (يغن الله كلا) عن صاحبه (من سعته) من فضله بأن يرزقه زوجا خيرا من زوجه وعيشا أهنأ من عيشه (وكان الله واسعا) غنيا مقتدرا (حكيما) في تدبيره .
(ولله ما في السموات وما في الأرض) تقرير لكمال سعته وقدرته (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب) جنسه من اليهود والنصارى وغيرهم (من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله) أطيعوه ولا تعصوه (وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض) ملكا وخلقا فلا يضره كفركم كما لا تنفعه تقواكم وإنما وصاكم رحمة بكم (وكان الله غنيا) عن خلقه وطاعتهم (حميدا) مستحقا للحمد .
(ولله ما في السموات وما في الأرض) ذكر ثالثا تقريرا لغناه واستحقاقه الحمد لحاجة الخلق إليه وإنعامه عليهم بأصناف النعم (وكفى بالله وكيلا) حافظا ومدبرا لخلقه .
(إن يشأ يذهبكم أيها الناس) يهلككم (ويأت بآخرين) بدلكم أو خلقا آخرين بدل الإنس (وكان الله على ذلك) الإعدام والإبدال (قديرا) .
(من كان يريد) بجهاده أو غيره (ثواب الدنيا) فليطلبه من عند الله (فعند الله ثواب الدنيا والآخرة) أو فما له يطلب أحدهما الذي هو الأخس دون الأشرف والأحسن (وكان الله سميعا بصيرا) يجازي كلا بعمله .
(يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط) مجتهدين في إقامة العدل (شهداء لله) بالحق خبر ثان أو حال (ولو) كانت الشهادة (على أنفسكم) بأن تقروا عليها (أو الوالدين والأقربين) ولو على والديكم وأقاربكم ويشعر بقبولها على الوالد كما هو الأقوى (إن يكن) المشهود عليه أو كل منه ومن المشهود له (غنيا أو فقيرا) فلا تمتنعوا من الشهادة عليهما أو لهما (فالله أولى بهما) بالنظر لهما (فلا تتبعوا الهوى) في شهادتكم إرادة (أن تعدلوا) عن الحق أو كراهة العدل بين الناس (وإن تلووا)

السنتكم وتحرفوا الشهادة (أو تعرضوا) عن إقامتها (فإن الله كان بما تعملون خبيرا) فيجازيكم به .
(يا أيها الذين ءامنوا) في الظاهر أو نفاقا أو حقيقة أو الخطاب لمؤمني أهل الكتاب ابن سلام وأصحابه إذ قال يا رسول الله نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير ونكفر بما سواه فنزلت (ءامنوا) في الباطن أو اثبتوا أو أخلصوا فيه أو آمنوا إيمانا عاما (بالله ورسوله والكتاب) القرآن (الذي نزل) منجما بالبناء للفاعل والمفعول (على رسوله والكتاب) أي جنسه (الذي أنزل) جملة وفيه القراءتان (من قبل) قبل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا) عن الحق .
(إن الذين ءامنوا) كاليهود آمنوا بموسى (ثم كفروا) بعبادة العجل (ثم ءامنوا) بعد ذلك (ثم كفروا) بعيسى (ثم ازدادوا كفرا) بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو المنافقون تكرر منهم الإرتداد سرا بعد إظهار الإيمان ثم أصروا على الكفر (لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) إلى الجنة أو لا يلطف بهم .
(بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما) بشارة تهكم .
(الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون) يطلبون (عندهم العزة) القوة والمنعة بموالاتهم (فإن العزة لله جميعا) لا يعز إلا أولياءه .
(وقد نزل عليكم في الكتاب) القرآن وقرىء بالبناء للفاعل والمفعول (أن) أنه (إذا سمعتم ءايات الله) القرآن (يكفر بها ويستهزأ بها) حالان من الآيات (فلا تقعدوا معهم) مع الكافرين والمستهزءين (حتى يخوضوا في حديث غيره) وروي إذا سمعتم الرجل يجحد الحق ويكذب به ويقع في أهله فقوموا من عنده ولا تقاعدوه (إنكم إذا) بترك الإنكار (مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا) القاعدين والمقعود معهم .
(الذين) بدل من الذين يتخذون أو صفة للمنافقين والكافرين أو ذم منصوب أو مرفوع (يتربصون) ينتظرون (بكم) وقوع أمر (فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم) مجاهدين فأعطونا من الغنيمة (وإن كان للكافرين نصيب) من الظفر (قالوا) لهم (ألم نستحوذ) نستولي (عليكم) ونقدر على قتلكم فأبقينا عليكم (ونمنعكم من المؤمنين) بتخذيلهم عنكم وإفشاء أسرارهم إليكم فأعطونا مما أصبتم (فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) أي حجة أو يوم القيامة .
(إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) فسر في البقرة (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) متثاقلين (يراءون الناس) في صلاتهم ليحسبوهم مؤمنين (ولا يذكرون الله) بالتسبيح ونحوه أو لا يصلون (إلا قليلا) إذ لا يفعلونه إلا بحضرة من يراءونه أو لا يذكرون في الصلاة غير التكبير وما يجهر به .
(مذبذبين بين ذلك) مترددين بين الإيمان والكفر من الذبذبة وهو جعل الشيء مضطربا وأصله بمعنى الطرد (لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) لا صائرين إلى المؤمنين بالكلية ولا إلى الكافرين (ومن يضلل الله) يمنعه اللطف بسوء اختياره (فلن تجد له سبيلا) إلى الحق .

(يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين) كصنع المنافقين فتكونوا مثلهم (أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا) حجة واضحة إذ موالاتهم دليل النفاق أو سبيلا إلى عذابكم .
(إن المنافقين في الدرك) الطبق (الأسفل من النار) في قعر جهنم (ولن تجد لهم نصيرا) ينقذهم منه .
(إلا الذين تابوا) من نفاقهم (وأصلحوا) نياتهم (واعتصموا بالله) وثقوا به (وأخلصوا دينهم لله) بلا رياء وسمعة (فأولئك مع المؤمنين) رفقاؤهم في الدارين (وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما) فيشاركونهم فيه .
(ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وءامنتم) يستجلب به نفعا أو يدفع ضرا كلا وإنما عقاب المسيء هو سوء عمله عانقه (وكان الله شاكرا) يعطي الكثير بالقليل (عليما) بما يستحقونه .
(لا يحب الله الجهر بالسوء من القول) الشتم في الانتصار وغيره (إلا من ظلم) إلا جهر من ظلم بأن يشكو ظالمه ويدعو عليه (وكان الله سميعا) للأقوال (عليما) بالأفعال .
(إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء) مع قدرتكم على الانتقام من دون جهر بالسوء من القول (فإن الله كان عفوا) عن الجاني (قديرا) عليه فتخلقوا بأخلاق الله .
(إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله) بأن يؤمنوا بالله ويكفروا برسله (ويقولون نؤمن ببعض) من الرسل (ونكفر ببعض) منهم (ويريدون أن يتخذوا بين ذلك) أي الإيمان والكفر (سبيلا) طريقا إلى الضلالة .
(أولئك هم الكافرون) كفرا (حقا) ثابتا (وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا) لهم أقيم الظاهر مقام الضمير للعلة .
(والذين ءامنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم) بالنون والياء (أجورهم وكان الله غفورا) لزلاتهم (رحيما) بهم .
(يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء) سأله أحبار اليهود أن يأتيهم بكتاب من السماء جملة كما أتى به موسى أو كتابا مكتوبا من السماء كما كانت التوراة على الألواح أو كتابا إلينا بأعياننا بأنك رسول الله (فقد سألوا موسى أكبر من ذلك) جواب شرط مقدر أي إن استعظمت ذلك فقد سألوا موسى أعظم منه (فقالوا أرنا الله جهرة) عيانا (فأخذتهم الصاعقة) نار نزلت فأهلكتهم (بظلمهم) وهو سؤالهم المستحيل (ثم اتخذوا العجل) إلها (من بعد ما جاءتهم البينات) على التوحيد (فعفونا عن ذلك) بترك استئصالهم (وءاتينا موسى سلطانا مبينا) عليهم إذ أمرهم بقتل أنفسهم توبة فأطاعوه .
(ورفعنا فوقهم الطور) الجبل (بميثاقهم) بسببه ليخافوا فلا ينقضوه (وقلنا لهم) وهو مطل عليهم (ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت) بأخذ الحيتان (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) وثيقا على ذلك فنقضوه .
(فبما نقضهم ميثاقهم) أي فخالفوا ونقضوا ففعلنا بهم ما فعلنا بسبب نقضهم (وكفرهم بآيات الله) المصدقة لرسله (وقتلهم

الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف) في غلاف لا تعي قولك (بل طبع الله عليها) منعها لطفه (بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) منهم أو إيمانا ناقصا .
(وبكفرهم) بعيسى (وقولهم على مريم بهتانا عظيما) من أنها حملت بعيسى من رجل نجار اسمه يوسف .
(وقولهم) اجتراء على الله وافتخارا (إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله) أي بزعمه (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) مر في آل عمران (وإن الذين اختلفوا فيه) فمن قائل رفع إلى السماء وآخر قتلناه وثالث صلب الناسوت وصعد اللاهوت (لفي شك منه) لالتباس الأمر عليهم (وما لهم به من علم إلا اتباع الظن) منقطع أي لكنهم يتبعون الظن (وما قتلوه يقينا) قتلا يقينا كما زعموا أو متيقنين أو هو تأكيد للنفي .
(بل رفعه الله إليه) عرج به إلى بقعة من بقاع سماواته (وكان الله عزيزا) لا يقهر (حكيما) فيما يدبر .
(وإن) وما (من أهل الكتاب) أحد (إلا ليؤمنن به) بعيسى حين ينزل إلى الدنيا (قبل موته) موت عيسى أو قبل موت الكتابي حين يعاين ولا ينفعه إيمانه وروي: ليؤمنن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل موت الكتابي (ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا) بكفر اليهود وغلو النصارى فيه .
(فبظلم) عظيم (من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) أي لحوم الأنعام إشارة إلى ما مر من قوله وعلى الذين هادوا حرمنا (وبصدهم عن سبيل الله) أناسا أو صدا (كثيرا) .
(وأخذهم الربوا وقد نهوا عنه) في التوراة ويدل على أن النهي للتحريم (وأكلهم أموال الناس بالباطل) بالرشى والربا ونحوهما (وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما) .
(لكن الراسخون في العلم) الثابتون في علم التوراة (منهم) كابن سلام وأصحابه (والمؤمنون) من المهاجرين والأنصار (يؤمنون) بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك (والمقيمين الصلاة) نصب على المدح أو عطف على ما نزل إليك ويراد بهم الأنبياء والأئمة (والمؤتون الزكاة) عطف على الراسخون أو مبتدأ والخبر أولئك (والمؤمنون بالله واليوم الآخر) بالمبدإ والمعاد (أولئك سنؤتيهم) بالنون والياء (أجرا عظيما) على إيمانهم وعملهم .
(إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسبأط) أولاده (وعيسى وأيوب

ويونس وهرون وسليمان) خصوا بالذكر بعد التعميم للتعظيم (وءاتينا داود زبورا) .
(ورسلا) أرسلنا رسلا (قد قصصناهم عليك من قبل) قبل ذلك اليوم (ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما) بلا واسطة .
(رسلا) نصب على المدح أو بإضمار أرسلنا (مبشرين) بالثواب للمطيعين (ومنذرين) بالعقاب للعاصين (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) فيقولوا لو لا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين (وكان الله عزيزا) لا يقهر (حكيما) فيما يدبر .
(لكن الله يشهد بما أنزل إليك) من القرآن إن لم يشهد الكفار (أنزله) متلبسا (بعلمه) بأنه معجز أو بأنك أهل بإنزاله (والملائكة يشهدون) أيضا (وكفى بالله شهيدا) .
(إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) دين الإسلام (قد ضلوا ضلالا بعيدا) عن الحق لجمعهم بين الضلال والإضلال .
(إن الذين كفروا وظلموا) جمعوا بين الكفر والظلم أو ظلموا محمدا بتكذيبه أو آل محمد حقهم كما روي (لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم) في القيامة (طريقا) .
(إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا) هينا .
(يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا) يكن الإيمان خيرا (لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض) ملكا وخلقا فلا يضره كفركم (وكان الله عليما) بخلقه (حكيما) في تدبيره لهم .
(يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) خطاب للفريقين لأن اليهود غلت في عيسى وقالوا ولد لغير رشدة والنصارى عبدوه أو النصارى خاصة لقوله (ولا تقولوا على الله إلا الحق) من تنزيهه عن الشريك والولد (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها) أوصلها (إلى مريم) وسمي كلمته لأنه وجد بكلمته (وروح منه) هي روح مخلوقة اختارها الله واصطفاها (فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا) الآلهة (ثلاثة) الله وعيسى وأمه أو الأب والابن وروح القدس (انتهوا) عن الثلاث يكن (خيرا لكم إنما الله إله واحد) لا شريك له ولا ولد ولا صاحبة (سبحانه) أنزهه تنزيها من (أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض) ملكا وخلقا فما يصنع بالولد والصاحبة (وكفى بالله وكيلا) .
(لن يستنكف) لن يأنف (المسيح أن يكون عبدا لله) استنكف وفد نجران أن يقال عيسى عبد الله فنزلت (ولا الملائكة المقربون) بل كفاهم فخرا أن يكونوا عبيدا (ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم)

(إليه جميعا) للمجازاة .
(فأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا) يحميهم (ولا نصيرا) يدفع عنهم .
(يا أيها الناس قد جاءكم برهان) حجة (من ربكم) وهو محمد أو الدين أو القرآن أو معجزاته (وأنزلنا إليكم نورا مبينا) بينا وهو القرآن، وعن الصادق (عليه السلام): ولاية علي، وروي: البرهان محمد والنور علي .
(فأما الذين ءامنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه) الجنة (وفضل) زائد على ما يستحقونه (ويهديهم إليه صراطا مستقيما) يوفقهم له ويثبتهم عليه وهو الإسلام .
(يستفتونك) أي في الكلالة وفسرت في أول السورة (قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد) ووالد للإجماع والسنة ودلالة الكلالة عليه إن فسرت بالميت (وله أخت) لأبوين أو لأب لسبق حكم الأخت للأم (فلها نصف ما ترك) بالفرض والباقي رد عليها لا للعصبة (وهو يرثها) أي الامرؤ يرث أخته كل المال إن انعكس الأمر (إن لم يكن لها ولد) ذكر أو أنثى ولا والد لما مر (فإن كانتا) أي من يرث بالأخوة والتثنية باعتبار المعنى (اثنتين) فصاعدا خبر كان وفائدته بيان أن الحكم باعتبار العدد دون غيره من الصفات (فلهما الثلثان مما ترك) الميت بالفرض والباقي بالرد (وإن كانوا) الضمير كما مر (إخوة) تغليب للمذكر (رجالا ونساء) بدل أو صفة أو حال (فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم) أحكامه كراهة (أن تضلوا والله بكل شيء عليم).


سورة المائدة

(5) سورة المائدة مائة وعشرون آية (120) مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود) في الخبر العهود ويعم كلما عقد الله على عباده وكلفهم به أو ويتعاقدونه بينهم (أحلت لكم بهيمة الأنعام) هي الأزواج الثمانية والجنين في بطن أمه إذا أشعر وأوبر فذكاته ذكاة أمه (إلا ما يتلى عليكم) تحريمه كآية حرمت عليكم الميتة إلخ (غير محلي الصيد) حال من ضمير لكم أو أوفوا (وأنتم حرم) حال من ضمير محلي أي أحلت لكم حال امتناعكم من الصيد وأنتم محرمون (إن الله يحكم ما يريد) من تحليل أو غيره .
(يا أيها الذين ءامنوا لا تحلوا شعائر الله) حدوده أو فرائضه أو مناسكه أو دينه جمع شعيرة أي علامة (ولا الشهر الحرام) بالقتال فيه (ولا الهدي) ما أهدي إلى الكعبة (ولا القلائد) جمع قلادة هي ما قلد به الهدي من نعل وغيره علامة له (ولا ءامين) قاصدين (البيت الحرام) بأن تقاتلوهم (يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا) ثوابه ورضاه عنهم في الآخرة والجملة حال من مستكن آمين تشعر بعلة المنع (وإذا حللتم) من الإحرام (فاصطادوا) إن شئتم (ولا يجرمنكم) لا يحملنكم (شنئان قوم) شدة بغضهم (أن) لأن (صدوكم عن المسجد الحرام) يعني عام الحديبية (أن تعتدوا) بالانتقام وقتالهم (وتعاونوا على البر والتقوى) فعل الطاعة وترك المعصية (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المعاصي وتعدي حدود الله (واتقوا الله) في أوامره ونواهيه (إن الله شديد العقاب) لمن عصاه .
(حرمت عليكم الميتة) التي تموت حتف أنفها (والدم) أي المسفوح منه (ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به) رفع الصوت به للصنم أو ما لم يسم الله سمي غيره أم لا (والمنخنقة) التي ماتت بالخنق (والموقوذة) التي تضرب حتى تموت (والمتردية) التي تردت من علو إلى أسفل فماتت (والنطيحة) التي نطحها أخرى فماتت (وما أكل السبع) منه فمات (إلا ما ذكيتم) أدركتم ذكاته من المذكورات سوى الخنزير والدم (وما ذبح على النصب) على حجر أو صنم (وأن تستقسموا بالأزلام) بالقداح هو قمار كان في الجاهلية فحرمه الله وفسر بميسر كان بينهم وهو استقسام الجزور بالأقداح العشرة على الأنصباء المعلومة (ذلكم) التناول للمذكورات (فسق) حرام (اليوم) أي الآن أو يوم نزولها وهو يوم الجمعة عرفة حجة الوداع (يئس الذين كفروا من دينكم) فيقطع طمعهم من ارتدادكم (فلا تخشوهم) أن يقهروكم (واخشون) بإخلاص (اليوم أكملت لكم دينكم) ببيان الأحكام والفرائض وأصول الشرائع أو ينصركم على عدوكم وروى العامة والخاصة أنها نزلت بعد نصب النبي عليا خليفة يوم غدير خم (وأتممت عليكم نعمتي) بولاية علي أو إكمال الدين أو فتح مكة (ورضيت لكم الإسلام دينا) من بين الأديان (فمن اضطر) إلى تناول شيء من هذه المحرمات وهو متصل بالمحرمات وما بينهما اعتراض (في مخمصة) مجاعة (غير متجانف) غير متعمد أو مائل (لإثم) بأن يأكل تلذذا أو يتعدى حد الضرورة أو يبغي على الإمام أو يقطع الطريق (فإن الله غفور رحيم) بعباده لا يعاقب المضطر فيما رخص له .
(يسألونك ماذا أحل لهم) كأنهم لما تلي عليهم المحرمات سألوا عما أحل لهم (قل أحل لكم الطيبات) ما لم تستخبثه الطباع السليمة أو ما لم يدل دليل على حرمته (وما علمتم) عطف على الطيبات أو شرط جوابه فكلوا (من الجوارح) كواسب الصيد على أهلها من الكلاب بقرينة (مكلبين) أي حال كونكم صاحبي كلاب أو مؤدبين لها دون سائر الجوارح، فعنهم (عليهم السلام): هي الكلاب

وما عداها فلا تأكل من صيده إلا ما أدركت ذكاته (تعلمونهن مما علمكم الله) من طرق التأديب إلهاما أو اكتسابا (فكلوا مما أمسكن عليكم) وإن قتلته وإذا أكلته فكل ما بقي وقيل لا يؤكل (واذكروا اسم الله عليه) أي سموا على ما علمتم عند إرساله أو على ما أمسكن إذا أدركتم ذكاته (واتقوا الله) في حدوده (إن الله سريع الحساب) فيؤاخذكم بتعديها .
(اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) أي الحبوب والبقول كما في المستفيضة وأخذ بظاهره الجمهور حتى الذبائح ومنهم من استثنى نصارى تغلب واختلف في المجوس (وطعامكم حل لهم) لا عليكم أن تطعموهم (والمحصنات من المؤمنات) عطف على الطيبات أي العفائف والحرائر وتخصيصهن للأولوية (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) ظاهره حل نكاح كل كتابية ذمية أو حربية دائما أو منقطعا أو ملكا فيخص آية ولا تنكحوا المشركات إن شملت الكتابية وعن الباقر (عليه السلام): أنه منسوخ بتلك (إذا ءاتيتموهن أجورهن) مهورهن (محصنين) أعفاء (غير مسافحين) غير زانين جهرا (ولا متخذي أخدان) أخلاء تزنون بهن سرا والخدن يقال للذكر والأنثى (ومن يكفر بالإيمان) بترك العمل أو ينكر شرائع الإسلام (فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين) الهالكين .
(يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة) من النوم أو أردتم القيام إليها (فاغسلوا وجوهكم) أمروا الماء عليها ولا يجب الدلك ولا تخليل الشعر إذ الوجه ما يواجه به (وأيديكم إلى المرافق) غاية للمغسول من اليد لا الغسل وكذا القول في الأرجل أو إلى بمعنى مع (وامسحوا برءوسكم) أي بعضها بإجماعنا والنص الباقري ويختص بالمقدم إجماعا منا ونصا ويكفي المسمى (وأرجلكم إلى الكعبين) بالجر كما عن حمزة وابن كثير وأبي عمر وأبي بكر ونصبه الباقون عطف على رءوسكم محلا (وإن كنتم جنبا فاطهروا) عطف على فاغسلوا وتحتج به على وجوب الغسل لغيره أو لنفسه أو على إذا قمتم فيفيد الوجوب لنفسه (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) فسر في النساء (منه) من الصعيد أو التيمم ومن للتبعيض ويحتج بها لاشتراط علوق التراب (ما يريد الله ليجعل عليكم) في الأمر بالوضوء والغسل والتيمم (من حرج) من ضيق (ولكن يريد ليطهركم) من الأحداث والذنوب (وليتم نعمته عليكم) بشرعه ما به يطهركم (لعلكم تشكرون) نعمته .
(واذكروا نعمة الله عليكم) بالإسلام (وميثاقه الذي واثقكم) عاقدكم (به) من مبايعتكم النبي على السمع والطاعة في العسر واليسر وما بين لكم في حجة الوداع من الأحكام وفرض الولاية، أو بيعة العقبة وبيعة الرضوان (إذ قلتم سمعنا وأطعنا) فيما تأمر وتنهى (واتقوا الله) في كفران

النعمة ونقض ميثاقه (إن الله عليم بذات الصدور) بسرائرها فبغيرها أولى .
(يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين لله) بحقوقه (شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا) لا يحملنكم بغض الكفار على ترك العدل معهم (اعدلوا هو) أي العدل (أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) فيجازيكم به .
(وعد الله الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) ترغيب للمؤمنين وترهيب للكافرين .
(يا أيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم) يعني أهل مكة من قبل فتحها (أن يبسطوا إليكم أيديهم) بالقتل (فكف أيديهم عنكم) بالصلح يوم الحديبية (واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) فإنه يكفي من توكل عليه .
(ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل) بأن يخرجوا إلى أريحا لقتل جبابرتها (وبعثنا) التفات (منهم اثني عشر نقيبا) كفيلا شهيدا من كل سبط يأمرهم بالوفاء بما أمروا به (وقال الله إني معكم لئن) للقسم (أقمتم الصلوة وءاتيتم الزكوة وءامنتم برسلي وعزرتموهم) نصرتموهم وأصله المنع ومنه التعزيز (وأقرضتم الله) بالإنفاق في سبيله (قرضا حسنا) مصدر أو مفعول (لأكفرن عنكم سيئاتكم) جواب للقسم ناب جواب الشرط (ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك) الميثاق (منكم فقد ضل سواء السبيل) أخطأ طريق الحق .
(فبما نقضهم) ما زائدة (ميثاقهم لعناهم) أبعدناهم من رحمتنا أو مسخناهم أو عذبناهم بالجزية (وجعلنا قلوبهم قاسية) منعناهم الألطاف حتى قست (يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا) تركوا نصيبا جزيلا (مما ذكروا به) في التوراة من اتباع محمد إذ حرفوها أو زلت أشياء منها بشؤم تحريفهم عن حفظهم (ولا تزال تطلع على خائنة منهم) خيانة أو فرقة خائنة أي الخيانة عادتهم كأسلافهم (إلا قليلا منهم) لم يخونوا وهم الذين ءامنوا (فاعف عنهم واصفح) إن تابوا أو بذلوا الجزية وقيل مطلق، نسخ بآية السيف (إن الله يحب المحسنين) إلى الناس .
(ومن الذين قالوا إنا نصارى) ادعوا نصرة الله بهذا الاسم (أخذنا ميثاقهم) كما أخذنا من اليهود (فنسوا حظا مما ذكروا به) في الإنجيل (فأغرينا) ألزمنا من غري به لصق به (بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) بين فرق النصارى الثلاث أو بينهم وبين اليهود (وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون) بالحساب والعقاب .
(يا أهل الكتاب) جنسه خطاب لليهود والنصارى (قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب) كالرجم ونعته (صلى الله عليه وآله وسلّم) وبشارة عيسى به (ويعفو عن كثير) مما تخفونه أو عن كثير منكم (قد جاءكم من الله نور) محمد والقرآن (وكتاب) القرآن (مبين) للحق .
(يهدي به الله من اتبع رضوانه) من آمن (سبل السلام) سبل

الله أو السلامة من عذابه (ويخرجهم من الظلمات) الكفر (إلى النور) الإيمان (بإذنه) بلطفه (ويهديهم إلى صراط مستقيم) طريق الحق أو طريق الجنة .
(لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) قيل: هم اليعقوبية القائلون بالإتحاد، وقيل: لم يصرحوا به ولكن لزمهم ذلك لزعمهم أنه لاهوتي وقولهم بوحدة الإله (قل فمن يملك من الله) من يمنع من أمره (شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا) فالمسيح مقهور لا يملك دفع الهلاك عن نفسه كسائر الممكنات فكيف يكون إلها (ولله ملك السموات والأرض وما بينهما) ومنه المسيح (يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير) يخلق من ذكر وأنثى، ومن ذكر بلا أنثى كحواء، ومن أنثى بلا ذكر كعيسى، ومن غير ذكر وأنثى كآدم .
(وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه) أشياع ابنيه عزير والمسيح كما يقول حشم الملك نحن ملوك أو مقربون عنده قرب الأولاد من والدهم (قل فلم يعذبكم بذنوبكم) بالقتل والأسر والمسخ والنار أياما معدودة كما زعمتم والأب لا يعذب ابنه ولا الحبيب حبيبه (بل أنتم بشر ممن خلق) كسائر الناس (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير) فيجازي كلا بعمله .
(يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم) ما يحتاج إلى البيان (على فترة من الرسل) على حين فتور من إرسال الرسل إذ ليس بينه وبين عيسى رسول بل أنبياء ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب خالد بن سنان العبسي ومدة ذلك 669 سنة ستمائة وتسع وستون سنة (أن) كراهة أن أو لأن (تقولوا) اعتذارا (ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير) فلا عذر لكم إذا (والله على كل شيء) من الإرسال وغيره .
(قدير وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء) هداكم وأعزكم بهم ولم يجعل في أمة ما جعل منكم من الأنبياء، وقيل: هم الأنبياء ما بين موسى وعيسى مدة 1700 سنة ألف وسبعمائة سنة وهم ألف نبي (وجعلكم ملوكا) لملك فرعون أو ذوي دور وخدم أو مالكين لأموركم بعد أن كنتم مملوكين للقبط (وءاتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين) من المن والسلوى وفلق البحر وتظليل الغمام وغيرها أو أريد عالمي زمانهم .
(يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة) الشام أو بيت المقدس أو الطور وما حوله (التي كتب الله لكم) أن تكون لنا مسكنا، أو أمركم بدخولها (ولا ترتدوا) لا ترجعوا (على أدباركم) منهزمين خوفا من الجبابرة، أو لا ترتدوا على دينكم بالعصيان (فتنقلبوا خاسرين) الدارين .
(قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين) من العمالقة ولا يتأتى لنا مقاومتهم (وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون) إذ لا نطيقهم .
(قال رجلان) كالب ويوشع (من الذين يخافون) الله قيل: كانا من الجبابرة أسلما وأتيا موسى

(أنعم الله عليهما) بالتوفيق للإيمان صفة أخرى لهما أو اعتراض (ادخلوا عليهم الباب) باب قريتهم ولا تخشوهم فإنهم أجسام بلا قلوب (فإذا دخلتموه فإنكم غالبون) علما ذلك من إخبار موسى وقوله: كتب الله لكم أو مما عهدا من قهر الله أعداء موسى (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) به وبوعده .
(قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها) بدل بعض من أبدا (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) قالوا ذلك استهانة بالله ورسوله .
(قال) موسى (رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق) فافصل (بيننا وبين القوم الفاسقين) .
(قال فإنها محرمة عليهم) لا يدخلونها (أربعين سنة يتيهون في الأرض) يسيرون فيها متحيرين (فلا تأس) لا تحزن (على القوم الفاسقين) روي: لبثوا في التيه أربعين سنة يسيرون من المساء إلى الصباح فإذا هم بحيث ارتحلوا عنه، ومات فيه هارون ثم موسى .
(واتل عليهم نبأ ابني ءادم) قابيل وهابيل (بالحق) بالصدق (إذ قربا قربانا) اسم لما يتقرب به إلى الله روي: أن آدم أمر أن يدفع الوصية إلى هابيل فغضب قابيل وكان أكبر فقال: قربا قربانا فمن أيكما يقبل دفعتها إليه (فتقبل من أحدهما) هابيل إذ قرب من خير غنمه (ولم يتقبل من الآخر) قابيل إذ قرب أردأ زرعه (قال لأقتلنك) توعده بالقتل لفرط حسده له على تقبل قربانه (قال) جوابا له (إنما يتقبل الله من المتقين) أي إنما أصبت من قبل نفسك بترك التقوى لا من قبلي فلم تقتلني .
(لئن بسطت إلي يدك لتقتلني) ظلما (ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك) دفعا ومقابلة (إني أخاف الله رب العالمين) .
(إني أريد أن تبوأ) ترجع متلبسا (بإثمي) بإثم قتلي (وإثمك) الذي كان منك من قبل، أو أن تحمل إثمي لو بسطت إليك يدي وإثمك ببسطك يدك إلي ولم يرد بالذات معصية أخيه وشقاوته، أو أريد بالإثم عقوبته (فتكون من أصحاب النار) بظلمك لي (وذلك جزاء الظالمين) من قوله أو قول الله .
(فطوعت) سهلت (له نفسه قتل أخيه فقتله) قيل وهو ابن عشرين سنة بالهند، أو عقبة حراء، أو موضع مسجد البصرة (فأصبح من الخاسرين) للدارين إذ بقي عمره طريدا فزعا .
(فبعث الله غرابا يبحث في الأرض) روي لما قتله لم يدر ما يصنع به فجاء غرابان فقتل أحدهما صاحبه ثم حفر له بمخالبه ودفن فيه صاحبه (ليريه كيف يواري) يستر (سوأة أخيه) جسده الميت فإنه يستقبح أن يرى (قال يا ويلتى) احضري فهذا وقتك وألفها بدل ياء المتكلم (أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب) في العلم (فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين) على قتله لاسوداد جسده وتبري أبيه منه وحمله له سنة إذ تخير فيه ولم يندم عن توبة .
(من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل) وغيرهم (أنه من قتل نفسا بغير) قتل (نفس أو) بغير (فساد في الأرض) كالشرك وقطع الطريق (فكأنما قتل الناس جميعا) فإنه هتك حرمة الدماء وسن القتل وجرأ

الناس عليه، أو لاستواء قتل الواحد والجميع في استجلاب العذاب (ومن أحياها) أنقذها من سبب هلكة (فكأنما أحيا الناس جميعا) لما مر (ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك) بعد ما كتبنا عليهم وجاءتهم الرسل بالآيات الواضحة (في الأرض لمسرفون) مجاوزون الحد بالقتل والشرك .
(إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا) روي: أن المحارب من شهر السلاح وأخاف الطريق في المصر أو لخارجه (أن يقتلوا) قصاصا أو حدا (أو يصلبوا) مع القتل إن قتلوا وأخذوا المال (أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) اليد اليمنى والرجل اليسرى إن أخذوا المال ولم يقتلوا (أو ينفوا من الأرض) من بلد إلى بلد بحيث لا يمكنون من القرار في بلد إن أخافوا فقط، والآية لا تفيد التفصيل بل ظاهرها تخير الوالي بينها في كل محارب كما في بعض الروايات المعتبرة وفي بعضها التفصيل (ذلك لهم خزي) فضيحة (في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) مع ذلك .
(إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) قيل استثناء بالنسبة إلى حق الله فقط ويؤيده (فاعلموا أن الله غفور رحيم) .
(يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) ما تتوسلون به إلى ثوابه من الطاعة (وجاهدوا في سبيله) أعداءه لإعزاز دينه (لعلكم تفلحون) تظفرون بنعيم الأبد .
(إن الذين كفروا لو) ثبت (أن لهم ما في الأرض) من المال (جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم) .
(يريدون) يتمنون (أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) وأبدل ما هم بخارجين عن وما يخرجون للمبالغة .
(والسارق والسارقة فاقطعوا) دخلت الفاء لشبهه بالجزاء لأن أل موصولة (أيديهما) من أصول الأصابع وبترك الإبهام عندنا فإن عاد قطعت رجله اليسرى من أصل الساق ويترك العقب فإن عاد خلد في السجن (جزاء بما كسبأ) مفعول له أو مصدر، وكذا (نكالا من الله والله عزيز حكيم) .
(فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم) .
(ألم تعلم) خطاب للنبي أو لكل أحد (أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء) من العصاة (ويغفر لمن يشاء) منهم (والله على كل شيء قدير) ومنه التعذيب والمغفرة وقدم عليها لمقابلة تقدم السرقة على التوبة أو لتقدم استحقاقه .
(يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) في إظهاره إذا وجدوا منه فرصة (من الذين) بيان (قالوا آمنا بأفواههم) متعلقة بقالوا (ولم تؤمن قلوبهم) حال أو عطف على قالوا (ومن الذين هادوا سماعون للكذب) زيدت اللام لتضمين السماع معنى القبول أي قابلون لما تفتريه أحبارهم أو للعلة والمفعول محذوف أي سماعون قولك ليكذبوا عليك.

(سماعون لقوم آخرين لم يأتوك) أي قابلون لقول قوم آخرين من اليهود لم يحضروا عندك تكبرا أو بغضا لك أو سماعون منك لأجلهم (يحرفون الكلم من بعد مواضعه) عن مواضعه التي وضعه الله فيها (يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه) أي إن أفتاكم محمد بهذا الحكم المحرف فاقبلوه (وإن لم تؤتوه) بل أفتاكم بخلافه (فاحذروا) أن تقبلوه نزلت في عبد الله بن أبي حيث قالت له بنو النضير: إن بيننا وبين قريظة عهد في القتل مخالف للتوراة فسل محمدا أن لا ينقضنا إن تحاكمنا إليه فقال ابعثوا رجلا يسمع كلامي وكلامه فإن حكم لكم بما تريدون وإلا فلا ترضوا به (ومن يرد الله فتنته) اختياره ليفتضح (فلن تملك له من الله) في دفع أمره شيئا (أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم) حيث اختاروا تدنيسها بالكفر لعلمه بأن لطفه لا ينجع فهيم (لهم في الدنيا خزي) ذل بالجزية والفضيحة (ولهم في الآخرة عذاب عظيم) بتخليدهم النار والضمير للفريقين أو اليهود .
(سماعون للكذب) كرر تأكيدا (أكالون للسحت) الحرام كالرشاء (فإن جاءوك) متحاكمين إليك (فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) خير (صلى الله عليه وآله وسلّم) بين الحكم والإعراض وكذا الأئمة والحكام وقيل نسخ بآية وأن احكم بينهم (وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا) لن يقدروا لك على ضرر (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) بالعدل (إن الله يحب المقسطين) فيثيبهم .
(وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله) تعجيب من تحكيمهم من لا يؤمنون به مع صراحة الحكم في كتابهم وتنبيه على أنهم ما قصدوا به معرفة الحق بل ما هو أهون عليهم (ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين) بكتابهم لإعراضهم عنه وعما يوافقه .
(إنا أنزلنا التوراة فيها هدى) إلى الحق (ونور) بيان للأحكام (يحكم بها النبيون) من بني إسرائيل وموسى ومن بعده فيما تتوافق فيه الشريعتان (الذين أسلموا) صفة مادحة (للذين هادوا والربانيون) الكاملون علما وعملا (والأحبار) العلماء (بما استحفظوا) بسبب الذي كلفهم الله حفظه عن التبديل (من كتاب الله) بيان لما (وكانوا عليه شهداء) أنه حق أو رقباء لئلا يبدل (فلا تخشوا الناس) أيها الحكام في حكوماتكم أو أيها اليهود في إظهار الحق (واخشون) في الحكومة أو كتمان الحق (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) رشوة أو جاها (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) للاستهانة ويأتي إن شاء الله وصفهم بالظلم لحكمهم بخلافه والفسق لخروجهم عنه والصفات الثلاث عامة وقيل في اليهود خاصة وقيل هذه في المسلمين والظالمون في اليهود والفاسقون في النصارى .
(وكتبنا عليهم فيها) فرضا على اليهود في التوراة (إن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص)

ذات قصاص إن أمكن وإلا فالأرش والحكم مقرر في شرعنا أيضا (فمن تصدق به) أي بالقصاص وعفا عنه (فهو كفارة له) للمصدق تكفر به ذنوبه أو للجاني يسقط ما لزمه (ومن لم يحكم بما أنزل الله) من الأحكام (فأولئك هم الظالمون) .
(وقفينا على ءاثارهم بعيسى بن مريم مصدقا لما بين يديه) قبله (من التوراة وءاتيناه الإنجيل فيه هدى ونور) حال (ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين) .
(وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) دلت الآية على اشتمال الإنجيل على الأحكام واستقلال شرع عيسى ونسخه لليهودية .
(وأنزلنا إليك الكتاب) القرآن (بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب) من جنس الكتب السماوية (ومهيمنا عليه) ورقيبا على سائر الكتب تشهد بصحتها ويحفظها عن التبديل (فاحكم بينهم بما أنزل الله) إليك (ولا تتبع أهواءهم) عادلا (عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم) أيها الأمم (شرعة) للدين (ومنهاجا) طريقا واضحا (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) على دين واحد لم ينسخ أبدا (ولكن ليبلوكم فيما ءاتاكم) من الشرائع المختلفة (فاستبقوا الخيرات) فابتدروها (إلى الله مرجعكم جميعا) استئناف يعلل فاستبقوا (فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) بالفصل بين محقكم ومبطلكم .
(وأن احكم بينهم بما أنزل الله) عطف على الكتاب أو الحق أي أنزلنا الكتاب وأن احكم، أو أنزلناه بالحق وأن احكم (ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك) أن يضلوك (عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا) عن الحكم المنزل (فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم) تنبيه على أن المجازاة بجميع الذنوب يكون في الآخرة كقوله ليذيقهم بعض الذي عملوا (وإن كثيرا من الناس لفاسقون) .
(أفحكم الجاهلية) من الميل والمداهنة (يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) أي عندهم واللام للتبيين أي هذا الاستفهام لقوم يوقنون.
فإنهم الذين يثبتون أن لا أحسن من الله حكما (يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) توادونهم وتعتمدون عليهم (بعضهم أولياء بعض) تعليل المنهي أي إنما يوالي بعضهم بعضا لاتخاذهم في الدين (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) حكمه حكمهم من أحب قوما فهو منهم وفيه تغليظ في وجوب مجانبتهم (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) لأنفسهم بموالاتهم الكفار .
(فترى الذين في قلوبهم مرض) شك ونفاق كابن أبي

(يسارعون فيهم) أي في موالاتهم (يقولون) معتذرين عنها (نخشى أن تصيبنا دائرة) من دوائر الزمان بأن ينقلب الأمر فتكون الدولة للكفار (فعسى الله أن يأتي بالفتح) بالنصر لرسوله على أعدائه (أو أمر من عنده) بقتلى اليهود وإجلائهم من ديارهم (فيصبحوا) أي المنافقين (على ما أسروا في أنفسهم) من الشك في أمر النبي وموالاتهم اليهود (نادمين) .
(ويقول الذين ءامنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم) يقول بعضهم لبعض تعجبا من حال المنافقين واغتباطا بما وفقوا به من الإخلاص أو يقولونه لليهود إذ حلف لهم المنافقون بالنصرة ونصب جهدا مصدرا أو حالا أي حلفوا يجتهدون جهد أيمانهم أي أغلظها فحذف الفعل ونابه المصدر فجاز تعليقها (حبطت أعمالهم) من القول أو قول الله أي بطلت أعمالهم التي تكلفوها رياء (فأصبحوا خاسرين) للدارين .
(يا أيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه) فلن يضر الله (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم) ويوفقهم لرضاه أو بحسن ثوابهم (ويحبونه) يطيعونه ولا يعصونه (أذلة على المؤمنين) عاطفين عليهم بتواضع (أعزة على الكافرين) أشداء عليهم من عزة إذا غلبه (يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) بتقلبهم في دينهم (ذلك) المذكور من الأوصاف (فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) وهؤلاء الموصوفون قيل هم أهل اليمن وقيل هم الفرس وقيل الأنصار والأصح ما روي عن أهل البيت (عليهم السلام) أنها في علي وأصحابه وقتالهم للناكثين والمارقين والقاسطين. وروي أنها في المهدي وأصحابه .
(إنما وليكم) الأولى بكم والمتولي أموركم (الله ورسوله والذين ءامنوا) وأفرد الولي إيذانا بأن الولاية لله تعالى أصالة ولغيره تبعا (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) نزلت في علي (عليه السلام) حين سأل سائل وهو راكع في صلاته فأومأ إليه بخنصره فأخذ خاتمه منها بإطباق أكثر المفسرين واستفاضة الروايات فيه من الجانبين وتدل على إمامته دون من سواه للحصر وعدم اتصاف غيره بهذه الصفات وعبر عنه بصيغة الجمع تعظيما أو لدخول أولاده الطاهرين .
(ومن يتول الله ورسوله والذين ءامنوا) يتخذهم أولياء (فإن حزب الله هم الغالبون) وضع موضع فإنهم إيذانا بأنهم حزبه أي أتباعه تفخيما لشأنهم واعتراضا بأضدادهم بأنهم حزب الشيطان .
(يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من) بيانية (الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله) في مناهيه (إن كنتم مؤمنين) .
(وإذ ناديتم) بالأذان (إلى الصلوة اتخذوها) أي الصلاة أو المناداة (هزوا ولعبا) سخرية وضحكة (ذلك) الاتخاذ (بأنهم) بسبب أنهم (قوم لا يعقلون) قيح الهزء بالحق .
(قل يا أهل الكتاب هل تنقمون) تنكرون (منا إلا أن ءامنا بالله وما أنزل إلينا) من القرآن (وما أنزل من

قبل) إلى الأنبياء (وأن أكثركم فاسقون) عطف على .
(أن ءامنا) أي ما تنكرون منا إلا مخالفتكم إذ دخلنا الإيمان وأنتم خارجون منه فالمستثنى لازم الأمرين وهو المخالفة أو بحذف مضاف أي واعتقاد أن أكثركم فاسقون أو على المجرور أي ما تنقمون منا إلا إيمانا بالله وبما أنزل إلينا وبأن أكثركم فاسقون (قل هل أنبئكم بشر من ذلك) المنقوم (مثوبة عند الله) ولعل ذكرها بدل العقوبة تهكم ونصب تمييزا (من لعنه الله وغضب عليه) لكفره (وجعل منهم القردة والخنازير) مسخوا أصحاب السبت قردة وكفار مائدة عيسى خنازير وقيل المسخان في أهل السبت مسخ شبانهم قردة وشيوخهم خنازير (وعبد الطاغوت) الشيطان بطاعته أو العجل بضم الباء وجر التاء على أنه وصف كحذر وبفتح الباء ونصب التاء عطفا على صلة من (أولئك) الملعونون (شر مكانا) تمييز كنى عن شرارتهم بشرارة مكانهم وهو سقر لأنه أبلغ (وأضل عن سواء السبيل) الطريق المستقيم .
(وإذا جاءوكم) أي منافقو اليهود (قالوا ءامنا وقد دخلوا) إليك متلبسين (بالكفر وهم قد خرجوا) من عندك متلبسين (به) ولم يؤثر فيهم وعظك والجملتان حال من فاعل قالوا (والله أعلم بما كانوا يكتمون) من الكفر .
(وترى كثيرا منهم) من اليهود (يسارعون في الإثم) الكذب أو الكفر (والعدوان) تعدي حدود الله (وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون لو لا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت) الحرام كالرشاء (لبئس ما كانوا يصنعون) ذم علمائهم على ترك نهيهم بأبلغ من ذمهم من حيث إن العمل أنما يسمى صنعا بعد التدرب فيه فيفيد أن ترك إنكار المعصية أقبح من ارتكابها .
(وقالت اليهود يد الله مغلولة) مقبوضة من الرزق روي أنهم كانوا أكثر الناس مالا فلما كذبوا النبي ضيق عليهم فقالوا ذلك، وغل اليد وبسطها كناية عن البخل والجود (غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا) دعاء عليهم بالبخل أو بغل الأيدي حقيقة بإغلال الأسر في الدنيا وإغلال النار في الآخرة (بل يداه مبسوطتان) في تثنية اليد أبلغ رد لإفادتها غاية الجود، إذ غاية ما يبذل الجواد أن يعطي بيديه.
أو إشارة إلى منح الدارين (ينفق كيف يشاء) من توسيع وتضييق وفق حكمته (وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك) أي يزدادون عند نزول القرآن بحسدهم (طغيانا) تماديا في الجحود (وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى (كلما أوقدوا نارا للحرب) مع النبي (أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا) أي للفساد باجتهادهم في المعاصي (والله لا يحب المفسدين).
(ولو أن أهل الكتاب ءامنوا) بمحمد (واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم) مع المؤمنين .
(ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل) عملوا بما فيهما (وما أنزل إليهم من ربهم) من سائر كتبه أو القرآن

(لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) أوسع عليهم الرزق بإفاضة من كل جهة أو بإنزال بركات السماء والأرض عليهم (منهم أمة مقتصدة) معتدلة لم يغالوا ولم يقصروا وهم من آمن بالرسول (وكثير منهم ساء ما يعملون) بئس عملهم أو شيء أو الذي يعملونه .
(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) جميعه لا تكتم منه شيئا خوف أحد (وإن لم تفعل) ذلك (فما بلغت رسالته) وقرىء رسالاته أي كأنك لم تؤد شيئا إذ كتمان البعض ككتمان الكل في استحقاق العقاب (والله يعصمك من الناس) يضمن لك العصمة منهم أن يقتلوك فما عذرك، عن أهل البيت وابن عباس وجابر: أن الله أوحى إلى نبيه أن يستخلف عليا فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه فنزلت فأخذ بيده فقال ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا بلى قال من كنت مولاه فعلي مولاه (إن الله لا يهدي القوم الكافرين) لا يمكنهم من إيصال مكروه إليك .
(قل يا أهل الكتاب لستم على شيء) يعتد به من الدين (حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم) من الكتب بالعمل بما فيها ومنه الإيمان واتباعي (وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين) لا تحزن عليهم .
(إن الذين ءامنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى) والصابئون مبتدأ نوى تأخيره وحذف خبره لدلالة خبر إن عليه أي والصابئون كذلك فهو كاعتراض يفيد أن الصابئين مع وضوح ضلالتهم يثاب عليهم إن صح إيمانهم وصلح عملهم فغيرهم أولى ولم يعطف على محل اسم إن لعدم مضي خبرها (من ءامن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا) مبتدأ خبره (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) والجملة خبر إن والرابط محذوف أي من آمن منهم أو خبرها فلا خوف ومن آمن بدل من اسمها وما عطف عليها .
(لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل) على الإيمان بالله وبرسله وبما جاءت به (وأرسلنا إليهم رسلا) لإرشادهم (كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم) من التكاليف (فريقا كذبوا وفريقا يقتلون) جواب الشرط محذوف أي استكبروا كما قال: كلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون وجملة (فريقا كذبوا) استيناف كأنه قيل فما يفعلون بالرسل فأجابهم بذلك وإنما جيء بيقتلون موضع قتلوا على حكاية الحال الماضية استفظاعا للقتل واستحضارا لتلك الحال الشنيعة .
(وحسبوا ألا تكون فتنة) أي ظن بنو إسرائيل أن لا يصيبهم بلاء وعذاب بتكذيبهم الأنبياء وقتلهم (فعموا) من الحق فلم يبصروه (وصموا) عن استماعه (ثم تاب الله عليهم) حين قتلوا أنفسهم (ثم عموا وصموا كثير منهم) بعد ما تاب الله عليهم وكثير بدل من الضمير (والله بصير بما يعملون) فيؤاخذهم به .
(لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) هم اليعقوبية القائلون بالإتحاد (وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم) فإني لست بإله بل عبد مربوب مثلكم (إنه من يشرك بالله)

في عبادة غيره (فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) أي ما لهم ناصر وعبر بالظاهر إيذانا بأنهم ظلموا بإشراكهم وهو من قول عيسى أو كلام الله .
(لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث) آلهة (ثلاثة) أي أحدها والآخران عيسى وأمه (وما) في الوجود (من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم) من للبيان وعدل عن وليمسنهم تكريرا للشهادة بكفرهم أو للتبعيض أي الذين بقوا منهم على الكفر لأن منهم من تاب (عذاب أليم) مؤلم .
(أفلا يتوبون إلى الله) مما هم فيه (ويستغفرونه) يوحدونه (والله غفور رحيم) ترغيب لهم .
(ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت) مضت (من قبله الرسل) فهو مثلهم ليس بإله (وأمه صديقة) بين غاية كمالهما وأنه لا يوجب إلهيتهما ثم بين نقصهما المنافي للألوهية بقوله (كانا يأكلان الطعام) ويحتاجان إليه كغيرهما (انظر كيف نبين لهم الآيات) الدالة على بطلان قولهم (ثم انظر أنى يؤفكون) كيف يصرفون عن تدبرها .
(قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا) يعني عيسى فإنه كسائر عباد الله لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا بتمليك الله فكيف لغيره، وعبر عنه بما تبعيدا له عن مرتبة الألوهية وقدم الضر لأن التحرز عنه أهم من تحري النفع (والله هو السميع) للأقوال (العليم) بالأحوال .
(قل يا أهل الكتاب لا تغلوا) لا تجاوزوا الحق (في دينكم) غلوا (غير الحق) فترفعوا عيسى وتجعلوه إلها أو تضعوه وتجعلوه لغير رشدة.
أو خطاب للنصارى فقط (ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا) عن الحق وهم أسلافهم (من قبل) قبل بعث محمد (وأضلوا كثيرا) تبعهم في ضلالهم (وضلوا) حين بعثه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فكذبوه (عن سواء السبيل) الطريق المستقيم أي الإسلام .
(لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم) لعن داود أهل أيلة حين اعتدوا في السبت فمسخوا قردة ولعن عيسى أصحاب المائدة حين كفروا فمسخوا خنازير (ذلك) اللعن (بما عصوا وكانوا يعتدون) بسبب عصيانهم واعتدائهم .
(كانوا لا يتناهون) لا ينهى بعضهم بعضا أو لا ينتهون (عن منكر فعلوه) عن معاودته أو عن مثله (لبئس ما كانوا يفعلون) قسم مؤكد لذم فعلهم .
(ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا) يوالون المشركين بغضا لك (لبئس ما قدمت لهم أنفسهم) من الزاد لمعادهم (أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون) .
(ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي) محمد أو موسى (وما أنزل إليه) القرآن أو التوراة (ما اتخذوهم أولياء) لمنع الإيمان ذلك (ولكن كثيرا منهم فاسقون) خارجون عن الإيمان .
(لتجدن أشد الناس عداوة للذين ءامنوا اليهود والذين أشركوا) لتضاعف كفرهم وفرط بغضهم للحق وحسدهم للنبي (ولتجدن أقربهم مودة للذين ءامنوا

الذين قالوا إنا نصارى) لميلهم إلى الإسلام (ذلك) أي قرب مودتهم (بأن) بسبب أن (منهم قسيسين ورهبانا) علماء وعبادا (وأنهم لا يستكبرون) عن اتباع الحق أو يتواضعون، قيل هم النجاشي وأصحابه هاجر إليهم جعفر بن أبي طالب وأصحابه ووصف لهم النبي ودينه وتلا عليهم سورة مريم فآمنوا .
(وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول) من القرآن (ترى أعينهم تفيض من الدمع) لرقة قلوبهم (مما عرفوا من الحق يقولون ربنا ءامنا) بنبيك وكتابك (فاكتبنا مع الشاهدين) بنبوته أو من أمته الشاهدين على الأمم يوم القيامة .
(وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين).
(فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين) الموحدين .
(والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) في ذكر أحوال المصدقين بالآيات وتعقيبه بحال المكذبين بها ترغيب وترهيب .
(يا أيها الذين ءامنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) مستلذاته لعله تعالى لما مدح النصارى على ترهبهم عقبه بالنهي عن الإفراط في ذلك، وروي أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) وصف القيامة فبالغ فهم قوم من الصحابة أن يلازموا الصيام والقيام ويجانبوا الفرش والنساء فيسيحوا في الأرض فبلغ ذلك النبي فقال: إني لم أومر بذلك إن لأنفسكم عليكم حقا فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم وآتي النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ونزلت (ولا تعتدوا) حدوده بتحريم الحلال وبالعكس (إن الله لا يحب المعتدين) .
(وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) .
(لا يؤاخذكم الله باللغو) الكائن (في أيمانكم) هو الحلف بلا قصد: كلا والله وبلى والله أو على ما أظن أنه كذلك ولم يكن أي لا يؤاخذكم به بعقاب ولا كفارة (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم) وثقتم (الأيمان) عليه إذا حنثتم، أو بنقض ما عقدتم وقرىء عاقدتم (فكفارته) كفارة نكثه (إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم) ويجزي الأعلى (أو كسوتهم) عطف على إطعام وهو مسماها كثوب يواري العورة وقيل ثوبان (أو تحرير رقبة) إعتاقها وظاهره إجزاء كل رقبة واشترط بعض إيمانها وأو للتخيير الواجب إحدى الخصال الثلاث مطلقا والتعيين للمكفر (فمن لم يجد) إحداها (فصيام ثلاثة أيام ذلك) المذكور (كفارة أيمانكم إذا حلفتم) وحنثتم (واحفظوا أيمانكم) أن تنكثوها (كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون) نعمه بتبيين الأحكام .
(يا أيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر) القمار (والأنصاب) الأصنام التي نصبت للعبادة (والأزلام) القداح التي يستقسمون بها (رجس) خبيث مستقذر (من عمل الشيطان) لأنه بتزيينه (فاجتنبوه) أي الرجس أو التعاطي (لعلكم تفلحون) باجتنابه أكد تحريم الخمر والميسر بحصرهما في الرجس وقرنهما بالأصنام

والأزلام وجعلهما من عمل الشيطان والأمر باجتنابهما وجعله من الفلاح وبيان مفاسدهما في الدنيا والدين .
(إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر) لما يحصل فيهما من الشرور والفتن (ويصدكم) بالاشتغال بهما (عن ذكر الله وعن الصلاة) وإنما خص الخمر والميسر بإعادة الذكر تنبيها على أنهما المقصودان بالبيان وأن الأنصاب والأزلام مذكوران بالتبع للدلالة على أنهما مثلهما وأفرد الصلاة بالذكر مع أن الذكر يعمها للإشعار بتعظيمها وبأنها عماد الدين وبأن الصاد عنها كالصاد عن الإيمان (فهل أنتم منتهون) عنهما بعد بيان ما فيهما من الصوارف وهو أبلغ من فانتهوا .
(وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا) عصيانهما (فإن توليتم) عن الطاعة (فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين) لا يضره توليكم وإنما يضركم .
(ليس على الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) من الحلال والمستلذات (إذا ما اتقوا) المحرم (وءامنوا وعملوا الصالحات) وثبتوا على الإيمان والعمل الصالح (ثم اتقوا وءامنوا) ثبتوا على التقوى والإيمان (ثم اتقوا) ثبتوا على اتقاء المعاصي (وأحسنوا) عملهم قيل لما نزل تحريم الخمر قالت الصحابة للنبي كيف إخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فنزلت.
وقيل في الذين تعاهدوا على ترك الطيبات (والله يحب المحسنين) يثيبهم ويكرمهم .
(يا أيها الذين ءامنوا ليبلونكم الله) في حال إحرامكم (بشيء من الصيد تناله أيديكم) كالبيض والفراخ (ورماحكم) هو كبار الصيد (ليعلم الله من يخافه بالغيب) ليتميز من يخاف عقابه غائبا في الآخرة فيتجنب الصيد ممن لا يخافه فيقدم عليه (فمن اعتدى) فصاد (بعد ذلك) الابتلاء (فله عذاب أليم) مر في إبهامه تشديدا لحال الصيد .
(يا أيها الذين ءامنوا لا تقتلوا الصيد) المحلل وبعض المحرم كالثعلب والأرنب والضب واليربوع والقنفذ والقمل (وأنتم حرم) جمع حرام بمعنى محرم (ومن قتله منكم متعمدا) ذاكرا للإحرام والحرمة ومثله الناسي والمخطىء، ذكر المتعمد لنزولها فيه وهو أبو البشر قتل حمار وحش برمحه محرما (فجزاء مثل ما قتل) أي فعليه جزاء مماثل ما قتله (من النعم) صفة للجزاء أو تفسير المثل (يحكم به) أي بمثل ما قتل (ذوا عدل منكم) مسلمان عادلان فقيهان يعرفان المماثل في الخلقة وقرأ الباقر والصادق ذو عدل وفسراه بالإمام (هديا) حال من الهاء في به أو من جزاء (بالغ الكعبة) صفة هديا أو إضافة لفظية، قيل بلوغه الكعبة: ذبحه في الحرم والتصدق به، وعندنا ذبحه بفناء الكعبة في الجزورة والتصدق به فيها للمعتمر وبمنى كذلك للحاج (أو كفارة) عطف على جزاء (طعام مساكين) عطف بيان أو خبر محذوف أي يكفر بإطعام مساكين ما يساوي قيمة الهدي (أو عدل) أو مساوي (ذلك) الطعام (صياما) تمييز عدل فيصوم عن طعام كل مسكين يوما (ليذوق وبال أمره) أي فعليه كذا ليذوق ثقل جزاء فعله (عفا الله عما سلف) من قتل الصيد محرما أول مرة

مع الجزاء أو قبل التحريم أو في الجاهلية (ومن عاد) إلى ذلك (فينتقم) فهو ممن ينتقم (الله منه) وعنهم (عليهم السلام): ليس عليه الكفارة إن أصابه ثانيا متعمدا بل هو ممن ينتقم الله منه وإن أصاب خطأ فعليه الكفارة وإن عاد مرارا (والله عزيز ذو انتقام) ممن عصاه .
(أحل لكم صيد البحر) مصيداته أن ينتفعوا به مما يؤكل ومما لا يؤكل (وطعامه) ما يطعم من صيده أي وأحل لكم المأكول منه وهو السمك أو المراد وأحل لكم صيد حيوان البحر وأن تطعموه (متاعا لكم) مفعول له أي تمتيعا لكم (وللسيارة) أي مسافريكم يتزودونه قديدا (وحرم عليكم صيد البر) ما صيد فيه مما يفرخ فيه (ما دمتم حرما) محرمين وإن صاده محل عندنا (واتقوا الله الذي إليه تحشرون) للجزاء .
(جعل الله الكعبة البيت الحرام) عطف بيان (قياما للناس) أي ما يقوم به أمر دينهم بحجة ودنياهم بأمن داخله وربح التجارة عنده وقرىء قيما مصدر قام (والشهر الحرام) لامه للجنس أي الأشهر الحرم الأربعة (والهدي والقلائد) فسرا في أول السورة (ذلك) الجعل (لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم) فإن من تأمل في أعمال الحج وشرائعه علم أن فيها حكما ومصالح لا تحصى وأن شارعها هو الحكيم الخبير .
(اعلموا أن الله شديد العقاب) لمن عصاه (وأن الله غفور) لمن تاب (رحيم) به .
(ما على الرسول إلا البلاغ) وقد فعل وقامت عليكم الحجة فلا عذر لكم في التفريط (والله يعلم ما تبدون وما تكتمون) من الأعمال فاحذروه .
(قل لا يستوي) عند الله (الخبيث والطيب) حرام المال وحلاله وصالح العمل وطالحه (ولو أعجبك) أيها السامع (كثرة الخبيث) فإن قليل الطيب خير من كثير الخبيث (فاتقوا الله) وأدوا ما هو خير (يا أولي الألباب لعلكم تفلحون) لتفوزوا بالثواب .
(يا أيها الذين ءامنوا لا تسئلوا عن أشياء) لم تبرز لكم (إن تبد لكم تسؤكم) تغمكم (وإن تسئلوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم) وإذا ظهرت غمتكم فلا تسألوا عنها (عفا الله عنها) عن مسألتكم التي سلفت فلا تعودوا (والله غفور) للذنوب (حليم) لا يعجل العقوبة .
(قد سألها) أي الأشياء بحذف عن أو المسألة بقرينة تسألوا (قوم من قبلكم) فأجيبوا ببيانها (ثم أصبحوا بها كافرين) أي بسببها إذ لم يقبلوها .
(ما جعل الله) رد لبدع الجاهلية أي ما شرع (من بحيرة) من مزيدة (ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) قيل كانوا إذا أنتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا أذنها أي شقوها وحرموا ركوبها وحلبها وكان الرجل يقول: إن قدمت فناقتي سائبة ويحرم منافعها كالبحيرة وإذا ولدت الشاة أنثى كانت لهم وإن ولدت ذكرا كانت لآلهتهم وإن ولدتهما لم يذبحوا الذكر لها إذا وصلته أخته وإذا أنتج من الفحل عشرة أبطن حرموا ظهره وقالوا: حمى ظهره ولم يمنع ماء ولا مرعى (ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب) بنسبة ذلك إليه (وأكثرهم لا يعقلون) أن ذلك افتراء لأنهم قلدوا كبارهم .

(وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا) من الدين وتمسكهم بالتقليد دليل نقص عقلهم (أولو) همزة إنكار دخلت على واو الحال أي حسبهم ذلك ولو (كان ءاباؤهم لا يعلمون شيئا) من الحق (ولا يهتدون) إليه .
(يا أيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم) الزموا صلاحها ونصب أنفسكم بعليكم لأنه اسم لالزموا (لا يضركم من ضل) أي الضلال (إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون) فيجازي كلا بعمله .
(يا أيها الذين ءامنوا شهادة بينكم) أي الأشهاد الذي شرع بينكم وأضيفت إلى الظرف اتساعا (إذا حضر أحدكم الموت) أي أسبأبه ظرف للشهادة (حين الوصية) بدل منه (اثنان) خبر شهادة بحذف مضاف أو فاعلها أي عليكم أن يشهد اثنان (ذوا عدل منكم) مسلمان وهما صفتان (أو آخران) عطف على اثنان وظاهره اعتبار عدالتهما في دينهما (من غيركم) من أهل الذمة ولا تسمع شهادتهم إلا في هذه القضية عندنا (إن أنتم ضربتم) سافرتم (في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت) أي قاربتم والجزاء محذوف دل عليه أو آخران (تحبسونهما) تقفونهما صفة آخران والشرط اعتراض يفيد أنه لا يعدل عن المسلمين إلا إذا تعذر مطلقا أو في سفر فقط (من بعد الصلاة) صلاة العصر كما روي لاجتماع الناس حينئذ أو أي صلاة (فيقسمان بالله إن ارتبتم) إن ارتاب الوارث وهو اعتراض يخصص القسم بحال الريبة (لا نشتري به) لا نستبدل بالقسم أو بالله (ثمنا) عوضا من الدنيا بأن يحلف به كاذبا لأجله (ولو كان) المقسم له (ذا قربى) قريبا منا (ولا نكتم شهادة الله) التي أمرنا بأدائها (إنا إذا لمن الآثمين) أي إن كتمنا .
(فإن عثر) اطلع (على أنهما استحقا إثما) بخيانة وتحريف (فآخران يقومان مقامهما) في الحلف (من الذين استحق عليهم) جيء عليهم وهم الورثة الأوليان الأحقان بالشهادة خبر محذوف أي هما (الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق) أصدق (من شهادتهما وما اعتدينا) وما تجاوزنا الحق فيها (إنا إذا) إذا اعتدينا (لمن الظالمين) أنفسهم .
(ذلك) الحكم المذكور (أدنى) أقرب إلى (أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا) أدنى إلى أن يخافوا (أن ترد أيمان بعد أيمانهم) على الورثة المدعين فيحلفوا على كذبهم فيفتضحوا (واتقوا الله) أن تكذبوا أو تخونوا (واسمعوا) وصية سماع قبول (والله لا يهدي القوم الفاسقين) الخارجين عن طاعته إلى حجته أو الجنة .
(يوم يجمع الله الرسل) ظرف لأذكر مضمرا (فيقول) لهم توبيخا لقومهم (ما ذا) في موضع المصدر أي إجابة (أجبتم قالوا) تشكيا وردا للأمر إلى علمه بما كابدوا منهم (لا علم لنا) بما أنت تعلمه أي لا حاجة إلى شهادتنا (إنك أنت علام الغيوب) .
(إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس)

جبرئيل أو ملك أعظم منه أو روحك المطهرة من الأدناس (تكلم الناس في المهد) طفلا (وكهلا) بلا تفاوت في كمال العقل (وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرىء الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني) فسر في آل عمران (وإذ كففت بني إسرائيل) اليهود (عنك) عن قتلك (إذ جئتهم بالبينات) المعجزات (فقال الذين كفروا منهم إن) ما (هذا) الذي جئت به (إلا سحر مبين) .
(وإذ أوحيت إلى الحواريين) أمرتهم على ألسنة رسلي (أن ءامنوا بي وبرسولي) أن مصدرية أو مفسرة (قالوا ءامنا واشهد بأننا مسلمون) مخلصون .
(إذ قال الحواريون) معمول لاذكر مضمرا (يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله) أن تقترحوا عليه (إن كنتم مؤمنين) كما ادعيتم .
(قالوا نريد) سؤالها من أجل (أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا) تسكن بزيادة اليقين (ونعلم أن) مخففة (قد صدقتنا) في ادعاء الرسالة (ونكون عليها من الشاهدين) لله بالوحدانية ولك بالرسالة عند من لم يحضرها .
(قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا) قال كان يوم نزولها يوم عيد الأحد (لأولنا) أهل زماننا بدل من لنا بإعادة الجار (وآخرنا) من يأتي بعدنا (وآية) كائنة (منك) على قدرتك (وارزقنا) إياها أو شكرها (وأنت خير الرازقين) .
(قال الله) مجيبا لهم (إني منزلها) بالتخفيف والتشديد (عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه) الهاء للمصدر (أحدا من العالمين) فنزلت الملائكة بها عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات فأكلوا منها، وروي أنها كانت تنزل فيأكلون منها ثم ترفع فمنع مترفوهم سفلتهم منها فرفعت ببغيهم ومسخوا قردة وخنازير .
(وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك) تنزيها لك أن يكون لك شريك (ما يكون) ما ينبغي (لي أن أقول ما ليس لي بحق) أن أقول قولا لا يحق لي أن أقوله (إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) أي معلوماتك وذكر النفس للمشاكلة (إنك أنت علام الغيوب) يقرر الجملتين منطوقا ومفهوما .
(ما قلت لهم إلا ما أمرتني به) أقر بأنه عبد مأمور (أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا) رقيبا أمنعهم أن يقولوا ذلك (ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم) تحفظ أعمالهم وتطلع على حالهم (وأنت على كل شيء شهيد) مطلع عالم به .
(إن تعذبهم فإنهم عبادك) الأحقاء بالعذاب إذ عبدوا غيرك (وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) المنيع القادر على الثواب والعقاب بمقتضى الحكم .
(قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم) بعملهم (ورضوا عنه) بثوابه (ذلك) أي ما عدد من النفع هو (الفوز العظيم) إذ فيه سعادة الأبد .
(لله ملك السموات والأرض وما فيهن) من ذلك عيسى وأمه وغلب غير العقلاء لفرط بعدهم عن رتبة الألوهية (وهو على كل شيء قدير).




سورة الأنعام

(6) (سورة الأنعام) مائة وخمس وستون (165)
وقيل إلا (وما قدروا الله) الآيات الثلاث و(قل تعالوا) الثلاث.
بسم الله الرحمن الرحيم
(الحمد لله الذي خلق السموات والأرض) أي أوجدهما بمقدار تقتضيه الحكمة (وجعل الظلمات والنور) جمعت دونه لكثرة أسبأبها إذ لكل جرم ظل وقدمت لتقدم العدم على الملكة (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) عطف على الحمد لله أي هو حقيق بالحمد على ما خلق للعباد ثم الذين كفروا به يعدلون عنه .
(هو الذي خلقكم) ابتداء خلقكم (من طين) إذ خلق عنه أصلكم آدم (ثم قضى أجلا) أجل الموت أو ما بين الخلق والموت (وأجل مسمى عنده) أجل القيامة أو ما بين الموت والبعث، وعنهم (عليهم السلام) ما حاصله قضا أجلا محتوما لموتكم لا يتقدم ولا يتأخر وأجل مسمى عنده يمحوه ويثبته (ثم أنتم تمترون) تشكون استبعاد لشكهم في البعث فإن القادر على الابتداء على الإعادة أقدر .
(وهو الله في السموات وفي الأرض) أي المعبود فيها كذلك هو الله في كل مكان (يعلم سركم وجهركم) تقرير له (ويعلم ما تكسبون) من خير وشر فيجازيكم به .
(وما تأتيهم من ءاية من ءايات ربهم) حجة من حججه المعجزات كآيات القرآن وغيرها ومن الأولى مزيدة والثانية للتبعيض (إلا كانوا عنها) أي عن النظر فيها (معرضين) لم يلتفتوا إليه .
(فقد كذبوا بالحق) بالقرآن (لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون) عند حلول العذاب بهم في الدنيا والآخرة .
(ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن) كثيرا من كل طبقة (مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم) أعطيناهم ما لم نعطكم (وأرسلنا السماء) السحاب أو المطر (عليهم مدرارا) غزيرا (وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم) تحت مساكنهم (فأهلكناهم بذنوبهم) ولم يغن ذلك عنهم شيئا (وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين) مكانهم فاحذروا أن يفعل ذلك بكم .
(ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس) مكتوبا في ورق كما اقترحوه (فلمسوه بأيديهم) أبلغ في نفي الريب من عاينوه وذكر الأيدي للتأكيد (لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين) تعنتا وعنادا .
(وقالوا لو لا) هلا (أنزل عليه ملك) نعاينه فنصدقه (ولو أنزلنا ملكا) كما اقترحوه فلم يؤمنوا (لقضي الأمر) لحق إهلاكهم بمقتضى الحكمة (ثم لا ينظرون) لا يمهلون بعد ذلك كعادة الله فيمن قبلهم بأنه تعالى إذا أوجد مقترح قوم ثم كذبوا بعد ذلك يهلكهم .
(ولو جعلناه) أي الذي طلبوه جواب ثان أو الرسول فهو جواب اقتراح آخر كقولهم لو شاء ربنا لأنزل ملائكة (ملكا) يعاينوه
(لجعلناه رجلا) على صورة رجل كما مثل جبرائيل في صورة دحية الكلبي غالبا إذ لم يقدروا أن يروا الملك بصورته (وللبسنا) أي لو جعلناه رجلا لخلطنا (عليهم ما يلبسون) ما يخلطون على أنفسهم فيقولون ما هذا إلا بشر مثلكم وهذا من قبيل قوله تعالى: في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا .
(ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق) فأحاط (بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون) أي جزاؤه من العذاب وهو تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
(قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين) كيف أهلكوا لتعتبروا بالنظر في أحوالهم .
(قل لمن ما في السموات والأرض) ملكا وخلقا سؤال تبكيت (قل لله) إذ لا جواب غيره بالاتفاق (كتب) أوجب (على نفسه الرحمة) التي منها اللطف بكم بنصب الأدلة على توحيده في الدنيا وإثابة مطيعكم في الآخرة (ليجمعنكم) قسم للوعيد على إشراكهم وترك النظر (إلى يوم القيامة) أي فيه أو مبعوثين إليه فيجازيكم بعملكم (لا ريب فيه) في اليوم (الذين خسروا أنفسهم) أهلكوها بتعريضها للعقاب لاختيارهم الكفر نصب ذما أو رفع خبرا أي أنتم الذين أو مبتدأ خبره (فهم لا يؤمنون) .
(وله ما سكن في الليل والنهار) من السكنى أي ما حل ما فيهما أو من السكون أي ما سكن وتحرك فاكتفى بأحدهما عن الآخر (وهو السميع) لكل صوت (العليم) بكل شيء .
(قل أغير الله أتخذ وليا) معبودا قدم لفظ غير وولي الهمزة لأن الإنكار لاتخاذ غير الله وليا لا اتخاذ الولي (فاطر السموات والأرض) مبدعهما (وهو يطعم ولا يطعم) يرزق ولا يرزق وخص الطعام لشدة الحاجة إليه (قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم) لله من أهل عصري (ولا تكونن) أي قيل لي لا تكونن (من المشركين).
(قل إني أخاف إن عصيت ربي) كما عصيتموه بعبادة غيره (عذاب يوم عظيم) .
(من يصرف عنه) العذاب (يومئذ فقد رحمه) نجاه وأثابه (وذلك) الرحم (الفوز المبين) .
(وإن يمسسك الله بضر) ببلاء كفقر ومرض (فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير) كغنى وصحة (فهو على كل شيء قدير) ومنه إدامته فلا يقدر أحد على رفعه .
(وهو القاهر فوق عباده) بالقدرة والغلبة (وهو الحكيم) في تدبيرهم (الخبير) بهم .
(قل أي شيء أكبر شهادة) تمييز نزلت حين قالوا له (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن أهل الكتاب أنكروك فأرنا من يشهد برسالتك (قل الله) أي الله أكبر شهادة (شهيد بيني وبينكم) خبر محذوف أو الله ويلزمه أنه أكبر شهادة (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) عطف على مفعول أنذركم أي ولأنذر سائر من بلغه إلى يوم القيامة (أإنكم لتشهدون أن مع الله ءالهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون) .
(الذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه) أي محمدا بنعته في كتابهم.

(كما يعرفون أبناءهم) بغير اشتباه (الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون) .
(ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) بنسبة الشريك إليه (أو كذب بآياته) كالقرآن (إنه لا يفلح الظالمون).
(ويوم نحشرهم جميعا) عامل اليوم محذوف أي ويوم نحشرهم كان كيت وكيت (ثم نقول للذين أشركوا) توبيخا (أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون) أنهم شركاء .
(ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) الفتنة الكفر أي لم تكن عاقبة كفرهم الذي لزموه طول أعمارهم وافتخروا به إلا التبرؤ منه .
(أنظر كيف كذبوا على أنفسهم) بنفي الشريك عنها (وضل) غاب (عنهم ما كانوا يفترون) من الشركاء .
(ومنهم من يستمع إليك) حين تقرأ القرآن (وجعلنا على قلوبهم أكنة) أغطية كراهة (أن يفقهوه وفي ءاذانهم وقرا) ثقلا مانعا عن قبوله عقوبة لإصرارهم على الكفر أو كناية عن منع اللطف لسوء أفعالهم (وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها) عنادا وتقليدا (حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن) ما (هذا إلا أساطير الأولين) أكاذيبهم أي إن تكذيبهم الآيات بلغ إلى أنهم يجادلونك فيجعلون أصدق الحديث خرافات الأولين .
(وهم ينهون عنه) عن القرآن أو الرسول وإثباته (وينأون) يتباعدون (عنه وإن يهلكون) بذلك (إلا أنفسهم وما يشعرون) أن ضرر ذلك وبال عليهم .
(ولو ترى) يا محمد أو أيها الرائي (إذ وقفوا على النار) أروها أو اطلعوا عليها أو أدخلوها لرأيت أمرا هائلا (فقالوا يا ليتنا نرد) إلى الدنيا (ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) للإضراب عن إرادة الإيمان المتمنى .
(بل بدا) ظهر (لهم ما كانوا يخفون من قبل) من الكفر أو القبائح بشهادة جوارحهم فتمنوا ذلك (ولو ردوا) إلى الدنيا (لعادوا لما نهوا عنه) من الكفر (وإنهم لكاذبون) في وعدهم بالإيمان .
(وقالوا إن هي) أي الحياة (إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين) .
(ولو ترى إذ وقفوا على ربهم) على جزائه أو عرفوه حق التعريف أو مجاز عن حبسهم للسؤال لرأيت أمرا عظيما (قال) توبيخا لهم (أليس هذا) البعث أو الجزاء (بالحق قالوا بلى وربنا) أكدوا إقرارهم بالقسم لوضوح الأمر (قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) بكفركم .
(قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله) بالبعث وما يتبعه (حتى إذا جاءتهم

الساعة بغتة) فجأة حال أو مصدر (قالوا يا حسرتنا) احضري فهذا أو إنك (على ما فرطنا فيها) في الدنيا أو في الساعة أو في شأنها (وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم) كما اعتيد حمل الأثقال على الظهور (ألا ساء ما يزرون) بئس شيئا يحملونه حملهم .
(وما الحياة الدنيا) أي أعمالها (إلا لعب ولهو) اشتغال بما لا يعقب نفعا (وللدار الآخرة خير للذين يتقون) المعاصي أو الله وقرىء ولدار الآخرة (أفلا تعقلون) بالياء والتاء .
(قد نعلم إنه) أي الشأن (ليحزنك الذي يقولون) كقولهم ساحر كذاب (فإنهم لا يكذبونك) بقلوبهم أو بالحقيقة وقرىء لا يكذبونك من أكذبه أي وجده كاذبا أو نسبة إلى الكذب كما عن علي والصادق (عليهما السلام) (ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) وضع موضع ولكنهم إيذانا بأنهم ظلموا بجحودهم القرآن والباء لتضمن الجحود معنى التكذيب .
(ولقد كذبت رسل من قبلك) تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) (فصبروا على ما كذبوا وأوذوا) ما مصدرية (حتى أتاهم نصرنا) فتأس بهم فاصبر حتى يأتيك نصرنا (ولا مبدل لكلمات الله) لمواعيده بنصر رسله (ولقد جاءك من نبإى المرسلين) بعض قصصهم .
(وإن كان كبر) عظم (عليك إعراضهم) عن دينك (فإن استطعت أن تبتغي نفقا) سربا (في الأرض أو سلما) مصعدا (في السماء فتأتيهم بآية) فافعل أي إنك لا تستطيع ذلك ولو استطعت لفعلت حرصا على إسلامهم (ولو شاء الله) جبرهم (لجمعهم على الهدى) بإلجاء لكن لم يفعل لمنافاته الحكمة (فلا تكونن من الجاهلين) بذلك .
(إنما يستجيب) إلى الإيمان (الذين يسمعون) وهؤلاء كالموتى لا يسمعون (والموتى يبعثهم الله) من قبورهم (ثم إليه يرجعون) للجزاء فيستمعون حينئذ ولكن لا ينفعهم .
(وقالوا لو لا) هلا (نزل عليه آية من ربه) غير هذه الآيات (قل إن الله قادر على أن ينزل) بالتشديد والتخفيف (آية) يلجئهم إلى الإيمان أو يهلكون بجحودها (ولكن أكثرهم لا يعلمون) أن إنزالها وبال أمرهم .
(وما من) مزيدة (دابة) تدب (في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه) في الجو صفة لدفع مجاز السرعة (إلا أمم أمثالكم) في كسب أرزاقها وآجالها وأحوالها والقادر المدبر لذلك قادر على إنزال الآية (ما فرطنا) ما تركنا (في الكتاب من شيء) في اللوح أو القرآن (ثم إلى ربهم يحشرون) فيقتص حتى للجماء من القرناء .
(والذين كذبوا بآياتنا) القرآن وغيره (صم) عن سماع الآيات (وبكم) عن النطق بالحق (في الظلمات) أي الكفر أو الجهل (ومن يشإ الله يضلله) يخذله بسوء اختياره (ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) يلطف به لأنه أهل اللطف .
(قل أرأيتكم) أي أخبروني (إن أتاكم عذاب الله) في الدنيا (أو أتتكم الساعة) وهو لها من تدعون.

(أغير الله تدعون) تبكيت (إن كنتم صادقين) أن الأصنام آلهة فادعوها .
(بل إياه تدعون) لا غير (فيكشف ما تدعون إليه) الذي تدعونه إلى كشفه (إن شاء) كشفه (وتنسون) تتركون (ما تشركون) به من آلهتكم فلا تدعونها إذ لا نفع لغيره .
(ولقد أرسلنا) رسلا (إلى أمم من قبلك) فكذبوهم (فأخذناهم بالبأساء والضراء) بالفقر والمرض (لعلهم يتضرعون) يتذللون لنا فيؤمنون .
(فلو لا) فهلا (إذ جاءهم بأسنا) عذابنا (تضرعوا) أي لم يتضرعوا مع وجود الداعي (ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) فذلك الذي منعهم عن التضرع .
(فلما نسوا ما ذكروا) وعظوا (به) من البأساء والضراء فلم يتعظوا (فتحنا) بالتخفيف والتشديد (عليهم أبواب كل شيء) من أصناف النعم امتحانا لهم بالشدة والرخاء لتلزمهم الحجة أو استدراجا لهم (حتى إذا فرحوا بما أوتوا) من النعم وبطروا ولم يشكروا (أخذناهم) بالعذاب (بغتة فإذا هم مبلسون) آيسون متحسرون .
(فقطع دابر) آخر (القوم الذين ظلموا) أي استؤصلوا (والحمد لله رب العالمين) على إهلاكهم فإنه نعمة تحمد .
(قل أرأيتم) أخبروني (إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم) أصمكم وأعماكم (وختم على قلوبكم) أذهب عقلها بالتغطية عليها (من إله غير الله يأتيكم به) أي بما أخذ وختم عليه (انظر كيف نصرف الآيات) نبينها أو نوجهها حججا عقلية وترغيبا وترهيبا وتذكيرا بمن مضى (ثم هم يصدفون) يعرضون عنها بعد ظهورهما .
(قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة) فجأة بلا أمارة قبله (أو جهرة) أي تسبقه أمارتها أو ليلا ونهارا (هل يهلك) أي ما يهلك به هلاك سخط (إلا القوم الظالمون) الكافرون .
(وما نرسل المرسلين إلا مبشرين) من آمن بالجنة (ومنذرين) من كفر بالنار (فمن ءامن وأصلح) عمله (فلا خوف عليهم) من النار (ولا هم يحزنون) بفوت الجنة .
(والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون) بخروجهم عن الطاعة .
(قل لا أقول لكم عندي خزائن الله) مقدوراته أو مرزوقاته (ولا) إني (أعلم الغيب) السموات ما لم يوح إلي (ولا أقول لكم إني ملك) من الملائكة أقدر على مقدورهم (إن أتبع إلا ما يوحى إلي) أي لم أدع ما يسبقه من إلهية وملكية بل أدعي النبوة وهي من كمالات البشر (قل هل يستوي الأعمى والبصير) الجاهل والعالم أو الكافر والمؤمن (أفلا تتفكرون) فتعلموا الحق أو فتؤمنوا .

(وأنذر به) أي بالذي يوحى (الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم) من عصاة المؤمنين أو كل مقر بالبعث من مسلم أو كتابي أو مجوز له ولو متردد (ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع) حال من يحشروا (لعلهم يتقون) كي يخافوا ويتوبوا .
(ولا تطرد الذين يدعون ربهم) يعبدونه (بالغداة والعشي) بالدوام في صلاة الصبح والعصر (يريدون وجهه) حال أي يدعونه مخلصين فيه رد على المشركين القائلين أنؤمن لك واتبعك الأرذلون وطعنوا في إيمان الفقراء وقالوا إن إيمانهم إنما هو للطمع من المال والرفعة وسألوا رسول الله أن يطردهم فنزلت (ما عليك من حسابهم من شيء) فتستحقر أعمالهم أو تطعن في إيمانهم (وما من حسابك عليهم من شيء) أي كما أن حسابك ليس عليهم وإنما ذكر هذا استطرادا لتكون الجملتان بمنزلة قوله ولا تزر وازرة وزر أخرى (فتطردهم) جواب النفي (فتكون من الظالمين) جواب النهي والمخاطب بالآية الرسول، والمراد توبيخ المشركين والآية نظير قوله تعالى قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون وما أنا بطارد المؤمنين .
(وكذلك) الفتن (فتنا) ابتلينا (بعضهم ببعض) الغني والشريف بالفقير والوضيع بأن وفقناه للسبق بالإيمان (ليقولوا) أي الأغنياء إنكارا واللام للعاقبة أو للعلة بتضمين فتنا معنى خذلنا (أهؤلاء) الفقراء (من الله) أنعم (عليهم) بالتوفيق للخير (من بيننا) دوننا ونحن الرؤساء وهم الضعفاء لو كان خيرا ما سبقونا إليه (أليس الله بأعلم بالشاكرين) فيوفقهم .
(وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة) نزلت فيمن أذنب ثم تاب (أنه) بدل من الرحمة وعلى الكسر استئناف (من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح) بالتدارك (فأنه غفور رحيم) به .
(وكذلك) التفصيل (نفصل الآيات) نبين آيات القرآن ليظهر الحق (ولتستبين سبيل المجرمين) بالتاء خطابا للنبي وبالياء .
(قل إني نهيت) عن (أن أعبد الذين تدعون) تعبدونهم أو تسمونهم آلهة (من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا) إن اتبعت أهواءكم (وما أنا من المهتدين) تعريض بهم .
(قل إني على بينة) حجة واضحة (من ربي) من معرفته أو كائنة منه (وكذبتم به) بربي حيث أشركتم به أو بالبينة بمعنى القرآن (ما عندي ما تستعجلون به) من العذاب (إن الحكم إلا لله) في عذاب وغيره (يقص) القصص (الحق) وقرىء يقضي الحق (وهو خير الفاصلين) القاضين .
(قل لو أن عندي) في قدرتي (ما تستعجلون به) من العذاب (لقضي الأمر بيني وبينكم) بأن أهلككم فأستريح ولكنه من عند الله (والله أعلم بالظالمين) وبما توجبه الحكمة من أخذهم وإمهالهم .
(وعنده مفاتح الغيب) ما يتوصل به إليه مستعار من المفاتيح جمع مفتح بكسر الميم وهو المفتاح أي هو المتوصل إليه وحده أو خزائنه جمع مفتح بالفتح وهو المخزن (لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة)

من شجرة (إلا يعلمها) حال سقوطها وقبله وبعده (ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس) عطف على ورقة (إلا في كتاب مبين) هو علمه تعالى أو اللوح والاستثناء بدل كل من الاستثناء قبله أو بدل اشتمال منه .
(وهو الذي يتوفاكم بالليل) بقبض أرواحكم عند النوم كما قال يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها (ويعلم ما جرحتم) ما كسبتم (بالنهار ثم يبعثكم فيه) يوفقكم في النهار (وليقضى أجل مسمى) ليستوفي المستيقظ أجله المضروب له في الدنيا (ثم إليه مرجعكم) بالموت أو البعث (ثم ينبئكم بما كنتم تعملون) بمجازاتكم به .
(وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة) ملائكة تحصي أعمالكم وفيه لطف للعباد لأنهم إذا علموا أن أعمالهم تكتب وتعرض في القيامة كان أزجر عن الذنب (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا) ملك الموت وأعوانه وقرىء توفاه (وهم لا يفرطون) لا يقصرون فيما أمروا به .
(ثم ردوا إلى الله) إلى حكمه (مولاهم) المتولي أمرهم (الحق) الثابت العدل في حكمه (ألا له الحكم) يومئذ لا لغيره (وهو أسرع الحاسبين) يحاسبهم بمقدار لمح البصر لا يشغله حساب عن حساب .
(قل من ينجيكم) بالتشديد والتخفيف (من ظلمات البر والبحر) شدائدهما يقال لليوم الشديد مظلم وذو كواكب (تدعونه) حال (تضرعا وخفية) علانية وسرا حالان أو مصدران (لئن أنجانا) وقرىء أنجينا (من هذه) الظلمات (لنكونن من الشاكرين) .
(قل الله ينجيكم) بالتخفيف والتشديد (منها ومن كل كرب) سواها (ثم أنتم تشركون) به ولا تشكرون .
(قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم) هو الدخان والصيحة أو الطوفان والريح والحجارة (أو من تحت أرجلكم) وهو الخسف والغرق (أو يلبسكم شيعا) يخلطكم فرقا مختلفي الأهواء (ويذيق بعضكم بأس بعض) يقتل بعضكم بعضا (انظر كيف نصرف الآيات) نبين الدلائل (لعلهم يفقهون) يميزون الحق من الباطل .
(وكذب به) بالقرآن أو العذاب (قومك وهو الحق) الصدق أو الثابت الوقوع (قل لست عليكم بوكيل) فأحفظكم من التكذيب أو أجازيكم إنما أنا منذر .
(لكل نبإى) خبر ومنه عذابكم (مستقر) وقت استقرار وحصول (وسوف تعلمون) ما يحل بكم تهديد لهم .
(وإذا رأيت الذين يخوضون في ءاياتنا) بالطعن والاستهزاء بها (فأعرض عنهم) فلا تقعد معهم (حتى يخوضوا في حديث غيره) غير الخوض فيها (وإما) هي إن الشرطية أدغمت في ما الزائدة (ينسينك) بالتخفيف والتشديد (الشيطان) بوسوسة مجالسهم ولا يلزم نسيانه (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأن فرض الإنساء لا يستلزم وقوعه أو خوطب (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمراد غيره

(فلا تقعد بعد الذكرى) ذكرك النهي (مع القوم الظالمين) أي معهم، وأقيم الظاهر مقامه إيذانا بظلمهم بوضع الاستهزاء موضع التعظيم .
(وما على الذين يتقون) ما يلزمهم بمجالسة الخائضين (من حسابهم) مما يحاسبون عليه من القبائح (من شيء ولكن ذكرى) عليهم أن يذكروهم ذكرى ويبصرونهم ما استطاعوا (لعلهم يتقون) نزلت لما قال المسلمون إن كان كلما استهزأ المشركون قمنا وتركناهم فلا ندخل إذا المسجد الحرام .
(وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا) تهاونوا به أي أعرض عنهم ولا تبال بهم (وغرتهم الحياة الدنيا) فألهتهم عن العقبى (وذكر به) بالقرآن (أن تبسل نفس) مخافة أن تسلم إلى الهلكة (بما كسبت) بسوء عملها (ليس لها من دون الله ولي) ناصر (ولا شفيع) ينجيها من العذاب (وإن تعدل كل عدل) تفد كل فداء أو نصب كل مصدرا (لا يؤخذ منها) المسند إليه منها لا ضمير المصدر بخلاف ولا يؤخذ منها عدل أي فدية (أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا) أسلموا للهلكة بسوء عملهم (لهم شراب من حميم) ماء يغلي حار (وعذاب أليم) هو النار (بما كانوا يكفرون) بكفرهم .
(قل أندعوا) أنعبد (من دون الله ما لا ينفعنا) إن عبدناه (ولا يضرنا) إن تركناه (ونرد على أعقابنا) ونرجع إلى الشرك (بعد إذ هدانا الله) بالتوفيق للإسلام (كالذي) مشبهين الذي أو ردا كرد الذي (استهوته الشياطين) ذهبت به المردة من هوى أي ذهب (في الأرض) جعلته مردة الجن تائها في المفازة التي لا ماء فيها (حيران) متحيرا لا يدري كيف يصنع (له) المستهوى (أصحاب) رفقاء (يدعونه إلى الهدى) أي يدعونه إلى طريق الحق يقولون له (ائتنا) فيعرض عنهم فيهلك (قل إن هدى الله) أي الإسلام (هو الهدى) وحده (وأمرنا لنسلم) وقد أمرنا بالإسلام (لرب العالمين) أو أمرنا بذلك لنسلم، واللام بمعنى الباء أو للتعليل .
(وأن أقيموا الصلوة واتقوه) عطف على لنسلم أي لإقامتها أو بإقامتها (وهو الذي إليه تحشرون) بعد الموت للجزاء .
(وهو الذي خلق السموات والأرض) قائما (بالحق) والحكمة (ويوم يقول كن فيكون) خبر لقوله (قوله الحق) أي تكوينه الحق والحكم حين تكون الأشياء وقيل نصب عطفا على السموات أو الهاء في اتقوه (وله الملك) مختص به (يوم ينفخ في الصور) قرن من نور التقمه إسرافيل ينفخ فيه وفيه بعدد كل إنسان ثقب فيها روحه (عالم الغيب والشهادة) ما غاب وما شوهد (وهو الحكيم) في أفعاله (الخبير) بكل شيء .
(وإذ قال إبراهيم لأبيه ءازر) هو عمه والعم يدعى أبا، وأبوه تارخ إجماعا (أتتخذ أصناما ءالهة) نكر أصناما للتحقير والاستفهام للتوبيخ (إني أراك وقومك في ضلال) عن الحق (مبين وكذلك) التبصير (نري إبراهيم) تبصرة (ملكوت السموات والأرض) ملكهما والتاء للمبالغة روي كشط له

عن الأرضين حتى رآهن وما تحتهن وعن السموات حتى رآهن وما فيهن من الملائكة وحملة العرش (وليكون من الموقنين) .
(فلما جن عليه الليل رءا كوكبا) أي الزهرة أو المشتري (قال هذا ربي) على طريق الإنكار أو على طريق من ينصف خصمه مع علمه أنه مبطل فيحكي قوله ثم يظهر بطلانه ليكون أدعى إلى الحق (فلما أفل) غاب (قال لا أحب الآفلين) أن أتخذهم أربابا لأن الأفول من صفات المحدث .
(فلما رءا القمر بازغا) طالعا (قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي) بلطفه وتوفيقه (لأكونن من القوم الضالين) تعريض بضلال قومه بعبادة المصنوع .
(فلما رءا الشمس بازغة قال هذا ربي) ذكر المبتدأ لتذكير الخبر (هذا أكبر) من الأولين (فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون) بالخالق من الأجرام المخلوقة المحتاج إلى محدث يحدثها .
(إني وجهت وجهي) نفسي وعبادتي (للذي فطر السموات والأرض) خلقهما وهو الله (حنيفا) مائلا إلى توحيده (وما أنا من المشركين) .
(وحاجه قومه) جادلوه في التوحيد (قال أتحاجوني في الله) في وحدانيته (وقد هدان) إلى توحيده (ولا أخاف ما تشركون به) من آلهتكم أن تضرني إذ لا تضر ولا تنفع (إلا أن يشاء ربي شيئا) من سوء يصيبني من جهتها (وسع ربي كل شيء) أحاط به (علما أفلا تتذكرون) فتميزوا الحق من الباطل .
(وكيف أخاف ما أشركتم) ولا يضر ولا ينفع (ولا تخافون أنكم أشركتم) أي إشراككم (بالله) الخالق القادر على الضرر والنفع (ما لم ينزل به) بإشراكه (عليكم سلطانا) حجة وهو آلهتكم المخلوقة العاجزة (فأي الفريقين) من الموحدين والمشركين (أحق بالأمن إن كنتم تعلمون) من أولي العلم .
(الذين ءامنوا ولم يلبسوا) ولم يخلطوا (إيمانهم بظلم) بشرك وشك (أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) من تمام قوم إبراهيم .
(وتلك حجتنا ءاتيناها إبراهيم) ألهمناه إياها (على قومه نرفع درجات) في العلم والحكمة (من نشاء إن ربك حكيم عليم) .
(ووهبنا له إسحق ويعقوب كلا) منهما أو منهم (هدينا ونوحا هدينا من قبل) قبل إبراهيم (ومن ذريته) الهاء لنوح لقربه ولأن يونس ولوطا ليسا من ذرية إبراهيم وقيل لإبراهيم ومن ذكر في الآية الثالثة عطف على نوحا (داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك) أي كما جزيناهم (نجزي المحسنين) .
(وزكريا ويحيى وعيسى) نسب الله عيسى إلى إبراهيم من قبل أمه فيدل على شمول الذرية لأولاد البنت كالحسنين (عليهما السلام) وأنهما ذرية النبي حقيقة (وإلياس كل) منهم (من الصالحين) عملا .
(وإسماعيل) ابن إبراهيم (واليسع) ابن أخطوب (ويونس) ابن متى (ولوطا) ابن هاران أخي إبراهيم وقيل ابن خالته (وكلا) منهم (فضلنا على

العالمين) عالمي زمانهم بالنبوة .
(ومن ءابائهم وذرياتهم وإخوانهم) عطف على كلا ومن للتبعيض لأن بعضهم ليس نبيا أو على نوحا ويلزم أن يكون في والديهم من ليس بمهدي لجواز أن يراد ببعض آبائهم من عدا العمومة لأن أب العم أب (واجتبيناهم) اصطفيناهم (وهديناهم إلى صراط مستقيم) كرر لبيان ما هدوا إليه من الدين الحق .
(ذلك) الهدى الذي منحوه (هدى الله يهدي به من يشاء من عباده) ممن يعلمه أهلا له (ولو أشركوا) هؤلاء الأنبياء مع فضلهم وعلو شأنهم (لحبط ما كانوا يعملون) كما يحبط عمل غيرهم لو أشرك .
(أولئك الذين ءاتيناهم الكتاب) جنسه (والحكم) الحكمة أو الفصل الحق (والنبوة) فإن يكفر بها بهذه الثلاثة (هؤلاء) أي أهل مكة (فقد وكلنا بها) بمراعاتها (قوما ليسوا بها بكافرين) وهم الأنبياء المذكورون أو الملائكة أو من آمن بالنبي .
(أولئك) الأنبياء (الذين هدى الله فبهداهم) بطريقهم من التوحيد والصبر والتبليغ (اقتده) الهاء للسكت (قل لا أسألكم عليه) على التبليغ أو القرآن (أجرا) كما لم يسأل الأنبياء قبلي وهذا مما يقتدى بهم فيه (إن هو) ما التبليغ أو القرآن (إلا ذكرى) عظة (للعالمين) للثقلين .
(وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء) ما عرفه اليهود حق معرفته حين أنكروا الرسل والوحي إذ من عرف الله أنه قادر حكيم لم يخلق الخلق عبثا وأنهم إليه راجعون ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى لزمه أن يقر بأنه يبعث إليهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة (قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا) وقرىء الأفعال الثلاثة بالياء وهو إلزام لهم وذم على تفريقهم التوراة في ورقات وإبداء ما يشتهون منها وإخفاء كثير كنعت محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (وعلمتم) على لسان محمد (ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم) فإن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون (قل الله) أي أنزله الله إذ لا جواب غيره (ثم ذرهم في خوضهم) باطلهم (يلعبون) حال من ذرهم أو من خوضهم .
(وهذا) القرآن (كتاب أنزلناه مبارك) كثير النفع (مصدق الذي بين يديه) قبله من الكتب (ولتنذر أم القرى) عطف على محذوف ولتنذر أهل مكة لأنها قبلة أهل القرى ومحجهم أو لأن فيها أول بيت وضع أو لدحو الأرض من تحتها (ومن حولها) سائر الناس (والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون) فإن خوف المعاقبة يبعث على الإيمان بالرسول والقرآن .
(ومن) لا أحد (أظلم ممن افترى على الله كذبا) بادعاء النبوة أو الأعم منه (أو قال أوحي إلى ولم يوح إليه شيء) قيل نزلت في مسيلمة أو ابن أبي سرح كان يكتب للنبي فلما نزل ولقد خلقنا الإنسان إلى قوله

خلقا آخر قال متعجبا فتبارك الله أحسن الخالقين فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) اكتبها فكذلك نزلت فشك فقال إن صدق محمد فقد أوحي إلي كما أوحي إليه وإن كذب فقد قلت كما قال (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) وهم الذين قالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا وقيل هو ابن أبي سرح (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت) شدائده وسكراته من غمره الماء إذا غشيه (والملائكة باسطوا أيديهم) لقبض أرواحهم أو بالعذاب يقولون تغليظا عليهم (أخرجوا أنفسكم) لنقبضها أو خلصوها من العذاب (اليوم تجزون عذاب الهون) الهوان وإضافته إليه لتمكنه فيه (بما كنتم تقولون على الله غير الحق) كالإشراك ودعوى الإيحاء بالكذب (وكنتم عن آياته) عن الإيمان بها (تستكبرون) وجواب لو محذوف أي لرأيت أمرا فظيعا .
(ولقد جئتمونا فرادى) منفردين عن الأهل والمال (كما خلقناكم أول مرة) بدل منه أو حال مرادفة أو مداخلة أي مشبهين ابتداء خلقكم حفاة عراة غرلا (وتركتم ما خولناكم) ما أعطيناكم من الأموال (وراء ظهوركم) لم تحتملوا منه شيئا ولا قدمتموه (وما نرى معكم شفعاءكم) الأصنام (الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء) الله (لقد تقطع بينكم) وصلكم (وضل) ضاع (عنكم ما كنتم تزعمون) من شفاعتها أو أن لا بعث .
(إن الله فالق الحب) شاقه بالنبات (والنوى) وشاق النواة اليابسة فيخرج منها النخل والشجر (يخرج الحي من الميت) الحيوان من النطفة والطائر من البيضة والنامي من الحب والنوى (ومخرج الميت) هذه الأشياء (من الحي) الحيوان والنامي (ذلكم) الفالق والمخرج (الله) المستحق للعبادة (فأنى تؤفكون) تصرفون عنه مع وضوح الدليل .
(فالق الإصباح) شاق عمود الصبح من ظلمة الليل (وجعل الليل سكنا) يسكن الخلق فيه أو للاستراحة والطمأنينة (والشمس والقمر) نصبا بإضمار جعل أو بالعطف على محل الليل (حسبأنا) حسابا للأوقات (ذلك) المذكور (تقدير العزيز) في سلطانه (العليم) بتدبير خلقه .
(وهو الذي جعل لكم) خلق لنفعكم (النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) في ظلمات الليل فيهما وأضيفت إليهما للملابسة وهو تخصيص لبعض منافعهما بعد الإجمال، القمي النجوم آل محمد (قد فصلنا الآيات) بينا الحجج (لقوم يعلمون) لأنهم المنتفعون به (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة) هو آدم (فمستقر ومستودع) فلكم استقرار في الأرحام أو فوق الأرض والاستيداع في الأصلاب أو القبور أو مكان استقرار واستيداع وقرىء بكسر القاف اسم فاعل أي قار (قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون) مواقعها وذكر في السابقة يعلمون وهنا يفقهون لأن إنشاء الإنس من آدم وتصريف أحوالهم أدق فيحتاج إلى دقة نظر .
(وهو الذي أنزل من السماء) من جهتها أو السحاب (ماء فأخرجنا) التفات عن الغيبة (به) بالماء (نبات كل شيء) رزقه

أو نبات كل صنف ينبت (فأخرجنا منه) من النبات أو الماء (خضرا) شيئا أخضر (نخرج منه) من الخضر (حبا متراكبا) يركب بعضه بعضا كالسنبل ونحوه (ومن النخل) خبر (من طلعها) بدل منه قنوان مبتدأ أي وحاصلة من طلع النخل (قنوان) جمع قنو وهو العذق (دانية) قريبة التناول أو قريب بعضها من بعض واقتصر عليها دون البعيدة لفهمها منها وفضلها (وجنات من أعناب) عطف على نبات وعن علي (عليه السلام) بالرفع مبتدأ أي ولكم جنات (والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه) حال من الجميع أي بعضه متشابه طعما ولونا وحجما وبعضه غير متشابه (انظروا) معتبرين (إلى ثمره إذا أثمر) أو إخراجه كيف هو (وينعه) وإلى نضجه إذا أدرك كيف يعود كبيرا ذا نفع ولذة (إن في ذلكم لآيات) دلالات على الصانع (لقوم يؤمنون) خصوا لأنهم المنتفعون به .
(وجعلوا لله شركاء الجن) وقالوا الملائكة بنات الله وسموا جنا لاجتنانهم أو الشياطين إذ أطاعوهم في عبادة الأوثان (وخلقهم) حال أي وقد خلق الله الجاعلين دون الجن أو خلق الجن (وخرقوا) بالتخفيف والتشديد اختلفوا (له بنين وبنات) كقول أهل الكتابين عزير ابن الله والمسيح ابن الله ومشركي العرب الملائكة بنات الله (بغير علم) بحقيقة ما قالوا (سبحانه) تنزيها له (وتعالى عما يصفون) من الشريك .
(بديع السموات والأرض) مبدعهما من غير مثال سبق (أنى) كيف (يكون له ولد ولم تكن له صاحبة) زوجة (وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم) والخالق لكل مخلوق والعالم بكل معلوم غني عن الولد وغيره .
(ذلكم) الموصوف بما سبق مبتدأ خبره (الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه) فإن المستجمع لهذه الصفات هو المستحق للعبادة (وهو على كل شيء وكيل) متولي الأمور ومدبرها وحافظها .
(لا تدركه الأبصار) لا تحيط به الأوهام (وهو يدرك

الأبصار) يحيط بها أو لا تدركه حواس النظر وهو يدركها فيراها ولا تراه (وهو اللطيف) النافذ في الأشياء الممتنع من أن يدرك (الخبير) لا يعزب عنه شيء .
(قد جاءكم بصائر) حجج (من ربكم) تبصركم الحق (فمن أبصر) الحق وآمن (فلنفسه) أبصر وإياها نفع (ومن عمي) عنه (فعليها) وبال عماه (وما أنا عليكم بحفيظ) أحفظ أعمالكم إنما أنت منذر والكلام عن لسان النبي .
(وكذلك) التصريف (نصرف الآيات) نبينها (وليقولوا درست) نصرفها واللام للعاقبة أو بمعنى لئلا يقولوا درست أي قرأت وتعلمت وقرىء دارست أي ذاكرت أهل الكتاب (ولنبينه) الضمير للآيات بمعنى القرآن (لقوم يعلمون) .
(اتبع ما أوحي إليك من ربك) من الدين (لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين) لا تخالطهم .
(ولو شاء الله) جبرهم على ترك الإشراك (ما أشركوا) لكنه لم يشأ جبرهم على ذلك لمنافاته الحكمة (وما جعلناك عليهم حفيظا) رقيبا (وما أنت عليهم بوكيل) فتجبرهم على التوحيد .
(ولا تسبوا الذين يدعون) يعبدونهم (من دون الله فيسبوا الله عدوا) تعديا للحق وقرىء بالتشديد (بغير علم) جاهلين بالله (وكذلك) التزيين (زينا لكل أمة) من الكفرة (عملهم) أي لم نكفهم حتى حسن عندهم سوء عملهم أو أمهلنا الشيطان حتى زينه لهم (ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون) بالمجازاة عليه .
(وأقسموا بالله جهد أيمانهم) مجتهدين فيها (لئن جاءتهم آية) مما اقترحوه (ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله) لا عندي فينزلها متى شاء كيف شاء (وما يشعركم أنها) أي الآية المقترحة (إذا جاءت لا يؤمنون) أي لا تدرون ذلك خطاب للمؤمنين إذ طمعوا في إيمانهم فتمنوا مجيء الآية وقيل لا زائدة وقيل إن بمعنى لعل وقرىء تؤمنون بالتاء خطابا للكفرة .
(ونقلب أفئدتهم وأبصارهم) نطبع عليها عقوبة فلا يفقهون الحق ولا يبصرونه فلا يؤمنون بها (كما لم يؤمنوا به) بما أنزل من الآيات (أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) أي لا نكفهم عن ضلالهم حتى يترددوا متحيرين .
(ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى) كما اقترحوه وقالوا لو لا أنزل علينا الملائكة وقالوا فأتوا بآبائنا (وحشرنا) جمعنا (عليهم كل شيء قبلا) بضم أوليه جمع قبيلة أي جماعات أو جمع قبيل بمعنى كفيل أو كفلاء أو مصدر بمعنى مقابلة كما قرىء بكسر القاف وفتح الباء (ما كانوا ليؤمنوا) عند هذه الآيات (إلا أن يشاء الله) جبرهم على الإيمان (ولكن أكثرهم يجهلون) ذلك فيطمعون في إيمانهم .
(وكذلك) كما جعلنا لك عدوا (جعلنا لكل نبي عدوا) أسند الجعل إليه تعالى لأنه بمعنى التخلية أي لم يمنعهم من العداوة (شياطين الإنس والجن) مردتهما

بدل من عدو (يوحي) يوسوس (بعضهم إلى بعض زخرف القول) باطله المموه (غرورا) مفعول له (ولو شاء ربك ما فعلوه) أي الإيحاء أو الزخرف (فذرهم وما يفترون) من الكفر تهديد لهم، أو منسوخ بآية السيف .
(ولتصغى) عطف على غرور أي تميل (إليه) إلى الإيحاء أو الزخرف (أفئدة) قلوب (الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا) ليكتسبوا (ما هم مقترفون) من الآثام .
(أفغير الله أبتغي حكما) أي قل لهم أفغير الله أطلب من يحكم بيني وبينكم (وهو الذي أنزل إليكم الكتاب) القرآن (مفصلا) مبينا فيه الحق من الباطل وهو بإعجازه مغن عن كل آية (والذين ءاتيناهم الكتاب) أي مؤمنوهم كابن سلام وأضرابه (يعلمون أنه منزل) بالتخفيف والتشديد (من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين) في أنه منزل منه من باب التهييج أو في علمهم بذلك والخطاب لكل أحد، أو من باب إياك أعني .
(وتمت كلمة ربك) أخباره وأحكامه ووحدها الكوفيون أي ما تكلم به أو القرآن (صدقا) في الأخبار حال أو تمييز وكذا (وعدلا) في الأحكام (لا مبدل لكلماته) بخلف أو نقض أو لا أحد يبدلهما بما هو أصدق وأعدل (وهو السميع) لأقوالهم (العليم) بأعمالهم .
(وإن تطع أكثر من في الأرض) أي الكفار (يضلوك عن سبيل الله) دينه (إن يتبعون إلا الظن) وهو ظنهم أن آباءهم على حق أو آراؤهم الفاسدة (وإن هم إلا يخرصون) يكذبون أن الله أحل كذا .
(إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) أي أعلم بالفريقين .
(فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) على ذبحه لا مما ذكر عليه اسم غيره (إن كنتم بآياته مؤمنين) .
(وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل) والحال أنه قد بين (لكم ما حرم عليكم) في آية حرمت عليكم الميتة (إلا ما اضطررتم إليه) مما حرم عليكم فهو حلال لكم للضرورة (وإن كثيرا ليضلون) بفتح الياء وضمها (بأهوائهم بغير علم) بغير حجة وبرهان يفيد علما (إن ربك هو أعلم بالمعتدين) المجاوزين عن الحلال إلى الحرام .
(وذروا ظاهر الإثم وباطنه) ما أعلن وما أسر وما بالجوارح وما بالقلب والإثم قيل الزنا وقيل كل معصية (إن الذين يكسبون الإثم سيجزون ما كانوا يقترفون) يكتسبون .
(ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه) أي الأكل منه (لفسق) خروج عن طاعة الله (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) الكفار (ليجادلوكم) في تحليل الميتة بقولهم ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم (وإن أطعتموهم)

في ذلك (إنكم لمشركون) بترك دين الله إلى دينهم .
(أومن كان ميتا) أي كافرا بالتخفيف والتشديد (فأحييناه) بالهدى إلى الإيمان (وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) علما بالحجج الفاصلة بين الحق والباطل (كمن مثله) صفته (في الظلمات) ظلمات الكفر (ليس بخارج منها) حال من فاعل الظرف (كذلك) كما زين للمؤمن إيمانه (زين للكافرين ما كانوا يعملون) زينه الشيطان أو الله بتخليتهم وشأنهم والآية نزلت في حمزة أو عمار وأبي جهل .
(وكذلك) كما جعلنا فساق مكة أكابرها (جعلنا في كل قرية أكابر) مفعول ثان (مجرميها) أول خليناهم (ليمكروا فيها) وخص الأكابر لأن الناس لهم أطوع (وما يمكرون إلا بأنفسهم) لعود وباله عليهم (وما يشعرون) بذلك .
(وإذ جاءتهم) أي كفار مكة (آية) على صدق النبي (قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله) قيل قال أبو جهل زاحمنا بني عبد مناف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يوحى إليه والله لا نرضى به إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه فنزلت (الله أعلم حيث يجعل رسالته) وقرىء رسالاته (سيصيب الذين أجرموا صغار) ذل بعد كبرهم (عند الله) في القيامة (وعذاب شديد بما كانوا يمكرون) بمكرهم .
(فمن يرد الله أن يهديه) أي يلطف به (يشرح صدره للإسلام) بأن يفسح فيه وينور قلبه (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا) يمنعه الطاقة حتى ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الإيمان (حرجا) بفتح الراء وكسرها أي شديد الضيق (كأنما يصعد) يتصعد وقرىء يصاعد أي يتصاعد (في السماء) إذا كلف الإيمان لشدته عليه أو كأنما يتصاعد إليها نبوا عن الحق (كذلك) الجعل (يجعل الله الرجس) الخذلان وضع اللطف أو العذاب (على الذين لا يؤمنون) وضع موضع عليهم تعليلا .
(وهذا) البيان أو الإسلام أو التوفيق والخذلان (صراط ربك) والذي طريقه الذي ارتضاه والذي اقتضته حكمته (مستقيما) لا عوج له أو عادلا حال مؤكدة عاملها معنى الإشارة (قد فصلنا) بينا (الآيات لقوم يذكرون) يتذكرون أي يتعظون فإنهم المنتفعون بها .
(لهم) للمتذكرين (دار السلام) أي السلامة أو دار الله وهي الجنة (عند ربهم) في ضمانه (وهو وليهم) متولي أمرهم أو ناصرهم (بما كانوا يعملون) بسبب أعمالهم أو متوليهم بجزائها .
(ويوم نحشرهم جميعا) وقرىء بالياء بإضمار اذكر أو نقول (يا معشر الجن) أي الشياطين (قد استكثرتم من الإنس) من إغوائهم أو منهم بالإغواء (وقال أولياؤهم من الإنس) الذين أطاعوهم (ربنا استمتع بعضنا ببعض) هؤلاء دلونا على الشهوات ونحن أطعناهم (وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا) أي القيامة فكيف يكون حالنا اليوم (قال) الله لهم

(النار مثواكم) مقامكم (خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم) .
(وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا) أي ينتصر بعضهم ببعض أو نكل بعضهم إلى بعض في القيامة أو نقرنه في النار (بما كانوا يكسبون) من الشر .
(يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم) من مجموعكم وهم من الإنس خاصة كيخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وقيل كل من الثقلين وقيل رسل الجن رسل الرسل إليهم، وروي أن الله بعث نبيا إلى الجن يقال له يوسف فقتلوه وأرسل محمدا إلى الثقلين (يقصون عليكم ءاياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا) مجيبين: (شهدنا على أنفسنا) بالكفر واعترفنا باستحقاق العذاب (وغرتهم الحياة الدنيا) فكفروا (وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ذلك) أي إرسال الرسل خبر محذوف أي الأمر ذلك (أن) مخففة أو مصدرية بتقدير لام أي لأنه (لم يكن ربك) أي لانتفاء كونه (مهلك القرى) أو بدل من ذلك (بظلم) بسبب ظلم منها أو ظالما (وأهلها غافلون) لم ينبهوا برسول .
(ولكل) من المكلفين (درجات مما عملوا) من جزاء أعمالهم (وما ربك بغافل عما يعملون) فيخفي قدر جزائه وقرىء بالتاء .
(وربك الغني) عن خلقه وإطاعتهم (ذو الرحمة) يترحم عليهم بالتكليف ليعرضهم للنفع الدائم (إن يشأ يذهبكم) يهلككم أيها العصاة (ويستخلف من بعدكم ما يشاء) من الحق (كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين) بيان لقدرته على استخلاف قوم مكان قوم .
(إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين) الله من إتيان ما وعد .
(قل يا قوم اعملوا على مكانتكم) تمكينكم أو طريقكم أو حالتكم وقرىء مكاناتكم وهو تهديد أي اثبتوا على كفركم كقوله اعملوا ما شئتم (إني عامل) على ما أنا عليه من الإسلام ومغايرتكم (فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار) أي العاقبة الحسنى في الدار الآخرة (إنه لا يفلح الظالمون) وضع موضع الكافرين لعمومه .
(وجعلوا) أي المشركون (لله ما ذرأ) خلق (من الحرث) الزرع (والأنعام نصيبا) حظا يطعمونه الضيفان والمساكين ولآلهتهم منه نصيبا يصرفونه إلى سدنتها (فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله) إلى جهته (وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم) كانوا إذا رأوا نصيب الله أزكى بدلوه بنصيب آلهتهم وإن رأوا نصيبها أزكى تركوه لها وقيل إن سقط في نصيبه شيء من نصيبها التقطوه وإن عكس تركوه (ساء ما يحكمون) حكمهم هذا .
(وكذلك) كما زين لهم فعلهم (زين لكثير من المشركين قتل أولادهم) بالوأد ونحرهم للأصنام (شركاؤهم) من الشياطين أو السدنة وهو فاعل زين وقرىء بالبناء للمفعول ونصب أولادهم وجر شركائهم وفيه تعسف (ليردوهم) ليهلكوهم (وليلبسوا) يخلطوا (عليهم

دينهم) أي ما كانوا عليه من دين إسماعيل واللام للعلة إن كان المزين الشيطان وللعاقبة إن كان السدنة (ولو شاء الله) قسرهم (ما فعلوه) ما فعل المشركون أو الشركاء ذلك (فذرهم وما يفترون) وافتراءهم أو ما يفترونه .
(وقالوا هذه أنعام وحرث حجر) حرام (لا يطعمها إلا من نشاء) من خدم الأصنام والرجال دون النساء (بزعمهم) بلا حجة (وأنعام حرمت ظهورها) فلا تركب كالبحائر والسوائب والحوامي (وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) عند ذبحها ويذكرون اسم أصنامهم أولا يحجون عليها (افتراء عليه) حال أو مفعول له أو مصدر لأن قالوا بمعنى افتروا على الله بنسبة ذلك إليه (سيجزيهم بما كانوا يفترون) بسببه أو مقابله .
(وقالوا ما في بطون هذه الأنعام) أجنة البحائر والسوائب (خالصة لذكورنا) حلال لهم تأنيثها بمعنى ما أي الأجنة أو تاؤها للمبالغة كرواية الشعر (ومحرم) ذكر للفظ ما (على أزواجنا) أي الإناث إن ولد حيا (وإن يكن ميتة فهم) الذكور والإناث (فيه شركاء سيجزيهم وصفهم) جزاء وصفهم الكذب على الله (إنه حكيم) في فعله (عليم) بخلقه .
(قد خسر الذين قتلوا) بالتخفيف والتشديد (أولادهم) وبناتهم مخافة السبي والفقر والعار (سفها بغير علم) لخفة عقلهم وجهلهم (وحرموا ما رزقهم الله) مما ذكر (افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين) إلى الحق .
(وهو الذي أنشأ جنات) بساتين (معروشات) مرفوعات بالدعائم أو ما غرسه الناس فعرشوه (وغير معروشات) ملقيات على الأرض أو ما ينبت في البراري (والنخل والزرع مختلفا أكله) ثمره وحبه في الهيئة والطعم والضمير لكل واحد منها (الزيتون والرمان متشابها) أي بعض أفرادهما طعما ولونا (وغير متشابه) أي بعضها (كلوا من ثمره) ثمر كل من ذلك (إذا أثمر) وإن لم يدرك (وءاتوا حقه يوم حصاده) هذا في غير الزكاة في الضغث من السنبل والكف من البسر (ولا تسرفوا) في التصدق (إنه لا يحب المسرفين) لا يرضى فعلهم .
(ومن الأنعام) وأنشأ منها (حمولة) ما يحمل الأثقال أو الكبار الصالحة للحمل (وفرشا) ما يفرش للذبح أو يفرش ما نسج من صوفه ونحوه أو الصغار الدانية من الأرض كالفرش لها (كلوا مما رزقكم الله) فإنه مباح لكم (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) طرقه في التحليل والتحريم (إنه لكم عدو مبين) بين العداوة .
(ثمانية أزواج) بدل من حمولة وفرشا، والزوج ما معه آخر من جنسه (من الضأن اثنين) الكبش والنعجة وهو بدل من ثمانية أزواج (ومن المعز اثنين) جمع ماعز (قل) إنكار على من حرم ما أحل الله (ءالذكرين) من الضأن والمعز (حرم) الله (أم الأنثيين) منهما (أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) أم ما حملت الإناث منهما ذكرا كان أو أنثى (نبئوني بعلم) بحجة تدل على أن الله حرم شيئا من ذلك (إن كنتم صادقين) فيه ألزمهم الله بأن

التحريم إن كان للذكورة فكل ذكر حرام أو للأنوثة فكل أنثى حرام أو لاشتمال الرحم فالصنفان فمن أين التخصيص ببعض دون بعض .
(ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل ءالذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) كما مر (أم) بل (كنتم شهداء) حضورا (إذ وصاكم الله بهذا) التحريم إذ لم تؤمنوا بنبي فلا طريق إلى معرفته إلا المشاهدة (فمن) أي لا أحد (أظلم ممن افترى على الله كذبا) بنسبة تحريم ذلك إليه (ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) إلى ثوابه أو لا يلطف بهم .
(قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه) يفيد أن لا تحريم إلا بالوحي (إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس) خبيث قذر (أو فسقا) عطف على لحم خنزير (أهل لغير الله به) ذبح على اسم الصنم وسمي فسقا لتوغله فيه (فمن اضطر) إلى تناول شيء من ذلك (غير باغ) اللذة (ولا عاد) حد الضرورة (فإن ربك غفور) له (رحيم) به .
(وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) كل ما له إصبع كالإبل والطيور والسبأع أو كل ذي مخلب وظفر (ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما) الثروب وشحم الكلى (إلا ما حملت ظهورهما) اشتملت عليها (أو الحوايا) أو ما اشتمل عليه الأمعاء جمع حاوية أو حاوتة (أو ما اختلط بعظم) هو شحم الألية لاختلاطه بالعصعص (ذلك) الجزاء (جزيناهم ببغيهم) بسبب ظلمهم (وإنا لصادقون) فيما نقول .
(فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة) لأهل طاعته أو لكم حيث أمهلكم (ولا يرد بأسه) عذابه (عن القوم المجرمين) إذا نزل .
(سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) تعللوا بقول المجبرة والأشاعرة (كذلك كذب الذين من قبلهم) الحجج (حتى ذاقوا بأسنا) عذابنا (قل هل عندكم من علم) حجة توجب علما فيما زعمتم (فتخرجوه لنا إن تتبعون) في ذلك (إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون) تكذبون فيه .
(قل فلله الحجة البالغة) البينة التي بلغت قطع عذر المحجوج (فلو شاء لهداكم أجمعين) بإلجائكم إلى الإيمان لكنه لم يشأ لمنافاته الحكمة .
(قل هلم شهداءكم) أحضروهم (الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم) فلا تصدقهم إذ التصديق كالشهادة معهم بالباطل (ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا) وضع موضع ولا تتبع أهواءهم ليدل على أن مكذب الآيات متبع هواه لا غيره (والذين لا يؤمنون بالآخرة) كعبدة الأصنام (وهم بربهم يعدلون) يجعلون له عديلا وتفيد الآية منع التقليد ووجوب اتباع الحجة دون الهوى .
(قل تعالوا أتل) أقرأ (ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به) أن مفسرة وتعليق المفسر وهو أتل بما حرم لا يمنع عطف الأوامر عليه لرجوع التحريم فيها إلى أضدادها وإن جعل ناصبة فهي منصوبة بعليكم على

الإغراء أو بالبدل من ما على زيادة لا أو مجرور بلام مقدرة (شيئا) مفعول أو مصدر (وبالوالدين) وأحسنوا بهما (إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) من خشية فقر (نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش) الكبائر أو الزنا (ما ظهر منها وما بطن) علانيتها وسرها كقوله ظاهر الإثم وباطنه (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) كالقود وحد المحصن والمرتد (ذلكم) المذكور (وصاكم به لعلكم تعقلون) ما وصاكم ولا تضيعونه .
(ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي) بالخصلة التي (هي أحسن) ما يفعل بماله كحفظه وتنميته (حتى يبلغ أشده) قوته ويصير بالغا رشيدا (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط) بالعدل (لا نكلف نفسا إلا وسعها) إلا ما يسعها (وإذا قلتم) في حكم ونحوه (فاعدلوا) فيه (ولو كان) المقول له أو عليه (ذا قربى) قرابة (وبعهد الله) ما عهد إليكم مما أوجبه عليكم (أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون) تتعظون .
(وأن هذا) المذكور في السورة من بيان الدين (صراطي مستقيما) حال (فاتبعوه ولا تتبعوا السبل) الطرق المختلفة (فتفرق) تتفرق أي تميل (بكم عن سبيله) دينه (ذلكم) الإتباع (وصاكم به لعلكم تتقون) الضلال عن الحق .
(ثم ءاتينا موسى الكتاب تماما) للنعمة مفعول له (على الذي أحسن) بالقيام به أو بتبليغه وهو موسى (وتفصيلا) بيانا (لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم) أي أمة موسى (بلقاء ربهم يؤمنون) أي بالبعث .
(وهذا) القرآن (كتاب أنزلناه مبارك) كثير الخير (فاتبعوه) اعملوا بما فيه (واتقوا) مخالفته (لعلكم ترحمون) باتباعه .
(أن تقولوا) أي أنزلنا كراهة أن تقولوا (إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) اليهود والنصارى (وإن) مخففة (كنا عن دراستهم) تلاوتهم (لغافلين) أي لا نعرف مثلها واللام فارقة .
(أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم) لذكائنا (فقد جاءكم بينة) حجة واضحة بلسانكم (من ربكم وهدى ورحمة) لمن اتبعها (فمن) أي لا أحد (أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف) صد أو أعرض (عنها سنجزي الذين يصدفون) بصدفهم .
(هل ينظرون) ما ينتظر كفار مكة (إلا أن تأتيهم الملائكة) لتوفيهم أو بالعذاب وقرىء بالياء (أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك) أي أشراط الساعة كطلوع الشمس من مغربها وغيره (يوم يأتي بعض آيات ربك) عنهم (عليهم السلام) أنه العذاب في الدنيا (لا ينفع نفسا إيمانها) لزوال التكليف (لم تكن ءامنت من قبل) صفة نفسا (أو) لم تكن (كسبت في إيمانها خيرا) طاعة (قل انتظروا) إتيان أحد الثلاثة (إنا منتظرون) ذلك.

(إن الذين فرقوا دينهم) اختلفوا فيه فآمنوا ببعض وكفروا ببعض (وكانوا شيعا) فرقا كل فرقة تشيع إماما (لست منهم في شيء) أي من السؤال عن تفرقهم أو من عقابهم أو نهي عن قتالهم ونسخ بآية السيف (إنما أمرهم إلى الله) في مجازاتهم (ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) بالمجازاة .
(من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) فضلا ورفع أمثالها صفة لعشر (ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها) أي جزاء عدلا منه تعالى (وهم لا يظلمون) بنقص ثواب وزيادة عقاب .
(قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا) بدل من محل صراط أي هداني صراطا (قيما) فيعل من قام كسيد من ساد وقرىء بكسر القاف وفتح الياء مخففا كالقيام وصف به مبالغة (ملة إبراهيم) عطف بيان لدنيا (حنيفا) حال من إبراهيم (وما كان من المشركين) .
(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي) عبادتي أو قرباني وحياتي وموتي أو ما آتيه في حياتي وأموت عليه من الإيمان (لله رب العالمين) .
(لا شريك له) لا أشرك فيها غيره (وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) لأنه أول من أجاب في الذر أو من هذه الأمة .
(قل أغير الله أبغي ربا) أطلب غيره إلها (وهو رب كل شيء) فكل ما سواه مربوب لا يصلح للربوبية (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) فلا تنفعني إن أشركت به إشراككم (ولا تزر وازرة) لا تحمل نفس آثمة (وزر) نفس (أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) بتميز الحق من الباطل .
(وهو الذي جعلكم خلائف الأرض) يخلف بعضكم بعضا أو خلفاء الأمم السالفة (ورفع بعضكم فوق بعض درجات) بالشرف والمال (ليبلوكم) ليختبركم (فيما ءاتاكم) من ذلك (إن ربك سريع العقاب) فاحذروه (وإنه لغفور) للمؤمنين (رحيم) بهم.


سورة الأعراف

(7) سورة الأعراف مائتان وست آيات (206) مكية
إلا ثمان آيات من واسألهم عن القرية - إلى قوله - وإذ نتقنا سورة الأعراف
بسم الله الرحمن الرحيم
(المص) روي معناه أنا الله المقتدر الصادق .
(كتاب) خبر محذوف أو المص (أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه) ضيق من تبليغه أو شك (لتنذر به) متعلق بأنزل (وذكرى للمؤمنين) عطف على كتاب أو محل لتنذر .
(اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم) من القرآن والسنة (ولا تتبعوا
من دونه) ولا تتخذوا غير الله (أولياء) تطيعونهم في معصيته تعالى (قليلا ما تذكرون) أي تذكرا قليلا تتذكرون .
(وكم من قرية) أي أهلها (أهلكناها) أردنا إهلاكها أو خذلناها (فجاءها بأسنا) عذابنا (بياتا) حال كونهم بائتين (أو هم قائلون) عطف عليه وحذفت واو الحال استثقالا والقيلولة استراحة نصف النهار وخص الوقتان مبالغة في غفلتهم ولأن مجيء العذاب فيهما أفظع .
(فما كان دعواهم) دعاؤهم (إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين) إلا إقرارهم بظلمهم .
(فلنسألن الذين أرسل إليهم) أي الأمم عن إجابتهم الرسل (ولنسألن المرسلين) عن تأدية ما حملوا من الرسالة .
(فلنقصن عليهم) على الرسل والمرسل إليهم أحوالهم (بعلم) عالمين بها أو بمعلومنا منها (وما كنا غائبين) عنها فتخفى علينا .
(والوزن) أي القضاء أو العدل أو وزن الأعمال بعد تجسيمها أو صحائفها بميزان له لسان وكفتان يراه الخلق إظهارا للعدل وقطعا للعذر (يومئذ) خبر الوزن أي يوم السؤال (الحق) العدل صفة الوزن (فمن ثقلت موازينه) حسناته أو ميزانها جمع موزون أو ميزان وجمع باعتبار تعدد الحسنات أو تعدد الميزان للعقائد والأعمال والأخلاق (فأولئك هم المفلحون) الفائزون بالثواب .
(ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم) بتعريضها للعقاب (بما كانوا بآياتنا يظلمون) يكذبون .
(ولقد مكناكم في الأرض) في التصرف فيها (وجعلنا لكم فيها معايش) أسبأبا تعيشون بها جمع معيشة (قليلا ما تشكرون) على ذلك .
(ولقد خلقناكم) أنشأناكم أو أباكم آدم غير مصور (ثم صورناكم) أفضنا على مواد خلقكم هذه الصورة (ثم قلنا) بعد خلق آدم وتصويره (للملائكة اسجدوا لآدم) تكرمة له (فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين) .
(قال ما منعك ألا تسجد) لا زائدة أو أريد ما حملك على أن لا تسجد إذ الممنوع من شيء محمول على خلافه (إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) قاس ما بين النار والطين ولو قاس نورية آدم بنورية النار عرف فضل ما بين النورين .
(قال فاهبط منها) من الجنة أو السماء أو من المنزلة الرفيعة هبوطا معنويا (فما يكون لك أن تتكبر فيها) إذ لا يسكنها متكبر (فاخرج إنك من الصاغرين) الأذلاء فالتواضع رفعة والتكبر ضعة .
(قال أنظرني إلى يوم يبعثون) أمهلني إلى النفخة الثانية .
(قال إنك من المنظرين) وبين غاية الإنظار في الآية الأخرى بقوله إلى يوم الوقت المعلوم .
(قال فبما أغويتني) دل على أنه أشعري أو جبري حيث إنه نسب الإغواء إليه تعالى (لأقعدن لهم) لبني آدم (صراطك المستقيم) طريق الحق .
(ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) أي من جهاتهم الأربع فأضلهم عن سلوكهم ولم يقل من فوقهم لنزول الرحمة منه ولا من تحتهم لإيحاش الإتيان منه وقيل من بين أيديهم من قبل الآخرة ومن خلفهم من قبل الدنيا والآخران من

جهة حسناتهم وسيئاتهم ومجيء من في الأولين لتوجهه منها إليهم ومن في الآخرين لانحراف الآتي منها إليهم (ولا تجد أكثرهم شاكرين) مؤمنين .
(قال اخرج منها مذءوما) مذموما (مدحورا) مطرودا (لمن تبعك منهم) لام الابتداء موطئة للام القسم في (لأملأن جهنم منكم أجمعين) منك ومن ذريتك ومنهم غلب الحاضر .
(ويا ءادم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة) بالأكل (فتكونا من الظالمين) فسر في البقرة .
(فوسوس لهما الشيطان) أوهمهما النصيحة لهما (ليبدي لهما) اللام للعاقبة أو للغرض أي ليظهر لهما (ما ووري) ستر (عنهما من سوءاتهما) عوراتهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر (وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا) كراهة (أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) في الجنة .
(وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) أي أقسم لهما بالله على ذلك أخذ من فاعل مبالغة وقيل أقسما له بالقبول .
(فدلاهما) أي جعلهما عن درجتهما العالية إلى رتبة سافلة (بغرور) بأن غرهما بقسمه لظنهما أن أحدا لا يقسم بالله كذبا (فلما ذاقا الشجرة) أي ابتدءا بالأكل منها (بدت لهما سوءاتهما) أي ظهر لكل منهما قبله وقبل الآخر (وطفقا يخصفان) أي أخذا يرقعان ورقة على ورقة (عليهما من ورق الجنة) وهو ورق التين ليستترا به (وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلك الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين) عتاب على مخالفة النهي وإن كان نهي تنزيه .
(قالا ربنا ظلمنا أنفسنا) بترك الأولى (وإن لم تغفر لنا) تستر علينا (وترحمنا لنكونن من الخاسرين) بتضييع حظنا .
(قال اهبطوا) خطاب لهما ولذريتهما أو لهما ولإبليس (بعضكم لبعض عدو) أي متعادين (ولكم في الأرض مستقر) مصدر أو اسم مكان (ومتاع إلى حين) إلى انقضاء آجالكم .
(قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون) بالبعث وقرىء بالبناء للفاعل .
(يا بني ءادم قد أنزلنا عليكم لباسا) خلقناه لكم بأسبأب سماوية ومثله وأنزلنا الحديد (يواري) يستر (سوءاتكم وريشا) جمالا أي ما يتجملون به أو مالا يقال تريش أي تمول (ولباس التقوى) خشية الله أو الإيمان أو العمل الصالح أو لباس الحرب (ذلك خير) لهم (ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون) فيؤمنون ويشكرون .
(يا بني ءادم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة) بفتنته (ينزع) حال من الفاعل أو المفعول (عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله) جنوده (من حيث لا ترونهم) للطافة أجسامهم أو شفافيتها وهذا لا يمنع تمثلهم لنا أحيانا (إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) أي مكناهم من خذلانهم باختيارهم ترك الإيمان أو حكمنا بذلك

لتناصرهم على الباطل .
(وإذا فعلوا فاحشة) ما يتناهى قبحا كالشرك أو طوافهم عراة فنهوا عنهما (قالوا) معتذرين (وجدنا عليها ءاباءنا) فقلدناهم (والله أمرنا بها) ولو كره الله ما نحن عليه لنقلنا عنه فهم مجبرة (قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون) إنكار لافترائهم على الله .
(قل أمر ربي بالقسط) بالعدل في كل الأمور (وأقيموا وجوهكم) نحو القبلة أو استقيموا متوجهين إلى عبادته (عند كل مسجد) وقت سجود أو مكانه أي في كل صلاة أو في أي مسجد أدركتم صلاته ولا تؤخروها لمسجدكم (وادعوه) اعبدوه (مخلصين له الدين) العبادة فإنكم ملاقوه (كما بدأكم) خلقكم ابتداء (تعودون) أي يعيدكم أحياء للجزاء أو كما بدأكم من التراب تعودون إليه .
(فريقا هدى) لطف بهم فآمنوا (وفريقا) نصب بخذل الدال عليه الكلام (حق) وجب (عليهم الضلالة) الخذلان (إنهم اتخذوا الشياطين أولياء) يطيعونهم (من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون) .
(يا بني آدم خذوا زينتكم) لباسكم لستر عورتكم وللتجمل (عند كل مسجد) لصلاة أو طواف ويفيد وجوب ستر العورة فيهما، وروي أجود ثيابكم في كل صلاة وروي التمشط عند كل صلاة، وروي الغسل عند لقاء الإمام (وكلوا واشربوا) ما طاب وأحل لكم (ولا تسرفوا) لا تتعدوا بتحريم حلال وبالعكس في المأكل والمشرب والملبس أو بالشره في الطعام جمع الله الطب في نصف آية كلوا واشربوا ولا تسرفوا (إنه لا يحب المسرفين) .
(قل من حرم زينة الله) من الثياب وسائر ما يتجمل به (التي أخرج) من الأرض (لعباده والطيبات من الرزق) المستلذات من المآكل والمشارب (قل هي للذين ءامنوا في الحيوة الدنيا) بالاستحقاق وإن شاركهم الكفرة فيها (خالصة لهم يوم القيامة) مختصة بهم (كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون) نبين الأحكام كذلك البيان .
(قل إنما حرم ربي الفواحش) الكبائر أو الزنا (ما ظهر منها وما بطن) جهرها وسرها (والإثم) الذنب أو الخمر (والبغي) الظلم والكبر (بغير الحق) تأكيد للبغي (وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به) بإشراكه (سلطانا) حجة (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) بالافتراء عليه ومنه الفتوى بغير علم .
(ولكل أمة أجل) مدة أو وقت لاستئصالهم (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) لا يتأخرون ولا يتقدمون أو لا يطلبون التقدم والتأخر لدهشتهم .
(يا بني ءادم إما) إن الشرطية أدغمت في ما الزائدة (يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم ءاياتي فمن اتقى) التكذيب (وأصلح) عمله (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) في الآخرة .
(والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها) تكبروا عن قبولها (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) .
(فمن) أي لا أحد (أظلم

ممن افترى على الله كذبا) بنسبة ما لم يقله إليه (أو كذب بآياته) بالقرآن (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) مما كتب لهم من الرزق والأجل (حتى إذا جاءتهم رسلنا) الملائكة (يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون) تعبدون (من دون الله) من الآلهة (قالوا ضلوا) غابوا (عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين) اعترفوا عند الموت بكفرهم .
(قال ادخلوا في أمم قد خلت) مضت على الكفر (من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة) في النار (لعنت أختها) التي خلت باتباعها (حتى إذا اداركوا) تداركوا وتلاحقوا (فيها جميعا قالت أخراهم) دخولا وهم الأتباع (لأولاهم) لأجلهم وهم القادة (ربنا هؤلاء أضلونا فأتهم عذابا ضعفا) مضاعفا (من النار) إذ ضلوا وأضلوا (قال لكل) من الفريقين (ضعف) عذاب مضاعف لاجتماع الكل على الكفر (ولكن لا تعلمون) ما لكل فريق وقرىء بالياء .
(وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل) بل تساوينا في استحقاق الضعف (فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون) من قولهم أو قول الله .
(إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها) فلم يؤمنوا بها (لا تفتح لهم أبواب السماء) لرفع أعمالهم أو لأرواحهم (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) يدخل البعير في ثقب الإبرة وهو مما لا يكون فكذا دخولهم (وكذلك) الجزاء (نجزي المجرمين) .
(لهم من جهنم مهاد) فراش (ومن فوقهم غواش) أغطية منها وتنوينه عوض عن الياء المحذوفة وقيل للصرف (وكذلك نجزي الظالمين) .
(والذين ءامنوا وعملوا الصالحات) وعد بعد الوعيد (لا نكلف نفسا إلا وسعها) ما دون طاقتهما من العمل (أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) .
(ونزعنا ما في صدورهم من غل) أخرجنا من قلوبهم الغش والحقد حتى لا يكون بينهم إلا التوادد وعبر بالماضي لتحققه (تجري من تحتهم) تحت أبنيتهم (الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا) المنزل أو لما هذا ثوابه (وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله) حذف جواب لو لا لدلالة ما قبله عليه (لقد جاءت رسل ربنا بالحق) فاهتدينا بهم (ونودوا

أن تلكم الجنة) إذا رأوها أو دخلوها وأن مفسرة أو مخففة وكذا الأربع الآتية (أورثتموها بما كنتم تعملون) .
(ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار) تفريعا وتقريرا لهم (أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا) من العذاب (قالوا نعم فأذن مؤذن) فنادى مناد (بينهم) بين الفريقين (أن لعنة الله على الظالمين) .
(الذين يصدون) الناس (عن سبيل الله) دينه (ويبغونها عوجا) يطلبون السبل معوجة أو يبغون لها العوج (وهم بالآخرة كافرون) .
(وبينهما حجاب) بين الفريقين أو أهل الجنة والنار سور حاجز (وعلى الأعراف) هو الحجاب أو أعرافه أي شرفه جمع عرف وهو ما ارتفع من الشيء (رجال يعرفون كلا) من أهل الجنة والنار (بسيماهم) بعلامتهم، روي الأعراف كثبان بين الجنة والنار يوقف عليها كل نبي مع المذنبين من أهل زمانه كما يقف صاحب الجيش مع ضعفاء جيشه وقد سبق المحسنون إلى الجنة (ونادوا) يعني هؤلاء المذنبين (أصحاب الجنة) أي الذين سبقوا إليها (أن سلام عليكم) أي إذا نظروا إليهم سلموا عليهم (لم يدخلوها وهم يطمعون) دخولها بشفاعة النبي والإمام .
(وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) في النار .
(ونادى أصحاب الأعراف) هم الأنبياء والخلفاء (رجالا يعرفونهم بسيماهم) من رؤساء الكفار (قالوا ما أغنى عنكم جمعكم) في الدنيا (وما كنتم تستكبرون) واستكباركم .
(أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) إشارة إلى أهل الجنة الذين كان الرؤساء يستضعفونهم ويحلفون أن لا يدخلهم الله الجنة (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) .
(ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا) أصبوا (علينا من الماء أو مما رزقكم الله) من الطعام (قالوا إن الله حرمهما على الكافرين) منعهما عنهم .
(الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا) فحرموا وأحلوا ما شاءوا بشهواتهم (وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم) نتركهم في النار فعل الناسي (كما نسوا لقاء يومهم هذا) فلم يعملوا ولم يتأهبوا له (وما كانوا بآياتنا يجحدون) وكما جحدوها.
(ولقد جئناهم بكتاب) هو القرآن (فصلناه) بيناه عقائد وأحكاما ومواعظ (على علم) حال من الفاعل أي عالمين بتفصيله أو من المفعول أي مشتمل على علم (هدى

ورحمة لقوم يؤمنون) حال من الهاء .
(هل ينظرون) ما ينتظرون (إلا تأويله) ما يئول إليه أمره (يوم يأتي تأويله) وهو يوم القيامة (يقول الذين نسوه من قبل) تركوه كالمنسي (قد جاءت رسل ربنا بالحق) فليتنا لم نكذبهم (فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد) إلى الدنيا (فنعمل غير الذي كنا نعمل) جواب أو نرد (قد خسروا أنفسهم) أهلكوها بالعذاب (وضل) غاب (عنهم ما كانوا يفترون) من دعوى الشركاء وشفاعتهم .
(إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام) في مقدارها إذ لا شمس حينئذ ولا زمان والخلق التدريجي مع القدرة على الدفعي أعظم دليل على الاختيار (ثم استوى) من كل شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء أو استقام أمره أو استولى (على العرش) الجسم المحيط بسائر الأجسام (يغشي الليل النهار) يغطيه بظلامه وحذف عكسه للعلم به وقرىء بتشديد يغشي (يطلبه) يعقبه كالطالب له (حثيثا) سريعا صفة مصدر أو حال من الفاعل أو المفعول (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) مذللات بتصرفه ونصب عطفا على السموات ومسخرات حال وقرىء برفع الجميع على الابتداء والخبر (ألا له) وحده (الخلق والأمر) يخلق ما يشاء ويحكم ما يريد (تبارك الله) تعالى أو تكاثر خيره (رب العالمين) .
(ادعوا ربكم تضرعا وخفية) تذللا وسرا (إنه لا يحب المعتدين) للحد في الدعاء كطلب منزلة النبي والإمام أو الصباح أو في كل أمر .
(ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) بالرسل والكتب (وادعوه خوفا) خائفين من رده أو عقابه أو عدله (وطمعا) في إجابته أو عفوه أو فضله (إن رحمة الله قريب من المحسنين) تقوية للطمع وذكر قريب لإضافة الرحمة إلى الله أو لأنها بمعنى الرحم .
(وهو الذي يرسل الرياح) وقرىء الريح (بشرا) بالنون جمع نشور كرسول وبالباء جمع بشير (بين يدي رحمته) قدام المطر (حتى إذا أقلت) حملت (سحابا ثقالا) بالماء جمع للمعنى أي سحائب (سقناه) أفرد الضمير للفظ (لبلد ميت) لا نبات فيه أي لإحيائه (فأنزلنا به الماء) بالبلد أو السحاب (فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك) الإخراج (نخرج الموتى) من قبورهم بالإحياء (لعلكم تذكرون) فتوقنون بالصانع والبعث .
(والبلد الطيب) الأرض العذبة التراب (يخرج نباته) زاكيا (بإذن ربه) بأمره وتيسيره (والذي خبث) ترابه كالسبخة (لا يخرج) نباته (إلا نكدا) قليلا بلا نفع (كذلك) البيان (نصرف الآيات) نبينها (لقوم يشكرون) نعم الله فيؤمنون به والآية مثل لمن اتعظ بالآيات ومن أعرض عنها .
(لقد أرسلنا نوحا إلى قومه) وهو ابن أربعين أو أكثر (فقال يا قوم اعبدوا الله) وحده (ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم)

إن عبدتم غيره (عذاب يوم عظيم) هو يوم القيامة .
(قال الملأ من قومه) الأشراف الذين يملئون الصدر هيبة (إنا لنراك في ضلال) عن الحق (مبين) بين .
(قال يا قوم ليس بي ضلالة) مبالغة في النفي وتعريض بهم (ولكني رسول من رب العالمين) .
(أبلغكم رسالات ربي) من العقائد والأحكام والمواعظ (وأنصح لكم وأعلم من الله) بالوحي (ما لا تعلمون) .
(أوعجبتم) إنكار عطف على محذوف أي أكذبتم وعجبتم من (أن جاءكم ذكر) رسالة (من ربكم على) لسان (رجل منكم) من جنسكم (لينذركم) وبال الكفر (ولتتقوا) الله (ولعلكم ترحمون) بالتقوى .
(فكذبوه فأنجيناه والذين معه) ممن آمن به (في الفلك) السفينة (وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا) بالطوفان (إنهم كانوا قوما عمين) عمي القلوب عن الحق .
(وإلى عاد) أي أرسلنا إليهم (أخاهم) أي من هو منهم (هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون) نقمته .
(قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك) منغمسا (في سفاهة) خفة عقل (وإنا لنظنك من الكاذبين) .
(قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين) كما عرفتموني بذلك .
(أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح) في الأرض ما بين عمان إلى حضرموت ذكرهم نعمة الله بعد تخويفهم نقمته (وزادكم في الخلق بسطة) قوة وطولا من ستين إلى مائة (واذكروا ءالاء الله) نعمة عليكم (لعلكم تفلحون) إذا ذكرتموها وشكرتم .
(قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد ءاباؤنا) من الأصنام (فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) فيه .
(قال قد وقع) وجب أو حق فهو كالواقع (عليكم من ربكم رجس) عذاب (وغضب أتجادلونني في أسماء) أصنام (سميتموها أنتم وءاباؤكم) آلهة (ما نزل الله بها

من سلطان) حجة (فانتظروا) حلول العذاب (إني معكم من المنتظرين) لحلوله بكم .
(فأنجيناه والذين معه) في الدين (برحمة منا) عليهم (وقطعنا دابر) القوم (الذين كذبوا بآياتنا) أي استأصلناهم (وما كانوا مؤمنين).
(وإلى ثمود) قبيلة من العرب أبوهم ثمود بن عامر بن آدم من سام بن نوح أرسلنا (أخاهم صالحا) ولدا ثمود (قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم) معجزة على صدقي (هذه ناقة الله لكم آية) حال عاملها الإشارة وإضافتها إلى الله للشرف والتعظيم كبيت الله (فذروها تأكل في أرض الله) الكلأ (ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم).
(واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم) أسكنكم (في الأرض تتخذون من سهولها) يبنون في سهولها (قصورا وتنحتون الجبال بيوتا) حال مقدرة أو مفعول بتقدير من الجبال (فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين).
(قال الملأ الذين استكبروا من قومه) من الإيمان به (للذين استضعفوا) أي استذلوهم (لمن ءامن منهم) بدل من الذين استضعفوا (أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون).
(قال الذين استكبروا إنا بالذي ءامنتم به كافرون) لعلهم لم يقولوا بما أرسل به حذروا أن يفوهوا برسالته .
(فعقروا الناقة) أسند فعل البعض إلى الكل لرضاهم به (وعتوا عن أمر ربهم) استكبروا عن امتثاله (وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا) من العذاب (إن كنت من المرسلين).
(فأخذتهم الرجفة) صيحة من السماء وزلزلة فهلكوا (فأصبحوا في دارهم جاثمين) صرعى على وجوههم .
(فتولي) أعرض صالح (عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين).
(ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة) السيئة العظيمة القبح أي إتيان الذكران (ما سبقكم بها من أحد من العالمين).
(إنكم) بالاستفهام والإخبار (لتأتون

الرجال) في أدبارهم (شهوة) مفعول له أو حال (من دون النساء) المخلوقة لكم (بل أنتم قوم مسرفون) أضرب عن الإنكار إلى الإخبار بأنهم مجاوزون الحلال إلى الحرام .
(وما كان جواب قومه إلا أن قالوا) لم يجيبوا نصحه إلا بالمقابلة بالسفه بقولهم (أخرجوهم من قريتكم) أي لوطا ومن اتبعه (إنهم أناس يتطهرون) يتنزهون عن أدبار الرجال .
(فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) الباقين في العذاب .
(وأمطرنا عليهم مطرا) فظيعا وقد بين بقوله وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل (فانظر كيف كان عاقبة المجرمين).
(وإلى مدين) أي وأرسلنا إليهم وهو أولاد مدين بن إبراهيم (أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم) معجزة على صدقي (فأوفوا الكيل) المكيال (والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم) لا تنقصوهم حقوقهم (ولا تفسدوا في الأرض) بالكفر والمعاصي (بعد إصلاحها) بالرسل والشرائع (ذلكم) المذكور (خير لكم إن كنتم مؤمنين) مريدين الإيمان فاعملوا .
(ولا تقعدوا بكل صراط) طريق من طرق الدين أي شعبة من أصوله وفروعه (توعدون) تخوفونهم بالقتل وتمنعونهم عن الإيمان به وهو حال (وتصدون عن سبيل الله) دينه (من ءامن به) بالله (وتبغونها عوجا) وتطلبون السبل معوجة بإلقاء الشبه كقولكم هذا كذب ونحوه (واذكروا إذ كنتم قليلا) عددا أو عدة (فكثركم) بالنسل أو المال (وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين) من قبلكم واعتبروا بهم .
(وإن كان طائفة منكم ءامنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا) فانتظروا (حتى يحكم الله بيننا) أي بين الفريقين بإنجاء المحق وإهلاك المبطل (وهو خير الحاكمين) إذ لا جور في حكمه .
(قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين ءامنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا) غلبوا الجمع على الواحد في الخطاب إذ لم يكن شعيب في ملتهم قط (قال) إنكارا (أولو) أي أنعود ولو (كنا كارهين) لها .
(قد افترينا) اختلفنا (على الله كذبا إن عدنا في ملتكم) بأن نشرك بالله (بعد إذ نجينا الله منها) بتوفيقه والحجج الموضحة للحق (وما يكون) يصح (لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا) حسم لطمعهم في العود بتعليقه على الممتنع وهو مشيئة الكفر (وسع

ربنا كل شيء علما) أحاط علمه بكل شيء فيعلم حالنا وحالكم (على الله توكلنا) في كل أمورنا (ربنا افتح) احكم أو اكشف الأمر (بيننا وبين قومنا بالحق) ليتميز المحق والمبطل (وأنت خير الفاتحين).
(وقال الملأ الذين كفروا من قومه) قال بعضهم لبعض (لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون).
(فأخذتهم الرجفة) الزلزلة وفي هود الصيحة ولا منافاة (فأصبحوا في دارهم جاثمين) صرعى على وجوههم .
(الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين) الدارين .
(فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم) فلم تصدقوني (فكيف ءاسى) أحزن (على قوم كافرين) وضع موضع عليكم للتعليل والاستفهام لمعنى النفي .
(وما أرسلنا في قرية من نبي) فلم تؤمنوا به (إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء) بالفقر والمرض (لعلهم يضرعون) كي يتذللوا .
(ثم بدلنا) أعطيناهم (مكان السيئة) البلاء (الحسنة) النقمة (حتى عفوا) كثروا عددا أو عدة وأصله الترك أي تركوا حتى كثروا ومنه إعفاء اللحى (وقالوا) كفرا للنعمة (قد مس آباءنا الضراء والسراء) كما مسنا فهذه عادة الدهر بنا وبهم فلم يدعوا دينهم فنحن مثلهم (فأخذناهم) بالعذاب (بغتة) فجأة (وهم لا يشعرون) بنزوله .
(ولو أن أهل القرى) التي أهلكناها أو مطلقا (ءامنوا) بالله ورسله (واتقوا) المعاصي (لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) أي من كل جانب أو المطر والنبات (ولكن كذبوا) الرسل (فأخذناهم) بالقحط والشدة (بما كانوا يكسبون) من الكفر والمعاصي .
(أفأمن أهل القرى) المكذبون، الهمزة للتوبيخ والفاء للعطف وكذا في الثلاثة الآتية بالواو والفاء (أن يأتيهم بأسنا) عذابنا (بياتا) ليلا (وهم نائمون) في فرشهم .
(أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى) نهارا عند ارتفاع الشمس (وهم يلعبون) يلهون فيما لا ينفعهم .
(أفأمنوا مكر الله) استدراجه إياهم بالنعم وأخذهم بغتة (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) بالكفر وترك النظر .
(أولم يهد) بين (للذين يرثون الأرض من بعد أهلها) أي يخلفونهم في ديارهم بعد هلاكهم (أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم) أي بجزائهم كما أصبنا من قبلهم (ونطبع) ونحن نختم (على قلوبهم) وإسناده إليه تعالى كناية من تمكن الكفر في قلوبهم أو إسناد إلى السبب أو مجاز عن ترك قسرهم على الإيمان (فهم لا يسمعون) الوعظ سماع قبول .

(تلك القرى) المذكورة (نقص عليك من أنبائها) بعض أخبار أهلها (ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات) بالمعجزات (فما كانوا ليؤمنوا) عند مجيئهم (بما كذبوا من قبل) بما كفروا به قبل مجيئهم بل استمروا على كفرهم (كذلك) الطبع (يطبع الله على قلوب الكافرين) يخليهم وشأنهم من رسوخ الكفر في قلوبهم .
(وما وجدنا لأكثرهم) لأكثر الناس والآية اعتراض أو لأكثر المهلكين (من عهد) من وفاء بما عهده الله إليهم في الإيمان بنصب الحجج أو عهدوه إليه حين يقعوا في بلية أن يؤمنوا (وإن) مخففة (وجدنا أكثرهم لفاسقين) اللام فارقة وقيل بمعنى إلا وإن نافية .
(ثم بعثنا من بعدهم) بعد الرسل والأمم (موسى بآياتنا) المعجزات (إلى فرعون وملئه) أي أشراف قومه (فظلموا بها) بوضعها غير موضعها فأبدلوا الإيمان بها بالكفر (فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) بالكفر من إهلاكهم .
(وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين) إليك .
(حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق) أي بأن لا أقول (قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل) أطلقهم من أسر العبودية وخل بيني وبينهم .
(قال فرعون إن كنت جئت بآية) تصدق دعواك (فأت بها إن كنت من الصادقين) فيها .
(فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين) حية عظيمة بينة لا يشك فيها .
(ونزع يده) أخرجها من جيبه (فإذا هي بيضاء) ذات شعاع يغلب نور الشمس (للناظرين) خلاف نورها من الأدمة .
(قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم) حاذق بالسحر .
(يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون) تشيرون في أمره .
(قالوا أرجه وأخاه) أخر أمرهما (وأرسل في المدائن حاشرين) جامعين .
(يأتوك بكل ساحر عليم) وقرىء سحار فحشروا .
(وجاء السحرة فرعون) وهم سبعون أو أكثر (قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين) وقرىء على الإخبار .
(قال نعم وإنكم لمن المقربين) أنعم عليهم بالأجر وزاد عليه .
(قالوا يا موسى إما أن تلقي) ما معك (وإما أن نكون نحن الملقين) ما معنا خيروه تجلدا أو تأديا ولكن لحرصهم على الإلقاء قبله غيروا الأسلوب إلى الأبلغ بتعريف الخبر وتوسيط الفصل .
(قال ألقوا) كرما وتوثقا بأمره (فلما ألقوا) حبالا طوالا وخشبا غلاظا (سحروا أعين الناس) صرفوها عن حقيقة إدراكها (واسترهبوهم) أرهبوهم بالتخييل إليهم أنها حيات ملأت الوادي (وجاءوا بسحر عظيم) عند الناس.

(وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك) فألقاها فصارت حية (فإذا هي تلقف ما يأفكون) ما يقلبونه عن وجهه بالتمويه .
(فوقع الحق) ظهر وثبت (وبطل ما كانوا يعملون) من السحر .
(فغلبوا) أي فرعون وقومه (هنالك وانقلبوا صاغرين) صاروا أذلاء مبهوتين .
(وألقي السحرة ساجدين) ألقاهم ما يبهرهم من الحق حتى يتمالكوا أنفسهم أو الله بإلهامهم ذلك ليكسر فرعون بمن أراد بهم كسر موسى .
(قالوا ءامنا برب العالمين) ولئلا يتوهم إرادة فرعون به أبدل منه .
(رب موسى وهرون قال فرعون) إنكارا عليهم (أءامنتم به) بموسى أو ربه (قبل أن ءاذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه) شيء صنعتموه أنتم وموسى (في المدينة) في مصر قبل خروجكم (لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون) عاقبة أمركم .
(لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) اليد اليمنى والرجل اليسرى (ثم لأصلبنكم أجمعين) لتفتضحوا ويعبر يعتبر بكم غيركم .
(قالوا إنا إلى ربنا منقلبون) إلى ثوابه راجعون بعد الموت .
(وما تنقم) تنكر (منا إلا أن ءامنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا) عند فعل ما توعدونا به لئلا نرتد كفارا (وتوفنا مسلمين) ثابتين على الإسلام .
(وقال الملأ من قوم فرعون) له (أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض) بدعاء الناس إلى مخالفتك (ويذرك وءالهتك) قيل اتخذ لقومه أصناما وأمرهم بعبادتها تقربا إليه ولذلك قال أنا ربكم الأعلى وقيل كان يعبد البقر ويأمرهم بعبادتها وعن علي (عليه السلام) (وءالهتك) أي عبادتك (قال سنقتل) بالتخفيف والتشديد (أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون) متسلطون .
(قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا) على أذاه (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة) المحمودة (للمتقين) وعد لهم بالنصر .
(قالوا) أي بنو إسرائيل (أوذينا) بقتل الأنبياء (من قبل أن يأتينا) بالرسالة (ومن بعد ما جئتنا) قالوه استبطاء لوعده إياهم بالنصر فجدده لهم (قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) أخيرا أم شرا فيجازيكم به .
(ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين) بالقحط والجدب (ونقص من الثمرات) بكثرة العاهات والآفات (لعلهم يذكرون) يتعظون.
(فإذا جاءتهم الحسنة) السعة والسلامة أو الخصب والرخاء (قالوا لنا

هذه) استحقاقا (وإن تصبهم سيئة) حروب وبلاء أو جدب (يطيروا بموسى ومن معه) يتشاءموا بهم ويقولون ما أصابنا إلا بشؤمهم (ألا إنما طائرهم) سبب خيرهم وشرهم (عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون) ذلك وذكرت الحسنة معرفة مع إذا لكثرة وقوعها والسيئة منكرة مع أن لندورها.
(وقالوا مهما تأتنا به من ءاية) بزعمك (لتسحرنا) لتموه علينا (بها) الهاء بمعنى ما، أو آية (فما نحن لك بمؤمنين) بمصدقين .
(فأرسلنا عليهم الطوفان) المطر الذي طاف بهم أو الطاعون أو الجدري روي أنه خرب دورهم ومساكنهم حتى خرجوا إلى البرية وضربوا الخيام (والجراد) فجردت كل شيء كان لهم من النبت والشجر حتى كانت تجرد شعورهم ولحيتهم (والقمل) كبار القردان فذهبت زروعهم وأصابتهم المجاعة (والضفادع) فامتلأت منها بيوتهم وثيابهم وأوانيهم (والدم) فصارت مياههم في فم القبطي دما وفي فم الإسرائيلي ماء (ءايات) حال (مفصلات) مبينات (فاستكبروا) عن الإيمان (وكانوا قوما مجرمين).
(ولما وقع عليهم الرجز) العذاب وروي الثلج الأحمر ولم يروه قبل ذلك فماتوا عنه وجزعوا وأصابتهم ما لم يعهدوه (قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك) من إجابة دعوتك (لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل).
(فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه) ليتهيئوا فيه (إذا هم ينكثون) بادروا إلى نقض ما عهدوه .
(فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم) البحر (بأنهم) بسبب أنهم (كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين) معرضين حتى صاروا كالغافلين عنها أو عن النقمة بقرينة فانتقمنا .
(وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون) بالاستعباد وهم بنو إسرائيل (مشارق الأرض ومغاربها) أرض مصر والشام تمكنوا في نواحيها بعد إهلاك العتاة (التي باركنا فيها) بالخصب والسعة (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل) وهي قوله في القصص ونريد أن نمن إلخ (بما صبروا) على الشدائد (ودمرنا) أهلكنا (ما كان يصنع فرعون وقومه) من العمارات (وما كانوا يعرشون) من الشجر أو يرفعون من البنيان .
(وجاوزنا) عبرنا (ببني إسرائيل البحر فأتوا) فمروا (على قوم) من العمالقة أو لخم (يعكفون على أصنام لهم) يقيمون على عبادتها (قالوا يا موسى اجعل لنا إلها) صنما نعبده (كما لهم ءالهة) ما كافة للكاف (قال إنكم قوم تجهلون) لبعد ما طلبتم وقد شاهدتم الآيات من العقل .
(إن هؤلاء) القوم (متبر) مهلك (ما هم فيه) من الدين (وباطل) مضمحل (ما كانوا يعملون) من عبادة الأصنام .
(قال أغير الله أبغيكم

إلها) أطلب لكم معبودا (وهو فضلكم على العالمين) في زمانكم بنعمكم الجسام فقابلتموها بأن قصدتم أن تشركوا به مخلوقة .
(و) اذكروا (إذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم) يولونكم ويذيقونكم (سوء العذاب) أشده (يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم) يستبقونهن للخدمة (وفي ذلكم) الإنجاء أو العذاب (بلاء) نعمة أو محنة (من ربكم عظيم).
(وواعدنا) وقرىء ووعدنا (موسى ثلاثين ليلة) ذا القعدة (وأتممناها بعشر) من ذي الحجة (فتم ميقات ربه) وقت وعده (أربعين ليلة) قيل وعد قومه أن يأتيهم بكتاب من الله فأمر بصوم ثلاثين فصامها فاستاك لخلوف فيه فأمر بعشر أخرى لإفساد السواك ريحه وقيل أمر بصوم ثلاثين ثم كلمه وأنزل عليه التوراة في العشر (وقال موسى لأخيه هرون) عند خروجه إلى الجبل للمناجاة (اخلفني) كن خليفتي (في قومي وأصلح) أمورهم (ولا تتبع سبيل المفسدين) طريقهم في المعاصي .
(ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه) بلا واسطة سمعه من كل جهة (قال رب أرني أنظر إليك) روي لما كرروا سؤال الرؤية وأوحى الله إليه يا موسى سألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم (قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) علق على المحال (فلما تجلى ربه للجبل) ظهر له أمره واقتداره أو نوره أو عظمته (جعله دكا) مدكوكا أي مدقوقا (وخر موسى صعقا) مغشيا عليه لهول ما رأى (فلما أفاق قال سبحانك) تنزيها لك عما لا يليق بك من الرؤية وغيرها (تبت إليك) من طلب الرؤية أو السؤال بلا إذن (وأنا أول المؤمنين) بأنك لا ترى .
(قال يا موسى إني اصطفيتك) اخترتك (على الناس) من أهل زمانك (برسالاتي) وقرىء برسالتي (وبكلامي) وبتكليمي إياك (فخذ ما ءاتيتك) من النبوة والدين (وكن من الشاكرين) لنعمي .
(وكتبنا له في الألواح) ألواح التوراة وكانت سبعة أو عشرة من خشب أو ياقوت أو زمرد (من كل شيء) يحتاج إليه في الدين (موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة) بجد وعزيمة (وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) أي بأحسن ما فيها من الفرائض والنوافل إذ هي أحسن من المباحات أو بحسنها وكلها حسن (سأريكم دار الفاسقين) فرعون وقومه وهي مصر أو منازل عاد وثمود وأمثالهم ليعتبروا بهم أو دارهم في الآخرة وهي جهنم .
(سأصرف عن ءاياتي) عن إبطال دلائلي (الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) متلبسين بالباطل وهو دينهم (وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها) لعنادهم (وإن يروا سبيل الرشد) الهدى (لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي) الضلال (يتخذوه سبيلا ذلك) الصرف (بأنهم كذبوا بآياتنا

وكانوا عنها غافلين) بسبب تكذيبهم بها وإعراضهم عنها .
(والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة) البعث وما يتبعه (حبطت أعمالهم هل) ما (يجزون إلا ما كانوا يعملون) إلا جزاء عملهم .
(واتخذ قوم موسى من بعده) بعد ذهابه للمناجاة (من حليهم عجلا جسدا) من ذهب لا روح فيه (له خوار) صوت قيل لما صاغه السامري ألقى في فمه من تراب أثر فرس جبرئيل فصار حيا وقيل احتال لدخول الريح جوفه فصوت (ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا) فكيف يتخذونه إلها (اتخذوه) إلها (وكانوا ظالمين) باتخاذه واضعين للعبادة في غير موضعها .
(ولما سقط في أيديهم) ندموا إذ النادم يعض يده فيصير مسقوطا فيها (ورأوا) علموا (أنهم قد ضلوا) بعبادة العجل (قالوا لئن لم يرحمنا ربنا) بقبول التوبة (ويغفر لنا) ذنبنا (لنكونن من الخاسرين).
(ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا) حزينا أو شديد الغضب (قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم) وعده الذي وعدنيه من الأربعين فلم تصبروا وقدرتم موتي وأشركتم (وألقى الألواح) ألواح التوراة غضبا لله وحمية للدين فمنها ما تكسر ومنها ما بقي ومنها ما ارتفع (وأخذ برأس أخيه) بذؤابته ولحيته (يجره إليه) غضبا إلى قومه كما يفعل الغضبان بنفسه أو سحبه معه حتى ينزل بهم العذاب (قال ابن أم) بفتح الميم وكسرها وذكر الأم استعطافا واستبعادا للعداوة بين بني أم واحدة وكان الأب واحد (إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) لشدة إنكاري عليهم (فلا تشمت بي الأعداء) لا تسرهم بأن تفعل بي ما ظاهره الإهانة (ولا تجعلني مع القوم الظالمين) بعبادة العجل أي من جملتهم في إظهار الغضب علي .
(قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك) بالإنعام علينا (وأنت أرحم الراحمين) أرحم منا بأنفسنا .
(إن الذين اتخذوا العجل) إلها (سينالهم غضب من ربهم) عذاب الآخرة أو أمرهم بقتل أنفسهم (وذلة في الحياة الدنيا) الجلاء أو الجزية (وكذلك) الجزاء (نجزي المفترين) على الله بالإشراك وغيره .
(والذين عملوا السيئات) من شرك وغيره (ثم تابوا) عنها (من بعدها وءامنوا) واستقاموا على الإيمان (إن ربك من بعدها) بعد التوبة (لغفور) لهم (رحيم) بهم .
(ولما سكت) سكن (عن موسى الغضب أخذ الألواح) التي ألقاها (وفي نسختها) فيما نسخ فيها أي كتب (هدى) بيان للحق (ورحمة) دعاء إلى الخير (للذين هم لربهم يرهبون) يخشون .
(واختار موسى قومه) أي من قومه (سبعين رجلا لميقاتنا

فلما أخذتهم الرجفة) قيل أمره الله أن يختارهم ليكلمه بحضرتهم ليشهدوا عند بني إسرائيل فلما سمعوا كلامه قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة أو الزلزلة فصعقوا (قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل) قبل خروجي بهم (وإياي) لئلا يتهمني بنو إسرائيل (أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) استفهام استعطاف أي لا تؤاخذنا بذنب غيرنا من طلب الممتنع وهو الرؤية فيكون الطالب بعضهم وقيل عبادة العجل (إن هي إلا فتنتك) ما الرجفة إلا ابتلاؤك ليتميز الصابر من غيره أو عذابك (تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) بلطفك فيصبر (أنت ولينا) متولي أمرنا (فاغفر لنا) ذنوبنا (وارحمنا وأنت خير الغافرين).
(واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة) نعمة وتوفيق طاعة (وفي الآخرة) حسنة الجنة (إنا هدنا) تبنا (إليك) من هاده أماله (قال عذابي أصيب به من أشاء) من العباد (ورحمتي وسعت كل شيء) في الدنيا البر والفاجر (فسأكتبها) أثبتها في الآخرة (للذين يتقون) الشرك والمعاصي (ويؤتون الزكاة) خصت بالذكر لفضلها أو لأنها أشق (والذين هم بآياتنا يؤمنون).
(الذين) مبتدأ خبره يأمرهم أو خبر محذوف أي هم الذين (يتبعون الرسول النبي) محمد (الأمي) المنسوب إلى أم القرى أو الذي لا يكتب ولا يقرأ (الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل) باسمه ونعته (يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات) مما حرم في شرعهم (ويحرم عليهم الخبائث) كالميتة ونحوها (ويضع عنهم إصرهم) ما يشق عليهم من التكاليف (والأغلال) العهود (التي كانت عليهم) بالعمل بما في التوراة (فالذين ءامنوا به وعزروه) وقروه (ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه) أي مع رسالته وهو علي (عليه السلام) أو القرآن (أولئك هم المفلحون).
(قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) إلى الثقلين (الذي له ملك السموات والأرض) صفة الله أو مبتدأ خبره (لا إله إلا هو يحيي ويميت) تقرير لاختصاصه بها (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته) القرآن والوحي والكتب المتقدمة (واتبعوه لعلكم تهتدون) إلى الثواب أو الجنة .
(ومن قوم موسى أمة) جماعة (يهدون بالحق وبه يعدلون) في الحكم هم الثابتون على الإيمان من أهل زمانه أو مؤمنوا أهل الكتاب، وروي هم قوم وراء الصين مسلمون يخرجون مع قائم آل محمد .
(وقطعناهم) فرقنا بني إسرائيل (اثنتي عشرة أسبأطا) قبائل بدل (أمما) صفة أسبأطا.

(وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه) في التيه (أن اضرب بعصاك الحجر) فضربه (فانبجست) انفجرت (منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس) كل سبط (مشربهم وظللنا عليهم الغمام) تقيهم الشمس (وأنزلنا عليهم المن والسلوى) وقلنا لهم (كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) فسر في البقرة .
(وإذا قيل لهم أسكنوا هذه القرية) بيت المقدس (وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم) وقرىء خطاياكم وخطيئتكم (سنزيد المحسنين) ثوابا .
(فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون) فسر في البقرة .
(واسئلهم) توبيخا (عن القرية) عن أهلها وما وقع بهم (التي كانت حاضرة البحر) بقرية وهي أيلة بين مدين والطور وقيل مدين (إذ يعدون) يتجاوزون حد الله (في السبت) بالصيد فيه وذلك أنهم نهوا عن ذلك فاتخذوا حياضا لا يتهيأ للحيتان الخروج منها فكانت تدخلها في السبت فيصيدونها يوم الأحد (إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا) ظاهرة على الماء (ويوم لا يسبتون) لا يعظمون السبت أي سائر الأيام (لا تأتيهم كذلك) البلاء (نبلوهم بما كانوا يفسقون) بفسقهم .
(وإذ قالت أمة منهم) وكانوا ثلاث فرق فرقة صادوا وفرقة نهوا وفرقة أمسكوا فقالت الماسكة للناهية (لم تعظون قوما الله مهلكهم) في الدنيا (أو معذبهم عذابا شديدا) في الآخرة (قالوا) جوابا لسؤالهم موعظتنا (معذرة) وقرىء بالنصب مصدرا أي نعتذر معذرة (إلى ربكم) لئلا ننسب إلى ترك النهي عن المنكر (ولعلهم يتقون) الله فلا يعصونه .
(فلما نسوا) تركوا (ما ذكروا به) من الوعظ فلم ينتهوا (أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا) بتعدي الحد (بعذاب بئيس) شديد (بما كانوا يفسقون) بفسقهم .
(فلما عتوا عن ما نهوا عنه) تكبروا عن تركه (قلنا لهم كونوا قردة خاسئين) مطرودين .
(وإذ تأذن ربك) بمعنى أذن أي أعلم أجري مجرى القسم كعلم الله فأجيب بجوابه وهو (ليبعثن عليهم) ليسلطن على اليهود (إلى يوم القيامة من يسومهم سوء

العذاب) يوليهم شدته بالذل وأخذ الجزية (إن ربك لسريع العقاب) لمن عصاه (وإنه لغفور) لمن آمن (رحيم) به .
(وقطعناهم) فرقناهم (في الأرض أمما) فرقا (منهم الصالحون ومنهم دون ذلك) منحطون عن الصلاح وهم كفرتهم وفسقتهم (وبلوناهم بالحسنات والسيئات) بالمنح والمحن (لعلهم يرجعون) عما هم عليه .
(فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب) التوراة عن أسلافهم يتلونها (يأخذون عرض هذا الأدنى) حطام هذا الشيء الدني أي الدنيا من الحرام كالرشاء وغيرها (ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه) حال من المستكن في لنا أي يرجون المغفرة مصرين على ذنبهم عائدين إليه (ألم يؤخذ) تقرير (عليهم ميثاق الكتاب) الإضافة بمعنى في (أن لا يقولوا على الله إلا الحق) متعلق بالميثاق أي بأن أو عطف بيان (ودرسوا ما فيه) تركوه حتى صار دارسا (والدار الآخرة خير) من عرض الدنيا (للذين يتقون) الحرام (أفلا تعقلون) ذلك بالتاء والياء .
(والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلوة) عطف على الذين يتقون، وأ فلا تعقلون اعتراض أو مبتدأ خبره (إنا لا نضيع أجر المصلحين) بتقدير منهم وضع الظاهر موضع المضمر .
(وإذ نتقنا الجبل) رفعناه (فوقهم كأنه ظلة) وهو ما أظلك من غمامة أو سقيفة (وظنوا) أيقنوا وقوي في نفوسهم (أنه واقع بهم) ساقط عليهم إذ وعدهم الله وقوعه إن لم يقبلوا أحكام التوراة وقلنا لهم (خذوا ما ءاتيناكم) من التوراة (بقوة) بجد وعزم (واذكروا ما فيه) بالعمل به (لعلكم تتقون) المعاصي .
(وإذ أخذ ربك من بني ءادم من ظهورهم) بدل اشتمال (ذريتهم) وقرىء ذرياتهم أي أخرج من أصلابهم على نحو توالدهم نسلا بعد نسل، وروي أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر فعرفهم نفسه وأراهم صنعه (وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا) أي نصب لهم دلائل ربوبيته وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بربوبيته حتى صاروا بمنزلة من شهدوا وأقروا (أن تقولوا يوم القيامة) كراهة أن تقولوا (إنا كنا عن هذا غافلين) لم نتنبه له بحجة .
(أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم) فاقتدينا بهم (أفتهلكنا بما فعل المبطلون) من آبائنا .
(وكذلك) التفصيل والبيان (نفصل الآيات) نبينها ليستدلوا بها (ولعلهم يرجعون) عن الباطل إلى الحق .
(واتل عليهم) أي اليهود (نبأ الذي ءاتيناه ءاياتنا) بلعم بن باعور كان عنده الاسم الأعظم فسئل أن يدعو على موسى فدعا فانقلب عليه (فانسلخ) خرج (منها) بكفره كالذي ينسلخ من جلده (فأتبعه) لحقه (الشيطان فكان من الغاوين) فصار من الهالكين .
(ولو شئنا

لرفعناه) إلى منازل العلماء (بها) بسبب الآيات قبل كفره لكن أبقيناه اختبارا له فكفر (ولكنه أخلد إلى الأرض) ركن إلى الدنيا (واتبع هواه) في إيثارها على العقبى (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه) بالطرد والزجر (يلهث) يدلع لسانه (أو تتركه) وشأنه (يلهث) والشرطية حال أي لاهثا في الحالين بخلاف سائر الحيوانات والمراد التشبيه في الصفة والخسة، وقيل لما دعا على موسى اندلع لسانه على صدره (ذلك) المثل (مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص) على اليهود (لعلهم يتفكرون) يتدبرونها فيعتبرون .
(ساء مثلا القوم) أي مثل القوم (الذين كذبوا بآياتنا) بعد علمهم بها (وأنفسهم) لا غيرها (كانوا يظلمون) بالتكذيب إذ وباله لا يتعداهم .
(من يهدي الله) إلى الإيمان بلطفه لعلمه أنه أهل اللطف أو إلى الجنة بسبب إيمانه (فهو المهتدي) الفائز بالنعيم الباقي (ومن يضلل) بالتخلية (فأولئك هم الخاسرون) وفي تغيير الأسلوب بإفراد المهتدي وجمع الخاسر إشارة إلى أن المهتدين كواحد لاتحاد طريقهم بخلاف الضالين .
(ولقد ذرأنا) خلقنا (لجهنم كثيرا من الجن والإنس) ممن علم الله أنهم للنار باختيارهم واللام للعاقبة (لهم قلوب لا يفقهون بها) الحق لتركهم تدبر دلائله (ولهم أعين لا يبصرون بها) آيات قدرته (ولهم ءاذان لا يسمعون بها) مواعظه للقرآن سماع اتعاظ (أولئك كالأنعام) في عدم الفقه والإبصار والاستماع (بل هم أضل) لأنها لا تدع ما فيه صلاحها من جلب منفعة ودفع مضرة وهؤلاء يقدمون على النار عنادا (أولئك هم الغافلون) إذ لم يتنبهوا بالحجج .
(ولله الأسماء الحسنى) التي لا يسمى بها غيره (فادعوه بها) سموه بتلك الأسماء (وذروا) واتركوا (الذين يلحدون) يميلون عن الحق (في أسمائه) فيطلقونها على أصنامهم ويشتقون أسماءهم منها كاللات من الله والعزى من العزيز ومناة من المنان أو يسمونه بما لا يليق به أي ذروهم وإلحادهم فيها (سيجزون) في الآخرة جزاء (ما كانوا يعملون).
(وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) في الحكم هم الأئمة وأتباعهم .
(والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم) سنقربهم إلى الهلاك درجة درجة (من حيث لا يعلمون) ذلك بأن تتواتر عليهم النعم وهم يزدادون غيا حتى يحل بهم العذاب .
(وأملي لهم) وأمهلهم (إن كيدي متين) بطشي شديد سماه كيدا لمجيئه من حيث لا يشعرون .
(أولم يتفكروا) فيعلموا (ما بصاحبهم) محمد (من جنة) نزلت حين حذرهم بأس الله فنسبوه إلى الجنون (إن هو إلا نذير مبين) موضح للإنذار .
(أولم ينظروا) اعتبارا (في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء) من أصناف خلقه فيستدلوا به على الصانع (وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم) عطف على (ملكوت السموات) وأن مصدرية أو مخففة واسمها ضمير الشأن أي أولم ينظروا في اقتراب أجلهم فيتبادروا إلى الإيمان لئلا يموتوا كفارا

فيصيروا إلى النار (فبأي حديث بعده يؤمنون) أي القرآن يؤمنون مع وضوح دلالته .
(ومن يضلل الله) يتركه وسوء اختياره (فلا هادي له) يقسره على الإيمان (ويذرهم في طغيانهم) بالرفع على الاستيناف وقرىء بالنون (يعمهون) متحيرين .
(يسألونك عن الساعة) القيامة أو وقت موت الخلق (أيان مرساها) متى إرساؤها أي إثباتها (قل إنما علمها عند ربي) لم يطلع عليه أحد (لا يجليها لوقتها) لا يظهرها في وقتها (إلا هو ثقلت في السموات والأرض) عظمت على أهلها لهولها (لا تأتيكم إلا بغتة) فجأة فتكون أعظم أو أهول (يسألونك كأنك حفي) مستقص في السؤال (عنها) حتى علمتها (قل إنما علمها عند الله) كرر تأكيدا (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) أن علمها عند الله استأثر به .
(قل لا أملك لنفسي نفعا) بجلب (ولا ضرا) بدفع (إلا ما شاء الله) أن يملكنيه من ذلك بإلهامه (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) من المنافع (وما مسني السوء) من فقر وغيره لاحترازي من أسبأبه (إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون) فإنهم المنتفعون بالإنذار والبشارة .
(هو) أي الله (الذي خلقكم من نفس واحدة) آدم (وجعل منها) من ضلعها أو فضل طينتها أو جنسها (زوجها) حواء (ليسكن إليها) وذكر نظرا إلى المعنى (فلما تغشاها) جامعها (حملت حملا خفيفا) هو النطفة (فمرت به) فاستمرت به يجيء ويذهب لخفته (فلما أثقلت) بكبر الحمل في بطنها (دعوا الله ربهما لئن ءاتيتنا صالحا) ولدا سويا (لنكونن من الشاكرين) لك على ذلك .
(فلما ءاتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما ءاتاهما) أي جعل أولادهما له شركاء فيما آتى أولادهما فسموه عبد اللات وعبد العزى (فتعالى الله عما يشركون) وقيل ضمير جعلا للنسل الصالح السوي وثني لأن حواء كانت تلد توأما، وقيل المعنى خلق الله كل واحد منهم من نفس واحدة وجعل زوجها من جنسها وضمير جعلا للنفس وزوجها من ولد آدم وضمير يشركون للجميع .
(أيشركون) توبيخ (ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون) أي الأصنام التي سموها آلهة وأفرد للفظ ما وجمع لمعناها .
(ولا يستطيعون لهم) أي لعبدتهم (نصرا ولا أنفسهم ينصرون) بدفع ما يعتريها .
(وإن تدعوهم) أي المشركين (إلى الهدى) الإيمان (لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون).
(إن الذين تدعون) تعبدون (من دون الله عباد) مملوكة مذللة (أمثالكم فادعوهم) في مهامكم (فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين) أنهم آلهة .
(ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم ءاذان يسمعون بها) أي ليس لهم شيء من ذلك مما لكم فأنتم أفضل وأتم منهم ولم يستحق بعضكم عبادة بعض فكيف يستحقون عبادتكم.

(قل ادعوا شركاءكم) وتظاهروا بهم علي (ثم كيدون) فاجتهدوا أنتم وهم في هلاكي (فلا تنظرون) فلا تمهلوني فإني لا أبالي بكم .
(إن وليي) متولي أموري وناصري (الله الذي نزل الكتاب) القرآن حجة لي عليكم (وهو يتولى الصالحين) بنصرهم بالدفع عنهم بالحجة .
(والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون) فكيف أبالي بهم .
(وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا) أي الأصنام (وتراهم ينظرون) كالناظرين (إليك) إذا قابلت صورهم (وهم لا يبصرون).
(خذ العفو) ما عفا وتسهل من أخلاق الناس أو من أموالهم (وأمر بالعرف) ما حسن عقلا وشرعا (وأعرض عن الجاهلين) فقابل سفههم بالحلم .
(وإما) إن الشرطية أدغمت في ماء الزائدة (ينزغنك من الشيطان نزغ) أي ينخسك منه نخس أي وسوسة من باب إياك أعني (فاستعذ بالله) يكفكه (إنه سميع) لدعائك (عليم) بما يصلحك .
(إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف) خاطر ولم يطوف حول القلب (من الشيطان) أي جنسه بقرينة جمع ضميره (تذكروا) عقاب الله وثوابه (فإذا هم مبصرون) للرشد فيرهبون إليه بسبب التذكر .
(وإخوانهم يمدونهم) أي إخوان الشياطين من الكفار يمدهم الشياطين أو إخوان الكفار من الشياطين يمدون الكفار (في الغي) بتزيينه لهم (ثم لا يقصرون) لا يكفون عن إغوائهم أو لا يكف الإخوان عن الغي كما يكف المتقون .
(وإذا لم تأتهم بآية) مما اقترحوا ومن القرآن (قالوا لو لا اجتبيتها) هلا تقولتها من نفسك كسائر ما تتقوله، أو هلا طلبتها من ربك (قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي) لست بمتقول ولا بمقترح للآيات (هذا) القرآن (بصائر) دلائل تبصر القلوب بها الحق (من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) مر تفسيره .
(وإذا قرىء القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) روي أنه في الفريضة خلف الإمام وقيل بوجوب الإستماع والإنصات مطلقا تعظيما للقرآن .
(واذكر ربك في نفسك) يعم كل ذكر، وروي إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح في نفسك يعني فيما لا يجهر الإمام فيه بالقراءة (تضرعا) مستكينا (وخيفة) خائفا من عذابه (ودون الجهر من القول) القراءة أي لافظا لفظا فوق السر ودون الجهر (بالغدو والآصال) بالبكر والعشيات (ولا تكن من الغافلين) عن ذكر ربك .
(إن الذين عند ربك) يعني الملائكة (لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه) ينزهونه (وله يسجدون) يخصونه بالخضوع والتذلل تعريض بمعنى ليس كذلك.




سورة الأنفال

(8) سورة الأنفال ست وسبعون آية (76) مدنية
وقيل إلا من وإذ يمكر إلى آخر سبع آيات.
بسم الله الرحمن الرحيم
(يسألونك عن الأنفال) عن حكمها وهي كل ما أخذ من دار الحرب بغير قتال، وكل أرض لا رب لها، والمعادن والآجام وبطون الأودية وقطائع الملوك، وميراث من لا وارث له وقرىء يسألونك الأنفال أي أن تعطيهم (قل الأنفال لله والرسول) يختص بهما وجعله الرسول لمن قام مقامه من بعده (فاتقوا الله) في الاختلاف والخلاف (وأصلحوا ذات بينكم) الحال التي بينكم أو حقيقة وصلكم بالمواصلة وترك الشقاق (وأطيعوا الله ورسوله) في أوامرهما ونواهيهما (إن كنتم مؤمنين) كاملي الإيمان .
(إنما المؤمنون) الكاملو الإيمان (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) خافت لذكره تعظيما له أو إذا ذكر وعيده تركوا المعاصي خوفا من عقابه (وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا) أي تصديقا لرسوخ اليقين بظاهر الحجج (وعلى ربهم يتوكلون).
(الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) فسر في البقرة .
(أولئك) المستجمعون لهذه الخصال (هم المؤمنون حقا) أي إيمانا حقا لا يشوبه شك أو حق ذلك حقا (لهم درجات عند ربهم) في الجنة يرتقونها بأعمالهم (ومغفرة ورزق كريم) دائم كثير في الجنة .
(كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) كما متعلق بما دل عليه الأنفال لله والرسول، أي جعلها لك وإن كرهوا ولم يعلموا أنها صالح لهم كإخراجك من وطنك بالمدينة للحرب وإن كرهوه، أو خبر محذوف أي هذه الحال في كراهتهم لها كإخراجك في كراهتهم له (وإن فريقا من المؤمنين لكارهون) حال أي أخرجك في حال كراهتهم، قيل إن عير قريش أقبلت من الشام وفيها أبو سفيان وجماعة فعلم بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فانتدب أصحابه ليغنموها فخرجوا وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فعلمت قريش فخرج أبو جهل بأهل مكة ليذبوا عنها وهم النفير وأخذت العير الساحل فنجت فأشير على أبي جهل بالرجوع فأبى وسار إلى بدر وقد وعد الله نبيه إحدى الطائفتين فاستشار أصحابه فكره بعضهم قتال النفير فقالوا لم نتأهب له إنما خرجنا للعير فقال العير مضت وهذا أبو جهل قد أقبل فرادوه فغضب (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال سعد بن عبادة والمقداد وسعد بن معاذ امض لما أردت فإنا معك ولم يتخلف منا أحد عنك فسر بذلك وقال سيروا على بركة الله .
(يجادلونك في الحق) أي القتال إذ قالوا هلا أخبرتنا لنستعد له (بعد ما تبين) ظهر وعرفوا صوابه (كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) أي هم في كراهتهم له كمن يساق إلى الموت وهو يعاين أسبأبه .
(وإذ) واذكر إذ (يعدكم الله إحدى الطائفتين) العير أو النفير (أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) أي تريدون العير لقلة الناس والسلاح فيها دون النفير لكثرة عدهم وعددهم والشوكة الحدة كنى بها عن الحرب (ويريد الله أن يحق الحق) يثبته
ويظهره (بكلماته) السابقة بالوعد بظهور الإسلام (ويقطع دابر الكافرين) يستأصلهم .
(ليحق الحق ويبطل الباطل) أي أمركم بقتال النفير ليظهر الإسلام ويمحق الكفر (ولو كره المجرمون) ذلك .
(إذ تستغيثون ربكم) متعلق ب ليحق أو بمضمر أي اذكروا إذ تطلبون منه الغوث بنصركم عليهم (فاستجاب لكم إني ممدكم) معينكم (بألف من الملائكة مردفين) متبعين بعضهم بعضا .
(وما جعله الله) أي الإمداد (إلا بشرى) بشارة لكم بالنصر (ولتطمئن به قلوبكم) تسكن إليه من الروع (وما النصر إلا من عند الله) لا من العدد والعدد والملائكة وإنما أمدهم بشارة وتقوية لقلوبهم (إن الله عزيز) لا يغالب (حكيم) يفعل للمصالح .
(إذ يغشيكم النعاس) يغلبكم بدل من إذ تستغيثون أو متعلق بجعل أو بالنصر أو بإضمار اذكر وقرىء يغشاكم (أمنة منه) أمنا من الله مفعول له (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) من الجنابة والحدث أو منهما ومن الخبث (ويذهب عنكم رجز الشيطان) الجنابة لأنها من تخييله أو وسوسته وذلك أنهم نزلوا على تل رمل تسوخ فيه أقدامهم فباتوا على غير ماء فاحتلم أكثرهم وقد غلب المشركون على الماء فتمثل لهم إبليس وقال تزعمون أنكم على الحق وقد سبقتم إلى الماء وتصلون بالجنابة والحدث وأنتم ظماء فمطروا فتلبد الرمل لتثبت عليه أقدامهم فصنعوا الحياض واغتسلوا وتوضئوا واطمأنوا وزالت الوسوسة (وليربط على قلوبكم) باليقين والثقة بالنصر (ويثبت به الأقدام) أي المطر بتلبيده الرمل أو بالربط .
(إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم) بالنصر فأعاينهم (فثبتوا الذين ءامنوا) بالبشارة بالنصر أو بقتل أعدائهم (سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب) كالبيان لأني معكم (فاضربوا فوق الأعناق) أي الرءوس (واضربوا منهم كل بنان) أطرافهم وأيديهم وأرجلهم .
(ذلك) الضرب (بأنهم شاقوا الله ورسوله) أي بسبب مخالفتهم لهما (ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب) بالإهلاك في الدنيا وبالنار في الآخرة .
(ذلكم) أي الأمر ذلكم (فذوقوه) أيها الكافرون في الدنيا (وأن للكافرين) عطف على ذلكم (عذاب النار) في الآخرة .
(يا أيها الذين ءامنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا) متدانين لقتالكم كأنهم لكثرتهم يزحفون أو يدنون إليكم وتدنون إليهم (فلا تولوهم الأدبار) منهزمين .
(ومن يولهم يومئذ) أي يوم لقائه (دبره إلا متحرفا لقتال) منعطفا يريهم الفر وهو يريد الكر مكيدة (أو متحيزا إلى فئة) منحازا إلى جماعة من المسلمين يستعين بها (فقد باء) رجع (بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) المرجع هي .
(فلم تقتلوهم) ببدر بقوتكم (ولكن الله قتلهم) بنصره لكم وإرعابهم (وما رميت) يا محمد (إذ رميت) بها نحوهم (ولكن الله رمى) إذ لا قدرة للبشر أن يبلغ كفا من الحصى أعين الجيش الكثير (وليبلي

المؤمنين منه بلاء حسنا) أي فعل ذلك ليقهر المشركين ولينعم على المؤمنين نعمة بالنصر والغنيمة (إن الله سميع) لدعائهم .
(عليم) بأحوالهم (ذلكم) أي الأمر ذلكم (وأن الله موهن كيد الكافرين) عطف على ذلكم .
(إن تستفتحوا) تطلبوا الفتح أي النصر (فقد جاءكم الفتح) نصر محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عليكم (وإن تنتهوا) عن الكفر وجواب الرسول (فهو خير لكم) عاجلا وآجلا (وإن تعودوا) لحربه (نعد) بنصره (ولن تغني) تدفع (عنكم فئتكم) جماعتكم (شيئا) من العذاب (ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين) بالنصر .
(يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا) تعرضوا (عنه) عن الرسول (وأنتم تسمعون) القرآن والمواعظ .
(ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا) كالكفرة في دعواهم السماع (وهم لا يسمعون) سماع قبول فكأنهم لم يسمعوا .
(إن شر الدواب) ما دب على الأرض (عند الله الصم) عن سماع الحق (البكم) عن قوله (الذين لا يعقلون) جعلوا شرا من البهائم لإبطالهم ما ميزوا به .
(ولو علم الله فيهم خيرا) انتفاعا باللطف (لأسمعهم ولو أسمعهم) وقد علم أن لا خير فيهم (لتولوا وهم معرضون) عن قبوله عنادا .
(يا أيها الذين ءامنوا استجيبوا لله وللرسول) بالطاعة (إذا دعاكم) الرسول (لما يحييكم) من العقائد والأعمال المورثة للحياة الباقية (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) بالموت ونحوه (وأنه إليه تحشرون) فيجزيكم بأعمالكم .
(واتقوا فتنة) عذابا أي موجبة كإقرار المنكر بين أظهركم وترك الأمر بالمعروف (لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) بل تعمهم وغيرهم (واعلموا أن الله شديد العقاب) للعصاة .
(واذكروا) معشر المهاجرين (إذ أنتم قليل) قبل الهجرة (مستضعفون) لقريش (في الأرض) أرض مكة (تخافون أن يتخطفكم الناس) يأخذكم بسرعة كفار قريش أو غيرهم (فآواكم) إلى المدينة (وأيدكم) قواكم (بنصره) يوم بدر بالملائكة أو بالأنصار (ورزقكم من الطيبات) الغنائم (لعلكم تشكرون) نعمه .
(يا أيها الذين ءامنوا لا تخونوا الله والرسول) بترك الفرائض والسنن أو بترك شيء من الدين (وتخونوا أماناتكم) ما ائتمنتم عليه من الدين وغيره (وأنتم تعلمون) أنها أمانة، أو قبح الخيانة .
(واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة) تلهيانكم عن ذكر الله أو ابتلاء واختبار (وأن الله عنده أجر عظيم) لمن أطاعه فيهم وآثر رضاه عليهم .
(يا أيها الذين ءامنوا إن تتقوا الله) بطاعته وترك معاصيه (يجعل لكم فرقانا) ما تفرقون به بين الحق والباطل (ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم) بالعفو عن ذنوبكم (والله ذو الفضل العظيم) يبتدىء بالنعم قبل استحقاقها .
(وإذ يمكر بك الذين كفروا) واذكر إذ يحتالون بمكة في أمرك (ليثبتوك) ليحبسوك (أو يقتلوك أو يخرجوك) من مكة (ويمكرون ويمكر الله) بمجازاتهم

بمكرهم أورده عليهم أو بمعاملتهم معاملة الماكر بهم بمبيت علي (عليه السلام) في الفراش حين أخرجوك إلى الغار (والله خير الماكرين) أعلمهم بالتدبير .
(وإذا تتلى عليهم آياتنا) القرآن (قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا) قالوه عنادا (إن هذا إلا أساطير الأولين) ما سطروه من القصص .
(وإذ قالوا اللهم إن كان هذا) الذي يتلوه محمد، أو قوله في علي (عليه السلام) من كنت مولاه فعلي مولاه كما روي (هو الحق) الثابت تنزيله (من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) على جحوده وقائله النضر وأبو جهل أو النعمان بن الحارث تهكما وإظهارا للجزم ببطلانه .
(وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) بيان لسبب إمهالهم فيما سألوه (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) أي يستغفر فيهم بقية المؤمنين الذين لم يهاجروا عجزا .
(وما) أي شيء (لهم ألا يعذبهم الله) يمنع تعذيبهم بعد خروجك منهم وخروج البقية (وهم يصدون) يمنعون النبي والمؤمنين (عن المسجد الحرام) بإلجائهم إلى الهجرة وإحضارهم عام الحديبية (وما كانوا أولياءه) كما زعموا أنهم ولاة البيت الحرام (إن أولياؤه إلا المتقون) لا المشركون (ولكن أكثرهم لا يعلمون) ذلك .
(وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء) صفيرا (وتصدية) تصفيقا باليدين أي وضعوا ذلك موضع الدعاء أو الصلاة التي أمروا بها فمن هذه صلاته لا يصلح لولاية المسجد، قيل كانوا يفعلون ذلك في طوافهم عراة رجالا ونساء، وقيل يفعلونه إذا صلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليخلطوا عليه (فذوقوا العذاب) أي القتل ببدر أو عذاب الآخرة (بما كنتم تكفرون) بكفركم .
(إن الذين كفروا ينفقون أموالهم) في حرب الرسول (ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها) بأجمعها (ثم تكون) تصير في العاقبة (عليهم حسرة) غما لفواتها وفوات مقصودهم (ثم يغلبون) في الحرب (والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) يساقون .
(ليميز) بالتخفيف والتشديد (الله الخبيث من الطيب) الكافر من المؤمن (ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا) يجمعه حتى يتراكب بعضه على بعض لازدحامهم أو يضم ما أنفقوه إليهم ليعذبوا به كالكافرين (فيجعله في جهنم أولئك) المنفقون (هم الخاسرون) أنفسهم إذا اشتروا العذاب لها بأموالهم فخسروا الدنيا والآخرة .
(قل للذين كفروا) لأجلهم كأبي سفيان وأصحابه (إن ينتهوا) عن الكفر وحرب الرسول (يغفر لهم ما قد سلف) من ذنوبهم (وإن يعودوا) إلى حربه (فقد مضت سنة الأولين) الذين حاربوا الأنبياء فدمروا .
(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) لا يوجد فيهم الشرك (ويكون الدين كله لله) بالاجتماع على الدين الحق (فإن انتهوا) عن الكفر (فإن الله بما يعملون بصير) فلا يضيع أجرهم .
(وإن تولوا) عن دين الله (فاعلموا أن الله مولاكم) متولي أموركم وناصركم (نعم المولى) يحفظ من تولاه

(ونعم النصير) لا يخذل من نصره .
(واعلموا أنما غنمتم) استفدتم (من شيء) وإن قل (فأن لله خمسه) خبر محذوف أو مبتدأ أي فالحكم، أو فواجب أن لله خمسه (وللرسول ولذي القربى) الإمام (واليتامى) يتامى الرسول (والمساكين) منهم (وابن السبيل) منهم (وإن كنتم ءامنتم بالله) جوابه محذوف دل عليه اعلموا أي فاعلموا حكمه في الخمس واعلموا به (وما أنزلنا على عبدنا) من الفتح والآيات (يوم الفرقان) يوم بدر إذ فرق فيه بين الحق والباطل (يوم التقى الجمعان) المسلمون والكفار (والله على كل شيء قدير) ومنه نصركم .
(إذ) بدل من يوم الفرقان (أنتم بالعدوة الدنيا) جانب الوادي الأدنى من المدينة (وهم) أي النفير (بالعدوة القصوى) جانبه الأبعد منها (والركب) العير بمكان (أسفل منكم ولو تواعدتم) أنتم والنفير للقتال ثم علمتم ضعفكم وقوتهم (لاختلفتم) أنتم (في الميعاد) رهبة منهم (ولكن) جمعكم بلا ميعاد (ليقضي الله أمرا كان مفعولا) واجبا كونه وهو نصركم وقهركم (ليهلك من هلك عن بينة) من حجة واضحة قامت عليه وهي وقعة بدر أو غيرها (ويحيى من حي) بالفك والإدغام (عن بينة) يعلم الباقون أن الله نصره (وإن الله لسميع) للأقوال (عليم) بالعقائد والأعمال .
(إذ) اذكروا (يريكهم الله في منامك قليلا) أي يقللهم في عينك في نومك لتخبر أصحابك فيجترءوا عليهم (ولو أراكهم كثيرا لفشلتم) جبنتم (ولتنازعتم في الأمر) أمر القتال من الإقدام والإحجام (ولكن الله سلم) سلمكم من القتل والتنازع (إنه عليم بذات الصدور) بما يحدث في القلوب .
(وإذ يريكموهم) أيها المؤمنون (إذ التقيتم في أعينكم قليلا) أو سبعين أو مائة وهم نحو ألف لتثبتوا لهم (ويقللكم في أعينهم) ليجترئوا عليكم ولا يتهيئوا لكم (ليقضي الله أمرا كان مفعولا) كرر لأن المراد بالأمر هناك الالتقاء على تلك الصفة وهنا إعزاز الإسلام وإذلال الشرك (وإلى الله ترجع الأمور).
(يا أيها الذين ءامنوا إذا لقيتم فئة) قابلتم جماعة كافرة (فاثبتوا) لقتالهم ولا تنهزموا (واذكروا الله كثيرا) مستعينين بذكره ودعائه على قتالهم (لعلكم تفلحون) تظفرون بالنصر والثواب .
(وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا) باختلاف كلمتكم (فتفشلوا) فتجبنوا جواب النهي (وتذهب ريحكم) دولتكم، استعير لها الريح لمشابهتها لها في نفاذ الأمر (واصبروا إن الله مع الصابرين) بالنصر والحفظ .
(ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم) أي قريش خرجوا من مكة لمنع غيرهم (بطرا ورئاء الناس) حالان أو مفعولان له، قيل بعث إليهم أبو سفيان ارجعوا فقد نجت عيركم فقال أبو جهل لا نرجع حتى نرد بدرا أو ننحر الجزور ونشرب الخمور وتعزف لنا القيان ويسمع بها الناس فوافوها ولقوا ما لقوا (ويصدون عن سبيل الله) عطف على بطر (والله بما يعملون محيط) علما فيجازيهم به .

(وإذ) واذكر إذ (زين لهم الشيطان أعمالهم) من حرب الرسول وغيره بوسوسته إليهم (وقال) حين تصور بصورة سراقة بن مالك وأخذ الراية يقدمهم (لا غالب لكم اليوم من الناس) لكثرة عددكم وعددكم (وإني جار لكم) مجيركم (فلما تراءت الفئتان) التقى الجمعان (نكص على عقبيه) رجع هاربا أي بطل كيده (وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون) من جنود الملائكة (إني أخاف الله) أن يهلكني بأيديهم (والله شديد العقاب) من كلامه أو مستأنف .
(إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض) شك في الإسلام مع إظهاره (غر هؤلاء) أي المسلمين (دينهم) إذ خرجوا مع قلتهم إلى قتال الجيش الكثير ظانين النصر بسببه فأجيبوا (ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز) غالب لا يغلب حزبه وإن قل (حكيم) في تدبيره .
(ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة) ببدر ومفعول ترى مقدر أي لو ترى الكفرة حين تتوفاهم الملائكة (يضربون وجوههم) حال منهم أو من الملائكة أو منهما (وأدبارهم) ظهورهم أو أستاههم (وذوقوا) أي يقال ذوقوا (عذاب الحريق) أي نار الآخرة أو مقامع حديد كلما ضربوا التهبت نارا وجواب لو محذوف تهويلا .
(ذلك) العقاب (بما قدمت أيديكم) أي بسبب ما فعلتم (وأن) بسبب أن (الله ليس بظلام للعبيد) بتعذيبهم بغير ذنب .
(كدأب) أي دأب هؤلاء وعاداتهم كدأب (ءال فرعون والذين من قبلهم) من الأمم (كفروا بآيات الله) بيان لدأبهم (فأخذهم الله) بالعقاب (بذنوبهم) كأخذه هؤلاء (إن الله قوي) لا يمنع (شديد العقاب) لمستحقه .
(ذلك) التعذيب لهم (بأن) بسبب أن (الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم) مبدلا لها بنقمة (حتى يغيروا ما بأنفسهم) من النعم بكفرها (وأن الله سميع) لأقوالهم (عليم) بأفعالهم .
(كدأب ءال فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا ءال فرعون) كرر تأكيدا (وكل) من الأمم المكذبة (كانوا ظالمين) أنفسهم بالكفر .
(إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون) لإصرارهم على الكفر .
(الذين عاهدت منهم) بدل بعض من الذين كفروا وعدي بمن لتضمين المعاهدة معنى الأخذ (ثم ينقضون عهدهم في كل مرة) عاهدوا فيها وهم قريظة عاهدهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن لا يعينوا المشركين عليه بالسلاح فأعانوهم وقالوا نسينا ثم عاهدهم فأعانوهم يوم الخندق (وهم لا يتقون) الله في نقض العهد .
(فإما تثقفنهم) تدركنهم في الحرب (فشرد بهم) ففرق ونكل بمعاقبتهم وقتلهم (من خلفهم) من الكفرة (لعلهم يذكرون) لعل من خلفهم يتعظون بهم .
(وإما تخافن من قوم) عاهدك (خيانة) نقض عهد بأمارة تجدها (فانبذ) عهدهم (إليهم على سواء) أي مستويا أنت وهم في العلم بنقض العهد بأن تعلمهم به قبل حربك لهم لئلا يتهموك بالخيانة (إن الله لا يحب الخائنين) استئناف يعلل الأمر بالنبذ على سواء .
(ولا يحسبن) يا محمد ومفعولاه

(الذين كفروا سبقوا) فأتوا الله وقرىء بالياء بجعل فاعله (الذين كفروا) والمفعول الأول محذوف أي أنفسهم (إنهم لا يعجزون) استيناف إن كسرت أو بتقدير اللام إن فتحت أي لأنهم لا يفوتونه .
(وأعدوا لهم) لحربهم (ما استطعتم من قوة) مما يتقى به في الحرب وروي أنها الرمي (ومن رباط الخيل) فعال بمعنى مفعول أي التي تربط في سبيل الله أو مصدر أي ربطها وحبسها فيه (ترهبون) تخوفون (به عدو الله وعدوكم) أي كفار مكة (وآخرين من دونهم) من غيرهم من اليهود أو المنافقين أو الفرس (لا تعلمونهم) بأعيانهم (الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم) أجره (وأنتم لا تظلمون) بنقص شيء منه .
(وإن جنحوا) مالوا (للسلم) بفتح السين وكسرها الصلح (فاجنح لها) للمسالمة وهو منسوخ بآية السيف أو خاص بأهل الكتاب (وتوكل على الله إنه هو السميع) لأقوالهم (العليم) بأسرارهم .
(وإن يريدوا أن يخدعوك) بالصلح (فإن حسبك) كافيك (الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين) جميعا .
(وألف بين قلوبهم) مع تضاغنهم (لو أنفقت ما في الأرض جميعا) من المال لتؤالف بينهم (ما ألفت بين قلوبهم) لشدة عداوتهم (ولكن الله ألف بينهم) بقدرته معجزة لك (إنه عزيز) غالب لا يعجزه شيء (حكيم) في صنعه .
(يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) من عطف على الله أي كافيك الله والمؤمنون أو على الكاف على رأى، أو مفعول معه .
(يا أيها النبي حرض المؤمنين) حثهم (على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا) خبر معناه الأمر بمقاومة الواحد للعشرة والوعد بالغلبة إن صبروا (بأنهم) بسبب أنهم (قوم لا يفقهون) أنهم مغالبون الله ومغالبه مغلوب، أو يجهلون الآخرة فلا يرجون ثوابها .
(الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) عن مقاومة الواحد للعشرة (فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) بالعون والحفظ .
(ما كان لنبي أن يكون) وقرىء بالتاء (له أسرى حتى يثخن في الأرض) يكثر قتل الكفار ويذلهم (تريدون) أيها المؤمنون (عرض الدنيا) حطام الدنيا بأخذ الفداء (والله يريد) لكم (الآخرة) أي ثوابها بقتلهم وقهرهم.

(والله عزيز) غالب لا يغلب (حكيم) في تدبيره .
(لو لا كتاب) حكم (من الله سبق) وهو أنه لا يعذب بما لم ينه عنه صريحا وأنه سيحل لكم الفداء (لمسكم) لأصابكم (فيما أخذتم) من الفداء (عذاب عظيم) من باب إياك أعني .
(فكلوا مما غنمتم) من الغنائم قيل أمسكوا عنها فنزلت أو من الفداء فإنه من الغنائم (حلالا) حال من ما أو أكلا حلالا كذا (طيبا واتقوا الله إن الله غفور) لذنوبكم (رحيم) أباحكم ما غنمتم .
(يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) وقرىء الأسارى (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا) إيمانا خالصا (يؤتكم خيرا مما أخذ منكم) من الفداء (ويغفر لكم والله غفور رحيم) نزلت في العباس وعقيل ونوفل .
(وإن يريدوا خيانتك) نقض العهد (فقد خانوا الله) بالكفر (من قبل فأمكن منهم) يوم بدر بالقتل والأسر فيمكن منهم إن خافوا (والله عليم) بنياتهم (حكيم) في صنعه بهم .
(إن الذين ءامنوا وهاجروا) ديارهم (وجاهدوا بأموالهم) بالإنفاق (وأنفسهم) بالقتال (في سبيل الله) وهم المهاجرون (والذين ءاووا) النبي والمهاجرين (ونصروا) المذكورين على أعدائهم وهم الأنصار (أولئك بعضهم أولياء بعض) في النصرة أو الميراث كان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة دون الأقارب فنسخه وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض (والذين ءامنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم) بفتح الواو وكسرها (من شيء) فلا توارث بينكم وبينهم (حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم) فواجب عليكم (النصر) لهم على الكفار (إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) عهد فلا تنصروهم عليهم (والله بما تعملون بصير).
(والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) في النصرة أو الميراث ومفهومه نفي الولاية بينهم وبين المؤمنين (إلا تفعلوه) أي تولى بعضكم بعضا أيها المؤمنون وقطع الكفار (تكن) تحصل (فتنة في الأرض) قوة الكفر (وفساد كبير) ضعف الإسلام .
(والذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا) أي حق إيمانهم حقا وهم الكاملون في الإيمان (لهم مغفرة ورزق كريم) في الجنة .
(والذين ءامنوا من بعد) أي بعد السابقين بالإيمان والهجرة (وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم) أيها المهاجرون والأنصار (وأولوا الأرحام) ذوو القربات

(بعضهم أولى ببعض) في الميراث من الأجانب (في كتاب الله) أي حكمه أو اللوح أو القرآن (إن الله بكل شيء عليم) ومنه الميراث.


سورة التوبة

(9) سورة التوبة مائة وتسع وعشرون آية (129) مدنية
وقيل إلا آيتين آخرها لم تصدر بالبسملة
روي عن علي (عليه السلام) أن البسملة أمان وهي نزلت لرفع الأمن بالسيف وروي أنها آخر سورة نزلت.
(أعوذ بالله من النار ومن شر الكفار العزة لله ولجميع المؤمنين) (براءة) واصلة (من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) الناكثين أي خروج من عهودهم .
(فسيحوا) أيها المشركون أي سيروا (في الأرض أربعة أشهر) أجلهم الله من يوم النهر إلى تمام أربعة أشهر حتى يرجعوا إلى مأمنهم ثم يقتلون حيث وجدوا (واعلموا أنكم غير معجزي الله) لا تفوتونه وإن أمهلكم (وأن الله مخزي الكافرين) مذلهم في الدارين .
(وأذان) إيذان إعلام (من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر) سمي الأكبر لأنها كانت سنة تحج فيها المسلمون والمشركون ولم يحج المشركون بعد تلك السنة (أن) بأن (الله بريء من المشركين ورسوله) عطف على المستكن في برىء وقرىء بالنصب عطفا على اسم أن أو بواو المعية (فإن تبتم) من الشرك (فهو) فتوبتكم (خير لكم وإن توليتم) عن الإيمان (فاعلموا أنكم غير معجزي الله) غير فائتيه في الدنيا (وبشر الذين كفروا بعذاب أليم) في الآخرة .
(إلا الذين عاهدتم من المشركين) استثناء من المشركين أو استدراك أي ولكن من عاهدتم منهم (ثم لم ينقصوكم شيئا) من شروط العهد (ولم يظاهروا) يعاونوا (عليكم أحدا) من عدوكم (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) إلى انقضاء مدتهم التي عاهدتم عليها (إن الله يحب المتقين) بإتمام العهد .
(فإذا انسلخ) انقضى (الأشهر الحرم) التي هي مدة الأمان للناكثين (فاقتلوا المشركين) الناكثين (حيث وجدتموهم) في حل وحرم (وخذوهم) وأسروهم (واحصروهم) امنعوهم دخول مكة أو من الخروج إن تحصنوا (واقعدوا لهم كل مرصد) طريق يسلكونه (فإن تابوا) من الشرك (وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة) أي التزموا فعلهما وقبلوه (فخلوا سبيلهم) دعوهم ولا تعرضوا لهم (إن الله غفور رحيم).
(وإن أحد من المشركين) المأمور بقتلهم رفع بما يفسره (استجارك) استأمنك (فأجره) آمنه (حتى يسمع كلام الله) ويتدبره (ثم أبلغه مأمنه) موضع أمنه أي وطنه إن لم يؤمن (ذلك) الأمن (بأنهم قوم لا يعلمون) الإيمان فآمنهم حتى يستمعوا فيعلموا .
(كيف) إنكار أي لا (يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله) يفون به لهما مع إضمارهم الغدر (إلا
الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) هم المستثنون قبل (فما استقاموا لكم) على العهد (فاستقيموا لهم) على الوفاء به (إن الله يحب المتقين) فسر .
(كيف) يكون لهم عهد وحذف للعلم به كرر إنكار وفائهم بالعهد أو بقاء حكمه مع ما بينهم العلة (وإن يظهروا) بكم يظفروا (عليكم) والواو للحال (لا يرقبوا) لا يرعوا (فيكم إلا) قرابة أو حلفا (ولا ذمة) عهدا أي لا يبقون عليكم بجهدهم (يرضونكم بأفواههم) يظهرون لكم الموالاة بكلامهم (وتأبى قلوبهم) إلا العداوة والغدر (وأكثرهم فاسقون) متمردون لا وفاء لهم .
(اشتروا بآيات الله) القرآن أي استبدلوا باتباعه (ثمنا قليلا) عرضا يسيرا من اتباع الشهوات (فصدوا) الناس أو أعرضوا (عن سبيله) دينه (إنهم ساء ما كانوا يعملون).
(لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة) لا تكرار إذ الأول عام (و) هذا يخص المشترين (أولئك هم المعتدون) في الطغيان .
(فإن تابوا وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة فإخوانكم) فهم إخوانكم (في الدين) كسائر المؤمنين (ونفصل الآيات) نبينها (لقوم يعلمون) يتأملونها .
(وإن نكثوا أيمانهم) مواثيقهم (من بعد عهدهم) عقدهم (وطعنوا في دينكم) عابوه (فقاتلوا أئمة الكفر) وضعوا موضع المضمر لصيرورتهم بذلك (إنهم لا أيمان لهم) أي لا يحفظون أيمانهم وقرىء بالكسر كما عن الباقر (عليه السلام) أي الإيمان أو لا إسلام (لعلهم ينتهون).
(ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم) التي عقدوها معكم (وهموا بإخراج الرسول) من مكة حين تشاوروا في أمره في دار الندوة (وهم بدءوكم) بالمعاداة أو المقاتلة (أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه) في أمره (إن كنتم مؤمنين) فإن المؤمن لا يخشى إلا الله .
(قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم) يذلهم بالأسر والقهر (وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين).
(ويذهب غيظ قلوبهم) حنقها لما فعل بهم وقد وفى بما وعدهم ففيه إعجاز (ويتوب الله على من يشاء) ممن يتوب مخلصا منهم (والله عليم) بمن يتوب (حكيم) في أحكامه .
(أم) بل (حسبتم) إنكار خطاب للمؤمنين حين كره بعضهم القتال وقيل للمنافقين (أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا) ولم يظهر المجاهدون (منكم) بإخلاص من غيرهم وأريد بنفي العلم نفي المعلوم مبالغة فإنه مهما كان شيء علمه الله (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) بطانة يناجونهم (والله خبير بما تعملون).

(ما كان) ما صح (للمشركين أن يعمروا مساجد الله) شيئا منها أو المسجد الحرام وجمع لأنه قبلة المساجد فكأنه الجميع (شاهدين) حال من الواو (على أنفسهم بالكفر) أي يدل قولهم وفعلهم على كفرهم (أولئك حبطت) بطلت (أعمالهم) التي هي من جنس الطاعة لفقد شرطها (وفي النار هم خالدون.
إنما يعمر مساجد الله من ءامن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وءاتى الزكاة) لا يعمرها إلا من جمع فيه هذه الخصال وعمارتها رمها وكنسها وفرشها والإسراج فيها وزيارتها وشغلها بالعبادة والذكر (ولم يخش) في أمر الدين (إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) إلى طريق الجنة أي هم منهم لأن عسى من الله واجب وفيها ردع للمؤمنين أن يغتروا بحالهم .
(أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) أي أهل السقاية والعمارة (كمن ءامن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله) كإيمان من آمن نزلت حين افتخر العباس وشيبة بالسقاية والحجابة وعلي وحمزة وجعفر بالإيمان والجهاد في سبيل الله (لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين) الكافرين بل يتركهم وما اختاروا من الضلال وهو بيان لعدم استوائهم .
(الذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله) أعلى رتبة وأكثر فضلا من غيرهم (وأولئك هم الفائزون) الظافرون بالبغية .
(يبشرهم) بالتشديد والتخفيف (ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم) دائم .
(خالدين فيها أبدا) زمانا لا نهاية له (إن الله عنده أجر عظيم).
(يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا ءاباءكم وإخوانكم أولياء) يصدونكم عن الدين قيل لما أمر الناس بالهجرة فمنهم من تعلق به أبواه وأهله وولده فترك الهجرة لأجلهم فنزلت (إن استحبوا الكفر) اختاروه (على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) بوضع التولي في غير محله .
(قل إن كان ءاباؤكم وأبناؤكم وأزواجكم وعشيرتكم) أقرباؤكم وقرىء عشيراتكم (وأموال اقترفتموها) اكتسبتموها (وتجارة تخشون كسادها) عدم نفاقها (ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله) فأثرتموه على الهجرة والجهاد (فتربصوا) فانتظروا (حتى يأتي الله بأمره) بعقوبته أو بحكمه تهديد لهم (والله لا يهدي

القوم الفاسقين) إلى ثوابه .
(لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) عنهم (عليهم السلام) أنها ثمانون (ويوم حنين) واد بين مكة والطائف (إذ أعجبتكم كثرتكم) حتى قال أبو بكر وغيره لن نغلب اليوم من قلة وكانوا اثنى عشر ألفا والعدو أربعة آلاف (فلم تغن) تدفع (عنكم) كثرتكم (شيئا) من السوء (وضاقت عليكم الأرض بما رحبت) برحبها أي مع سعتها فلم تطمئنوا إلى موضع تفرون إليه لشدة خوفكم (ثم وليتم) العدو ظهوركم (مدبرين) منهزمين .
(ثم أنزل الله) بعد الهزيمة (سكينته) طمأنينته ورحمته (على رسوله وعلى المؤمنين) حين رجعوا أو الثابتين منهم (وأنزل جنودا لم تروها) من الملائكة والتقى الجمعان (وعذب الذين كفروا) بالقتل والأسر (وذلك) التعذيب (جزاء الكافرين) في الدنيا .
(ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء) ممن يتوب منهم مخلصا (والله غفور رحيم).
(يا أيها الذين ءامنوا إنما المشركون نجس) قذر مصدر نجس ولذا لم يجمع وقيل أريد نجاستهم عينا وقيل حكما لشركهم فإنه بمنزلة النجس أو لأنهم لا يتطهرون (فلا يقربوا المسجد الحرام) النهي عن القرب مبالغة أو للمنع من دخول الحرم (بعد عامهم هذا) عام براءة تسع (وإن خفتم عيلة) فقرا بانقطاع متاجرهم منكم (فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم) بالصالح (حكيم) في التدبير .
(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر) إيمانا صحيحا فإيمانهم كلا إيمان (ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق) الثابت الناسخ لغيره (من) بيانية (الذين أوتوا الكتاب) اليهود والنصارى وألحقوا بهم المجوس، وروي أن لهم نبيا قتلوه وكتابا حرفوه (حتى يعطوا الجزية) ما ضرب عليهم من المال (عن يد) حال من الجزية أي نقدا مسلمة عن يد إلى يد أو من الواو أي منقادين مسلمين بأيديهم لا بنائب أو عن قهر عليهم أي مقهورين (وهم صاغرون) أذلاء .
(وقالت اليهود) أي بعض أسلافهم أو من بالمدينة (عزير ابن الله وقالت النصارى) أي بعضهم (المسيح ابن الله) إنكار لحصول ولد بلا أب (ذلك قولهم بأفواههم) لا حجة لهم عليه (يضاهئون) يضاهي قولهم (قول الذين كفروا من قبل) من قبلهم أي أسلافهم أو المشركون القائلون الملائكة بنات الله (قاتلهم الله) أهلكهم أو لعنهم (أنى يؤفكون) كيف يصرفون عن الحق مع قيام الحجة .
(اتخذوا أحبارهم) علماء اليهود (ورهبانهم) عباد النصارى (أربابا من دون الله) حيث اتبعوهم في تحليل ما حرم وتحريم ما أحل (والمسيح ابن مريم) إذ جعلوه ابنه وعبدوه (وما أمروا) في كتابهم (إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه) تنزيها له (عما يشركون) عن إشراكهم به .
(يريدون أن يطفئوا نور الله) يبطلوا برهانه ودينه والقرآن.

(بأفواههم) بتكذيبهم (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) بإظهار حججه وإعزاز دينه (ولو كره الكافرون) إتمامه .
(هو الذي أرسل رسوله) محمدا (بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) على جميع الأديان بالحجة والغلبة فينسخها أو على أهلها فيقهرهم، وعن الباقر (عليه السلام) أن ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمد (ولو كره المشركون) ذلك .
(يا أيها الذين ءامنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل) كالرشاء في الحكم وسمي الأخذ أكلا لأن معظمه له (ويصدون عن سبيل الله) دينه (والذين يكنزون الذهب والفضة) من المسلمين وغيرهم (ولا ينفقونها في سبيل الله) لا يؤدون زكاتها قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما أدى زكاته فليس بكنز (فبشرهم بعذاب أليم) مؤلم .
(يوم يحمى) يوقد (عليها في نار جهنم) حتى تصير نارا (فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم) لأنها أصول الجهات الأربع من مقاديم البدن ومؤخره وجنبه فيستوعبه الكي (هذا ما كنزتم) بتقدير القول (لأنفسكم) لنفعها صار ضررا لها (فذوقوا ما كنتم تكنزون) أي وباله .
(إن عدة الشهور) المعتبرة للسنة (عند الله اثنا عشر شهرا) ثابتة (في كتاب الله) اللوح أو حكمه (يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم) ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب (ذلك) أي تحريمها (الدين القيم) القويم دين إبراهيم ومنه ورثه العرب (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) بالمعاصي فإن الوزر فيهن أعظم، قيل نسخ تحريم القتال فيها لأن غزاة حنين والطائف في شوال وذي القعدة وقيل الضمير لكل الشهور (وقاتلوا المشركين كافة) جميعا مصدر وقع حالا (كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين) بالنصر والحفظ ‌.
(إنما النسيء) مصدر نسأه أخره أي تأخير حرمة شهر إلى آخر كانوا إذا أهل المحرم وهم في حرب أحلوه وحرموا مكانه صفرا وعن الصادق (عليه السلام) تخفيف الياء بلا همز (زيادة في الكفر) إذ تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل كفر (يضل به الذين كفروا ويحلونه) أي الشهر المنسي (عاما ويحرمونه) يتركونه على حرمته (عاما ليواطئوا) ليوافقوا بتحليل أشهر وتحريم آخر بدله (عدة ما حرم الله) أي الأربعة الحرم (فيحلوا ما حرم الله) إذ لم يراعوا وقت العدة (زين لهم سوء أعمالهم) قبيحها فحسبوه حسنا والمزين الشيطان (والله لا يهدي القوم الكافرين) لا يلطف بهم بل يتركهم وما اختاروا من الضلال .
(يا أيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم) تثاقلتم (إلى الأرض) والمقام فيها حين أمروا بغزاة تبوك في وقت عسر وحر مع بعد شقه فشق عليهم (أرضيتم بالحياة الدنيا) ودعتها بدلا (من الآخرة) ونعيمها

(فما متاع الحياة الدنيا) أي فوائدها (في الآخرة) في جنب متاع الآخرة (إلا قليل) حقير .
(إلا تنفروا) إلى ما دعيتم إليه (يعذبكم عذابا أليما) في الدنيا والآخرة (ويستبدل) بكم (قوما غيركم) مطيعين كأهل اليمن أو أبناء فارس (ولا تضروه) أي الله (شيئا) بترك نصرة دينه (والله على كل شيء قدير) ومنه نصر دينه ورسوله ببلدكم وبلا مدد .
(إلا تنصروه) أي الرسول (فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا) ألجئوه إلى الخروج من مكة لما هموا بنفيه أو حبسه أو قتله (ثاني اثنين) حال أي معه واحد لا غير (إذ هما في الغار) نقب في ثور وهو جبل بقرب مكة (إذ) بدل ثان (يقول لصاحبه) ولا مدح فيه إذ قد يصحب المؤمن الكافر كما قال له صاحبه وهو يحاوره (لا تحزن) فإنه خاف على نفسه وقبض واضطرب حتى كاد أن يدل عليهما فنهاه عن ذلك (إن الله معنا) عالم بنا ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم - إلى قوله - إلا هو معهم أي عالم بهم (فأنزل الله سكينته) طمأنينته (عليه) على الرسول وفي إفراده (صلى الله عليه وآله وسلّم) بها هاهنا مع اشتراك المؤمنين معه حيث ذكرت ما لا يخفى وجعل الهاء لصاحبه ينفيه كونها للرسول قبل وبعد (وأيده بجنود لم تروها) بالملائكة في الغار وفي حروبه (وجعل) بنصره لرسوله (كلمة الذين كفروا السفلى) أي الشرك أو دعوته (وكلمة الله هي العليا) أي التوحيد أو دعوة الإسلام (والله عزيز) في أمره (حكيم) في صنعه .
(انفروا خفافا وثقالا) نشاطا وغير نشاط أو ركبانا ومشاتا أو أغنياء وفقراء أو صحاحا ومرضى ونسخ بآية ليس على الأعمى وليس على الضعفاء (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) بما أمكن منهما (ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) والخير علمتم أنه خير .
(لو كان) ما دعوا إليه (عرضا قريبا) غنيمة سهلة المأخذ (وسفرا قاصدا) وسطا (لاتبعوك) طمعا في المال (ولكن بعدت عليهم الشقة) المسافة التي يشق قطعها (وسيحلفون بالله) قائلين اعتذارا (لو استطعنا) الخروج (لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم) بالحلف الكاذب حال من الواو (والله يعلم إنهم لكاذبون) في حلفهم .
(عفا الله عنك) كان (صلى الله عليه وآله وسلّم) أذن لجماعة في التخلف عنه وكان الأولى ترك الإذن فعوتب عليه (لم أذنت لهم) في التخلف (حتى يتبين لك الذين صدقوا) في عذرهم (وتعلم الكاذبين) فيه .
(لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر) بإخلاص في (أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم) أو بالتخلف عن أن يجاهدوا (والله عليم بالمتقين) ما ينافي الإخلاص .
(إنما يستأذنك) في التخلف (الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم) شكت (فهم في ريبهم يترددون) يتحيرون .
(ولو أرادوا الخروج) معك (لأعدوا له

عدة) أهبة من سلاح وزاد (ولكن كره الله انبعاثهم) خروجهم لعلمه بما يكون فيه الفساد (فثبطهم) فكسلهم عنه لذلك (وقيل اقعدوا مع القاعدين) المرضى والنساء والصبيان أي ألقى الله في قلوبهم ذلك .
(لو خرجوا فيكم ما زادوكم) شيئا (إلا خبالا) فسادا أو شرا (ولأوضعوا خلالكم) أسرعوا بإبلهم في الدخول بينكم بالنميمة والتخذيل من وضعت الناقة أي أسرعت (يبغونكم) حال يطلبون لكم (الفتنة) بتخويفكم (وفيكم سماعون لهم) أي قابلون لقولهم أو عيون ينقلون حديثكم إليهم (والله عليم بالظالمين) وما أضمروا لكم .
(لقد ابتغوا الفتنة) توهين أمرك وتخذيل أصحابك (من قبل) أي يوم أحد (وقلبوا لك الأمور) إجالة الرأي في كيدك وإبطال أمرك (حتى جاء الحق) نصر الله (وظهر أمر الله) علا دينه (وهم كارهون) ذلك .
(ومنهم من يقول ائذن لي) في التخلف قاله جد بن قيس (ولا تفتني) توقعني في الفتنة أي الإثم بمخالفتك بأن لا تأذن لي أو الفتنة ببنات الروم قال إني مولع بالنساء وأخاف أن أفتتن ببنات الأصفر (ألا في الفتنة سقطوا) بتخلفهم وحذرهم (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) لا خلاص لهم .
(إن تصبك حسنة) فتح وغنيمة (تسؤهم) لحسدهم (وإن تصبك مصيبة) نكبة (يقولوا قد أخذنا أمرنا) حذرنا بتخلفنا (من قبل) قبل المصيبة (ويتولوا) عنك وعن ناديهم (وهم فرحون) بما أصابك .
(قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) في اللوح من رخاء أو شدة أو في القرآن من نصر أو شهادة (هو مولانا) متولي أمرنا وناصرنا (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) لا على غيره .
(قل هل تربصون) بحذف إحدى التاءين أي تنتظرون (بنا إلا إحدى) العاقبتين (الحسنيين) النصر أو الشهادة تثنية حسني مؤنثة أحسن (ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده) من السماء فيهلككم (أو بأيدينا) بأن يأمرنا بقتلكم (فتربصوا) عاقبتنا (إنا معكم متربصون) عاقبتكم .
(قل أنفقوا طوعا أو كرها) معناه الخبر أي (لن يتقبل منكم) ما أنفقتم طوعا أو كرها (إنكم كنتم قوما فاسقين) علة ما سبق .
(وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله) فاعل (ولا يأتون الصلوة إلا وهم كسالى) متثاقلون (ولا ينفقون إلا وهم كارهون) إذ لا يرجون نفعا ولا يخشون بتركهما ضرا .
(فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم) لأنها استدراج لهم (وإنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا) بمشقة جمعها وحفظها والمصائب فيها (وتزهق

أنفسهم) تخرج (وهم كافرون).
(ويحلفون بالله إنهم لمنكم) أي مؤمنون (وما هم منكم) لكفرهم باطنا (ولكنهم قوم يفرقون) يخافون القتل والأسر فيظهرون الإيمان .
(لو يجدون ملجأ) حرزا يلجئون إليه (أو مغارات) غيرانا (أو مدخلا) سربا يدخلونه (لولوا) عنكم (إليه وهم يجمحون) يسرعون لا يردهم شيء كالفرس الجموح .
(ومنهم من يلمزك) يعيبك (في الصدقات) في قسمتها (فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) قال الصادق (عليه السلام) أهل هذه الآية أكثر من ثلثي الناس .
(ولو أنهم رضوا ما ءاتاهم الله ورسوله) من الصدقة أو الغنيمة (وقالوا حسبنا الله) كافينا (سيؤتينا الله من فضله) صدقة أو غنيمة أخرى (ورسوله) فيوفر حظنا (إنا إلى الله راغبون) أن يغنينا، وجواب لو مقدر أي لكان خيرا لهم .
(إنما الصدقات للفقراء والمساكين) أي الزكاة للمذكورين لا غير واللام لبيان المصرف فلا يجب البسط على الأصناف كما عليه الأصحاب وأكثر الجمهور وقيل للملك فيجب البسط عليهم والفقير والمسكين العاجزان عن قوت السنة لهما ولواجبي نفقتهما (والعاملين عليها) السعاة في جمعها (والمؤلفة قلوبهم) من الكفار ليسلموا أو ليذبوا عن المسلمين أو قوم أسلموا يعطون لتقوى نياتهم وليرغب نظائرهم في الإسلام (وفي الرقاب) في فكها بإعانة المكاتبين وابتياع المماليك وعتقهم إذا كانوا في شدة أو عدم المستحق، وقيل مطلقا وعدل عن اللام إلى في إيذانا بأن الصرف في الجهة لا إلى الرقاب (والغارمين) المديونين في غير معصية أو تابوا وليس لهم وفاء أو في إصلاح ذات البين ولو أغنياء (وفي سبيل الله) الجهاد وجميع سبل الخير والمصالح (وابن السبيل) المنقطع في السفر ولو غنيا في بلده (فريضة من الله) أي فرضها لهم فريضة (والله عليم) بخلقه (حكيم) في تدبيره.
(ومنهم الذين يؤذون النبي) باغتيابه ونم حديثه (ويقولون) لمن ينهاهم منهم عن ذلك لئلا يبلغه (هو أذن) يسمع كل قول ويقبله فإذا قلنا له لم نقل صدقنا، سمي بالجارحة مبالغة كالعين للربيئة أو من أذن أذنا استمع (قل أذن خير) مستمع خير (لكم) لا مستمع شر (يؤمن بالله) يصدق به لدلائله (ويؤمن للمؤمنين) يصدقهم لخلوصهم واللام زائدة للفرق بين إيمان الإذعان وغيره (و) هو (رحمة للذين ءامنوا منكم) ظاهرا إذ يقنع ذلك ولا يكشف سركم (والذين يؤذون رسول الله) في نفسه أو في أهل بيته لقوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يا علي سلمك سلمي وحربك حربي وقوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني (لهم عذاب أليم).
(يحلفون بالله لكم) أيها المؤمنون أنهم لم يقولوا ما بلغكم عنهم (ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه) بالطاعة وأفرد الضمير لتلازم الرضاءين أو يقدر الآخر (إن كانوا مؤمنين) حقا .
(ألم يعلموا أنه) الشأن (من يحادد) يشاقق (الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم).
(يحذر المنافقون) يخافون خبر أو أمر (أن تنزل

عليهم) على المؤمنين (سورة تنبئهم بما في قلوبهم) من الشرك فتفضحهم وقيل أظهروا الحذر فيما بينهم استهزاء (قل استهزءوا) تهديد (إن الله مخرج) مظهر (ما تحذرون) إظهاره من نفاقكم .
(ولئن سألتهم) عن استهزائهم بك وبالقرآن (ليقولن إنما كنا نخوض) في أمرنا لا في أمرك (ونلعب) نمزح (قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون).
(لا تعتذروا) بالأكاذيب (قد كفرتم بعد إيمانكم) إظهاركم الإيمان (إن نعف عن طائفة منكم) لتوبتهم وإخلاصهم (نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين) مصرين على نفاقهم .
(المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض) في الدين أي النفاق (يأمرون بالمنكر) بالشرك وبالمعصية (وينهون عن المعروف) الإيمان والطاعة (ويقبضون أيديهم) عن الإنفاق في الخير (نسوا الله فنسيهم) تركوا طاعته فتركهم من لطفه (إن المنافقين هم الفاسقون) المتمردون في الكفر .
(وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها) حال مقدرة (هي حسبهم) عقوبة (ولعنهم الله) أبعدهم من رحمته (ولهم عذاب مقيم) دائم .
(كالذين) أي أنتم أيها المنافقون مثل الذين (من قبلكم) وفيه التفات (وكانوا أشد منكم قوة) بطشا ومنعة (وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم) بنصيبهم من شهوات الدنيا الفانية وآثروها على نعم الآخرة الباقية (فاستمتعتم) أنتم (بخلاقكم) وآثرتم الحقير الفاني على الجليل الباقي (كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم) في الباطل (كالذي) كالذين (خاضوا) أو كخوضهم (أولئك حبطت أعمالهم) فلا يثابون عليها (في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون) للدارين .
(ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح) أهلكوا بالغرق (وعاد) وقوم هود بالريح (وثمود) وقوم صالح بالرجفة (وقوم إبراهيم) بسلب النعم ونمرود ببعوض (وأصحاب مدين) قوم شعيب بعذاب يوم الظلمة (والمؤتفكات) قرى قوم لوط ائتكفت بهم أي انقلبت (أتتهم رسلهم بالبينات) بالمعجزات الواضحة فكذبوهم فأهلكوا (فما كان الله ليظلمهم) بإهلاكهم (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) إذ عرضوها للهلاك بكفرهم .
(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) ذكروا في مقابلة أضدادهم المنافقين (يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر

ويقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز) لا يمنع عما يريد (حكيم) يضع كل شيء موضعه .
(وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة) يطيب فيها العيش قصور من لؤلؤ وزبرجد (في جنات عدن) إقامة وخلدا واسم إحدى الجنان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عدن دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة النبيين والصديقين والشهداء (ورضوان من الله أكبر ذلك) المذكور (هو الفوز العظيم).
(يا أيها النبي جاهد الكفار) بالسيف (والمنافقين) بالوعظ والحجة (وأغلظ عليهم) بالقول والفعل (ومأواهم جهنم وبئس المصير) المرجع هي .
(يحلفون بالله ما قالوا) شيئا يسوؤك (وقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) أظهروا الكفر بعد إظهار كلمة الإسلام (وهموا بما لم ينالوا) من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليلة العقبة في عوده من تبوك وهم اثنا عشر فأخبره الله بذلك فأمر حذيفة فضرب وجوه رواحلهم فردوا أو إخراجه من المدينة (وما نقموا) ما أنكروا (إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) بالغنائم بعد فقرهم وحاجتهم أي لم يصبهم منه إلا هذا وليس مما ينقم (فإن يتوبوا) عن النفاق ويخلصوا (يك) أي التوب (خيرا لهم وإن يتولوا) عن الخير (يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا) بالقتل (والآخرة) بالنار (وما لهم في الأرض من ولي) يمنعه منهم (ولا نصير) يدفعه عنهم .
(ومنهم من عاهد الله لئن ءاتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما ءاتاهم من فضله بخلوا به) منعوا حق الله منه (وتولوا) عن إعطائه (وهم معرضون) عن الدين هو ثعلبة بن خاطب كان محتاجا فعاهد الله فلما آتاه بخل به.
(فأعقبهم) أورثهم البخل (نفاقا) متمكنا (في قلوبهم إلى يوم يلقونه) يوم البعث (بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) بسبب إخلافهم الوعد وكذبهم .
(ألم يعلموا) أي المنافقون (أن الله يعلم سرهم) ما يضمرون في أنفسهم (ونجواهم) ما يتناجون به بينهم (وأن الله علام الغيوب) بما غاب عن خلقه .
(الذين) بدل من الضمير في سرهم أو ذم مرفوع أو منصوب (يلمزون المطوعين) يعيبون المتطوعين (من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون

إلا جهدهم) طاقتهم فيتصدقون به قيل لما نزلت آية الصدقة أتى رجل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بمائة وسق تمر فقالوا إنما أعطى رياء وأتاه آخر بصاع تمر فقالوا: إن الله غني عن صاعه (فيسخرون منهم) فيستهزءون بهم (سخر الله منهم) جازاهم على سخريتهم (ولهم عذاب أليم).
(استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) أي الأمران سواء في عدم نفعهم (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) قيل أريد بالسبعين المبالغة في الكثرة وعنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) لو أعلم أني لو زدت على السبعين غفرت لزدت (ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين) لا يلطف بهم لإصرارهم على كفرهم .
(فرح المخلفون) عن تبوك (بمقعدهم خلاف رسول الله) بقعودهم خلفه أي بعده (وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) إيثارا للراحة على طاعة الله (وقالوا) للمؤمنين تثبيطا أو بعضهم لبعض (لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا) وقد آثرتموها بهذه المخالفة (لو كانوا يفقهون) ما اختاروها .
(فليضحكوا قليلا) في الدنيا (وليبكوا كثيرا) في النار أو في الآخرة إخبار عن حالهم بصيغة الأمر ليؤذن بتحتمه (جزاء بما كانوا يكسبون).
(فإن رجعك الله) ردك في تبوك (إلى طائفة منهم) ممن تخلف بالمدينة (فاستأذنوك للخروج) معك إلى غزوة أخرى (فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا) إخبار في معنى النهي معلل بقوله (إنكم رضيتم بالقعود أول مرة) أي في غزوة تبوك (فاقعدوا مع الخالفين) المتخلفين لعذر كالنساء والصبيان أو المخالفين .
(ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) قيل ذهب (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليصلي على ابن أبي حين مات فنزلت وقيل صلى عليه فنزلت (ولا تقم على قبره) لدفن أو دعاء (إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) علة للنهي .
(ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم) الله (بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) فسرت وكررت تأكيدا أو في فريق آخر .
(وإذا أنزلت سورة أن) أي بأن (ءامنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول) ذو السعة (منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين) المتخلفين لعذر .
(رضوا بأن يكونوا مع الخوالف) النساء جمع خالفة أي متخلفة أو السفلة

(وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) ما هو خير لهم .
(لكن الرسول والذين ءامنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات) حسنات الدارين الغنائم والثواب أو الحور (وأولئك هم المفلحون).
(أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم) لدوامه بالإجلال والإكرام (وجاء المعذرون من الأعراب) المقصرون من عذر أي قصر معتذرا لا عذر له أو المعتذرون أدغمت التاء في الذال ونقلت فتحتها إلى العين قيل هم من لهم عذر وهم نفر من بني غفار (ليؤذن لهم) في القعود لعذر باطل أو حق (وقعد) لا لعذر أو لعذر باطل (الذين كذبوا الله ورسوله) بادعاء الإيمان أو بعذرهم (سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم) القتل والنار .
(ليس على الضعفاء) كالشيوخ (ولا على المرضى) كالزمنى (ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج) إثم في التخلف (إذا نصحوا لله ورسوله) في حال قعودهم بالطاعة وما فيه صلاح الدين (ما على المحسنين) بذلك أو الأعم منه (من سبيل) طريق بالعقوبة أو حجة (والله غفور) لهم (رحيم) بهم .
(ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم) على مركب للغزو معك وقيل على الخفاف والبغال وهم سبعة من الأنصار أو من قبائل شتى (قلت لا أجد ما أحملكم عليه) حال بتقدير قد (تولوا) انصرفوا جواب إذا (وأعينهم تفيض) تسيل (من الدمع) نصب محلا تمييزا ومن بيانية (حزنا) مفعول له أو حال أو مصدر (ألا) لئلا (يجدوا ما ينفقون) في الجهاد .
(إنما السبيل) بالعقوبة (على الذين يستأذنوك وهم أغنياء) بالمال (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون) مر تفسيره .
(يعتذرون إليكم) في التخلف (إذا رجعتم إليهم).
من تبوك (قل لا تعتذروا) بالكذب (لن نؤمن لكم) لن نصدقكم إذ (قد نبأنا الله) أعلمنا (من أخباركم) بعضها وهو ما أضمرتم من النفاق (وسيرى الله عملكم ورسوله) هل تتوبون أو تصرون على كفركم (ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة) أي إلى الله (فينبئكم بما كنتم تعملون) بالجزاء عليه .
(سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم) رجعتم من تبوك أنهم تخلفوا لعذر (لتعرضوا عنهم) فلا توبخوهم

(فأعرضوا عنهم إنهم رجس) قذر خبيث الباطن لا ينفع فيهم التوبيخ (ومأواهم جهنم جزاء) مصدر أو علة (بما كانوا يكسبون).
(يحلفون لكم لترضوا عنهم) بالحلف (فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) أي رضاكم لا ينفعهم مع سخط الله والمراد النهي عن الرضا عنهم .
(الأعراب) أهل البدو (أشد كفرا ونفاقا) من أهل المدن لغلظ طباعهم وبعدهم عن سماع القرآن ومخالطة العلماء (وأجدر أن) وأحق بأن (لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) من الفرائض والسنن (والله عليم) بأحوال خلقه (حكيم) في حكمه فيهم .
(ومن الأعراب من يتخذ) يعد (ما ينفق) في سبيل الله (مغرما) غرما وخسرانا إذ لا يرجو ثوابا بل ينفقه خوفا ورياء وهم أسد وغطفان (ويتربص) ينتظر (بكم الدوائر) صروف الزمان وانقلابه عليكم ليخلصوا منكم (عليهم دائرة) منقلبة (السوء) بالفتح الرد إنه مصدر وبالضم المكروه أي ينقلب عليهم البلاء والضرر لا عليكم (والله سميع) لمقالهم (عليم) بحالهم .
(ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر) قيل هم جهينة ومزينة (ويتخذ ما ينفق قربات) سبب تقرب (عند الله وصلوات الرسول) وسبب دعائه له إذ من السنة الدعاء للمصدقين ولو بلفظ الصلاة ومعها على غيره الأمنة لأنها منصبه فله التفضل به على غيره (ألا إنها) أي نفقتهم (قربة لهم) عند الله (سيدخلهم الله في رحمته) جنته (إن الله غفور) لمن أطاعه (رحيم) به .
(والسابقون الأولون من المهاجرين) أهل بدر أو من صلوا القبلتين أو من أسلموا قبل الهجرة (والأنصار) أهل بيعة العقبة الأولى (الذين اتبعوهم بإحسان) في العقائد والأعمال إلى يوم القيامة (رضي الله عنهم) بطاعتهم (ورضوا عنه) بثوابه (وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم).
(وممن حولكم) حول مدينتكم (من الأعراب منافقون) غفار وأسلم وغيرهم (ومن أهل المدينة) منافقون أيضا (مردوا) مرنوا ونبتوا (على النفاق لا تعلمهم) بأعيانهم (نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين) بالفضيحة أو القتل وعذاب القبر (ثم يردون إلى عذاب عظيم) النار .
(وآخرون) مبتدأ صفته (اعترفوا بذنوبهم) بتخلفهم وخبره (خلطوا عملا صالحا) اعترافهم بالذنب أو غيره (وءاخر سيئا) تخلفهم أو غيره (عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور) لمن تاب (رحيم) به .
(خذ من أموالهم صدقة) هي الزكاة المفروضة

(تطهرهم) الصدقة أو أنت (وتزكيهم بها) تنمي حسناتهم (وصل عليهم) ترحم عليهم بالدعاء لهم (إن صلوتك سكن) طمأنينة (لهم والله سميع) لدعائك (عليم) بخلقه .
(ألم يعلموا) تقرير وحث على التوبة والصدقة (أن الله هو يقبل التوبة عن عباده) ضمن معنى التجاوز فعدي بعن (ويأخذ الصدقات) يقبلها (وأن الله هو التواب) يقبل توبة التائبين (الرحيم) بهم .
(وقل اعملوا) ما شئتم (فسيرى الله عملكم) من خير وشر ولا يخفى عليه (ورسوله والمؤمنون) أئمة الهدى فروي أن أعمال الأمة تعرض عليهم وفي قراءتهم والمأمونون (وستردون) بالبعث (إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) بالمجازاة عليه .
(وءاخرون) من المتخلفين (مرجون) بالهمزة وبدونها أي مؤخرون وموقوفون (لأمر الله) فيهم (إما يعذبهم وإما يتوب عليهم) والترديد باعتبار عدم علم العباد بحالهم (والله عليم) بحالهم (حكيم) فيما فعل بهم .
(والذين اتخذوا مسجدا ضرارا) مضارة لأهل مسجد قبا إذ بنوه وسألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يأتيهم فأتاهم وصلى فيهم فحسدهم منافقو بني غنم وبنوا مسجدا وسألوه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يصلي فيه وكان متجهزا إلى تبوك فقال أنا على جناح سفر ولو قدمنا صلينا فيه إن شاء الله فلما رجع نزلت (وكفرا) وتقوية لما يضمرونه من الكفر (وتفريقا بين المؤمنين) الذين كانوا يجتمعون للصلاة في مسجد قبا (وإرصادا) ترقبا (لمن حارب الله ورسوله من قبل) قبل بنائه (وليحلفن إن أردنا) ببنائه (إلا) الخصلة (الحسنى) من الصلاة والتوسعة على الضعفاء (والله يشهد إنهم لكاذبون) في حلفهم .
(لا تقم فيه أبدا) فبعث (صلى الله عليه وآله وسلّم) نفرا أحرقوه وهدموه وصار محلا للجيف (لمسجد أسس) بني أصله (على التقوى من أول يوم) بني حين قدمت دار الهجرة وهي مسجد قبا وقيل مسجده (صلى الله عليه وآله وسلّم) (أحق أن تقوم) أولى بأن تصلي (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) بالماء عن الغائط والبول أو من الذنوب وهم الأنصار (والله يحب المطهرين) أصله بتاء أدغمت في الطاء قيل لما نزلت أتاهم (صلى الله عليه وآله وسلّم) مسجد قبا فقال ماذا تفعلون في طهركم فإن الله تعالى قد أحسن الثناء عليكم فقالوا نغسل أثر الغائط بالماء وفي رواية نتبع الغائط بالأحجار ثم نتبع الأحجار بالماء فتلا (رجال) إلخ .
(أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا) غير (جرف) جانب وهو ما يجرفه السيل أي يقلع أصله (هار) مستداع إلى السقوط (فانهار به) فسقط (في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين) بل يتركهم وما اختاروا .
(لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة) شكا (في قلوبهم) لازديادهم نفاقا ببنائه وهدمه (إلا أن تقطع قلوبهم) تنقطع بأن يموتوا (والله عليم) بضمائرهم (حكيم) في حكمه فيهم .
(إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) أي جازاهم على بذلها (بأن لهم الجنة يقاتلون

في سبيل الله فيقتلون) بالبناء للفاعل (ويقتلون) بالبناء للمفعول وقرىء بالعكس (وعدا عليه حقا) مصدران حذف فعلهما (في التوراة والإنجيل والقرءان ومن أوفى بعهده من الله) أي لا أحد أوفى منه (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به) التفات (وذلك هو الفوز العظيم التائبون) خبر محذوف للمدح أو مبتدأ خبره ما بعده أي التائبون عن الكفر الجامعون لهذه الصفات (العابدون) لله مخلصين له الدين (الحامدون) له على السراء والضراء (السائحون) الصائمون فعنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) سياحة أمتي الصوم (الراكعون الساجدون) أي المصلون (الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر) خصا بالعطف تنبيها على أنها خصلة واحدة وفي (والحافظون لحدود الله) بامتثال أوامره ونواهيه على أنه مجمل ما فصل (وبشر المؤمنين) وضع موضع بشرهم إشعار بأن إيمانهم دعاهم إلى ذلك وحذف المبشر به تعظيما .
(ما كان للنبي والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى) ذوي قرابة (من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) بأن ماتوا على الشرك .
(وما كان استغفار إبراهيم لأبيه) أي عمه أو جده لأمه آزر (إلا عن موعدة وعدها إياه) وعده أن يسلم فاستغفر له أو قال لأبيه إن لم تعبد الأصنام أستغفر لك .
(فلما تبين له أنه عدو لله) بالوحي أنه لن يؤمن أو بموته مشركا (تبرأ منه) ولم يستغفر له (إن إبراهيم لأواه) كثير الدعاء والبكاء أو رحيم بعباد الله (حليم) صبور على الأذى (وما كان الله ليضل قوما) يحكم بضلالهم (بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه (إن الله بكل شيء عليم) فيعلم حالهم .
(إن الله له ملك السموات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي) حافظ (ولا نصير) دافع .
(لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار) افتتح به لأنه سبب توبتهم وفي قراءتهم (عليهم السلام) لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والأنصار (الذين اتبعوه في ساعة) في وقت (العسرة) في الخروج إلى غزوة تبوك مع قلة الظهر والماء والزاد وشدة الحر (من بعد ما كاد) أي الشأن أو القوم (يزيغ) بالياء والتاء (قلوب فريق منهم) إلى الانصراف عنه لشدة ما هم فيه (ثم تاب عليهم) بثباتهم (إنه رءوف رحيم) قدم الأبلغ إذ الرأفة شدة الرحمة للفاصلة .
(وعلى الثلاثة) وتاب على الثلاثة مرار بن الربيع، وهلال بن أمية، وكعب بن مالك (الذين خلفوا) عن الغزو، وفي قراءتهم خالفوا (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت) برحبها لهجر الناس لهم وهو مثل لحيرتهم (وضاقت

عليهم أنفسهم) غار وحشة (وظنوا) أيقنوا (أن) المخففة (لا ملجأ من الله) من عقابه (إلا إليه ثم تاب عليهم) وفقهم للتوبة (ليتوبوا) أو قبل توبتهم ليثبتوا على التوبة (إن الله هو التواب) كثير التوبة (الرحيم) بعباده .
(يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله) في معاصيه (وكونوا مع الصادقين) في الإيمان والقول والعمل، وعن ابن عباس مع علي وأصحابه، وعنهم (عليهم السلام) مع آل محمد .
(ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله) إذا غزا، نفي معناه النهي (ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) بأن يطلبوا لها الدعة وهو يكابد المشاق (ذلك) النهي عن التخلف (بأنهم) بسبب أنهم (لا يصيبهم ظمأ) عطش (ولا نصب) تعب (ولا مخمصة) جوع (في سبيل الله ولا يطئون موطئا بغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا) قتلا أو قهرا (إلا كتب لهم به عمل صالح) يستحقون عليه الثواب (إن الله لا يضيع أجر المحسنين) أي أجرهم، وفيه حث على الجهاد وأعمال الخير .
(ولا ينفقون) في سبيل الله (نفقة صغيرة) قليلة (ولا كبيرة) كثيرة (ولا يقطعون واديا) بسيرهم (إلا كتب) أثبت ذلك (لهم ليجزيهم الله) به (أحسن ما كانوا يعملون) جزاء أحسنه.
(وما كان المؤمنون لينفروا كافة) ما ساغ لهم أن ينفروا جميعا عن بلدانهم لغزو أو طلب علم (فلو لا) فهلا (نفر من كل فرقة) قبيلة (منهم طائفة) جماعة وبقيت جماعة أخرى (ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) ما ينذرونه أمرهم الله أن ينفروا إلى رسوله ويختلفوا إليه فيتعلموا ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلمونهم، وقيل بل أمر طائفة أن ينفروا للغزو ويقيم طائفة مع النبي للتفقه وإنذار النافرة وتعليمها بعد رجوعهم .
(يا أيها الذين ءامنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) أي الأقرب منهم فالأقرب دارا ونسبأ (وليجدوا فيكم غلظة) شدة أي اغلظوا عليهم (واعلموا أن الله مع المتقين) بعونه ونصره .
(وإذا ما أنزلت سورة فمنهم) فمن المنافقين (من يقول) لباقيهم استهزاء (أيكم زادته هذه) السورة (إيمانا) تصديقا (فأما الذين ءامنوا فزادتهم إيمانا) بانضمام تصديقهم بها إلى إيمانهم (وهم يستبشرون) فرحا بها .
(وأما الذين في قلوبهم مرض) شك (فزادتهم رجسا)

(إلى رجسهم) كفرا بها ضموه إلى كفرهم (وماتوا وهم كافرون) رسخوا في الكفر حتى ماتوا عليه .
(أولا يرون) أي المنافقون وقرىء بالتاء (أنهم يفتنون) أي يبتلون (في كل عام مرة أو مرتين) بالتشديد أو الغزو مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيعاينوا آيات نصره (ثم لا يتوبون) من نفاقهم (ولا هم يذكرون) يتعظون .
(وإذا ما أنزلت سورة) فيها ذكرهم (نظر بعضهم إلى بعض) تغامزا يريدون الهرب يقولون إشارة (هل يراكم من أحد) إن قمتم فإن لم يرهم أحد قاموا (ثم انصرفوا) عن المجلس خوف الفضيحة (صرف الله قلوبهم) عن رحمته خيرا ودعاء (بأنهم قوم لا يفقهون) بسبب عدم تدبرهم .
(لقد جاءكم رسول من أنفسكم) عربي من ولد إسماعيل وقرىء بفتح الفاء أي أشرفكم (عزيز) شديد (عليه ما عنتم) عنتكم أي مشقتكم (حريص عليكم) أن تؤمنوا (بالمؤمنين رءوف رحيم).
(فإن تولوا) عن الإيمان بك (فقل حسبي الله) كافي (لا إله إلا هو عليه توكلت) به وثقت، لا بغيره (وهو رب العرش) الملك (العظيم) أو الجسم الأعظم المحيط قيل هاتان الآيتان آخر ما نزل.


سورة يونس

(10) سورة يونس مائة وتسع آيات (109) مكية
إلا فإن كنت في شك الثلاث أو ومنهم من يؤمن الآية.
بسم الله الرحمن الرحيم
(الر) روي معناه أنا الله الرءوف (تلك) أي هذه الآيات المنزلة (ءايات الكتاب) القرآن (الحكيم) المحكم أو الجامع للحكم .
(أكان) إنكار (للناس عجبا أن أوحينا) أي إيحاؤنا (إلى رجل منهم) محمد قيل قالوا إن الله لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب، وقيل تعجبوا من إرساله بشرا (أن) مفسرة أو مخففة (أنذر الناس) خوفهم بالعذاب (وبشر الذين ءامنوا أن) بأن (لهم قدم) سابقة (صدق) أي منزلة رفيعة بما قدموا أو شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (عند ربهم قال الكافرون إن هذا) القرآن المتضمن ذاك (لساحر مبين) بين وقرىء لسحر .
(إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام) في قدرهن ولم يخلقهن دفعة مع قدرته لحكم منها إثبات الاختيار وتعليم خلقه التثبت (ثم استوى على العرش) فسر في الأعراف (يدبر الأمر) يقدر وينفذه على مقتضى حكمته (ما من شفيع) يشفع لأحد عنده (إلا من بعد إذنه) رد لزعمهم شفاعة أصنامهم لهم (ذلكم) الموصوف بهذه الصفات (الله ربكم) لا إله ولا رب لكم غيره
(فاعبدوه) وحده (أفلا تذكرون) تتفكرون وتتعظون .
(إليه) لا إلى غيره (مرجعكم جميعا) بعد الموت (وعد الله حقا) مصدران قدر فعلهما (إنه يبدؤا الخلق) يبتدىء به (ثم يعيده) بعد إفنائه (ليجزي الذين ءامنوا وعملوا الصالحات بالقسط) بعدله أو عدلهم أي إيمانهم (والذين كفروا لهم شراب من حميم) ماء من عين غير الحرارة (وعذاب أليم بما كانوا يكفرون) بسبب كفرهم أو بمقابلته وعدل عن أسلوب المقابلة إشعارا بأن الغرض بالذات من الإبداء والإعادة الإثابة والتعذيب واقع بالعرض ولشدة اعتنائه بالرحمة نسب الجزاء بها لنفسه بخلاف ضدها .
(هو) الله (الذي جعل الشمس ضياء) ذات ضياء (والقمر نورا) ذا نور قيل الذاتي ضوء والعرضي نور، فما في الشمس من ذاتها وما في القمر مكتسب (وقدره) أي كل واحد منهما من حيث المسير (منازل) ثمانية وعشرين أو الضمير للقمر وخص بالذكر لظهور نزوله بها ولتعلق أكثر الأحكام به (لتعلموا) بذلك (عدد السنين والحساب) للأيام والشهور ومنافع دينية ودنيوية (ما خلق الله ذلك إلا) متلبسا (بالحق) لا باطلا تعالى عنه (نفصل) نبين وقرىء بالياء (الآيات لقوم يعلمون) فيتدبرونها .
(إن في اختلاف الليل والنهار) بالتعاقب والطول والقصر (وما خلق الله في السموات) من نيرات وملائكة وغيرها (والأرض) من أجناس الكائنات (لآيات) لوجوده ووحدته وعلمه وقدرته (لقوم يتقون) فيصدقون بها .
(إن الذين لا يرجون) لا يتوقعون (لقاءنا) بالبعث (ورضوا بالحياة الدنيا) من الآخرة لإنكارهم لها (واطمئنوا بها) سكنوا إليها (والذين هم عن ءاياتنا غافلون) لا يتدبرونها .
(أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون) من الكفر والمعاصي .
(إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم) للجنة (تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم).
(دعواهم) دعاؤهم (فيها سبحانك اللهم) نسبحك تسبيحا يا الله (وتحيتهم) من الملائكة أو فيما بينهم (فيها سلام وآخر دعواهم أن) مفسرة أو مخففة (الحمد لله رب العالمين) يفتتحون كلامهم بالتسبيح ويختمونه بالتحميد .
(ولو يعجل الله للناس الشر) إذا دعوا على أنفسهم وأولادهم ضجرا (استعجالهم) أي كتعجيله لهم (بالخير) إذا استعجلوه (لقضي إليهم أجلهم) أي لأهلكوا ولكن يمهلهم (فنذر الذين لا يرجون لقاءنا) لا يتوقعون البعث (في طغيانهم يعمهون) يتحيرون .
(وإذا مس الإنسان الضر) الجهد والبلاء (دعانا) لكشفه (لجنبه) أي مضطجعا (أو قاعدا أو قائما) أي في جميع حالاته

(فلما كشفنا عنه ضره مر) استمر على طريقته وكفره (كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك) التزيين (زين للمسرفين ما كانوا يعملون).
(ولقد أهلكنا القرون) أهل الأعصر السابقة (من قبلكم) يا أهل مكة (لما ظلموا) أشركوا (وجاءتهم رسلهم بالبينات) على صدقهم (وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين) المشركين .
(ثم جعلناكم خلائف) خلفاء (في الأرض من بعدهم) بعد القرون التي أهلكناها (لننظر كيف تعملون) خيرا أو شرا فيجازيكم به .
(وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات) واضحات (قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرءان غير هذا) لا يتضمن عيب آلهتنا (أو بدله) فاجعل مكانه آية تتضمن ذلك غيرها (قل ما يكون) ما يصح (لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي) فليس لي التصرف فيه بوجه (إني أخاف إن عصيت ربي) بتبديله (عذاب يوم عظيم) هو يوم القيامة .
(قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم) أعلمكم الله (به) على لساني وقرىء لأدراكم باللام (فقد لبثت) مكثت (فيكم عمرا) أربعين سنة (من قبله) قبل القرآن لا آتيكم بشيء (أفلا تعقلون) بذلك أنه ليس من قبلي .
(فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) بزعمه الشريك والولد له تعالى (أو كذب بآياته) القرآن (إنه لا يفلح المجرمون) المشركون .
(ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم) إن لم يعبدوه (ولا ينفعهم) إن عبدوه (ويقولون هؤلاء) الأصنام (شفعاؤنا عند الله) في الدنيا أو في الآخرة إن بعثا (قل أتنبئون الله) أتخبرونه (بما لا يعلم) من أن له شريكا أو هؤلاء شفعاؤنا عنده أي لو صح ذلك لعلمه (في السموات ولا في الأرض) حال من العائد المقدر (سبحانه) تنزيها له (وتعالى عما يشركون) معه .
(وما كان الناس إلا أمة واحدة) على الحق من عهد آدم إلى نوح أو على الكفر في فترة (فاختلفوا) تفرقوا إلى مؤمن وكافر (ولو لا كلمة سبقت من ربك) بتأخير الجزاء إلى يوم الفصل يوم القيامة (لقضي بينهم) في الدنيا (فيما فيه يختلفون) (بإهلاك الكفرة) .
(ويقولون لو لا) هلا (أنزل عليه آية

من ربه) أي مما اقترحوه (فقل إنما الغيب لله) لا يعلمه إلا هو فلا ينزل إلا ما يعلم فيه صلاحا (فانتظروا) نزولها أو العذاب (إني معكم من المنتظرين) لهلاككم .
(وإذا أذقنا الناس رحمة) نعمة وخصبا (من بعد ضراء مستهم) شدة وجدب (إذا لهم مكر في ءاياتنا) بتكذيبها والقدح فيها (قل الله أسرع مكرا) مجازاة على المكر (إن رسلنا) الحفظة (يكتبون ما تمكرون) وقرىء بالياء .
(هو الذي يسيركم) يمكنكم من السير وقرىء وينشركم (في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك) السفن (وجرين بهم) التفات إلى الغيبة كأنه خوطب غيرهم للتعجب منهم (بريح طيبة) لينة (وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف) شديدة الهبوب (وجاءهم الموج من كل مكان) جهة (وظنوا أنهم أحيط بهم) فلا مخلص لهم من الهلاك (دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه) الشدة (لنكونن من الشاكرين) المؤمنين .
(فلما أنجاهم) إلى البر (إذا هم يبغون) يظلمون (في الأرض بغير الحق) بالشرك والفساد (يا أيها الناس إنما بغيكم) ظلمكم كائن (على أنفسكم) لأن وباله عليها (متاع) بالرفع خبر محذوف وبالنصب مصدر، أي تمتعون متاع (الحياة الدنيا) الزائلة (ثم إلينا مرجعكم) في الآخرة (فننبئكم بما كنتم تعملون) بالجزاء به .
(إنما مثل الحياة الدنيا) أي صفتها في سرعة زوالها بعد إقبالها (كماء أنزلناه من السماء فاختلط به) بسببه (نبات الأرض) بعضه ببعض (مما يأكل الناس والأنعام) من الحبوب والبقول والكلأ (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت) زينتها من نباتها (وظن أهلها أنهم قادرون عليها) بالحصد ودفع الغلات (أتاها أمرنا) حكمنا وعذابنا (ليلا أو نهارا فجعلناها) أي زرعها (حصيدا) كالمحصود بآلة (كأن لم تغن بالأمس) لم تكن من قبل (كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) ليعتبروا بها .
(والله يدعو إلى دار السلام) السلامة أو دار الله أي الجنة (ويهدي من يشاء) بلطفه (إلى صراط مستقيم) موصل إليها وهو الإيمان .
(للذين أحسنوا) المثوبة (الحسنى وزيادة) أضعافا مضاعفة أو ترك حسابهم بنعيم الدنيا.

(ولا يرهق) يغشى (وجوههم قتر) سواد (ولا ذلة) هوان (أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون).
(والذين) وللذين (كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها) بلا زيادة (وترهقهم ذلة ما لهم من الله) من سخطه (من عاصم) مانع (كأنما أغشيت) ألبست (وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
ويوم) واذكر يوم (نحشرهم) أي الخلق (جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم) الزموا مكانكم (أنتم) تأكيد للضمير ليعطف عليه (وشركاؤكم) أي الأصنام (فزيلنا) قطعنا المواصلة (بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون) بل عبدتم أهواءكم أو ما شعرنا بعبادتكم لنا، وقيل الشركاء الشياطين، وقيل الملائكة .
(فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم) إن مخففة أي (إن كنا عن عبادتكم لغافلين) اللام فارقة .
(هنالك) في ذلك المكان (تبلوا كل نفس ما أسلفت) تختبر وتعلم ما علمت وقرىء تتلو من التلاوة (وردوا إلى الله) إلى حكمه (مولاهم) مالكهم (الحق) على الحقيقة والثابت (وضل) وبطل (عنهم ما كانوا يفترون) يدعون أن له شركاء .
(قل من يرزقكم من السماء والأرض) بالمطر والنبات (أمن يملك السمع) أي خلق الأسماع (والأبصار ومن يخرج الحي من الميت) من النطفة والبيضة (ويخرج الميت) النطفة والبيضة (من الحي ومن يدبر الأمر) أمر العالم (فسيقولون الله) لوضوح ذلك بحيث لا يمكنهم إنكاره (فقل أفلا تتقون) عقابه فتوحدونه .
(فذلكم) الفاعل لهذه الأشياء (الله ربكم الحق) الثابت (فما ذا) إنكار أي ليس (بعد الحق) وهو عبادته (إلا الضلال) فمن أخطأه ضل (فأنى) فكيف (تصرفون) عن عبادته .
(كذلك) كما حققت ألوهيته وربوبيته (حقت كلمت ربك على الذين فسقوا) كفروا (أنهم لا يؤمنون) سبق علمه بعدم إيمانهم اختيارا .
(قل هل من شركائكم من يبدؤا الخلق ثم يعيده قل الله يبدؤا الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون) تصرفون عن الأيمان .
(قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق) بنصب الحجج والتوفيق للنظر

(قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق) وهو الله (أحق أن يتبع أمن لا يهدي) غيره أو لا يهتدي وقرىء بتسكين الهاء وتخفيف الدال وشددها الأكثر (إلا أن يهدى) وهذا وصف أشرف الشركاء كالمسيح والملائكة (فما لكم كيف تحكمون) بما لا يقبله عقل سليم .
(وما يتبع أكثرهم إلا ظنا) من تقليد آبائهم (إن الظن لا يغني من الحق) من العلم الثابت (شيئا) مفعول به (إن الله عليم بما يفعلون) من الإشراك به فيجازيهم عليه .
(وما كان هذا القرءان أن يفترى) أي افتراء (من دون الله) من غيره (ولكن) كان أو أنزل (تصديق الذي بين يديه) من الكتب (وتفصيل الكتاب) تبيين ما كتب وأثبت من أمور الدين (لا ريب فيه من رب العالمين).
(أم يقولون افتراه) محمد (قل فأتوا بسورة مثله) في البلاغة على وجه الافتراء فإنكم مثل عرب فصحاء (وادعوا من استطعتم) لمعاضدتكم عليه (من دون الله) أي غيره (إن كنتم صادقين) أنه افتراه .
(بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) أي القرآن قبل أن يتدبروه ويعلموا ما فيه (ولما يأتهم تأويله) أي لم يقفوا على معانيه أو لم يأتهم عاقبة ما فيه من الوعيد (كذلك) التكذيب (كذب الذين من قبلهم) رسلهم (فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) فكذا عاقبة هؤلاء .
(ومنهم) من قومك (من يؤمن به) في المستقبل أو في نفسه لعدم تدبره (وربك أعلم بالمفسدين) من لم يؤمنوا .
(وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم) لكل جزاء عمله (أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون).
(ومنهم من يستمعون إليك) إذا قرأت القرآن ولا يقبلون (أفأنت تسمع الصم) أي من هم كالصم في عدم الانتفاع بما تقرأه (ولو كانوا) مع صممهم (لا يعقلون) إن ضم إلى صممهم عدم تعقلهم .
(ومنهم من ينظر إليك) ويرى شواهد صدقك ولا يصدقك (أفأنت تهدي العمي) من هم كالعمي في عدم الاهتداء (ولو كانوا) مع العمي (لا يبصرون) لا يعتبرون بالبصائر .
(إن الله لا يظلم الناس شيئا) يمنعهم الانتفاع في الحجج (ولكن الناس أنفسهم يظلمون) بترك تدبرها .
(ويوم يحشرهم) بالنون والياء (كأن) كأنهم لهول ما يرون (لم يلبثوا) في الدنيا والقبور (إلا ساعة من النهار) وحجة التشبيه حال منهم أو صفة يوم أي كأن لم يلبثوا قبله (يتعارفون بينهم) تعرف بعضهم بعضا إذا بعثوا ثم ينقطع التعارف للأهوال وهو حال مقدرة أو متعلق الظرف (قد خسر الذين كذبوا

بلقاء الله) بالبعث (وما كانوا مهتدين) للصواب .
(وإما نرينك) في حياتك (بعض الذي نعدهم) من العذاب أو جواب الشرط محذوف أي فذاك (أو نتوفينك) قبل تعذيبهم (فإلينا مرجعهم) في الآخرة (ثم الله شهيد) مطلع (على ما يفعلون) فيجازيهم به وثم لترتيب مقتضى الشهادة وهو عقابهم على رجوعهم .
(ولكل أمة) من الأمم (رسول) يدعوهم إلى الله (فإذا جاء رسولهم) إليهم فكذبوه (قضي بينهم بالقسط) بالعدل فيهلكون (وهم لا يظلمون) بعقوبة بغير ذنب .
(ويقولون متى هذا الوعد) بالعذاب (إن كنتم صادقين) فيه .
(قل لا أملك لنفسي ضرا) بدفع (ولا نفعا) بجلب (إلا ما شاء الله) أن أملكه فكيف أملك لكم تعجيل العذاب (لكل أمة أجل) مضروب لهلاكهم (إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).
(قل أرأيتم) أخبروني (إن أتاكم عذابه) عذاب الله (بياتا) ليلا (أو نهارا ما ذا) أي شيء (يستعجل منه) من العذاب (المجرمون) وضع موضع الضمير وجواب إن محذوف أي تندموا على استعجالهم .
(أثم إذا ما وقع) أي أبعد وقوع العذاب (ءامنتم به) بالله أو العذاب حين لا ينفعكم الإيمان والهمزة لإنكار التأخير (ءالآن) ويقال لكم الآن تؤمنون بالهمزة وبحذفها (وقد كنتم به تستعجلون) استهزاء .
(ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون).
(ويستنبئونك أحق هو) أي ما تعدنا به من البعث والعذاب أو ما جئت به من القرآن والشريعة (قل إي وربي إنه لحق) لا شك فيه (وما أنتم بمعجزين) بفائتين العذاب .
(ولو أن لكل نفس ظلمت) أشركت (ما في الأرض) من الأموال (لا افتدت به) من العذاب (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب) أخفوها كراهة لشماتة الأعداء أو أخفاها رؤساؤهم عن الأتباع خوف ملامتهم (وقضي بينهم) بين الخلائق (بالقسط) بالعدل (وهم لا يظلمون) بالجزاء .
(ألا إن لله ما في السموات والأرض) يفعل به ما يشاء (ألا إن وعد الله) بالبعث والجزاء (حق) كائن لا محالة (ولكن أكثرهم لا يعلمون) لتركهم النظر المؤدي إلى العلم .
(هو يحيي) الخلق بعد كونهم أحياء (ويميت) الأحياء (وإليه ترجعون) بالبعث فيجازي كلا بعمله .
(يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة) في كتابه (من ربكم) يرغب في محاسن الأعمال ويزجر عن مساويها (وشفاء لما في الصدور) من أمراض الشكوك وسوء الاعتقاد (وهدى) إلى الحق (ورحمة للمؤمنين) لنجاتهم به من النار إلى الجنة .

(قل بفضل الله وبرحمته) بإنزال القرآن وتعلقت الباء بما يفسره (فبذلك فليفرحوا) أي إن فرحوا بشيء فيهما ليفرحوا (هو) أي ذلك (خير مما يجمعون) من عرض الدنيا .
(قل أرأيتم) أخبروني (ما أنزل الله) خلق (لكم من رزق) من الزرع والضرع بالمطر وجعله حلالا (فجعلتم منه حراما) كالبحيرة وغيرها (وحلالا قل الله أذن لكم) في التحليل والتحريم (أم على الله تفترون) بنسبة ذلك إليه .
(وما ظن الذين يفترون على الله الكذب) أي شيء ظنهم به (يوم القيامة) أيحسبون أنه لا يؤاخذهم (إن الله لذو فضل على الناس) بإنعامه إليهم وإمهالهم (ولكن أكثرهم لا يشكرون) نعمه .
(وما تكون في شأن) أمر (وما تتلوا منه) من الشأن أو الله (من قرءان ولا تعلمون) أنت وأمتك (من عمل إلا كنا عليكم شهودا) رقباء (إذ تفيضون فيه) تخوضون في العمل (وما يعزب) ما يغيب وما يبعد (عن ربك) عن علمه (من مثقال ذرة) وزن نملة صغيرة (في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) بالفتح اسمان للا، والرفع على الابتداء (إلا في كتاب مبين) بين هو اللوح المحفوظ .
(ألا إن أولياء الله) أهل طاعته (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) يوم القيامة .
(الذين ءامنوا وكانوا يتقون) المعاصي .
(لهم البشرى في الحيوة الدنيا) هي ما بشر الله به المتقين في القرآن أو بشرى الملائكة عند الموت، وروي هي الرؤيا الحسنة يراها المؤمن أو ترى له (وفي الآخرة) بالجنة (لا تبديل لكلمات الله) لا خلف لعداته (ذلك) المذكور من البشرى (هو الفوز العظيم).
(ولا يحزنك قولهم) تكذيبهم لك وغيره وقرىء بضم الياء من أحزن (إن العزة الله جميعا) استئناف معلل كأنه قيل لا تحزن لقولهم لأن الغلبة لله فينصرك عليهم (هو السميع) لقولهم (العليم) بعملهم فيجازيهم به .
(ألا إن لله من في السموات ومن في الأرض) خلقا وملكا (وما يتبع الذين يدعون من دون الله) يعبدون غيره (شركاء) له في الحقيقة (إن يتبعون) في اتخاذ الشركاء (إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) يكذبون في ذلك .
(هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا) أن يبصر فيه فأسند إليه الإبصار مجازا (إن في ذلك لآيات) على وحدانيته (لقوم يسمعون) سماع تعقل .

(قالوا) أي أهل الكتاب أو مشركو العرب (اتخذ الله ولدا) قال تعالى (سبحانه) تنزيها له عما قالوا (هو الغني) عن كل شيء (له ما في السموات وما في الأرض) ملكا وخلقا وعبيدا (إن) ما (عندكم من سلطان) حجة (بهذا) الذي قلتم (أتقولون على الله ما لا تعلمون) توبيخ على قولهم ذلك .
(قل إن الذين يفترون على الله الكذب) بنسبة الولد والشريك إليه (لا يفلحون) لا يفوزون بثواب لهم .
(متاع في الدنيا) يتمتعون به أياما قلائل (ثم إلينا مرجعهم) بالموت (ثم نذيقهم العذاب الشديد) بالنار (بما كانوا يكفرون) بكفرهم.
(واتل عليهم نبأ نوح) خبره (إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر) عظم (عليكم مقامي) إقامتي فيكم (وتذكيري) وعظي إياكم (بآيات الله) بحججه (فعلى الله توكلت) به وثقت (فاجمعوا أمركم) اعزموا على أمر تكيدونني به (وشركاءكم) أي مع شركائكم (ثم لا يكن أمركم عليكم غمة) مغطى أي أظهروه (ثم اقضوا إلي) امضوا لما في أنفسكم (ولا تنظرون) لا تمهلوني فإن الله يعصمني منكم .
(فإن توليتم) عن نصحي (فما سألتكم من أجر) ثواب عليه فيثقل عليكم فتولوا (إن أجري) ما ثوابي على أداء الرسالة (إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين) المستسلمين لأمره .
(فكذبوه) تثبتوا على تكذيبه (فنجيناه) من الغرق (ومن معه في الفلك) السفينة وكانوا ثمانين (وجعلناهم خلائف) من المغرقين (وأغرقنا) بالطوفان (الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين) فليحذر غيرهم .
(ثم بعثنا من بعده) بعد نوح (رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به) أي أوائلهم وهم قوم نوح (من قبل) قبل بعث الرسل (كذلك نطبع على قلوب المعتدين) بالكفر وإسناد الطبع إليه تعالى مجاز عن ترك قسرهم على الإيمان .
(ثم بعثنا من بعدهم) بعد أولئك الرسل (موسى وهرون إلى فرعون وملإيه بآياتنا) التسع (فاستكبروا) على الإيمان (وكانوا قوما مجرمين) عاصين .
(فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا

إن هذا لسحر مبين) واضح .
(قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم) إنه لسحر (أسحر هذا) إنكار لما قالوا (ولا يفلح الساحرون) لا يظفرون بحجة فلو كان سحرا لبطل .
(قالوا أجئتنا لتلفتنا) تصرفنا (عما وجدنا عليه ءاباءنا) من الدين (وتكون لكما الكبرياء) الملك (في الأرض) أرض مصر (وما نحن لكما بمؤمنين) بمصدقين .
(وقال فرعون ائتوني بكل ساحر) وقرىء سحار (عليم) حاذق في السحر .
(فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون).
(فلما ألقوا) حبالهم وعصيهم (قال موسى ما) الذي (جئتم به) هو (السحر إن الله سيبطله) سيمحقه (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) لا يقويه .
(ويحق الله الحق بكلماته) يثبته بمواعيده (ولو كره المجرمون) ذلك .
(فما ءامن لموسى إلا ذرية من قومه) كمؤمن آل فرعون وزوجته وماشطتها وجارية وزوجة (على خوف من فرعون وملإيهم) الضمير لفرعون على أن يراد به آله أو للقوم (أن يفتنهم) يعذبهم فرعون فيصرفهم عن دينهم وإفراد الضمير لأن الخوف من الملأ بسببه (وإن فرعون لعال) متكبر (في الأرض وإنه لمن المسرفين) المتجاوزين للحد في العتو بادعاء الربوبية .
(وقال موسى) لمن آمن به (يا قوم إن كنتم ءامنتم بالله فعليه توكلوا) به ثقوا (إن كنتم مسلمين) منقادين لحكمه .
(فقالوا على الله توكلنا) اعتمدنا (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) لا تسلطهم علينا فيفتتنوا بنا .
(ونجنا برحمتك من القوم الكافرين) من كيدهم .
(وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا) اتخذا (لقومكما بمصر بيوتا) للسكنى أو العبادة (واجعلوا بيوتكم قبلة) مصلى إذا منعكم فرعون الصلاة في مساجده (وأقيموا الصلوة) أديموها (وبشر المؤمنين) بالنصر والجنة خطاب لموسى أو لمحمد .
(وقال موسى ربنا إنك ءاتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا) اللام للعاقبة (عن سبيلك ربنا اطمس

على أموالهم) امسخها (واشدد على قلوبهم) أي أهلكهم واخذلهم (فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) جواب الدعاء .
(قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما) فاثبتا على الدعوة قيل مكث فيهم بعد الدعاء أربعين سنة (ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون) الجهلة في استعجال القضاء .
(وجاوزنا ببني إسرائيل) أي جوزناهم (البحر) حتى جاوزوه (فأتبعهم) لحقهم (فرعون وجنوده بغيا وعدوا) مفعول له أو حال (حتى إذا أدركه الغرق قال ءامنت أنه لا إله إلا الذي ءامنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) لم يؤمن إلا حين لم يقبل الإيمان فقيل له .
(ءالآن) آمنت (وقد عصيت قبل) بالكفر (وكنت من المفسدين) بالضلال والإضلال عن الإيمان .
(فاليوم ننجيك) بالتخفيف نلقيك على نجوة من الأرض وبالتشديد نخرجك ملاقيا على الماء (ببدنك) بجسدك خاليا من الروح أو بدرعك وكانت من ذهب يعرف بها (لتكون لمن خلفك) وراءك (آية) أي علامة تعرف بها أنك عبد مقهور أو عبرة وعظة (وإن كثيرا من الناس عن ءاياتنا لغافلون) لا يعتبرون بها .
(ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق) أنزلناهم منزلا محمودا وهو مصر أو الشام (ورزقناهم من الطيبات) اللذيذة (فما اختلفوا حتى جاءهم العلم) أي كانوا على الكفر فلما جاءهم العلم من جهة موسى وكتابه آمن فريق وكفر آخر وكانوا مقرين بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى جاءهم القرآن أو معلومهم الذي اختلفوا في أمره (إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) بإنجاء المحق وتعذيب المبطل .
(فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك) من القصص فرضا أو من باب إياك أعني (فسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك) فإنه ثابت في كتبهم مطابق لما قصصنا (لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) إذ لا مجال للشك فيه .
(ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين) خطاب له (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمراد غيره .
(إن الذين حقت) وجبت (عليهم كلمت ربك) لعنته أو وعيده (لا يؤمنون) مع قدرتهم على الإيمان .
(ولو جاءتهم كل آية) لرسوخهم في الكفر (حتى يروا العذاب الأليم).
(فلو لا) فهلا (كانت قرية) من القرى المهلكة (ءامنت) قبل حلول العذاب بها (فنفعها إيمانها إلا) لكن (قوم يونس لما ءامنوا) حين رأوا أمارة العذاب (كشفنا عنهم

عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) آجالهم .
(ولو شاء ربك) مشيئة قسر (لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) مع أنك لا تقدر عليه وهو تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) من تحسره وحرصه على إيمانهم .
(وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) بلطفه وتوفيقه (ويجعل الرجس) العذاب (على الذين لا يعقلون).
(قل انظروا ما ذا) أي الذي أو أي شيء (في السموات والأرض) من الدلائل على الصانع (وما تغني الآيات والنذر) الحجج والرسل (عن قوم لا يؤمنون) لا يقبلونها ولا يريدون الإيمان .
(فهل) فما (ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم) أي مثل وقائعهم (قل فانتظروا) ذلك (إني معكم من المنتظرين) له .
(ثم ننجي رسلنا والذين ءامنوا كذلك) الإنجاء (حقا علينا ننجي المؤمنين).
(قل يا أيها الناس) أي أهل مكة (إن كنتم في شك من ديني) وحقيقته (فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله) أي الأصنام (ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم) بقبض أرواحكم وفيه تهديد (وأمرت أن أكون من المؤمنين) به .
(وأن أقم وجهك للدين حنيفا) مائلا إليه (ولا تكونن من المشركين.
ولا تدع) تعبد (من دون الله ما لا ينفعك) إن دعوته (ويضرك) إن تركته (فإن فعلت) فرضا أو من باب إياك أعني (فإنك إذا من الظالمين.
وإن يمسسك الله) يصيبك (بضر) شدة وبلاء (فلا كاشف) رافع (له إلا هو وإن يردك بخير) نعمة ورخاء (فلا راد) مانع (لفضله) الذي أرادك به (يصيب به) بالخير (من يشاء من عباده وهو الغفور) لذنوبهم (الرحيم) بهم .
(قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم) رسوله وكتابه (فمن اهتدى) باتباعه (فإنما يهتدي).

(لنفسه) لعود نفعه إليها (ومن ضل) عن اتباعه (فإنما يضل عليها) لعود وباله إليها (وما أنا عليكم بوكيل) بحفيظ وإنما علي البلاغ .
(واتبع ما يوحى إليك) بالامتثال (واصبر) على أذاهم (حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين).


سورة هود

(11) سورة هود مائة وثلاث وعشرون آية (123) مكية
وقيل إلا آية وأقم الصلاة سورة هود
بسم الله الرحمن الرحيم
(الر) مبتدأ (كتاب) خبره أو خبره محذوف (أحكمت آياته) أتقنت فلا خلل فيها في اللفظ والمعنى (ثم فصلت) بينت بالأحكام والمواعظ والقصص (من لدن) من عند (حكيم) في أفعاله (خبير) بمصالح خلقه .
(ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير) بالعقاب لمن كفر (وبشير) بالثواب لمن آمن .
(وأن استغفروا ربكم) من الشرك والمعاصي (ثم توبوا) ارجعوا إليه بالطاعة أو أخلصوا التوبة واستقيموا عليها (يمتعكم متاعا حسنا) في الدنيا بطيب عيش وسعة زهق (إلى أجل مسمى) أي الموت (ويؤت) في الآخرة (كل ذي فضل) عمل صالح (فضله) جزاء فضله، أو الهاء لله أي ثوابه (وإن تولوا) تعرضوا (فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير) يوم القيامة .
(إلى الله مرجعكم) فيه (وهو على كل شيء قدير) ومنه الإثابة والتعذيب.
(ألا إنهم يثنون صدورهم) يطوونها على عداوة النبي (ليستخفوا منه) من الله أو النبي (ألا حين يستغشون ثيابهم) يتغطون بها (يعلم) أي الله (ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور) بمكنونات القلوب .
(وما من دابة في الأرض) تدب عليها (إلا على الله رزقها) معاشها تكفل به تفضلا منه (ويعلم مستقرها) منزلها ومسكنها (ومستودعها) في مماتها والرحم (كل) مما ذكر (في كتاب مبين) هو اللوح المحفوظ .
(وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام) مقدارها كما مر من الأحد إلى الجمعة (وكان عرشه على الماء) قبل خلقها والماء قائم بقدرة الله أو على متن الريح (ليبلوكم) متعلق بخلق (أيكم أحسن عملا) أصوبه (ولئن قلت) لهم
(إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا) القول (إلا سحر مبين) تمويه بين لا حقيقة له وقرىء ساحر والضمير للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
(ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة) أوقات قليلة قال الصادق (عليه السلام): هي أصحاب المهدي عدة أصحاب أهل بدر (ليقولن) استهزاء (ما يحبسه) يمنعه من الحلول (ألا يوم يأتيهم) العذاب (ليس مصروفا عنهم وحاق) نزل (بهم ما كانوا به يستهزءون) من العذاب .
(ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة) منحناه نعمة كصحة وسعة (ثم نزعناها) سلبناها (منه إنه ليئوس) شديد اليأس من رحمة الله (كفور) شديد الكفر به أو بالنعم .
(ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء) بلاء وشدة (مسته ليقولن ذهب السيئات) الشدائد (عني) فلا تعود إلي (إنه لفرح) بطر (فخور) على الناس بما أعطي .
(إلا الذين صبروا) على الضراء استثناء من الإنسان العام باللام وإن حمل على الكافر فمنقطع (وعملوا الصالحات) شكرا للنعماء (أولئك لهم مغفرة) لذنوبهم (وأجر كبير) هو الجنة.
(فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك) فلا تبلغهم إياه لاستهزائهم به (وضائق به صدرك) بتلاوته عليهم كراهة (أن يقولوا لو لا) هلا (أنزل عليه كنز) ينفقه (أو جاء معه ملك) يصدقه (إنما أنت نذير) وما عليك إلا البلاغ (والله على كل شيء وكيل) حفيظ فيجازيهم بقولهم وفعلهم .
(أم) أم منقطعة والهمزة فيها للإنكار (يقولون افتراه) أي القرآن (قل فأتوا بعشر سور مثله) في الفصاحة والبلاغة وحسن النظم (مفتريات) مختلقات فإنكم عرب فصحاء مثلي تحداهم أولا بعشر ثم لما عجزوا بسورة (وادعوا من استطعتم من دون الله) أي غيره ليعينوكم على المعارضة (إن كنتم صادقين) أني افتريته .
(فإن لم يستجيبوا لكم) خطاب له (صلى الله عليه وآله وسلّم) على التعظيم أو للمؤمنين معه أو للمشركين واللام للمدعوين (فاعلموا) أيها المؤمنون أو المشركون (أنما أنزل) متلبسا (بعلم الله) بمواقع تأليفه في علو طبقته أو بأنه حق من عنده (وأن) مخففة أي واعلموا أنه (لا إله إلا هو) لعجز غيره عن مثل هذا المعجز (فهل أنتم مسلمون) ثابتون على الإسلام أو داخلون فيه بعد قيام الحجة .
(من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها) بأعماله البر (نوف إليهم أعمالهم فيها) جزاؤها بالصحة والسعة ونحوهما (وهم فيها) في الدنيا (لا يبخسون) لا ينقصون .
(أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط) بطل (ما صنعوا فيها) في الآخرة فلا ثواب لهم لأنهم لم يريدوا به وجه لله (وباطل ما كانوا يعملون) لأنه لا لغير الله .

(أفمن كان على بينة) حجة (من ربه) وهو النبي أو المؤمنون (ويتلوه شاهد منه) عنهم (عليهم السلام): الذي على بينة من ربه الرسول والشاهد منه علي وقيل: هو جبرائيل أو القرآن (ومن قبله) قبل القرآن (كتاب موسى) التوراة ويتلوه أيضا في التصديق (إماما) يؤتم به حال (ورحمة) لمن آمن به وخبر قوله (أفمن) محذوف أي كمن ليس كل (أولئك) الكائنون على بينة (يؤمنون به) بالقرآن أو بمحمد (ومن يكفر به من الأحزاب) فرق الكفار (فالنار موعده) مصيره (فلا تك في مرية) في شك (منه) من القرآن (إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون به) لتركهم النظر .
(ومن) أي لا أحد (أظلم ممن افترى على الله كذبا) فنسب إليه شريكا أو ولدا (أولئك يعرضون على ربهم) يوم القيامة فيحبسون (ويقول الأشهاد) جمع شاهد أو شهيد وهم الملائكة أو الأنبياء أو أئمة الحق من كل عصر (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين) بكذبهم على الله .
(الذين يصدون عن سبيل الله) دينه (ويبغونها عوجا) يطلبون لها الانحراف ويصفونها به (وهم بالآخرة هم كافرون) حال وكرر هم تأكيدا .
(أولئك لم يكونوا معجزين) فائتين الله أن يعذبهم (في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء) أنصار يمنعونهم من عذابه (يضاعف لهم العذاب) بكفرهم ومعاصيهم (ما كانوا يستطيعون السمع) للحق لبغضهم له فكأنهم لم يستطيعوا سماعه (وما كانوا يبصرون) ما يدل عليه لتركهم تدبره .
(أولئك الذين خسروا أنفسهم) بتعريضها للعقاب السرمدي (وضل) ذهب (عنهم ما كانوا يفترون) من الشركاء لله .
(لا جرم) لا محالة أو حقا (أنهم في الآخرة هم الأخسرون) الأكثر خسارة من غيرهم .
(إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا) أخشعوا (إلى ربهم) واطمأنوا إليه (أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون).
(مثل الفريقين) الكفرة والمؤمنين (كالأعمى والأصم والبصير والسميع) من قبيل اللف والنشر (هل يستويان مثلا) تشبيها (أفلا تذكرون) بالتأمل في الأمثال .
(ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني) بأني بفتح الهمزة وكسرها (لكم نذير مبين) للإنذار .
(أن) أي بأن أو أي (لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم

عذاب يوم أليم) مؤلم .
(فقال الملأ) الأشراف (الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا) لا تفضلنا بشيء يوجب طاعتك علينا (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا) أخساؤنا الذين لا مال لهم ولا جاه (بادي الرأي) ظاهره بلا تعمق من البدو أو ابتدائه من البدء أي وقت حدوث ظاهر رأيهم أو أوله (وما نرى لكم علينا من فضل) تستحقون به أنت وأتباعك أن نتبعكم (بل نظنكم كاذبين) في دعوى الرسالة .
(قال يا قوم أرأيتم) أخبروني (إن كنت على بينة) حجة تصدق دعواي (من ربي وءاتاني) منه (رحمة) نبوة (من عنده فعميت) خفيت (عليكم) لقلة تدبركم فيها (أنلزمكموها) أنلجئكم على قبولها (وأنتم لها كارهون) لا تريدونها .
(ويا قوم لا أسألكم عليه) على التبليغ (مالا) أجرا (إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين ءامنوا) كما سألتموني (إنهم ملاقوا ربهم) فيكرمهم ويجازي طاردهم (ولكني أراكم قوما تجهلون) الحق وأهله أي في سؤال طردهم .
(ويا قوم من ينصرني من الله) يمنعني من عذابه (إن طردتهم أفلا تذكرون) تتعظون .
(ولا أقول لكم عندي خزائن الله) مقدوراته أو خزائن رحمته (ولا) أقول إني (أعلم الغيب) حتى تستعظموا ذلك (ولا أقول إني ملك) بل أنا بشر مثلكم (ولا أقول للذين تزدري) تحتقر (أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا) فإنه يؤتيهم في الآخرة ثوابه وكفى به خيرا (الله أعلم بما في أنفسهم) من الإخلاص وغيره (إني إذا لمن الظالمين) إن قلت شيئا من ذلك .
(قالوا يا نوح قد جادلتنا) خاصمتنا (فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا) من العذاب (إن كنت من الصادقين) في الوعيد .
(قال إنما يأتيكم به الله إن شاء) فتعجيله وتأخيره إليه لا إلي (وما أنتم بمعجزين) بفائتين الله .
(ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم) يخيبكم من ثوابه أو يهلككم (هو ربكم) مالككم (وإليه ترجعون) فيجازيكم بأعمالكم .
(أم) بل (يقولون) كفار مكة (افتراه) أي نبأ نوح (قل إن افتريته فعلي إجرامي) وباله (وأنا بريء مما تجرمون) ونسبة الافتراء إلي .

(وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد ءامن فلا تبتئس) لا تحزن حزن بائس (بما كانوا يفعلون) فقد حان وقت الانتقام لك منهم .
(واصنع الفلك) السفينة (بأعيننا) برعايتنا وحفظنا (ووحينا) وتعليمنا (ولا تخاطبني في الذين ظلموا) كفروا بإمهالهم (إنهم مغرقون) لا محالة.
(ويصنع الفلك) أي كان يصنعه (وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه) لأنه كان يعملها في برية بعيدة من الماء (قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم) إذا غرقتم (كما تسخرون) اليوم .
(فسوف تعلمون من) أي الذي (يأتيه عذاب يخزيه) يفضحه وهو الغرق (ويحل) ينزل (عليه عذاب مقيم) دائم في الآخرة .
(حتى إذا جاء أمرنا) بتعذيبهم (وفار التنور) ارتفع الماء منه عنهم (عليهم السلام) إن فور الماء من التنور كان ميعادا بينه وبين ربه في إهلاك قومه (قلنا احمل فيها) في السفينة (من كل) من كل نوع من الحيوان (زوجين) اثنين ذكرا وأنثى على قراءة التنوين وعلى الإضافة معناه من كل زوجين ذكر وأنثى من جميع أنواعهما احمل (اثنين) ذكرا وأنثى (وأهلك) واحمل أهلك وهم زوجته وبنوه (إلا من سبق عليه القول) الوعد بإهلاكه وهو ابنه كنعان (ومن ءامن) من غيرهم (وما ءامن معه إلا قليل) قيل كانوا ثمانين وقيل أقل .
(وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها) أي قائلين بسم الله إجراؤها وإرساؤها حبسها أو وقتهما أو مكانهما (إن ربي لغفور رحيم) إذ نجانا من الغرق .
(وهي تجري بهم في موج كالجبال) في عظمها وارتفاعها (ونادى نوح ابنه) كنعان (وكان في معزل) عن نوح أو دينه (يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين) في الدين والتخلف .
(قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) يمنعني من الغرق (قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) إلا الراحم وهو الله أي لكن من رحمه الله بإيمانه فهو المعصوم (وحال بينهما الموج فكان) فصار (من المغرقين) قيل علا الماء تلال الجبال ثلاثين ذراعا .
(وقيل يا أرض ابلعي ماءك) اشربيه فشربته (ويا سماء أقلعي) أمسكي عن المطر فأمسكت (وغيض الماء) قل وغار (وقضي الأمر) وتم بهلاك من هلك ونجاة من نجا (واستوت) استقرت السفينة (على الجودي) جبل بالموصل (وقيل بعدا) هلاكا (للقوم الظالمين) قيل والآية حوت البلاغة بحسن نظمها وجزالة لفظها وبيان الحال بإيجاز بلا إخلال وبنيت الأفعال للمفعول لتعظيم الفاعل ويقينه إذ لا يقدر على هذه الأمور سوى الله .
(ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي) وقد وعدتني أن تنجيهم

(وإن وعدك الحق) الذي لا خلف فيه (وأنت أحكم الحاكمين) أعدلهم .
(قال يا نوح إنه ليس من أهلك) الذين وعدت نجاتهم (إنه عمل غير صالح) أي ذو عمل أو جعل نفس العمل مبالغة أنه عمل (فلا تسئلن ما ليس لك به علم) مصلحة هو أم لا (إني أعظك أن تكون من الجاهلين) بأن تفعل خلاف الأولى .
(قال رب إني أعوذ بك) من (أن أسئلك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني) بالتوفيق (أكن من الخاسرين) قاله تخشعا لا لذنب .
(قيل يا نوح اهبط) أنزل من السفينة (بسلام) بسلامة أو بتحية (منا وبركات) وخيرات (عليك وعلى أمم ممن معك) وهم المؤمنون بك (وأمم سنمتعهم) في الدنيا فيكفرون (ثم يمسهم منا عذاب أليم) في الآخرة بكفرهم .
(تلك) أي قصة نوح هي (من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا) القرآن (فاصبر) على أذى قومك كما صبر نوح (إن العاقبة) المحمودة عاجلا وآجلا (للمتقين).
(وإلى عاد) أرسلنا إلى عاد (أخاهم) نسبأ لا دينا (هودا قال يا قوم اعبدوا الله) وحده (ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون) على الله بجعلكم الأوثان شركاء .
(يا قوم لا أسألكم عليه) على دعائكم إلى التوحيد (أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني) خلقني (أفلا تعقلون) قولي فتعلمون أنه الحق .
(ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء) بالمطر وكانوا قد أجدبوا (عليكم مدرارا) كثير الدر (ويزدكم قوة إلى قوتكم) بالمال والنسل وكانوا قد عقمت نساؤهم (ولا تتولوا مجرمين.
قالوا يا هود ما جئتنا ببينة) بحجة تصدق دعواك (وما نحن بتاركي ءالهتنا) أي عبادتهم (عن قولك) لقولك أو بقولك (وما نحن لك بمؤمنين) بمصدقين .
(إن نقول) فيك (إلا) قولنا (اعتراك) أصابك (بعض ءالهتنا بسوء) بخبل لسبك إياها فصرت تهذي (قال إني أشهد الله واشهدوا) أنتم أيضا (أني بريء مما تشركون) به .
(من دونه) من آلهتكم التي تزعمونها خبلتني (فكيدوني) فاحتالوا في ضري (جميعا) أنتم وآلهتكم (ثم لا تنظرون) لا تمهلون .

(إني توكلت على الله ربي وربكم) وثقت به (ما من دابة إلا هو ءاخذ بناصيتها) أي مالكها وقاهرها (إن ربي على صراط مستقيم) على الحق والعدل .
(فإن تولوا) أي تتولوا أي تعرضوا (فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم) أديت ما علي وألزمتكم الحجة (ويستخلف ربي قوما غيركم) بعد إهلاككم (ولا تضرونه شيئا) بإهلاككم بإشراككم (إن ربي على كل شيء حفيظ) يحصي أعمالكم ويجازيكم بها.
(ولما جاء أمرنا) عذابنا (نجينا هودا والذين ءامنوا معه) أربعة آلاف (برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ) وهو الريح التي أهلكت بها عاد أو المراد من عذاب الآخرة أيضا .
(وتلك عاد) إشارة إلى القبيلة وآثارهم (جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله) إذ من عصى رسولا فقد عصى الكل (واتبعوا) أي سفلتهم (أمر كل جبار عنيد) معرض عن الحق من رؤسائهم .
(وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة) أي أبعدوا عن رحمة الله في الدارين (ألا إن عادا كفروا ربهم) أي به أو جحدوه (ألا بعدا) من رحمة الله أو هلاكا (لعاد قوم هود).
(وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم) خلقكم .
(من الأرض) أي خلق أصلكم آدم منها (واستعمركم فيها) جعلكم عمارها وسكانها أو عمركم فيها من العمرى (فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب) برحمته (مجيب) للدعاء (قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا) القول والآن يئسنا من خيرك (أتنهانا أن نعبد ما يعبد ءاباؤنا) من الأصنام ولم نشك في أمرها (وإننا لفي شك مما تدعونا إليه) من التوحيد (مريب) موجب للريبة .
(قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة) حجة (من ربي وءاتاني منه رحمة) نبوة (فمن ينصرني من الله) يمنعني من عذابه (إن عصيته) بترك التبليغ (فما تزيدونني) بما تقولون لي (غير تخسير) أن أنسبكم إلى الخسران .
(ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية) حال عاملها الإشارة ولكم حال منها (فذروها تأكل في أرض الله) عشبها وتشرب ماءها (ولا تمسوها بسوء) عقرا وغيره (فيأخذكم عذاب قريب) عاجل بعد ثلاثة أيام .

(فعقروها) العاقر قدار برضاهم فنسب إليها (فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام) وبعدها تهلكون (ذلك وعد غير مكذوب) فيه أو غير كذب .
(فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين ءامنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ) أي ونجيناهم من عذاب يومئذ أي إهلاكهم بالصيحة أو من فضيحتهم يوم القيامة (إن ربك هو القوي العزيز).
(وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين) ميتين .
(كأن لم يغنوا) كأنهم لم يقيموا (فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود).
(ولقد جاءت رسلنا) جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، عن الصادق (عليه السلام): رابعهم كروبيل (إبراهيم بالبشرى) بالولد أو بهلاك قوم لوط (قالوا سلاما) سلمنا عليك سلاما (قال سلام) عليكم أو أمركم سلام حياهم بالأحسن لاسمية الجملة (فما لبث) فما توقف في مجيئه (أن جاء بعجل حنيذ) مشوي ظنهم أضيافا .
(فلما رءا أيديهم لا تصل) لا يمدونها (إليه نكرهم وأوجس) أضمر (منهم خيفة قالوا لا تخف إنا) ملائكة (أرسلنا إلى قوم لوط) لنهلكهم ولسنا ممن نأكل .
(وامرأته) سارة (قائمة) خلف الستر أو تخدمهم (فضحكت) فرحا بالأمن أو بهلاك قوم لوط وقيل أي حاضت (فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب) من بعده .
(قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز) ابنة تسع وتسعين (وهذا بعلي شيخا) ابن مائة حال عامله الإشارة (إن هذا لشيء عجيب) أن يولد ولد لهرمين .
(قالوا أتعجبين من أمر الله) من قدرته (رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت) جعلت من أهل بيته لأنها ابنة عمه (إنه حميد مجيد).
(فلما ذهب عن إبراهيم الروع) الخوف (وجاءته البشرى) بالولد (يجادلنا) أقيل يجادل رسلنا (في) شأن (قوم لوط) بقوله إن فيها لوطا .
(إن إبراهيم لحليم) ذو أناة (أواه) دعاء مترحم (منيب) رجاع إلى الله قالت الملائكة .
(يا إبراهيم أعرض عن هذا) الجدال (إنه قد جاء أمر ربك) بهلاكهم (وإنهم ءاتيهم عذاب غير مردود) مدفوع عنهم .
(ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم) اغتم بسببهم إذ جاءوا في صورة غلمان أضياف (وضاق بهم ذرعا) صدرا كناية عن فقد الحيلة في دفع المكروه (وقال

هذا يوم عصيب) شديد.
(وجاء قومه) حين أعلمتهم امرأته بهم بتدخينها (يهرعون إليه) كأنهم يساقون سوقا (ومن قبل) قبل ذلك اليوم (كانوا يعملون السيئات) إتيان الذكور في أدبارهم (قال) لما هموا بأضيافه (يا قوم هؤلاء بناتي) فتزوجوهن وكانوا يخطبوهن فلا يجيبهم لعدم الكفاءة لا للكفر إذ ليس مانعا في شرعه، وقيل أراد نساءهم لأن كل نبي أبو أمته (هن أطهر لكم) أنظف وأحل (فاتقوا الله) بإيثار الحلال على الحرام (ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد) يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
(قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق) حاجة (وإنك لتعلم ما نريد) من إتيان الذكور.
(قال لو أن لي بكم قوة) منعة (أو ءاوي إلى ركن شديد) أو انضم إلى عشيرة تنصرني لدفعكم .
(قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك) بسوء وضرب جبرائيل بجناحه وجوههم فأعماهم (فأسر بأهلك بقطع) بطائفة (من الليل ولا يلتفت منكم أحد) إلى ورائه أو ولا يتخلف (إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم) فسألهم لوط تعجيل عذابهم فقالوا (إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب).
(فلما جاء أمرنا) بالعذاب (جعلنا عاليها سافلها) أي مدينتهم (وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل) معرب سنك كل، وقيل الآجر (منضود) متتابع بعضه على إثر بعض .
(مسومة) معلمة للعذاب (عند ربك) في قدرته (وما هي) أي الحجارة (من الظالمين) من أمتك (ببعيد) تهديد لقريش والتذكير لأنها حجر .
(وإلى مدين أخاهم) نسبأ (شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان) كانوا مع شركهم يطففون فأمرهم بالتوحيد وأنهاهم عن التطفيف (إني أراكم بخير) بسعة تغنيكم عن البخس أو بنعمة فلا تزيلوها به (وإني أخاف عليكم) إن لم تتوبوا (عذاب يوم محيط) لا يفلت منه أحد .
(ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط) بالعدل (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) لا تنقصوهم حقوقهم المقدرة وغيرها (ولا تعثوا) لا تفسدوا (في الأرض مفسدين) بالشرك والبخس وغيرهما حال مؤكدة .
(بقية الله) ما أبقاه الله لكم من الحلال أو طاعته (خير لكم) مما تأخذون بالبخس (إن كنتم مؤمنين) شرط لخيريتها (وما أنا عليكم بحفيظ) أحفظ أعمالكم فأجازيكم بها أو أحفظكم منها وإنما أنا نذير .
(قالوا) تهكما (يا شعيب أصلوتك تأمرك أن نترك

ما يعبد آباؤنا) من الأصنام (أو أن نفعل) أي أو نترك فعلنا (في أموالنا ما نشاء) من البخس (إنك لأنت الحليم الرشيد) قالوا ذلك استهزاء أو أرادوا ضده .
(قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة) بيان وبصيرة (من ربي ورزقني منه رزقا حسنا) مالا حلالا وتقدير جواب الشرط أفأكفر نعمه (وما أريد أن أخالفكم) وأقصد (إلى ما أنهاكم عنه) فأرتكبه (إن أريد) بما آمركم به وأنهاكم عنه (إلا الإصلاح) لكم دينا ودنيا (ما استطعت) مدة استطاعتي (وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت) لا على غيره (وإليه أنيب) أرجع من النوائب أو في المعاد .
(ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي) لا يكسبنكم خلافي (أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح) من الغرق (أو قوم هود) من الريح (أو قوم صالح) من الرجفة (وما قوم لوط منكم ببعيد) فاعتبروا بهم .
(واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم) بالتائبين (ودود) محب لهم أي مريد لمنافعهم .
(قالوا يا شعيب ما نفقه) نفهم (كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا) بدنا أو ذليلا (ولو لا رهطك) عشيرتك وحرمتهم (لرجمناك) بالحجارة أو لشتمناك (وما أنت علينا بعزيز) بل لعزة قومك .
(قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله) فتتركون رجمي لأجلهم لا لله (واتخذتموه وراءكم ظهريا) كالمنبوذ خلف الظهر فنسيتموه (إن ربي بما تعملون محيط) لا يفوته شيء .
(ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه) مر في الأنعام تفسيره (ومن هو كاذب وارتقبوا) انتظروا ما أعدكم به (إني معكم رقيب) منتظر .
(ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين ءامنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة) صاح بهم جبرئيل فماتوا (فأصبحوا في ديارهم جاثمين) صرعى على وجوههم موتى .
(كأن) كأنهم (لم يغنوا) لم يقيموا (فيها ألا بعدا لمدين) عن رحمة الله أو هلاكا لهم (كما بعدت ثمود) أهلكوا بصيحة أيضا لكن من تحتهم .

(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا) بمعجزاتنا (وسلطان مبين) العصا أو غيرها .
(إلى فرعون وملإيه فاتبعوا أمر فرعون) طريقه وهو الضلال وتركوا طريق موسى وهو الهدى (وما أمر فرعون برشيد) لأنه داع إلى الشر وصاد عن الخير .
(يقدم قومه) يتقدمه (يوم القيامة) إلى النار كما تقدمهم في الدنيا إلى الضلال (فأوردهم النار) عبر بالماضى لتحققه (وبئس الورد المورود).
(وأتبعوا في هذه) الدنيا (لعنة ويوم القيامة) لعنة (بئس الرفد المرفود) العون المعان رفدهم وهو اللغتان .
(ذلك من أنباء القرى) المهلكة (نقصه عليك منها) أي القرى (قائم) على بنائه (وحصيد) دارس كالزرع المحصود .
(وما ظلمناهم) بإهلاكهم (ولكن ظلموا أنفسهم) بكفرهم الموجب له (فما أغنت) دفعت (عنهم ءالهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك) عذابه (وما زادوهم غير تتبيب) تخسير أو تدمير .
(وكذلك) أي مثل ذلك الأخذ (أخذ ربك إذا أخذ القرى) أي أهلها (وهي ظالمة) حال (إن أخذه أليم شديد) رجع لا يرد .
(إن في ذلك) أي يوم القيامة (لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس) لما فيه من الحساب والجزاء (وذلك يوم مشهود) يشهده أهل السماء والأرض .
(وما نؤخره) أي اليوم (إلا لأجل معدود) متناه .
(يوم يأت) اليوم أو الجزاء (لا تكلم) تتكلم (نفس) بما ينفع كشفاعة وغيرها (إلا بإذنه فمنهم شقي) بسوء عمله (وسعيد) بحسن عمله .
(فأما الذين شقوا) بأعمالهم القبيحة (ففي النار لهم فيها زفير) صوت شديد (وشهيق) صوت ضعيف، ويقالان لأول الشهيق وآخره .
(خالدين فيها ما دامت السموات والأرض) أي مدة دوامها في الدنيا أريد به التأييد (إلا ما شاء ربك) قيل إلا بمعنى سوى مثل لك ألف إلا ألفان سبقا أي سوى ما شاء ربك من الزيادة التي لا منتهى لها على مدتهما والمعنى خالدين فيها أبدا أو استثناء من خلودهم في النار لأن منهم فساق الموحدين وهم يخرجون منها ويصح الاستثناء بذلك لزوال حكم الكل بزواله عن البعض وهم المستثنى في الآتية إذ يفارقون الجنة وقت عذابهم وقد شقوا بعصيانهم وسعدوا بإيمانهم فجمعوا الوصفين باعتبارين (إن ربك فعال لما يريد) لا مانع له .
(وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء) نصب مصدرا (غير مجذوذ) مقطوع .
(فلا تك في مرية) في شك (مما يعبد هؤلاء) من الأوثان في أن عبادتها ضلال أو من عبادتهم في أنها تجر إلى النار

(ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل) كالذي عبدوه من الأوثان أو كعبادتهم وسيحل بهم ما حل بآبائهم (وإنا لموفوهم) كآبائهم (نصيبهم) حظهم من العذاب (غير منقوص) حال أي تاما .
(ولقد ءاتينا موسى الكتاب) التوراة (فاختلف فيه) من مصدق به ومكذب كاختلاف قومك في القرآن فلا تحزن (ولو لا كلمة سبقت من ربك) بالإمهال إلى يوم القيمة (لقضي بينهم) في الحال بإهلاك المبطل وإنجاء المحق (وإنهم) أي الكفرة (لفي شك منه) من القرآن (مريب) موقع للريبة .
(وإن كلا) المختلفين مصدقيهم ومكذبيهم (لما ليوفينهم) أي لمن الذين يوفيهم (ربك أعمالهم) أي جزاءها (إنه بما يعملون خبير) عالم بخفيه كجليه .
(فاستقم) على الدين والعمل به والدعاء إليه (كما أمرت) في القرآن (ومن تاب) من الشرك وآمن (معك ولا تطغوا) تتعدوا حدود الله (إنه بما يعملون بصير) فيجازيكم به .
(ولا تركنوا) لا تميلوا (إلى الذين ظلموا) بمودة أو طاعة أو نصح (فتمسكم النار) بركونكم إليهم (وما لكم من دون الله) أي سواه (من أولياء) أنصار يدفعون عذابه عنكم (ثم لا تنصرون) أصلا .
(وأقم الصلاة طرفي النهار) أي صلاة الصبح وعشية أي المغرب أو العصر أو الظهرين إذ ما بعد الزوال عشاء (وزلفا من الليل) ساعات منه قريبة من النهار أي صلاة العشاء أو العشاءين (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين).
(واصبر) على الصلوات الخمس أو الطاعات أو على أذى قومك (فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) الصابرين على الطاعة وترك المعصية .
(فلو لا) فهلا بمعنى النفي أي ما (كان من القرون) الأمم الماضية (من قبلكم أولوا بقية) أصحاب دين أو خير أو فضل (ينهون عن الفساد في الأرض إلا) لكن (قليلا من أنجينا منهم) نهوا عنه فأنجيناهم ومن بيانية (واتبع الذين ظلموا) بالفساد وترك النهي عنه (ما أترفوا) أنعموا (فيه) من اللذات (وكانوا مجرمين) كافرين .
(وما كان ربك ليهلك القرى بظلم) منه لها (وأهلها مصلحون) مؤمنون أو ما يهلكهم بشركهم وهم على النصفة فيما بينهم .
(ولو شاء ربك) مشيئة حتم وجبر (لجعل الناس أمة واحدة) في الإيمان (ولا يزالون مختلفين) في الدين بين محق ومبطل .
(إلا من رحم ربك) لطف بهم لعلمه بأن اللطف ينفعهم فاتفقوا على الحق بلطفه (ولذلك خلقهم) أي للرحم أو لاتفاقهم في الإيمان أمة واحدة وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وقيل الإشارة إلى الاختلاف واللام للعاقبة (وتمت كلمة ربك) ووجب قوله أو مضى حكمه (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) بكفرهم .
(وكلا) أي كل نبإ ونصبه (نقص عليك)

(من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك) (نقوي به قلبك أو نزيد ثباتك على التبليغ واحتمال أذى قومك وجاءك في هذه) السورة أو الأنبياء (الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بتدبرها .
(وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم) حالتكم (إنا عاملون) على حالتنا .
(وانتظروا) عقوبة كفركم (إنا منتظرون) ثواب إيماننا .
(ولله غيب السموات والأرض) له وحده علم ما غاب فيهما (وإليه يرجع) يعود أو يرد بالبناء للفاعل أو للمفعول (الأمر كله فاعبده) وحده (وتوكل عليه) ثق به فإنه كافيك (وما ربك بغافل عما تعملون) بل هو محصيه ومجازيهم.


سورة يوسف

(12) سورة يوسف مائة وإحدى عشر آية (111) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(الر تلك) أي الآيات (ءايات الكتاب المبين) السورة أو القرآن البين الإعجاز أو المبين له .
(إنا أنزلناه) أي الكتاب (قرءانا عربيا) بلغة العرب (لعلكم تعقلون) أنه من عند الله أو تفهمونه .
(نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا) بإيحائنا (إليك هذا القرءان) أي السورة أو الكل (وإن) مخففة (كنت من قبله لمن الغافلين) عما فيه من قصة يوسف أو الأعم .
(إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) كرر رأيت تأكيدا أو لأن إحداهما بصرية والأخرى من الرؤيا .
(قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين) فإنهم الكواكب والشمس والقمر أبوك وأمك خاف أن يحسدوه فيغتالوه .
(وكذلك) الاجتباء بهذه الرؤية (يجتبيك ربك) يختارك للنبوة أو لحسن الخلق والخلق (ويعلمك من تأويل الأحاديث) تعبير الرؤيا أو معاني كتب الله (ويتم نعمته عليك) بالنبوة.
(وعلى آل يعقوب) بنيه يجعل النبوة فيهم (كما أتمها على أبويك) بالنبوة (من قبل) من قبلك (إبراهيم وإسحق إن ربك عليم) بمن يصلح للنبوة (حكيم) في صنعه .
(لقد كان في يوسف وإخوته) في خبرهم وهم أحد عشر (ءايات) عبر عجيبة وقرىء ءاية (للسائلين) عن خبرهم .
(إذ قالوا) أي الإخوة (ليوسف وإخوته) لأبويه بنيامين (أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة) والحال أنا جماعة (إن أبانا لفي ضلال مبين) عن كوننا أنفع له .
(اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا) في أرض بعيدة والقائل شمعون (يخل لكم وجه أبيكم) عن شغله بيوسف (وتكونوا من بعده) بعد قتله أو طرحه (قوما صالحين) بالتوبة عما فعلتم أو في أمر دنياكم أو مع أبيكم .
(قال قائل منهم) يهوذا أو روبيل (لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب) قعر البئر المغيب ما فيه من الحس (يلتقطه) يأخذه (بعض السيارة) المسافرين (إن كنتم فاعلين) للتفرقة .
(قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون) عاطفون عليه قائمون بمصالحه .
(أرسله معنا غدا) إلى الصحراء (يرتع) يتنعم ويأكل (ويلعب) بالرمي والاستباق (وإنا له لحافظون) حتى نرده إليك .
(قال إني ليحزنني أن تذهبوا به) وتغيبوه عني (وأخاف أن يأكله الذئب) وكانت أرضهم مذأبة (وأنتم عنه غافلون) مشغولون بشغالكم .
(قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة) ولم نمنعه منه (إنا إذا لخاسرون) عجزة ضعفاء فأرسله معهم .
(فلما ذهبوا به وأجمعوا) عزموا (أن يجعلوه في غيابت الجب وأوحينا إليه) في الجب إيناسا له (لتنبئنهم بأمرهم هذا) لتخبرنهم فيما بعد بصنعهم بك (وهم لا يشعرون) أنك يوسف إشارة إلى ما قال لهم حين دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون .
(وجاءوا أباهم عشاء يبكون).
(قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق) نرمي أو نعدو (وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن) بمصدق (لنا ولو كنا صادقين) لاتهامك لنا .
(وجاءوا على قميصه

بدم كذب) وصف به مبالغة أو ذي كذب أي مكذوب فيه فإنه دم سخلة ذبحوها ولطخوه به وذهلوا أن يمزقوه فقال يعقوب كيف أكله ولم يمزق قميصه (قال بل سولت) زينت (لكم أنفسكم أمرا) فصنعتموه (فصبر جميل) لا جزع فيه أجمل أو فأمري صبر (والله المستعان على ما تصفون) على دفعه أو على الصبر عليه .
(وجاءت سيارة) مسافرون من مدين إلى مصر بعد إلقائه في الجب بثلاث سنين (فأرسلوا واردهم) من يرد الماء ليستقي لهم (فأدلى) أرسل في الجب (دلوه) فتعلق بها يوسف فلما رآه (قال يا بشرى) احضري فهذا أوانك (هذا غلام وأسروه) وأخذوه عن رفقتهم وقالوا ادفعوه لنا أهل الماء لنبيعه لهم أو أسره إخوته حين علموا به فقالوا هذا عبدنا أبق وسكت خوفا أن يقتلوه (بضاعة) حال (والله عليم بما يعملون) بسرهم أو بكيد إخوته .
(وشروه) أي باعوه أي إخوته أو اشتراه الرفقة منهم (بثمن بخس) ناقص أو زيوف (دراهم) بدل من ثمن (معدودة) قليلة عشرين أو ثمانية وعشرين (وكانوا) أي إخوته أو الرفقة (فيه من الزاهدين).
(وقال الذي اشتراه من مصر) العزيز (لامرأته) راعيل ولقبها زليخا (أكرمي مثواه) مقامه عندنا (عسى أن ينفعنا) في أمورنا (أو نتخذه ولدا) كان عقيما وتفرس فيه الرشد (وكذلك) كما جعلنا له مخرجا حسنا (مكنا ليوسف في الأرض) أرض مصر ليقيم العدل فيها (ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره) لا يغلبه شيء أو على أمر يوسف حتى بلغه ما قدر له (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ذلك .
(ولما بلغ أشده) كمال شدته وقوته (آتيناه حكما) بين الناس أو حكمة (وعلما) بتعبير الرؤيا وفقها في الدين (وكذلك) الجزاء له (نجزي المحسنين) في أعمالهم .
(وراودته التي هو في بيتها عن نفسه) طلبت منه أن يواقعها (وغلقت الأبواب) وكانت سبعة (وقالت هيت لك) اسم فعل أي هلم أو أقبل واللام للتبيين (قال معاذ الله) أعوذ به معاذا (إنه ربي) أي زوجك سيدي (أحسن مثواي) مقامي بإكرامي فلا أخونه في أهله أو الهاء لله أي خالقي رفع محلي فلا أعصيه (إنه لا يفلح الظالمون) بالخيانة أو الزنا .
(ولقد همت به) قصدت مخالطته (وهم بها) مال طبعه إليها لا القصد الاختياري والمدح لمن كف نفسه عن الفعل (لو لا أن رءا برهان ربه) أي لو لا النبوة المانعة من القبيح لهم ولكنه لم يهم لذلك (كذلك) أريناه البرهان (لنصرف عنه السوء والفحشاء) الخيانة والزنا (إنه من عبادنا المخلصين) دينهم لله على الكسر أو المختارين للنبوة على الفتح .
(واستبقا الباب) بادراه هو للهرب وهي لتمسكه فلحقته وجذبته (وقدت قميصه من دبر) من خلفه (وألفيا سيدها) وجدا زوجها (لدى الباب قالت) له (ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن) إلا سجن أي حبس (أو عذاب أليم) ضرب مؤلم .

(قال) يوسف (هي راودتني عن نفسي) طالبتني بالسوء (وشهد شاهد من أهلها) صبي في المهد ابن أختها أو ابن عمها وقيل رجل كان مع زوجها فقال (إن كان قميصه قد من قبل) من قدامه (فصدقت وهو من الكاذبين) لدلالته على أنه قصدها فدفعته .
(وإن كان قميصه قد من دبر) من خلفه (فكذبت وهو من الصادقين) لدلالته على أنه فر وتعلقت به .
(فلما رءا قميصه قد من دبر قال إنه) أي الصنع (من كيدكن إن كيدكن عظيم) يا (يوسف أعرض عن هذا) الحديث ولا تذكره لئلا يفشو (واستغفري لذنبك) يا زليخا (إنك كنت من الخاطئين) ذكر تغليبا .
(وقال نسوة في المدينة) مصر (امرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه) تدعو عبدها إلى الفجور بها (قد شغفها حبا) تمييز أي دخل حبه شغاف قلبها أي غشاءه (إنا لنراها في ضلال مبين).
(فلما سمعت بمكرهن) بتعبيرهن لها سمي مكرا لإرادتهن بذلك رؤية يوسف (أرسلت إليهن) ودعتهن في جملة أربعين امرأة (وأعتدت) أعدت (لهن متكئا) وسائد يتكئن عليها وقيل أترجا (وءاتت) أعطت (كل واحدة منهن سكينا) ليقطعن بها الفواكه واللحم (وقالت) ليوسف (اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه) أعظمنه وبهتن لجماله وقيل حضن (وقطعن أيديهن) جرحنها بالسكين للدهشة (وقلن حاش لله) تنزيها له (ما هذا بشرا) إذ لم يعهد حسنه لبشر (إن هذا إلا ملك كريم) لجماله وعفته .
(قالت فذلكن) هذا هو الفتى (الذي لمتنني فيه) في حبه فقد رأيتن ما أصابكن برؤيته مرة فكيف ألام وأنا أشاهده دائما (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) امتنع طلبا للعصمة (ولئن لم يفعل ما ءامره ليسجنن وليكونا من الصاغرين) الأذلاء .
(قال) حين توعدنه ودعونه إلى أنفسهن (رب) يا رب (السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) من الفاحشة (وإلا تصرف عني كيدهن) أي ضرره بالتثبت على العصمة (أصب) أمل بطبعي (إليهن وأكن من الجاهلين).
(فاستجاب له ربه) دعاءه (فصرف عنه كيدهن) بعضه بلطفه وتوفيقه لقمع الشهوة والصبر على السجن (إنه هو السميع) لدعاء من دعاه (العليم) بحاله .
(ثم بدا لهم) ظهر للعزيز وصحبه (من بعد ما رأوا الآيات) الدلائل على براءة يوسف كقد القميص ونطق الطفل وقطع اليدين ونحوها (ليسجننه حتى حين).
(ودخل معه السجن فتيان) عبدان للملك ساقيه وخبازه اتهما بإرادة سمه فسجنا فرأياه يعبر للناس رؤياهم (قال أحدهما) الساقي (إني أراني) في المنام (أعصر خمرا) عنبا سماه بما يئول إليه.

(وقال الآخر) الخباز (إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله) بتعبيره (إنا نريك من المحسنين) لتأويل الرؤيا أو إلى أهل السجن .
(قال لا يأتيكما طعام ترزقانه) في منامكما أو من أهلكما (إلا نبأتكما بتأويله) في اليقظة أو بصفته (قبل أن يأتيكما) تأويله أو الطعام (ذلكما) التأويل (مما علمني ربي) بوحي أو إلهام (إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم) تأكيد (كافرون).
(واتبعت ملة ءابائي) دينهم (إبراهيم وإسحق ويعقوب ما كان) ما جاز (لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك) التوحيد (من فضل الله علينا وعلى الناس) بعثنا لهدايتهم (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) فضله .
(يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون) شتى لا تضر ولا تنفع (خير أم الله الواحد) الذي لا ثان له (القهار) الغالب على الكل .
(ما تعبدون) يا أهل مصر (من دونه) أي غير الله (إلا أسماء سميتموها أنتم وءاباؤكم) آلهة (ما أنزل الله بها) بعبادتها (من سلطان) حجة (إن الحكم إلا لله) فلا يستحق العبادة إلا هو (أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم) المستقيم لا ما أنتم عليه من الشرك (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ذلك لتركهم النظر .
(يا صاحبي السجن أما أحدكما) أي الساقي فيرد إلى عمله بعد ثلاث (فيسقي ربه) سيده (خمرا) كعادته (وأما الآخر) أي الخباز فيخرج بعد ثلاث (فيصلب فيأكل الطير من رأسه) فقالا ما رأينا شيئا فقال (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) فهو حال بكما رأيتما أم لا .
(وقال للذي ظن) علم (أنه ناج منهما) وهو الساقي (اذكرني عند ربك) سيدك بأني حبست ظلما (فأنساه) أي الساقي (الشيطان ذكر ربه) أن يذكر لسيده أو أنسى يوسف ذكر الله حتى استعان بمخلوق (فلبث في السجن بضع سنين) سبعا بعد الخمس والبضع ما دون العشرة إلى الثلاثة .
(وقال الملك إني أرى) في منامي (سبع بقرات سمان يأكلهن سبع) أخر (عجاف) هزال (وسبع

سنبلات خضر) قد انعقد حبها (وأخر) وسبعا أخر (يابسات) قد التوت على الخضر وغلب عليها (يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون) اللام للبيان أو لتقوية الفعل لتأخره .
(قالوا أضغاث) تخاليط (أحلام) كاذبة (وما نحن بتأويل الأحلام) الكاذبة (بعالمين).
(وقال الذي نجا منهما) أي الساقي (وادكر) أصله ادتكر قلبت تاؤه دالا وأدغمت أي تذكر شأن يوسف (بعد أمة) جملة من الحين (أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون) إلى من يعلمه فأتى يوسف فقال يا .
(يوسف أيها الصديق) الكثير الصدق (أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات) رآها الملك (لعلي أرجع إلى الناس) أي الملك ومن معه (لعلهم يعلمون) فضلك أو تأويلها .
(قال تزرعون سبع سنين دأبا) باجتهاد أو على عادتكم حال أي دائبين أو مصدر أي تدأبون دأبا وهذا تأويل البقرات السمان والسنبلات الخضر (فما حصدتم فذروه) فاتركوه (في سنبله إلا قليلا مما تأكلون) فدوسوه .
(ثم يأتي من بعد ذلك) أي السبع المخصبة (سبع شداد) مجدبات وهي تأويل العجاف واليابسات (يأكلن ما قدمتم لهن) أي تأكلون فيهن ما ادخرتم لأجلهن في السنين المخصبة من الحب وهو تأويل أكل العجاف السمان (إلا قليلا مما تحصنون) تحرزون .
(ثم يأتي من بعد ذلك) الجدب في السبع (عام فيه يغاث الناس) يمطرون من الغيث أو ينقذون من القحط من الغوث (وفيه يعصرون) الثمار كالعنب والزيتون أو ينجون، والعصرة النجاة، وعن علي (عليه السلام): يعصرون أي يمطرون من وأنزلنا من المعصرات .
(وقال الملك ائتوني به) بالمعبر (فلما جاءه الرسول) ليخرجه (قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) سله أن يعرف حالهن ولم يذكر سيدته كرما وتأدبا (إن ربي) أي الله أو سيدي (بكيدهن عليم) فرجع وأخبر الملك فدعاهن .
(قال ما خطبكن) شأنكن (إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء) هل بدا منه خيانة (قالت امرأت العزيز الآن حصحص الحق) ظهر (أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين) فعاد الرسول فأخبر يوسف بمقالتهن فقال .
(ذلك) الاستظهار للبراءة (ليعلم) العزيز (أني لم أخنه بالغيب

وأن الله لا يهدي كيد الخائنين) لا ينفذه أو لا يهديهم بكيدهم .
(وما أبرىء نفسي) عن الميل الطبيعي (إن النفس) أي جنسها (لأمارة بالسوء) بميلها الطبيعي إلى الشهوات (إلا ما رحم ربي) أي إلا من رحمه فعصمه أو إلا وقت رحمته (إن ربي غفور) لعباده (رحيم) بهم وقيل الحكاية لقول زليخا وهاء لم أخنه ليوسف .
(وقال الملك ائتوني به أستخلصه) أجعله خالصا (لنفسي) فأتاه الرسول فدعاه فودع أهل السجن وخرج واغتسل ولبس ثيابا جددا ودخل وسلم (فلما كلمه) وعرف فضله وعقله (قال إنك اليوم لدينا مكين) ذو قدرة وجاه (أمين) على أمرنا .
(قال اجعلني على خزائن الأرض) في مصر (إني حفيظ) لها أو للحساب (عليم) بأمرها .
(وكذلك مكنا ليوسف في الأرض) أرض مصر (يتبوأ) ينزل (منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء) في الدارين (ولا نضيع أجر المحسنين) إلى أنفسهم وغيرهم .
(ولأجر الآخرة خير) من الدنيا (للذين ءامنوا وكانوا يتقون) المعاصي .
(وجاء إخوة يوسف) غير بنيامين (فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون) لم يعرفوه لبعد العهد إذ مدة مفارقتهم أربعون سنة .
(ولما جهزهم بجهازهم) أوقر لكل رجل بعيرا (قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم) بنيامين (ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين) المضيفين .
(فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون) نهي أو عطف على محل الجزاء .
(قالوا سنراود عنه أباه) نطلبه منه بجهدنا (وإنا لفاعلون) ذلك .
(وقال لفتيانه) لغلمانه وقرىء لفتيته (اجعلوا بضاعتهم) في ميرتهم وكانت ورقا أو نعالا وأدما (في رحالهم) أوعيتهم ردوها عليهم من حيث لا يعلمون تفضلا أو خوفا أن لا يجد أبوه ما يعودون به (لعلهم يعرفونها إذ انقلبوا إلى أهلهم) وفتحوا متاعهم (لعلهم يرجعون) لإكرامنا لهم أو لعدم استحلالهم إمساكها .
(فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا: يا أبانا منع منا الكيل) بعد هذا إن لم نأته بأخينا (فأرسل معنا أخانا) بنيامين (نكتل) الطعام (وإنا له لحافظون).
(قال هل ءامنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه

من قبل) وقد ضمنتم حفظه وقد فعلتم ما فعلتم (فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين) يرحمني بحفظه .
(ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي) أي شيء نطلب من إحسان الملك زيادة على هذا (هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا) نحمل لهم الميرة أي الطعام (ونحفظ أخانا ونزداد كيل) وقر (بعير) لأجله (ذلك كيل يسير) أي كيل البعير سهل على الملك أو ما جئنا به قليل لا يكفينا فنحتاج إلى الرجوع للمضاعفة والزيادة .
(قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله) عهدا (لتأتنني به إلا أن يحاط بكم) إلا أن تهلكوا أو تغلبوا حتى لا تطيقوا ذلك (فلما ءاتوه موثقهم) عهدهم (قال الله على ما نقول وكيل) شاهد حافظ فأجابهم إلى إرساله معهم .
(وقال يا بني لا تدخلوا) مصر (من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) خاف عليهم العين (وما أغني) أدفع (عنكم من الله من شيء) قدر لكم (إن الحكم إلا لله) لا راد لقضائه (عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون).
(ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم) أي من أبواب متفرقة (ما كان يغني عنهم) دخولهم كذلك (من الله) من قضائه (من شيء) تصديق ليعقوب (إلا) لكن (حاجة في نفس يعقوب قضاها) أي شفقة في نفس يعقوب أبداها (وإنه لذو علم) ففعله وقوله عن علم (لما علمناه) من أجل تعليمنا إياه (ولكن أكثر الناس) هم المشركون (لا يعلمون) ما ألهم الله أولياءه .
(ولما دخلوا على يوسف ءاوى) ضم (إليه أخاه) بنيامين (قال إني أنا أخوك فلا تبتئس) تحزن (بما كانوا يعملون) بنا .
(فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية) هي مشربة من ذهب أو فضة جعلت صاعا للكيل (في رحل أخيه) ثم انطلقوا (ثم أذن مؤذن) نادى مناد (أيتها العير) القافلة (إنكم لسارقون) روي ما سرقوا وما كذب يوسف وإنما عنى سرقتهم يوسف من أبيه وقيل هو استفهام .
(قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون) أي شيء ضل لكم .
(قالوا نفقد صواع الملك) صاعه (ولمن جاء به حمل بعير) طعاما (وأنا به زعيم) كفيل .

(قالوا تالله لقد علمتم) بما رأيتم من أمانتنا (ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين) قط .
(قالوا فما جزاؤه) أي السارق أو السرق (إن كنتم كاذبين) بتبرئكم .
(قالوا جزاؤه) مبتدأ والخبر (من وجد في رحله) أي جزاء السرق استرقاق من وجد في رحله هو شرع آل يعقوب وقوله (فهو جزاؤه) مؤكد أي فالاسترقاق جزء السرق (كذلك) الجزاء (نجزي الظالمين) بالسرقة فردوا إلى يوسف بالتفتيش .
(فبدأ بأوعيتهم) ففتشها (قبل وعاء أخيه) إزالة للتهمة (ثم استخرجها) أي السقاية أو الصواع لأنه يذكر ويؤنث (من وعاء أخيه كذلك) الكيد (كدنا ليوسف) علمناه الاحتيال في أخذ أخيه (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) حكم ملك مصر لأن حكمه الضرب وتغريم ضعف ما سرق لا الاسترقاق (إلا أن يشاء الله) لكن بمشيئة الله أخذه بدين أبيه أي لم يتمكن من أخذه إلا بمشيئة الله بإلهامه أن سأل إخوته ما جزاؤه وجوابهم بشرعهم (نرفع درجات من نشاء) بالعلم كما رفعنا درجته (وفوق كل ذي علم عليم) حتى ينتهي إلى الله .
(قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) وذلك أن عمة يوسف كان تحضنه وتحبه فأراد أبوه انتزاعه منها فشدت منطقة أبيها على وسطه تحت ثيابه وبعثت به إلى أبيه وقالت سرق المنطقة فوجدت عليه وكان الحكم أن يدفع إليها فأخذته (فأسرها يوسف في نفسه) أي تلك المقالة (ولم يبدها) لم يظهرها (لهم قال) في نفسه (أنتم شر مكانا) منزلة فيما فعلتم (والله أعلم بما تصفون) وهو يعلم أنه لم يسرق .
(قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه) بدله (إنا نراك من المحسنين) إلى الناس وإلينا .
(قال معاذ الله) نعوذ به معاذا من (أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) لم يقل من سرق تحرزا من الكذب (إنا إذا) إن أخذنا بريئا بمجرم (لظالمون).
(فلما استيئسوا منه) يئسوا من إجابة يوسف (خلصوا) اعتزلوا (نجيا) متناجين (قال) لهم (كبيرهم) سنا هو يهوذا أو شمعون أو روبيل (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف) قصرتم في أمره وما زائدة أي مصدرية عطف على مفعولي تعلموا (فلن أبرح الأرض) لن أفارق أرض مصر (حتى يأذن لي أبي) في الرجوع إليه (أو يحكم الله لي) يقضي لي بالخروج (وهو خير الحاكمين) فتخلف يهوذا وقال .
(ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق) في الظاهر (وما شهدنا) عليه (إلا بما علمنا) وشاهدنا من إخراج الصاع من رحله (وما كنا للغيب حافظين) أي لم نعلم حين أعطيناك الموثق أنه سيسرق أو لم نعلم باطن الأمر أنه سرق أو دس الصاع في رحله .

(واسئل القرية التي كنا فيها) هي مصر أي أرسل إلى أهلها واسألهم عن ذلك (والعير) واسأل أهل القافلة (التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون) في خبرنا فرجعوا إليه وقالوا له ما قال أخوهم.
(قال بل سولت) زينت (لكم أنفسكم أمرا) فصنعتموه (فصبر جميل) بتقدير مبتدإ أي فأمري صبر أو خبر أي أجمل (عسى الله أن يأتيني بهم جميعا) بيوسف وإخوته (إنه هو العليم) بحالنا (الحكيم) في صنعه .
(وتولى) أعرض (عنهم) لتهييجهم حزنه (وقال يا أسفى) أحضر هذا وقتك والألف بدل ياء الإضافة (على يوسف) تأسف عليه دون أخويه لأن مصيبته أصل كل مصيبة أو لتحققه حياتهما دون حياته (وابيضت عيناه من الحزن) الموجب لكثرة البكاء الماحق سوادهما قيل عمي وقيل ضعف بصره (فهو كظيم) مكظوم أي مملوء حزنا وغيظا .
(قالوا تالله تفتؤ) لا تفتأ ولا تنفك (تذكر يوسف حتى تكون حرضا) مشرفا على الموت أو ذائبا من الغم أو دنفا فاسد العقل وهو مصدر تصلح للواحد وغيره (أو تكون من الهالكين) الموتى .
(قال إنما أشكوا بثي) هو الهم الذي لا يصبر عليه حتى يبث (وحزني إلى الله) لا إليكم (وأعلم من الله) من رحمته وقدرته أو من إلهامه (ما لا تعلمون) من حياة يوسف وصدق رؤياه .
(يا بني اذهبوا فتحسسوا) فتفحصوا (من يوسف وأخيه) اطلبوا خبرهما (ولا تيأسوا من روح الله) من رحمته وفرجه (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).
(فلما دخلوا عليه) على يوسف (قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر) الجوع (وجئنا ببضاعة مزجاة) رديئة هي المقل أو مدفوعة يدفعها كل تاجر لرداءتها أو قلتها (فأوف) أتم (لنا الكيل وتصدق علينا) بالمسامحة والإغماض عن الرديء أو برد أخينا (إن الله يجزي المتصدقين) لا يضيع أجرهم فرق لهم ثم باح بمكتومه .
(قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف) من القبيح (وأخيه) من إفراده عن شقيقه وإذلاله (إذ أنتم جاهلون) قبحه لغرة الصبا، تلقين لهم بالعذر وحث على التوبة .
(قالوا أإنك لأنت يوسف) استفهام تقرير وقرىء على الخبر (قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا) بكل خير أو بالجمع (إنه من يتق) الله (ويصبر) على البلاء وعن المعاصي (فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) بالتقوى والصبر وضع موضع الضمير .
(قالوا تالله لقد ءاثرك الله) فضلك (علينا) بحسن الخلق والخلق (وإن) مخففة (كنا لخاطئين) آثمين بصنعنا بك .
(قال لا تثريب) توبيخ (عليكم اليوم) الذي هو مظنة فغيره أولى (يغفر الله لكم) دعاء لهم (وهو أرحم الراحمين) فينعم بالمغفرة وغيرها .

(اذهبوا بقميصي هذا) وهو المتوارث الذي كان في تعويذه (فألقوه على وجه أبي يأت) بعد (بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين).
(ولما فصلت العير) خرجت من مصر (قال أبوهم) لمن عنده (إني لأجد ريح يوسف) وصلها الله إليه من مسيرة عشرة أو أكثر (لو لا أن تفندون) الفند ضعف الرأي وجواب لو لا محذوف أي لصدقتموني .
(قالوا) له (تالله إنك لفي ضلالك القديم) بعدك عن الصواب بإفراطك في حبه ورجاء لقائه .
(فلما أن) زائدة (جاء البشير) يهوذا (ألقاه) طرح البشير أو يعقوب القميص (على وجهه) وجه يعقوب (فارتد) عاد (بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون) من حياة يوسف وكشف الشدة .
(قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين) فيما فعلنا .
(قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم) روي أخره إلى السحر ليلة الجمعة .
(فلما دخلوا على يوسف) قيل استقبله يوسف والملك وأهل مصر ودخلوا في مكان خارج مصر (ءاوى إليه أبويه) أباه وخالته تزوجها أبوه بعد أمه فسميت أما للوجهين (وقال ادخلوا مصر إن شاء الله ءامنين) من كل مكروه وتعلقت المشيئة بالدخول المكيف بالأمن .
(ورفع أبويه) معه (على العرش) على سرير الملك (وخروا له سجدا) كان سجودهم لله طاعة وشكرا أو ليوسف تحية وإعظاما وقرىء وخروا لله ساجدين (وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا) وكان بعد رؤياه وتأويلها ثمانون سنة أو أربعون (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن) ولم يذكر الجب لأنه نوع تثريب (وجاء بكم من البدو) البادية وكانوا سكنوها لمواشيهم (من بعد أن نزغ الشيطان) أفسد (بيني وبين إخوتي) بالحسد (إن ربي لطيف لما يشاء) في تدبيره (إنه هو العليم) بالمصالح (الحكيم) في التدبير .
(رب قد ءاتيتني من الملك) بعضه (وعلمتني من) أي بعض (تأويل الأحاديث) الرؤيا أو الكتب (فاطر السموات والأرض) أي خالقهما (أنت وليي) متولي أمري (في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين) في ثوابهم .
(ذلك) المقصوص (من أنباء الغيب) ما غاب عنك يا محمد (نوحيه إليك وما كنت لديهم) عند إخوة يوسف (إذ أجمعوا أمرهم) عزموا على أن يكيدوه (وهم يمكرون) به أي لم تحضرهم فتعلم نبأهم وإنما علمته من جهة الوحي.

(وما أكثر الناس ولو حرصت) على إيمانهم واجتهدت في دعائهم (بمؤمنين).
(وما تسئلهم عليه) أي القرآن (من أجر) جعل تأخذه منهم (إن هو) ما القرآن (إلا ذكر) عظة (للعالمين).
(وكأين) وكم (من آية) دلالة (في السموات والأرض) دالة على توحيد الله وقدرته (يمرون عليها) يشاهدونها (وهم عنها معرضون) لا يتفكرون فيها .
(وما يؤمن أكثرهم بالله) في اعترافهم بإلهيته وربوبيته (إلا وهم مشركون) بعبادتهم غيره أو بجحد القرآن ونبوة محمد أو بطاعة الشيطان في المعاصي أو بنحو قولهم لو لا فلان لهلكت، روي أنه شرك طاعة لا شرك عبادة .
(أفأمنوا أن تأتيهم الساعة بغتة) فجأة (وهم لا يشعرون) بإتيانها بعلامة متقدمة .
(قل هذه) الدعوة إلى الإيمان (سبيلي) سنتي (أدعوا إلى الله) إلى دينه (على بصيرة) كائنا على حجة بينة (أنا) تأكيد للمستكن (ومن اتبعني) عطف عليه (وسبحان الله) تنزيها له عما أشركوا (وما أنا من المشركين) شيئا .
(وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا) لا ملائكة (نوحي إليهم من أهل القرى) الأمصار لأنهم أعلم وأعقل من أهل البدو (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) من مكذبي الرسل فيعتبروا بهم (ولدار الآخرة خير للذين اتقوا) الله (أفلا تعقلون) يتفكرون بعقولهم ليعلموا ذلك وقرىء بالياء .
(حتى إذا استيئس الرسل) غاية لما دل عليه وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا أي أمهلنا مكذبيهم كما أمهلنا مكذبيك حتى يئس الرسل من إيمانهم (وظنوا أنهم قد كذبوا) أيقن الرسل أن قومهم كذبوهم تكذيبا لا إيمان بعده وخففه الكوفيون أي أيقن الرسل أن قومهم أخلفوهم وعدهم بالإيمان أو ظن الأعم أن الرسل كذبوهم فيما أخبروهم به من النصر عليهم أو ظنوا أن الرسل أخلفوا ما وعدوه من النصر (جاءهم نصرنا فنجي) بنونين مضارعا وبنون ماضيا مجهولا (من نشاء) المؤمنين (ولا يرد بأسنا) عذابنا (عن القوم المجرمين) المشركين .
(لقد كان في قصصهم) أي الرسل أو يوسف وإخوته (عبرة لأولي الألباب) عظة لذوي العقول (ما كان) القرآن (حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه) ما تقدمه من الكتب (وتفصيل) بيان (كل شيء) يحتاج إليه في الدين (وهدى ورحمة) بيانا ونعمة (لقوم يؤمنون) خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون.




سورة الرعد

(13) سورة الرعد ثلاث وأربعون آية (43) مكية أو مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(المر) مروي معناه أنا الله المحيي المميت الرازق (تلك) الآيات هي (ءايات الكتاب) القرآن أو السورة (والذي أنزل إليك من ربك) أي القرآن (الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) بحقيقته لتركهم تدبره .
(الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) استيناف أي وأنتم ترون السموات كذلك أو صفة لعمد ويصدق بأن لا عمد أصلا وروي فثم عمد ولكن لا ترون (ثم استوى على العرش) بالتدبير (وسخر الشمس والقمر) ذللهما لمنافع خلقه (كل) منهما (يجري لأجل مسمى) إلى وقت مضروب هو يوم القيامة (يدبر الأمر) أمر ملكوته على مقتضى حكمته (يفصل الآيات) ينزلها مفصلا أو يبين دلائل وحدانيته (لعلكم بلقاء ربكم توقنون) لكي تتأملوا فتعلموا أن من قدر على هذه الأمور قادر على البعث .
(وهو الذي مد الأرض) بسطها لمنافع خلقه (وجعل فيها رواسي) جبالا ثوابت (وأنهارا) قرنت بالجبال لأنها أسبأب لتفجرها (ومن كل الثمرات) من أنواعها (جعل فيها زوجين) صنفين (اثنين) كالحلو والحامض والليل والنهار ونحوها (يغشي الليل النهار) يلبسه بظلمته وترك العكس للعلم به (إن في ذلك) المذكور (لآيات) دلالات على وحدانيته (لقوم يتفكرون) فيها .
(وفي الأرض قطع متجاورات) بقاع متلاصقات مختلفات لكل قطعة كيفية ليست للأخرى منها طيبة وسبخة وسهلة وحزنة واختلافها مع اشتراكها في الأرضية وعوارضها إنما يكون بتخصيص قادر مختار عليم حكيم (وجنات) بساتين (من أعناب وزرع ونخيل صنوان) جمع صنو وهي نخلات أصلها واحد (وغير صنوان) متفرقة الأصول (يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل) في الثمر طعما ولونا وشكلا وهو من دلائل قدرته تعالى (إن في ذلك) المذكور (لآيات لقوم يعقلون) يتدبرون بعقولهم .
(وإن تعجب) يا محمد في تكذيبهم (فعجب) حقيق بالعجب (قولهم) في إنكار البعث (أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد) فإنهم مع إقرارهم بابتداء الخلق أنكروا الإعادة وهي أهون (أولئك الذين كفروا بربهم) لجحدهم قدرته على البعث (وأولئك الأغلال في أعناقهم) يوم القيامة أو أريد كفرهم (وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) دائمون .
(ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة) بالعذاب قبل الرحمة استهزاء (وقد خلت) مضت (من قبلهم المثلات) جمع مثلة بفتح الميم وضم الثاء أي عقوبات أشباههم في التكذيب فهلا يعتبرون بها (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) أنفسهم (وإن ربك لشديد العقاب) لمن استحقه .
(ويقول الذين كفروا لو لا) هلا (أنزل عليه آية من ربه) كالناقة والعصا إذ لم يعتدوا بمعجزاته (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) كل إمام هاد للقرن الذي هو فيهم وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنا المنذر وعلي الهادي .
(الله يعلم ما تحمل كل أنثى) من ذكر أو أنثى (وما تغيض) تنقص (الأرحام) هو كل حمل دون تسعة أشهر (وما تزداد) على التسعة بعدد أيام التي رأت الدم في حملها، وقيل ما تنقصه وما تزداده من مدة الحمل وخلقته وعدده أو من دم الحيض (وكل شيء عنده بمقدار) بقدر وحد لا يتعداه .
(عالم الغيب والشهادة الكبير) العظيم (المتعال) من كل شيء يقهره أو عما لا يجوز عليه وقرىء المتعالي بالياء .
(سواء منكم) في علمه (من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل) مستتر بظلمته (وسارب) سالك في سربه بفتح السين أي طريقه (بالنهار) يراه الناس .
(له) للمسر والجاهر والمستخفي والسارب (معقبات) ملائكة يتعاقبون في حفظه (من بين يديه ومن خلفه) من جوانبه أو مما قدم وأخر من عمله (يحفظونه) من المهالك أو يحفظون أعماله (من أمر الله) من أجل أمره أو بأمره أي كائنة بأمره وفي قراءتهم (عليهم السلام) له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله (إن الله لا يغير ما بقوم) من عاقبة ونعمة (حتى يغيروا ما بأنفسهم) من الطاعة بالمعصية (وإذا أراد الله بقوم سوءا) عذابا أو بلاء (فلا مرد) لا مدفع (له) من أحد (وما لهم من دونه من وال) يلي أمرهم ويرد السوء عنهم .
(هو الذي يريكم البرق خوفا) من الصواعق أو للمسافر أو لمن يضره المطر (وطمعا) في المطر أو لمن ينفعه أو للحاضر حالان من البرق بإضمار ذا أو من المخاطبين أي خائفين وطامعين أو علتان أي إخافة وإطماعا أو إرادة خوف وطمع (وينشىء السحاب الثقال) بالماء .
(ويسبح الرعد بحمده) هو ملك موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق السحاب كما روي أو سامعوه متلبسين بحمده أو يدعو الرعد إلى تسبيحه وحمده لما فيه من الآيات (والملائكة من خيفته) أي الله (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء) فتحرقه (وهم يجادلون) أي الكفار مع مشاهدتهم هذه الآيات يخاصمون النبي (في الله) في توحيده وقدرته على البعث (وهو شديد المحال) الكيد لأعدائه أي الأخذ أو النقمة .
(له دعوة الحق) أي كلمته وهي لا إله إلا الله أو الدعوة المجابة فإنه يجيب من دعاه أو دعوة المدعو الحق وهو الله (والذين) أي الأصنام الذين (يدعون) يعبدهم المشركون (من دونه) أي غيره (لا يستجيبون لهم بشيء) من مطالبهم (إلا كباسط) إلا استجابة كاستجابة باسط (كفيه إلى الماء) يدعوه (ليبلغ فاه) بانتقاله من مكانه إليه (وما هو ببالغه) ولن يبلغ فاه لأنه جماد لا يشعر فكذا آلهتهم (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) ضياع .
(ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا) كالملائكة أو المؤمنين (وكرها) كالكفرة المكرهين بالسيف وهما حالان أو علتان (وظلالهم) بتبعيتهم أو أريد خضوعهم لنفوذ مشيئته فيهم (بالغدو والآصال) بالبكر والعشيات أي دائما ظرف ليسجد أو حال لظلالهم .
(قل من رب السموات والأرض) خالقهما أو مدبرهما (قل الله) مجيبا عنهم إذ لا جواب غيره

(قل) تبكيتا لهم (أفاتخذتم من دونه) أي غيره (أولياء) جمادات تعبدونها (لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا) فضلا عن غيرهم (قل هل يستوي الأعمى والبصير) المشرك والموحد (أم هل تستوي الظلمات والنور) الشرك والتوحيد (أم) بل (جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه) صفة شركاء (فتشابه الخلق) خلق الله وخلقهم (عليهم قل الله خالق كل شيء) لا خالق سواه فلا شريك له في العبادة (وهو الواحد) المتوحد في الربوبية (القهار) لكل شيء .
(أنزل من السماء ماء) مطرا (فسالت أودية) أي مياهها (بقدرها) في الصغر والكبر (فاحتمل السيل زبدا) وهو الأبيض المنتفخ على وجه الماء (رابيا) عاليا عليه (ومما يوقدون عليه في النار) من الفلزات كالذهب والفضة والنحاس والحديد (ابتغاء حلية) طلب زينة (أو متاع) ينتفع به كالأواني وغيرها (زبد مثله) أي من هذه الأشياء زبد مثل زبد السيل هو خبثها (كذلك) المذكور (يضرب الله الحق والباطل) أي مثلهما فالصافي المنتفع به من الماء والفلز مثل الحق والزبد المضمحل منهما مثل الباطل (فأما الزبد) من السيل والفلز المذاب (فيذهب جفاء) حال أي مرميا به باطلا (وأما ما ينفع الناس) من الماء والفلز (فيمكث في الأرض) يبقى دهرا (كذلك يضرب الله الأمثال) للحق الباقي والباطل الفاني .
(للذين استجابوا لربهم) لدعوته فآمنوا به المثوبة (الحسنى والذين لم يستجيبوا له) مبتدأ خبره (لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب) المناقشة فيه ولا يغفر لهم ذنب وروي هو أن لا يقبل لهم حسنة ولا يغفر لهم سيئة (ومأواهم جهنم وبئس المهاد) الفراش هي .
(أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق) فيتبعه (كمن هو أعمى) لا يعلمه أو لا يتبعه إنكار أن يتوهم تشابههما (إنما يتذكر) يتعظ ويعتبر (أولوا الألباب) ذوو العقول .
(الذين يوفون بعهد الله) ما ألزمهم إياه عقلا أو سمعا أو ما أخذه عليهم في عالم الذر (ولا ينقضون الميثاق) ما وثقوه بينهم وبين الله أو بينه وبين العباد تأكيد أو تعميم بعد تخصيص .
(والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل) من الإيمان بالرسل والرحم وحقوق الخلق (ويخشون ربهم) أي عقابه (ويخافون سوء الحساب) المداقة والاستقصاء فيه .
(والذين صبروا) على البلاء والتكاليف (ابتغاء وجه ربهم) طلب رضاه لا رياء وسمعة (وأقاموا الصلاة) يمكن شمولها النفل وكذا (وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية) في الطاعة (ويدرءون بالحسنة السيئة) يدفعونها بها أو يمحونها بها أو يقابلونها بها إذا أسيء إليهم (أولئك لهم عقبى الدار) العاقبة الحميدة في الدار الآخرة .
(جنات عدن) إقامة

(يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم) يلحقون بهم وإن لم يعملوا كعملهم كرامة لهم (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) من أبواب الجنة أو القصور أو الهدايا قائلين .
(سلام عليكم) تهنئة بالسلامة (بما صبرتم) بسبب صبركم (فنعم عقبى الدار) ما أنتم فيه .
(والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) ما وثقوه به (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض) بالظلم والكفر (أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) عذاب النار أو سوء العاقبة فيها .
(الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) يوسعه ويضيقه (وفرحوا) أي الكفرة بطرا (بالحيوة الدنيا) بما أوتوه فيها (وما الحيوة الدنيا في الآخرة) في جنبها (إلا متاع) يتمتع به ويزول .
(ويقول الذين كفروا لو لا) هلا (أنزل عليه آية من ربه) كالناقة والعصا (قل إن الله يضل من يشاء) يخذله بسوء فعله وعدم اعتداده بالآيات المنزلة (ويهدي إليه من أناب) رجع عن العناد إلى الانقياد .
(الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله) أنسا وثقة به أو بالقرآن (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) لإزالته الشكوك الموجبة للاضطراب .
(الذين ءامنوا وعملوا الصالحات) مبتدأ وخبره (طوبى لهم) أي طيب عيش أو فرح أو غبطة أو شجرة في الجنة أصلها في دار النبي وعلي وفرعها على أهل الجنة (وحسن مآب) مرجع .
(كذلك) كما أرسلنا الرسل قبلك (أرسلناك في أمة قد خلت) مضت (من قبلها أمم) فهي آخر الأمم وأنت آخر الرسل (لتتلوا) لتقرأ (عليهم الذي أوحينا إليك) أي القرآن (وهم يكفرون بالرحمن) البليغ الرحمة العميم النعمة حيث قالوا وما الرحمن حيث أمروا بالسجود له (قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت) في أموري (وإليه متاب) توبتي أي رجوعي .
(ولو أن قرءانا سيرت به الجبال) أزيلت عن مواضعها (أو قطعت به الأرض) شققت أنهارا وعيونا (أو كلم به الموتى) بعد إحيائهم وجواب لو محذوف أي لكان هذا القرآن أو لما آمنوا لفرط عنادهم قيل قالوا له إن كنت نبيا فسير لنا جبال مكة واجعل لنا فيها أنهارا وعيونا لنزرع وأحي لنا أمواتنا ليكلمونا فيك فنزلت (بل لله الأمر جميعا) لا لغيره فهو القادر على ذلك (أفلم ييأس الذين ءامنوا) فلم يعلموا سمي العلم يأسا لأنه سببه إذ من علم شيئا يئس من خلافه وقيل المعنى أفلم يقنطوا (أن) مخففة (لو يشاء الله لهدى الناس جميعا) إلى الجنة لكنه كلفهم لينالوها باستحقاق أو لو يشاء إلجاءهم لألجأهم (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا) من الكفر (قارعة) داهية تقرعهم من الجدب والأسر والقتل (أو تحل) القارعة

(قريبا من دارهم) فيخافونها أو تحل أنت بجيشك قريبا من دارهم مكة (حتى يأتي وعد الله) القيامة أو فتح مكة (إن الله لا يخلف الميعاد).
(ولقد استهزىء برسل من قبلك) تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) (فأمليت للذين كفروا) أمهلتهم ملاوة أي مدة والملوان الليل والنهار (ثم أخذتهم) أهلكتهم (فكيف كان عقاب) عقابي لهم فكذا آخذ من استهزأ بك .
(أفمن هو قائم) حفيظ (على كل نفس بما كسبت) من خير وشر وهو الله والخبر محذوف أي كمن ليس كذلك من الأصنام أو لم يوحدوه (وجعلوا لله شركاء) استيناف أو عطف على الخبر المقدر أخيرا (قل سموهم) استحقار لهم أي ليس لهم اسم يستحقون به الإلهية (أم) بل (تنبئونه بما لا يعلم في الأرض) أي بشركاء لا يعلمهم (أم) بل تسمونهم شركاء (بظاهر من القول) بزعم باطل لا حقيقة له (بل زين للذين كفروا مكرهم) شركهم (وصدوا) أعرضوا أو صرفوا غيرهم وضم الكوفيون الصاد أي صرفوا (عن السبيل) طريق الحق (ومن يضلل الله) يخذله بسوء اختياره (فما له من هاد).
(لهم عذاب في الحيوة الدنيا) بالقتل والأسر (ولعذاب الآخرة أشق) أشد (وما لهم من الله) من عذابه (من واق) دافع .
(مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها) ثمرها (دائم) باق (وظلها) كذلك لا ينسخه شمس (تلك) الجنة (عقبى) مآل (الذين اتقوا) الله (وعقبى الكافرين النار).
(والذين ءاتيناهم الكتاب) أي من أسلم منهم (يفرحون بما أنزل إليك) لموافقته كتابهم أو المراد المسلمون (ومن الأحزاب) الذين تحزبوا عليك بالعداوة من المشركين وكفرة أهل الكتاب (من ينكر بعضه) وهو ما خالف أحكامهم (قل إنما أمرت) بما أنزل إلي (أن) بأن (أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعوا) لا إلى غيره (وإليه مآب) مرجعي .
(وكذلك) الإنزال (أنزلناه) أي القرآن (حكما) حكمة أو يحكم بين الناس (عربيا ولئن اتبعت أهواءهم) فيما يدعونك من ملتهم (بعد ما جاءك من العلم) بنسخها (ما لك من الله من ولي) ناصر (ولا واق) دافع عقوبته من باب إياك أعني .
(ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) فلا معنى لتعييرهم لك بكثرة النساء (وما كان لرسول أن يأتي بآية) مقترحة عليه (إلا بإذن الله) ومشيئته (لكل أجل) وقت (كتاب) حكم مكتوب على الخلق ما يوجبه تدبيرهم .
(يمحو الله)

(ما يشاء) مما كان ثابتا من رزق وأجل وسعادة وشقاوة (ويثبت) ما يشاء منها مما لم يكن (وعنده أم الكتاب) أصله وهو اللوح المحفوظ الذي لا يتغير ما فيه .
(وإن ما) إن الشرطية أدغمت في ما الزائدة (نرينك بعض الذي نعدهم) من العذاب في حياتك (أو نتوفينك) قبل ذلك (فإنما عليك البلاغ) فحسب (وعلينا الحساب) والجزاء .
(أولم يروا أنا نأتي الأرض) نقصد أرض الشرك أو الأعم (فننقصها من أطرافها) بالفتوح على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو بموت العلماء كما روي أو بإذهاب أهلها (والله يحكم) في خلقه (لا معقب لحكمه) لا راد له (وهو سريع الحساب) للعباد .
(وقد مكر الذين من قبلهم) برسلهم (فلله المكر جميعا) أي يملك جزاء المكر (يعلم ما تكسب كل نفس) من خير وشر (وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار) لهم أم للرسول والمؤمنين .
(ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل) لهم (كفى بالله شهيدا بيني وبينكم) بإظهار المعجزات الشاهدة بصدقي (ومن عنده علم الكتاب) أو الإحاطة بالقرآن وهو علي (عليه السلام) والأئمة كما استفاض، وعن الصادق (عليه السلام): إيانا عنى.


سورة ابراهيم

(14) سورة إبراهيم اثنتان وخمسون آية (52) مكية
إلا ألم تر إلى الذين بدلوا الآيتين.
بسم الله الرحمن الرحيم
(الر كتاب) هذا القرآن أو السورة كتاب (أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) من الضلال إلى الهدى (بإذن ربهم) بأمره (إلى صراط) طريق (العزيز الحميد).
(الله الذي له ما في السموات وما في الأرض) خلقا وملكا (وويل للكافرين من عذاب شديد.
الذين يستحبون الحيوة الدنيا) يؤثرونها (على الآخرة ويصدون) الناس (عن سبيل الله) دينه (ويبغونها عوجا) يطلبون لها زيغا فحذفت اللام وأوصل الفعل (أولئك في ضلال بعيد) عن الحق .
(وما أرسلنا من رسول إلا
بلسان قومه) بلغتهم (ليبين لهم) ما أتى به فيفهموه ويفهموه غيرهم (فيضل الله) يخذل (من يشاء) ممن أعرض عنه (ويهدي) بلطفه (من يشاء) ممن تدبر وتعقل (وهو العزيز الحكيم) الغالب المدبر بحكمته .
(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا) المعجزات التسع (أن) أي بأن أو أي (أخرج قومك من الظلمات) الكفر (إلى النور) والإيمان (وذكرهم بأيام الله) بنعمه وبلائه في الأيام العظام (إن في ذلك) التذكير (لآيات لكل صبار) على بلائه (شكور) لنعمائه .
(وإذ) اذكر إذ (قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من ءال فرعون يسومونكم سوء العذاب) بالاستعباد وغيره (ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم) يستبقونهن للخدمة (وفي ذلكم) الإنجاء أو العذاب (بلاء) نعمة أو ابتلاء (من ربكم عظيم).
(وإذ تأذن) أي أعلم (ربكم لئن شكرتم) نعمي بالإيمان والطاعة (لأزيدنكم) نعما (ولئن كفرتم) جحدتم النعم بالكفر والمعاصي (إن عذابي لشديد) صرح بالوعد وعرض بالوعيد كما هي عادته تعالى .
(وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا) لن تضروا إلا أنفسكم (فإن الله لغني) عن شكركم (حميد) محمود في الملأ الأعلى .
(ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم) لا يعلم عددهم لكثرتهم (إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات) بالدلائل على صدقهم (فردوا أيديهم في أفواههم) عضوها على الرسل غيظا أو وضعوها عليها أمرا للرسل بالسكوت أو استهزاء بهم كمن غلبه الضحك أو وضعوا أيدي الرسل على أفواههم أو أريد بالأيدي النعم وهي ما نطقت به الرسل من الحجج أو ردوا حججهم من حيث جاءت بأن كتبوها (وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به) بزعمكم (وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه) من الدين (مريب) موجب للريب .
(قالت رسلهم أفي الله شك) رفع بالظرف والهمزة للإنكار (فاطر السموات والأرض) خالقها (يدعوكم) إلى توحيده (ليغفر لكم من ذنوبكم) بعضها وهو حقه لسقوطه بالإسلام لا المظالم (ويؤخركم) بلا مؤاخذة (إلى أجل مسمى) وقت الموت (قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا) لا تفضلونا بما يوجب إيثاركم علينا (تريدون أن تصدونا عما كان يعبد ءاباؤنا) من الأصنام

(فأتونا بسلطان مبين) حجة واضحة لم يعتدوا بما جاءوا به من المعجزات واقترحوا غيرها .
(قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم) كما قلتم (ولكن الله يمن على من يشاء من عباده) بالنبوة (وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله) بأمره وليس ما اقترحتم في وسعنا وإنما هو متعلق بمشيئته تعالى (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) في أمورهم .
(وما لنا ألا نتوكل على الله) لا عذر لنا في ذلك (و) الحال أنه (قد هدانا سبلنا) الموصلة أي معرفته (ولنصبرن على ما ءاذيتمونا) فإنه تعالى يكفيناكم (وعلى الله فليتوكل المتوكلون) فإنه يكفيهم .
(وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا) حلفوا أن يخرجوهم إلا أن يصيروا كفرة مثلهم (فأوحى إليهم) إلى الرسل (ربهم لنهلكن الظالمين) الكافرين .
(ولنسكننكم الأرض) أرضهم (من بعدهم) في الخبر من آذى جاره أورثه الله داره (ذلك) الموعود به (لمن خاف مقامي) في الحساب أو قيامي عليه رقيبا (وخاف وعيد) أي عقابي وقرىء بالياء وصلا .
(واستفتحوا) طلب الرسل من الله الفتح على الكفار والحكم بينهم أو سأله الكفار نصر المحق على المبطل (وخاب كل جبار عنيد) أي فأفلح الرسل وخسر الجبارون .
(من ورائه جهنم) أي أمامه وهو من الأضداد يصلاها (ويسقى من ماء صديد) ماء يسيل من فروج الزناة في النار من القيح والدم .
(يتجرعه) يشربه جرعة جرعة (ولا يكاد يسيغه) لا يقارب أن يزدرده لشؤمه (ويأتيه الموت) أي أسبأبه (من كل مكان) من جسده أو من كل جهة (وما هو بميت) فيستريح (ومن ورائه) أمامه (عذاب غليظ) هو الخلود في النار أو من بعدها عذاب أشد منه .
(مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح) ذرته (في يوم عاصف) شديد الريح (لا يقدرون مما كسبوا) عملوا في الدنيا (على شيء) أي لا ينتفعون به يوم القيامة (ذلك) أي عملهم (هو الضلال البعيد) عن الحق أو عن النفع .
(ألم تر) أيها السامع (أن الله خلق السموات والأرض بالحق) والحكمة (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد).
(وما ذلك على الله بعزيز) صعب .
(وبرزوا لله) عبر بالماضي لتحققه أي يبرزون من قبورهم يوم القيامة لحكمه (جميعا) مجتمعين (فقال الضعفاء) الأتباع (للذين استكبروا) عن الإيمان وهم قادتهم المتبوعون انا

كنا لكم تبعا فهل أنتم (إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله) إلى طريق الخلاص من العقاب (لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص) مفر ومنجى .
(وقال الشيطان لما قضي الأمر) فرغ منه ودخل السعداء الجنة والأشقياء النار (إن الله وعدكم وعد الحق) بالبعث والجزاء فوفى لكم (ووعدتكم) خلاف ذلك (فأخلفتكم) الوعد (وما كان لي عليكم من سلطان) تسلط وقهر فأجبركم (إلا أن دعوتكم) لكن دعائي إياكم إليه بالوسوسة (فاستجبتم لي) باختياركم (فلا تلوموني) بدعائي لكم (ولوموا أنفسكم) حيث أجبتم ويدل على الاختيار وفيه رد على الجبرية والأشاعرة (ما أنا بمصرخكم) بمغيثكم (وما أنتم بمصرخي) بمغيثي بفتح الياء وكسرها (إني كفرت بما أشركتمون من قبل) بإشراككم إياي مع الله في الدنيا (إن الظالمين لهم عذاب أليم) من قوله أو ابتداء وعيد من الله تعالى .
(وأدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم) بأمره (تحيتهم فيها) من الملائكة أو فيما بينهم (سلام).
(ألم تر كيف ضرب الله مثلا) كيف بينه جعل (كلمة طيبة) كلمة التوحيد أو ما دعا إلى الحق (كشجرة طيبة) النخلة أو شجرة في الجنة أو شجرة بهذا الوصف وإن لم نشاهدها، وعن الباقر (عليه السلام) إنها النبي وفرعها علي وغصنها فاطمة وثمرها أولادها وورقها شيعتنا (أصلها ثابت) في الأرض (وفرعها) رأسها (في السماء .
تؤتي أكلها كل حين) يعطي ثمرها كل ستة أشهر أو كل سنة أو كل وقت (بإذن ربها) بأمره (ويضرب الله الأمثال) يبينها (للناس لعلهم يتذكرون) يتعظون بتدبرها .
(ومثل كلمة خبيثة) هي كلمة الكفر أو ما دعا إلى الباطل (كشجرة خبيثة) هي الحنظل أو الكشوت أو ما لا ينتفع بها، وعن الباقر (عليه السلام): إنها بنو أمية (اجتثت) اقتلعت جثتها (من فوق الأرض ما لها من قرار) استقرار .
(يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت) أي بكلمة التوحيد المتمكنة في قلوبهم بالحجة (في الحيوة الدنيا وفي الآخرة) أي في القبر أو في الموقف (ويضل الله الظالمين) لا يثبتهم في الدارين بظلمهم وكفرهم (ويفعل الله ما يشاء) من تثبيت المؤمن وتخلية الكافر وكفره.
(ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله) أي شكرها (كفرا) فوضعوها موضعه أو بدلوا نفسها كفرا أي سلبوها فاعتاضوا عنها بالكفر، وفي الصافي نحن والله نعمة الله وبنا يفوز من فاز (وأحلوا قومهم) أتباعهم

(دار البوار) الهلاك .
(جهنم يصلونها) يدخلونها (وبئس القرار) المقر هي .
(وجعلوا لله أندادا) أمثالا (ليضلوا) بفتح الياء وضمها (عن سبيله) عن دينه (قل تمتعوا) في دياركم أمر تهديد (فإن مصيركم إلى النار) ما لكم إلى الخلود فيها .
(قل لعبادي الذين ءامنوا) مقول قل محذوف دل عليه جوابه أي قل لهم أقيموا الصلاة وأنفقوا (يقيموا الصلوة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع) لا افتداء (فيه) بمال (ولا خلال) أي صدقة نافعة .
(الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا) طعاما ولباسا وهو مفعول أخرج (لكم سخر لكم الفلك) السفن (لتجري في البحر بأمره) بإرادته إلى مقاصدكم (وسخر لكم الأنهار) العذبة لانتفاعكم .
(وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) جاريين لا يفتران لمصالحكم (وسخر لكم الليل) لسبأتكم (والنهار) لمعاشكم .
(وءاتاكم من كل ما سألتموه) شيئا (وإن تعدوا نعمة الله) أي أنعامه (لا تحصوها) لا تطيقوا عدها لعدم تناهيها (إن الإنسان لظلوم) كثير الظلم للنعمة بترك شكرها أو لنفسه بالمعاصي (كفار) شديد الكفران أو ظلوم في الشدة يجزع كفار في النعمة يمنع .
(وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد) مكة (ءامنا) ذا أمن لمن فيه (واجنبني وبني) عن (أن نعبد الأصنام).
(رب إنهن أضللن كثيرا من الناس) بعبادتهم لهن (فمن تبعني) على ديني (فإنه مني) أي بعضي لشدة اختصاصه بي (ومن عصاني فإنك غفور رحيم).
(ربنا إني أسكنت من ذريتي) بعضها وهو إسماعيل ومن ولد منه قال الباقر (عليه السلام) نحن بقية تلك العترة وكانت دعوة إبراهيم لنا (بواد غير ذي زرع) هو وادي مكة (عند بيتك المحرم) الذي حرمت التعرض له أو منعت منه الطوفان (ربنا ليقيموا الصلاة) عند بيتك (فاجعل أفئدة من الناس تهوي) تحن وتميل (إليهم) قيل لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس والروم ولحجت اليهود والنصارى (وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) لك فأجاب الله دعاءه .
(ربنا إنك تعلم ما نخفي) ما نسر (وما نعلن) نظهر (وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء) من قول إبراهيم أو تصديق من الله لإبراهيم.

(الحمد لله الذي وهب لي على الكبر) مع كبر السن واليأس من الولد (إسماعيل) ولد وله تسع وتسعون سنة (وإسحق) ولد وله مائة واثنتا عشرة (إن ربي لسميع الدعاء) مجيبه .
(رب اجعلني) بلطفك (مقيم الصلوة ومن ذريتي) اجعل منهم من يقيمها ولم يدع للكل لإعلام الله أن فيهم كفارا (ربنا وتقبل دعاء) بالياء وبدونها .
(ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) يثبت كالقائم على رجله أي يقوم أهله له .
(ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم) يؤخر عقابهم (ليوم تشخص فيه الأبصار) أبصارهم فلا تستقر أو لا تنطبق للرعب من هول المطلع .
(مهطعين) مسرعين وينظرون في ذل وخشوع (مقنعي رءوسهم) رافعيها إلى السماء (لا يرتد إليهم طرفهم) لا يغمضون عيونهم بل هي شاخصة دائما (وأفئدتهم هواء) قلوبهم خالية من العقل للدهشة والفزع أو خالية من الخير .
(وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب) هو يوم القيامة أو يوم الموت (فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب) ردنا إلى الدنيا وأمهلنا إلى أمد من الزمان قريب (نجب دعوتك) بالتوحيد (ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل) في الدنيا (ما لكم من زوال) عنها إلى الآخرة .
(وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم) بالكفر والتكذيب من الأمم الماضية (وتبين لكم) بتواتر أخبارهم ومعاينة آثارهم (كيف فعلنا بهم) من صنوف العقوبات (وضربنا لكم الأمثال) بينا لكم صفات ما فعلوا وفعل بهم .
(وقد مكروا مكرهم) جهدوا في إبطال أمر الرسل أو أمر محمد والمراد قريش (وعند الله مكرهم) أي عمله أو جزاؤه (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) إن نافية واللام لتأكيد النفي أي مكرهم أضعف من أن يزيل ما هو كالجبال الثابتة وهو دين الرسل أو دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو مخففة أي وإن الشأن كان مكرهم العظيم معدا لذلك ولذا قرىء بفتح اللام ورفع نزول .
(فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) قدم ثاني المفعولين ليعلم أنه لا يخلف وعده مطلقا فكيف يخلف رسله (إن الله عزيز) غالب لا يغالب (ذو انتقام) من الكفرة .
(يوم تبدل الأرض غير الأرض) ظرف للانتقام أو منصوب باذكر مقدرا (والسموات) وتبدل السموات غيرها، عنهم (عليهم السلام) تبدل الأرض خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغ من الحساب (وبرزوا) من قبورهم (لله) لمحاسبته (الواحد) الذي لا نظير له (القهار) لكل ما سواه .
(وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد) في القيود مشدودين مع الشياطين أو يقرن بعضهم ببعض أو يقرن أيديهم وأرجلهم إلى ورائهم .
(سرابيلهم) قمصهم (من قطران) دهن أسود لزج منتن تشتعل فيه النار بسرعة أو من صفر مذاب متناه حره (وتغشى وجوههم النار) تعلوها خصت بالذكر لأنها أعز الأعضاء وأشرفها فعبر بها عن الكل .
(ليجزي الله كل نفس) متعلق ببرزوا (ما كسبت) إن خيرا فخير وإن شرا فشر

(إن الله سريع الحساب) إذ لا يشغله شيء عن شيء .
(هذا) أي القرآن أو السورة (بلاغ) كفاية (للناس) لينصحوا (ولينذروا به) بهذا البلاغ (وليعلموا) بتأمل دلائله (أنما هو) أي الله (إله واحد وليذكر) يتذكر أي يتعظ (أولوا الألباب) ذوو العقول.


سورة الحجر

(15) سورة الحجر تسع وتسعون آية (99) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(الر تلك) الآيات (ءايات الكتاب) أي القرآن والإضافة بمعنى من أو السورة (وقرءان مبين) أي آيات الجامع لكونه كتابا وقرآنا مبينا للحق من الباطل ونكر تفخيما .
(ربما) بالتخفيف والتشديد وما كافة أو نكرة موصوفة (يود) يتمنى (الذين كفروا) يوم القيامة إذا صاروا إلى النار وصار المسلمون إلى الجنة (لو كانوا مسلمين).
(ذرهم) دعهم (يأكلوا ويتمتعوا) بدنياهم (ويلههم) يشغلهم (الأمل) الطويل الكاذب عن الإيمان (فسوف يعلمون) وبال ما صنعوا إذا حل بهم.
(وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) أجل مضروب بهلاكها كتب في اللوح .
(ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون) يتأخرون عنه والتذكير باعتبار المعنى .
(وقالوا) للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) تهكما (يا أيها الذي نزل عليه الذكر) القرآن في زعمه (إنك لمجنون) إذ تدعي أنه نزل عليك .
(لو ما) هلا (تأتينا بالملائكة) ليشهدوا بصدقك أو ليعاقبونا على تكذيبك (إن كنت من الصادقين) في دعواك .
(ما ننزل الملائكة) وقرىء بالتاء مبنيا للفاعل والمفعول (إلا بالحق) بمقتضى الحكمة (وما كانوا إذا) أي حين نزولهم (منظرين) ممهلين .
(إنا نحن نزلنا الذكر) القرآن وأكد لأنه رد لإنكارهم (وإنا له لحافظون) عند أهل الذكر واحدا بعد واحد إلى القائم أو في اللوح وقيل الضمير للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
(ولقد أرسلنا من قبلك) رسلا (في شيع الأولين) فرقهم .
(وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون) كما استهزأ هؤلاء بك وهو تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
(كذلك) أي كما أنزلنا الذكر أو كما سلكنا دعوة الرسل في قلوب الشيع (نسلكه) ندخل الذكر أي القرآن (في قلوب المجرمين) مشركي قومك .
(لا يؤمنون به) حال من الهاء في نسلكه أي غير مؤمنين به (وقد خلت سنة الأولين) أي مضت سنة الله فيهم من إهلاكهم بتكذيبهم رسلهم وهؤلاء مثلهم .
(ولو فتحنا عليهم بابا من السماء
فظلوا فيه) في الباب (يعرجون) يصعدون إليها أو تصعد الملائكة وهم يرونهم .
(لقالوا إنما سكرت أبصارنا) سدت عن الأبصار (بل نحن قوم مسحورون) سحرنا محمد .
(ولقد جعلنا في السماء بروجا) اثنى عشر دالة باختلاف طباعها وخواصها مع تساويها في الحقيقة على صانع حكيم (وزيناها) بالكواكب (للناظرين) نظر اعتبار بل لكل ناظر إليها .
(وحفظناها من كل شيطان رجيم) فلا يدخلونها ولا يطلعون على حالها .
(إلا) لكن (من استرق السمع) خطفه منها (فأتبعه شهاب مبين) شعلة نار ظاهرة لمن يراها ويقال للكوكب .
(والأرض مددناها) بسطناها (وألقينا فيها رواسي) جبالا ثوابت (وأنبتنا فيها) في الأرض (من كل شيء موزون) بميزان الحكمة أو مناسب كقولهم كلام موزون أو ما يوزن من معدن ونبات .
(وجعلنا لكم فيها معايش) ما تعيشون به من المطاعم والملابس (ومن لستم له برازقين) عطف على .
(معايش) ويراد به العبيد والأنعام والدواب فإنما رازقهم الله ومن لتغليب العقلاء أو على محل لكم ويراد به العيال والخدم وغيرهم أي أعشناكم وإياهم (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه) أي القدرة على إيجاده متضاعفا إلى ما لا نهاية له والخزائن تمثيل لاقتداره تعالى (وما ننزله) نوجده (إلا بقدر معلوم) تقتضيه الحكمة .
(وأرسلنا الرياح) وقرىء الريح (لواقح) ملقحات للسحاب أو الشجر أو لاقحات أي حوامل للسحاب أو الماء (فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه) جعلناه لكم سقيا (وما أنتم له بخازنين) أي ليس عندكم خزائنه أو لا تقدرون على حفظه في العيون والآبار .
(وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون) الباقون بعد فناء الخلق .
(ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) متقدمي الخلق زمانا ومتأخريهم أو من تقدم في الخبر ومن أبطأ عنهم من الأموات والأحياء أو الأعم من الجميع .
(وإن ربك هو يحشرهم) للجزاء لا يقدر على ذلك سواه (إنه حكيم) في أفعاله (عليم) بكل شيء (ولقد خلقنا الإنسان) آدم (من صلصال) طين يابس إذا نقر صلصل أي صوت (من حمإ) طين متغير أسود (مسنون) مصبوب أي أفرغ صورة كما يفرغ الجواهر المذابة .
(والجان) أبا الجن (خلقناه من قبل) قبل آدم (من نار السموم) نار الريح الحارة النافذة في المسام أو نار لا دخان لها فمن قدر على ابتداء خلق الثقلين من العنصرين وإفاضة الحياة عليهم قدر على إعادتهم وإحيائهم مرة أخرى .
(وإذ) واذكر إذ (قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون).
(فإذا سويته) عدلت صورته وأتممته (ونفخت فيه من روحي) النفخ إجراء الريح في تجويف جسم وإضافته إليه تعالى للتشريف (فقعوا له) لتكريمه (ساجدين) لله تعالى .
(فسجد الملائكة كلهم أجمعون) الملائكة تأكيد ثان للمبالغة في الشمول .
(إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين

قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون) لأنه جسماني وأنا روحاني عارض النص بالقياس الباطل .
(قال فاخرج منها) من الجنة أو السماء (فإنك رجيم) مطرود أو مرجوم بالشهب .
(وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين) إما يراد به التأبيد عرفا أو أنه يعذب بعده بما ينسى معه اللعن .
(قال رب فأنظرني) أخرني (إلى يوم يبعثون) استنظره إلى وقت لأموت فيه لئلا يموت فلم يجبه إليه بل.
(قال) له (فإنك من المنظرين).
(إلى يوم الوقت المعلوم) إلى النفخة الأولى أو وقت أجلك المسمى وقيل يوم القيامة .
(قال رب بما أغويتني) نسب الإغواء إليه تعالى على طريقة الأشاعرة والجبرية (لأزينن لهم) المعاصي (في الأرض) في الدنيا (ولأغوينهم أجمعين) بالدعاء إلى الضلال حتى يضلوا .
(إلا عبادك منهم المخلصين) بكسر اللام أي أخلصوا دينهم لله وبفتحها أي أخلصتهم لطاعتك .
(قال) تعالى (هذا) أي الإخلاص (صراط علي مستقيم) أي على أن أراعيه أو على رضواني مروره .
(إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) تسلط (إلا من اتبعك من الغاوين) فإنه باختياره جعل لك على نفسه سلطانا والاستثناء منقطع إن أريد بالعباد المخلصون ومتصل إن عمم .
(وإن جهنم لموعدهم) أي إبليس ومن اتبعه (أجمعين) تأكيد للضمير .
(لها سبعة أبواب) أطباق أسفلها جهنم ثم لظى ثم الجحيم ثم الهاوية ثم السعير وقيل قسم قرار جهنم سبعة أقسام لكل قسم بابه (لكل باب منهم) من الأتباع (جزء مقسوم) مقرر على حسب مراتبهم في المتابعة .
(إن المتقين) للشرك والمعاصي (في جنات وعيون) هي الأنهار من ماء وخمر وعسل ولبن أو منابع .
(ادخلوها) بتقدير القول (بسلام) بسلامة من الآفات (ءامنين) من كل مخوف .
(ونزعنا) في الجنة (ما في صدورهم من غل) حقد كان في الدنيا (إخوانا) حال منهم وكذا (على سرر متقابلين) لا يرى بعضهم قفا بعض لدوران الأسرة بهم .
(لا يمسهم فيها نصب) تعب (وما هم منها بمخرجين) أبدا وذلك تمام النعمة .
(نبىء) خبر (عبادي أني أنا الغفور) للمؤمنين (الرحيم) بهم .
(وأن عذابي) لمستحقيه (هو العذاب الأليم) الآيتان تقرير لما مر من الوعد والوعيد .
(ونبئهم عن ضيف إبراهيم).
(إذ دخلوا عليه فقالوا) الملائكة سلمنا (سلاما قال إنا منكم وجلون) خائفون لدخولهم بلا إذن وامتناعهم من الأكل .
(قالوا لا توجل) لا تخف (إنا نبشرك بغلام عليم) وهو إسحق .

(قال أبشرتموني على أن مسني الكبر) حال أي مع مسه إياي قاله بالنظر إلى خرق العادة لا شكا في قدرته تعالى وكذا قوله (فبم) فبأي شيء (تبشرون).
(قالوا بشرناك بالحق) بما يقع البتة أو بوجه هو حق وهو أمر الله القادر أن يخلق بشرا من غير الأبوين فكيف من هرمين (فلا تكن من القانطين) الآيسين .
(قال ومن) أي لا (يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) الجاهلون قدرته وسعة رحمته .
(قال فما خطبكم أيها المرسلون).
(قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) أي قوم لوط .
(إلا آل لوط) استثناء منقطع من قوم لتقيدهم بالأجرام أو متصل من الضمير في مجرمين أي إلى قوم أجرم كلهم إلا آل لوط منهم (إنا لمنجوهم أجمعين) متصل بآل لوط كالخبر لكن إن انقطع الاستثناء واستيناف إن اتصل .
(إلا امرأته) استثناء من آل لوط أو من ضمير هم (قدرنا) أي قضينا (إنها لمن الغابرين) الباقين مع المهلكين .
(فلما جاء ءال لوط المرسلون).
(قال) لهم لوط (إنكم قوم منكرون) أي إني أنكركم خاف أن يطرقوه بشر .
(قالوا بل جئناك بما) يسرك وهو العذاب الذي (كانوا فيه يمترون) يشكون حين توعدتهم .
(وأتيناك بالحق) بعذابهم المتقين (وإنا لصادقون) في قولنا .
(فأسر) بالقطع والوصل (بأهلك بقطع) بطائفة (من الليل واتبع أدبارهم) سر خلفهم لتعلم حالهم وتسوقهم (ولا يلتفت منكم أحد) لا ينظر وراءه لئلا يرى عذابهم فيفزع أو لا يتخلف فيعمه العذاب (وامضوا حيث تؤمرون) بالمضي إليه وهو الشام أو مصر .
(وقضينا إليه) أي أوحينا إليه مقضيا (ذلك الأمر) يفسره (أن دابر هؤلاء مقطوع) أي يستأصلون عن آخرهم (مصبحين) داخلين في الصبح .
(وجاء أهل المدينة يستبشرون) بالملائكة طمعا فيه إذ كانوا في صور مرد حسان .
(قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون) بفضيحتهم .
(واتقوا الله) فيما حرم (ولا تخزون) بسببهم أو تخجلوني فيهم .
(قالوا أولم ننهك عن العالمين) عن أن تضيف منهم أحدا أو أن تجير أحدا .
(قال هؤلاء بناتي) من الصلب أو أراد نساءهم كما مر في هود (إن كنتم فاعلين) قضاء الوطر فتزوجوهن .
(لعمرك) قسمي أقسم تعالى بحياة النبي وقيل هو قول الملائكة للوط (إنهم لفي سكرتهم) ضلالتهم (يعمهون) يتحيرون .
(فأخذتهم الصيحة) الهائلة (مشرقين) في حال شروق الشمس .
(فجعلنا عاليها سافلها) بأن رفعها جبرائيل وقلبها (وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل) طين متحجر .
(إن في ذلك لآيات للمتوسمين) المتفرسين الذين ينظرون الأشياء بنورانية فيعرفونها .
(وإنها) أي قراهم (لبسبيل مقيم) ثابت يسلكه المارة ويرون آثارهم .

(إن في ذلك لآية) لعبرة (للمؤمنين).
(وإن) إنه (كان أصحاب الأيكة) الشجر الملتف وهو غيضة بقرب مدين وهم قوم شعيب كانوا يسكنونها (لظالمين) بكفرهم .
(فانتقمنا منهم) بإهلاكهم بالحر والظلة وهي سحابة استظلوا بها من الحر فأحرقتهم بصاعقة (فإنهما) أي سدوم والأيكة أو الأيكة ومدين لدلالة الأيكة عليها لأنه بعث إليهما (لبإمام مبين) بطريق واضح وسمي إماما لأنه يؤم وكذا اللوح .
(ولقد كذب أصحاب الحجر) واد بين المدينة والشام وهم ثمود كانوا يسكنونه (المرسلين) لأن تكذيبهم صالحا تكذيب لسائر الرسل لمجيء الكل بالتوحيد .
(وءاتيناهم ءاياتنا) الناقة وما فيها من المعجزات (فكانوا عنها معرضين) لا يعتبرون بها .
(وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا ءامنين) من خرابها وسقوطها عليهم أو من العذاب .
(فأخذتهم الصيحة مصبحين) داخلين في الصباح .
(فما أغنى) دفع (عنهم) العذاب (ما كانوا يكسبون) من نحت القصور وجمع المال .
(وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق) إلا متلبسة بالحكم والأغراض الصحيحة (وإن الساعة لآتية) فيجازي كلا بعلمه (فاصفح الصفح الجميل) أعرض عن قومك إعراضا بحلم قيل نسخ بآية السيف وقيل هو في حقوقه فلا نسخ .
(إن ربك هو الخلاق) الكثير الخلق (العليم) بخلقه وتدبيرهم .
(ولقد ءاتيناك سبعا) هي الفاتحة وقيل السور السبع الطوال (من المثاني) بيان للسبع وهي من الثناء لأنها يثني على الله أو من التثنية لأنها تثنى تلاوتها أو ألفاظها (والقرءان العظيم) من عطف الكل على الجزء، وعنهم (عليهم السلام) نحن المثاني التي أعطاها الله نبيه، أقول وجهه أن أسماءهم بعد إسقاط المكرر سبع وأنهم ثاني الثقلين .
(لا تمدن عينيك) لا تنظرن نظر راغب (إلى ما متعنا به أزواجا منهم) أصنافا من الكفار فإنه حقير بالنسبة إلى ما أوتيته من القرآن وغيره فإنه المؤدي إلى النعيم الباقي (ولا تحزن عليهم) إن لم يؤمنوا (واخفض جناحك) ألن جانبك (للمؤمنين).
(وقل إني أنا النذير) للخلق من عذاب الله (المبين) للإنذار بالحجج .
(كما أنزلنا) متعلق بآتيناك أي أنزلنا عليك القرآن كما أنزلنا (على المقتسمين) وهم أهل الكتاب .
(الذين جعلوا القرءان عضين) أجزاء حيث آمنوا ببعض وكفروا ببعض .
(فوربك لنسألنهم أجمعين) أي المقتسمين أو جميع المكلفين .
(عما كانوا يعملون) فيجازيهم عليه .
(فاصدع بما تؤمر) اجهر به أو فرق بين الحق والباطل (وأعرض عن المشركين) لا تبال بهم ولا تلتفت إليهم .
(إنا كفيناك المستهزءين) بإهلاكهم وكانوا خمسة أو ستة من أشراف قريش أهلك كل منهم بآية .
(الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون) سوء عاقبتهم .
(ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون) من تكذيبك والطعن في القرآن .
(فسبح) متلبسا (بحمد ربك وكن من الساجدين) المصلين وكان (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا أفزعه أمر فزع إلى الصلاة .
(واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) الموت لأنه متيقن أي اعبده ما دمت حيا.




سورة النحل

(16) سورة النحل مائة وثمان وعشرون آية (128) مكية
إلا وإن عاقبتم إلى آخرها وقيل أربعون من أولها مكية والباقي مدنية.
بسم الله الرحمن الرحيم
(أتى أمر الله) الموعود به وهو يوم القيامة وعبر بالماضي لتحققه (فلا تستعجلوه) قبل وقته (سبحانه وتعالى عما يشركون) تنزه عن إشراكهم به .
(ينزل الملائكة بالروح) بالوحي أو القرآن فإنه حياة القلوب (من أمره) بإرادته (على ما يشاء من عباده) أن يخصه بالرسالة (أن أنذروا) خوفوا الكفرة بالعقاب وأعلموهم (أنه لا إله إلا أنا فاتقون) خافوا مخالفتي .
(خلق السموات والأرض بالحق) بمقتضى الحكمة (تعالى عما يشركون) به من خلقه .
(خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم) منطيق يجادل عن نفسه (مبين) لحجته .
(والأنعام) الإبل والبقر والغنم (خلقها لكم) لانتفاعكم (فيها دفء) ما يستدفأ به من البرد من لباس ونحوه (ومنافع) من نسل ودر وركوب (ومنها تأكلون) ما يؤكل منها كاللحوم والألبان وقدم الظرف للفاصلة .
(ولكم فيها جمال) زينة (حين تريحون) تردونها إلى مراحها بالعشي (وحين تسرحون) ترسلونها إلى مرعاها بالغداة .
(وتحمل أثقالكم) أحمالكم (إلى بلد لم تكونوا بالغيه) بأنفسكم فضلا عن أثقالكم (إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم) بكم حيث أنعم بها .
(والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة) ولتتزينوا بها زينة (ويخلق ما لا تعلمون) من أنواع الحيوانات وغيرها أو مما أعد في الجنة أو النار .
(وعلى الله قصد السبيل) بيان الطريق المستقيم المفضي إلى الحق (ومنها جائر) ومن السبل ما هو مائل عن القصد (ولو شاء) مشيئة حتم (لهداكم أجمعين) أو لهداكم إلى الجنة تفضلا .
(هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب) ما تشربونه (ومنه شجر) ينبت بسببه (فيه تسيمون) ترعون أنعامكم .
(ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك) المذكور (لآية) على وحدانيته وقدرته (لقوم يتفكرون) في صنعه المحكم العجيب .
(وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) حال من جميعها أي أعدها لمنافعكم حال كونها مسخرة لحكمه وقرىء برفع الشمس وما بعدها مبتدأ وخبره مسخرات (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) يتدبرون .
(وما ذرأ) وسخر (لكم) ما خلق (في الأرض) من حيوان ونبات ومعدن (مختلفا ألوانه) مع اتحاده جنسا أو نوعا أو صنفا (إن في ذلك لآية لقوم يذكرون) إن ذلك إنما يصدر من قادر حكيم .
(وهو الذي سخر البحر) هيأه لانتفاعكم به ركوبا وأكلا أو لبسا (لتأكلوا منه لحما طريا) هو السمك (وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) هي اللؤلؤ والمرجان (وترى الفلك) السفن (مواخر فيه) جواري تمخر الماء أي تشقه بصدرها (ولتبتغوا) تطلبوا (من فضله) تعالى بركوبه للتجارة (ولعلكم تشكرون) الله .
(وألقى في الأرض رواسي) جبالا ثوابت (أن تميد بكم) كراهة أن تضطرب (و) جعل فيها (أنهارا وسبلا) طرقا (لعلكم تهتدون) لمقاصدكم أو إلى توحيده تعالى .
(وعلامات) تستدلون بها على الطرق من جبل ونحوه نهارا (وبالنجم) أي الجنس أو الثريا أو الفرقدان أو الجدي أو بنات نعش (هم) أي السائرة الدال عليهم ذكر السبيل (يهتدون) إلى الطرق وروي بالجدي يهتدى إلى القبلة، وعن الصادق (عليه السلام) نحن العلامات والنجم رسول الله .
(أفمن يخلق) هذه الأشياء وهو الله (كمن لا يخلق) شيئا وهو الأصنام (أفلا تذكرون) ذلك فتوحدوا الله .
(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) لا تحصروا عددها فضلا عن شكرها (إن الله لغفور) لتقصيركم في شكرها (رحيم) حيث لم يقطعها بتقصيركم .
(والله يعلم ما تسرون وما تعلنون) من نية وعمل وفيه توبيخ ووعيد على إشراكهم بعالم السر والعلن جمادات لا يشعرون .
(والذين يدعون) تعبدونهم (من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) هم .
(أموات غير أحياء) تأكيد (وما يشعرون) أي الأصنام (أيان يبعثون) وقت بعثهم وبعث عبدتهم فكيف يعبدون وإنما يعبد الخالق الحي العالم بالغيب .
(إلهكم) المستحق للعبادة (إله واحد) لا إله معه (فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة) للوحدانية (وهم مستكبرون) عن قبول الحق .
(لا جرم) حقا (أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) فيجازيهم به (إنه لا يحب المستكبرين) عن التوحيد أو كل متكبر .
(وإذا قيل لهم) لمقيمي طرق مكة لصد الناس والقائل الوافدون عليهم أو المسلمون (ما ذا) أي شيء (أنزل ربكم) وما الذي أنزله (قالوا أساطير الأولين) أي المنزل في زعمكم أكاذيب الأولين .
(ليحملوا) أي كانت عاقبة أمرهم حين قالوا ذلك إضلالا للناس أن حملوا (أوزارهم) ذنوبهم (كاملة يوم القيامة) لا تخفف من عقابهم شيء (ومن) وبعض (أوزار الذين

يضلونهم) شاركوهم في إثم ضلالهم لأنهم دعوهم إليه فاتبعوهم (بغير علم) أي جاهلين كونهم ضلالا ولا عذر لهم بجهلهم إذ كان عليهم الفحص ليميزوا المهتدي من الضال (ألا ساء ما يزرون) بئس شيء يحملونه حملهم هذا .
(وقد مكر الذين من قبلهم فأتى الله) أي أمره (بنيانهم من القواعد) الأساس (فخر عليهم السقف من فوقهم) أي وكانوا تحته (وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) لا يحتسبون .
(ثم يوم القيامة يخزيهم) يفضحهم أو يدخلهم النار (ويقول) توبيخا لهم (أين شركائي) بزعمكم (الذين كنتم تشاقون) تعادون المؤمنين (فيهم قال الذين أوتوا العلم) الأنبياء والعلماء والملائكة (إن الخزي اليوم والسوء) الذل والعذاب (على الكافرين) يقولونه شماتة بهم .
(الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) بكفرهم (فألقوا السلم) استسلموا عند الموت قائلين (ما كنا نعمل من سوء) كفر فتكذبهم الملائكة (بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون) فيجازيكم .
(فادخلوا أبواب جهنم) على حسب منازلكم في دركاتها (خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين) هي .
(وقيل للذين اتقوا) هم المؤمنون (ماذا أنزل ربكم قالوا) أنزل (خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) كرامة معجلة (ولدار الآخرة) أي ثوابهم في الآخرة (خير) منها وهو وعد للذين اتقوا أو من قولهم تفسير الخير (ولنعم دار المتقين) هي .
(جنات عدن) إقامة خبر محذوف أو المخصوص بالمدح أو مبتدأ خبره (يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون) النكتة في تقديم فيها الدلالة على أن الإنسان لا يجد كل ما يريده إلا فيها (كذلك) الجزاء (يجزي الله المتقين).
(الذين تتوفاهم الملائكة طيبين) طاهرين من الشرك أو طيبة وفاتهم لا صعوبة فيها (يقولون) لهم عند الموت (سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون).
(هل ينظرون) ما ينتظر الكفار (إلا أن تأتيهم الملائكة) لتوفيهم (أو يأتي أمر ربك) القيامة أو العذاب المعجل (كذلك) كما فعل هؤلاء (فعل الذين من قبلهم) كذبوا رسلهم قد مروا (وما ظلمهم الله) بتدميرهم (ولكن أنفسهم يظلمون) بسوء عملهم .
(فأصابهم سيئات ما عملوا) جزاؤها

(وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون) من العذاب أو جزاء استهزائهم .
(وقال للذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء) كأنهم كانوا جبرية أو أشعرية (كذلك فعل الذين من قبلهم) فنسبوا إليه مشيئة ما فعلوه من شرك ونحوه كما مر في الأنعام (فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) للحق وتنزيه الله عن الظلم .
(ولقد بعثنا في كل أمة رسولا) كما بعثنا في هؤلاء (أن) أي بأن أو أي (اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) أي عبادته (فمنهم من هدى الله) لطف به لأنه من أهله فآمن أو هداه إلى الجنة بإيمانه أو حكم بإيمانه (ومنهم من حقت عليه الضلالة) أي ثبت عليه الخذلان لعلمه بتصميمه على الضلال أو حكم بضلاله أو أضله عن الجنة أو وجب عليه العذاب (فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) للرسل والحجج .
(إن تحرص على هداهم) أي إيمانهم (فإن الله لا يهدي من يضل) لا يلطف بمن يخذل أو لا يهتدي من يخذله (وما لهم من ناصرين) يمنعونهم من العذاب .
(وأقسموا بالله جهد أيمانهم) مجتهدين فيها (لا يبعث الله من يموت بلى) يبعثهم وعد ذلك (وعدا عليه) إنجازه حقه (حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) صحة البعث لجهلهم وجه الحكمة فيه أو لتوهمهم امتناعه .
(ليبين لهم) الحق (الذي يختلفون فيه) فيميز المحق من المبطل بالثواب والعقاب (وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين) في نفيهم البعث .
(إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) فالبعث والحشر لا يتوقف إلا على أمره .
(والذين هاجروا في الله) في سبيله (من بعد ما ظلموا) بالأذى (لنبوئنهم) لننزلنهم (في الدنيا حسنة) مباءة حسنة وهي المدينة (ولأجر الآخرة) ثوابها (أكبر) مما نعطيهم في الدنيا (لو كانوا يعلمون) أي الكفار ما للمهاجرين من خير الدارين لوافقوهم أو المهاجرون ما أعد لهم لزاد اجتهادهم .
(الذين صبروا) على الأذى والهجرة (وعلى ربهم) لا غيره (يتوكلون) فيكفيهم أمورهم .
(وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي) بالنون والياء (إليهم) لا ملائكة رد لإنكارهم كون الرسول بشرا بأن هذا هو السنة مستمرة على مقتضى الحكمة (فسئلوا أهل الذكر) أهل العلم من كانوا أو أهل الكتاب أو أهل القرآن، وعنهم (عليهم السلام) نحن أهل الذكر (إن كنتم لا تعلمون) ذلك فيعلمونكم .
(بالبينات) متعلق بمقدر أي أرسلناهم بالمعجزات (والزبر) الكتب (وأنزلنا إليك الذكر) القرآن (لتبين

للناس ما نزل إليهم) فيه من الشريعة والأحكام (ولعلهم يتفكرون) فيه فيعلمون ما هو الحق .
(أفأمن الذين مكروا السيئات) أي المكرات السيئات بالرسول من إرادة حبسه أو قتله أو إخراجه (أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون) من جهة لا يتوقعونه كقوم لوط أو قد وقع يوم بدر .
(أو يأخذهم في تقلبهم) في أسفارهم أو بالليل والنهار (فما هم بمعجزين) بفائتين الله .
(أو يأخذهم على تخوف) وهم يتخوفون بأن أهلك غيرهم فتوقعوا البلاء أو على تنقص شيئا فشيئا حتى يفنوا (فإن ربكم لرءوف رحيم) حيث لم يعجل النقمة .
(أولم يروا) وقرىء بالتاء (إلى ما خلق الله من شيء) له ظل كشجر وجبل (يتفيؤا ظلاله) يتميل والفيء والظل بعد الزوال وأصله الرجوع (عن اليمين والشمائل) جمع شمال أي عن جانبي ذوات الظلال وإفراد اليمين وجمع الشمائل لعله للفظ ما ومعناه كافر إذ الضمير في ظلاله وجمعه في (سجدا لله) حال من الظلال أي منقادة لأمره في تقلبها وكذا (وهم داخرون) صاغرون لما فيهم من التسخير ودلائل التدبير وجمع بالواو لأن الدخور للعقلاء .
(ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض) ينقاد لأمره وإرادته (من دابة) بيان لما فيهما على أن في السماء خلقا يدبون والملائكة، من عطف الخاص على العام للتفخيم أو بيان لما في الأرض (والملائكة) تعيين لما في السموات تفخيما وما لتغليب ما لا يعقل لكثرته (وهم) أي الملائكة (لا يستكبرون) عن عبادته .
(يخافون ربهم من فوقهم) أي غالبا عليهم بالقهر (ويفعلون ما يؤمرون) به .
(وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين) تأكيد يؤذن بمنافاة الاثنينية للإلهية (إنما هو إله واحد) أكد تنبيها على لزوم الوحدة للإلهية (فإياي فارهبون) فخافوني لا غيري التفات من الغيبة إلى التكلم للمبالغة في الترهيب .
(وله ما في السموات والأرض) ملكا وخلقا (وله الدين واصبا) حال عاملها له أي له الطاعة دائمة أو الجزاء دائما أي الثواب والعقاب (أفغير الله تتقون) تخشون ولا يقدر على النفع والضر غيره .
(وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر) كمرض وفقر (فإليه تجأرون) تضجون بالاستغاثة والدعاء لا إلى غيره .
(ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون).
(ليكفروا بما ءاتيناهم) من النعمة كأنهم قصدوا بالشرك كفرانها (فتمتعوا) بما أنتم فيه أمر تهديد (فسوف تعلمون) سوء عاقبتكم .
(ويجعلون لما) للأصنام التي (لا يعلمون) أنها لا تضر ولا تنفع (نصيبا مما رزقناهم) من الحرث والأنعام (تالله لتسئلن) توبيخا وفيه التفات من الغيبة (عما كنتم تفترون) بدعوى إلهيتها والتقرب إليها .
(ويجعلون لله البنات) بقولهم الملائكة بنات الله (سبحانه) تنزيها له عن قولهم (ولهم ما يشتهون) أي البنون .
(وإذا بشر أحدهم بالأنثى) بولادتها (ظل) صار (وجهه

مسودا) متغيرا من الغم (وهو كظيم) ممتلىء غيظا فكيف تجعلون البنات له تعالى .
(يتوارى من القوم) يختفي من قومه مخافة العار (من سوء ما بشر به) عنده مفكرا ماذا يصنع به (أيمسكه على هون) أيتركه على هوان وذل (أم يدسه) يخفيه بدفنه (في التراب) حيا وهو الوأد وذكر الضمير للفظ ما (ألا ساء) بئس (ما يحكمون) حكمهم هذا حيث جعلوا ما هذا محله عندهم لربهم المتنزه عن الأولاد .
(للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء) الصفة السوء وهي الحاجة إلى الأولاد (ولله المثل الأعلى) كالتفرد والغنى والجود (وهو العزيز الحكيم).
(ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم) بعصيانهم (ما ترك عليها) على الأرض بقرينة الناس والدابة (من دابة) تدب عليها فيهلك الظلمة عقوبة لهم وغيرهم بشؤمهم أو أهلك الآباء بظلمهم لبطل نسلهم ولهلكت الدواب المخلوقة لهم أو من دابة ظالمة (ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى) هو منتهى أعمارهم أو القيامة ليتوالدوا (فإذا جاء أجلهم لا يستئخرون) عنه (ساعة ولا يستقدمون) عليه فيؤاخذون حينئذ .
(ويجعلون لله ما يكرهون) لأنفسهم من البنات والشركاء في الرئاسة وإهانة الرسل ورديء المال (وتصف ألسنتهم الكذب) مع ذلك وهو زعمهم (أن لهم الحسنى) عند الله أي الجنة إن صح البعث (لا جرم) حقا (أن لهم النار) لا الحسنى (وأنهم مفرطون) مقدمون إلى النار .
(تالله لقد أرسلنا) رسلا (إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم) القبيحة فأصروا عليها (فهو وليهم اليوم) متولي أمورهم في الدنيا أو ناصرهم في القيامة (ولهم عذاب أليم) في القيامة .
(وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم) للناس (الذي اختلفوا فيه) من التوحيد والعدل والأحكام والبعث (وهدى ورحمة لقوم يؤمنون).
(والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض) بالنبات (بعد موتها) يبسها (إن في ذلك لآية) دالة على التوحيد والبعث (لقوم يسمعون) سماع اعتبار .
(وإن لكم في الأنعام لعبرة) لاعتبارا (نسقيكم مما في بطونه) أي الأنعام فإن لفظه مفرد ومعناه جمع كالرهط (من) ابتدائية تتعلق بنسقيكم (بين فرث ودم لبنا خالصا) لا يشوبه لون ولا رائحة ولا طعم من الفرث والدم (سائغا للشاربين) سهل الجواز في حلوقهم .
(ومن ثمرات النخيل والأعناب) خبر محذوف أي ثمر صفته (تتخذون منه سكرا) مصدر سمي به الخمر وفيه إشعار بتحريمها بوصف قسيمها بالحسن (ورزقا حسنا) كالتمر والزبيب والدبس والخل فلا تكون هي حسنة فليست بحلال فالآية جامعة بين العتاب والمنة، وقيل السكر الأشربة الحلال والرزق الحسن المأكول اللذيذ (إن في ذلك لآية لقوم يعقلون).
(وأوحى ربك إلى النحل) ألهمها

(أن اتخذي من الجبال بيوتا) يأوين إليها للتعسيل (ومن الشجر ومما يعرشون) يرفعون من سقف وكرم والبعضية لأنها لا تبني بكل جبل وشجر وما يعرش بل فيما يوافقها من ذلك .
(ثم كلي من كل الثمرات) التي تشتهيها (فاسلكي سبل ربك) طرقه التي ألهمك في عمل العسل أو اسلكي ما أكلت في مسالك ربك التي تحيله فيها بقدرته عسلا (ذللا) جمع ذلول أي مذللة حال من السبل أو من فاعل اسلكي أي منقادة لما أمرت به (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه) أصفر وأحمر وأبيض وأسود (فيه شفاء للناس) منفردا ومع غيره وقيل التنكير للتبعيض وقيل للتعظيم (إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) في صنعه تعالى .
(والله خلقكم) أوجدكم (ثم يتوفاكم) كلا بأجله (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) أردأه أي الهرم والخرف (لكي لا يعلم بعد علم شيئا) ليصير كالطفل في النسيان (إن الله عليم) بتدبير خلقه (قدير) على ما يشاء من تصريفهم .
(والله فضل بعضكم على بعض في الرزق) فأغنى بعضا وأفقر بعضا (فما الذين فضلوا) من الموالي (برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم) بجاعلي ما رزقناهم رزقا لمماليكهم أي لم يرزقوهم وإنما ينفقون عليهم رزقهم الذي جعله الله عندهم (فهم فيه) فالموالي والمماليك في الرزق (سواء) في أنه من الله تعالى أو معناه فما هم بجاعلي ما رزقناهم شركة بينهم وبين مماليكهم حتى يتساووا فيه ولم يرضوا بذلك وهم يشركون عبيدي معي في الإلهية (أفبنعمة الله يجحدون) حيث يشركون به غيره وقرىء بالتاء .
(والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا) من جنسكم لتسكنوا إليها (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) أولاد أولاد أو أعوانا أو أختانا على البنات أو ربائب والحفد الإسراع في العمل (ورزقكم من الطيبات) المستلذات أي بعضها إذ كلها إنما تكون في الجنة (أفبالباطل) الأصنام وتحريم الحلال (يؤمنون وبنعمة الله) التي عددها (هم يكفرون) حيث أشركوا به غيره .
(ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا) من مطر ونبات (ولا يستطيعون) لا يقدرون على شيء وهم الأصنام .
(فلا تضربوا لله الأمثال) لا تجعلوا له أشباها في الإلهية (إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون) ذلك .
(ضرب الله مثلا) لنفسه وما يشرك به (عبدا مملوكا لا يقدر على شيء) عاجز عن التصرف وهذا مثل الأصنام (ومن) نكرة موصوفة أي وحرا (رزقناه منا رزقا حسنا) مالا وافرا (فهو ينفق منه سرا وجهرا) أي يتصرف فيه كيف شاء وهو مثله تعالى (هل) لا (يستون الحمد لله) لا يستحقه سواه (بل أكثرهم لا يعلمون) اختصاص الحمد به .
(وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم) ولد أخرس (لا يقدر على شيء) من نطق وتدبير لأنه لا يفهم ولا يفهم (وهو كل على مولاه) ثقل على ولي أمره

(أينما يوجهه) يرسله في حاجة (لا يأت بخير) بنجح (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل) من هو فصيح فهم نافع للناس يحثهم على العدل (وهو على صراط مستقيم) وهو مثل له تعالى وللأصنام أو للمؤمن والكافر .
(ولله غيب السموات والأرض) يختص به علم ما غاب عن الخلق فيهما (وما أمر الساعة) أمر إقامتها في قدرته (إلا كلمح البصر) كرد الطرف (أو هو أقرب) منه في السرعة والسهولة وأو للتخيير أو بمعنى بل (إن الله على كل شيء قدير) ومنه إقامة الساعة وإحياء الخلق .
(والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) جملة حالية (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) لكي تشكروا على ذلك .
(ألم يروا) بالياء وتاء الخطاب (إلى الطير مسخرات) مذللات للطيران بأجنحتها (في جو السماء) الهواء البعيد من الأرض (ما يمسكهن) عن السقوط (إلا الله) بقدرته (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) ومن جملة الآيات خلقها بحيث يمكنها الطيران فيه وإلهامها بسط الجناح وقبضه وإمساكها .
(والله جعل لكم من بيوتكم سكنا) موضعا تسكنون فيه مما يتخذ من الحجر والمدر (وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا) القباب من الأدم أو ما يعم المتخذة من الشعر والصوف والوبر فإنها من جلودها لنباتها عليها (تستخفونها) للحمل والنقل (يوم ظعنكم) بوقت رحلتكم (ويوم إقامتكم) في مكان تنزلون فيه لا يثقل عليكم ضربها (ومن أصوافها) أي الضأن (وأوبارها) أي الإبل (وأشعارها) أي المعز (أثاثا) فراشا وأكسية (ومتاعا) تمتعون به (إلى حين) تبلى فيه أو إلى موتكم .
(والله جعل لكم مما خلق) من الشجر والأبنية وغيرها (ظلالا) تقيكم حر الشمس جمع ظل (وجعل لكم من الجبال أكنانا) كالكهوف والغيران جمع كن (وجعل لكم سرابيل) قمصانا من النبات وغيره (تقيكم الحر) أي والبرد وخص بالذكر الأهم (وسرابيل) دروعا وجواشن (تقيكم بأسكم) حربكم أي الطعن والضرب (كذلك) كما أنعم عليكم بهذه النعم (يتم نعمته عليكم) في الدنيا بتدبير أموركم (لعلكم تسلمون) تتفكرون في نعمه فتوحدونه وتطيعونه .
(فإن تولوا) أعرضوا عن الإيمان فلا لوم عليك (فإنما عليك البلاغ المبين) وقد بلغت .
(يعرفون نعمة الله) يعترفون بأنها من عنده (ثم ينكرونها) بإشراكهم أو عرفوا نبوة محمد ثم أنكروها عنادا (وأكثرهم الكافرون) المنكرون عنادا وذكر الأكثر لأنه يستعمل في الكل أو أن بعضهم لم يقم عليه الحجة كالمجنون وغير البالغ .
(ويوم) واذكر أو خوفهم يوم (نبعث من كل أمة شهيدا) هو نبيها أو إمام زمانها يشهد لها أو عليها يوم القيامة (ثم لا يؤذن للذين كفروا) في الاعتذار (ولا هم يستعتبون) لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى رضا الله .
(وإذا رءا الذين ظلموا) أشركوا (العذاب) النار (فلا يخفف

عنهم) العذاب (ولا هم ينظرون) يمهلون .
(وإذا رءا الذين أشركوا شركاءهم) الأصنام والشياطين (قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا) نعبدهم (من دونك) فحملهم بعض عذابنا (فألقوا إليهم القول) أي أنطقهم الله فقالوا لهم (إنكم لكاذبون) في قولكم إننا شركاء الله وإنكم عبدتمونا وإنما عبدتم أهواءكم .
(وألقوا) أي المشركون (إلى الله يومئذ السلم) أي استسلموا لحكمه (وضل) بطل (عنهم ما كانوا يفترون) أن آلهتهم تشفع لهم .
(الذين كفروا وصدوا) الناس (عن سبيل الله) دينه (زدناهم عذابا) لصدهم (فوق العذاب) لكفرهم (بما كانوا يفسدون) بإفسادهم بالصد .
(ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم) هو نبيهم أو إمام زمانهم (وجئنا بك) يا محمد (شهيدا على هؤلاء) أي أمتك شهيدا قال الصادق (عليه السلام) نزلت في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) خاصة في كل قرن منهم إمام منا شاهد عليهم ومحمد شاهد علينا (ونزلنا عليك الكتاب) القرآن (تبيانا) بيانا (لكل شيء) من أمور الدين تفصيلا أو إجمالا محالا إلى الحجة المقرون به (وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين).
(إن الله يأمر بالعدل) التوحيد والإنصاف بين الخلق (والإحسان) أداء الفرائض أو التفضل على الناس أو ما يعم كل خير (وإيتاء ذي القربى) إعطاء الأقارب أو قرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) (وينهى عن الفحشاء) ما قبح من الفعل والقول أو الزنا (والمنكر) ما أنكره الشرع (والبغي) الظلم والكبر (يعظكم) بالأمر بالخير والنهي عن الشر (لعلكم تذكرون) أي تتعظون عن ابن مسعود هذه أجمع آية في القرآن للخير والشر .
(وأوفوا بعهد الله) وهو كل ما يجب الوفاء به وقيل البيعة للرسول (إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) توثيقها باسم الله تعالى (وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) شهيدا بالوفاء (إن الله يعلم ما تفعلون) من نقض ووفاء .
(ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها) ما غزلته (من بعد قوة) إحكام له وفتل (أنكاثا) حال أو مفعول ثان لنقضت جمع نكث وهو ما ينكث فتله ومعناه تشبيه الناقض بمن فعلت ذلك أو بريطة بنت عمرو القرشية وكانت خرفاء هذا شأنها (تتخذون أيمانكم دخلا) غدرا ومكرا وهو ما يدخل في الشيء للفساد (بينكم أن) أي لأن (تكون أمة هي أربى من أمة) جماعة هي أكثر من جماعة كانوا إذا رأوا في أعادي حلفائهم شوكة نقضوا عهدهم وخالفوا أعاديهم فنهوا عنه (إنما يبلوكم الله به) يختبركم بالأمر بالوفاء أو بكونهم أربى لينظر أتفون لله مع قلة المؤمنين أم تغدرون لكثرة قريش (وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون) بإثابة المحق وتعذيب المبطل.
(ولو شاء الله) مشيئة إلجاء (لجعلكم أمة واحدة) مهتدين (ولكن يضل من يشاء) يخذله بسوء اختياره (ويهدي

من يشاء) بلطفه لأنه من أهله (ولتسألن) تبكيتا (عما كنتم تعملون) فتجازون به .
(ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم) كرر تأكيدا (فتزل قدم) أي أقدامكم عن طريق الحق (بعد ثبوتها) عليه وهو مثل لمن وقع في بلاء بعد عافية (وتذوقوا السوء) العذاب في الدنيا (بما صددتم عن سبيل الله) أي بصدكم عن الوفاء أو بصدكم غيركم عنه لأنه يقتدي بسنتكم (ولكم عذاب عظيم) في الآخرة قال الصادق (عليه السلام) هذه الآيات في ولاية علي وما كان من قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) سلموا عليه بإمرة المؤمنين .
(ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا) تستبدلوا به عرضا يسيرا من الدنيا تنقضوه لأجله (إنما عند الله) من الثواب على الوفاء بالعهد (هو خير لكم) من عرض الدنيا (إن كنتم تعلمون) ذلك فأوفوا .
(ما عندكم) من الدنيا (ينفد) يفنى (وما عند الله) من الثواب (باق) لا ينقطع (ولنجزين) بالياء والنون (الذين صبروا) على مشاق التكذيب (أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) من الطاعة .
(من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حيوة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
(فإذا قرأت القرءان) أي أردت قراءته (فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم).
(إنه ليس له سلطان) تسلط (على الذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون) فإنهم لا يطيعونه .
(إنما سلطانه على الذين يتولونه) يطيعونه (والذين هم به) بسببه أو بالله (مشركون).
(وإذا بدلنا آية مكان آية) بالنسخ لمصالح العباد (والله أعلم بما ينزل) بمصالحه بحسب الأوقات (قالوا) أي الكفار (إنما أنت مفتر) على الله تأمر بشيء ثم تنهى عنه (بل أكثرهم لا يعلمون) فوائد النسخ .
(قل نزله روح القدس) جبرئيل (من ربك) متلبسا (بالحق ليثبت الذين ءامنوا) به على إيمانهم (وهدى وبشرى للمسلمين).
(ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه) القرآن (بشر) هو عائش غلام حويطب بن عبد العزى قد أسلم وكان صاحب كتب وقيل بلعام كان قينا بمكة روميا نصرانيا وقيل سلمان الفارسي (لسان) لغة (الذي يلحدون إليه) يميلون قولهم عن الاستقامة إليه (أعجمي) غير بين (وهذا) القرآن (لسان عربي مبين) ذو فصاحة وبيان فكيف يعلمه أعجمي .
(إن الذين لا يؤمنون بآيات الله) أي بأنها من عنده (لا يهديهم الله) إلى الجنة ولا يثيبهم (ولهم

عذاب أليم) بكفرهم بالقرآن .
(إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله) فإنهم لا يخشون عقابا.
(وأولئك هم الكاذبون) في قولهم إنما أنت مفتر أو الكاملون في الكذب لا أنت .
(من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره) على كلمة الكفر فقالها (وقلبه مطمئن بالإيمان) ثابت عليه (ولكن من شرح بالكفر صدرا) فتحه أي طابت نفسه به (فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) أكره قريش جماعة على الإرتداد منهم عمار وأبواه فقتلوا أبويه وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرها فقال قوم كفر عمار فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كلا إنه مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه فأتاه عمار يبكي فمسح عينيه وقال إن عادوا لك فعد لهم فنزلت .
(ذلك) الوعيد لهم (بأنهم استحبوا الحياة الدنيا) آثروها (على الآخرة وأن) وبسبب أن (الله لا يهدي القوم الكافرين) يخذلهم بكفرهم .
(أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم) أسند إليه تعالى الطبع مجازا عن منعهم اللطف حين أبوا قبول الحق وأعرضوا عنه (وأولئك هم الغافلون) عما يراد بهم .
(لا جرم) حقا (أنهم في الآخرة هم الخاسرون).
(ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا) عذبوا كعمار بالنصرة وثم لتباعد هؤلاء من أولئك وقرىء بالمعلوم أي فتنوا غيرهم ثم أسلموا وهاجروا (ثم جاهدوا وصبروا) على المشاق (إن ربك من بعدها) بعد الفتنة (لغفور) لهم (رحيم) بهم .
(يوم تأتي كل نفس تجادل) تحاج (عن نفسها) ذاتها لا يهمها غيرها (وتوفى كل نفس ما عملت) أي جزاءه (وهم لا يظلمون) في ذلك .
(وضرب الله مثلا قرية) بدل أي أهلها قيل هي مكة وقيل غيرها (كانت آمنة) من المخاوف (مطمئنة) قارة بأهلها (يأتيها رزقها رغدا) واسعا (من كل مكان) ناحية (فكفرت بأنعم الله) جمع نعمة (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) استعير الذوق لإدراك أثر الشدة واللباس لما غشيهم منها وأوقع الإذاقة عليه نظرا إلى المستعار له وهو الإدراك أي عرفها الله على أثر لباس الجوع والخوف (بما كانوا يصنعون) بصنعهم .
(ولقد جاءهم) أي أهل مكة (رسول منهم) محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (فكذبوه فأخذهم العذاب) الجوع بالقحط والخوف من الغارات أو ما نالهم ببدر (وهم ظالمون).
(فكلوا مما رزقكم الله) من الغنائم وغيرها (حلالا طيبا) لذيذا (واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون).

(إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم) فسر في البقرة والحصر إضافي بالنسبة إلى ما حرموه على أنفسهم .
(ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) لا ينالون خيرا .
(متاع قليل) أي لهم أو متاعهم متاع زائل (ولهم عذاب أليم) في الآخرة .
(وعلى الذين هادوا) اليهود (حرمنا ما قصصنا عليك من قبل) في الأنعام وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر (وما ظلمناهم) بالتحريم (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) بمعاصيهم الموجبة لذلك .
(ثم إن ربك للذين عملوا السوء) المعاصي (بجهالة) أي جاهلين بالله وبعقابه (ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) عملهم (إن ربك من بعدها) أي التوبة (لغفور) لهم (رحيم) بهم .
(إن إبراهيم كان أمة) وذلك أنه كان على دين لم يكن عليه أحد غيره أو مؤتما به في الخير (قانتا لله) مطيعا له (حنيفا) مائلا إلى الدين القيم (ولم يك من المشركين) قط .
(شاكرا لأنعمه) جمع قلة أي قليلها فضلا عن كثيرها (اجتباه) اصطفاه (وهداه إلى صراط مستقيم) التوحيد .
(وءاتيناه) التفات (في الدنيا حسنة) الرسالة والخلة والثناء الحسن عند سائر أهل الأديان (وإنه في الآخرة لمن الصالحين) أهل الجنة .
(ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) في الدعاء إلى التوحيد (وما كان من المشركين) كرر ردا على قريش وأهل الكتاب في زعمهم أنهم على دينه .
(إنما جعل السبت) فرض تعظيمه (على الذين اختلفوا فيه) على نبيهم وهم اليهود إذ أمروا بتعظيم الجمعة فأبوا إلى السبت فالزموه وشدد عليهم فيه أو إنما جعل وبال السبت أي المسخ على الذين اختلفوا فيه فحرموا الصيد فيه ثم أحلوه بما احتالوا له (وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) بإثابة المطيع وتعذيب العاصي .
(ادع) الثقلين (إلى سبيل ربك) دينه (بالحكمة) بالحجج الكاشفة عنه (والموعظة الحسنة) الأقوال المقبولة المقنعة في الترغيب والترهيب (وجادلهم بالتي هي أحسن) طرق المناظرة كالرفق واللين في النصح (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) فهو مجازيهم.


(وإن عاقبتم) أي أردتم عقوبة جان قصاصا (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) من دون زيادة (ولئن صبرتم) عن المؤاخذة (لهو) الصبر (خير للصابرين) من العقوبة .
(واصبر) أيها النبي (وما صبرك إلا بالله) بتوفيقه (ولا تحزن عليهم) على المشركين حرصا على إيمانهم أو على قتلى أحد (ولا تك في ضيق مما يمكرون) في ضيق صدر من مكرهم .
(إن الله مع الذين اتقوا) معاصيه (والذين هم محسنون).


سورة الإسراء

(17) سورة الإسراء مائة وإحدى عشر آيات (111) مكية
وقيل إلا وإن كادوا ليفتنونك الثمان آيات.
بسم الله الرحمن الرحيم
(سبحان الذي أسرى بعبده) محمد (ليلا) ظرف للإسراء وفائدته مع أن الإسراء لا يكون إلا بالليل - تقليل مدة الإسراء وأنه أسري به في بعض الليل مسيرة أربعين ليلة (من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) بيت المقدس لبعد ما بينهما (الذي باركنا حوله) في الدين والدنيا يجعله مقر الأنبياء ومهبط الوحي وحفه بالأشجار والأنهار وفيه التفات (لنريه من ءاياتنا) العجيبة في السموات والأرض وما بينهما (إنه هو السميع البصير).
(وءاتينا موسى الكتاب) التوراة (وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا) أن مفسرة أو زائدة (من دوني وكيلا) تكلون إليه أمركم.
(ذرية من حملنا مع نوح) إذ الناس كلهم منه (إنه كان عبدا شكورا) كثير الشكر .
(وقضينا) أوحينا (إلى بني إسرائيل في الكتاب) التوراة (لتفسدن في الأرض مرتين) أولهما قتل شعيا وثانيهما قتل زكريا ويحيى (ولتعلن علوا كبيرا) بالاستكبار عن طاعة الله وظلم الناس .
(فإذا جاء وعد أوليهما) وعد عقاب أولى المرتين (بعثنا عليكم عبادا لنا) بختنصر وجالوت أي خليناهم وإياكم (أولي بأس) بطش في الحرب (شديد فجاسوا) ترددوا يطلبونكم (خلال الديار) وسطها فقتلوا كباركم وسبوا صغاركم وأحرقوا التوراة وخربوا المسجد (وكان وعدا مفعولا) كائنا لا خلف فيه .
(ثم رددنا لكم الكرة) الدولة (عليهم) على المبعوثين بتسخير بعض ملك الفرس لكم فردكم إلى الشام واستولى على أتباع بختنصر أو بتسليط داود على جالوت فقتله (وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا) عددا .
(إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم) لأن ثوابه لها
(وإن أسأتم فلها) العقوبة وذكر اللام ازدواجا وروي فلها رب يغفر (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم) أي بعثناهم ليجعلوا وجوهكم ظاهرة فيها آثار المساءة (وليدخلوا المسجد) بيت المقدس فيخربوه (كما دخلوه أول مرة وليتبروا) ليهلكوا (ما علوا) ما غلبوا عليه أو مدة علوهم (تتبيرا) وذلك بعد أن قتلوا يحيى وبقي دمه يغلي فسلط الله عليهم الفرس فقتلوا منهم ألوفا وسبوا ذراريهم وخربوا بيت المقدس .
(عسى ربكم أن يرحمكم) بعد المرة الثانية إن تبتم (وإن عدتم) إلى الفساد (عدنا) إلى عقوبتكم وقد عادوا بتكذيب محمد فسلط عليهم بقتل قريظة وإجلاء النضير وضرب الجزية (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) سجنا ومحبسا .
(إن هذا القرآن يهدي للتي) للطريقة التي (هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا).
(وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا) هيأنا (لهم عذابا أليما).
(ويدع الإنسان بالشر) على نفسه وأهله ضجرا (دعاءه) كدعائه له (بالخير وكان الإنسان) أي جنسه (عجولا) بالدعاء بالشر لم ينتظر عاقبته .
(وجعلنا الليل والنهار ءايتين) دالتين على قدرتنا وعلمنا (فمحونا آية الليل) الآية التي هي الليل أي طمسنا نورها بالظلام (وجعلنا آية النهار) الآية التي هي النهار (مبصرة) مضيئة أو متبصرا فيها وقيل بتقدير مضاف أي جعلنا نيري الليل والنهار ءايتين ومحو القمر بجعله غير ذي شعاع ترى الأشياء به أو بالكلف الذي فيه وهو مروي روي لو لم يكن لما عرف الليل من النهار (لتبتغوا) في النهار (فضلا من ربكم) بالتصرف في وجوه معاشكم (ولتعلموا) بهما (عدد السنين والحساب) للأوقات (وكل شيء) تحتاجون إليه من أمر الدين والدنيا (فصلناه تفصيلا) بيناه تبيينا .
(وكل إنسان ألزمناه طائره) عمله من خير وشر (في عنقه) لزوم الطوق في عنقه (ونخرج له يوم القيامة كتابا) وهو صحيفة عمله (يلقاه منشورا) ويقال له .
(اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) محاسبأ ولقد أنصفك من جعلك حسيب نفسك .
(من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) فتلزمهم الحجة .
(وإذا أردنا أن نهلك قرية) أي أهلها بعد قيام الحجة عليهم، وإذا دنا وقت إهلاكهم (أمرنا مترفيها) متنعميها أي رؤساءها بالطاعة، وخصوا لأن غيرهم تبع لهم (ففسقوا فيها) فتمادوا في العصيان والخروج عن الظلمة (فحق عليها القول) بالوعيد بانهماكهم في المعاصي (فدمرناها تدميرا) أهلكنا أهلها وخربناها .
(وكم) كثيرا (أهلكنا من القرون) الأمم بيان لكم

(من بعد نوح) كعاد وغيرهم (وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا) عالما ببواطنها وظواهرها .
(من كان يريد العاجلة) الدنيا بعمله (عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) التعجيل له (ثم جعلنا له جهنم يصلاها) يدخلها (مذموما) ملولا (مدحورا) مطرودا من رحمة الله .
(ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها) حق السعي لأجلها بفعل ما أمر به وترك ما نهي عنه (وهو مؤمن) إذ لا نفع للعمل بدون الإيمان (فأولئك كان سعيهم مشكورا) مقبولا عند الله مثابا عليه .
(كلا) كل واحد من الفريقين (نمد) نعطي (هؤلاء وهؤلاء) بدل من كلا (من عطاء ربك) رزقه (وما كان عطاء ربك محظورا) ممنوعا في الدنيا من مؤمن ولا كافر .
(أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض) في الرزق والجاه (وللآخرة أكبر) أعظم (درجات وأكبر تفضيلا) من الدنيا .
(لا تجعل مع الله إلها ءاخر فتقعد) فتصير (مذموما) على لسان العقلاء (مخذولا) لا ناصر لك .
(وقضى ربك) أمر أمرا جزما (ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين) وأن تحسنوا (إحسانا) عظيما (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف) فلا تضجر منهما عن الصادق (عليه السلام) أدنى العقوق أف ولو علم الله شيئا أهون منه لنهى عنه (ولا تنهرهما) لا تزجرهما بإغلاظ (وقل لهما قولا كريما) جميلا رفيقا .
(واخفض لهما جناح الذل) الإضافة البيانية أي جناحك الذليل (من الرحمة) من الرقة عليهما (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) كرحمتهما لي بتربيتهما إياي صغيرا فإني عاجز عن مكافاتهما .
(ربكم أعلم بما في نفوسكم) من بر وعقوق (إن تكونوا صالحين) طائعين له (فإنه كان للأوابين) التوابين عن تقصير صدر منهم في حق الوالدين (غفورا) لتقصيرهم أو لذنب كل تائب .
(وءات ذا القربى حقه) من صلة الرحم بالمال والنفس، وعن أهل البيت المراد به قرابة الرسول (والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا) بالإنفاق في غير طاعة الله .
(إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) أتباعهم وعلى سنتهم في الإسراف (وكان الشيطان لربه كفورا) شديد الكفر فكذا متبعه المبذر .
(وإما تعرضن عنهم) عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل إذ لم تجد ما تعطيهم (ابتغاء رحمة من ربك ترجوها) لطلب رزق منه تنتظره أن يأتيك فتعطيهم منه

(فقل لهم قولا ميسورا) لينا أي عدهم وعدا جميلا أو ادع لهم باليسر مثل يرزقنا الله وإياكم .
(ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) لا تقبضها عن الإنفاق كل القبض (ولا تبسطها) فيه (كل البسط فتقعد) فتصير (ملوما) بالإسراف عند الله وغيره (محسورا) نادما أو منقطعا بك أو عريانا .
(إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) يوسعه ويضيقه بمشيئته بحسب المصلحة (إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) عالما بسرهم وعلنهم وما يصلحهم من وسعة وتقتير .
(ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) مخافة فقر (نحن نرزقكم وإياهم إن قتلهم كان خطأ كبيرا) إثما عظيما .
(ولا تقربوا الزنى) نهى عن قربه مبالغة في النهي عنه (إنه كان فاحشة) ظاهر القبح (وساء سبيلا) وبئس طريقا .
(ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) كالقود والردة وحد المحصن (ومن قتل مظلوما) بغير حق (فقد جعلنا لوليه سلطانا) تسلطا على القاتل (فلا يسرف) الولي بتجاوز الحد (في القتل) بالمثلة أو قتل غير القاتل (إنه كان منصورا) من الله بإيجاب القصاص .
(ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي) بالخصلة التي (هي أحسن) لحفظه وتثميره (حتى يبلغ أشده) يصير بالغا رشيدا (وأوفوا بالعهد) إليكم من الله أي تكاليفه أو بما عاهدتموه غيره (إن العهد كان مسئولا) عنه ناكثة أو مطلوبا من العاهد أن يفي به .
(وأوفوا الكيل) أتموه (إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم) بالميزان السوي (ذلك خير وأحسن تأويلا) مآلا ومرجعا .
(ولا تقف) تتبع (ما ليس لك به علم) في العقائد والأعمال (إن السمع والبصر والفؤاد) القلب (كل أولئك) الأعضاء (كان عنه مسئولا).
(ولا تمش في الأرض مرحا) ذا مرح أي مختالا (إنك لن تخرق الأرض) تشقها بكبرك حتى تبلغ آخرهما (ولن تبلغ الجبال طولا) بتطاولك فكيف تختال وأنت بهذه المثابة .
(كل ذلك) المذكور (كان سيئه) المنهي عنه منه (عند ربك مكروها.
ذلك) المذكور (مما أوحى إليك ربك من الحكمة) الكلام المحكم الذي لا دخل فيه للفساد (ولا تجعل مع الله إلها آخر) كرر إيذانا بأن التوحيد رأس الحكمة وملاكها (فتلقى في جهنم ملوما) لنفسك أو غيرها (مدحورا) مطرودا من رحمة الله .
(أفأصفاكم) إنكار لقولهم الملائكة بنات الله أي أخصكم (ربكم بالبنين) الذين هم أشرف الأولاد

(واتخذ) لنفسه (من الملائكة إناثا) بناتا (إنكم لتقولون قولا عظيما) بنسبة الأولاد إليه ثم بتفضيل أنفسكم عليه ثم بجعل أشرف الخلق أخسهم .
(ولقد صرفنا) كررنا الدلائل والعبر (في هذا القرآن ليذكروا) يعتبروا (وما يزيدهم إلا نفورا) عن الحق نسب إليه مجازا أي ازدادوا نفورا عند زواله .
(قل لو كان معه ءالهة كما يقولون إذا لابتغوا) طلبوا (إلى ذي العرش سبيلا) بالمغالبة فعل الملوك بعضهم ببعض أو بالتقرب إليه .
(سبحانه) تنزيها له (وتعالى عما يقولون) بالتاء والياء (علوا كبيرا) تعاليا متباعدا عن صفات الممكنات .
(تسبح له) بالتاء والياء (السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده) ينزهه عما لا يليق بشأنه بلسان الحال والمقال (ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما) من عقوبتكم (غفورا) لمن تاب.
(وإذا قرأت القرءان جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) ساترا أو ذا ستر أو مستورا عن الحس .
(وجعلنا على قلوبهم أكنة) أغطية (أن يفقهوه) كراهة أن يفقهوه (وفي ءاذانهم وقرا) صمما فلا يسمعونه مثل نبو قلوبهم ومسامعهم عن قبوله وأسند إليه تعالى إيذانا بتمكنه منهم كالجبلة (وإذا ذكرت ربك في القرءان وحده) بدون ذكر آلهتهم (ولوا على أدبارهم نفورا) جمع نافر أو مصدر أي نفرة .
(نحن أعلم بما يستمعون به) بسببه من الهزء (إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى) ظرفان لأعلم (إذ يقول الظالمون) في تناجيهم (إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) سحر فذهب عقله أو مخدوعا .
(أنظر كيف ضربوا لك الأمثال) شبهوك بمسحور وساحر وشاعر وكاهن ومجنون (فضلوا) بذلك عن الحق (فلا يستطيعون سبيلا) إليه أو إلى الطعن فيك .
(وقالوا) إنكارا للبعث (أإذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا).
(قل) لهم (كونوا حجارة أو حديدا).
(أو خلقا مما يكبر في صدوركم) يعظم عندكم عن قبول الحياة فضلا عن العظام الرفات فإن الله لا يعجز عن إحيائكم (فسيقولون من يعيدنا) يحيينا (قل الذي فطركم) خلقكم (أول مرة) فإن من قدر على البدء فهو على الإعادة أقدر (فسينغضون إليك) يحركون نحوك (رءوسهم) تعجبا واستهزاء (ويقولون متى هو) أي البعث (قل عسى أن يكون قريبا) فإن ما هو آت قريب .

(يوم يدعوكم) من قبوركم على لسان إسرافيل عند النفخة الثانية (فتستجيبون بحمده) تجيبون حامدين له أو مطاوعين لبعثه مطاوعة الحامد له (وتظنون إن لبثتم) في الدنيا أو في البرزخ (إلا قليلا) لهول ما ترون .
(وقل لعبادي) المؤمنين (يقولوا) للكفار الكلمة (التي هي أحسن) ألين (إن الشيطان ينزغ بينهم) يفسد بينهم بسبب الغلظة فتشتد النفرة (إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا).
(ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم) بفضله (أو إن يشأ يعذبكم) بعدله (وما أرسلناك عليهم وكيلا) فتقرهم على الإيمان وما عليك إلا البلاغ .
(وربك أعلم بمن في السموات والأرض) فيخص كلا منهم بما يليق به وفيه رد لإنكار قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبيا (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) كإبراهيم بالخلة وموسى بالكلام (وءاتينا داود زبورا).
(قل ادعوا الذين زعمتم) أنهم آلهة (من دونه) كالملائكة والعزير والمسيح (فلا يملكون كشف الضر عنكم) كالقحط والمرض (ولا تحويلا) له عنكم إلى غيركم .
(أولئك الذين يدعون) أي يدعونهم آلهة (يبتغون) يطلبون (إلى ربهم الوسيلة) بالقربة بالطاعة (أيهم) هو (أقرب) إليه (ويرجون رحمته ويخافون عذابه) كسائر عباده فكيف تزعمونهم آلهة (إن عذاب ربك كان محذورا) حقيقا بأن يحذر .
(وإن) وما (من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة) بالموت (أو معذبوها عذابا شديدا) بالقتل وغيره (كان ذلك في الكتاب) اللوح المحفوظ (مسطورا) مكتوبا .
(وما منعنا أن نرسل بالآيات) التي اقترحها قريش (إلا أن كذب بها الأولون) لما اقترحوها وأرسلنا إليهم وأهلكناهم وكذا هؤلاء (وءاتينا ثمود الناقة مبصرة) آية واضحة تبصر من تأملها (فظلموا) أنفسهم بها بعقرها أو فكفروا (بها وما نرسل بالآيات) المعجزات (إلا تخويفا) للعباد من عذابنا ليؤمنوا .
(وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس) علما وقدرة فهم في قبضته فبلغهم ولا تخشهم فهو عاصمك منهم (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك) عيانا ليلة الإسراء أو في المنام إذ رأى بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك (إلا فتنة للناس) امتحانا لهم (والشجرة الملعونة في القرآن) عطف على الرؤية وهي بنو أمية (ونخوفهم فما يزيدهم) ذلك (إلا طغيانا كبيرا) عتوا عظيما .
(وإذ قلنا للملائكة

اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس) فسر في البقرة (قال أأسجد لمن خلقت طينا) من طين .
(قال أرأيتك هذا) مفعول أول إذ لا محل لكاف الخطاب (الذي كرمت علي) والمفعول الثاني مقدر أي أخبرني عن هذا الذي فضلته علي بأمري بتعظيمه لم فضلته (لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته) لاستأصلنهم بالإغواء (إلا قليلا) منهم .
(قال) تعالى له (اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم) أنت وهم (جزاء موفورا) مكملا .
(واستفزز) استخف واستنزل (من استطعت منهم بصوتك) بدعائك إلى الشر (وأجلب عليهم بخيلك) فرسانك (ورجلك) اسم جمع للراجل أي أجمع عليهم كيدك وأعوانك (وشاركهم في الأموال) المكتسبة من الحرام والمنفقة فيه (والأولاد) من الزنا (وعدهم) الباطل كنفي البعث أو شفاعة آلهتهم روما (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) باطلا يزينه لهم .
(إن عبادي) الخلص أو مطلقا (ليس لك عليهم سلطان) تسلط إلا من اتبعك باختيار (وكفى بربك وكيلا) حافظا من شرك لمن التجأ إليه .
(ربكم الذي يزجي لكم الفلك) يجريها (في البحر لتبتغوا من فضله) بالتجارة (إنه كان بكم رحيما) حيث سخرها لكم .
(وإذا مسكم الضر) خوف الغرق (في البحر ضل) غاب عن أوهامكم (من تدعون) تعبدون من آلهتكم فلا تدعون (إلا إياه) إذ لا يكشف الضر سواه (فلما نجاكم) من الغرق (إلى البر أعرضتم) عن توحيده (وكان الإنسان كفورا) للنعم .
(أفأمنتم) إنكار عطف على مقدر أي أنجوتم فأمنتم حتى أعرضتم (أن يخسف بكم جانب البر) أي يقلبه وأنتم عليه (أو يرسل عليكم حاصبا) ريحا ترميكم بالحصى والمعنى أن القادر على إغراقكم في البحر قادر على إهلاككم في البر (ثم لا تجدوا لكم وكيلا) حافظا منه .
(أم أمنتم أن يعيدكم فيه) في البحر (تارة أخرى) بأن يحوجكم إلى ركوبه فتركبوه (فيرسل عليكم قاصفا) كاسرا شديدا (من الريح فيغرقكم بما كفرتم) بكفركم (ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا) تابعا مطالبا بثاركم أو دافعا عنكم .
(ولقد كرمنا بني آدم) بالعقل والنطق واعتدال الخلق وتسخير الأشياء لهم وغير ذلك (وحملناهم في البر والبحر) على الدواب والسفن (ورزقناهم من الطيبات) المستلذات (وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) والكثير ما عدا جنس الملائكة أو خواصهم .
(يوم ندعوا كل أناس

بإمامهم) نبيهم أو كتاب أعمالهم، وعنهم (عليهم السلام): إمام زمانهم وأن الأئمة إمام هدى وإمام ضلالة (فمن أوتي كتابه) كتاب عمله (بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم) فرحا بما يرون فيه وجمعوا باعتبار معنى من (ولا يظلمون فتيلا) لا ينقصون من حقهم قدر ما في شق النواة .
(ومن كان في هذه) أي الدنيا (أعمى) القلب عن الحق (فهو في الآخرة أعمى) عن طريق الجنة أو أعمى العين فلا يقرأ كتابه وقيل هو للتفضيل (وأضل سبيلا) وأبعد طريقا عن الحق .
(وإن) مخففة أي الشأن (كادوا) قاربوا (ليفتنونك) يستنزلونك واللام فارقة (عن الذي أوحينا إليك) من الأحكام (لتفتري علينا غيره) غير ما أوحينا إليك (وإذا) لو اتبعت مرادهم (لاتخذوك خليلا) وليا لهم .
(ولو لا أن ثبتناك) على الحق بالعصمة (لقد كدت تركن) تميل (إليهم شيئا) ركونا (قليلا) لكن عصمناك فلم تقارب الركون فضلا عن أن تركن إليهم .
(إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) ضعف عذاب الدنيا وضعف عذاب الآخرة أي مثل ما يعذب غيرك في الدارين (ثم لا تجد لك علينا نصيرا) دافعا عنك .
(وإن) مخففة (كادوا) أي أهل مكة (ليستفزونك) ليزعجونك (من الأرض) أرض مكة (ليخرجوك منها وإذا) لو أخرجوك (لا يلبثون خلافك) فيها وقرىء خلفك (إلا قليلا) زمانا يسيرا وقد كان ذلك وهو قتلهم ببدر بعد هجرته بسنة .
(سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا) أي كسنتنا في رسلنا من إهلاك من أخرجهم (ولا تجد لسنتنا تحويلا) تبديلا .
(أقم الصلاة لدلوك الشمس) زوالها من الدلك لأن الناظر إليها يدلك عينيه ليتبينها واللام بمعنى الوقت (إلى غسق الليل) ظلامه وهو وقت العشاءين، وعنهم (عليهم السلام): دلوكها زوالها ففيما بينه إلى غسق الليل وهو انتصافه أربع صلوات.
(وقرءان الفجر) صلاة الصبح وتسميتها قرآنا لتضمنها له كتسميتها ركوعا وسجودا (إن قرءان الفجر كان مشهودا) يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار .
(ومن الليل) بعضه (فتهجد به) فدع الهجود للصلاة بالقرآن (نافلة لك) خاصة زيادة على الفرائض أو فضيلة لك تخصك (عسى أن يبعثك ربك) يقيلك في الآخرة (مقاما محمودا) يحمدك فيه الأولون والآخرون وهو مقام شفاعة .
(وقل رب أدخلني) فيما حملتني من الرسالة بأدائها أو من مكة أو عند البعث (مدخل صدق) إدخالا مرضيا (وأخرجني) من أعباء الرسالة بأدائها أو من مكة عند البعث (مخرج صدق) إخراجا لا أرى فيه مكروها (واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) قوة تنصرني بها على أعدائك أو ملكا أقهر به العصاة فنصره بالرعب من مسيرة شهر .
(وقل جاء الحق) الإسلام (وزهق الباطل) الشرك (إن الباطل كان زهوقا) مضمحلا زائلا .
(وننزل من القرءان ما هو شفاء) من الأمراض الروحانية كالعقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة والجسمانية ببركة تلاوته للاستشفاء (ورحمة للمؤمنين) خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون به (ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) لكفرهم به .
(وإذا أنعمنا على الإنسان) بالصحة والغنى (أعرض) عن ذكرنا (ونأى بجانبه) بعد بنفسه عنه وثنى عطفه

مستكبرا وقرىء ناء على القلب أو بمعنى نهض (وإذا مسه الشر) كمرض أو فقر (كان يئوسا) قنوطا من روح الله .
(قل كل) من المؤمن والكافر (يعمل على شاكلته) خليقته التي تخلق بها أو طريقته التي اعتادها (فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) أوضح طريقا وأصوب دينا .
(ويسألونك عن الروح) التي يحيى بها بدن الإنسان (قل الروح من أمر ربي) حصل بإرادته المعبر عنها ب كن بلا مادة أو حدث بتكوينه على أن سؤالهم عن قدمه وحدوثه أو بعلمه الذي استأثر به لما قيل أن اليهود قالوا لقريش سلوه عن الروح فإن أجاب فليس نبيا وإن أبهم كما في التوراة فهو نبي وقيل الروح القرآن من أمر ربي من وحيه، وعنهم (عليهم السلام): الروح خلق أعظم من جبرائيل وميكائيل يكون مع النبي والأئمة يسددهم (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) وفوق كل ذي علم عليم .
(ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) أي القرآن بأن نمحوه من الصدور والمصاحف (ثم لا تجد لك به علينا وكيلا).
(إلا رحمة من ربك) متصل كأن رحمته تعالى تتوكل بالرد أو منقطع أي ولكن رحمة من ربك أبقته عليك (إن فضله كان عليك كبيرا) بإرسالك وإنزال القرآن وإبقائه عليك وغير ذلك .
(قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان) في الفصاحة والبلاغة (لا يأتون بمثله) وفيهم الفصحاء والبلغاء (ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) معينا نزلت ردا لقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا .
(ولقد صرفنا) كررنا وبينا (للناس في هذا القرءان من كل مثل) ليعتبروا (فأبى أكثر الناس إلا كفورا) جحودا وسوغ الاستثناء معنى النفي .
(وقالوا) اقتراحا (لن نؤمن لك حتى تفجر) بالتشديد والتخفيف (لنا من الأرض) أرض مكة (ينبوعا) عينا ينبع ماؤها .
(أو تكون لك جنة) بستان (من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها) وسطها (تفجيرا).
(أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا) حال كقطع لفظا ومعنا (أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) كفيلا بما تدعي أو مقابلة وعيانا .
(أو يكون لك بيت من زخرف) ذهب (أو ترقى في السماء) مراقيها (ولن نؤمن لرقيك) لو فعلته (حتى تنزل علينا) منها (كتابا) يصدقك (نقرؤه قل سبحان ربي) تعجبا من تحكمهم أو تنزيها له منه (هل) ما (كنت إلا بشرا رسولا) كسائر الرسل .
(وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى) الحجج البينة (إلا أن قالوا) إلا قالوا إنكارا (أبعث الله بشرا رسولا) وهلا بعث ملكا .
(قل) جوابا لهم (لو كان في الأرض ملائكة يمشون) كالبشر (مطمئنين) قاطنين (لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) إذ لا بد من تجانس الرسل للمرسل إليهم ليمكنهم إدراكه أو التلقي منه وأما إرسال الملك إلى النبي فلتمكنه من ذلك لقوة نفسه .
(قل كفى بالله شهيدا بيني

وبينكم) على صدقي بإظهار المعجز الدال عليه (إنه كان بعباده خبيرا بصيرا).
(ومن يهدي الله) بلطفه أو يحكم بهديه (فهو المهتد) وقرىء بالياء (ومن يضلل) يمنعه اللطف أو يحكم بضلاله (فلن تجد لهم أولياء من دونه) يهدونهم (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم) يسحبون عليها أو يمشيهم الله عليها بقدرته (عميا) لا يرون ما يسرهم (وبكما) لا ينطقون بما ينفعهم (وصما) لا يسمعون ما يمنعهم وقيل يحشرون من الموقف إلى النار موفى الحواس (ومأواهم جهنم كلما خبت) سكن لهبها بإفنائهم (زدناهم سعيرا) تلهبا واشتعالا بهم بإعادتهم .
(ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا) إنكارا للبعث (أإذا كنا عظاما ورفاتا أءنا لمبعوثون خلقا جديدا).
(أولم يروا) يعلموا (أن الله الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم) أي يعيدهم فالقادر على الأعظم قادر على الأدون (وجعل لهم أجلا لا ريب فيه) هو الموت أو البعث (فأبى الظالمون إلا كفورا) جحودا للحق .
(قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي) رزقه وسائر نعمه (إذا لأمسكتم) بخلا (خشية الإنفاق) خوف النفاد بالإنفاق (وكان الإنسان قتورا) بخيلا .
(ولقد ءاتينا موسى تسع ءايات بينات) هي العصا واليد واللسان والبحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وقيل الحجر والطمس بدل اليد واللسان وقيل السنون ونقص الثمرات بدل البحر واللسان (فاسئل بني إسرائيل) عما جرى لموسى وفرعون (إذ جاءهم) وعن الآيات ليظهر للمشركين صدقك (فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا) سحرت فخولط عقلك .
(قال لقد علمت) يا فرعون (ما أنزل هؤلاء) أي الآيات (إلا رب السموات والأرض بصائر) حججا تبصرك صدقي ولكنك تعاند (وإني لأظنك يا فرعون مثبورا) هالكا أو مصروفا عن الخير .
(فأراد) فرعون (أن يستفزهم) يزعج موسى وقومه بالنفي أو القتل (من الأرض) أرض مصر (فأغرقناه ومن معه جميعا) جمعا عارضناه بنقيض مراده .
(وقلنا من بعده لبني إسرائيل أسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة) أي قيام الساعة (جئنا بكم لفيفا) مختلطين أنتم وهم للحكم والجزاء .
(وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) أي ما أردنا بإنزال القرآن إلا تركيز الحق في مركزه وما نزل إلا بالدعاء إلى الحق (وما أرسلناك إلا مبشرا) من أطاع بالجنة (ونذيرا) من عصى بالنار.
(وقرءانا فرقناه) أنزلناه مفرقا نجوما في نحو عشرين سنة أو فرقنا به الحق من الباطل فحذفت الجار (لتقرأه على)

(الناس على مكث) بالضم مهل وتثبت كي يسهل فهمه وحفظه (ونزلناه تنزيلا) منجما على حسب المصالح .
(قل ءامنوا به أو لا تؤمنوا) تهديد (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم) القرآن (يخرون للأذقان) يسقطون على وجوههم (سجدا) تذللا وخضوعا لله تعالى .
(ويقولون سبحان ربنا) تنزيها له عن خلف الوعد (إن) مخففة (كان وعد ربنا) بإنزاله وبعث محمد في كتبنا (لمفعولا) منجزا واللام فارقة .
(ويخرون للأذقان) كرر إيذانا بتكرير الفعل منهم ولتقييد الثاني بالحال وهي (يبكون) من خوف الله (ويزيدهم) القرآن (خشوعا) لين قلب وتواضع لله تعالى .
(قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) نزلت حين قال المشركون وقد سمعوه (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول: يا الله يا رحمان نهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلهين أو قالت اليهود إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثره الله في التوراة (أياما) أي هذين الاسمين (تدعوا) تسموا فهو حسن (فله) أي للمسمى بهما (الأسماء الحسنى) الدالة على صفات الجلال والإكرام وهذان منها (ولا تجهر بصلاتك) لا ترفع بها صوتك شديدا بحيث لا تعد مصليا (ولا تخافت بها) بحيث لا تسمع أذنيك فلا تعد قارئا (وابتغ بين ذلك) الجهر والمخافتة (سبيلا) وسطا .
(وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك) الألوهية (ولم يكن له ولي) يواليه (من الذل) من أجل ذل به ليدفعه بموالاته أي لم يذل فيحتاج إلى ناصر (وكبره تكبيرا) عظمه تعظيما وكان (صلى الله عليه وآله وسلّم) يعلم أهله هذه الآية.


سورة الكهف

(18) سورة الكهف مائة وعشرة آيات (110) مكية
إلا واصبر نفسك الآية.
بسم الله الرحمن الرحيم
(الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) القرآن (ولم يجعل له عوجا) باختلال الألفاظ وتناقض المعنى .
(قيما) مستويا لا تناقض فيه أو قيما بمصالح العباد أو على الكتب مصدقا لها وانتصابه بمقدر أي جعله قيما أو على الحال من الكتاب (لينذر) كفار قريش (بأسا) عذابا (شديدا من لدنه) صادرا من عنده (ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا) هو الجنة بدليل .
(ماكثين فيه أبدا) لا إلى نهاية .
(وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا) كرر الإنذار مخصصا بهم لعظم كفرهم وحذف المنذر به لسبق ذكره .
(ما لهم به من علم) وإنما صدر عن جهل وتقليد (ولا لآبائهم) القائلين به من قبلهم (كبرت) عظمت مقالتهم هذه أو الضمير مبهم يفسره (كلمة) وهي تمييز (تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا).
(فلعلك باخع) قاتل (نفسك
على آثارهم) بعد توليهم عنك (إن لم يؤمنوا بهذا الحديث) القرآن (أسفا) على إيمانهم .
(إنا جعلنا ما على الأرض) ومن المواليد الثلاثة وغيرها (زينة لها) لأهلها (لنبلوهم) لنختبرهم (أيهم أحسن عملا) فيه وهو الأزهد فيه ومن لا يغتر به .
(وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا) أرضا مستوية (جرزا) لا نبات فيها .
(أم) بل (حسبت أن أصحاب الكهف) هم فتية هربوا من ملكهم إلى كهف وكان جبارا عاتيا (والرقيم) هو لوح من رصاص رقم فيه حديثهم وأسماؤهم أو اسم الوادي أو الجبل الذي فيه كهفهم أو قريتهم (كانوا من آياتنا عجبا) أي ما كانوا عجبا فإن خلق السموات والأرض وما فيهن أعجب .
(إذ أوى) التجأ (الفتية إلى الكهف) هربا بدينهم من دقيانوس وقد ادعى الربوبية وكانوا من خواصه ويسرون الإيمان (فقالوا ربنا ءاتنا من لدنك رحمة) مغفرة ورزقا وأمنا (وهيىء لنا من أمرنا رشدا) نكون به راشدين .
(فضربنا على ءاذانهم) ألقينا عليهم النعاس (في الكهف سنين عددا) ذوات عدد .
(ثم بعثناهم) أيقظناهم (ليعلم) ليظهر معلومنا أو لنعلم واقعا ما علمنا أنه سيقع (أي الحزبين) المختلفين في مدة لبثهم من الكتابيين والمؤمنين (أحصى) فعل ماض أي ضبط (لما لبثوا) للبثهم حال من المفعول وهو (أمدا) غاية .
(نحن نقص عليك نبأهم بالحق) بالصدق (إنهم فتية) شباب (ءامنوا بربهم وزدناهم هدى) بالتثبت .
(وربطنا على قلوبهم) قويناها بالألطاف فأظهروا الحق وصبروا على المشاق (إذ قاموا) بين يدي دقيانوس أو خلف المدينة (فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا) قولا ذا شطط أي بعد مفرط عن الحق أن دعونا إلها غيره .
(هؤلاء) مبتدأ (قومنا اتخذوا من دونه ءالهة لو لا) هلا (يأتون عليهم) على عبادتهم (بسلطان بين) بحجة ظاهرة (فمن) أي لا أحد (أظلم ممن افترى على الله كذبا) بنسبة الشريك إليه .
(وإذ اعتزلتموهم) خطاب بعضهم لبعض (وما يعبدون) ومعبوديهم (إلا الله) فإنهم كانوا يعبدونه والأصنام (فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته) يبسطها لكم في الدارين (ويهيىء) يسهل (لكم من أمركم مرفقا) ما ترتفقون به أي تنتفعون .
(وترى الشمس) لو رأيتها (إذا طلعت تزاور) تميل عنه (عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم) تقطعهم وتجوزهم (ذات الشمال) فلا تصيبهم فتؤذيهم لأن باب الكهف كان مستقبلا للقطب الشمالي فتميل عنهم طالعة وغاربة أو لأن الله أمالها عنهم (وهم في فجوة منه) متسع من الكهف ينالهم النسيم (ذلك) المذكور (من آيات الله) دلائل قدرته (من يهد الله) بلطفه (فهوالمهتد) كأهل الكهف (ومن يضلل) يخذله (فلن تجد له

وليا مرشدا).
(وتحسبهم أيقاظا) ترى أعينهم مفتوحة أو لتقلبهم (وهم رقود) نيام (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) لئلا تأكلهم الأرض (وكلبهم) واسمه قطمير كلب راع مروا به فتبعهم فطردوه فقال أنا أحب أولياء الله فناموا حتى أحرسكم (باسط ذراعيه) حكاية حال ماضية ولذا عمل (بالوصيد) بفناء الكهف أو العتبة أو الباب لم ينم ولم يقم وقيل هو مثلهم في النوم والتقلب (لو اطلعت عليهم) ورأيتهم (لوليت منهم فرارا) هربت منهم (ولملئت منهم رعبا) خوفا لهيبة ألبسهم الله إياها أو لعظم إجرامهم وانفتاح عيونهم .
(وكذلك) كما أنمناهم بقدرتنا (بعثناهم) أيقظناهم (ليتساءلوا بينهم) عن مدة لبثهم فيعرفوا صنع الله بهم فيزدادوا يقينا (قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم) ظنا منهم إذ لا ضبط للنائم (قالوا ربكم أعلم بما لبثتم) وقيل دخلوا الكهف غدوة وبعثوا عصرا فظنوه يومهم أو الذي بعده فترددوا فيهما فلما رأوا تغير أحوالهم قالوا هذا ثم أخذوا في فهم آخر وقالوا (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه) الورقة الفضة مضروبة أم لا (إلى المدينة فلينظر أيها) أي أهلها (أزكى طعاما) أحل وأطيب (فليأتكم برزق منه وليتلطف) في التخفي لئلا يعرف (ولا يشعرن بكم أحدا).
(إنهم إن يظهروا) يطلعوا (عليكم يرجموكم) يقتلوكم بالرجم (أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا) إن عدتم في ملتهم .
(وكذلك) كما أنمناهم وبعثناهم (أعثرنا) أطلعنا (عليهم) أهل المدينة (ليعلموا) أي المطلعون عليهم (أن وعد الله) بالبعث (حق) فإن من قدر على إنامتهم وإيقاظهم قدر على الموت والبعث (وأن الساعة) القيامة (لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم) أمر دينهم من بعث الأرواح فقط أو مع الأجساد أو أمر الفتية فقيل ماتوا وقيل ناموا (فقالوا) أي الكفار (ابنوا عليهم) حولهم (بنيانا) يسترهم من الناس (ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم) أمر الفتية وهم المؤمنون (لنتخذن عليهم مسجدا) يصلي فيه بنوه في جهة باب الكهف .
(سيقولون) أي المتنازعون في عدهم هم (ثلاثة رابعهم كلبهم) قاله اليعقوبية من نصارى نجران (ويقولون خمسة سادسهم كلبهم) قاله النسطورية منهم (رجما بالغيب) ظنا فيما غاب عنهم مفعول له أو مصدر يرجع إلى القولين (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) هو قول المؤمنين علموه من النبي لرد الأولين ولزيادة الواو وهو مروي عن علي (عليه السلام) (قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل) كالنبي وأوصيائه (فلا تمار فيهم) لا تجادل في شأن الفتية (إلا مراء ظاهرا) وهو أن تتلوا عليهم ما أوحي إليك بلا تعنيف (ولا تستفت فيهم منهم أحدا) لا تسأل أحدا من أهل الكتاب عنهم فإن فيما أوحينا إليك كفاية .
(ولا تقولن لشيء) لأجل شيء تعزم (إني فاعل ذلك غدا) أي فيما يستقبل .
(إلا أن يشاء الله) إلا متلبسا بمشيئته قائلا إن شاء الله

(و اذكر ربك) أي مشيئته مستثنيا بها (إذا نسيت) الاستثناء ثم ذكرته وروي ولو بعد سنة أو المعنى اذكره بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت الاستثناء أو اذكره إذا اعتراك نسيان ليذكرك المنسي ولعل الخطاب من باب إياك أعني (وقل عسى أن يهدين) بالياء وبدونها (ربي لأقرب من هذا) من بناء أهل الكهف (رشدا) أي لما هو أظهر منه دلالة على نبوتي وقد فعل .
(ولبثوا في كهفهم) نياما (ثلاثمائة) بالتنوين وبدونه (سنين) بدل وأضافها بعض على وضع الجمع موضع الواحد (وازدادوا تسعا) تسع سنين وإنما فصل لأن اللبث ثلاثمائة بسني الشمس وزيادة التسع بسني القمر وروي سأل يهودي عليا (عليه السلام) عن ذلك فأخبره بما في القرآن فقال في كتبنا ثلاثمائة فقال (عليه السلام) ذلك بسني الشمس وهذا بسني القمر .
(قل الله أعلم بما لبثوا) فخذوا بما أخبر به ودعوا قول أهل الكتاب.
(له غيب السموات والأرض أبصر به) أي بالله (وأسمع) به صيغتا تعجب أي ما أبصره وأسمعه والهاء فاعل والباء زائدة (ما لهم) لأهل السموات والأرض (من دونه من ولي) يتولى أمورهم (ولا يشرك في حكمه) في قضائه (أحدا) منهم .
(واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته) لا أحد يقدر على تبديلها (ولن تجد من دونه ملتحدا) ملجأ .
(واصبر نفسك) احبسها (مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) في عامة أوقاتهم (يريدون وجهه) رضاه (ولا تعد عيناك عنهم) لا تجاوزهم نظرك إلى غيرهم من الأغنياء الكفرة الذين دعوك إلى طردهم حتى يؤمنوا (تريد زينة الحياة) حال من الكاف أي مريدا مجالسة الأشراف طمعا في إيمانهم (الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه) نسبناه إلى الغفلة أو وجدناه غافلا (عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) متقدما على الحق .
(وقل) الدين (الحق) حصل (من ربكم) أو هذا القرآن الحق منزلا من ربكم (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) تهديد لهم يفيد أنه تعالى لا ينفعه إيمانهم ولا يضره كفرهم (إنا أعتدنا للظالمين) الكافرين (نارا أحاط بهم سرادقها) فسطاطها شبه به النار المحيطة بهم أو دخانها ولهبها أو حائط من نار (وإن يستغيثوا) من العطش (يغاثوا بماء كالمهل) كالنحاس المذاب أو كدردي الزيت (يشوي الوجوه) لحره (بئس الشراب) هو (وساءت) النار (مرتفقا) متكأ مقابل حسنت مرتفقا .
(إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا) منهم .
(أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور) جمع أسورة وهي جمع سوار (من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا) وهي أبهى الألوان من (سندس) ما رق من الديباج (وإستبرق) ما غلظ منه (متكئين فيها على الأرائك) كهيئة الملوك جمع أريكة وهي سرير في الحجلة وهي بيت زين للعروس (نعم الثواب) الجنة (وحسنت) الأرائك (مرتفقا) متكأ .

(و اضرب لهم مثلا) للكافر والمؤمن (رجلين) بدل وهما أخوان من بني إسرائيل كافر ومؤمن ورثا من أبيهما مالا فاشترى الكافر به ضياعا وعقارا وتصدق المؤمن به (جعلنا لأحدهما جنتين) بستانين (من أعناب) كروم (وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا) فهما جامعتان للفواكه والأقوات والمنافع المتواصلة .
(كلتا الجنتين ءاتت أكلها) ثمرها (ولم تظلم) تنقص (منه شيئا) بل أدته تماما (وفجرنا خلالهما) وسطهما (نهرا) يسقيهما بسهولة ويزيدهما نضارة .
(وكان له) مع جنته (ثمر) أموال مثمرة نامية (فقال لصاحبه) المؤمن (وهو يحاوره) يراجعه الكلام (أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا) رهطا أو خدما أو ولدا .
(ودخل جنته) بصاحبه يريه ما فيها ويفاخره وأفرد الجنة لأنها في حكم الواحدة لتواصلهما (وهو ظالم لنفسه) بكفره (قال ما أظن أن تبيد) تفنى (هذه) الجنة (أبدا) اغترارا بما هو فيه .
(وما أظن الساعة قائمة) كائنة (ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا) مرجعا أقسم على ذلك اعتقادا أنه إنما أعطاه الله ذلك لاستحقاقه له فهو يجده حيث كان .
(قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب) لأنه مادة أصله آدم أو النطفة (ثم من نطفة) نطفة مادته القريبة (ثم سواك) عدلك وكملك (رجلا) إشارة إلى أن القادر على البدء أقدر على الإعادة .
(لكنا) لكن أنا حذفت الهمزة وأدغمت النون في النون (هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا).
(ولو لا) وهلا (إذ دخلت جنتك) وأعجبت بها (قلت ما شاء الله) أي الأمر ما شاء الله أو ما شاء كائن (لا قوة إلا بالله) اعترافا بأنك إنما عمرتها بالله لا بقوتك (إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا).
(فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك) عاجلا أو آجلا (ويرسل عليها حسبأنا من السماء) جمع حسبأنة سهم صغير يعني الصواعق أو مصدر بمعنى الحساب أي الحكم بتخريبها أو عذاب حساب ما كسبت (فتصبح صعيدا زلقا) أرضا ملساء يزلق عليها القدم .
(أو يصبح ماؤها غورا) غائرا (فلن تستطيع له طلبا) حيلة ترده بها .
(وأحيط بثمره) أهلكت أمواله وخبأت من أحاط به العدو أهلكه (فأصبح يقلب كفيه) تحسرا وندما (على ما أنفق فيها) في عمارها (وهي خاوية) ساقطة (على عروشها) دعائم كرومها سقطت وسقط عليها الكروم (ويقول) يا قوم (ليتني لم أشرك بربي أحدا).
(ولم تكن له فئة) جماعة (ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا) ممتنعا بقوته .
(هنالك) في ذلك المقام أو يوم القيامة (الولاية) بفتح الواو النصرة وبكسرها الملك

(لله الحق) وحده (هو خير ثوابا) من ثواب غيره (وخير عقبا) عاقبة للمؤمنين .
(واضرب لهم مثل الحياة الدنيا) صفتها هي (كماء أنزلناه من السماء فاختلط به) فالتفت بسببه (نبات الأرض) أو امتزج الماء بالنبات (فأصبح هشيما) كسر مهشوما (تذروه الرياح) تطيره وتذهبه شبهت بنبات أخضر بالماء فيبس فتفتت فأذهبته الرياح (وكان الله على كل شيء مقتدرا) قادرا .
(المال والبنون زينة الحيوة الدنيا) يتزين بهما (والباقيات الصالحات) الطاعات لله الباقي ثوابها وفسرت بصلاة الخمس ومودة أهل البيت والتسبيحات الأربع (خير عند ربك ثوابا) من المال والبنين (وخير أملا) لنيل فاعلهما ما يأمله فيها .
(ويوم نسير الجبال) في الجو كالسحاب أو نذهب بها فنعدمها (وترى الأرض بارزة) لا يسترها جبل ولا غيره أو بارزة ما في بطنها (وحشرناهم) جمعناهم إلى الموقف وجاء ماضيا لتحققه (فلم نغادر) نترك (منهم أحدا) من الأولين والآخرين .
(وعرضوا على ربك صفا) مصطفين لا يحجب بعضهم بعضا (لقد جئتمونا) بتقدير القول (كما خلقناكم أول مرة) لا شيء معكم من المال والولد (بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا) للبعث .
(ووضع الكتاب) جنسه أي صحائف الأعمال في الأيمان والشمائل أو هو كناية عن الحساب (فترى المجرمين مشفقين) خائفين (مما فيه) من السيئات (ويقولون يا ويلتنا) هلكنا دعاء على أنفسهم بالهلاك (مال هذا الكتاب) تعجبا من شأنه (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا) مكتوبا كأنهم فعلوه تلك الساعة (ولا يظلم ربك أحدا) لا يزيد عقاب مسيء ولا ينقص ثواب محسن .
(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس) ذكر القصة تقريرا للتشنيع على أهل الكبر بأنه من سنن إبليس (كان من الجن ففسق عن أمر ربه) خرج عن طاعته (أفتتخذونه وذريته) بنيه وأتباعه (أولياء من دوني وهم لكم عدو) وأنا لكم ولي (بئس للظالمين بدلا) من الله إبليس وأتباعه .
(ما أشهدتهم) أي إبليس وذريته (خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم) لم أستعن بهم على ذلك (وما كنت متخذ المضلين عضدا) أعوانا في الخلق فكيف تطيعونهم .
(ويوم يقول) الله للمشركين وقرىء بالنون (بادوا شركائي) أضيف على زعمهم توبيخا (الذين زعمتم) أنهم شركاء ليشفعوا لكم (فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم) بين الكفار وآلهتهم (موبقا) مهلكا يعم جميعهم من وبق هلك أو جعلنا توصلهم الدنيوي هلاكا في الآخرة.

(و رأى المجرمون النار فظنوا) أيقنوا (أنهم مواقعوها) واقعون فيها (ولم تجدوا عنها مصرفا) معدلا .
(ولقد صرفنا) بينا (في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان) الكافر (أكثر شيء جدلا) خصومة بالباطل وهو تمييز .
(وما منع الناس أن يؤمنوا) من الإيمان (إذ جاءهم الهدى) الدلالة البينة (ويستغفروا ربهم إلا) طلب (أن تأتيهم سنة الأولين) من الإهلاك (أو يأتيهم العذاب) بالسيف أو في الآخرة (قبلا) عيانا أو بضمتين جمع قبيل أي أنواعا .
(وما نرسل المرسلين إلا مبشرين) للمطيعين (ومنذرين) للعاصين (ويجادل الذين كفروا بالباطل) من إنكار إرسال البشر ونحوه (ليدحضوا به الحق) ليبطلوا أو يزيلوا بجدالهم الحق (واتخذوا ءاياتي) أي القرآن (وما أنذروا) من النار (هزوا) استهزاء.
(و من أظلم ممن ذكر بآيات ربه) بالقرآن (فأعرض عنها) ولم يتعظ بها (ونسي ما قدمت يداه) ما عمل من الكفر والمعاصي (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة) أغطية (أن يفقهوه) كراهة أن يفهموا القرآن (وفي ءاذانهم وقرا) صمما فلا يسمعونه مثل لنبو قلوبهم ومسامعهم عن قبوله وأسند إليه تعالى إيذانا بتمكنه منهم كالجبلة (وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا) وقد وقع ما أخبر به فماتوا كفارا .
(وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب) في الدنيا (بل لهم موعد) وهو يوم القيامة (لن يجدوا من دونه موئلا) منجى وملجأ .
(وتلك القرى) أي أهلها كعاد وثمود وغيرهم (أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا) وقتا معلوما .
(وإذ) أذكر إذ (قال موسى لفتاه) يوشع بن نون سمي فتاه لأنه كان يتبعه ويخدمه (لا أبرح) لا أزال أسير حذف الخبر لدلالة حال السفر عليه أو لا أزول عما أنا عليه من السير (حتى أبلغ مجمع البحرين) ملتقى بحري فارس والروم (أو أمضي حقبا) أسير دهرا طويلا .
(فلما بلغ مجمع بينهما) موضع اجتماع البحرين (نسيا حوتهما) تركاه أو ضل عنهما أو نسي موسى تعرف حاله ويوشع أن يحمله (فاتخذ) الحوت (سبيله في البحر سربا) مسلكا قيل أمسك الله جري الماء من الحوت فصار كالكوة لا يلتئم .
(فلما جاوزا) ذلك المكان بالسير إلى وقت الغداء من ثاني يوم (قال لفتاه ءاتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا

هذا نصبا) تعبا .
(قال أرأيت) ما وقع (إذ أوينا إلى الصخرة) بذلك المكان (فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) بدل اشتمال (واتخذ سبيله في البحر عجبا) سبيلا يتعجب منه موسى وفتاه وقيل مصدر أضمر فعله ختم به كلامه أو أجابه موسى تعجبا من ذلك وقيل اتخذ موسى سبيل الحوت عجبا .
(قال) موسى (ذلك) أي فقد الحوت (ما كنا نبغ) لأنه علامة لمن تطلبه (فارتدا على ءاثارهما) رجعا في الطريق الذي جاءا فيه يقتصان (قصصا .
فوجدا عبدا من عبادنا) هو الخضر (ءاتيناه رحمة) نبوة (من عندنا) أو ولاية (وعلمناه من لدنا علما) من علم الغيب .
(قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن) بدون الياء وبها (مما علمت رشدا) علما فأرشد .
(قال إنك لن تستطيع معي صبرا) وقرىء بفتح ياء معي في الثلاث أي يشق عليك لأن كلا منا يعلم ما لا يعلمه الآخر وموكل بأمر لا يطيقه الآخر .
(وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) وظاهره منكر عندك ولا تعلم باطنه .
(قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا) تأمرني به .
(قال فإن اتبعتني فلا تسئلني عن شيء) تنكره (حتى أحدث لك منه ذكرا) أبتدئك بتفسيره .
(فانطلقا) يمشيان على الساحل (حتى إذا ركبا في السفينة) التي مرت بهما (خرقها) الخضر بأن قلع لوحا منها بفأس (قال) موسى (أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا) عظيما منكرا .
(قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا).
(قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني) تكلفني (من أمري عسرا) مشقة بل عاملني باليسر والمسامحة .
(فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما) يلعب مع الصبيان (فقتله) أضجعه فذبحه أو اقتلع رأسه بيده أو ضربه برجله فمات (قال أقتلت نفسا زكية) طاهرة من الذنوب (بغير نفس) بغير قود وقرىء زاكية (لقد جئت شيئا نكرا) منكرا .
(قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا) زاد فيه على ما قبله تأكيدا لتكرر الإنكار منه .
(قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني) من قبلي (عذرا) في مفارقتك .
(فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية) هي أنطاكية أو أيلة وعن الصادق (عليه السلام) هي ناصرة (استطعما أهلها) سألاهم الطعام ضيافة وكرر الأهل لئلا يلزم خلو الصفة من ضمير الموصوف إذ استطعما صفته وجملة قال جواب ولم يحذف من الأول فيقال أتيا قرية إشعارا بأن المقصود إتيان الأهل لا القرية ويمكن أن يقال تكرير الأهل للتصريح بأن من استطعماه من أهل القرية لا الغرباء الموجودين فيها تنصيصا على قبح فعلهم أو المراد بالأهل الثاني غير الأول

(فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض) يقرب أن يسقط استعيرت الإرادة للمشارفة بميلانه (فأقامه) رفعه بيده فقام أو نقضه وبناه (قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا) جعلا نسد به جوعنا حيث لم يضيفونا .
(قال هذا فراق بيني وبينك) أي هذا الإنكار سبب الفراق أو هذا وقته (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا).
(أما السفينة فكانت لمساكين) عشرة خمسة زمنى وخمسة (يعملون في البحر) يتكسبون فيه بالسفينة (فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك) قدامهم أو خلفهم ورجوعهم عليه (يأخذ كل سفينة) صحيحة (غصبا) قيل مقتضى الظاهر أن تتأخر .
(فأردت أن أعيبها) عن (وكان وراءهم) لأن إرادة التعقيب سبب عن خوف الغصب لكنه قدم لأن السبب مجموع الأمرين خوف الغصب ومسكنة الملاك فرتبه على أقوى الجزءين وعقبه بالآخر على جهة التتميم (وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين) وقرىء وهو طبع كافرا وقرىء فكان كافرا وأبواه مؤمنين (فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا) باتباعهما له بحبهما له وقيل فخشينا قول الله أي فعلمنا أو كرهنا .
(فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكوة) طهارة وصلاحا (وأقرب رحما) رحمة بأبويه قال الصادق (عليه السلام) أبدلهما الله جارية فولدت سبعين نبيا .
(وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما) من ذهب وفضة وروي من كتب العلم وروي لوح من ذهب فيه كلمات علم (وكان أبوهما صالحا) فحفظنا بصلاحه (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما) أي الحلم وإيناس الرشد (ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري) بل بأمر الله (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) أي تستطع حذفت التاء تخفيفا .
(ويسئلونك) أي اليهود أو قريش (عن ذي القرنين) عن علي (عليه السلام) كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه فأمر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه فغاب ثم رجع فدعاهم فضربوه على قرنه الآخر وقيل لأنه ملك فارس والروم أو المشرق والمغرب أو كان له قرنان أي ضفيرتان أو انقرض في وقته قرنان (قل سأتلوا عليكم منه ذكرا).
(إنا مكنا له) أمره (في الأرض وءاتيناه من كل شيء) يحتاج إليه (سببا) طريقا يوصله إلى مراده .
(فأتبع سببا) فاتخذ طريقا نحو المغرب .
(حتى إذا بلغ مغرب الشمس) أي آخر العمارة من جانب المغرب (وجدها تغرب في عين حمئة) ذات حمئة وهي الطين الأسود وقرىء حامية أي حارة ولعلها جمعت الوصفين فلا تنافي بين القراءتين وغروبها في بحر العين وهو البحر المحيط في رأي العين (ووجد عندها قوما) كفارا (قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب) القوم بالقتل بكفرهم (وإما أن تتخذ فيهم حسنا) بالهداية إلى الإيمان وقيل بالأسر .
(قال أما من ظلم) بالإصرار على كفره (فسوف نعذبه) في الدنيا (ثم يرد إلى ربه) في الآخرة (فيعذبه عذابا نكرا) منكرا غير معهود .

(وأما من ءامن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى) فعلته الحسنى أو الإضافة بيانية وقرىء بالتنوين منصوبا حالا (وسنقول له من أمرنا) بما تأمرنا به (يسرا) ذا يسر أي تأمره بما يسهل عليه .
(ثم أتبع سببا) أخذ طريقا نحو المشرق .
(حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا) من لباس ولا بناء لأنهم لم يعلموا صنعة البيوت أو لأن أرضهم لا تحمل بناء ولهم أسراب يغيبون فيها عند طلوع الشمس ويظهرون عند غروبها .
(كذلك) أي أمر ذي القرنين كما حكينا (وقد أحطنا بما لديه) من الجند والعدة والأسبأب (خبرا) علما .
(ثم أتبع سببا) طريقا ثالثا آخذا من الجنوب إلى الشمال .
(حتى إذا بلغ بين السدين) وهما جبلان بمنقطع أرض الترك سد الإسكندر ما بينهما (وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا) لغرابة لغتهم .
(قالوا) بترجمان (يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج) قبيلتان من ولد يافث بن نوح (مفسدون في الأرض) بالقتل والنهب والإتلاف قيل يأكلون الناس وما دب (فهل نجعل لك خرجا) شيئا نخرجه من مالنا وقرىء خراجا (على أن تجعل بيننا وبينهم سدا) حاجزا فلا يخرجون علينا .
(قال ما مكني) بنونين بلا إدغام أو به (فيه ربي) من المال والملك (خير) مما تجعلونه لي من الخرج (فأعينوني بقوة) بما أتقوى به من عمل أو آلة (أجعل بينكم وبينهم ردما) حاجزا حصينا متراكبا بعضه على بعض .
(ءاتوني زبر الحديد) قطعة على قدر الحجارة التي يبنى بها (حتى إذا ساوى بين الصدفين) بين جانبي الجبلين بنضد الزبر جعل الفحم بينها (قال انفخوا) بالمنافخ في النار في الحديد فنفخوا (حتى إذا جعله) الحديد (نارا) كالنار (قال ءاتوني أفرغ عليه قطرا) نحاسا مذابا .
(فما اسطاعوا) بحذف التاء استثقالا (أن يظهروه) يعلوه لارتفاعه وملاسته (وما استطاعوا له نقبا) خرقا لصلابته وثخنه قيل كان ارتفاعه مائتي ذراع وثخنه خمسين .
(قال) ذو القرنين (هذا) أي السد أو الإقدار عليه (رحمة) نعمة (من ربي) على عباده (فإذا جاء وعد ربي) بخروج يأجوج ومأجوج (جعله دكاء) مدكوكا مسوى بالأرض (وكان وعد ربي حقا) كائنا البتة .
(وتركنا بعضهم يومئذ) جعلنا بعض يأجوج ومأجوج يوم خروجهم (يموج) يختلط (في بعض) كموج البحر لكثرتهم أو بعض الخلق الجن والإنس يختلط ببعض (ونفخ في الصور فجمعناهم) أي الخلائق للجزاء (جمعا).
(وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا) أبرزناها لهم .
(الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري) عن آياتي التي يعتبر بها (وكانوا لا يستطيعون سمعا) أي يعرضون عن استماع ذكري والقرآن ذكر له فكأنهم صم عنه .
(أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي) الملائكة وعيسى وعزير (من دوني أولياء) آلهة

(إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا) أي هيأناها لهم كالشيء المهيا للضيف .
(قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا).
(الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا) بطل عملهم لكفرهم وعجبهم (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) عملا .
(أولئك الذين كفروا بآيات ربهم) بدلائله من القرآن وغيره (ولقائه) بلقاء جزائه (فحبطت أعمالهم) بطلت بكفرهم (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) لا نجعل لهم قدرا بل نهينهم ونعاقبهم .
(ذلك) المذكور من حبط أعمالهم ونحوه (جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا ءاياتي ورسلي هزوا) مهزوءا بهما .
(إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كانت لهم) في علم الله (جنات الفردوس نزلا) منزلا .
(خالدين فيها لا يبغون) يطالبون (عنها حولا) تحويلا إلى غيرها إذ لا أطيب منها .
(قل لو كان البحر) أي ماؤه (مدادا) يكتب به (لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي) فإنها لا تنفد لعدم تناهيها كعلمه (ولو جئنا بمثله) أي البحر (مددا) زيادة فيه لنفد ولم تنفد هي .
(قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي إنما إلهكم إله واحد) أي يوحى إلي وحدانية الإله (فمن كان يرجو لقاء ربه) يأمل لقاء جزائه بالبعث (فليعمل عملا صالحا) خالصا لله (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) عن الصادق (عليه السلام) الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله إنما يطلب تزكية الناس.


سورة مريم

(19) سورة مريم ثمان وتسعون آية (98) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(كهيعص) روي معناه أنا الكافي الهادي الولي الصادق الوعد .
(ذكر رحمت ربك) خبر كهيعص إن أول بالسورة والقرآن أو خبر محذوف أي هذا ذكر رحمة ربك (عبده زكريا).
(إذ نادى ربه نداء خفيا) سرا لأن الدعاء الخفي أقرب للإجابة .
(قال رب) يا رب (إني وهن) ضعف (العظم مني) خص لأنه أساس البدن وأصلب ما فيه (واشتعل الرأس شيبا) شبه الشيب في بياضه بالنار وانتشاره في الشعر باشتعالها (ولم أكن
بدعائك رب شقيا) خائبا بل عودتني الإجابة .
(وإني خفت الموالي) الذين يلوني في النسب وهم بنو عمه (من ورائي) بعد موتي أن يرثوا مالي فيصرفوه فيما لا ينبغي إذ كانوا أشرارا (وكانت امرأتي عاقرا) لا تلد (فهب لي من لدنك وليا) ابنا .
(يرثني ويرث) وقرىء ويرثني وأرث (من ءال يعقوب واجعله رب رضيا) مرضيا عندك .
(يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا) لم نسم قبل أحدا بيحيى وقيل مثلا .
(قال) تعجبا من خرق العادة (رب أنى) كيف (يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا) يبسا وجفافا قيل كان له تسع وتسعون ولامرأته ثمان وتسعون .
(قال) الله أو الملك (كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) موجودا .
(قال رب اجعل لي ءاية) علامة لوقت الحمل (قال ءايتك ألا تكلم الناس) لا تقدر على تكليمهم (ثلاث ليال سويا) سليما بلا آفة وتدخل الأيام كما في آل عمران ثلاثة أيام .
(فخرج على قومه من المحراب) المصلى (فأوحى) أومأ (إليهم) أو كتب في الأرض (أن سبحوا) صلوا أو نزهوا الله (بكرة وعشيا) طرفي النهار .
(يا يحيى) أي فوهبنا له يحيى وقلنا (خذ الكتاب) التوراة (بقوة) بجد (وءاتيناه الحكم) النبوة أو فهم التوراة (صبيا) ابن ثلاث سنين .
(وحنانا من لدنا) ورحمة منا عليه أو على العباد (وزكوة) عملا زاكيا أو زكيناه بالثناء منا عليه أو صدقة منا على أبويه أو على الناس (وكان تقيا) مطيعا لم يهم بخطيئة .
(وبرا بوالديه ولم يكن جبارا) متكبرا (عصيا) عاصيا لربه .
(وسلام عليه) من الله (يوم ولد) من عبث الشيطان به (ويوم يموت) من عذاب القبر (ويوم يبعث حيا) من هول المطلع والنار .
(واذكر في الكتاب) القرآن (مريم) قصتها (إذ انتبذت) اعتزلت (من أهلها مكانا شرقيا) في مكان نحو المشرق من بيت المقدس أو من دارها .
(فاتخذت من دونهم حجابا) سترا يسترها لتفلي رأسها أو تغتسل (فأرسلنا إليها روحنا) جبرئيل (فتمثل لها بشرا سويا) في صورة شاب تام الخلق .
(قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) تتقي الله وترتدع بالاستعاذة فإني عائذة به منك أو فاتعظ بتعوذي .
(قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا) طاهرا من الأدناس أو ناميا على الخير أو نبيا .
(قالت أنى يكون لي غلام

ولم يمسسني بشر) بالحلال (ولم أك بغيا) زانية .
(قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا) لمن يؤمن به (وكان) خلقه (أمرا مقضيا) في علم الله .
(فحملته) بأن نفخ في جيب درعها فأحست بالحمل (فانتبذت به) تنحت بالحمل (مكانا قصيا) بعيدا من أهلها حياء منهم وكان مدة حملها تسع ساعات وقيل ساعة وسنها عشر سنين أو ثلاث عشرة .
(فأجاءها المخاض) ألجأها الطلق (إلى جذع النخلة) ساقها لتستند إليها وكانت نخرة لا رأس لها (قالت) استحياء من الناس أن يتهموها (يا) للتنبيه (ليتني مت قبل هذا) الأمر (وكنت نسيا) بالكسر ما من حقه أن ينسى وقرىء بالفتح (منسيا) متروكا لا يذكر .
(فناداها من تحتها) عيسى أو جبرئيل.
(ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا) جدولا ضرب عيسى برجله أو جبرئيل فظهر ماء يجري وقيل شريفا وهو عيسى .
(وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) طريا .
(فكلي) من الرطب (واشربي) من السري (وقري عينا) بالأكل والشرب والتسلية بما فيها من المعجزات المنزهة لها (فإما ترين من البشر أحدا) يسألك عن ولدك (فقولي إني نذرت للرحمن صوما) إمساكا عن تكليم الأناسي (فلن أكلم اليوم إنسيا) بعد إخباري بنذري وقيل أخبرتهم به بالإشارة .
(فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا) منكرا عظيما إذ ولدت من غير زوج .
(يا أخت هرون) هو رجل صالح كان في زمانهم شبهوها به تهكما أو طالح شبهوها به أو أخو موسى لأنها من ولده وكان بينهما ألف سنة (ما كان أبوك امرأ سوء) زانيا (وما كانت أمك بغيا) زانية فكيف أتيت بولد .
(فأشارت إليه) إلى عيسى أن كلموه ليجيبكم (قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا).
(قال إني عبد الله) ردا على من يزعم ربوبيته (ءاتاني الكتاب) الإنجيل (وجعلني نبيا).
(وجعلني مباركا) نفاعا معلما للخير (أين ما كنت وأوصاني) أمرني (بالصلوة والزكوة ما دمت حيا).
(وبرا) وجعلني بارا (بوالدتي ولم يجعلني جبارا) متكبرا (شقيا) عاصيا لله .
(والسلام) من الله (علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) مر تفسيره .
(ذلك) الذي وصفناه هو (عيسى ابن مريم) لا ما تصفه النصارى (قول الحق الذي فيه يمترون) يشكون فقالت اليهود ساحر وقالت النصارى ابن الله .
(ما كان لله أن يتخذ من ولد) زيدت من لتأكيد النفي (سبحانه) تنزيها له عن ذلك (إذا قضى

أمرا فإنما يقول له كن فيكون) من ذلك خلق عيسى من غير أب .
(وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) فسر في آل عمران .
(فاختلف الأحزاب من بينهم) اليهود والنصارى أو فرقهم فمن قائل هو الله ومن قائل ابنه وآخر ثالث ثلاثة أو عبده ونبيه (فويل للذين كفروا) بقولهم في عيسى (من مشهد يوم عظيم) من حضورهم يوم القيامة وهوله العظيم أو وقت حضورهم أو مكانهم فيه .
(أسمع بهم وأبصر) أي ما أسمعهم وأبصرهم (يوم يأتوننا) في الآخرة (لكن الظالمون) أقيم مقام الضمير إيذانا بالعلة (اليوم) أي في الدنيا (في ضلال مبين).
(وأنذرهم) خوف كفار مكة (يوم الحسرة) يوم القيامة بتحسر المسيء فيه هلا أحسن العمل (إذ قضي الأمر) فرغ من الحساب أو أدخل قوم الجنة وقوم النار (و) إذ (هم في غفلة وهم لا يؤمنون) حال متعلقة بأنذرهم يعطي التعليل.
(إنا نحن نرث الأرض ومن عليها) من العقلاء وغيرهم بأن نهلكهم فلا يبقى فيها مالك ولا ملك غيرنا (وإلينا يرجعون) يردون للجزاء .
(واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا) مبالغا في الصدق أو كثير التصديق للحق (نبيا) لله .
(إذ قال لأبيه) آزر وهو عمه أو جده لأمه (يا أبت لم تعبد ما لا يبصر ولا يغني عنك) لا يكفيك (شيئا) من جلب نفع ودفع شر .
(يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا) طريقا مستقيما .
(يا أبت لا تعبد الشيطان) أي لا تطعه في عبادة الأصنام فتكون كمن عبده (إن الشيطان كان للرحمن عصيا) كثير العصيان .
(يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن) ذكر الخوف ونكر العذاب مجاملة أو تجويزا للتوبة (فتكون للشيطان وليا) لاحقا في اللعن أو قرينا في النار .
(قال أراغب أنت عن ءالهتي يا إبراهيم لئن لم تنته) عن التعرض لها (لأرجمنك) بالحجارة أو بالشتم (واهجرني مليا) دهرا طويلا .
(قال سلام عليك) سلام توديع ومهاجرة أي لا أصيبك بمكروه (سأستغفر لك ربي) بأن يوفقك لما توجب مغفرته (إنه كان بي حفيا) بارا لطيفا .
(وأعتزلكم وما تدعون) أجانبكم وما تعبدون (من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي) بعبادته (شقيا) خائبا مثلكم في دعاء الأصنام .
(فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله) بالهجرة إلى الشام (وهبنا له

إسحق ويعقوب) عوضا عن من فارقهم (وكلا) منهما أو منهم (جعلنا نبيا).
(ووهبنا لهم) للثلاثة (من رحمتنا) نعم الدين والدنيا (وجعلنا لهم لسان صدق عليا) ثناء حسنا رفيعا في جميع أهل الأديان عبر باللسان عما يوجد به .
(واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا) أخلص عبادته أو نفسه لله وحده (وكان رسولا) من الله إلى الناس (نبيا) أخر لتأخر الإنباء عن الإرسال وللفاصلة .
(وناديناه) بيا موسى إني أنا الله (من جانب الطور) جبل بالشام (الأيمن) الذي يلي يمين موسى أو الميمون من اليمن (وقربناه) تقريب كرامة (نجيا) مناجيا .
(ووهبنا له من رحمتنا) من أجل نعمتنا أو بعضها (أخاه) أي مؤازرة أخيه إجابة لدعوته واجعل لي وزيرا من أهلي (هرون نبيا).
(واذكر في الكتاب إسماعيل) ابن إبراهيم (إنه كان صادق الوعد) إذا وعد شيئا وفى به وقد وقع الصبر على الذبح فوفى وروي أنه إسماعيل بن حزقيل انتظر من وعده سنة حتى أتاه وهو في مكانه (وكان رسولا نبيا).
(وكان يأمر أهله بالصلوة والزكوة) يبدأ بإصلاح من هو أقرب إليه لأنه الأهم وأنذر عشيرتك الأقربين - قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقيل أهل أمته (وكان عند ربه مرضيا) في أفعاله وأقواله .
(واذكر في الكتاب إدريس) هذا جد أبي نوح ويسمى هرمس وهو أول من خط بالقلم وخاط الثياب (إنه كان صديقا نبيا).
(ورفعناه مكانا عليا) هو شرف النبوة وسمو القدر وقيل السماء الرابعة أو السادسة وقيل الجنة بعد أن قبض روحه في الرابعة وأحيا .
(أولئك) المذكورين من زكريا إلى إدريس (الذين أنعم الله عليهم) بالنعم الدينية والدنيوية (من النبيين من ذرية آدم) كإدريس (وممن حملنا) في السفينة (مع نوح) وهو إبراهيم من ذرية سام (ومن ذرية إبراهيم) أي إسماعيل وإسحق ويعقوب (وإسرائيل) أي ومن ذرية إسرائيل ويعقوب أي موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى ويفيد أن ولد البنت من الذرية (وممن هدينا) أي ومن حملتهم (واجتبينا) واخترنا (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا) حالان جمع ساجد وباك وأصل بكى بكوي قلبت الواو ياء وأدغمت وكسر ما قبلها، قيل لعل المراد بالآيات الكتب المنزلة عليهم .
(فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة) بتركها أو تأخيرها عن وقتها (واتبعوا الشهوات) فيما حرم عليهم (فسوف يلقون غيا) شرا أو جزاء غي أو غيا عن طريق الجنة، أو هو واد في جهنم .
(إلا) لكن (من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة) ببناء المعلوم والمجهول (ولا يظلمون) ينقصون (شيئا) من ثوابهم .
(جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب) حال أي غائبين عنها أو غائبة عنهم (إنه كان وعده) أي موعوده (مأتيا) بمعنى آت أي وموعوده الجنة يأتيها أهلها .
(لا يسمعون فيها لغوا) قولا لا طائل تحته (إلا) لكن يسمعون (سلاما) من الملائكة عليهم أو من بعضهم على بعض أو الاستثناء متصل أي إن كان للتسليم لغوا فلا يسمعون سواه (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) أي على قدرهما في

الدنيا إذ لا نهار فيها ولا ليل بل ضوء ونور، وقيل أريد دوام الرزق.
(تلك الجنة التي نورث) نعطي ونملك كما يملك الوارث مال مورثه (من عبادنا من كان تقيا) بطاعته .
(وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا) من الأماكن أو الأزمنة الماضية والآتية (وما بين ذلك) من المكان والزمان الذي نحن فيه أوله ما يستقبل من أمور الآخرة وما مضى من أمور الدنيا وما بين النفختين (وما كان ربك نسيا) ناسيا تاركا لك أي إنما تأخر النزول لعدم الأمر به لا لترك الله لك كقوله تعالى ما ودعك ربك وما قلى.
(رب السموات والأرض وما بينهما) خبر محذوف (فاعبده واصطبر لعبادته) أي واصبر عليها وعدي باللام لتضمنه معنى الثبات للعبادة (هل تعلم له سميا) أي ليس له مثل ولا شريك له في اسمه فإن الصنم إن سمي إلها لم يسم الله قط.
(و يقول الإنسان) أي جنسه أو المنكر للبعث (أئذا ما مت لسوف أخرج حيا) من القبر أو من حال الموت وقدم الظرف مصدرا بهمزة الإنكار لأن المنكر كون ما بعد الموت وقت الحياة.
(أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) كائنا فيستدل بالابتداء على الإعادة .
(فوربك لنحشرنهم) أي منكري البعث (والشياطين) مقرونين بهم (ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا) على الركب لما يدهشهم من الهول .
(ثم لننزعن) لنميزن (من كل شيعة) فرقة (أيهم أشد على الرحمن عتيا) أي الأعتى فالأعتى فنلقيهم فيها.
(ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها) أحق بجهنم (صليا) دخولا.
(وإن) وما (منكم) أحد (إلا واردها) واصلها ومشرف عليها وقيل داخلها فلا يبقى بر ولا فاجر إلا ويدخلها فتكون بردا وسلاما على المؤمنين وعذابا لازما على الكافرين (كان على ربك حتما مقضيا) واجبا أوجبه على نفسه وقضى بأنه يكون .
(ثم ننجي) بالتشديد والتخفيف (الذين اتقوا) الشرك (ونذر الظالمين) بالشرك على حالهم (فيها جثيا) على الركب.
(وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات) ظاهرات الإعجاز أو الحجج (قال الذين كفروا للذين ءامنوا أي الفريقين) أي نحن أم أنتم (خير مقاما) موضع قيام أو إقامة (وأحسن نديا) مجلسا .
(وكم) وكثيرا (أهلكنا قبلهم من قرن) أهل عصر (هم أحسن أثاثا) أي متاعا وزينة (ورئيا) ومنظرا من الرؤية .
(قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا) أي يمده بطول العمر والتمتع استدراجا له (حتى إذا رأوا ما يوعدون) غاية المد وتفصيل الموعود (إما العذاب) بالقتل والأسر (وإما الساعة) أي القيامة ودخولهم النار فيها (فسيعلمون من هو شر مكانا) أهم أم المؤمنون (وأضعف جندا) أعوانا مقابل ل أحسن نديا .
(ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) بالتوفيق (والباقيات الصالحات) الطاعات الباقي ثوابها وفسرت بالصلوات الخمس ومودة أهل البيت والتسبيحات الأربع (خير عند ربك ثوابا

وخير مردا) عاقبة ومنفعة يرد إليها مما تمتع به الكفار من النعم الزائلة التي يفتخرون بها والخير هنا لمجرد الزيادة.
(أفرأيت الذي كفر بآياتنا) أي أخبر بقصة هذا الكافر عقيب قصة أولئك وهو العاص بن وائل (وقال) لخباب بن الأرت حين طالبه بدين وقال له تبعث بعد الموت (لأوتين) على تقدير البعث كما تزعم (مالا وولدا) فأقضيك ثمة.
(أطلع الغيب) أشرف على علم الغيب المتفرد به الله تعالى حتى علم أن يؤتى مالا وولدا (أم اتخذ عند الرحمن عهدا) عهد الله إليه أن يؤتيه ذلك وقيل العهد العمل الصالح أو كلمة الشهادة .
(كلا) ردع وزجر له (سنكتب ما يقول) إذ الحفظة يكتبونه (ونمد له من العذاب مدا) تزيده بذلك عذابا فوق عذاب كفره .
(ونرثه) بإهلاكه (ما يقول) من المال والولد (ويأتينا) يوم القيامة (فردا) لا مال له ولا ولد .
(واتخذوا) أي كفار مكة (من دون الله ءالهة) أصناما يعبدونها (ليكونوا لهم عزا) شفعاء يعتزون بهم .
(كلا) ردع (سيكفرون بعبادتهم) تجحد الآلهة عبادتهم وتكذبهم كقوله تعالى فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون أو ستجحد الكفرة أنهم عبدوها ويقولون والله ربنا ما كنا مشركين (ويكونون) أي آلهة (عليهم ضدا) أي أعداء وأعوانا في عذابهم أو ضد العز وهو الذل .
(ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين) خلينا بينهم وبينهم كما يقع لمن خلى بين الكلب وغيره أرسله عليه (تؤزهم أزا) تعزيهم أو تحثهم على المعاصي بالتسويلات .
(فلا تعجل عليهم) بطلب هلاكهم (إنما نعد لهم) الأيام والأنفاس (عدا) وما دخل تحت العدد كأنه قد نفد .
(يوم نحشر المتقين) نجمعهم (إلى الرحمن) إلى دار كرامته ولعل العدول من قوله إلينا لما في لفظ الرحمن المولى النعم من الإشارة (وفدا) وافدين، عن علي (عليه السلام) ركبانا على نوق رحالها من ذهب .
(ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) نحثهم على السير إليها واردين عطاشا كالإبل التي ترد الماء .
(لا يملكون الشفاعة) أي الناس المعلوم من القسمين (إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) إلا من استظهر بالإيمان والعمل الصالح أو بكلمة الشهادة أو إلا من وعده أن يشفع كالأنبياء والمؤمنين .
(وقالوا اتخذ الرحمن ولدا) الضمير لليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله .
(لقد جئتم) التفات للتسجيل عليهم بالجرأة على الله (شيئا إدا) منكرا .
(تكاد السموات) وقرىء بالياء (يتفطرن منه) يتشققن (وتنشق الأرض وتخر الجبال) تسقط عليهم (هدا) كسرا وهدما .
(أن دعوا للرحمن ولدا) منصوب بنزع الخافض علة لتكاد أو لهدا أو مجرور بدل من هاء منه .
(وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا) أي لا يليق به اتخاذ الولد .
(إن كل من في السموات والأرض) أي ما منهم أحد (إلا ءاتي الرحمن عبدا) مقرا بالعبودية خاضعا ذليلا ومنهم عزير وعيسى والملائكة .
(لقد أحصاهم) أحاط بهم علما وقدرة (وعدهم عدا) بعلمه فلا يخفى عليه شيء من أحوالهم .
(وكلهم ءاتيه يوم القيامة فردا) لا مال له ولا نصير ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم .
(إن الذين ءامنوا

وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) عن ابن عباس أنها في علي فما من مؤمن إلا في قلبه محبة وقيل إنها عامة في جميع المؤمنين جعل الله لهم المحبة في قلوب الصالحين .
(فإنما يسرناه) أي القرآن (بلسانك) بأن أنزلناه بلغتك (لتبشر به المتقين) للشرك والكبائر بالجنة (وتنذر به قوما لدا) جمع ألد أي شديد الجدال بالباطل .
(وكم) أي كثير (أهلكنا قبلهم من قرن) أي أمة من الأمم الماضية بتكذيبهم الرسل تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) وتهديد للكفرة (هل تحس) تبصر (منهم من أحد) من مزيدة (أو تسمع لهم ركزا) صوتا خفيا فكما أهلكناهم نهلك هؤلاء.


سورة طه

(20) سورة طه مائة وخمسة وثلاثون آية (135) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(طه) روي هو اسم من أسماء النبي معناه يا طالب الحق الهادي إليه وقيل معناه يا رجل.
(ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) لتتعب بالعبادة وقيام الليل على ساق أو بالحزن على كفر قومك وقيل هو رد لقول الكفرة إنك لتشقى بترك ديننا .
(إلا تذكرة) استثناء منقطع أي لكن تذكيرا (لمن يخشى) الله فإنه المنتفع به .
(تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى) اقتصر عليها لأن الحس لا يتجاوزها بعد الأرض .
(الرحمن على العرش استوى) من كل شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء أو استقام أمره واستولى أو قصده أي أقبل على خلق .
(له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما) من المخلوقات ملكا وتدبيرا (وما تحت الثرى) هو التراب الندي وهو ما جاور البحر من الأرض فما تحته هو سائر طبقاتها وما فيها من المعادن وغيرها .
(وإن تجهر بالقول) بذكر الله ودعائه فهو غني عن جهرك (فإنه يعلم السر) ما أسررته إلى غيرك (وأخفى) منه ما خطر ببالك أو السر هذا وأخفى الغيب الذي لا يخطر ببال، وعنهم (عليهم السلام) السر ما أخفيته في نفسك وأخفى ما خطر ببالك ثم أنسيته .
(الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى).
(وهل أتاك حديث موسى).
(إذ رءا نارا) حين استأذن شعيبا في المسير إلى أمه فخرج بأهله فأضل الطريق في ليلة مظلمة مثلجة وتفرقت ماشيته فلاحت له النار من بعيد (فقال لأهله امكثوا إني ءانست نارا) أبصرتها (لعلي ءاتيكم منها بقبس) بشعلة أقتبسها بعود ونحوه (أو أجد على النار هدى) هاديا يهدي الطريق .
(فلما أتاها نودي يا موسى).
(إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس) المطهر والمبارك (طوى) عطف بيان للوادي أو كثنى مصدر، المقدس أي قدس مرتين .
(وأنا اخترتك) للرسالة (فاستمع لما يوحى) إليك .
(إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلوة لذكري) لتذكرني فيها أو لأذكرك بالثناء أو لأني ذكرتها وأمرت بها أو لذكري خاصة لا تشوبها بغيره أو لأوقات ذكري أي لمواقيت الصلاة أو لذكر صلاتي وهو مروي .
(إن الساعة ءاتية) لا محالة (أكاد أخفيها) أريد إخفاءها لتأتي
بغتة أو أكاد أظهرها من أخفاه أزال خفاءه (لتجزى كل نفس بما تسعى) متعلق بآتية أو أخفيها.
(فلا يصدنك عنها) عن الإيمان بالساعة أو عن الصلاة (من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى) فتهلك .
(وما تلك) سؤال تقرير ليقع المعجز بها بعد التثبت فيها (بيمينك) حال معنى تلك أو صلتها (يا موسى).
(قال هي عصاي أتوكؤا) أعتمد (عليها) إذا مشيت أو أثبت (وأهش) أخبط ورق الشجر (بها) ليسقط (على غنمي) فترعاه (ولي فيها مآرب) جمع مأربة مثلث الراء أي حاجات (أخرى) كحمل الزاد والأدوات في السفر بها وإلقاء الكساء عليها للاستظلال به ووصل الرشاء بها إذا قصر وطرد السبأع بها.
(قال ألقها يا موسى).
(فألقاها فإذا هي حية تسعى) اسم يعم الصغير وهو الجان والعظيم وهو الثعبان، قيل صارت حية صفراء دقيقة ثم كبرت فالتعبير عنها بالجان والثعبان نظرا إلى الحالين، وقيل كانت في شخص الثعبان وسرعة الجان.
(قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى) حالتها السابقة .
(واضمم يدك إلى جناحك) تحت العضد (تخرج بيضاء) تضيء كشعاع الشمس على خلاف لونها من الأدمة (من غير سوء) مرض وقبح كناية عن البرص (آية أخرى) معجزة ثانية .
(لنريك من ءاياتنا الكبرى).
(اذهب إلى فرعون) وادعه إلي (إنه طغى) تجبر في كفره .
(قال رب اشرح لي صدري) وسعه لتحمل أعباء الرسالة وذكر لي إبهاما للمشروح أولا ثم بينه يذكر الصدر تأكيدا .
(ويسر لي أمري) للقيام بهذا الخطب العظيم .
(واحلل عقدة من لساني) حصلت من جمرة أدخلها فاه وهو طفل لما أمر فرعون بقتله لأنه حمله فأخذ لحيته فشقها فقالت آسية إنه صبي لا يميز بين الدرة والجمرة فأحضرتا لديه فأخذ الجمرة ووضعها في فمه .
(يفقهوا قولي).
(واجعل لي وزيرا من أهلى).
(هرون أخي) يعاضدني في التبليغ وكان أسن منه وأفصح وألين .
(اشدد به أزري) ظهري على الدعاء.
(وأشركه في أمري) أي الرسالة .
(كي نسبحك) تسبيحا (كثيرا).
(ونذكرك) ذكرا (كثيرا) فإن التعاون يتزايد به الخير .
(إنك كنت بنا بصيرا) بأحوالنا عالما فإليك فوضنا أمرنا .
(قال قد أوتيت سؤلك يا موسى) أي مسئولك .
(ولقد مننا) أنعمنا (عليك مرة أخرى).
(إذ أوحينا إلى أمك) إلهاما أو مناما أو على لسان ملك أو نبي في عصره لما ولدتك وخافت أن يقتلك فرعون في جملة من يولد (ما يوحى) ما يجب أن يوحى لعظم شأنه أو ما لا يعلم إلا بالوحي .
(أن اقذفيه) ضعيه (في التابوت فاقذفيه في اليم) البحر يعني النيل (فليلقه اليم بالساحل) أي بشاطئه أمر معناه الخبر (يأخذه) جواب فليلقه (عدو لي) في الحال (وعدو له) في المال وهو فرعون وكرر عدو مبالغة (وألقيت عليك محبة مني) يحبك من رآك حتى أحبك فرعون (ولتصنع على عيني) تربي وأنا راعيك وحافظك .
(إذ تمشي أختك) مريم لتعرف خبرك فرأتهم يطلبون له مرضعة (فتقول هل أدلكم على من يكفله) فقالوا نعم فجاءت بأمه فقبل ثديها (فرجعناك إلى أمك) لما وعدنا إنا رادوه إليك (كي تقر عينها) برؤيتك (ولا تحزن) بفراقك (وقتلت نفسا)

هو القبطي وخفت القصاص (فنجيناك من الغم) بالأمن منه (وفتناك فتونا) واختبرناك اختبارات متعددة على أنه جمع فتن (فلبثت سنين) عشرا (في أهل مدين) عند شعيب بعد هجرتك إليها وهي على ثمان مراحل من مصر (ثم جئت على قدر يا موسى) على وقت قدرته لإرسالك أو نوحي إلى الأنبياء وهو ابن أربعين سنة .
(واصطنعتك لنفسي) اخترتك لرسالتي وإقامة حجتي .
(اذهب أنت وأخوك بآياتي) التسع أو التي في العصا واليد (ولا تنيا) تفترا أو تقصرا (في ذكري) بتسبيح ونحوه أو في تبليغ رسالتي .
(اذهبا إلى فرعون) أمر لهما والأول لموسى فلا تكرار (إنه طغى) بكفره .
(فقولا له قولا لينا لعله يتذكر) يتعظ (أو يخشى) العقاب .
(قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا) أي يعجل عقوبتنا قبل إظهار الحجة من فرط تقدم (أو أن يطغى) يتكبر علينا أو يزداد كفرا .
(قال لا تخافا إنني معكما) بالحفظ والنصرة (أسمع) قوله (وأرى) فعله فأدفع شره عنكما .
(فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل) أطلقهم (ولا تعذبهم) باستعمالهم الأعمال الشاقة وقتل ولدانهم (قد جئناك بآية من ربك) بحجة تصدق دعوانا والمراد جنسها فلا ينافي تعددها (والسلام على من اتبع الهدى).
(إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب) بما جئنا به (وتولى) أعرض عنه فأتياه وقالا له ما أمرا به .
(قال فمن ربكما يا موسى) خصه بالنداء لأنه الأصل ولتربيته له .
(قال ربنا الذي أعطى كل شيء) من المخلوقات (خلقه) صورته التي هو عليها المطابقة لكماله الممكن له أو أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه (ثم هدى) دله على جلب النفع ودفع الضر اختيارا أو طبعا .
(قال فما بال القرون الأولى) ما حال الأمم الماضية كقوم نوح وعاد وثمود من السعادة والشقاوة تهب بالحجة فصرف الكلام عنها .
(قال) موسى (علمها) أي علم حالهم مثبت (عند ربي في كتاب) هو اللوح المحفوظ (لا يصل ربي) لا يخطىء شيئا (ولا ينسى) لا يذهل عن شيء .
(الذي جعل لكم الأرض مهدا) فراشا وقرىء مهادا (وسلك) جعل (لكم فيها سبلا) طرقا تسلكونها (وأنزل من السماء ماء) مطرا (فأخرجنا به) التفت إلى التكلم على الحكاية لقول الله إيذانا باختصاصه بانقياد الأشياء المختلفة لأمره (أزواجا) أصنافا (من نبات شتى) جمع شتيت كمرضى لمريض أي متفرقات في الألوان والطعوم والمنافع .
(كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك) المذكور (لآيات) لعبرا (لأولي النهى) لذوي العقول جمع نهيه سمي بها العقل لنهيه عن القبيح .
(منها) أي الأرض (خلقناكم) فإنها أصل خلقة أبيكم آدم والنطف التي خلقتم منها (وفيها نعيدكم) إذا أمتناكم (ومنها نخرجكم) إذا بعثناكم (تارة أخرى) كما أخرجناكم حين ابتدأنا خلقكم .
(ولقد أريناه) بصرنا فرعون (ءاياتنا كلها) التسع (فكذب بها) عنادا (وأبى) قبولها .
(قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا) مصر وتستولي عليها (بسحرك يا موسى) نسبه إلى السحر تلبيسا على قومه .
(فلنأتينك بسحر

مثله) يقابله (فاجعل بيننا وبينك موعدا) وعدا (لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى) وسطا تستوي مسافته إلينا وإليك .
(قال موعدكم يوم الزينة) وكان يوم عيد يتزينون فيه ويجتمعون وإنما عينه ليعلم الحق من الباطل على رءوس الأشهاد (وأن يحشر الناس) أي يجتمع أهل مصر (ضحى) فينظرون في أمرنا .
(فتولى فرعون) انصرف (فجمع كيده) أي أسبأب كيده من السحرة وآلاتهم (ثم أتى) الموعد .
(قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا) بإشراك أحد معه (فيسحتكم بعذاب) فيستأصلكم به (وقد خاب) خسر (من افترى) على الله كذبا كفرعون .
(فتنازعوا أمرهم بينهم) أي السحرة في أمر موسى حين قال ويلكم الآية فقالوا ما هذا بقول ساحر (وأسروا النجوى) الكلام بينهم بأن موسى إن غلبنا اتبعناه والضمير لفرعون وقومه ويفسر النجوى .
(قالوا إن هذان لساحران) على لغة جعل المثنى كالمقصور أو الاسم ضمير الشأن محذوف أو إن بمعنى نعم أو إن مخففة واللام بمعنى إلا (يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى) بدينكم الأفضل كإظهارهما دينهما وقيل الطريقة أشراف القوم أي بأشرافكم بصرف وجوههم إليهما .
(فأجمعوا كيدكم) أحكموه واجعلوه مجمعا عليه (ثم ائتوا صفا) مصطفين (وقد أفلح اليوم من استعلى) فاز من غلب .
(قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى) راعوا الأدب في التخيير .
(قال بل ألقوا) مقابلة لأدبهم وعدم احتفال بكيدهم وجودا بما مالوا إليه من البدء (فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) قيل لطخوها بالزئبق فلما حميت الشمس تحرك بحرها فخيل إليه أنها تسعى .
(فأوجس) فأضمر (في نفسه خيفة موسى) من أن يشك الناس فلا يتبعوه أو للطبع البشري .
(قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى) الغالب .
(وألق ما في يمينك) أبهم تصغيرا للعصا وتهوينا لأمر السحرة أي ألق العويد الذي معك أو تعظيما لها (تلقف) تتلقف (ما صنعوا إنما صنعوا) إن الذي افتعلوه (كيد ساحر) أفرد لقصد الجنس ونكر لتنكير الكيد (ولا يفلح الساحر) أي جنسه (حيث أتى) أين كان فألقاها فتلقفت فحققوا أنه ليس سحرا.
(فألقي السحرة سجدا) لله تعالى، ألقاهم تحقق الحق لهم (قالوا ءامنا برب هرون وموسى) أخر للفاصلة قيل رأوا في سجودهم منازلهم في الجنة .
(قال) فرعون (ءامنتم له) أي لموسى (قبل أن ءاذن لكم) في ذلك (إنه لكبيركم) رئيسكم أو أستاذكم (الذي علمكم السحر) وتواطأتم على ما فعلتم (فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) حال أي مختلفات الأيدي اليمنى والأرجل اليسرى (ولأصلبنكم في جذوع النخل) شبه تمكن المصلوب بالجذع بتمكن المظروف بالظرف (ولتعلمن أينا) يعني نفسه وموسى أو رب موسى (أشد عذابا وأبقى) وأدوم .
(قالوا لن نؤثرك) نختارك (على ما جاءنا

من البينات) المعجزات الظاهرة (والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض) أي صانع أو حاكم به (إنما تقضي) تصنع أو تحكم لسلطانك (هذه الحيوة الدنيا) أي فيها ونصير إلى النعيم الباقي في الآخرة .
(إنا ءامنا بربنا ليغفر لنا خطايانا) من الشرك والمعاصي (وما أكرهتنا عليه من السحر) أي تعلمه وعمله في معارضة المعجزة (والله خير) منك ثوابا للمطيع (وأبقى) عقابا للعاصي .
(إنه) أي الشأن (من يأت ربه مجرما) كافرا (فإن له جهنم لا يموت فيها) فيستريح (ولا يحيى) حياة ممتعة .
(ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات) الفرائض قيل والنوافل (فأولئك لهم الدرجات العلى).
(جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى) تطهر من الذنوب .
(ولقد أوحينا إلى موسى) يعد سنين أقامها بينهم يدعوهم إلى الله ولا يجيبوه (أن أسر بعبادي) ليلا من مصر (فاضرب) اجعل أو تبن (لهم) بالضرب بعصاك (طريقا في البحر يبسا) يابسا (لا تخاف دركا) أي آمنا أن يدرككم فرعون (ولا تخشى) غرقا .
(فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم) أي علاهم (من اليم) من البحر (ما غشيهم) إيجاز بليغ أي غشيهم ما سمعته ولا يعلم كنهه إلا الله.
(وأضل فرعون قومه) عن الحق (وما هدى) رد لقوله وما أهديكم إلا سبيل الرشاد .
(يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم) فرعون (وواعدناكم جانب الطور الأيمن) لنؤتي موسى التوراة بيانا لما تحتاجون إليه (ونزلنا عليكم) في التيه (المن والسلوى) أي الترنجبين والطير السماني .
(كلوا) بتقدير القول (من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه) بترك شكره وتعدي حدود الله فيه (فيحل عليكم غضبي) بكسر الحاء أي يجب (ومن يحلل عليه غضبي) بكسر اللام أي يجب وضمها الكسائي من حل يحل نزل (فقد هوى) هلك أو سقط في النار .
(وإني لغفار لمن تاب) من الكفر (وءامن) بالله ورسله (وعمل صالحا) أدى الفرائض (ثم اهتدى) استمر على ما ذكر، وعن الباقر (عليه السلام) ثم اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت .
(وما أعجلك عن قومك يا موسى) سؤال عن سبب عجلته عنهم إلى ميعاد أخذ التوراة فيه إنكار لها فقدم جواب الإنكار لأهميته .
(قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى) طلبا لزيادة رضاك .
(قال) تعالى (فإنا قد فتنا قومك) امتحناهم بتشديد التكليف لما أخرج لهم العجل فألزمناهم النظر ليعلموا أنه ليس بإله (من بعدك) بعد انطلاقك منهم (وأضلهم السامري) بالدعاء إلى عبادة العجل فعبدوه.

(فرجع موسى إلى قومه) بعد أخذ التوراة (غضبان) عليهم (أسفا) حزينا لضلالهم (قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا) أي صدقا أن يعطيكم التوراة (أفطال عليكم العهد) زمان مفارقتي إياكم (أم أردتم أن يحل) يجب (عليكم غضب من ربكم) بعبادتكم العجل (فأخلفتم موعدي) وعدكم إياي بالإقامة على ديني وباللحاق لي .
(قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا) بالفتح والكسر والضم لغات من مصدر ملك أي بأن ملكنا رأينا إذ لو ملكناه ولم بغلبنا كيد السامري لما أخلفناه (ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم) أثقالا من حلي القبط استعاروها منهم لأجل عيد لهم فبقيت عندهم وقبل هي ما ألقاه البحر على الساحل بعد إغراقهم فأخذوه (فقذفناها) ألقينا في النار بأمر السامري قال وهي حرام فألقوها (فكذلك) كما ألقينا (ألقى السامري) ما منعه منها .
(فأخرج لهم عجلا) صاغه من الحلي المذابة (جسدا) بدل منه لحما وذنبا أو جسما بلا روح (له خوار) صوت العجل (فقالوا) أي السامري ومن تبعه (هذا إلهكم وإله موسى فنسي) أي فتركه موسى هنا وذهب يطلبه أو ترك السامري الإيمان .
(أفلا يرون) يعلمون (أن) أنه (لا يرجع إليهم قولا) لا يرد عليهم جوابا (ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا).
(ولقد قال لهم هرون من قبل) قبل عود موسى (يا قوم إنما فتنتم) امتحنكم الله أو أضلكم السامري (به وإن ربكم الرحمن) لا غيره (فاتبعوني) في عبادته (وأطيعوا أمري) بلزومها .
(قالوا لن نبرح عليه عاكفين) على عبادته مقيمين (حتى يرجع إلينا موسى).
(قال) موسى لما رجع (يا هرون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا) بعبادة العجل .
(ألا تتبعن) أن تلحقني أو تتبعني في قتالهم بمن أطاعك إذ لو كنت فيهم لقاتلتهم ولا زائدة (أفعصيت أمري) إقامتك فيهم أو ترك مجاهدتهم .
(قال يبنؤم) بالكسر والفتح وكانا لأب وأم (لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) أخذ بلحيته وذؤابته يجره فعل الغضبان بنفسه (إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل) لو فارقت أو قاتلت بعضهم ببعض (ولم ترقب قولي) لك اخلفني في قومي وأصلح فإن الإصلاح كان فيما فعلت .
(قال فما خطبك) شأنك الذي حملك على ما صنعت (يا سامري).
(قال بصرت بما لم يبصروا به) علمت ما لم يعلموه أو رأيت ما لم يروه (فقبضت قبضة من أثر الرسول) من تراب موطىء جبرائيل أو موقع حافر فرسه (فنبذتها) ألقيتها في جوف العجل والحلي (وكذلك سولت) زينت (لي نفسي) وحدثتني أن آخذ القبضة وألقاها فيه .
(قال فاذهب) طريدا (فإن لك في الحيوة) أي ما دمت حيا (أن تقول) لمن لقيته (لا مساس) أي لا تمسني وكان إذا مسه أحدهم ومن مسه أخذته الحمى فصار يهيم في البرية وحيدا يتحامى الناس ويتحامونه (وإن لك موعدا) بعذابك (لن تخلفه) لن يخلف الله إياه في الآخرة وقرىء بكسر اللام أي لن تخلف الوعد إياه (وانظر إلى إلهك الذي ظلت

عليه عاكفا) ظللت على عبادته مقيما (لنحرقنه) بالنار (ثم لننسفنه في اليم نسفا) نذريه في البحر .
(إنما إلهكم) المستحق للعبادة (الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما) تمييز محول عن الفاعل أي وسع علمه كل شيء .
(كذلك) كما قصصنا عليك قصة موسى (نقص عليك من أنباء) أخبار (ما قد سبق) مضى من الأمور والأمم تبصرة لك وتكثيرا لمعجزاتك (وقد ءاتيناك من لدنا ذكرا) أعطيناك من عندنا قرآنا فيه ذكر ما يحتاج إليه في الدنيا والدين .
(من أعرض عنه) عن الذكر (فإنه يحمل يوم القيامة وزرا) حملا ثقيلا من الإثم أي عقوبته .
(خالدين فيه) في الوزر (وساء لهم يوم القيامة حملا) تمييز يفسر المضمر المبهم في ساء والمخصوص بالذم محذوف أي ساء حملا وزرهم .
(يوم ينفخ في الصور) قرن مخصوص (ونحشر المجرمين) المشركين (يومئذ زرقا) عيونهم والزرقة أبغض ألوان العيون إلى العرب أو عميا إذ الأعمى تزرق عينه .
(يتخافتون) يتسارون من شدة الهول (بينهم إن لبثتم إلا عشرا) ليالي في الدنيا استقصارا لمدة لبثهم فيها لزوالها ودوام عذابهم أو في القبور .
(نحن أعلم بما يقولون) فيه ذلك ومدة لبثهم في النار أقرب من العشر (إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما).
(ويسئلونك عن الجبال) ما حالها في القيامة (فقل ينسفها ربي نسفا) يجعلها كالرمل ثم يطيرها بالرياح .
(فيذرها) فيدع أماكنها أو الأرض المعلومة من الجبال (قاعا) أملس (صفصفا) مستويا .
(لا ترى فيها عوجا) انخفاضا (ولا أمتا) ارتفاعا .
(يومئذ) يوم إذ نسفت الجبال (يتبعون الداعي) إلى المحشر وهو إسرافيل بالنفخ أو بقوله هلموا إلى العرض على الرحمن (لا عوج له) لا يميل عنه أحد (وخشعت الأصوات للرحمن) سكنت لعظمته (فلا تسمع إلا همسا) صوتا خفيا وهو صوت وطإ الأقدام .
(يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن) إلا شفاعة من أذن له أو لا ينفع أحدا إلا من أذن أن يشفع له (ورضي له قولا) في الشفاعة لمكانه عند الله أو أرضى لأجله قول الشافع له في حقه .
(يعلم ما بين أيديهم) ما كان في حياتهم (وما خلفهم) بعد مماتهم (ولا يحيطون به علما) لا يحيط علمهم بمعلوماته وبذاته .
(وعنت الوجوه للحي القيوم) خضعت له خضوع العاني أي الأسير في يد من قهره (وقد خاب) خسر (من حمل ظلما) أي شركا .
(ومن يعمل من الصالحات) بعض الطاعات (وهو مؤمن) إذ لا يصح طاعة غيره (فلا يخاف ظلما) بزيادة سيئاته (ولا هضما) ينقص من حسناته .
(وكذلك) كما أنزلنا ما ذكر (أنزلناه) أي القرآن (قرءانا عربيا) كله (وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون) المعاصي (أو يحدث) القرآن (لهم ذكرا) عظة بعقوبات الأمم الماضية فيتعظون .
(فتعالى الله) ارتفع عن مماثلة المخلوقين

(الملك) النافذ تصرفه في ملكوته (الحق) الذي يحق له الملك أو الثابت (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه) لا تعجل بقراءته قبل أن يفرغ جبرئيل من إبلاغه، كان (صلى الله عليه وآله وسلّم) يساوقه في القراءة حرصا عليه أو في تبليغ ما كان مجملا قبل أن يأتيك بيانه (وقل رب زدني علما) إلى ما علمتني أو قرآنا فإنه كلما نزل عليه شيء منه زاد به علمه .
(ولقد عهدنا إلى ءادم) أمرناه بالكف عن الأكل بالشجرة (من قبل) قبل زمانك يا محمد (فنسي) ما أمر به من الكف (ولم نجد له عزما) ثباتا وتصلبا فيما أمر به أو عزما في العود إلى الذنب أو على الذنب لأنه لم يتعمده .
(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى) فسر في البقرة .
(فقلنا يا ءادم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) تتعب في كسب المعاش وخص بإسناد الشقاء إليه لأن الاكتساب وظيفة الرجل ولرعاية الفاصلة .
(إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى).
(وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى) ألا تعطش ولا يصيبك حر الشمس إذ لا شمس في الجنة .
(فوسوس إليه الشيطان) أنهى إليه وسوسة وبيانها (قال يا ءادم هل أدلك على شجرة الخلد) أي التي من أكل منها خلد ولم يمت (وملك لا يبلى) لا ينقطع .
(فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) فسر في الأعراف (وعصى ءادم ربه) خالف أمره الندبي فإن تارك النفل والإرشاد يسمى عاصيا (فغوى) خاب من ثوابه أو مما رجاه من الخلد .
(ثم اجتباه ربه) اختاره للرسالة (فتاب عليه) قبل توبته (وهدى) إلى حفظ أسبأب العصمة .
(قال اهبطا منها جميعا) خطاب لآدم وحواء بما اشتملا عليه من الذرية (بعضكم لبعض عدو) للتظالم في أمر المعاش (فإما يأتينكم مني هدى) شريعة وبيان (فمن اتبع هداي فلا يضل) في الدنيا (ولا يشقى) في الآخرة .
(ومن أعرض عن ذكري) أي القرآن وسائر كتب الله (فإن له معيشة ضنكا) ضيقة (ونحشرهم يوم القيامة أعمى) القلب أو البصر .
(قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا) في الدنيا أو عند البعث قيل يخرج من قبره بصيرا فيعمى في حشره .
(قال كذلك أتتك ءاياتنا) دلائلنا (فنسيتها) تركتها وأعرضت عنها (وكذلك) كما تركتها (اليوم تنسى) تترك في العذاب أو العمى .
(وكذلك) الجزاء (نجزي من أسرف) أشرك (ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد) من عذاب الدنيا وعذاب القبر (وأبقى) وأدوم .
(أفلم يهد لهم) يبين لهم لقريش الله أو الرسول أو ما دل عليه (كم أهلكنا قبلهم من القرون) أي إهلاكنا كثيرا من الأمم الماضية المكذبة للرسل كعاد وثمود (يمشون) حال من ضمير لهم (في مساكنهم) ويرون آثار هلاكهم فيعتبروا


(إن في ذلك لآيات) لعبرا (لأولي النهى) لذوي العقول .
(ولو لا كلمة سبقت من ربك) بتأخير عذابهم إلى الآخرة (لكان) الأخذ العاجل (لزاما) لازمهم (وأجل مسمى) عطف على كلمة أي لو لا العدة بتأخير عذابهم وأجل مضروب لهم وهو الآخرة أو يوم بدر للزمهم الأخذ العاجل أو على مستكين كان أي لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين لهم .
(فاصبر على ما يقولون) من تكذيبك (وسبح بحمد ربك) صل متلبسا بحمده (قبل طلوع الشمس) صلاة الفجر (وقبل غروبها) صلاة العصر والظهرين (ومن ءاناء الليل) أي ساعاته (فسبح) صل العشاءين وقدم الظرف اهتماما للصلاة فيه لأنها أشوق والبال فيه أجمع (وأطراف النهار) صلاة الظهر لأن أول وقتها نهاية النصف الأول وبداية النصف الثاني وجمع لأمن اللبس أو تكرير صلاتي الصبح والعصر اعتناء بهما (لعلك ترضى) بما يعطيك ربك في الدارين .
(ولا تمدن عينيك) لا تنظرن (إلى ما متعنا به أزواجا منهم) أصنافا من الكفار (زهرة الحيوة الدنيا) زينتها وبهجتها (لنفتنهم فيه) لنختبرهم أو لنعذبهم به (ورزق ربك) ما وعدك به في الآخرة أو ما رزقك من العلم والنبوة (خير) مما متعهم به في الدنيا (وأبقى) وأدوم .
(وأمر أهلك) أهل بيتك (بالصلوة واصطبر عليها) حافظ عليها (لا نسئلك) لا نكلف (رزقا) لنفسك ولا لأهلك (نحن نرزقك) وإياهم (والعاقبة) المحمودة (للتقوى) لأهلها .
(وقالوا لو لا) هلا (يأتينا) محمد (بآية من ربه) مقترحة لم يعتدوا بما أتى به من الآيات (أولم يأتهم) بالياء والتاء (بينة ما في الصحف الأولى) بيان ما في سائر الكتب المنزلة يعني القرآن لتضمنه أصول ما فيها من العقائد والأحكام .
(ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله) قبل محمد أو القرآن (لقالوا) يوم القيامة (ربنا لو لا) هلا (أرسلت إلينا رسولا فنتبع ءاياتك) المرسل بها (من قبل أن نذل) في المحشر أو في الدنيا بالقتل والأسر (ونخزى) في جهنم .
(قل كل) منا ومنكم (متربص) منتظر عاقبة الأمر (فتربصوا) تهديد (فستعلمون من أصحاب الصراط السوي) الدين المستقيم (ومن اهتدى) لطريق الحق نحن أم أنتم.


سورة الأنبياء

(21) سورة الأنبياء مائة واثنتا عشرة آية (112) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(اقترب للناس حسابهم) وصف بالقرب لأن كل آت قريب ولأن ما بقي من الدنيا أقل مما ذهب (وهم في غفلة) عنه (معرضون) عن التأهب له .
(ما يأتيهم
من ذكر من ربهم محدث) تنزيله شيئا فشيئا (إلا استمعوه وهم يلعبون) يستهزءون به حال من الواو وكذا .
(لاهية قلوبهم) غافلة عن تدبره أو حال من واو يلعبون (وأسروا النجوى) بالغوا في إخفائها أو أخفوا التناجي به فلم يتفطن له (الذين ظلموا) بدل من واو أسروا أو ذم مرفوع أو منصوب بتقديرهم أو أعني (هل هذا إلا بشر مثلكم) بدل من النجوى أو مفعول لقالوا منصوب أي هو ليس بملك فليس برسول فما يأتي به سحر (أفتأتون السحر) فتحضرونه وتقبلونه (وأنتم تبصرون) ترون أنه بشر أو تعلمون أنه سحر .
(قال ربي يعلم القول) كائنا (في السماء والأرض) فيعلم ما أسروه (وهو السميع) لأقوالهم (العليم) بأحوالهم .
(بل قالوا أضغاث أحلام) تخاليط أباطيل رآها في النوم (بل افتراه) اختلقه من نفسه (بل هو شاعر) فما أتى به شعر (فليأتنا بآية كما أرسل الأولون) كالناقة والعصا .
(ما ءامنت قبلهم من قرية) أي أهلها (أهلكناها) بتكذيب الآيات المقترحة عند مجيئها (أفهم يؤمنون) أي لا يؤمنون لو أتيتهم بها وإذا لم يؤمنوا استحقوا الإهلاك كمن قبلهم فلم نجبهم إبقاء عليهم .
(وما أرسلنا قبلك إلا رجالا) لا ملائكة جواب لقولهم (هل هذا إلا بشر مثلكم) (نوحي إليهم) بالياء والنون (فاسئلوا أهل الذكر) أهل الكتاب لوثوقكم به أو أهل القرآن، وعنهم (عليهم السلام) نحن أهل الذكر والذكر الرسول (إن كنتم لا تعلمون) ذلك فإنهم يعلمونه .
(وما جعلناهم) أي الرجال (جسدا) أجسادا على إرادة الجنس (لا يأكلون الطعام) بل جعلناهم أجسادا يأكلونه (وما كانوا خالدين) بل يموتون فهم أبشار مثلك لخلوهم من خاصتي الملائكة عدم الطعم والخلود على اعتقادهم .
(ثم صدقناهم الوعد) بالإنجاء والنصر (فأنجيناهم ومن نشاء) ممن آمن بهم (وأهلكنا المسرفين) المكذبين لهم .
(لقد أنزلنا إليكم) يا قريش (كتابا فيه ذكركم) شرفكم أو ما يوجب حسن الذكر لكم إن تمسكتم به (أفلا تعقلون) فتؤمنون به .
(وكم قصمنا) أهلكنا (من قرية) أي أهلها (كانت ظالمة) كافرة (وأنشأنا بعدها قوما ءاخرين) مكانهم .
(فلما أحسوا بأسنا) أدرك أهل القرية عذابنا بحواسهم (إذا هم منها) من القرية (يركضون) يهربون مسرعين .
(لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم) نعمتم (فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون) عن أعمالكم أو يسألكم الناس شيئا من دنياكم .
(قالوا) ندما حين عاينوا العذاب (يا ويلنا) هلكنا (إنا كنا ظالمين) بتكذيب الرسل .
(فما زالت تلك) الدعوى (دعواهم) يدعون بها ويرددونها (حتى جعلناهم حصيدا) كالزرع المحصود (خامدين) موتى لا يتحركون كما تخمد النار أي أهلكناهم بالعذاب أو بقتل بخت نصر لهم .
(وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين) عابثين بل خلقناهما لغرض صحيح ومنافع للخلق دينية ودنيوية .
(لو أردنا أن نتخذ لهوا) ما يتلهى به قيل هو الولد وقيل الزوجة (لاتخذناه

من لدنا) من قدرتنا أو من عندنا أي من الملائكة والحور لا من الإنس (إن كنا فاعلين) ذلك .
(بل نقذف بالحق على الباطل) الذي من جملته اللهو (فيدمغه) فيعلوه واستعير لذلك القذف وهو الرمي بنحو الحجر والدمغ وهو إصابة الدماغ بالشجة تصويرا لإذهاب الباطل الحق للمبالغة (فإذا هو زاهق) مضمحل (ولكم) أيها الكفرة (الويل) الهلاك (مما تصفون) الله به .
(وله من في السموات والأرض) ملكا وخلقا (ومن عنده) أي الملائكة المقربون منه بالشرف لا بالمسافة (لا يستكبرون) يترفعون (عن عبادته ولا يستحسرون) لا يعيون منها .
(يسبحون الليل والنهار) ينزهونه دائما (لا يفترون) عن التسبيح فهو لهم كالنفس لنا لا يشغلهم عنه شاغل .
(أم اتخذوا ءالهة) كائنة (من الأرض) الحجر أو غيره (هم ينشرون) يحيون الموتى إذ من لوازم الإلهية القدرة على كل ممكن وأورد الضمير المخصص للإنشاء بهم مبالغة في التهكم .
(لو كان فيهما) أي السموات والأرض (ءالهة إلا الله) غير الله وصف بإلا حين تعذر الاستثناء لعدم دخول ما بعدها فيما قبلها ولإفادته لزوم الفساد لوجود آلهة دونه ومفهومه عدم لزومه لوجودها معه وهو خلاف المراد (لفسدتا) سواء توافقا أم تخالفا أما الثاني فظاهر وأما الأول فلأن تأثير كل منهم فيه يمنع تأثير الآخر فيه مرة أخرى لاستحالته (فسبحان الله رب العرش) الحاوي لأجزاء العالم (عما يصفون) من الشريك والصاحبة والولد .
(لا يسئل عما يفعل) لأن كل ما يفعله حكمة أو صواب (وهم) أي الآلهة والعباد (يسئلون) عن أفعالهم .
(أم اتخذوا من دونه ءالهة) كرر استفظاعا لكفرهم (قل هاتوا برهانكم) على ذلك عقلا ونقلا (هذا ذكر من معي) عظة أمتي وهو القرآن (وذكر من قبلي) من الأمم وهو سائر كتب الله ليس فيها أن مع الله إلها، بل فيها ما ينفيه ولو كان له شريك لأتت رسله وكتبه تترى ولا خبر عن شريكه وصح إثبات التوحيد بالنقل لعدم توقف البعثة عليه (بل أكثرهم لا يعلمون الحق) أي توحيد الله لتركهم النظر (فهم معرضون) عن الحق لعدم تمييزهم بينه وبين الباطل .
(وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه) بالياء والنون (أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) فوحدوني .
(وقالوا اتخذ الرحمن ولدا) قالوا الملائكة بنات الله (سبحانه) تنزيها له عن ذلك (بل عباد مكرمون) لديه .
(لا يسبقونه بالقول) لا يقولون إلا ما يقوله (وهم بأمره يعملون) في أقوالهم وأفعالهم .
(يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) أي ما عملوا وما هم عاملون (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) أن يشفع له (وهم من خشيته) من مهابته (مشفقون) وجلون .
(ومن يقل منهم) من الملائكة فرضا وقيل عنى إبليس لأنه دعي إلى طاعته (إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم) والتعذيب ينافي النبوة (كذلك) الجزاء (نجزي الظالمين) المشركين .
(أولم ير الذين كفروا) يعلموا (أن السموات والأرض كانتا رتقا) ذواتي رتق أو مرتوقتين أي ملتصقتين (ففتقناهما) بالمطر والنبات (وجعلنا من الماء كل شيء حي) خلقنا منه كل حيوان لفرط حاجته إليه وقلة صبره عنه أو صيرنا كل شيء حي بسبب من الماء لا بد له منه وقيل

بشمول الحي للنبات أيضا (أفلا يؤمنون) وقد لزمتهم الحجة .
(وجعلنا في الأرض رواسي) جبالا ثوابت كراهة (أن تميد) تتحرك (بهم وجعلنا فيها) في الأرض أو الرواسي (فجاجا) طرقا واسعة (سبلا) بدل (لعلهم يهتدون) إلى مقاصدهم في الأسفار أو إلى وحدانية الله بالاعتبار .
(وجعلنا السماء سقفا) للأرض في النظر (محفوظا) عن السقوط بقدرته أو الشياطين بالشهب (وهم عن ءاياتها) أوضاعها وأحوالها الدالة على الصانع (معرضون) لا يتفكرون فيها .
(وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل) من الشمس والقمر والنجوم (في فلك) أي جنسه (يسبحون) أي يسرعون بسرعة كالسابح في الماء جمع جمع العقلاء تشبيها بهم أو لما قيل أنهم ذوو أنفس ناطقة .
(وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) أي البقاء في الدنيا نزلت حين قالوا إن محمدا سيموت (أفإن مت فهم الخالدون) والفاء في الشرط لتعلقه بما قبله والهمزة لإنكار جملة الجزاء أي فهم أيضا يموتون فلا يشمتوا بموته .
(كل نفس ذائقة الموت) تقرير للإنكار (ونبلوكم) نختبركم (بالشر والخير) بالمحن والمنح (فتنة) ابتلاء مصدر من غير لفظه (وإلينا ترجعون) فنجازيكم .
(وإذا رءاك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا) مهزوءا به يقولون (أهذا الذي يذكر ءالهتكم) أي يعيبها (وهم بذكر الرحمن) بتوحيده أو بكتابه (هم كافرون) جاحدون كرر .
(هم) تأكيدا أو لبعد الخبر بحيلولة صلته (خلق الإنسان من عجل) لفرط عجله في الأمور كأنه خلق منه (سأريكم ءاياتي) وهو القتل في الدنيا والعذاب في الآخرة (فلا تستعجلون) فيها وقد أراهم القتل ببدر .
(ويقولون متى هذا الوعد) وعد القيامة (إن كنتم صادقين) فيه .
(لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون) أي لو يعلمون الوقت الذي لا يدفعون (عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم) لإحاطتها بهم من كل جانب (ولا هم ينصرون) يمنعون منها فيه وهو الوقت الذي استعجلوا به بقولهم متى هذا الوعد وجواب لو محذوف أي لما استعجلوا .
(بل تأتيهم) القيامة أو النار (بغتة) فجأة (فتبهتهم) فتحيرهم أو تغلبهم (فلا يستطيعون ردها) عنهم (ولا هم ينظرون) لا يمهلون بعد إمهالهم في الدنيا .
(ولقد استهزىء برسل من قبلك) تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) (فحاق) حل (بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون) من العذاب أو جزاء استهزائهم فكذا يحيق بمن استهزأ بك .
(قل من يكلؤكم) يحفظكم (بالليل والنهار من الرحمن) من بأسه (بل هم عن ذكر ربهم) أي القرآن أو المواعظ (معرضون) لا يلتفتون إليه فضلا عن أن يخافوا بأسه .
(أم لهم آلهة تمنعهم) من العذاب (من دوننا) من غيرنا (لا يستطيعون) أي الآلهة استئناف لبيان عجزهم (نصر أنفسهم) فكيف ينصرونهم (ولا هم منا يصحبون) بالنصر أو من عذابنا يجارون فكيف يجيرون وقيل ضمير هم للكفرة .
(بل متعنا هؤلاء

وآباءهم حتى طال عليهم العمر) فاغتروا بذلك وحسبوا أنه بسبب ما هم عليه (أفلا يرون أنا نأتي الأرض) نقصد أرض الشرك أو الأعم منها (ننقصها من أطرافها) بفتحها على الرسول أو بتخريبها وموت أهلها وروي بموت العلماء (أفهم الغالبون) أي ليسوا غالبين بل نحن الغالبون .
(قل إنما أنذركم بالوحي) بما أوحي إلي (ولا يسمع) بالياء والتاء (الصم الدعاء إذا ما ينذرون) أي هم لتصاممهم وعدم التفاتهم إلى الإنذار كالصم .
(ولئن مستهم نفحة) أقل أثر (من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا) هلاكنا (إنا كنا ظالمين) بتكذيب محمد .
(ونضع الموازين القسط) العدل وصف بالمصدر مبالغة أو ذوات العدل (ليوم القيامة) لأهله أو فيه (فلا تظلم نفس شيئا) من حقها أو من الظلم (وإن كان) العمل (مثقال) زنة (حبة من خردل أتينا بها) أحضرناها وأنث ضمير مثقال لإضافته إلى الجنة (وكفى بنا حاسبين) عالمين أو محصين .
(ولقد ءاتينا موسى وهرون الفرقان) التوراة الفارقة بين الحق والباطل (وضياء) يستضاء بها (وذكرا للمتقين) عظة بها أو ذكر ما يحتاجون إليه .
(الذين يخشون ربهم بالغيب) حال أي غائبا عن حواسهم أو غائبين عن الناس أو في خلواتهم (وهم من الساعة) من أحوالها (مشفقون) خائفون .
(وهذا) أي القرآن (ذكر مبارك) كثير الخير (أنزلناه) على محمد (أفأنتم له منكرون) استفهام توبيخ .
(ولقد ءاتينا إبراهيم رشده) هداه والنبوة (من قبل) قبل موسى وهرون أو قبل بلوغه (وكنا به عالمين) أي بأنه أهل لما أتيناه .
(إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل) الصور الممثلة (التي) لا تضر ولا تنفع تحقير لها وتوبيخ لهم (أنتم لها عاكفون) أي على عبادتها مقيمون وعدي باللام لتضمنه معنى العبادة أو للاختصاص .
(قالوا وجدنا ءاباءنا لها عابدين) فاقتدينا بهم .
(قال لقد كنتم أنتم وءاباؤكم في ضلال مبين) ظاهر لعدم استناد الجميع إلى حجة .
(قالوا أجئتنا بالحق) بالجد فيما تقوله (أم أنت من اللاعبين) فيه .
(قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن) خلقهن، أضرب عما قالوا بإثبات دعواه بالحجة وهن للسماوات والأرض أو التماثيل وهو أدخل في تضليلهم وإلزامهم الحجة (وأنا على ذلكم) الذي ذكرته (من الشاهدين) المحققين له .
(وتالله لأكيدن أصنامكم) لأدبرن في كسرها (بعد أن تولوا) إلى عيدكم (مدبرين) عنها قاله سرا فسمعه رجل فأفشاه .
(فجعلهم) بعد ذهابهم إلى عيدهم (جذاذا) قطاعا قطعا وقرىء بالكسر (إلا كبيرا لهم) لم يكسره وعلق الفأس في عنقه (لعلهم إليه يرجعون) إلى إبراهيم رجاء ذلك لتفرده بسب آلهتهم فيبكتهم بقوله: بل فعله كبيرهم أو إلى الكبير فيسألونه عن الكاسر كما يرجع إلى الرب في المشاكل فيعلمون جهلهم .
(قالوا) بعد رجوعهم (من فعل هذا

بآلهتنا إنه لمن الظالمين) بجرأته عليها أو بتعريض نفسه للقتل .
(قالوا) أي بعضهم (سمعنا فتى يذكرهم) يعيبهم (يقال له إبراهيم).
(قالوا فأتوا به على أعين الناس) أي مرئيا مشهودا (لعلهم يشهدون) بقوله أو فعله أو يحضرون عقابه .
(قالوا) له بعد إحضاره (أأنت فعلت هذا بإلهتنا يا إبراهيم).
(قال بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون) أي إن كانوا ينطقون فكبيرهم فعل وإلا فلا فما نطقوا وما كذب إبراهيم وقيل أسند الفعل إليه لتسببه له لأن غيظه لزيادة تعظيمهم له أو للتقرير لنفيه مع تبكيت بطريق التعريض أو حكاية لما يلزمهم كأنه قال ما تنكرون أن يفعله كبيرهم .
(فرجعوا إلى أنفسهم) إلى عقولهم (فقالوا) أي بعضهم لبعض (إنكم أنتم الظالمون) بعبادة ما لا ينطق أو بسؤال إبراهيم .
(ثم نكسوا على رءوسهم) انقلبوا إلى الجدال بعد استقامتهم بالتفكر فقالوا (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) فكيف تأمرنا بسؤالهم وهذا اعتراف بما هو حجة عليهم.
(قال أفتعبدون من دون الله) أي بدله (ما لا ينفعكم شيئا) إن عبدتموه (ولا يضركم) إن تركتموه .
(أف) صوت المتضجر بمعنى نتنا وقبحا (لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون) بقبح فعلكم .
(قالوا) حين ألزمهم الحجة (حرقوه وانصروا ءالهتكم) بحرقه (إن كنتم فاعلين) ناصريها .
(قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) أي أبردي بردا لا يضره فلم تحرق إلا وثاقه وزال حرها فجلس في روضة ومعه جبرئيل .
(وأرادوا به كيدا) هو تحريقه (فجعلناهم الأخسرين) فيما أرادوا به لانقلابه عليهم .
(ونجيناه ولوطا) من قرية كوثى (إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) بالخصب والسعة والمنافع الدينية وهي الشام فإن أكثر الأنبياء بعثوا فيها .
(ووهبنا له) لإبراهيم حين سأل ولدا (إسحق ويعقوب نافلة) عطية حال منهما أو زيادة على ما سأل وهو ولد الولد فيختص بيعقوب (وكلا) من الثلاثة (جعلنا صالحين) للنبوة أو وفقناهم للصلاح أو حكمنا بصلاحهم .
(وجعلناهم أئمة) يقتدى بهم (يهدون) الناس إلى الحق (بأمرنا) لهم بذلك (وأوحينا إليهم فعل الخيرات) أي أن يفعل (وإقام الصلوة) وأن تقام وحذف تاء إقامة تخفيفا (وإيتاء الزكوة) وأن تؤتى وعطف الخاص على العام للأفضلية (وكانوا لنا عابدين) مخلصين للعبادة .
(ولوطا ءاتيناه حكما) فصلا بين الناس أو حكمة أو نبوة (وعلما) بما يحتاج إلى العلم به (ونجيناه من القرية) سدوم (التي كانت تعمل) أي أهلها (الخبائث) من اللواط وغيره (إنهم كانوا قوم سوء فاسقين) حال من قوم أو خبر ثان .
(وأدخلناه في رحمتنا) في أهلها أو الجنة

(إنه من الصالحين و) اذكر (نوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له) دعاءه (فنجيناه وأهله) من معه في الفلك (من الكرب العظيم) الغرق وأذى قومه .
(ونصرناه) متعناه أو جعلناه منتصرا أي منتقما (من القوم الذين كذبوا بآياتنا) الدالة على صدقه (إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين) بالطوفان .
(وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث) الزرع والكرم (إذ نفشت فيه غنم القوم) رعته ليلا (وكنا لحكمهم شاهدين) لحكم الحاكمين والخصوم عالمين حكم داود بالغنم لأهل الحرث وقال سليمان ينتفع أهل الحرث بدرها ونسلها وصوفها ويقوم أهلها على الحرث حتى يعود كما كان ثم يترادان وحكمهما بوحي من الله والثاني ناسخ للأول .
(ففهمناها) أي الحكومة (سليمان وكلا) منهما (ءاتينا حكما) حكمة أو نبوة (وعلما) بأمور الدين (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن) ينزهن الله بإنطاقه إياها أو بلسان الحال (والطير وكنا فاعلين) لمثل ذلك وإن استغربتموه .
(وعلمناه صنعة لبوس) أي الدرع لأنها تلبس وكانت صفائح فحلقها وسردها (لكم لتحصنكم) أي داود أو اللبوس بالياء والتاء والنون (من بأسكم) حربكم بالسلاح (فهل أنتم شاكرون) نعمي .
(ولسليمان) وسخرنا له (الريح عاصفة) شديدة الهبوب في عملها طيبة في نفسها كما قال رخاء أو يختلف حالها حسب إرادته (تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها) وهي الشام (وكنا بكل شيء عالمين) فلا نفعل إلا ما تقتضيه الحكمة .
(ومن الشياطين من يغوصون له) في البحر فيخرجون جواهره (ويعملون عملا دون ذلك) سوى الغوص من البناء وغيره (وكنا لهم حافظين) أن يمتنعوا عليه أو يفسدوا ما عملوا .
(وأيوب إذ نادى ربه) لما ابتلي بالضر والمرض (أني مسني الضر) الجهد والشدة (وأنت أرحم الراحمين).
(فاستجبنا له) نداء (وكشفنا ما به من ضر) بإذهاب مرضه (وءاتيناه أهله ومثلهم معهم) بأن ولد له ضعف ما هلك أو أحياهم وولد له مثلهم (رحمة) كائنة (من عندنا) عليه (وذكرى للعابدين) ليصبروا كما صبر فيثابوا كما أثيب .
(وإسماعيل وإدريس وذا الكفل) قيل هو إلياس وقيل يوشع وقيل رجل صالح وليس بنبي وعن الباقر (عليه السلام) أنه نبي مرسل (كل) من المذكورين (من الصابرين) على بلاء الله وطاعته وعن معصيته .
(وأدخلناهم في رحمتنا) من النبوة ونعم الآخرة (إنهم من الصالحين) عملا .
(وذا النون) صاحب الحوت يونس بن متى (إذ ذهب مغاضبا) لقومه أي غضبان عليهم لما كان منهم وهاجر قبل أن يؤذن له (فظن أن لن نقدر عليه) نضيق عليه بشدة أي نقضي عليه ما قضيناه من حبسه ببطن الحوت (فنادى في الظلمات) ظلمة الليل والبحر وبطن الحوت (أن لا إله إلا أنت سبحانك) عما لا يليق بك (إني

كنت) في ذهابي بلا إذن (من الظالمين) أنفسهم بترك الأولى .
(فاستجبنا له ونجيناه من الغم) ببطن الحوت بأن قذفه إلى الساحل بعد ثلاثة أيام أو أكثر (كذلك) كما نجيناه (ننجي المؤمنين) برغمهم .
(وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا) بلا ولد يرثني (وأنت خير الوارثين) الباقي بعد فناء خلقك .
(فاستجبنا له ووهبنا له يحيى) ولدا (وأصلحنا له زوجه) بجعلها ولودا بعد عقمها أو بتحسين خلقها وكان سيئا (إنهم) أي زكريا وأهله ومن ذكر من الأنبياء (كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا) راغبين في ثوابنا وراهبين من عقابنا (وكانوا لنا خاشعين) خاضعين .
(والتي أحصنت فرجها) من حلال وحرام أي مريم (فنفخنا فيها من روحنا) من جهة روحنا جبرئيل حيث نفخ في جيبها فحملت بعيسى (وجعلناها وابنها) أي حالهما حيث ولدته من غير أب (آية للعالمين) دالة على كمال قدرتنا .
(إن هذه) أي ملة الإسلام (أمتكم) ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها (أمة واحدة) حال أي مجتمعة غير متفرقة (وأنا ربكم) لا غيري (فاعبدون) وحدي .
(وتقطعوا) التفت من الخطاب إلى الغيبة تقبيحا لفعلهم إلى غيرهم (أمرهم بينهم) جعلوا أمر دينهم قطعا متفرقة فتفرقوا فيه (كل) كل الفرق (إلينا راجعون) فنجازيهم .
(فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه) فلا جحود استعير لمنع الثواب كالشكر لإعطائه ونفي جنسه مبالغة (وإنا له) لسعيه (كاتبون) في صحيفته فنجزيه به .
(وحرام) ممتنع (على قرية أهلكناها) قدرنا إهلاك أهلها (أنهم لا يرجعون) أي ممتنع عليهم عدم رجوعهم للجزاء أو رجوعهم إلى الدنيا على زيادة لا أو تعليل .
(حتى إذا فتحت) بالتخفيف والتشديد (يأجوج ومأجوج) أي سدهما أو تأنيث الفعل لأنهما قبيلتان (وهم) أي يأجوج ومأجوج أو الخلق (من كل حدب) نشز في الأرض (ينسلون) يسرعون .
(واقترب الوعد الحق) أي القيامة (فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا) قائلين (يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا) الأمر (بل كنا ظالمين) لأنفسنا بعبادة الأوثان وترك النظر .
(إنكم وما تعبدون من دون الله) أي غيره من الأوثان والشياطين فإنهم عبدوهم بطاعتهم لهم (حصب جهنم) محصوبها وهو ما يحصب فيها أي يرمى يعني وقودها (أنتم لها واردون) داخلون .
(لو كان هؤلاء) المعبودون (ءالهة) كما زعمتم (ما وردوها) إذ دخولها ينافي الألوهية (وكل) من العبدة والمعبودين (فيها خالدون) دائمون .
(لهم فيها زفير) تنفس بشدة ونسب إلى الكل تغليبا لغير الجماد (وهم فيها لا يسمعون) ما يسرهم أو شيئا لشدة العذاب، قيل لما نزلت قال ابن الزبعرى قد عبد عزير وعيسى والملائكة فهم في النار فقال النبي إنما عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك ونزل .
(إن الذين سبقت لهم منا) الخصال (الحسنى) وهي العدة بالجنة أو السعادة أو التوفيق للطاعة ومنهم المذكورون (أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها) حال من ضمير مبعدون (وهم فيما اشتهت

أنفسهم) من الملاذ (خالدون) أبدا.
(لا يحزنهم الفزع الأكبر) النفخة الأخيرة أو الانصراف إلى النار أو إطباقها على أهلها (وتتلقاهم الملائكة) تستقبلهم بالتهنئة قائلين (هذا يومكم) وقت ثوابكم (الذي كنتم توعدون) في الدنيا .
(يوم) مقدر باذكر أو ظرف لا يحزنهم أو تتلقاهم (نطوي السماء) طيا (كطي السجل) الطومار (للكتب) لأجل الكتابة أو لما كتب فيه، وقرىء للكتاب أي للمعاني المكتوبة فيه، وقيل السجل ملك يطوي كتب بني آدم إذا ماتوا (كما بدأنا أول خلق نعيده) قدرتنا على الإعادة كقدرتنا على الإبداء (وعدا) وعدناه وعدا وهو يؤكد ما قبله (علينا) إنجازه (إنا كنا فاعلين) ما وعدنا .
(ولقد كتبنا في الزبور) جنس أي الكتب المنزلة (من بعد الذكر) أي أم الكتاب وهو اللوح وقيل الزبور كتاب داود والذكر التوراة (أن الأرض) أرض الجنة أو الدنيا (يرثها عبادي الصالحون) المطيعون أو أمة محمد بالفتوح، وقال الباقر (عليه السلام) هم أصحاب المهدي .
(إن في هذا) المذكور (لبلاغا) لكفاية أو لوصلة إلى البغية (لقوم عابدين) لله بإخلاص .
(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) للملائكة والثقلين البر في الدارين والفاجر في الدنيا .
(قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون) منقادون لذلك .
(فإن تولوا) عن ذلك (فقل ءاذنتكم) أعلمتكم بالحرب أو بما كلفتم (على سواء) مستوين أنتم في الإيذان أو أنا وأنتم في علمه أو إيذانا على سواء (وإن) وما (أدري أقريب أم بعيد ما توعدون) من نصر المسلمين أو البعث .
(إنه يعلم الجهر من القول) منكم ومن غيركم (ويعلم ما تكتمون) تسرونه أنتم وغيركم فيجازيكم به .
(وإن) وما (أدري لعله) أي تأخير ما توعدون أو إبهام وقته أو نعيم الدنيا (فتنة) امتحان (لكم) ليظهر صنيعكم (ومتاع إلى حين) تمتيع إلى انقضاء آجالكم .
(قال رب احكم) بيني وبين مكذبي (بالحق وربنا الرحمن) ذو الرحمة البالغة (المستعان) المسئول المعونة (على ما تصفون) من شرككم وكذبكم على الله بنسبة الولد إليه وعلى رسوله بأنه ساحر وعلى القرآن بأنه سحر.


سورة الحج

(22) سورة الحج ثمان وسبعون آية (78) مكية
إلا آيات أو مدنية إلا آيات.
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الناس اتقوا ربكم) بفعل الطاعات وترك المعاصي (إن زلزلة الساعة) تحريكها للأشياء أو تحريك الأشياء فيها، قيل هي زلزلة تتقدم الساعة فأضيف إليها لأنها من أشراطها (شيء عظيم) فظيع .
(يوم ترونها) أي الزلزلة (تذهل كل مرضعة عما أرضعت) أي هولها بحيث لو ألقمت المرضعة الرضيع ثديها أنزعته من فمه ونسيته لدهشتها (وتضع كل ذات حمل
حملها) جنينها (وترى الناس سكارى) من شدة الفزع وأفرد بعد جمعه لأن الزلزلة يراها الكل والسكر إنما يراه كل واحد من غيره (وما هم بسكارى) من الشراب (ولكن عذاب الله شديد) فأفزعهم بحيث أزال عقولهم .
(ومن الناس من يجادل في الله) في شأنه ويعم كل مجادل وإن نزل في النضر بن الحارث وكان جدلا يقول الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين وينكر البعث (بغير علم) برهان (ويتبع كل شيطان مريد) متجرد للفساد .
(كتب عليه) على الشيطان في علم الله (أنه) أي الشأن (من تولاه) تبعه (فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير) بدعائه إلى ما يوجبه .
(يا أيها الناس إن كنتم في ريب) في شك (من البعث فإنا خلقناكم) أي فنظركم في بدء خلقكم يزيل ريبكم فإنا خلقنا أصلكم آدم أو ما يتكون منه المني (من تراب ثم) خلقنا نسله (من نطفة) مني (ثم من علقة) دم جامد (ثم من مضغة) لحمة قدر ما يمضغ (مخلقة وغير مخلقة) تامة الخلق وغير تامة الخلق أو مصورة (لنبين لكم) بالتخطيط وغير مصورة بتقليبكم قدرتنا فإن من قدر عليه أولا قدر على إعادتكم ثانيا (ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى) هو وقت وضعه (ثم نخرجكم طفلا) حال ووحد إرادة للجنس أو كل واحد منكم (ثم) نربيكم شيئا فشيئا (لتبلغوا أشدكم) كمال قوتكم جمع شدة كأنعم لنعمة وهو من ثلاثين سنة إلى أربعين أو الحلم (ومنكم من يتوفى) عند بلوغ الأشد أو قبيله (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) أردئه وهو الهرم والخرف (لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) ليصير كالطفل في النسيان وسوء الفهم (وترى الأرض هامدة) دارسة يابسة من همد الثوب بلي (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت) تحركت بالنبات (وربت) انتفخت (وأنبتت من كل زوج) بعض كل صنف (بهيج) حسن نضر .
(ذلك) المذكور من أحوال الإنسان والأرض (بأن الله هو الحق) بسبب أنه الثابت المحق للأشياء (وأنه يحيي الموتى) بقدرته (وأنه على كل شيء قدير).
(وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور) هذان سببان غائيان لخلق الإنسان وما يتعيش به فإنه إنما خلق وكلف لجزاء الآخرة ولا يصل إليه إلا ببعثه في الساعة وما سبق من حقيته تعالى وإحياء الموتى وعموم قدرته فأسبأب فاعليته لذلك .
(ومن الناس من يجادل في الله بغير علم) كرر تأكيدا أو الأول في الأتباع وهذا من المتبوعين (ولا هدى) ولا دلالة عقلية معه (ولا كتاب منير) ذي نور أي ولا حجة سمعية من جهة الوحي .
(ثاني عطفه) متكبرا أو معرضا عن الحق وثني العطف كناية عن التكبر والإعراض عن الشيء (ليضل) الناس (عن سبيل الله) دينه (له في الدنيا خزي) بوقعة بدر (ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق) النار محرقة .
(ذلك) أي يقال له يوم القيامة ذلك الخزي والعذاب (بما قدمت يداك) من الكفر عبر بهما لأنها آلة لأكثر الأفعال (وأن الله ليس بظلام للعبيد) فيأخذ بغير جرم والمبالغة لكثرة العبيد .
(ومن الناس من يعبد الله على حرف) طرف من الدين مضطربا فيه كالقائم على طرف جبل وباقي الآية بيان هذا المجمل (فإن أصابه

خير) نعمة ورخاء (اطمأن به وإن أصابته فتنة) محنة وبلاء (انقلب على وجهه) عاد إلى كفره (خسر الدنيا) بفقد عصمته (والآخرة) بدخول النار بكفره (ذلك هو الخسران المبين) البين .
(يدعو) يعبد (من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه) أي جمادا عاجزا عن الضر والنفع (ذلك) الدعاء (هو الضلال البعيد) عن الرشد .
(يدعو لمن ضره) بكونه معبودا من إيجابه عذاب الدارين (أقرب من نفعه) الذي زعمه من الشفاعة واللام معلقة ليدعو لتضمنه معنى الزعم وهو قول باعتقاد (لبئس المولى) الناصر (ولبئس العشير) الصاحب .
(إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد) من نفع المؤمن المطيع وضرر المنافق العاصي لا يعجزه شيء .
(من كان يظن أن لن ينصره الله) الهاء لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو ل من ويراد بالنصر الرزق في الدنيا والآخرة (في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب) بحبل (إلى السماء) سماء بينه يشد فيه وفي عنقه (ثم ليقطع) أي ليختنق من قطع اختنق أي ليجتهد في دفع غيظه أو جزعه بأن يفعل فعل المغتاظ أو الجازع بنفسه وقيل فليمدد حبلا إلى السماء المظلة ثم ليقطع المسافة إليها فيجهد في دفع نصره أو نيل رزقه (فلينظر) فليتفكر (هل يذهبن كيده) صنعه ذلك (ما يغيظ) غيظه .
(وكذلك) الإنزال لما سبق (أنزلناه) أي القرآن (ءايات بينات) ظاهرات (وأن) ولأن (الله يهدي) يوفق أو يثبت على الهدى (من يريد) توفيقه أو تثبيته .
(إن الذين ءامنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة) يميز بينهم في أحوالهم ومحالهم (إن الله على كل شيء شهيد) مطلع عليم به .
(ألم تر) تعلم (أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض) ينقاد لقدرته وتدبيره (والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب) أن عمت من غير العقلاء فإفراد هذه بالذكر لظهورها (وكثير من الناس) عطف عليه (وكثير حق عليه العذاب) بإبائه أن يسجد طاعة قيل (وكثير) تكرير للسابق مبالغة في كثرة من حق عليه العذاب (ومن يهن الله) يشقه بالعقاب (فما له من مكرم) مسعد بالثواب (إن الله يفعل ما يشاء) من إهانة وإكرام .
(هذان) الجمعان من المؤمنين والكفار أهل الملل الخمس (خصمان اختصموا) جمع نظر إلى المعنى (في ربهم فالذين كفروا) في دينه قيل نظر في ستة تبارزوا ببدر علي وحمزة وعبيدة من المسلمين وعتبة وشيبة والوليد من المشركين وقيل في المسلمين واليهود حين قال كل منهما نحن أحق إن الله يفصل بينهم بقوله (قطعت لهم) قدرت على تقاديرهم (ثياب من نار) نيران تشملهم كالثياب (يصب من فوق رءوسهم الحميم) الماء المغلي قيل لو تقطعت منه قطعة على الجبال لأذابتها.

(يصهر) يذاب (به ما في بطونهم) من الأحشاء (والجلود) فباطنهم كظاهرهم في التأثر به .
(ولهم مقامع من حديد) يضربون بها والمقمعة ما يقمع به أي يدرع .
(كلما أرادوا أن يخرجوا منها) من النار (من غم) يأخذ بأنفاسهم فقاربوا الخروج (أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق).
(إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار) هذه حال الخصم الآخر (يحلون فيها) يلبسون حليا (من أساور) جمع أسورة وهي جمع سوار ومن ابتدائية (من ذهب) بيان لها (ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير).
(وهدوا إلى الطيب من القول) كلمة التوحيد أو قول الحمد لله أو القرآن (وهدوا إلى صراط الحميد) دين المحمود وهو الله أو طريق المحل المحمود وهو الجنة .
(إن الذين كفروا ويصدون) عطف على الماضي لقصد الاستمرار أو حال من واو كفروا (عن سبيل الله) عن طاعته (والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء) بالرفع خبر مبتدإ (العاكف فيه) المقيم (والباد) الطارىء (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم) حالان مترادفان والباء فيهما للملابسة والإلحاد عدول عن القصد وترك مفعول يرد ليعم أي من يرد فيه أمرا ما ملابسا للعدول عن القصد والظلم (نذقه من عذاب أليم) جواب من.
(وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت) أي واذكر إذ بيناه له ليبينه (أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي) من الأوثان (للطائفين) حوله (والقائمين) المقيمين عنده أو القائمين في الصلاة (والركع السجود) المصلين جمع راكع وساجد .
(وأذن) ناد (في الناس بالحج) بالأمر به روي أنه صعد أبا قبيس فقال: أيها الناس حجوا بيت ربكم (يأتوك رجالا) مشاة جمع راجل (وعلى كل ضامر) بعير مهزول أي ركبانا (يأتين) صفة كل ضامر لأنه بمعنى الجمع (من كل فج عميق) طريق بعيد .
(ليشهدوا) ليحضروا (منافع لهم) دينية ودنيوية (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) هي أيام النحر الأربعة أي ليسموا الله فيها (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) أي على ذبح ونحر ما رزقهم من الإبل والبقر والغنم هدايا أو ضحايا، وعن الصادق (عليه السلام) هو التكبير بمعنى عقيب خمس عشرة صلاة أولها ظهر العيد (فكلوا منها وأطعموا البائس) من مسه بؤس أي ضر (الفقير) المحتاج .
(ثم ليقضوا تفثهم) ليزيلوا شعثهم بقص الشارب والظفر وحلق الشعر والغسل إذا أحلوا (وليوفوا نذورهم) ما نذروا من البر في حجتهم (وليطوفوا) طواف الزيارة والنساء أو الوداع أو ما يعمها (بالبيت العتيق) القديم لأنه أول بيت وضع أو الكريم وروي أنه المعتق من الغرق ومن تسلط الجبابرة .
(ذلك) أي الأمر ذلك المذكور (ومن يعظم حرمات الله) أحكامه وما لا يحل هتكه من جميع التكاليف أو ما يتعلق بالحج (فهو) أي تعظيمها (خير له عند ربه) ثوابا (وأحلت لكم الأنعام) كلها أكلا (إلا ما يتلى عليكم) تحريمه في حرمت عليكم الميتة الآية ونحوها (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) من بيانية.

(و اجتنبوا قول الزور) هو الكذب أو شهادة الزور أو الغناء أو قول: هذا حلال وهذا حرام .
(حنفاء لله) موحدين له (غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء) أي فقد أهلك نفسه هلاك من سقط منها (فتخطفه الطير أو تهوي به الريح) تأخذه بسرعة فترفعه قطعا من حواصلها وقرىء بالتشديد أي تسقطه (في مكان سحيق) بعيد وأو للإباحة في التشبيهين .
(ذلك) أي الأمر ذلك (ومن يعظم شعائر الله) دينه أو مناسك الحج أو الهدايا (فإنها) فإن تعظيمها ناشىء (من تقوى القلوب) أي قلوبهم .
(لكم فيها منافع) درها وظهرها (إلى أجل مسمى) وقت نحرها (ثم محلها) مكان حل نحرها (إلى البيت العتيق) أي ما يقرب منه، قيل هو الحرم كله وعندنا أنه في الحج مني وفي العمرة المفردة مكة بالجزورة .
(ولكل أمة) من الأمم (جعلنا منسكا) قربانا أو متعبدا وقرىء بالكسر أي مكان نسك (ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) عند ذبحها ويفيد اختصاص القربان بها (فإلهكم إله واحد) لا شريك له فلا تذكروا على ذبائحكم إلا اسمه (فله أسلموا) انقادوا (وبشر المخبتين) الخاضعين الخاشعين .
(الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) لهيبته (والصابرين على ما أصابهم) من المصائب (والمقيمي الصلاة) في أوقاتها (ومما رزقناهم ينفقون) في سبيل الخير .
(والبدن) الإبل (جعلناها لكم من شعائر الله) أعلام دينه (لكم فيها خير) نفع ديني ودنيوي (فاذكروا اسم الله عليها) عند نحرها (صواف) قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن (فإذا وجبت جنوبها) سقطت إلى الأرض أي ماتت بالنحر (فكلوا منها وأطعموا القانع) الذي يقنع بما يعطى (والمعتر) المعترض بسؤال أو بدونه (كذلك) التسخير أي هكذا (سخرناها لكم) مع ضخمها وقوتها فتقودونها وتحبسونها ثم تنحرونها (لعلكم تشكرون) نعمتنا عليكم .
(لن ينال الله) لن يصعد إليه (لحومها ولا دماؤها ولكن يناله) يصعد إليه (التقوى منكم) الموجبة لإخلاص العمل لله وقبوله منه (كذلك سخرها لكم) كرر ليعلل بقوله (لتكبروا الله على ما هداكم) أرشدكم لإعلام دينه ومناسك حجه (وبشر المحسنين) أي الموحدين .
(إن الله يدافع) وقرىء يدفع والأول للمبالغة (عن الذين ءامنوا) كيد المشركين (إن الله لا يحب كل خوان) لله بإشراكه (كفور) جحود لنعمه أي لا يرضى عنهم .
(أذن) وقرىء بالبناء للفاعل أي الله (للذين يقاتلون) المشركين وحذف المأذون فيه لدلالته عليه (بأنهم) بسبب أنهم (ظلموا) وهم المؤمنون كان المشركون يؤذونهم بضرب وغيره فيتظلمون إلى النبي فيقول لهم اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجروا فأنزلت (وإن الله على نصرهم لقدير) عدة لهم بالنصر ‌.
(الذين أخرجوا من ديارهم) مكة (بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) أي بغير موجب سوى التوحيد الموجب للإقرار لا الإخراج، قال الباقر (عليه السلام) نزلت في المهاجرين وجرت في آل محمد أخرجوا أو أخيفوا (ولولا

دفع) وقرىء دفاع (الله الناس بعضهم ببعض) بنصر المسلمين على الكفار (لهدمت) بالتشديد والتخفيف (صوامع) للرهبان (وبيع) كنائس للنصارى (وصلوات) كنائس لليهود سميت بها لأنه يصلي فيها (ومساجد) للمسلمين (يذكر فيها اسم الله كثيرا) صفة للأربع أو للمساجد خصت بها تشريفا وقيل الكل أسماء للمساجد (ولينصرن الله من ينصره) بنصر دينه وقد أنجز وعده (إن الله لقوي) على النصر (عزيز) لا يغالب .
(الذين إن مكناهم في الأرض) وصف للذين أخرجوا أو بدل ممن ينصره، قال الباقر (عليه السلام) نحن هم (أقاموا الصلوة وآتوا الزكوة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) جواب الشرط وهو وجوابه صلة للذين (ولله عاقبة الأمور) لا يملكها في الآخرة سواء .
(وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود).
(وقوم إبراهيم وقوم لوط).
(وأصحاب مدين) تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن تكذيب قومه (وكذب موسى) غير النظم لأن القبط كذبوه لا قومه (فأمليت للكافرين) أمهلتهم وأخرت عقوبتهم (ثم أخذتهم) بالعذاب (فكيف كان نكير) إنكاري عليهم بالانتقام منهم بتكذيبهم.
(فكأين) فكم (من قرية أهلكناها) وقرىء أهلكتها (وهي ظالمة) أي أهلها بالكفر حال (فهي خاوية على عروشها) أي ساقطة حيطانها على سقوفها أو خالية مع بقاء سقوفها (وبئر معطلة) متروكة بموت أهلها (وقصر مشيد) مجصص أو مرفوع هلك أهله .
(أفلم يسيروا في الأرض) ليعرفوا حال المكذبين قبلهم فيعتبروا (فتكون لهم قلوب يعقلون بها) ما أصاب أولئك بتكذيبهم (أو ءاذان يسمعون بها) أخبار إهلاكهم سماع تدبر (فإنها لا تعمى الأبصار) الهاء للقصة أو مبهم يفسره الأبصار وفاعل تعمى ضميره (ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) قيد بالصدور تأكيدا ورفعا للتجوز .
(ويستعجلونك بالعذاب) الذي أوعدوه (ولن يخلف الله وعده) بإنزاله وقد أنجزه يوم بدر (وإن يوما) من أيام عذابهم (عند ربك) في الآخرة (كألف سنة مما تعدون) في الدنيا وقرىء بياء الغيبة .
(وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها) المراد أهلها وعطف السابق بالفاء لأنه بدل من فكيف كان نكير وهذا بالواو لسوقه لبيان وقوع العذاب بهم وإن أمهلوا كالجملتين قبله (وإلى المصير) مرجع الكل.
(قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين) لما أنذركم به .
(فالذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة) لذنوبهم (ورزق كريم) بنعيم الجنة فإنه أفضل رزق .
(والذين سعوا في ءاياتنا) القرآن بالإبطال (معاجزين) مسابقين لنا ظانين أن يفوتونا أو يتم كيدهم (أولئك

أصحاب الجحيم) النار .
(وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي) وعنهم (عليهم السلام) أو محدث بفتح الدال هو الإمام يسمع الصوت ولا يرى الملك (إلا إذا تمنى) بقلبه منية (ألقى الشيطان في أمنيته) ووسوس إليه فيها بالباطل يدعوه إليه (فينسخ الله ما يلقي الشيطان) فيبطله ويزيله بعصمته وهدايته إلى ما هو الحق (ثم يحكم الله ءاياته) يثبت دلائله الداعية إلى مخالفة الشيطان (والله عليم حكيم) في تدبيره .
(ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة) الدال على ظهور الملقى للناس بخلاف الأول لخفاء تمني القلب فكيف يكون امتحانا (للذين في قلوبهم مرض) شك ونفاق (والقاسية قلوبهم) المشركين (وإن الظالمين) أي الحزبين وضع موضع ضميرهم إيذانا بظلمهم (لفي شقاق) خلاف (بعيد) عن الحق أو عن الرسول وبيعته .
(وليعلم الذين أوتوا العلم) بتوحيد الله وحكمته (أنه) أي القرآن (الحق) الذي لا يأتيه الباطل منزلا (من ربك فيؤمنوا به) يثبتوا على إيمانهم أو يزدادوا إيمانا (فتخبت) تخشع وتطمئن (له قلوبهم وإن الله لهاد الذين ءامنوا إلى صراط مستقيم).
(ولا يزال الذين كفروا في مرية) شك (منه) من القرآن (حتى تأتيهم الساعة) القيامة (بغتة) فجأة (أو يأتيهم عذاب يوم عقيم) لا خير فيه كالريح العقيم لا تأتي بخير .
(الملك يومئذ) أي يوم القيامة (لله) وحده (يحكم بينهم) بين المؤمنين والكافرين (فالذين ءامنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم).
(والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين) لهم لشدته.
(والذين هاجروا في سبيل الله) في طاعته من مكة إلى المدينة أو من أوطانهم في سرية (ثم قتلوا) في الجهاد (أو ماتوا ليرزقنهم).
(الله رزقا حسنا) نعيم الجنة (وإن الله لهو خير الرازقين) لانتهاء كل رزق إليه (ليدخلنهم مدخلا) بالضم وفتحه نافع مصدر أو اسم مكان (يرضونه) هو الجنة (وإن الله لعليم) بأحوالهم (حليم) لا يعجل العقوبة .
(ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به) جازى من ظلمه بمثل ما ظلمه به (ثم بغي عليه) عاوده الظالم بالظلم (لينصرنه الله) على الباغي (إن الله لعفو غفور .
ذلك) النصر (بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) بسبب أنه القادر الذي من قدرته إدخال كل من الملوين في الآخر بالزيادة والنقصان (وأن الله سميع) للأقوال (بصير) بالأفعال .
(ذلك) الوصف بالقدرة والعلم (بأن الله) بسبب أنه (هو الحق) الثابت الإلهية المستلزمة للقدرة والعلم (وأن ما يدعون) يعبدون (من دونه هو الباطل) الزائل.

(و أن الله هو العلي الكبير.
ألم تر) استفهام تقرير (أن الله أنزل من السماء ماء) مطرا.
(فتصبح الأرض مخضرة) بالنبات أتى بالمضارع إيذانا ببقاء أثر المطر مدة طويلة (إن الله لطيف) في أفعاله (خبير) بتدبير خلقه .
(له ما في السموات وما في الأرض) ملكا وخلقا (وإن الله لهو الغني الحميد.
ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض) من البهائم وغيرها ذللها لمنافعكم (والفلك) عطف على ما (تجري في البحر بأمره) حال منها (ويمسك السماء أن) من أن أو كراهة أن (تقع على الأرض) بأن طبعها على الاستمساك (إلا بإذنه) بمشيئته (إن الله بالناس لرءوف رحيم) حيث فعل بهم ما فيه منافع الدارين .
(وهو الذي أحياكم) بعد أن كنتم أمواتا جمادا (ثم يميتكم) عند آجالكم (ثم يحييكم) بعد بعثكم (إن الإنسان) أي المشرك (لكفور) جحود .
(لكل أمة جعلنا منسكا) شريعة أو متعبدا (هم ناسكوه) عاملون به أو فيه (فلا ينازعنك) أي بقايا الأمم (في الأمر وادع إلى ربك) دينه (إنك لعلى هدى مستقيم).
(وإن جادلوك) بعد لزوم الحجة (فقل الله أعلم بما تعملون) من المراء وغيره فيجازيكم به .
(الله يحكم بينكم) أيها المؤمنون والكافرون (يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون) بإثابة المحق وتعذيب المبطل .
(ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض) ومنه أمر هؤلاء (إن ذلك في كتاب) هو اللوح المحفوظ (إن ذلك) العلم به وكتبه في اللوح (على الله يسير) لاستواء نسبة ذاته إلى المعلومات والمقدورات .
(ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا) حجة على صحة عبادته (وما ليس لهم به علم وما للظالمين) بالشرك (من نصير) يمنعهم من العذاب .
(وإذا تتلى عليهم ءاياتنا) من القرآن (بينات) ظاهرات الدلالة على الحق (تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر) الإنكار لهم أي أثره من العبوس (يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم ءاياتنا) يبطشون بهم (قل أفأنبئكم بشر من ذلكم) من غيظكم على التالين أو ما كره إليكم من القرآن (النار) أي هو النار (وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير) هي .
(يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له) وتدبروه وهو (إن الذين تدعون من دون الله) يعبدونهم غيره وهم الأصنام (لن يخلقوا

ذبابا) مع حقارته (ولو اجتمعوا له) لخلقه (وإن يسلبهم الذباب شيئا) مما عليهم من طيب وزعفران إذ كانوا يطلونهم به فيأتي الذباب فيأكله (لا يستنقذوه منه) لعجزهم فالعاجز عن ذلك كيف يشارك الخالق القادر على كل شيء (ضعف الطالب والمطلوب) العابد والمعبود أو الذباب والصنم أو عكسه .
(ما قدروا الله حق قدره) ما عرفوه حق معرفته إذ أشركوا به ما يعجز عن ذب الذباب عن نفسه (إن الله لقوي) قادر (عزيز) غالب فكيف يشاركه العاجز المغلوب لأضعف خلقه .
(الله يصطفي من الملائكة رسلا) إلى أنبيائه بالوحي (ومن الناس) رسلا إلى سائرهم (إن الله سميع) للأقوال (بصير) بالأحوال .
(يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) ما مضى وما غير من أحوالهم (وإلى الله) إلى علمه أو تدبيره (ترجع الأمور) كلها .
(يا أيها الذين ءامنوا اركعوا واسجدوا) أي صلوا (واعبدوا ربكم) بكل ما تعبدكم به (وافعلوا الخير) كصلة الرحم ومكارم الأخلاق (لعلكم تفلحون) أي راجين للفوز بنعيم الجنة غير قاطعين به متكلين على أعمالكم (وجاهدوا في الله) لوجهه بخلاف النفس والهوى في طاعته وبقتال الكفرة لإقامة دينه (حق جهاده) أي جهادا حق الجهاد فيه بأن تخلصوه لوجهه أو تستفرغوا وسعكم فيه (هو اجتباكم) اختاركم لدينه (وما جعل عليكم في الدين من حرج) أي ضيق لا مخرج منه بل جعل التوبة والكفارات ورد المظالم والرخص في الضرورات مخرجا من الذنوب أو لم يكلفكم ما لا تطيقون أو يصعب عليكم (ملة أبيكم إبراهيم) نصب على الإغراء والاختصاص أو بنزع الخافض (هو سماكم المسلمين من قبل) قبل القرآن في الكتب السابقة (وفي هذا) القرآن والضمير لله أو لإبراهيم (ليكون الرسول شهيدا عليكم) يوم القيامة بأنه بلغكم أو بطاعتكم أو عصيانكم (وتكونوا شهداء على الناس) بتبليغ رسلهم إليهم (فأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة واعتصموا بالله) وثقوا به (هو مولاكم) ناصركم ومتولي أموركم (فنعم المولى ونعم النصير).


سورة المؤمنون

(23) سورة المؤمنون مائة وتسع عشرة آية (119) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(قد أفلح المؤمنون) فازوا بما طلبوا وقد للتحقيق وإثبات الموقع وتقريب الماضي من الحال .
(الذين هم في صلاتهم خاشعون) متذللون لله .
(والذين هم عن اللغو) الساقط عن قول وفعل (معرضون) لا يلتفتون إليه ولا يقاربونه فضلا عن فعله .
(والذين هم للزكاة فاعلون) مدحهم باستكمال الطاعات البدنية من الخشوع في الصلاة وتجنب ما يجب شرعا أو عرفا تجنبه والمالية من فعل الزكاة .
(والذين هم
لفروجهم حافظون.
إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) زوجاتهم أو سرياتهم (فإنهم غير ملومين) إلا على إتيانهن .
(فمن ابتغى وراء ذلك) المحدود (فأولئك هم العادون) المتجاوزون ما حد لهم .
(والذين هم لأماناتهم وعهدهم) لما ائتمنوا عليه وعاهدوا من جهة الله أو الناس (راعون) حافظون .
(والذين هم على صلاتهم يحافظون) بأدائها في أوقاتها وحدودها ولفظ المضارع لتجددها وتكررها والمحافظة أعم من الخشوع فلا تكرار ولفضلها وقع الافتتاح والختم بها .
(أولئك هم الوارثون) دون غيرهم .
(الذين يرثون الفردوس) بأعمالهم (هم فيها).
(خالدون ولقد خلقنا الإنسان من سلالة) صفوة سلت من الكدر (من طين) وهو آدم أو الجنس لأنهم خلقوا من نطف استلت موادها من طين .
(ثم جعلناه) الإنسان يعني جوهره أو السلالة على تأويل الماء (نطفة) منيا (في قرار) مستقر هو الرحم (مكين) وصف المحل بصيغة الحال مبالغة .
(ثم خلقنا) صيرنا (النطفة علقة) دما جامدا (فخلقنا العلقة مضغة) قطعة لحم (فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام) جمعت لاختلافها شكلا وصلابة ووحدت في قراءة (لحما) أثبتناه عليها (ثم أنشأناه خلقا ءاخر) بنفخ الروح فيه وثم في الموضعين لتراخي الرتبة (فتبارك الله أحسن الخالقين) المقدرين .
(ثم إنكم بعد ذلك) المذكور من قيام الخلق (لميتون) عند آجالكم .
(ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) للحساب والجزاء .
(ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق) سموات جمع طريقة لأنها طرق الملائكة والكواكب فيها مسيرها أو لأنها طوارق بعضها على بعض أي طبق (وما كنا عن الخلق) أي كل المخلوقات (غافلين) تاركين تدبيرها .
(وأنزلنا من السماء ماء بقدر) بمقدار يوافق المصلحة أو بتقدير يعم نفعه ويؤمن ضره (فأسكناه) أثبتناه ( في الأرض) مددا للينابيع والآثار (وإنا على ذهاب به) إذهابه (لقادرون) ولو فعلنا الذهب لهلك كل حيوان ونبات .
(فأنشأنا لكم به) بالماء (جنات من نخيل وأعناب لكم فيها) في الجنات (فواكه كثيرة) تتفكهون بها (ومنها) من الجنات أي ثمارها وزرعها (تأكلون) تطعمون أو تتعيشون أو الضمير للنخيل والأعناب أي لكم من ثمرها أنواع من الفواكه وطعام تأكلون .
(وشجرة) عطف على جنات (تخرج من طور) جبل (سيناء) بقعة أضيف إليها أو هما علم مركب له (تنبت بالدهن) الباء للمصاحبة أي متلبسة بالدهن أو المتعدية وعلى قراءته رباعيا أي ينبت زيتونها متلبسا بالدهن (وصبغ للآكلين) عطف على الدهن أي إدام يصبغ فيه الخبز أي يغمس فيه للائتدام .
(وإن لكم في الأنعام لعبرة) اعتبارا (نسقيكم مما في بطونها) من اللبن (ولكم فيها منافع كثيرة) في أصوافها وأوبارها وغير ذلك (ومنها) ومن لحومها (تأكلون).
(وعليها) على الإبل سفن البر ولذا ناسب قوله (و على

الفلك تحملون) في البر والبحر .
(ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله) وحده (ما لكم من إله غيره أفلا تتقون) نقمته بعبادتكم غيره .
(فقال الملأ) الأشراف (الذين كفروا من قومه) لتبعتهم (ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل) يترأس (عليكم) فيجعلكم أتباعا له (ولو شاء الله) إرسال رسول (لأنزل ملائكة) رسلا (ما سمعنا بهذا) الذي يدعونا إليه من التوحيد (في ءابائنا الأولين) قالوه عنادا أو لطول فترة كانوا فيها .
(إن هو إلا رجل به جنة) جنون (فتربصوا به) انتظروه (حتى حين) إلى زمن إفاقته أو زمن موته فتستريحوا منه .
(قال) بعد يأسه من إجابتهم (رب انصرني) عليهم بإهلاكهم (بما كذبون) بسبب تكذيبهم إياي .
(فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا) برعايتنا وحفظنا (ووحينا) وتعليمنا (فإذا جاء أمرنا) بتعذيبهم (وفار التنور) ارتفع منه الماء (فاسلك فيها) أدخل في السفينة (من كل زوجين) ذكر وأنثى من أنواعهما (اثنين) ذكرا أو أنثى وقرىء بتنوين كل أي من كل نوع زوجين اثنين (وأهلك) هم زوجته وبنوه (إلا من سبق عليه القول منهم) الوعد بإهلاكه كابنه كنعان وأمه واغلة (ولا تخاطبني في الذين ظلموا) بإمهالهم (إنهم مغرقون) لا محالة .
(فإذا استويت) ركبت واعتدلت (أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين) بإشراكهم .
(وقل رب أنزلني) في السفينة أو الأرض (منزلا) بضم الميم وفتح الزاي مصدر أو اسم مكان وبفتح الميم وكسر الزاي (مباركا) كثير الخير (وأنت خير المنزلين).
(إن في ذلك) في أمر نوح وقومه (لآيات) دلالات وعبرا للمعتبرين (وإن) هي المخففة (كنا لمبتلين) مختبرين عبادنا ليتذكروا أو مصيبين قوم نوح بالبلاء واللام فارقة .
(ثم أنشأنا من بعدهم قرنا ءاخرين) هم عاد .
(فأرسلنا فيهم رسولا منهم) هو هود وعدي أرسل بفي إيذانا بأنه أوحي إليه وهو بين أظهرهم (أن) أي بأن أو أي (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون) عذابه .
(وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة) أي بالبعث فيها (وأترفناهم) نعمناهم (في الحيوة الدنيا) ضروب الملاذ (ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون) أي تشربونه.

(و لئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون) باتباعه .
(أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون) من قبوركم أحياء .
(هيهات هيهات) اسم فعل ماض أي بعد الثبوت (لما توعدون) أي بعد ما توعدون واللام زائدة .
(إن هي) ما الحياة (إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا) يموت قوم ويولد قوم (وما نحن بمبعوثين) بعد موتنا .
(إن) ما (هو إلا رجل افترى على الله كذبا) بدعواه الرسالة ووعده بالبعث (وما نحن له بمؤمنين) بمصدقين .
(قال رب انصرني بما كذبون).
(قال) تعالى (عما قليل) من الزمان وما زائدة لتوكيد معنى القلة (ليصبحن نادمين) على تكذيبهم .
(فأخذتهم الصيحة) صاح بهم جبرئيل صيحة فماتوا (بالحق) باستحقاقهم أخذها (فجعلناهم غثاء) هو ما احتمله السيل من نبات بال ونحوه شبهوا به في هلاكهم (فبعدا للقوم الظالمين) أي بعدوا من الرحمة بعدا .
(ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين) هم قوم صالح ولوط وشعيب .
(ما تسبق من أمة أجلها) بأن تهلك قبله (وما يستأخرون) عنه وذكر ضمير ها للمعنى .
(ثم أرسلنا رسلنا) تترى متواترين يتبع بعضهم بعضا (كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا) في الإهلاك (وجعلناهم أحاديث) لم يبق منهم سوى أخبار يتحدث بها (فبعدا لقوم لا يؤمنون).
(ثم أرسلنا موسى وأخاه هرون بآياتنا) المعجزات (وسلطان مبين) برهان ظاهر .
(إلى فرعون وملإيه فاستكبروا) عن قبول الحق (وكانوا قوما عالين) قاهرين بالظلم .
(فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما) أي بنو إسرائيل (لنا عابدون) مطيعون خاضعون .
(فكذبوهما فكانوا من المهلكين) بالغرق .
(ولقد ءاتينا موسى الكتاب) التوراة (لعلهم) أي قومه بني إسرائيل لا قوم فرعون لأنهم أغرقوا قبل نزولها (يهتدون) به إلى الدين .
(وجعلنا ابن مريم وأمه ءاية) بأن ولدته بغير فحل فهو آية واحدة فيهما أو ابن مريم آية بكلامه في المهد وأمه آية بولادتها بلا فحل (وءاويناهما إلى ربوة) أرض مرتفعة هي أرض بيت المقدس أو الرملة أو دمشق أو مصر (ذات قرار) استواء يستقر عليها أو ثمار لأجلها يستقر فيها (ومعين) ماء جار ظاهر للعيون .
(يا أيها الرسل كلوا من الطيبات) المستلذات المباحات (واعملوا صالحا) أي الطاعات.

(إني بما تعملون عليم) فأجازيكم به .
(وإن هذه أمتكم أمة واحدة) أي ملة الإسلام ملتكم حال كونها ملة مجتمعة أو ملل الأنبياء ملتكم ملة متخذة في أصول الشرائع أو هذه جماعتكم جماعة متفقة على التوحيد (وأنا ربكم فاتقون) في التفرق في الدين .
(فتقطعوا أمرهم بينهم) جعلوا أمر دينهم أديانا مختلفة (زبرا) كتبا يدينون بها أو أحزابا متحالفين (كل حزب) فريق (بما لديهم) من الدين (فرحون) مسرورون .
(فذرهم في غمرتهم) ضلالتهم (حتى حين) إلى وقت موتهم .
(أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين) بيان لما .
(نسارع لهم في الخيرات) ليس ذاك كما يظنون وإنما ذاك استدراج لهم (بل لا يشعرون) أنه استدراج .
(إن الذين هم من خشية ربهم) من خوفه (مشفقون) لازمون لطاعته .
(والذين هم بآيات ربهم) القرآن وغيره (يؤمنون) يصدقون .
(والذين هم بربهم لا يشركون) غيره في عبادته .
(والذين يؤتون ما ءاتوا) يعطون ما أعطوا من الصدقة أو أعمال البر كلها (وقلوبهم وجلة) خائفة أن لا يقبل منهم (أنهم) أي لأنهم (إلى ربهم راجعون) وهو علام السرائر .
(أولئك يسارعون في الخيرات) يبادرون الطاعات رغبة فيها أو يتعجلون خيرات الدنيا بمبادرتهم الطاعات الموجبة لها لتقابل إثباته لهم نفيه عن أضدادهم (وهم لها) لأجلها (سابقون) الناس إلى الجنة أو فاعلون السبق .
(ولا نكلف نفسا إلا وسعها) والوسع دون الطاقة (ولدينا كتاب) اللوح أو صحيفة الأعمال (ينطق بالحق) بالصدق فيما كتب فيه من أعمالها (وهم) أي النفوس (لا يظلمون) بنقص ثواب أو زيادة عقاب .
(بل قلوبهم) أي الكفار (في غمرة) غفلة (من هذا) مما وصف به هؤلاء أو من كتاب الأعمال (ولهم أعمال) سيئة (من دون ذلك) سوى ما هم عليه من الكفر (هم لها عاملون) لا يتركونها .
(حتى إذا أخذنا مترفيهم) منعميهم (بالعذاب) في الآخرة أو القتل ببدر أو الجوع (إذا هم يجأرون) يصرخون بالاستغاثة .
(لا تجأروا اليوم) مقدر بالقول (إنكم منا لا تنصرون) لا تمنعون منا أو لا يأتيكم نصر من جهتنا .
(قد كانت ءاياتي تتلى عليكم) أي القرآن (فكنتم على أعقابكم تنكصون) تدبرون عن سماعها وقبولها كمن رجع القهقرى .
(مستكبرين به) الهاء للقرآن بتضمين الاستكبار معنى التكذيب إلا أن استكبارهم بسبب سماعه أو لتعلق الباء بقوله (سامرا) أي يستمرون بالطعن فيه (تهجرون) تتركون القرآن أو تهذون في شأنه .
(أفلم يدبروا القول) أي القرآن فيستدلوا بإعجاز نظمه ووضوح حججه على صدق رسولنا (أم جاءهم ما لم يأت ءاباءهم الأولين) من الرسل .
(أم لم يعرفوا رسولهم) بالصدق والأمانة ومكارم الأخلاق وكمال العلم وشرف النسب (فهم له منكرون) بل عرفوا جميع ذلك فلا وجه لإنكارهم له .
(أم يقولون به جنة) وكانوا يعلمون أنه أكملهم عقلا (بل جاءهم بالحق) الدين القيم (وأكثرهم للحق كارهون) لمخالفة أهوائهم ولعل التقييد بالأكثر لأن منهم من لم يكره الحق لكنه لم يؤمن لقلة فطنة أو حسدا له (صلى الله عليه وآله وسلّم) .

(و لو اتبع الحق أهواءهم) بأن أتى بما يهوونه من الشركاء (لفسدت السموات والأرض ومن فيهن) للتمانع كما مر في لو كان فيهما ءالهة أو لو اتبع الله أهواءهم بأن أنزل ما يشتهون من الشرك لما كان إلها فلا يقدر على إمساك السموات والأرض (بل أتيناهم بذكرهم) بالقرآن الذي هو شرفهم أو وعظهم (فهم عن ذكرهم معرضون).
(أم تسئلهم خرجا) أجرا على تبليغ الرسالة (فخراج ربك) رزقه في الدنيا وثوابه في الآخرة (خير) منه لدوامه وكثرته (وهو خير الرازقين) أفضل من أعطى .
(وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم) دين الإسلام .
(وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة) بالبعث وما يتبعه (عن الصراط) المستقيم (لناكبون) لعادلون .
(ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر) جوع أصابهم بمكة سبع سنين (للجوا) لتمادوا (في طغيانهم) كفرهم وعتوهم (يعمهون) يترددون .
(ولقد أخذناهم بالعذاب) بالجوع (فما استكانوا لربهم) ما خضعوا له (وما يتضرعون) ما يرغبون إليه في الدعاء .
(حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد) هو القتل ببدر أو الجوع (إذا هم فيه مبلسون) متحيرون آيسون من كل خير .
(وهو الذي أنشأ لكم السمع) وحد لأنه في الأصل مصدر أو بتقدير حواس السمع (والأبصار والأفئدة) القلوب لتدركوا الدلائل المسموعة والمبصرة (قليلا ما تشكرون) أي تشكرونها شكرا قليلا .
(وهو الذي ذرأكم) خلقكم (في الأرض وإليه تحشرون) تجمعون بالبعث .
(وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار) يختص به اختلافهما بالظلمة والضياء والطول والقصر أو تعاقبهما أي ذهاب أحدهما ومجيء الآخر (أفلا تعقلون) تتفكرون فتعلمون أن من هذا صنعه لا يستحق الإلهية سواه وأنه قادر على البعث .
(بل قالوا مثل ما قال الأولون) المنكرون .
(قالوا) استبعادا له (أءذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمبعوثون) ولم يتفكروا في بدء خلقهم .
(لقد وعدنا نحن وءاباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين) أكاذيبهم التي سطروها .
(قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون) ذلك فأجيبوني .
(سيقولون لله قل أفلا تذكرون) فتعلمون أن من قدر على الابتداء قادر على الإعادة .
(قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم) زيادة في الحجة .
(سيقولون لله قل أفلا تتقون) عذابه على جحد وحدانيته وقدرته على البعث.

(قل من بيده ملكوت كل شيء) ملكه والتاء للمبالغة (وهو يجير ولا يجار عليه) يمنع من يشاء ولا يمنع منه أحد (إن كنتم تعلمون).
(سيقولون لله قل فأنى تسحرون) فمن أين تخدعون ويخيل إليكم الحق باطلا مع وضوحه .
(بل أتيناهم بالحق) من نفي الولد والشريك (وإنهم لكاذبون) في إثباتهما .
(وما اتخذ الله من ولد) لتنزهه عن مجانسة خلق (وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله) منهم (بما خلق) وانفرد به وامتاز ملكه عن ملك الآخرين (ولعلا بعضهم على بعض) بالتغالب كفعل ملوك الدنيا (سبحان الله عما يصفون) من الولد والشريك .
(عالم الغيب والشهادة) ما غاب وما حضر (فتعالى) تنزه (عما يشركون) عن إشراكهم أو ما يشركون .
(قل رب إما تريني ما يوعدون) من النقمة .
(رب فلا تجعلني في القوم الظالمين) معهم .
(وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون) وإنما نمهلهم لمصلحة وحكمة .
(ادفع بالتي) بالخلة التي (هي أحسن السيئة) وهي الإغضاء عنها والصفح ومقابلتها بإحسان وقيل هي كلمة التوحيد والسيئة الشرك (فنحن أعلم بما يصفون) يصفونك به أو بوصفهم إياك بغير صفتك فيجازيهم به .
(وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين) وساوسهم .
(وأعوذ بك رب أن يحضرون) فيقربوني في حال من الأحوال .
(حتى إذا جاء أحدهم الموت) وعاين ما أعد له من النكال (قال رب ارجعون) إلى الدنيا والجمع للتعظيم .
(لعلي أعمل صالحا فيما تركت) من الإيمان أي لعلي آتي به وأعمل صالحا فيه (كلا) ردع (إنها) أي مسألة الرجعة (كلمة هو قائلها) وحده لا يجاب إليها (ومن ورائهم) أمامهم (برزخ) حاجز بينهم وبين الرجوع وهو مدة ما بين الموت (إلى يوم يبعثون).
(فإذا نفخ في الصور) نفخة الصعق أو البعث (فلا أنساب بينهم يومئذ) يتعاطفون بها لدهشتهم بحيث يفر المؤمن من أخيه وأمه وأبيه أو يفتخرون بها (ولا يتساءلون) لا يسأل بعضهم بعضا لشغله بنفسه، ولا ينافيه وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون لاختلاف الموطنين .
(فمن ثقلت موازينه) بالطاعات (فأولئك هم المفلحون) الفائزون بالمراد .
(ومن خفت موازينه) بالمعاصي (فأولئك الذين خسروا أنفسهم) ضيعوها ولم ينتفعوا بها (في جهنم خالدون).
(تلفح وجوههم النار) تضربها فتحرقها (وهم فيها كالحون) عابسون .
(ألم تكن آياتي تتلى عليكم) أي يقال لهم ذلك (فكنتم بها) بالآيات وهي القرآن (تكذبون).
(قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا) ملكنا سوء عاقبتنا الذي استوجبناه بسوء عملنا.

(و كنا قوما ضالين) عن الحق .
(ربنا أخرجنا منها) من النار (فإن عدنا) في الكفر (فإنا ظالمون) قيل هذا آخر ما يتكلمون به ثم لا يكون لهم إلا زفير وشهيق وعواء .
(قال اخسئوا فيها) انزجروا صاغرين (ولا تكلمون) رأسا أو في رفع العذاب .
(إنه) أي الشأن (كان فريق من عبادي) هم أهل الصفة أو من الصحابة سلمان وعمار وصهيب وبلال (يقولون ربنا ءامنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين).
(فاتخذتموهم سخريا) هزؤا (حتى أنسوكم ذكري) لاشتغالكم بالاستهزاء بهم (وكنتم منهم تضحكون).
(إني جزيتهم اليوم بما صبروا) على أذاكم (أنهم هم الفائزون) أي جزيتهم فوزهم بمرادهم دون غيرهم .
(قال) أي الله (كم لبثتم في الأرض) في الدنيا والقبور (عدد سنين) مميز كم .
(قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين) المتمكنين من العد .
(قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون) نسبة لبثكم إلى خلود النار .
(أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) عابثين أو لأجل العبث (وأنكم إلينا لا ترجعون) ببناء الفاعل والمفعول .
(فتعالى الله) عما لا يليق به (الملك الحق) الذي يحق له الملك بالذات (لا إله إلا هو رب العرش الكريم).
(ومن يدع مع الله إلها آخر) يعبده (لا برهان له به) صفة لازمة، إذ لا برهان للباطل (فإنما حسابه عند ربه) فيجازيه بقدر ما يستحقه (إنه) أي الشأن (لا يفلح الكافرون) لا يظفرون بخير .
(وقل رب اغفر) للمؤمنين (وارحم) وأنعم عليهم (وأنت خير الراحمين) المنعمين لأنك المنعم الحقيقي.


سورة النور

(24) سورة النور أربع وستون آية (64) مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(سورة) أي هذه سورة أو فيما أوحينا إليك سورة (أنزلناها وفرضناها) فرضنا أحكامها التي فيها (وأنزلنا فيها آيات بينات) ظاهرات الدلالة (لعلكم تذكرون) تتعظون بها .
(الزانية والزاني) مبتدأ وحذف خبره أي فيما أنزلنا حكمهما أو خبره (فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) والفاء لتضمنها معنى الشرط (ولا تأخذكم بهما رأفة) رحمة (في دين الله) في حكمه فتعطلوا حده أو تتسامحوا فيه (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) عن الباقر (عليه السلام) أقلها واحد وقيل اثنان وثلاثة وأربعة .
(الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) أي الذي من شأنه الزنا لا يرغب فيها الصلحاء غالبا وإنما يرغب الإنسان إلى شكله وقدم الزاني لأن الرجل هو الأصل في الرغبة والخطبة ولذا لم يقل والزانية لا تنكح إلا زانيا للمقابلة (وحرم ذلك) أي صرف الرغبة في الزواني (على المؤمنين) أي نزهوا عنه لأنه تشبه بالصفة وتعرض للتهمة والطعن في النسب وعبر بالتحريم مبالغة في التنزيه وقيل النفي بمعنى النهي والحرمة على ظاهرها .
(والذين يرمون المحصنات) يقذفون العفائف بالزنا وكذا الرجال إجماعا وتخصيصهن لخصوص الواقعة (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) ويستوي فيه الحر والمملوك عند أكثر الأصحاب (ولا تقبلوا لهم شهادة) في شيء قبل الجلد (أبدا) وبعده ما لم يتب وقال أبو حنيفة إلى موته (وأولئك هم الفاسقون) بفعل الكبيرة .
(إلا الذين تابوا من بعد ذلك) عن القذف بأن يكذبوا أنفسهم والاستثناء من الجملتين وقيل من الأخيرة (وأصلحوا) عملهم (فإن الله غفور) لهم (رحيم) بهم .
(والذين يرمون أزواجهم) بالزنا (ولم يكن لهم شهداء) عليه (إلا أنفسهم فشهادة أحدهم) حذف خبره أي يقوم مقام الشهداء أو خبر محذوف أي فالواجب شهادة أحدهم (أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين) فيما رماها به من الزنا .
(والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين) في ذلك فإذا فعل الرجل ذلك سقط عنه الحد وحرمت عليه مؤبدا وثبت حد الزنا على المرأة .
(ويدرأ) يدفع (عنها العذاب) أي الجلد (أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين) فيما رماها به .
(والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) في ذلك واختير الغضب هنا تغليظا عليها لأنها أصل الفجور .
(ولو لا فضل الله عليكم ورحمته) بالإمهال والستر (وأن الله تواب) يقبل التوبة (حكيم) فيما يحكم به وحذف جواب لو لا أي لعاجلكم بالعقوبة وفضحكم .
(إن الذين جاءوا بالإفك) بالكذب العظيم (عصبة) جماعة (منكم لا تحسبوه) أي الإفك (شر لكم بل هو خير لكم) لأن الله يثبكم عليه (لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم) جزاء ما اكتسب منه بقدر ما خاض فيه (والذي تولى كبره) تحمل معظمه (منهم) من الآفكين (له عذاب عظيم) في الآخرة أو في الدنيا بجلدهم نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عائشة من أنها حملت بإبراهيم من جريح القبطي وقيل في عائشة .
(لو لا) هلا (إذ) حين (سمعتموه

ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم) ظن بعضهم ببعض (خيرا) وعدل عن الخطاب إلى الغيبة مبالغة في التوبيخ وإيذانا باقتضاء الإيمان ظن الخير بالمؤمنين ورد الطعن عنهم كرده عن أنفسهم وفصل لو لا عن فعله بالظرف اتساعا تنزيلا له منزلته لأهميته لوجوب ظن الخير أول ما سمعوا (وقالوا هذا إفك مبين) كذب بين .
(لو لا) هلا (جاءوا) أي العصبة (عليه بأربعة شهداء) شاهدوه (فإذ) فحين (لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله) في حكمه (هم الكاذبون) انتهى المقول .
(ولو لا) امتناعية (فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة) أي فضله عليكم في الدنيا (لمسكم) عاجلا أو في الآخرة (فيما أفضتم) خضتم (فيه عذاب عظيم).
(إذ) ظرف لمسكم أو أفضتم (تلقونه) بحذف إحدى التاءين (بألسنتكم) أي بأخذه بعضكم من بعض بالسؤال عنه (وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم) أي قولا لا وجود له إلا بالعبارة ولا حقيقة لموارده في الواقع (وتحسبونه هينا) لا إثم فيه (وهو عند الله عظيم) في الإثم .
(ولو لا إذ سمعتموه قلتم ما يكون) ما يحل (لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم) تعجب ممن يقوله أو تنزيه له تعالى من أن تكون زوجة نبيه فاجرة إذ فجورها منفر عنه بخلاف كفرها .
(يعظكم الله) ينهاكم أو يحرم عليكم (أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين) تقبلون الوعظ .
(ويبين الله لكم الآيات) الدالة على حكمته فيما شرع لعباده (والله عليم) بأحوالهم (حكيم) في تدبيره لهم .
(إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة) تفشوا (في الذين ءامنوا) بأن ينسبوها إليهم (لهم عذاب أليم في الدنيا) بالحد للقذف (والآخرة) في النار (والله يعلم) ما في القلوب فيعاقب على حب الإشاعة (وأنتم لا تعلمون) فعاقبوا على ما يظهر لكم .
(ولو لا فضل الله عليكم ورحمته) تكرير للمنة بترك المعاجلة بالعقاب مع المبالغة فيها بقوله (وأن الله رءوف رحيم) وحذف الجواب اكتفاء بذكره سابقا .
(يا أيها الذين ءامنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان) أثره وتسويله بإشاعة الفاحشة (ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه) أي المتبع والشيطان بتقدير عائد (يأمر بالفحشاء) أقبح القبيح (والمنكر) شرعا أو عقلا (ولو لا فضل الله عليكم ورحمته) بتوفيقكم لما تصيرون به أذكياء (ما زكى منكم من أحد أبدا) ما طهر من دنس الذنوب (ولكن الله يزكي) يطهر بلطفه (من يشاء) ممن يعلمه أهلا للطفه (والله سميع) لأقوالكم (عليم) بأحوالكم ومن يصلح للطفه .
(ولا يأتل) ولا يحلف من الألية أو لا يقصر من الألو (أولو الفضل منكم) أهل الغنى (والسعة) في المال (أن يؤتوا) أو في أن يؤتوا (أولي القربى والمساكين

والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا) عنهم (ألا تحبون أن يغفر الله لكم) على عفوكم وصفحكم عمن أساء إليكم (والله غفور رحيم) للمؤمنين .
(إن الذين يرمون المحصنات) العفائف (الغافلات) عن الفواحش (المؤمنات) بالله ورسوله (لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم) وعيد عام لكل قاذف ما لم يتب .
(يوم تشهد) بالتاء والياء (عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) بها وبغيرها .
(يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق) جزاءهم المستحق (ويعلمون) ضرورة (أن الله هو الحق المبين) الثابت الإلهية أو العادل الظاهر العدل .
(الخبيثات) من الكلمات (للخبيثين) من الناس من الرجال والنساء (والخبيثون) من الناس (للخبيثات) من الكلمات (والطيبات) منها (للطيبين) منهم (والطيبون) منهم (للطيبات) منها (أولئك) أي الطيبون (مبرءون مما يقولون) أي أهل الإفك أو الخبيثون أي مبرءون أن يقولوا كقولهم (لهم) أي الطيبين (مغفرة ورزق كريم) في الجنة وقيل الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال وكذا الطيبات للطيبين .
(يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا) تستأذنوا (وتسلموا على أهلها) فيقول الواحد السلام عليكم أأدخل ثلاثا فإن أذن له دخل وإلا رجع (ذلكم) أي الاستئذان (خير لكم) من الدخول فجأة وبتحية الجاهلية (لعلكم تذكرون) أي أنزل عليكم هذا إرادة أن تتعظوا وتعملوا به .
(فإن لم تجدوا فيها أحدا) يأذن لكم (فلا تدخلوها حتى يؤذن) أي تجدوا من يأذن (لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو) الرجوع (أزكى) أطهر (لكم) من الإلحاح والوقوف على الباب وأنفع لكم دينا أو دنيا (والله بما تعملون عليم) لا يخفى عليه شيء فيجازيكم .
(ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة) كالربط والحوانيت أي بغير استئذان (فيها متاع) استمتاع (لكم) كاستكنان ومعاملة (والله يعلم ما تبدون وما تكتمون) في دخولكم من إفساد وغيره .
(قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) أي شيئا منها وهو ما يكون إلى محرم (ويحفظوا فروجهم) عمن لا يحل لهم، وعن الصادق (عليه السلام) حفظها هنا خاصة سترها (ذلك أزكى) أطهر وأنفع لهم لما فيه من نفي التهمة (إن الله خبير بما يصنعون) بأبصارهم وفروجهم وجميع جوارحهم فليحذروه في كل حال .
(وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) عمن لا يحل لهن نظرة (ويحفظن فروجهن) عمن لا يحل لهن (ولا يبدين زينتهن) كالحلي والثياب والأصباغ فضلا عن مواقعها لمن يحرم إبداؤها له (إلا ما ظهر منها) كالثياب والمراد بالزينة مواقعها والمستثنى الوجه والكفان وهو المروي (و ليضربن

بخمرهن على جيوبهن) لستر نحورهن وصدورهن (ولا يبدين زينتهن) الخفية كرر تأكيدا وللاستثناء من محل الإبداء له بقوله (إلا لبعولتهن أو ءابائهن أو ءاباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن) نسبأ ورضاعا لاحتياجهن إلى مخالطتهم ولبعدهم عن وقوع الفتنة لنفرة الطباع عن مماسة القرائب ويعم الآباء من علا والأبناء من سفل ولم يذكر الأعمام والأخوال لأنهم في معنى الآباء أو الإخوان (أو نسائهن) أي المسلمات فلا يتجردن للكافرات وقيل كل النساء (أو ما ملكت أيمانهن) قيل يعم العبيد والإماء ويعضده بعض الأخبار والمشهور اختصاصه بالإماء وهو الأحوط (أو التابعين) الناس لفضل طعامهم.
(غير أولي الإربة) الحاجة إلى النساء (من الرجال) وهم البله الذين لا يعرفون أمورهن وقيل الشيوخ الصلحاء (أو الطفل) جنس أريد به الجمع أي الأطفال (الذين لم يظهروا) لم يطلعوا (على عورات النساء) أي لم يعرفوها لعدم شهوتهم (ولا يضربن بأرجلهم ليعلم ما يخفين من زينتهن) ليقعقع خلخالها ليعلم أنها ذات خلخال (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون) من تقصير لا يكاد أحدكم يخلو منه أو مما فعلتموه في الجاهلية (لعلكم تفلحون) تسعدون في الدارين .
(وأنكحوا الأيامى منكم) مقلوب أيائم جمع أيم وهو العزب ذكرا كان أو أنثى بكرا أو ثيبا أمر للأولياء بتزويج الأيامى الحرائر الأحرار بعضهم من بعض وللسادة بتزويج عبيدهم وإمائهم بقوله (والصالحين من عبادكم وإمائكم) وتذكير الصالحين للتغليب وتخصيصهم لأهمية الاهتمام بهم وتحصين دينهم (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) والفقر لا يمنع من النكاح فإن فضله يغني عن المال (والله واسع) إفضاله (عليم) بما تقتضيه الحكمة من بسط الرزق وتقديره .
(وليستعفف) وليجهد في العفة (الذين لا يجدون نكاحا) أسبأبه أو ما ينكح به من المال (حتى يغنيهم الله من فضله) فيتمكنوا من النكاح (والذين يبتغون الكتاب) المكاتبة وهو قول السيد لمملوكه كاتبتك على كذا معناه كتبت على نفسي إعتاقك وكتبت عليك الوفاء بالمال (مما ملكت أيمانكم) من عبد أو أمة (فكاتبوهم) خبر الذين والفاء لمعنى الشرط (إن علمتم فيهم خيرا) صلاحا أو أمانة وقدرة على أداء المال بالتكسب (وءاتوهم من مال الله الذي ءاتاكم) أمر للسادة بإعطائهم شيئا من أموالهم ومثله حط شيء مما التزموه (ولا تكرهوا فتياتكم) إماءكم (على البغاء) على الزنا (إن أردن تحصنا) تعففا شرط للنهي ولا يلزم من عدمه جواز الإكراه لامتناع الإكراه بدونه على أن المفهوم إنما يعتبر إذا لم يكن للتقييد وجه سواه والوجه هنا سبب النزول وهو أنه كان لابن أبي جوار يكرههن على الزنا ويضرب عليهن ضرائب فشكا بعضهن إلى النبي فنزلت (لتبتغوا عرض الحيوة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) لهن إما مطلقا أو بشرط التوبة .
(ولقد أنزلنا إليكم ءايات مبينات) هي المبينة في الحدود والأحكام في السورة (ومثلا من الذين خلوا من قبلكم) وقصة عجيبة من جنس قصصهم وهي قصة عائشة أو مارية أو شبها من حالهم بحالكم لتعتبروا

(و موعظة للمتقين) خصوا بها لأنهم المنتفعون بها وقيل الآيات القرآن .
(الله نور السموات والأرض) أي ذو نورهما أو منورهما بالنيرات أو بالملائكة والأنبياء أو مدبرهما أو هادي أهلها (مثل نوره) صفته العجيبة (كمشكوة) هي كوة غير نافذة (فيها مصباح) سراج وقيل المشكاة أنبوبة القنديل والمصباح الفتيلة المتقدة (المصباح في زجاجة) في قنديل زجاج (الزجاجة كأنها كوكب دري) تضيء كالزهرة في تلألؤه (يوقد من شجرة مباركة) كثيرة المنافع (زيتونة) بدل من شجرة (لا شرقية ولا غربية) أي لا تصيبها الشمس بشروقها أو غروبها فقط بل تصيبها كل النهار فإن زيتها أصفى أو منبتها الشام وسط العمارة لا شرقها وغربها فزيتونه أجود أو لا في مضحى الشمس دائما فتحرقها ولا في مقناة لا يصيبها فلا ينضج (يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) لفرط صفائه (نور على نور) متضاعف حيث انضم إلى نور المصباح صفاء الزيت والزجاجة وجمع النور، قيل المشكاة صدر محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) والزجاجة قلبه والمصباح النبوة والشجرة المباركة شجرة النبوة وهي لا غربية ولا نصرانية قبلتها المشرق ولا يهودية قبلتها المغرب تكاد محاسن محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) يظهر قبل أن يوحى إبراهيم لا شرقية إليه وعن الرضا (عليه السلام) نحن المشكاة فيها المصباح محمد يهدي الله لولايتنا من أحب وقيل المصباح القرآن والزجاجة قلب المؤمن والمشكاة فمه والشجرة الوحي تكاد حجج القرآن تتضح وإن لم يقرأ نور تزاد به سائر الحجج نورا على نور (يهدي الله لنوره) يوفق لدينه بلطفه (من يشاء) ممن يعلمه أهل اللطف (ويضرب الله الأمثال للناس) تنبيها لهم تقريبا إلى أفهامهم (والله بكل شيء عليم) يضع الأشياء مواضعها .
(في بيوت) متعلق بقوله (كمشكوة) أو ب (يوقد) مبالغة في عظم الممثل به إذ قناديل المسجد أعظم أو ب يسبح الآتي وتكرير فيها للتأكيد وعنه (عليه السلام) هي بيوت الأنبياء (أذن الله أن ترفع) أمر بتعظيمها أو بنائها (ويذكر فيها اسمه) يتلى فيها كتابه أو عام في كل ذكر (يسبح له فيها بالغدو والآصال) يصلي .
(رجال) فاعل يسبح بالكسر وقرىء بالبناء للمفعول ورجال فاعل لمقدر دل عليه (لا تلهيهم) لا تشغلهم (تجارة ولا بيع) خص بعد التجارة الشاملة له وللشراء لأنه أدخل في الإلهاء لأن الربح فيه يقين وفي الشراء مظنون أو أريد بالتجارة الشراء تسمية النوع باسم الجنس (عن ذكر الله وإقام الصلوة) والإضافة عوض الهاء المعوضة عن واو إقوام (وإيتاء الزكوة) المفروضة وخلاص الطاعة له (يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار) تضطرب من الهول أو تتغير أحوالها فتتيقن القلوب بعد الشك وتبصر الأبصار بعد العمى وهو يوم القيامة .
(ليجزيهم الله) متعلق ب يسبح (أحسن ما عملوا) أحسن جزائه (ويزيدهم) على ذلك (من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب) تفضلا إذ الثواب له حساب لأنه

بحسب الاستحقاق بخلاف التفضل .
(والذين كفروا أعمالهم) التي يحسبونها طاعة نافعة عند الله (كسراب) وهو ما يرى في الفلاة من ضوء الشمس في الظهيرة (بقيعة) بمعنى قاع أو جمعه وهو الأرض المستوية (يحسبه الظمآن ماء) أي العطشان وخص ليشبه الكافر به في خيبته عند شدة حاجته (حتى إذا جاءه) جاء ما حسبه ماء (لم يجده شيئا) مما حسبه (ووجد الله عنده) جزاءه (فوفاه حسابه والله سريع الحساب) يحاسب الكل في حالة واحدة قيل نزلت في عتبة بن ربيعة التمس الدين في الجاهلية وكفر بالإسلام .
(أو) أعمالهم في خلوها عن نور الحق (كظلمات في بحر لجي) عميق منسوب إلى اللج وهو معظم الماء (يغشاه) يغشى البحر (موج من فوقه) أي الموج (موج من فوقه) أي الموج الثاني (سحاب) حجب نور الكواكب (ظلمات) أي هذه ظلمات متراكمة (بعضها فوق بعض إذا أخرج) الواقع فيها (يده لم يكد يراها) لم يقرب أن يراها (ومن لم يجعل الله له نورا) لطفا وتوفيقا .
(فما له من نور) فهو في ظلمة الباطل (ألم تر) ألم تعلم بالوحي أو النظر (أن الله يسبح له من في السموات والأرض) ينزهه عما لا يليق به بلسان الحال أو المقال ومن لتغليب العقلاء (والطير) تخصيصها لما فيها من الحجة الواضحة (صافات) باسطات أجنحتهن في الهواء فإن ذلك يدل على كمال قدرة خالقهن (كل) مما ذكر أو من الطير (قد علم صلاته وتسبيحه) أي علم الله دعاءه وتنزيهه أو علم كل الجواز وأن يلهم الله الطير دعاء وتسبيحا كما ألهمها علوما تخفى على العقلاء (والله عليم بما يفعلون) غلب العقلاء .
(ولله ملك السموات والأرض) على الحقيقة لا يشاركه فيه غيره (وإلى الله المصير) المرجع .
(ألم تر أن الله يزجي سحابا) يسوقه برفق (ثم يؤلف بينه) بين قطعه يضم بعضها إلى بعض.

(ثم يجعله ركاما) متراكما ببعضه على بعض (فترى الودق) المطر (يخرج من خلاله) من مخارجه جمع خلل كجبال وجبل (وينزل من السماء) من السحاب وكل مظل سماء (من جبال فيها) في السماء وأريد بالجبل الكثرة كقولك لفلان جبال من ذهب (من برد) بيان للجبال أي ينزل مبتدأ من السماء من جبال من برد بردا وقيل أريد بالسماء المظلة وفيها جبال برد كما في الأرض جبال حجر (فيصيب به) بالبرد (من يشاء) في نفسه أو ماله (ويصرفه عن من يشاء) فهو يقبض ويبسط بمقتضى حكمته (يكاد سنا برقه) ضوء برق السحاب (يذهب بالأبصار) يخطفها لشدة لمعانه .
(يقلب الله الليل والنهار) يعاقب بينهما أو يدخل أحدهما في الآخر أو يعم ذلك وتغيير أحوالهما بالحر والظلمة وضدهما (إن في ذلك) المذكور (لعبرة) لدلالة (لأولي الأبصار) لذوي البصائر على الصانع .
(والله خلق كل دابة) حيوان يدب على الأرض (من ماء) من نطفة على التغليب إذ منها ما لا يتولد عن النطفة أو من نوع الماء هو جزء مادته (فمنهم من يمشي على بطنه) كالحية (ومنهم من يمشي على رجلين) كالإنس والطير (ومنهم من يمشي على أربع) كالنعم والوحش وتذكير الضمير ولفظ من لتغليب العقلاء (يخلق الله ما يشاء) من حيوان وغيره على اختلاف الصور والطبائع بمقتضى حكمته (إن الله على كل شيء قدير) فيخلق ما يشاء .
(لقد أنزلنا آيات مبينات) هي القرآن (والله يهدي من يشاء) بتوفيقه لتدبرها.
(إلى صراط مستقيم) هو الإيمان المؤدي إلى الجنة .
(ويقولون ءامنا بالله وبالرسول وأطعنا) لهما (ثم يتولى فريق منهم) يعرض عن قبول حكمه (من بعد ذلك) القول منهم (وما أولئك) القائلون (بالمؤمنين) المعهودين المواطئة قلوبهم لألسنتهم .
(وإذا دعوا إلى الله ورسوله) أي إلى الرسول وذكر الله تفخيما له وإيذانا بأن حكمه حكم الله (ليحكم) أي للرسول (بينهم إذا فريق منهم معرضون) عن الإتيان إليه إذا كان الحق عليهم .
(وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين) منقادين لعلمهم بأنه يحكم لهم .
(أفي قلوبهم مرض) كفر (أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله) في الحكم (بل أولئك هم الظالمون) أي لا يخافون حيفه بل الظلم صفتهم .
(إنما كان قول المؤمنين) بالنصب وعن علي رفعه (إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) وعن الباقر (عليه السلام) أن المعني بها علي (عليه السلام) .
(ومن يطع الله ورسوله) فيما أمرا أو نهيا (ويخشى الله) لسالف ذنوبه (ويتقه) فيما يستقبل (فأولئك هم الفائزون) بالجنة .
(وأقسموا بالله جهد

أيمانهم) غايتها (لئن أمرتهم) بالخروج من ديارهم وأموالهم (ليخرجن قل لا تقسموا) كاذبين (طاعة معروفة) لا نفاق فيها أولى بكم من أيمانكم الكاذبة أو المطلوب منكم طاعة مفروضة لا نفاقية أو طاعتكم طاعة معروفة بأنها نفاقية (إن الله خبير بما تعملون) فيعلم ما تضمرون .
(قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا) تتولوا عن الطاعة (فإنما عليه) على الرسول (ما حمل) من التبليغ (وعليكم ما حملتم) من طاعته (وإن تطيعوه تهتدوا) إلى الرشد (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) وقد بلغ فإن قبلتم فلكم وإلا فعليكم .
(وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض) بجعلهم خلفاء متصرفين فيها (كما استخلف الذين من قبلهم) أي بني إسرائيل بدل الجبابرة وقرىء ببناء المفعول (وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم) وهو الإسلام (وليبدلنهم) بالتشديد والتخفيف (من بعد خوفهم) من أعدائهم أو عذاب الآخرة (أمنا) منهم أو منه (يعبدونني لا يشركون بي شيئا) حال من الواو (ومن كفر) بهذه النعم (بعد ذلك) الوعد الصادق (فأولئك هم الفاسقون) الخارجون إلى أقبح الكفر .
(وأقيموا الصلوة) عطف على أطيعوا (وءاتوا الزكوة وأطيعوا الرسول) كررت طاعته تأكيدا (لعلكم ترحمون) رجاء للرحمة .
(لا تحسبن) يا محمد (الذين كفروا معجزين في الأرض) أي لا يحسبن الكفار أحدا معجزا لنا في الأرض أو لا تحسبن أنفسهم معجزين (ومأواهم النار ولبئس المصير) المرجع هي .
(يا أيها الذين ءامنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم) قد سبق الأمر بالاستئذان العام وهذا استئذان خاص (والذين لم يبلغوا الحلم منكم) من الأحرار يعم الذكور والإناث (ثلاث مرات) في اليوم والليلة (ومن قبل صلاة الفجر) لأنه وقت القيام من المضاجع وتبديل لبس الليل بلبس النهار (وحين تضعون ثيابكم) للقيلولة (من الظهيرة) بيان لحين (ومن بعد صلوة العشاء) بعد لأنه وقت تبديل لبس اليقظة بلبس النوم (ثلاث عورات لكم) أي هذه أوقات ثلاث والعورات الخلل (ليس عليكم ولا عليهم) أي المماليك والصبيان (جناح) في أن لا يستأذنوا (بعدهن) بعد هذه الأوقات، هم (طوافون عليكم بعضكم) طائف أو يطوف بعضكم (على بعض كذلك) التبيين (يبين الله لكم الآيات) الأحكام (والله عليم) بما يصلحكم (حكيم) فيما دبر لكم.
(وإذا بلغ الأطفال منكم) أيها الأحرار

(الحلم فليستأذنوا) في جميع الأوقات (كما استأذن الذين من قبلهم) من الأحرار البلغ (كذلك يبين الله لكم ءاياته والله عليم حكيم) كرر تأكيدا .
(والقواعد من النساء) المسناة (اللاتي) قعدن من الحيض والولد (لا يرجون نكاحا) لا يطمعن فيه لكبرهن (فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن) الظاهرة كالملحفة والرداء وأتى بالفاء لأن لام القواعد بمعنى اللاتي (غير متبرجات بزينة) غير مظهرات زينة خفية أمرن بسترها ولا يبدين زينتهن (وأن يستعففن) عن الوضع (خير لهن) منه (والله سميع) للأقوال (عليم) بالأحوال .
(ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) نفي لتحرجهم من الأكل من بيوت تخلفهم الغزاة عليها أو من مؤاكلة الأصحاء خوف استقذارهم أو من إجابة من يدعوهم إلى الأكل من بيوت أقاربه (ولا على أنفسكم) حرج (أن تأكلوا من بيوتكم) بيوت عيالكم ويشمل بيوت الأولاد كما يستفاد من الأخبار (أو بيوت ءابائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه) جمع مفتح ما يفتح به أي وكلتم بحفظه من حائط ونحوه لغيركم أو بيوت مماليككم (أو صديقكم) هو للواحد والجمع قال الصادق (عليه السلام) هو والله الرجل يدخل بيت صديقه فيأكل طعامه بغير إذنه (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) مجتمعين أو متفرقين (فإذا دخلتم بيوتا) من هذه البيوت وغيرها (فسلموا على أنفسكم) على أهلها الذين هم منكم وعن الصادق (عليه السلام) هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل ثم يردون عليه فهو سلامكم على أنفسكم (تحية من عند الله) مشروعة من لدنه (مباركة) لأنها دعاء بالسلامة من آفات الدارين (طيبة) تطيب بها النفس بالتواصل والثواب (كذلك يبين الله لكم الآيات) الدالة على كل ما يتعبدكم به (لعلكم تعقلون) معالم دينكم .
(إنما المؤمنون) الكاملون في الإيمان (الذين ءامنوا بالله ورسوله) بإخلاص (وإذا كانوا معه) مع الرسول (على أمر جامع) كالجمعة والأعياد والحروب، ووصف الأمر بالجمع مبالغة (لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم) مهامهم (فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله) لعدم الاستئذان (إن الله غفور) للمؤمنين (رحيم) بهم .
(لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم

بعضا) فإن إجابته فرض والرجوع بغير إذنه حرام فكيف يقاس دعاؤه إياكم على دعاء بعضكم بعضا أو لا تجعلوا نداءه كنداء بعضكم بعضا باسمه بل قولوا يا نبي الله يا رسول الله بتعظيم وتواضع وخفض صوت (قد يعلم الله الذين يتسللون منكم) يخرجون عن الجماعة بخفية (لواذا) أي ملاوذين يستتر بعضهم ببعض (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) يخالفون أمر الله أو رسوله بترك مقتضاه وأتى ب عن لتضمنه معنى الإعراض أو يصدون عن أمره (أن تصيبهم فتنة) محنة في الدنيا (أو يصيبهم عذاب أليم) في الآخرة .
(ألا إن لله ما في السموات والأرض) ملكا مختصا به (قد يعلم ما أنتم عليه) أيها المكلفون من الإخلاص والنفاق (ويوم يرجعون إليه) أي المنافقون (فينبئهم بما عملوا) من خير وشر والفاء لتلازم ما قبلها وما بعدها (والله بكل شيء عليم) ومنه أعمالهم.


سورة الفرقان

(25) سورة الفرقان سبع وسبعون آية (77) مكية
وقيل إلا والذين لا يدعون - إلى - رحيما.
بسم الله الرحمن الرحيم
(تبارك الذي نزل الفرقان) تكاثر خيره أو تزايد أو تعالى عن كل شيء (على عبده) محمد (ليكون) محمد عبده أو الفرقان (للعالمين) أي الثقلين (نذيرا) مخوفا من العذاب .
(الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولدا) كما زعم النصارى أو غيرهم (ولم يكن له شريك في الملك) كزعم بعض الوثنية والثنوية (وخلق كل شيء) أوجده على تقدير وتسوية (فقدره تقديرا) فهيأه لما يصلح له في الدين والدنيا أو فقدره للبقاء إلى أجل مسمى .
(واتخذوا من دونه ءالهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) لأن عبدتهم ينحتونهم (ولا يملكون) لا يستطيعون (لأنفسهم ضرا) أي دفعه (ولا نفعا) أي جره (ولا يملكون موتا ولا حيوة) إماتة وإحياء (ولا نشورا) بعثا للأموات ومن هذا حاله كيف يتخذ إلها .
(وقال الذين كفروا إن هذا) أي القرآن (إلا إفك) كذب (افتراه) اختلقه (وأعانه عليه قوم ءاخرون) من أهل الكتاب وهو نظير إنما يعلمه بشر كما مر في النحل (فقد جاءوا) فعلوا (ظلما) تكذيبهم الرسول (وزورا) هو كذبهم عليه .
(وقالوا أساطير الأولين) أي ما سطره المتقدمون (اكتتبها) كتبها لنفسه أو استكتبها (فهي تملى) تقرأ (عليه بكرة وأصيلا) عليه طرفي نهاره ليحفظها أو ليكتبها .
(قل أنزله الذي يعلم السر) الغيب (في السموات
والأرض) لإعجازه بفصاحته وتضمنه لمصالح العباد في المعاش والمعاد وإخباره بما لا يعلمه إلا علام الغيوب (إنه كان غفورا رحيما) ولذا لم يعاجلكم بما تستحقونه .
(وقالوا مال هذا الرسول) أي الزاعم أنه رسول وفيه تهكم (يأكل الطعام) كما نأكل (ويمشي في الأسواق) لطلب المعاش كما نمشي زعم أنه يجب أن يكون ملكا مستغنيا عن الأكل والتعيش ثم نزلوا عن ذلك فقالوا (لو لا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا) يصدقه ثم نزلوا عن ذلك فقالوا .
(أو يلقى إليه كنز) يغنيه عن طلب المعاش ثم نزلوا عن ذلك فقالوا (أو تكون له جنة) بستان (يأكل منها) ويرتزق كالدهاقين (وقال الظالمون) وضع موضع ضمير هم تسجيلا عليهم بالظلم فيما قالوا (إن) ما (تتبعون إلا رجلا مسحورا) سحر فغلب على عقله .
(أنظر كيف ضربوا لك الأمثال) أي قالوا فيك الأقوال النادرة (فضلوا) عن الرشد (فلا يستطيعون سبيلا) إليه أو إلى إبطال أمرك .
(تبارك) تكاثر خير (الذي إن شاء جعل لك) في الدنيا (خيرا من ذلك) مما قالوا (جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا).
(بل كذبوا بالساعة) أي بل أتوا بأعجب من تكذيبك وهو تكذيبهم بالساعة.
(و أعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا) نارا شديدة الاستعار أو هو اسم لجهنم .
(إذا رأتهم من مكان بعيد) أي إذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد (سمعوا لها تغيظا) صوت تغيظ (وزفيرا) شبه صوت غليانها بصوت المغتاظ وزفيره أو يخلق لها حياة فترى وتغضب وتزفر وذلك لزبانيتها فنسب إليها على حذف مضاف .
(وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا) في مكان يضيق الزج في الرمح (مقرنين) قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالأغلال (دعوا هنالك) في ذلك المكان (ثبورا) هلاكا يقولون: وا ثبوراه .
(لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا) لكثرة أنواع عذابكم فكل نوع ثبور أو لدوامه فكل وقت ثبور .
(قل أذلك) المذكور من الوعيد وصفة السعير (خير أم جنة الخلد) أضيف إليه تنبيها على خلودها (التي وعد) أي وعدها (المتقون كانت لهم) في علمه تعالى لأن وعده في تحققه كالكائن (جزاء) على أعمالهم (ومصيرا) ومرجعا .
(لهم فيها ما يشاءون) من النعيم (خالدين) حال لازمة (كان) ما يشاءون (على ربك وعدا) موعودا واجبا عليه إنجازه (مسئولا) يسأله الناس بقولهم ربنا وآتنا ما وعدتنا والملائكة بقولهم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم أو من حقه أن يسأل .
(ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله) من الملائكة وعيسى وعزير والأصنام كأنه قيل ومعبوديهم (فيقول) للمعبودين تبكيتا وإلزاما للعبدة وقرىء بالنون (أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل) أي عنه ولم يقل أضللتم أم ضلوا لأن السؤال ليس عن الفعل لأنه متحقق وإلا لما توجه العتاب بل عن متوليه فلزم إيلاؤه حرف الاستفهام .
(قالوا سبحانك) تعجبا مما قيل لهم لأنهم ملائكة وأنبياء معصومون أو جمادات عجزة أو إيذانا بأنهم الموسومون بتسبيحه فكيف يليق بهم أن يضلوا عباده أو تنزيها لهم عن الأنداد (ما كان ينبغي لنا) يصح (أن نتخذ من دونك من أولياء) نتولاهم ونتعبدهم (ولكن متعتهم وءاباءهم)

بأنواع النعم (حتى نسوا الذكر) تركوا ذكرك أو القرآن وتدبره (وكانوا قوما بورا) هالكين.
(فقد كذبوكم بما تقولون) في قولكم إنهم آلهة (فما تستطيعون) أي آلهتكم (صرفا) دفعا للعذاب عنكم (ولا نصرا) منعا لكم منه (ومن يظلم منكم) أيها المكلفون بشرك أو فسق (نذقه عذابا كبيرا) وهو النار ما لم يتب أو يعف عن الفسق .
(وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) رد لقولهم مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) ابتلاء كابتلاء الشريف بالوضيع (أتصبرون) ليظهر أنكم تصبرون على البلاء أو لا أو مستأنف بمعنى اصبروا (وكان ربك بصيرا) بالصواب فيما يبتلى به وغيره أو فيمن يصبر وغيره .
(وقال الذين لا يرجون) لا يأملون أو لا يخافون (لقاءنا) أي جزاءه (لو لا) هلا (أنزل علينا الملائكة) فيخبروننا بصدق محمد فيكونون رسلنا إلينا (أو نرى ربنا) فيأمرنا بتصديقه واتباعه (لقد استكبروا في أنفسهم) أظهروا الاستكبار عن الحق وهو الكفر في قلوبهم واعتقدوه (وعتو) وأفرطوا في الظلم (عتوا كبيرا) بالغا الغاية .
(يوم يرون الملائكة) عند الموت أو في القيامة ونصب باذكر مضمرا (لا بشرى يومئذ للمجرمين) أي يمنعون البشرى ويومئذ تكرير وللمجرمين في موضع ضميرهم أو عام فيشملهم (ويقولون حجرا محجورا) أي يقول الكفرة حينئذ للملائكة هذه الكلمة استعاذة منهم كما كانوا يقولونها في الدنيا عند لقاء عدو ونحوه .
(وقدمنا) عمدنا (إلى ما عملوا من عمل) من الخير كصلة رحم وإعانة ملهوف وقرى ضيف (فجعلناه هباء) هو غبار يرى في شعاع الشمس الخارج من الكوة (منثورا) متفرقا .
(أصحاب الجنة يومئذ) يوم القيامة (خير مستقرا) مكانا يستقر فيه (وأحسن مقيلا) مكانا يؤوي إليه للاسترواح بالازدواج والتمتع .
(ويوم تشقق) تتشقق (السماء بالغمام) بسبب خروج الغمام منها (ونزل الملائكة تنزيلا) في ذلك المكان بصحائف أعمال العباد .
(الملك يومئذ الحق للرحمن) الثابت له لزوال كل ملك يومئذ إلا ملكه (وكان) اليوم (يوما على الكافرين) لا المؤمنين (عسيرا) شديدا .
(ويوم يعض الظالم على يديه) ندما وتحسرا أو عض اليدين كناية عن الغيظ والتحسر (يقول يا) للتنبيه (ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا) طريقا إلى الهدى .
(يا ويلتى) يا هلكتى احضري فهذا وقتك (ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) أي من أضله .
(لقد أضلني عن الذكر) القرآن أو موعظة الرسول (بعد إذ جاءني) مع الرسول (وكان الشيطان) أي الخليل المضل أو إبليس أو كل متشيطن جني أو إنسي (للإنسان خذولا) يسلمه إلى الهلاك ثم يتركه ولا ينفعه .
(وقال الرسول) محمد يشكو قومه في الدنيا أو يوم القيامة (يا رب إن قومي) قريشا (اتخذوا هذا القرآن مهجورا) متروكا أو زعموا أنه هجر وهذيان أو هجروا فيه ولغوا أي مهجورا فيه.
(وكذلك) كما (جعلنا) لك عدوا من كفار قومك جعلنا (لكل نبي عدوا من المجرمين) الكافرين بأن لم نمنعهم من

العداوة لهم فاصبر كما صبروا (وكفى بربك هاديا) إلى الاعتصام منهم (ونصيرا) لك عليهم .
(وقال الذين كفروا لو لا) هلا (نزل عليه القرآن) أنزله (جملة واحدة) مجتمعا كالكتب الثلاثة (كذلك) نزل مفرقا (لنثبت به) لنقوي بتفريقه (فؤادك) على حفظه إذ كان أميا بخلاف الأنبياء الثلاثة (ورتلناه ترتيلا) نزلناه شيئا بعد شيء في نحو عشرين سنة أو أمرنا بترتيله أي تبيينه والتأني في قراءته .
(ولا يأتونك بمثل) بسؤال عجيب كالمثل في البطلان للقدح فيك (إلا جئناك بالحق) الراد له في جوابه (وأحسن تفسيرا) وبما هو أحسن بيانا أو معنى من سؤالهم .
(الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم) يسحبون إليها (أولئك شر مكانا وأضل سبيلا) ممن حقروا مكانه وضللوا سبيله .
(ولقد ءاتينا موسى الكتاب) التوراة (وجعلنا معه أخاه هرون وزيرا) معينا في الدعوة .
(فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا) أي فرعون وقومه (فدمرناهم تدميرا) أهلكناهم إهلاكا .
(وقوم نوح لما كذبوا الرسل) نوحا ومن قبله (أغرقناهم) بالطوفان (وجعلناهم للناس آية) عبرة (وأعتدنا) هيأنا (للظالمين عذابا أليما) عام أو خاص في موضع الضمير تظليما له .
(وعادا) عطف على هم في وجعلناهم أو الظالمين إذ المعنى وعدناهم (وثمود) بالتنوين وعدمه (وأصحاب الرس) هو البئر الغير المطوية وكانت لعبدة أصنام فبعث إليهم شعيب فكذبوه فانهارت بهم وبدارهم أو قرية بفلج اليمامة وكان فيها بقية ثمود فقتلوا نبيهم فأهلكوا أو بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيبا النجار أو هم قوم رسوا نبيهم أو دفنوه في بئر أو أصحاب الأخدود أو أصحاب النبي حنظلة بن صفوان قتلوه فأهلكوا (وقرونا) أهل أعصار (بين ذلك) المذكور (كثيرا).
(وكلا ضربنا له الأمثال) بينا له القصص العجيبة فلم يعتبروا (وكلا تبرنا تتبيرا) كسرنا تكسيرا أي أهلكناهم .
(ولقد أتوا) أو مر قريش (على القرية التي أمطرت مطر السوء) الحجارة وهي سدوم من قرى قوم لوط (أفلم يكونوا يرونها) في مرورهم فيعتبرون (بل كانوا لا يرجون نشورا) لا يتوقعون بعثا لكفرهم ولذا لم يعتبروا أو لا يأملونه كما يأمله المؤمنون للثواب أو لا يخافونه .
(وإذا رأوك إن) ما (يتخذونك إلا هزوا) محل هزىء أو مهزوءا به يقولون (أهذا) استحقارا (الذي بعث الله رسولا) لم يقيدوه بزعمه بل أخرجوه في موضع الإقرار مع فرط إنكارهم استهزاء .
(إن) المخففة أي إنه (كاد ليضلنا) يصرفنا واللام فارقة (عن ءالهتنا) عن عبادتها ببذل جهده في دعائنا (لو لا أن صبرنا عليها) ثبتنا على عبادتها لصرفنا عنها (وسوف يعلمون حين يرون العذاب) عيانا في الآخرة وعيد يفيد أنه يلحقهم لا محالة وإن أخر (من أضل سبيلا) أخطأ طريقا أهم أم أنت .
(أرأيت) أخبرني (من اتخذ إلهه هواه) لطاعته له في دينه وقدم المفعول الثاني عناية به (أفأنت تكون عليه وكيلا) حافظا تجبره على الإسلام .
(أم تحسب أن أكثرهم يسمعون) سماع تفهم (أو يعقلون) يتدبرون ما نأتي به من الحجج وخص الأكثر إذ فيهم من يعقل (إن) ما (هم إلا كالأنعام) في عدم تفهم قولك وتدبر حججك (بل هم أضل سبيلا) منها لأنها تعرف المحسن

إليها من المسيء وتطلب المنافع وتجنب المضار وهؤلاء لا يعرفون إحسان ربهم من إساءة الشيطان .
(ألم تر) تنظر (إلى ربك) إلى صنعه (كيف مد الظل) بسطه من الفجر إلى طلوعها وهو أعدل الأحوال (ولو شاء لجعله ساكنا) لا يتقلص (ثم جعلنا الشمس عليه دليلا) إذ لا يعرف وجوده ولا يتفاوت إلا بطلوعها وحركتها وفيه التفات إلى التكلم .
(ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا) قليلا قليلا بحسب ارتفاع الشمس لمصالح جمة ولفظ ثم للتفاضل بين الأمور كان اللاحق أعظم مما قبله وقيل مد ظل السماء على الأرض حين خلقهما ولو شاء لجعله ثابتا على تلك الحال ثم خلق الشمس وجعلها دليلا مسلطا عليه يتبعها كما يتبع السائر الدليل يتفاوت بحركتها ثم قبضه تدريجا إلى غاية نقصانه أو قبضا سهلا عند قيام الساعة بقبض أسبأبه .
(وهو الذي جعل لكم الليل لباسا) ساترا بظلامه كاللباس (والنوم سبأتا) راحة للأبدان بقطع الأعمال (وجعل النهار نشورا) منتشرا فيه للمعاش وغيره أو بعثا من النوم إذ هو واليقظة كالموت والبعث .
(وهو الذي أرسل الرياح) ووحدها ابن كثير (بشرا) بالباء أي مبشرات وقرىء بالنون أي منتشرة جمع نشور (بين يدي رحمته) قدام المطر (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) مطهرا لقوله ليطهركم به وهو اسم لما يتطهر به كالوقود لما يوقد به أو بليغا في الطهارة لأنه مطهر .
(لنحيي به بلدة ميتا) بالنبات وذكر بتأويل البلد (ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا) جمع إنسي أو إنسان وأصله أناسين قلبت النون ياء .
(ولقد صرفناه) أي المطر (بينهم) بين الناس في البلدان والأوقات والصفات من وابل وطل وغيرهما أو صرفنا ما ذكر من الدلائل في القرآن وسائر الكتب (ليذكروا) ليتفكروا فيعرفوا سعة القدرة وحق النعمة به ويشكروا.
(فأبى أكثر الناس إلا كفورا) جحودا للنعمة فيقولون أمطرنا بنوء كذا .
(ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا) نبيا يخوف أهلها فيخف عليك أعباء الرسالة لكن خصصناك بعموم الدعوة إجلالا لك .
(فلا تطع الكافرين) فيما يدعونك إليه تهييج له (صلى الله عليه وآله وسلّم) (وجاهدهم به) بالقرآن أو بترك طاعتهم (جهادا كبيرا) يتحمل فيه المشاق بإقامة الحجج أو بجهاد جميع أهل القرى .
(وهو الذي مرج البحرين) خلاهما متلاصقين (هذا عذب فرات) بليغ العذوبة (وهذا ملح أجاج) شديد الملوحة أو مر (وجعل بينهما برزخا) حاجزا من قدرته يمنعهما التمازج (وحجرا محجورا).
(وهو الذي خلق من الماء) الذي هو العنصر أو النطفة (بشرا فجعله نسبأ وصهرا) أي قسمين ذوي نسب أي ذكورا ينتسب إليهم وذوات صهر أي إناثا يصاهر بهن نحو فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى (وكان ربك قديرا) على كل شيء أراده .
(ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم) بعبادته (ولا يضرهم) بتركها وهو الأصنام (وكان الكافر) أي جنسه أو أبو جهل (على ربه

ظهيرا) عزما للشيطان باتباعه .
(وما أرسلناك إلا مبشرا) لمن ءامن (ونذيرا) لمن كفر .
(قل ما أسألكم عليه) على تبليغ ما أرسلت به (من أجر إلا من شاء) إلا فعل من شاء (أن يتخذ إلى ربه) إلى ثوابه (سبيلا) بالتقرب إليه بالإيمان والطاعة أو منقطع أي ولكن من شاء فليفعل .
(وتوكل على الحي الذي لا يموت) في دفع المضار وجلب المنافع فإنه الكافي (وسبح بحمده) نزهه عما لا يليق به (وكفى به بذنوب عباده خبيرا) بها فيجازيهم .
(الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام) في قدرها (ثم استوى) بالنسبة إلى كل شيء أو استقام أمره أو استولى (على العرش) هو الجسم المحيط بالعالم شبه بسرير الملك (الرحمن) خبر محذوف أو بدل من ضمير استوى (فاسئل به خبيرا) فاسأل عن المذكور من الخلق والاستواء عالما وهو الله أو جبرئيل يخبرك به أو فاسأل عن الرحمن إن أنكروه ممن يخبرك من أهل الكتاب ليعرفوا أنه مذكور في كتبهم .
(وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن) سؤال عن المسمى به، وجهلوا أنه من أسمائه تعالى أو عرفوه وجحدوا (أنسجد لما تأمرنا) للذي تأمرنا بالسجود له أو لأمرك لنا ولم نعرفه وقرىء بالياء (وزادهم) أي المقول وهو (اسجدوا للرحمن) (نفورا) عن الإيمان .
(تبارك الذي جعل في السماء بروجا) اثنا عشر معروفة (وجعل فيها سراجا) هي الشمس وكبار الكواكب (وقمرا منيرا) مضيئا بالليل .
(وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة) يخلف كل منهما صاحبه بقيامه مقامه أو بتعاقبهما أو يخالفه كيفا أو كما (لمن أراد أن يذكر) يتذكر (أو أراد شكورا) شكرا لله أي ليكونا وقتين للمتذكرين والشاكرين من فاته ورده في أحدهما فيعمله في الآخر أو داعين للمتفكرين في صنع الله إلى العلم بوجوده وقدرته وحكمته وللشاكرين إلى شكره على نعمه فيهما .
(وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) أي هينين أو مشيا هينا أي بسكينة (وإذا خاطبهم الجاهلون) بما يكرهونه (قالوا سلاما) تسلما منكم ومتاركة لكم أو قولا يسلمون فيه من الإثم والإيذاء .
(والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) في الصلاة .
(والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما) لازما ومنه الغريم لملازمته، وصفوا بحسن السيرة مع الخلق والاجتهاد في طاعة الحق وهم مع ذلك فرقون من العذاب يسألون ربهم صرفه عنهم غير معتدين بأعمالهم .
(إنها ساءت مستقرا ومقاما) موضع استقرار وإقامة هي .
(والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) لم يجاوزوا الحد في النفقة ولم يضيقوا فيها أولم ينفقوا في المعاصي ولم يمنعوا الحقوق (وكان) إنفاقهم (بين ذلك) بين الإسراف والإقتار (قواما) من استقامة الطرفين .
(والذين لا يدعون مع الله إلها ءاخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله) قتلها (إلا بالحق) كقود أو حد (ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما) جزاء إثم أو إثما بإضمار الجزاء .
(يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهانا).
(إلا من تاب وءامن وعمل صالحا فأولئك

يبدل الله سيئاتهم حسنات) يمحوها بالتوبة أو بالتوفيق لأضداد ما أسلفوا أو بإبدال العذاب ثوابا (وكان الله غفورا) لمعاصي عباده (رحيما) منعما عليهم .
(ومن تاب) من ذنوبه بتركها والندم عليها (وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا) يرجع إليه بذلك مرجعا مرضيا دافعا للعقاب جالبا للثواب .
(والذين لا يشهدون الزور) لا يحضرون محاضر الباطل أو لا يقيمون شهادة الكذب (وإذا مروا باللغو) بأهله وهو الساقط من قول أو فعل (مروا كراما) معرضين عنهم مكرمين بأنفسهم عن الخوض معهم فيه .
(والذين إذا ذكروا بآيات ربهم) القرآن أو الوعظ (لم يخروا عليها صما وعميانا) نفي للحال دون الفعل أي لم يكبوا عليها غير منتفعين بها كالصم والعميان بل أكبوا عليها وأعين لها متبصرين ما فيها .
(والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) بأن نراهم مطيعين لك (واجعلنا للمتقين إماما) يقتدون بنا في الدين بأن توفقنا للعلم والعمل، ووحد لدلالته على الجنس أو لإرادة كل واحد منا وفي قراءتهم (عليهم السلام) واجعل لنا من المتقين إماما .
(أولئك يجزون الغرفة) جنسها وهي أعلى منازل أهل الجنة (بما صبروا) بصبرهم على الطاعات وقمع الشهوات (ويلقون فيها تحية وسلاما) من الملائكة أو من بعضهم لبعض .
(خالدين فيها) بلا موت ولا زوال (حسنت مستقرا ومقاما).
(قل ما يعبأ بكم ربي) ما يصنع أو لا يكترث بكم (لو لا دعاؤكم) عبادتكم له أو دعاؤه إياكم إلى الذين (فقد كذبتم) بما أعلمتكم به إذ خالفتم (فسوف يكون) جزاء تكذيبكم أو أثره (لزاما) لازما لكم في الآخرة.


سورة الشعراء

(26) سورة الشعراء مائتان وسبع وعشرون آية (227) مكية
إلا والشعراء إلى آخرها.
بسم الله الرحمن الرحيم
(طسم).
(تلك) الآيات (ءايات الكتاب المبين) السورة أو القرآن البين إعجازه أو المبين له .
(لعلك باخع نفسك) قاتلها (ألا يكونوا مؤمنين) من أجل أن لا يؤمنوا .
(إن نشأ ننزل عليهم من السماء ءاية) علامة ملجئة إلى الإيمان (فظلت أعناقهم لها خاضعين) منقادين .
(وما يأتيهم من ذكر) قرآن (من الرحمن محدث) مجدد تنزيله (إلا كانوا عنه معرضين) إلا جددوا إعراضا عنه وكفرا به .
(فقد كذبوا) به حين أعرضوا عنه وجرهم التكذيب إلى الاستهزاء (فسيأتيهم أنباء ما) أخبار الشيء الذي (كانوا به يستهزءون) أي سيعلمون بأي شيء استهزءوا إذا مسهم العذاب يوم بدر أو يوم القيامة .
(أولم يروا) ينظروا (إلى الأرض) وعجائبها (كم أنبتنا فيها من كل زوج) صنف (كريم) محمود ذي فوائد وكل لإحاطة الأزواج وكم لكثرتها .
(إن في ذلك) الآيات أو كل واحد من الأزواج (لآية) على قدرة منبتها على إحياء الموتى (وما كان أكثرهم مؤمنين) لأنهم مطبوع على قلوبهم .
(وإن ربك لهو العزيز) القادر على عقوبتهم (الرحيم) بإمهالهم .
(و) اذكر (إذ نادى ربك موسى أن) بأن أو أي (ائت القوم الظالمين) بالكفر وتعذيب بني إسرائيل .
(قوم فرعون ألا يتقون).
(قال) موسى (رب إني
أخاف أن يكذبون).
(ويضيق صدري) بتكذيبهم لي (ولا ينطلق لساني) المعقدة أو لقصور فصاحته.
(فأرسل إلى هرون) أخي أي اجعله نبيا يعضدني في أمري .
(ولهم علي ذنب) هو قتل القبطي أي تبعة ذنب وهو القود (فأخاف أن يقتلون) به قبل التبليغ .
(قال كلا) ردع له عن الخوف وعدة بالدفع (فاذهبا بآياتنا إنا معكم) أريد به موسى وأخوه وفرعون (مستمعون) لما بينكما وبينه فننصر كما عليه .
(فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين) أفرد الرسول لأنه هنا مصدر وصف به كالرسالة أو لاتحادهما لوحدة مطلبهما وللأخوة أو أريد كل واحد منا .
(أن) بأن أو أي (أرسل معنا بني إسرائيل) خلهم يذهبوا معنا إلى الشام فأتياه فقالا له ذلك .
(قال) فرعون لموسى (ألم نربك فينا وليدا) طفلا قريبا من الولادة (ولبثت فينا من عمرك سنين) اثني عشر أو أكثر وكان يدعى ولده .
(وفعلت فعلتك التي فعلت) من قتل القبطي (وأنت من الكافرين) بنعمتي .
(قال فعلتها إذا) أي حينئذ (وأنا من الضالين) الجاهلين أي الفاعلين فعل ذوي الجهل أو الذاهلين عن مآل الأمر أو المخطئين أي لم أتعمد قتله أو الناسين .
(ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما) علما (وجعلني من المرسلين).
(وتلك) التربية (نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل) اتخذتهم عبيدا تذبح أبناءهم وتستحيي نساءهم .
(قال فرعون) تعنتا حين بلغه الرسالة (وما رب العالمين) الذي ادعيت أنك رسوله .
(قال رب السموات والأرض وما بينهما) أي خالق جميع ذلك (إن كنتم موقنين) بشيء قط فهذا أولى ما توقنون به .
(قال لمن حوله) من أشراف قومه تعجبا لهم (ألا تستمعون) جوابه لسؤالي عن حقيقته بذكر صفاته أو بنسبة الربوبية إلى غيري .
(قال ربكم ورب ءابائكم الأولين) انتقال إلى ما هو أظهر للناظر وأقرب إليه .
(قال) غيظا وتهكما (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون) يجيب بما لم يطابق السؤال .
(قال رب المشرق والمغرب وما بينهما) الذي يجري النيرات من مشارقها إلى مغاربها على نظام مستقيم (إن كنتم تعقلون) علمتم ذلك .
(قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين) ممن عرفت حالهم في سجوني، كان يلقى الشخص في هوة عميقة فردا حتى يموت فهو أبلغ من لأسجننك .
(قال أولو) واو الحال وليت الهمزة أي أتفعل ولو (جئتك بشيء مبين) بصدق دعواي وهي المعجزة .
(قال فأت به إن كنت من الصادقين) في دعواك .
(فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين) بين الثعبانية .
(ونزع يده) من إبطه (فإذا هي بيضاء) ذات شعاع كالشمس (للناظرين) خلاف لونها من الأدمة .
(قال للملأ حوله

إن هذا لساحر عليم) حاذق في السحر .
(يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون).
(قالوا أرجه وأخاه) أخر أمرهما (وابعث في المدائن حاشرين) جامعين .
(يأتوك بكل سحار عليم) حاذق يفوق موسى بالسحر .
(فجمع السحرة لميقات يوم معلوم) لوقت موقت من يوم معين وهو وقت الضحى من يوم الزينة .
(وقيل للناس هل أنتم مجتمعون) حث لهم على الاجتماع أي بادروا إليه .
(لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين) غرضهم من الترجي على تقدير غلبتهم أن يستمروا على دينهم فلا يتبعوا موسى فكنوا عنه باتباع السحرة .
(فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين).
(قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين) عندي .
(قال لهم موسى) بعد ما قالوا له إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين (ألقوا ما أنتم ملقون).
(فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون) جزموا بأن الغلبة لهم وأقسموا بعزته ثقة بأنفسهم إذا بذلوا جهدهم في السحر .
(فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون) يقلبونه بتمويههم فيخيلون أن حبالهم وعصيهم حيات تسعى .
(فألقي السحرة ساجدين) ألقاهم ما بهرهم من الحق حتى لم يتمالكوا أنفسهم أو الله بإلهامهم ذلك .
(قالوا ءامنا برب العالمين) ولئلا يتوهم إرادة فرعون به أبدلوا منه .
(رب موسى وهرون قال) فرعون .
(ءامنتم له قبل أن ءاذن لكم) في ذلك (إنه لكبيركم) رئيسكم (الذي علمكم السحر) وتواطنتم على ما فعلتم (فلسوف تعلمون) وبال أمركم (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) من كل شق طرفا (ولأصلبنكم أجمعين) ليعتبر بكم .
(قالوا لا ضير) لا ضرر علينا في ذلك (إنا إلى ربنا منقلبون) إلى ثوابه راجعون بعد الموت أو مصيرنا ومصيركم إليه فيحكم بيننا وبينك تعليل لنفي الضمير وكذا .
(إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن) لأن (كنا أول المؤمنين) في زماننا أو من رعية فرعون .
(وأوحينا إلى موسى) بعد سنين أقامها بينهم يدعوهم بالآيات إلى الحق فلم يجيبوا (أن) بأن أو أي (أسر بعبادي) بالقطع والوصل أي سر بهم ليلا (إنكم متبعون) يتبعكم فرعون وجنوده تعليل لأسر .
(فأرسل فرعون) حين أخبر بسراهم (في المدائن) قيل كان له ألف مدينة سوى القرى (حاشرين) للجنود فجمعوا فقال لهم .
(إن هؤلاء لشرذمة) طائفة (قليلون) جمع قليل أي هم أسبأط كل سبط منهم قليل استقلهم وكانوا ستمائة وسبعين ألفا بالنسبة إلى جيشه إذ كان ألف ألف ملك مع كل ملك ألف .
(وإنهم لنا لغائظون) فاعلون ما يغيظنا .

(و إنا لجميع حاذرون) من عادتنا الحذر والتيقظ .
(فأخرجناهم) به (من جنات) بساتين (وعيون) جارية فيها .
(وكنوز) أموال من ذهب وفضة (ومقام كريم) منازل حسنة ومجالس بهية .
(كذلك) مصدر أي أخرجناهم مثل ذلك الإخراج أو صفة مقام أي مثل ذلك المقام الذي كان لهم أو خبر محذوف أي الأمر كذلك (وأورثناها بني إسرائيل) بعد إغراق فرعون وقومه .
(فأتبعوهم مشرقين) داخلين في وقت شروق الشمس .
(فلما تراءا الجمعان) حصل كل منهما بمرأى للآخر (قال أصحاب موسى إنا لمدركون) لملحقون .
(قال كلا) لن يدركونا (إن معي ربي) بصره وحفظه (سيهدين) سبيل النجاة كما وعدني .
(فأوحينا إلى موسى أن) بأن أو أي (اضرب بعصاك البحر) القلزم أو إساف فضربه (فانفلق) انشق فرقا بينها اثنا عشر مسلكا (فكان كل فرق كالطود العظيم) كالجبل الشامخ الراسي فسلك كل سبط مسلكا .
(وأزلفنا ثم) وقربنا هناك (الآخرين) فرعون وقومه حتى سلكوا مسلكهم .
(وأنجينا موسى ومن معه أجمعين) بإمساك البحر أن ينطبق حتى عبروا .
(ثم أغرقنا الآخرين) بإطباقه عليهم .
(إن في ذلك) المقصوص (لآية) عجيبة لمن تدبر (وما كان أكثرهم مؤمنين) بعد الإنجاء فعبدوا العجل وطلبوا رؤية الله .
(وإن ربك لهو العزيز) المنتقم من أعدائه (الرحيم) بأوليائه .
(واتل عليهم) على قومك (نبأ إبراهيم) خبره .
(إذ قال لأبيه) أي عمه آزر (وقومه ما تعبدون) سألهم للإلزام .
(قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين) عليه .
(قال هل يسمعونكم) يسمعون دعاءكم (إذ تدعون) وهو حكاية حال ماضية ليستحضروها لأن إذ للمضي .
(أو ينفعونكم) إذا عبدتموهم (أو يضرون) إن لم تعبدوهم .
(قالوا بل وجدنا ءاباءنا كذلك يفعلون) أضربوا عن جواب سؤاله وتمسكوا بالتقليد .
(قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون).
(أنتم وءاباؤكم الأقدمون) فإن الباطل لا ينقلب حقا لتقدمه .
(فإنهم عدو لي) أي أعداء لكم لتضرركم بعبادتهم أو لطاعتكم الشيطان بها (إلا رب العالمين) منقطع أي فإنه وليي أو متصل على تعميم المعبودين وإن في آبائهم من عبد الله .
(الذي خلقني فهو يهدين) لمصالح الدارين تدريجا مستمرا إلى أن ينعمني في جنته .
(والذي هو يطعمني ويسقين) لا غيره إذ خلق الغذاء وما يتوقف عليه الاغتذاء به .
(وإذا مرضت فهو يشفين) لم يقل أمرضني لحدوث المرض غالبا بإسراف الإنسان في مطعمه ومشربه وغيرهما وبتنافر طبائع الأخلاط ما لم يحفظها الله على نسبة مخصوصة بقدرته لتحصل الصحة ولأنه في مقام تعديد النعم ونسب الإماتة إليه في .
(والذي يميتني) لأن الموت لا يحس به فلا ضرر إلا في مقدماته وهي المرض ولأنه وصلة إلى الحياة الباقية (ثم يحيين) في الآخرة .
(والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) قاله تواضعا لله وهضما لنفسه إذ لا خطيئة له.

(رب هب لي حكما) علما إلى علم أو حكما بالحق بين الناس (وألحقني بالصالحين) وفقني لعمل أنتظم فيه من جملتهم أو أجمع بيني وبينهم في الجنة .
(واجعل لي لسان صدق في الآخرين) ذكرا جميلا في الذين يأتون بعدي إلى يوم الدين وقد أجابه فكل أمة تثنى عليه أو ولدا صادقا داعيا إلى أصل ديني وهو محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
(واجعلني من ورثة جنة النعيم) ممن يعطاها .
(واغفر لأبي إنه كان من الضالين) بأن توفقه للإيمان .
(ولا تخزني) تهني (يوم يبعثون) أي العباد .
(يوم لا ينفع مال ولا بنون).
(إلا من أتى الله بقلب سليم) من الشرك وحب الدنيا متصل أي إلا مال من هذا نعته .
(وأزلفت الجنة) قربت (للمتقين) ليروها فيزدادوا فرحا .
(وبرزت الجحيم) كشفت (للغاوين) ليزدادوا غما .
(وقيل لهم أينما كنتم تعبدون).
(من دون الله) من الأصنام (هل ينصرونكم) بدفع العذاب عنكم كما زعمتم شفاعتهم (أو ينتصرون) بدفعه عن أنفسهم .
(فكبكبوا) ألقوا (فيها هم والغاوون) الآلهة وعبدتها بعضهم على بعض .
(وجنود إبليس) شياطينه أو أتباعه من الثقلين .
(أجمعون قالوا) أي العبدة (وهم فيها يختصمون) مع الأصنام .
(تالله إن) المخففة (كنا لفي ضلال مبين) اللام فارقة.
(إذ نسويكم برب العالمين) في العبادة .
(وما أضلنا إلا المجرمون) رؤساؤنا أو الأولون الذين اقتدينا بهم.
(فما لنا من شافعين) كما للمؤمنين من النبيين وغيرهم .
(ولا صديق حميم) يهمه أمرنا .
(فلو أن لنا كرة) رجعة إلى الدنيا ولو في معنى التمني أو شرط حذف جوابه (فنكون من المؤمنين).
(إن في ذلك) المقصوص (لآية) دلالة لمن اعتبر (وما كان أكثرهم) أكثر قوم إبراهيم (مؤمنين) به .
(وإن ربك لهو العزيز الرحيم).
(كذبت قوم نوح المرسلين) بتكذيبه لاشتراكهم في الدعاء إلى التوحيد وقوم مؤنث معنى .
(إذ قال لهم أخوهم) نسبأ (نوح ألا تتقون) الله في الإشراك به .
(إني لكم رسول أمين) فيكم .
(فاتقوا الله وأطيعون) فيما آمركم من توحيده وطاعته .
(وما أسألكم عليه) على الدعاء والنصح (من) زائدة (أجر إن أجري إلا على رب).
(العالمين فاتقوا الله وأطيعون) كرر تأكيدا .
(قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) الذين لا مال لهم ولا عز، من غير بصيرة، جعلوا اتباع هؤلاء مانعا من إيمانهم.

(قال وما علمي) وأي علم لي (بما كانوا يعملون) عن بصيرة أم لا وما علي إلا اعتبار الظواهر .
(إن) ما (حسابهم إلا على ربي) العالم ببواطنهم لا علي (لو تشعرون) ذلك لعلمتموه .
(وما أنا بطارد المؤمنين) تطييبا لنفوسكم طمعا في إيمانكم .
(إن) ما (أنا إلا نذير مبين) للإنذار بالحجة الواضحة .
(قالوا لئن لم تنته يا نوح) عما تقول (لتكونن من المرجومين) بالحجارة أو بالشتم .
(قال رب إن قومي كذبون) أراد أنه إنما يدعو عليهم لتكذيبهم الحق لا لإيذائهم له .
(فافتح) فاحكم (بيني وبينهم فتحا) حكما (ونجني ومن معي من المؤمنين) مما يحل بهم .
(فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون) المملوء .
(ثم أغرقنا بعد) بعد إنجائهم (الباقين) من قومه .
(إن في ذلك لآية) باهرة (وما كان أكثرهم مؤمنين).
(وإن ربك لهو العزيز الرحيم).
(كذبت عاد المرسلين) أنث لمعنى القبيلة .
(إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون).
(إني لكم رسول أمين).
(فاتقوا الله وأطيعون).
(وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين) دل تصدير القصص بذلك على أن الغرض من البعثة الدعاء إلى توحيد الله وطاعته والأنبياء متفقون فيه وإن اختلفوا في بعض شرائعهم ولم يطلبوا به مطمعا دنيويا .
(أتبنون بكل ريع) مكان مرتفع (ءاية) علما للمارة (تعبثون) ببنائها إذ كانوا في أسفارهم يهتدون بالنجوم فيستغنون عنها أو يجتمعون إليها للعبث بمن يمر بهم أو بروج الحمام .
(وتتخذون مصانع) مأخذا للماء أو حصونا وقصورا مشيدة (لعلكم) كأنكم (تخلدون) أو ترجون الخلود فتحكمونها .
(وإذا بطشتم) بسوط أو سيف (بطشتم جبارين) مستعلين بالضرب والقتل بلا رأفة ولا تثبت .
(فاتقوا الله) في ذلك (وأطيعون) فيما أمركم به .
(واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون) من ضروب النعم .
(أمدكم بأنعام وبنين).
(وجنات وعيون) أجمل النعم أولا بما يعلمونه ثم فصل بعضها .
(إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) في الدنيا والآخرة .
(قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين) أصلا فلا نقلع عما نحن فيه لم يقابلوا أوعظت أم لم تعظ عدولا إلى الأبلغ .
(إن) ما (هذا) الذي جئتنا به (إلا خلق الأولين) اختلافهم وكذبهم أو ما خلقنا إلا خلقهم نحيا ونموت ولا بعث .
(وما نحن بمعذبين) كما تزعم .
(فكذبوه فأهلكناهم) بالريح بتكذيبهم (إن في ذلك لآية

وما كان أكثرهم مؤمنين).
(وإن ربك لهو العزيز الرحيم).
(كذبت ثمود المرسلين).
(إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون).
(إني لكم رسول أمين).
(فاتقوا الله وأطيعون).
(وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين).
(أتتركون) إنكار (في ما هاهنا) من النعم (ءامنين) الزوال .
(في جنات وعيون).
(وزروع ونخل طلعها هضيم) لطيف صاف للطف طلع إناث النخل أو لين نضج وهو الرطب وأفرد النخل بالذكر لفضلها .
(وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين) حاذقين بنحتها أو بطرين وقرىء فرهين .
(فاتقوا الله وأطيعون).
(ولا تطيعوا أمر المسرفين) لا تطيعوهم فنسب للأمر مجازا .
(الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون) أي فسادهم خالص عن الصلاح .
(قالوا إنما أنت من المسحرين) الذين سحروا كثيرا حتى لا يعقلوا .
(ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين) في دعواك .
(قال هذه ناقة لها شرب) نصيب من الماء (ولكم شرب يوم معلوم) فلا تجاوزوه إلى شربها .
(ولا تمسوها بسوء) كعقر وأذى (فيأخذكم عذاب يوم عظيم).
(فعقروها) أسند فعل البعض إلى الكل لرضاهم (فأصبحوا نادمين) على عقرها حين عاينوا العذاب .
(فأخذهم العذاب) الموعود (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين).
(وإن ربك لهو العزيز الرحيم).
(كذبت قوم لوط المرسلين).
(إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون).
(إني لكم رسول أمين).
(فاتقوا الله وأطيعون).
(وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين).
(أتأتون الذكران

من العالمين) من الناس مع كثرة الإناث فيهم أو من بين من ينكح من الحيوان اختصصتم بذلك .
(وتذرون ما خلق لكم ربكم بل أنتم قوم عادون) متعدون حد الحلال إلى الحرام .
(قالوا لئن لم تنته يا لوط) عن نهينا وتقبيح أمرنا (لتكونن من المخرجين) من بلدنا كأنهم كانوا يعنفون بمن يخرجونه .
(قال إني لعملكم من القالين) المبغضين .
(رب نجني وأهلي مما يعملون) من وباله .
(فنجيناه وأهله أجمعين) يشمل من آمن به لأنهم أهله .
(إلا عجوزا) هي امرأته (في الغابرين) الباقين في العذاب لرضاها بفعلهم وإعانتها لهم .
(ثم دمرنا الآخرين) أهلكناهم بالايتفاك .
(وأمطرنا عليهم مطرا) حجارة أتبعناهم إياها أو على شذاذهم فأهلكناهم بها (فساء مطر المنذرين) مطرهم واللام للجنس .
(إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين).
(وإن ربك لهو العزيز الرحيم).
(كذب أصحاب الأيكة المرسلين) الأيكة الشجر الملتف وهي غيضة بقرب مدين يسكنها قوم بعث إليهم شعيب .
(إذ قال لهم شعيب ألا تتقون).
(إني لكم رسول أمين).
(فاتقوا الله وأطيعون).
(وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين).
(أوفوا الكيل) أتموه (ولا تكونوا من المخسرين) الناقصين).
(وزنوا بالقسطاس المستقيم) بالميزان السوي بضم القاف وكسره .
(ولا تبخسوا الناس أشياءهم) لا تنقصوهم حقوقهم (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) بالقتل وغيره حال مؤكدة .
(واتقوا الذي خلقكم والجبلة) ذوي الجبلة وهي الخلقة أي والخلائق (الأولين).
(قالوا إنما أنت من المسحرين).
(وما أنت إلا بشر مثلنا) الواو يفيد أنه جمع بين وصفين منافيين للرسالة (وإن) المخففة (نظنك لمن الكاذبين) في دعواك واللام فارقة .
(فأسقط علينا كسفا) قطعة (من السماء إن كنت من الصادقين).
(قال ربي أعلم بما تعملون) وبجزائه الذي استوجبتموه من كسف وغيره فينزلوه بكم .
(فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة) هي سحابة أظلتهم بعد حر شديد أصابهم سبعة أيام فأمطرت عليهم نارا فأحرقتهم (إنه كان عذاب يوم عظيم).

(إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين).
(وإن ربك لهو العزيز الرحيم) قص سبع قصص هذا آخرها تسلية لرسوله وتهديدا للمكذبين به بما أصاب الأمم بتكذيب الرسل .
(وإنه) أي القرآن المشتمل على هذه القصص وغيرها (لتنزيل رب العالمين) تقرير لحقيقتها وإشعار بإعجاز القرآن .
(نزل به الروح الأمين) عليه جبرئيل سمي روحا لأنه به يحيي الدين أو لأنه روحاني .
(على قلبك لتكون من المنذرين).
(بلسان عربي مبين) بين المعنى .
(وإنه) أي ذكر القرآن (لفي زبر الأولين) كتبهم السماوية .
(أولم يكن لهم ءاية) على صحة القرآن أو صدق محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (أن يعلمه علمؤا بني إسرائيل) كابن سلام وغيره أي علمهم ببعثه من كتبهم .
(ولو نزلناه) كما هو (على بعض الأعجمين) الذين لا يحسنون عربية أو بلغة العجم .
(فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين) عنادا أو أنفة من اتباع العجم قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لو نزلنا القرآن على العجم ما آمنت به العرب وقد نزل على العرب فآمنت به العجم.
(كذلك سلكناه في قلوب المجرمين) أي مثل إدخالنا القرآن مكذبا به في قلوبهم بقراءتك عليهم وأسند إليه تعالى كناية عن تمكنه مكذبا به في قلوبهم كأنهم جبلوا عليه بدليل إسناد .
(لا يؤمنون به) إليهم (حتى يروا العذاب الأليم).
(فيأتيهم بغتة) فجأة (وهم لا يشعرون) بمجيئه .
(فيقولوا) ندما (هل نحن منظرون) لنؤمن .
(أفبعذابنا يستعجلون) توبيخ لهم بتهكم أي كيف يستعجله من إذا نزل به سأل النظرة .
(أفرأيت) أخبرني (إن متعناهم سنين).
(ثم جاءهم ما كانوا يوعدون).
(ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) لم يغن عنهم تمتيعهم في رفع العذاب .
(وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون) رسل تنذر أهلها بالحجج .
(ذكرى) تذكرة نصبت علة أو مصدرا ورفعت خبرا لمحذوف (وما كنا ظالمين) فنهلك غير الظالمين .
(وما تنزلت به الشياطين) كما زعم الكفرة أنه من جنس ما يلقي الشياطين إلى الكفار .
(وما ينبغي) لهم التنزل به (وما يستطيعون) ذلك .
(إنهم عن السمع) لكلام الملائكة (لمعزولون) ممنوعون بالشهب .
(فلا تدع مع الله إلها ءاخر فتكون من المعذبين) تهييج له (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليزداد إخلاصا ولطف للمكلفين .
(وأنذر عشيرتك الأقربين) مبتدئا بهم الأقرب فالأقرب .
(واخفض جناحك) ألن جانبك (لمن اتبعك من المؤمنين) ويراد بالمؤمنين من صدقوا بألسنتهم .
(فإن عصوك) أي قومك (فقل إني بريء مما تعملون).

(وتوكل على العزيز الرحيم) فوض أمرك إليه .
(الذي يراك حين تقوم) في التهجد .
(وتقلبك في الساجدين) وتصرفك في المصلين بالقيام والركوع والسجود والقعود حين تأمهم .
(إنه هو السميع) لقولك (العليم) نبأك .
(هل أنبئكم على من تنزل الشياطين) تتنزل .
(تنزل على كل أفاك أثيم) كذاب فاجر .
(يلقون) أي الأفاكون (السمع) إلى الشياطين فيتلقون منهم (وأكثرهم كاذبون).
(والشعراء يتبعهم الغاوون) باستحسان باطلهم وروايته عنهم ولا كذلك أتباع محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ويقرره .
(ألم تر أنهم في كل واد يهيمون) يذهبون غير مبالين بما نطقوا من غلو في مدح وذم .
(وأنهم يقولون ما لا يفعلون) من وعد كاذب وافتخار باطل وحديث مفترى .
(إلا) الشعراء (الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا) وكان شعرهم في الثناء على الله ومناجاته والحكمة والموعظة الحسنة ومدح النبي وآله ورثاهم (وانتصروا) من هجائهم من الكفار (من بعد ما ظلموا) بالاعتداء عليهم فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) أي مرجع يرجعون بعد الموت وفي (وسيعلم) وعيد وإطلاق (الذين ظلموا) وإبهام أي أشد ترهيب وأفظع تهويل.


سورة النمل

(27) سورة النمل ثلاث أو أربع وتسعون آية (93 - 94) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(طس تلك) إشارة إلى آي السورة (ءايات القرآن وكتاب مبين) للحق من الباطل والكتاب اللوح أو القرآن .
(هدى وبشرى للمؤمنين) بالجنة .
(الذين يقيمون الصلاة) بحدودها (ويؤتون الزكاة) بتمامها (وهم بالآخرة هم يوقنون) من تتمة الصلة والواو للحال أو للعطف وغير النظم إيذانا بكمال إيقانهم .
(إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم) القبيحة بتخلية الشيطان حتى زينها لهم (فهم يعمهون) يتحيرون فيها كمن ضل الطريق .
(أولئك الذين لهم سوء العذاب) أشده كالقتل والأسر ببدر (وهم في الآخرة هم الأخسرون) أشد الناس خسرانا لاستبدالهم النار بالجنة .
(وإنك لتلقى القرآن) تلقنه (من لدن حكيم عليم.
إذ قال موسى لأهله) لامرأته في مسيره من مدين إلى مصر (إني ءانست) أبصرت (نارا سآتيكم منها بخبر) عن الطريق وكان قد ضله وخوطبت بلفظ الجمع لما كنى عنها بالأهل (أو ءاتيكم بشهاب قبس) بشعلة نار مقبوسة (لعلكم تصطلون) رجاء أن تستدفئوا بها .
(فلما جاءها نودي أن) أي (بورك من في النار) من في مكانها وهو البقعة المباركة يعني الملائكة والشجر أو النور المتقد بها (ومن حولها) أي موسى أو الملائكة (وسبحان الله رب العالمين) مما نودي به تنزيه له تعالى عن التشبيه .
(يا موسى إنه) أي الشأن (أنا الله العزيز الحكيم).
(وألق عصاك) فألقاها (فلما رءاها تهتز) تتحرك (كأنها جان) حية خفيفة (ولى مدبرا ولم يعقب) ولم يرجع فقال تعالى (يا موسى لا تخف) منها أو مطلقا بدليل (إني لا يخاف لدي المرسلون) لعصمتهم عما يوجب عقوبة يخافونها وإن كانوا أخوف الناس هيبة لعظمته تعالى .
(إلا) لكن (من ظلم) نفسه من غيرهم بذنب أو منهم بترك الأولى وعلى هذا يجوز جعله متصلا (ثم بدل حسنا بعد سوء) توبة بعد ذنب أو ترك أولى (فإني غفور رحيم) أقبل توبته وأثيبه .
(وأدخل يدك في جيبك) طرف مدرعتك (تخرج بيضاء) ذات شعاع (من غير سوء) برص آيتان (في تسع ءايات) أي معها وهي الفلق والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس والجدب ونقص الثمرات (إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين) علة الإرسال .
(فلما جاءتهم ءاياتنا مبصرة) واضحة كأنها تبصر وتهدي وأريد إبصار متأمليها للملابسة وعن السجاد (عليه السلام) مبصرة بفتحهما (قالوا هذا سحر مبين) بين .
(وجحدوا) وكذبوا (بها واستيقنتها أنفسهم) الواو للحال بإضمار قد (ظلما) لأنفسهم (وعلوا) ترفعا عن الإيمان (فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) من الغرق عاجلا والنار آجلا .
(ولقد ءاتينا داود وسليمان علما) أي علم أي نوع من العلم (وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين) ممن لم يؤت مثل علمها ودل على شرف العلم وأهله .
(وورث سليمان داود) ماله وملكه وقيل نبوته وعلمه بأن قام مقامه في ذلك دون سائر بنيه وهم تسعة عشر الأول مروي (وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير) أصواته وفهم معانيها وضمير علمنا له ولأبيه أو له على عادة الملوك وكذا (وأوتينا من كل شيء) يريد كثرة ما أوتي به (إن هذا لهو الفضل المبين) البين الظاهر .
(وحشر) وجمع (لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون) بحبس أولهم على آخرهم ليلاحقوا .
(حتى إذا أتوا على وادي النمل) واد بالشام أو الطائف كثير النمل والتعدي بعلى لأنهم أتوا من فوق أو لقطعهم الوادي من أتى على الشيء بلغ آخره (قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا

مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون) بحطمكم كأنها عرفت عصمته عن الظلم .
(فتبسم ضاحكا من قولها) تعجبا من حذرها أو تحذيرها (وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي) أدرج ذكرهما لأن النعمة عليهما وبالعكس (وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) في جملتهم الجنة .
(وتفقد الطير) وكانت تظله عن الشمس فوقعت نفحة منها على رأسه فنظر فإذا موضع الهدهد خال أو احتاج إليه لأنه يرود له الماء لأنه يراه من بطن الأرض (فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين) فلم أره لغيبة .
(لأعذبنه عذابا شديدا) بنتف ريشه وتشميسه أو حبسه مع ضده في قفص (أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين) لعذره .
(فمكث) بالضم أو الفتح (غير بعيد) زمانا يسيرا (فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ) منونا اسم للحي أو أبيهم سبأ بن يشحب بن يعرب (بنبإ يقين) بخبر متيقن .
(إني وجدت امرأة تملكهم) أي ملكة لسبأ أو أهلها وهي بلقيس (وأوتيت من كل شيء) يحتاج إليه الملوك (ولها عرش) سرير (عظيم) بالنسبة إليها أو لأنه لم يكن لسليمان مثله وإن عظم ملكه وكان ثلاثين أو ثمانين ذراعا في مثلها عرضا وسمكا من ذهب وفضة مكللا بالجوهر .
(وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله) كانوا مجوسا يعبدونها (وزين لهم الشيطان أعمالهم) القبيحة (فصدهم عن السبيل) سبيل الحق (فهم لا يهتدون) إليه .
(ألا يسجدوا) فصدهم أن لا يسجدوا أو زين لهم أن لا يسجدوا بإبداله من (أعمالهم) أو لا يهتدون لأن يسجدوا (لله الذي يخرج الخبء) مصدر بمعنى المخبوء وهو ما خفي (في السموات والأرض) كالنبات والمطر بل كلما يخرجه من العدم إلى الوجود (ويعلم ما تخفون وما تعلنون) ما يسرونه وما يظهرونه .
(الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) لإحاطته بالعلم .
(قال سننظر) سنتأمل في أمرك (أصدقت أم كنت من الكاذبين) عدل عن أم كذبت مبالغة وللفاصلة ثم كتب كتابا وقال له .
(اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم) إلى الذين دينهم ما ذكرت واهتم بأمر الدين فلم يقل إليها (ثم تول) تنح (عنهم) متواريا قريبا منهم (فانظر ماذا يرجعون) أي بعضهم إلى بعض من القول فألقاه في حجرها فلما قرأته .
(قالت) لأشراف قومها (يا أيها الملؤا إني ألقي إلي كتاب كريم) لكرم مرسله أو مضمونه أو لأنه كان مختوما .
(إنه) أي الكتاب أو عنوانه (من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم).
(ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين) منقادين أو مؤمنين وقد اشتمل مع إيجازه على تمام المقصود من إثبات الصانع وصفاته بالبسملة والنهي عن التكبر والأمر بالانقياد كل ذلك مع إظهار المعجز برسالة هدهد .

(قالت يا أيها الملؤا أفتوني في أمري) أجيبوني بما عندكم من الرأي (ما كنت قاطعة) قاضية (أمرا حتى تشهدون) تحضرون ملاطفة لهم ليقوموا معها .
(قالوا نحن أولوا قوة) بأجنادنا وعددنا (وأولوا بأس شديد) شجاعة ونجدة (والأمر إليك) مفوض (فانظري ماذا تأمرين) من حرب أو صلح .
(قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية) عنوة وقهرا (أفسدوها) خربوها (وجعلوا أعزة أهلها أذلة) أهانوهم بالقتل والأسر ونهب الأموال (وكذلك يفعلون) تقرير لما وصفتهم به أو تصديقا لها من الله تعالى .
(وإني مرسلة إليهم) رسلا (بهدية) أصانعه بها عن ملكي (فناظرة بم يرجع المرسلون) من حالة فأعمل بحسبه .
(فلما جاء) الرسول بما معه (سليمان قال) إنكارا (أتمدونن بمال فما ءاتاني الله) من النبوة والكمالات والقراءة (خير مما ءاتاكم) من حظ الدنيا (بل أنتم بهديتكم) بما يهدى إليكم (تفرحون) حبا لزيادة المال لقصر هممكم عليه .
(ارجع إليهم) بما جئت من الهدية (فلنأتينهم بجنود لا قبل) لا طاقة (لهم بها ولنخرجنهم منها) من سبأ (أذلة) بذهاب عزهم (وهم صاغرون) بأسر وإهانة إن لم يأتوا مسلمين إذ لا يحل له أخذهم إذا أسلموا .
(قال يا أيها الملؤا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين).
(قال عفريت) مارد قوي (من الجن أنا ءاتيك به قبل أن تقوم من مقامك) مجلسك للحكم ومدته نصف النهار (وإني عليه) على حمله (لقوي أمين) على ما فيه من جوهر وغيره .
(قال الذي عنده علم من الكتاب) الكتب المنزلة آصف بن برخيا وزيره كان صديقا يعلم اسم الله الأعظم أو الخضر أو جبرئيل أو سليمان (أنا ءاتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) الطرف تحريك الأجفان للنظر (فلما رءاه مستقرا) ساكنا (عنده قال) شكرا (هذا من فضل ربي ليبلوني) ليختبرني (أأشكر) نعمته (أم أكفر) بها (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه) لاستدامته لها به واستزادتها (ومن كفر فإن ربي غني) عن شكره وغيره (كريم) يعطيه مع كفره .
(قال نكروا لها عرشها) بتغيير هيئته اختبارا لعقلها (ننظر أتهتدي) لمعرفته أو للجواب الصائب أو للإيمان (أم تكون من الذين لا يهتدون).
(فلما جاءت قيل أهكذا عرشك) تشبيها عليها (قالت كأنه هو) كانت حكيمة لم تقل هو لجواز كونه مثله (وأوتينا العلم من قبلها

وكنا مسلمين) قول سليمان أي أوتينا العلم بالله وقدرته قبلها وكنا مخلصين له أو من كلامها أي أوتينا العلم بقدرة الله وصحة نبوة سليمان من قبل هذه المعجزة أو الحالة بما سبق من المعجزات .
(وصدها) قبل ذلك عن الإسلام (ما كانت تعبد من دون الله) أي عبادة الشمس أو صدها الله أو سليمان عن عبادتها (إنها كانت من قوم كافرين) نشأت بين أظهرهم .
(قيل لها ادخلي الصرح) القصر أو صحن الدار وكان من زجاج أبيض وأجري تحته ماء فيه سمك فجلس في صدره على سريره قصد به تهويل مجلسه (فلما رأته حسبته لجة) ماء غامرا (وكشفت عن ساقيها) لتخوضه فوجدها أحسن الناس ساقا وقدما إلا أنها شعراء فأمر الجن فعملت لها النورة (قال) لها (إنه صرح ممرد) مملس (من قوارير) من زجاج (قالت رب إني ظلمت نفسي) بعبادة الشمس (وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) فتزوجها وأقرها على ملكها وكان يزورها كل شهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام .
(ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن) بأن (اعبدوا الله) وحده (فإذا هم فريقان) مؤمن وكافر (يختصمون) في الدين .
(قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة) بالعذاب بقولكم ائتنا بما تعدنا (قبل الحسنة) قبل الثواب وقد مكنتم التوصل إليها بأن تؤمنوا (لو لا) هلا (تستغفرون الله) بأن تتوبوا فلا تعذبون (لعلكم ترحمون).
(قالوا اطيرنا) تطيرنا أدغمت التاء في الطاء ووصل بهمزة أي تشاء منا (بك وبمن معك) وباتباعك وكانوا قد قحطوا (قال طائركم) سبب شؤمكم (عند الله) وهو قدره أو عملكم المثبت عنده (بل أنتم قوم تفتنون) تختبرون بالرخاء والشدة أو تعذبون .
(وكان في المدينة تسعة رهط) ميز به التسعة لأنه بمعنى الجمع وهو من الثلاثة إلى العشرة أي تسعة رجال (يفسدون في الأرض ولا يصلحون) ولا يخلطون إفسادهم بصلاح .
(قالوا) فيما بينهم (تقاسموا بالله) أمر أو خبر بدل أو حال بتقدير قد (لنبيتنه) بالنون على التكلم أي لنقتلن صالحا وقرىء بالتاء على خطاب بعضهم بعضا (وأهله) ليلا (ثم لنقولن) بالقراءتين (لوليه) لولي دمه (ما شهدنا مهلك أهله) بضم الميم مصدر أو زمان أو مكان من أهلك (و) الحال (إنا لصادقون) إذ الشاهد غير المباشر بزعمهم .
(ومكروا مكرا) بهذا التدبير (ومكرنا مكرا) بمجازاتهم بإهلاكهم (وهم لا يشعرون) بذلك .
(فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين).
(فتلك بيوتهم خاوية) خالية أو ساقطة حال عاملها الإشارة (بما ظلموا) بظلمهم (إن في ذلك لآية) لعبرة (لقوم يعلمون) فيعتبرون .
(وأنجينا الذين ءامنوا) صالحا ومن معه (وكانوا يتقون) الشرك والمعاصي .
(ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة) اللواط (وأنتم تبصرون) تعلمون فحشها من بصر القلب والقبيح من العالم به أقبح .
(أئنكم لتأتون الرجال) بيان الفاحشة (شهوة) علة تقرر قبحه.

(من دون النساء) اللاتي خلقهن لكم (بل أنتم قوم تجهلون) عاقبتها أو تفعلون فعل من يجهل فحشها .
(فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) يتنزهون عن أفعالنا .
(فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين) الباقين في العذاب .
(وأمطرنا عليهم مطرا) هو الحجارة (فساء مطر المنذرين) مطرهم .
(قل) يا محمد (الحمد لله) على إهلاك كفرة الأمم الماضية ونصر رسله عليهم (وسلام على عباده الذين اصطفى) اختارهم حججا على خلقه (ءالله خير) لمن يعبده (أما يشركون) به يا أهل مكة من الأصنام لعبدتها إلزام لهم وتهكم بهم إذ لا خير فيما أشركوه أصلا .
(أمن) بل من (خلق السموات والأرض) التي هي أظهر الحسيات ومنشأ المنافع (وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به) التفت إلى التكلم تأكيدا لاختصاص الإثبات به (حدائق) بساتين محوطة (ذات بهجة) حسن ونضارة (ما كان لكم أن تنبتوا شجرها) أي لم تقدروا عليه (أءله مع الله) يقدر على مثل ذلك أي لا إله معه (بل هم قوم يعدلون) به غيره أو عن الحق .
(أمن جعل) وما بعده بدل أمن خلق (الأرض قرارا) يستقر عليها الناس والدواب بثبوتها (وجعل خلالها) وسطها (أنهارا) جارية (وجعل لها رواسي) جبالا تثبتها لئلا تميد (وجعل بين البحرين) العذب والمالح (حاجزا) لهما أن يختلطا (أءله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون) الحق لعدم تدبرهم .
(أمن يجيب المضطر إذا دعاه) المكروب الذي ألجأه الضر إلى الله بشرائط الدعاء (ويكشف السوء) يزيل من عباده ما يسوؤهم (ويجعلكم خلفاء الأرض) أي فيها بتوارثكم سكناهم والتصرف فيها قرنا بعد قرن (أءله مع الله قليلا ما تذكرون) أي تتذكرون نعمه تذكرا قليلا .
(أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر) بالنجوم وعلامات الأرض وظلماتهما ظلمات الليل فيهما أو مبهما أو مبهمات طرقهما (ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته) قدام المطر (أءله مع الله) الخالق (تعالى الله عما يشركون) به من المخلوق .
(أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض) بالمطر والنبات (أءله مع الله) يفعل شيئا مما ذكر (قل هاتوا برهانكم) حجتكم على أن مع الله إلها (إن كنتم صادقين) في ذلك .
(قل لا يعلم من في السموات والأرض) من الملائكة والثقلين (الغيب

إلا الله) متصل وأريد بمن فيهما من تعلق علمه بهما ولو إجمالا لا من فيهما حقيقة ليعلم الله وأولو العلم من خلقه بالتشكيك كالعالم والرحيم فليس فيه سوء أدب بإبهام التسوية بينه تعالى وبينهم أو منقطع ورفع مستثناه على لغة تميم والمعنى إن كان الله ممن فيهما ففيهما من يعلم الغيب لكنه ليس منهم فلا يعلمونه وفيه أن استثناء نقيض المقدم لا ينتج فلا يلزم من امتناع كونه تعالى ممن فيهما عدم علمه الغيب (وما يشعرون أيان) متى (يبعثون).
(بل ادارك) تدارك وقرىء أدرك كأكرم أي انتهى وتكامل (علمهم في الآخرة) في شأنها أي حصل لهم بالحجج أسبأب استحكام العلم وتكامله بأن القيامة كائنة وهم ينكرونه وقيل وصفوا بالعلم تهكما بهم (بل هم في شك منها) مع تمكنهم من اليقين بتدبر حججها (بل هم منها عمون) عن إدراك حججها لعدم التدبر .
(وقال الذين كفروا أإذا كنا ترابا وءاباؤنا أإنا لمخرجون) من القبور تقدير لعماهم .
(لقد وعدنا هذا نحن وءاباؤنا من قبل) قبل وعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (إن هذا إلا أساطير الأولين) أكاذيبهم التي سطروها .
(قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين) تهديد لهم على الكفر بأن يصيبهم ما أصاب الكفرة قبلهم .
(ولا تحزن عليهم) حرصا على إيمانهم (ولا تكن في ضيق مما يمكرون) في ضيق صدر من مكرهم فأنا عاصمك منهم .
(ويقولون متى هذا الوعد) العذاب الموعود (إن كنتم صادقين) فيه .
(قل عسى أن يكون ردف لكم) لحقكم واللام زائدة أو ضمن ردف معنى أزف ودنا (بعض الذي تستعجلون) وقوعه وهو عذاب بدر .
(وإن ربك لذو فضل على الناس) ومنه تأخير عذاب الكفرة (ولكن أكثرهم لا يشكرون) فضله عليهم .
(وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم) تخفيه (وما يعلنون) يظهرونه فيجازيهم به .
(وما من غائبة في السماء والأرض) خافية فيهما وهما اسمان لما يغيب ويخفى كالذبيحة أو صفتان والتاء للمبالغة كالراوية (إلا في كتاب مبين) وهو اللوح .
(إن هذا القرءان يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون) كأمر عزير وعيسى وغيرهما .
(وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين) لمن آمن منهم ومن غيرهم .
(إن ربك يقضي بينهم) بين من آمن ومن كفر (بحكمه) بما يحكم به وهو عدله (وهو العزيز) فلا يغلب (العليم) بالقضاء بالحق .
(فتوكل على الله) ولا تكترث بهم (إنك على الحق المبين) البين والمحق أحق بأن يثق بنصر الله .
(إنك لا تسمع الموتى) شبهوا بالموتى لعدم تدبرهم ما يتلى عليهم كما شبهوا بالصم في (ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) فهم حينئذ بعيد عن الأسماع .
(وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون) مخلصون بالتوحيد .
(وإذا وقع القول عليهم) أي قرب وقوع المقول وهو ما وعدوه من البعث والعذاب

(أخرجنا لهم دابة من الأرض) تضافرت الأخبار أن الدابة أمير المؤمنين ومعه عصا موسى وخاتم سليمان يسم المؤمن والكافر (تكلمهم) فيقول حاكية لقول الله (أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) أي بالقرآن أو بخروجها .
(ويوم نحشر من كل أمة) من للتبعيض (فوجا) جماعة (ممن يكذب بآياتنا) بيان للفوج وهم رؤساؤهم وقادتهم (فهم يوزعون) يحبس أولهم على آخرهم ليجتمعوا وفسرت في الأخبار بالرجعة وأما الحشر الأكبر فقوله وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا .
(حتى إذا جاءوا) الموقف (قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما) أي كذبتم بها بادىء الرأي غير متأمليها (أما ذا) أم أي شيء (كنتم تعملون) به وهو تبكيت إذ لم تعملوا سوى التكذيب .
(ووقع القول عليهم) غشيهم العذاب الموعود وهو النار بعد ذلك (بما ظلموا) بظلمهم بالتكذيب (فهم لا ينطقون) بعذر لعدمه وشغلهم بالنار .
(ألم يروا أنا جعلنا الليل) خلقناه (ليسكنوا فيه) بالنوم والدعة (والنهار مبصرا) أي ليتبصروا فيه (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) دلالات لهم على التوحيد والبعث والنبوة إذ تعاقب النور والظلمة إنما يتم بقدرة قاهر ويشبه النوم بالموت والانتباه بالبعث ولأن من جعل ذلك لبعض مصالحهم كيف يهمل ما هو مناط جميعها من بعث رسول إليهم .
(ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض) عند النفخة الأولى وعبر بالماضي لتحقق وقوعه (إلا من شاء الله) ممن ثبت قلبه وهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وقيل الشهداء (وكل أتوه داخرين) صاغرين .
(وترى الجبال تحسبها جامدة) واقعة مكانها (وهي تمر مر السحاب) في السرعة وكذا الأجرام العظام إذا تحركت لا تكاد تظهر حركتها (صنع الله) أي صنع الله ذلك صنعا (الذي أتقن) أحكم (كل شيء) صنعه (إنه خبير بما تفعلون) فيجازيكم .
(من جاء بالحسنة فله خير منها) بالأضعاف وبأن العمل منقض والثواب دائم وخير منها الجنة (وهم من فزع يومئذ ءامنون).
(ومن جاء بالسيئة) قيل بالشرك (فكبت وجوههم في النار) ألقوا فيها منكوسين وعبر بالوجوه عن ذواتهم ويقال لهم (هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) وعن علي (عليه السلام) في الآية الحسنة حبنا أهل البيت والسيئة بغضنا قل لهم .
(إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة) أي مكة (الذي حرمها) أي جعلها حرما ءامنا (وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين) المخلصين بالتوحيد .
(وأن أتلو القرآن) عليكم أدعوكم إلى ما فيه أو أتبعه (فمن اهتدى) بإجابته لي في ذلك (فإنما يهتدي لنفسه) لعود نفعه إليه (ومن ضل) بترك الإجابة (فقل إنما أنا من المنذرين) فما علي إلا الإنذار .
(وقل الحمد لله) على نعمة الرسالة وغيرها (سيريكم ءاياته) في الآخرة (فتعرفونها) يقينا أنها آية (وما ربك بغافل عما تعملون) بالياء والتاء وإنما يمهلهم لوقتهم.




سورة القصص

(28) سورة القصص ثمان وثمانون آية (88) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(طسم).(تلك) الآيات (ءايات الكتاب المبين) السورة أو القرآن البين إعجازه أو المبين له .
(نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون) بعض خبرهما (بالحق) محقين (لقوم يؤمنون) فإنهم المنتفعون به .
(إن فرعون علا في الأرض) أرض مصر (وجعل أهلها شيعا) فرقا يشيعونه في طاعته أو أصنافا في خدمته أو فرقا مختلفة متعادين لينقادوا له (يستضعف طائفة منهم) وهم بنو إسرائيل (يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم) يستبقيهن لأن كاهنا أخبره بأنه يولد في بني إسرائيل مولود يذهب ملكك على يده (إنه كان من المفسدين) بالقتل وغيره .
(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) من خلاصهم من بأسه في المال (ونجعلهم أئمة) مقدمين في الدارين (ونجعلهم الوارثين) لملك فرعون .
(ونمكن لهم في الأرض) أرض مصر والشام بتسليطهم فيها (ونري فرعون وهامان) وزيره (وجنودهما منهم) من بني إسرائيل (ما كانوا يحذرون) من ذهاب ملكهم وإهلاكهم على يد مولود منهم .
(وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه) ذلك (فألقيه في اليم) البحر أي النيل (ولا تخافي) ضيعته ولا غرقه (ولا تحزني) لفراقه (إنا رادوه إليك) سالما عن قريب (وجاعلوه من المرسلين) فأرضعته ثلاثة أشهر ثم ألح فرعون في طلب الولدان فوضعته في تابوت مطلي داخله بالقار ممهد له فيه وأغلقته وألقته في النيل ليلا .
(فالتقطه ءال فرعون) بتابوته فوضع بين يديه وفتح وأخرج منه موسى (ليكون لهم عدوا وحزنا) اللام للعاقبة (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) في كل أمر فليس خطؤهم في تربية عدوهم ببدع منهم .
(وقالت امرأت فرعون) هو (قرت عين لي ولك) مروي أنه قال لك لا لي ولو قال لي ولك لهداه الله كما هداها (لا تقتلوه) الجمع للتعظيم أو خاطبه وأعوانه (عسى أن ينفعنا) فإن فيه مخايل النفع وذلك أمارات من نوره وارتضاعه إبهامه لبنا وبرأ برص ابنتها بريقه (أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون) أنهم على خطإ في التقاطه .
(وأصبح فؤاد أم موسى) لما سمعت بالتقاطه (فارغا) من كل شيء سوى همه أو من العقل لدهشتها أو من الحزن لوثوقها بوعد الله (إن) المخففة يعني أنها (كادت لتبدي به) لتظهر بأنه ابنها جزعا وتضجرا.
(لو لا أن ربطنا على قلبها) سكناه بالصبر (لتكون من المؤمنين) المصدقين بوعدنا وجواب لو لا دل عليه ما قبلها .
(وقالت لأخته) مريم (قصيه) اتبعي أثره وتعرفي خبره (فبصرت به عن جنب) عن بعد مجالسة (وهم لا يشعرون) أنها أخته أو لغرضها .
(وحرمنا عليه المراضع) منعناه أن يرضع منها جمع مرضع الرضاع أي مكانه أي الثدي (من قبل) قبل قصها أثره (فقالت) أخته حين رأت حنوهم عليه (هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم) بتربيته (وهم له ناصحون) بالقيام بأمره .
(فرددناه إلى أمه كي تقر عينها) بلقائه (ولا تحزن) لفراقه (ولتعلم) عيانا (أن وعد الله) برده إليها (حق ولكن أكثرهم) أي الناس (لا يعلمون) حقيقة وعده .
(ولما بلغ أشده) كمال شدته وهو ثلاث وثلاثون أو الحلم (واستوى) أي تم في استحكامه وبلغ الأربعين (ءاتيناه حكما) نبوة (وعلما) بالدين (وكذلك) كما فعلنا له (نجزي المحسنين) بإحسانهم .
(ودخل) موسى (المدينة) مصر (على حين غفلة من أهلها) وقت القائلة أو ما بين العشاءين أو يوم عيدهم (فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته) إسرائيلي (وهذا من عدوه) قبطي يسخر الإسرائيلي بحمل حطب إلى مطبخ فرعون (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) طلب أن يغيثه بالنصر (فوكزه موسى) ضربه بجمع كفه (فقضى عليه) فقتله (قال هذا) أي الأمر الذي وقع القتل بسببه (من عمل الشيطان إنه عدو) للإنسان (مضل) له (مبين) بين الإضلال .
(قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي) ترك الأولى أو قاله انقطاعا إلى الله (فغفر له إنه هو الغفور) لعباده (الرحيم) بهم .
(قال رب بما أنعمت علي) من القوة (فلن أكون ظهيرا للمجرمين) أي فلن أستعملها إلا في مظاهرة أوليائك .
(فأصبح في المدينة خائفا يترقب) الأخبار وما يقال فيه (فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه) يستغيثه بصراخ إلى قبطي آخر (قال له موسى إنك لغوي مبين) من الغواية لكثرة مخاصمتك .
(فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما) لموسى والإسرائيلي (قال) الإسرائيلي ظانا أن يبطش به لوصفه إياه بالغواية (يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس) أو قاله القبطي إذ أحس مما قاله أنه القاتل للقبطي بالأمس لهذا الإسرائيلي (إن) ما (تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض) عاليا بالقتل والظلم (و ما تريد

أن تكون من المصلحين) بين الناس فانتشر الحديث فبلغ فرعون فأمر بطلبه وقتله .
(وجاء رجل) هو مؤمن آل فرعون وهو ابن عمه (من أقصى المدينة يسعى) يسرع (قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك) الائتمار التشاور (فاخرج إني لك من الناصحين) لك .
(فخرج منها) من المدينة (خائفا يترقب) الطلب (قال رب نجني من القوم الظالمين) دل على أن قتله القبطي لم يكن ذنبا وإلا لم يكونوا ظالمين بطلب القود .
(ولما توجه تلقاء مدين) قصد نحوها وهي قرية شعيب (قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) وسطه .
(ولما ورد ماء مدين) وصل إليه وهو بئر لهم (وجد عليه) فوق شفيرة (أمة) جماعة وأصنافا (من الناس) يسقون مواشيهم (ووجد من دونهم) في مكان أسفل من مكانهم (امرأتين تذودان) تمنعان غنمهما عن الماء لئلا تزاحماهم (قال ما خطبكما) شأنكما تذودان (قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء) جمع راع يصرفوا مواشيهم عن الماء خوف مزاحمتهم (وأبونا شيخ كبير) لا يقدر أن يسقي فيضطر لإخراجنا فرحمهما .
(فسقى لهما) غنمهما وحذفت مفاعيل الخمسة لأن الغرض هو الفعل لا المفعول (ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير) طعام (فقير) ورجع البنتان إلى أبيهما شعيب فأخبرتاه الخبر فقال لإحداهما علي به .
(فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) وهي التي تزوجها وهي الصغرى واسمها صفيراء وقيل الكبرى واسمها صفراء (قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) فأجابها (فلما جاءه وقص عليه القصص) من لدن ولادته إلى فراره خوفا من فرعون (قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين) فرعون وقومه فلا سلطان له بأرضنا .
(قالت إحداهما) وهي المرسلة (يا أبت استأجره) لرعي الغنم (إن خير من استأجرت القوي الأمين) حث بليغ على استئجاره إذ عللته بهما على جهة المثل ولم تقل لقوته وأمانته وجعلت خيرا اسما ودلت بالماضي على أنه أمر قد عرف منه .
(قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني) تكون أجيرا لي (ثماني حجج) سنين (فإن أتممت عشرا فمن عندك) فالإتمام تفضل منه ولا ألزمكه (وما أريد أن أشق عليك) بإلزامك العشرة أو بالمناقشة في استيفاء الأعمال (ستجدني إن شاء الله) للتبرك (من الصالحين) في حسن الصحبة والوفاء بالعهد .
(قال ذلك) الذي شارطتني عليه قد تم (بيني وبينك) لا تخرج عنه (أيما الأجلين) الثماني أو العشر (قضيت فلا عدوان علي) بطلب الزيادة عليه أو فلا أكون متعديا بترك الزيادة عليه (والله على ما نقول) من التشارط (وكيل) شهيد حفيظ .
(فلما قضى موسى

الأجل) أوفى الأجلين (وسار بأهله) امرأته بإذن أبيها إلى الشام أو مصر (ءانس) بصر (من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني ءانست نارا لعلي ءاتيكم منها بخبر) عن الطريق وكان قد ضله (أو جذوة) قطعة أو شعلة (من النار لعلكم تصطلون) تستدفئون بها .
(فلما أتاها نودي من شاطىء) أتاه النداء من جانب (الواد الأيمن) لموسى (في البقعة المباركة) لأنها محل الوحي وتكليمه (من الشجرة) بدل اشتمال (أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين).
(وأن ألق عصاك) فألقاها فصارت حية واهتزت (فلما رءاها تهتز) تتحرك (كأنها جان) حية سريعة (ولى مدبرا) هاربا منها (ولم يعقب) لم يرجع فنودي (يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين) من كل مخوف .
(اسلك يدك) أدخلها (في جيبك) طرف مدرعتك (تخرج بيضاء) ذات شعاع (من غير سوء) برص (واضمم إليك جناحك) يدك المبسوطة تتقي بها الحية خوفا منها أو بإدخالها في جيبك فالتكرير لغرض آخر وهو إخفاء الخوف عند العدو مع إظهار معجزة أخرى بخروجها بيضاء (من الرهب) من أجله أي إذا خفت فافعل ذلك شدا لنفسك (فذانك) أي العصا واليد (برهانان) حجتان نيرتان مرسلا بهما (من ربك إلى فرعون وملإيه إنهم كانوا قوما فاسقين) متمردين في الكفر .
(قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون) بها .
(وأخي هرون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا) معينا (يصدقني) ببيان الحجة ورفع الشبهة (إني أخاف أن يكذبون).
(قال سنشد عضدك بأخيك) نقويك به قوة اليد وقوتها بشدة العضد (ونجعل لكما سلطانا) تسلطا وحجة (فلا يصلون إليكما) بسوء (بآياتنا) متعلق بمقدر أي اذهبا بها (أنتما ومن اتبعكما الغالبون).
(فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى) مختلق كسائر أنواع السحر أو سحر تعلمه ثم يفتريه على الله (وما سمعنا بهذا) السحر أو ادعاء النبوة (في ءابائنا الأولين) كائنا في زمنهم .
(وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده) فيصدقه بالمعجز (ومن تكون له عاقبة الدار) الدنيا أي عاقبتها المحمودة وهي الجنة فإنها المعتد بها (إنه لا يفلح الظالمون) لا يفوزون بخير.

(و قال فرعون) جهلا أو تلبيسا على قومه (يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري) نفي علمه به دون وجوده (فأوقد لي يا هامان على الطين) فاطبخ الآجر (فاجعل لي صرحا) قصرا عاليا (لعلي أطلع إلى إله موسى) توهما أو إيهاما لقومه أنه لو وجد لكان في السماء فيصعد إليه (وإني لأظنه من الكاذبين) في ادعائه إلها غيري وأنه رسول .
(واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق) إذ لا يحق التكبر إلا لله (وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون) ببناء الفاعل أو المفعول .
(فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم) طرحناهم في البحر (فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) بتكذيب الرسل .
(وجعلناهم أئمة) في الكفر بالتسمية أو بمنع اللطف (يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون).
(وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة) إبعادا من الرحمة (ويوم القيامة هم من المقبوحين) المبعدين أو المشوهين الخلقة .
(ولقد ءاتينا موسى الكتاب) التوراة (من بعد ما أهلكنا القرون الأولى) قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم (بصائر للناس) أنوارا لقلوبهم يستبصر بها (وهدى) إلى طريق الحق (ورحمة) سببا لنيل الرحمة (لعلهم يتذكرون) إرادة أن يتذكروا .
(وما كنت بجانب الغربي) بجانب المكان أو الجبل أو الوادي الغربي من موسى (إذ قضينا) حين أوحينا (إلى موسى الأمر) أي رسالته وشريعته أي لم تحضر مكان أمرنا إليه (وما كنت من الشاهدين) للوحي إليه .
(ولكنا أنشأنا قرونا) مما بعد موسى (فتطاول عليهم العمر) أمد انقطاع الوحي فاندرست الشرائع فأوحينا إليك خبر موسى وغيره (وما كنت ثاويا) مقيما (في أهل مدين) شعيب ومن آمن به (تتلوا) تقرأ (عليهم ءاياتنا) المتضمنة لقصتهم (ولكنا كنا مرسلين) لك .
(وما كنت بجانب الطور إذ) حين (نادينا) موسى أن خذ الكتاب بقوة أو حين ناجيناه (ولكن) علمناك (رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك) رسول وشريعة وإن كان عليهم أنبياء وأوصياء حافظون لشرع الرسول السابق ظاهرون أو مستترون لامتناع خلو الزمان من حجة (لعلهم يتذكرون) يتعظون .
(ولو لا أن تصيبهم مصيبة) عقوبة (بما قدمت أيديهم) من الكفر والمعاصي (فيقولوا) أي لو لا قولهم إذا عوقبوا بكفرهم (ربنا لو لا) هلا (أرسلت إلينا رسولا فنتبع ءاياتك ونكون

من المؤمنين) الفاء جواب التخصيص أي إنما أرسلناك لقطع عذرهم فالقول وهو سبب الإرسال ولكن لما كانت العقوبة سببا للقول أدخلت لو لا إليها وعطف القول عليها بفاء السببية إيذانا بأنهم إنما ألجأهم إلى القول العقوبة لا غير .
(فلما جاءهم الحق من عندنا) أي الرسول المصدق بالقرآن المعجز (قالوا) تعنتا (لو لا) هلا (أوتي مثل ما أوتي موسى) من الكتاب جملة والعصا واليد وغيرها (أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل) أي أبناء جنسهم في الكفر والعناد من كفرة زمن موسى أو آبائهم إذ قيل كان للعرب أصل في أمته (قالوا ساحران) أي موسى وأخوه أو موسى ومحمد وقرىء سحران مبالغة أو ذو سحر أو كتاباهما (تظاهرا) تعاونا بالسحر أو الكتابان بتقوية كل للآخر والإسناد مجازي (وقالوا إنا بكل) منهما أو بكتابهما (كافرون).
(قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما) من الكتابين (أتبعه إن كنتم صادقين) في قولكم .
(فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم) لا الحجة (ومن أضل) أي لا أضل (ممن اتبع هواه بغير هدى) حال أي ممنوع الألطاف (من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين) لا يلطف بهم لظلمهم .
(ولقد وصلنا لهم القول) أنزلنا عليهم القرآن متصلا بعضه في إثر بعض ليتصل الذكر أو متواصلا حججا وعبرا ومواعيد (لعلهم يتذكرون) إرادة أن يتعظوا .
(الذين ءاتيناهم الكتاب من قبله) قبل القرآن (هم به يؤمنون) نزلت في مؤمني أهل الكتاب أو في أربعين من مسلمي النصارى أقدموا من الحبشة ومن الشام .
(وإذا يتلى عليهم) القرآن (قالوا ءامنا به إنه الحق من ربنا) تعليل يبين موجب إيمانهم به (إنا كنا من قبله مسلمين) بيان لأن إيمانهم به متقادم قبل نزوله إذ وجدوا ذكره في كتبهم .
(أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) بصبرهم على الإيمان بالكتابين أو بالقرآن قبل نزوله وبعده أو على الإيمان وأذى الكفرة (ويدرءون بالحسنة السيئة) يدفعون بالطاعة المعصية أو بالحلم الجهل (ومما رزقناهم ينفقون) في فرض ونفل .
(وإذا سمعوا اللغو) السفه (أعرضوا عنه) حلما (وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم) متاركة لهم أو كلمة حلم (لا نبتغي الجاهلين) لا يزيد مخالطتهم .
(إنك لا تهدي من أحببت) لا تقدر على اللطف المقرب له إلى الإيمان (ولكن الله يهدي من يشاء) بلطفه (وهو أعلم بالمهتدين) القابلين للطف .
(وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) نستلب منها بسرعة (أولم نمكن لهم حرما ءامنا) ذا أمن بحرمة البيت فهم آمنون فيه والعرب يتغاورون حولهم (يجبى) يجلب (إليه ثمرات كل شيء) من كل بلد (رزقا من لدنا) هذا وهم كفرة فكيف يسلبوا الأمن إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة الإسلام (ولكن أكثرهم لا يعلمون) لا يتأملون ليعلموا ذلك .
(وكم أهلكنا من قرية) أي أهلها.

(بطرت معيشتها) أي كانوا مثلكم في الأمن وسعة الرزق فبطروا فأهلكناهم (فتلك مساكنهم) خربة (لم تسكن من بعدهم إلا قليلا) من السكنى للمارة يوما أو ساعة (وكنا نحن الوارثين) لها منهم .
(وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها) في أصلها التي هي توابعها (رسولا يتلوا عليهم ءاياتنا) لإلزام الحجة وفيه التفات (وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون) بالكفر وتكذيب الرسل .
(وما أوتيتم من شيء) من أعراض الدنيا (فمتاع الحيوة الدنيا وزينتها) تتمتعون به وتتزينون به أيام حياتكم الفانية (وما عند الله) وهو ثوابه (خير) في نفسه من ذلك (وأبقى) لأنه سرمد (أفلا تعقلون) ذلك فتؤثروا الخير الباقي .
(أفمن وعدناه وعدا حسنا) وهو الثواب الباقي (فهو لاقيه) مدركة لا محالة (كمن متعناه متاع الحيوة الدنيا) المنغص بالآلام (ثم هو يوم القيامة من المحضرين) للنار أي لا يستويان .
(ويوم) واذكر يوم (يناديهم) الله (فيقول) توبيخا لهم (أين شركائي الذين كنتم تزعمون) تزعمونهم شركائي .
(قال الذين حق) وجب (عليهم القول) الوعيد أي مقتضاه وهو العذاب (ربنا هؤلاء) مبتدأ (الذين أغوينا) خبره (أغويناهم) بالوسوسة فغووا باختيارهم غيا (كما غوينا) مثل غينا باختيارنا ولم نقرهم على الغي (تبرأنا إليك) منهم (ما كانوا إيانا يعبدون) وإنما كانوا يعبدون أهواءهم .
(وقيل ادعوا شركاءكم) من جعلتموه شركاء لله (فدعوهم فلم يستجيبوا لهم) دعاءهم (ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون) إلى إله الحق لما رأوه أو لعلموا أن العذاب حق أو تمنوا لو كانوا مهتدين .
(ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين) تبكيت بتكذيبهم الرسل .
(فعميت عليهم الأنباء يومئذ) فصارت الأخبار كالعمى عليهم لا يهتدي إليهم فعجزوا عن الجواب (فهم لا يتساءلون) لا يسأل بعضهم بعضا عنه لدهشتهم إذ الرسل تذهل عن جواب مثل هذا السؤال فنكله إلى علمه تعالى فما ظنك بالضلال .
(فأما من تاب) من الشرك (وءامن وعمل صالحا) شفع الإيمان بالعمل (فعسى أن يكون من المفلحين) يومئذ وعسى وجوب من الله أو ترج من التائب .
(وربك يخلق ما يشاء ويختار) ما يشاء (ما كان لهم الخيرة) ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه بل له الخيرة عليهم لعلمه بالمصالح (سبحان الله وتعالى عما يشركون) عن إشراكهم الحامل لهم أن يختاروا عليه ما لا يختار، وفيه رد على من جعل الإمامة باختيار الخلق .
(وربك يعلم ما تكن صدورهم) من عداوتك (وما يعلنون) من طعنهم فيك أو الأعم منهما .
(وهو الله) المعبود بالحق (لا إله إلا هو) لا معبود بحق غيره.

(له الحمد في الأولى) في الدنيا على نعمه الشاملة لخلقه (و) في (الآخرة) في الجنة على توفيقهم لما يوجب دخولها وءاخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين (وله الحكم) بين العباد خاص به (وإليه ترجعون) بالبعث .
(قل أرءيتم) أخبروني (إن جعل الله عليكم الليل سرمدا) دائما من السرد أي المتابعة (إلى يوم القيامة) بحبس الشمس تحت الأرض (من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون) سماع تعقل .
(قل أرءيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة) بحبسها فوق الأرض (من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه) للاستراحة من نصب العمل وقرن بالضياء أفلا تسمعون وبالليل (أفلا تبصرون) ولأن الضياء أكثر منافع من الظلام والسمع أكثر مدارك من البصر ومن ثم لم يصف الضياء بما يقابل وصف الليل .
(ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه) في الليل (ولتبتغوا من فضله) في النهار بالكسب (ولعلكم تشكرون) ولإرادة شكركم على نعمه .
(ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون) كرر توبيخهم به إيذانا بأن لا شيء أسخط لله من الإشراك به .
(ونزعنا) أخرجنا (من كل أمة شهيدا) وهو نبيهم يشهد عليهم بما كان منهم (فقلنا) لهم (هاتوا برهانكم) على صحة ما كنتم عليه (فعلموا) حينئذ (أن الحق) في الإلهية (لله) وحده (وضل) غاب (عنهم ما كانوا يفترون) من الباطل .
(إن قارون كان من قوم موسى) ممن آمن به وكان ابن خالته أو ابن عمه (فبغى) تكبر (عليهم) بكثرة ماله وولده أو ظلمهم حين ولاه فرعون عليهم قبل ذلك (وءاتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه) جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به الغلق أو بالفتح وهو الخزانة (لتنوء بالعصبة) تثقل الجماعة الكثيرة (أولي القوة) وعدتهم قيل عشرة وقيل أربعون وقيل ستون (إذ قال له قومه لا تفرح) بطرا بمالك وسرورا بزخارف الدنيا (إن الله لا يحب الفرحين) تعليل للنهي .
(وابتغ) اطلب (فيما ءاتاك الله) من المال (الدار الآخرة) بإنفاقه في سبيل الله الموصلة إليها (ولا تنس) تترك (نصيبك من الدنيا) وهو أن تنال بها آخرتك أو اللذات المباحة (وأحسن) إلى الناس أو بشكر الله (كما أحسن الله إليك) في إنعامه عليك (ولا تبغ) تطلب (الفساد) أي الظلم والبغي (في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) بغاة الفساد .
(قال إنما أوتيته) أي المال (على علم) حال أي على استحقاق له لعلمي الذي فضلت به على الناس وهو علمه بوجوه المكاسب أو بالكيمياء أو بالتوراة وكان أعلمهم بها (عندي) أي الأمر كذلك في رأيي وفي ظني (أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون) الأمم (من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا) للمال أي هو يعلم ذلك من التوراة وغيرها فلا يغتر بقوته وكثرة ماله فإن الله يهلكه كما أهلكهم (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) استعلاما لعلمه تعالى بها .
(فخرج على قومه

في زينته) قيل خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب وعليه الأرجوان ومعه أربعة آلاف في زيه (قال الذين يريدون الحيوة الدنيا) من ضعيفي المؤمنين وقيل كانوا كفارا (يا) للتنبيه (ليت لنا مثل ما أوتي قارون) غبطة لا حسدا إذ تمنوا مثله لا عينه (إنه لذو حظ) بخت (عظيم) من الدنيا .
(وقال الذين أوتوا العلم) بأحوال الدارين (ويلكم) هلاكا لكم كلمة زجر (ثواب الله) في الآخرة (خير لمن ءامن وعمل صالحا) مما أوتي قارون بل مما في الدنيا (ولا يلقاها) أي الكلمة التي قالها العلماء والثواب لأنه بمعنى المثوبة أو الجنة (إلا الصابرون) على الطاعة وعن المعصية .
(فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة) أعوان (ينصرونه من دون الله) يمنعونه من عذابه (وما كان من المنتصرين) الممتنعين منه .
(وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس) من قريب (يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر) يوسع لا لكرامة ويضيق لا لهوان بل بحسب الحكمة، قيل وي للتعجب وكان للتشبيه أي ما أشبه الحال بأن الله يبسط وقيل ويك بمعنى ويلك أي ويك اعلم أن الله (لو لا أن من الله علينا) فلم يعطنا مثله (لخسف بنا) كما خسف به (ويكأنه لا يفلح الكافرون) لنعمة الله أو به وبرسله .
(تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض) تكبرا وقهرا (ولا فسادا) بغيا وظلما (والعاقبة) المحمودة (للمتقين) المعاصي .
(من جاء بالحسنة فله خير منها) فسر في آخر النمل (ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات) وضع موضع فلا يجزون تقبيحا لحالهم بتكرير نسبة السيئة إليهم (إلا ما كانوا يعملون) إلا مثله وحذف المثل مبالغة في المماثلة .
(إن الذي فرض عليك القرآن) أوجب تلاوته وتبليغه وامتثال ما فيه (لرادك إلى معاد) عظيم الشأن في الرجعة أو في البعث أو هو مكة ورده إليها يوم الفتح (قل ربي أعلم من جاء بالهدى) وما يستوجبه (ومن هو في ضلال مبين) وما يستوجبه .
(وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب) القرآن (إلا) لكي ألقي إليك (رحمة من ربك) أو متصل إذ المعنى وما ألقي إليك إلا رحمة منك (فلا تكونن ظهيرا) معينا (للكافرين) على مرادهم وهو وما بعده تهييج .
(ولا يصدنك) أي الكافرون عن آيات الله عن تلاوتها واتباعها (بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك) إلى توحيده وعبادته (ولا تكونن من المشركين) بإعانتهم .
(ولا تدع مع الله إلها ءاخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه) إلا ذاته وعنهم (عليهم السلام) إلا وجهه الذي يؤتى منه وهو حججه ونحن وجهه، فالمراد بالهلاك ما يجر إلى الضلال والعذاب (له الحكم) القضاء النافذ (وإليه ترجعون) للجزاء.




سورة العنكبوت

(29) سورة العنكبوت تسع وستون آية (69) مكية وقيل إلا عشرا من أولها
بسم الله الرحمن الرحيم
(الم).
(أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون) أي حسبوا تركهم غير ممتحنين لقولهم آمنا .
(ولقد فتنا الذين من قبلهم) امتحناهم فهي سنة جارية في الأمم (فليعلمن الله الذين صدقوا) في إيمانهم أي ليتعلق علمه به موجودا (وليعلمن الكاذبين) في إيمانهم أي ليتعلق علمه به موجودا فيه، وعن علي والصادق (عليهما السلام) فليعلمن من الإعلام أي ليعرفنهم الناس أو ليسمهم بعلامة يعرفون بها كبياض الوجوه وسوادها .
(أم) بل (حسب الذين يعملون السيئات) الكفر والمعاصي (أن يسبقونا) أن يفوتونا فنعجز عن الانتقام منهم (ساء ما يحكمون) حكمهم هذا .
(من كان يرجو لقاء الله) يأمل الوصول إلى ثوابه أو يخاف العاقبة من الموت والبعث والجزاء (فإن أجل الله) الوقت الموقت للقائه (لآت) فليسارع إلى ما يوجب الثواب ويبعد من العقاب (وهو السميع) للأقوال (العليم) بالأفعال .
(ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) لأن فائدته لها (إن الله لغني عن العالمين) وعن طاعتهم وإنما كلفهم لمنفعتهم .
(والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم) السابقة من الكفر والمعاصي بالإيمان والعمل (ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون) بأحسن جزائه .
(ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) أمرناه بإيلائهما فعلا ذا حسن أو ما هو في ذاته حسن مبالغة أو قلنا له أحسن بهما حسنا (وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) في ذلك إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (إلي مرجعكم) بركم وفاجركم (فأنبئكم بما كنتم تعملون) بالجزاء عليه .
(والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين) في جملتهم أو في مدخلهم إلى الجنة .
(ومن الناس من يقول ءامنا بالله) بلسانه (فإذا أوذي في الله) أذاه الكفار (جعل فتنة الناس) أذاهم له صارفا عن الإيمان (كعذاب الله) الصارف عن الكفر (ولئن جاء نصر من ربك) فتح لكم (ليقولن إنا كنا معكم) في الدين تقية ولتشركوهم إن غنمتم، والتوحيد والجمع للفظ من ومعناها (أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين) من إيمان ونفاق .
(و ليعلمن الله الذين ءامنوا) بإخلاص (وليعلمن المنافقين) فيجازي الحزبين .
(وقال الذين كفروا للذين ءامنوا اتبعوا سبيلنا) ديننا (ولنحمل خطاياكم) بذلك إن كانت (وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء) و(إنهم لكاذبون) في ضمانهم حملها .
(وليحملن أثقالهم) أوزارهم أنفسهم (وأثقالا) آخر (مع أثقالهم) وهي أوزار من أضلوه من غير أن ينقص من وزره شيء (وليسألن يوم القيامة) تقريعا (عما كانوا يفترون) من الكذب .
(ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه) على رأس أربعين (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) يدعوهم إلى الله ولا يجيبونه (فأخذهم الطوفان وهم ظالمون) بكفرهم .
(فأنجيناه) أي نوحا (وأصحاب السفينة) من ركبوا معه فيها وهم ثمانون أو أقل وعاش بعد ذلك ستين (وجعلناها) أي السفينة أو القصة (ءاية للعالمين) يعتبرون بها .
(وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم) من شرككم (إن كنتم تعلمون) الخير والشر .
(إنما تعبدون من دون الله أوثانا) جمادات (وتخلقون إفكا) تكذبون كذبا (إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا) لا يقدرون أن يرزقوكم شيئا من الرزق (فابتغوا عند الله الرزق) كله فإنه المالك له (واعبدوه) وحده تأدية له (واشكروا له) استزادة لفضله أو استعدوا للقائه بهما فإنكم (إليه ترجعون).
(وإن تكذبوا) تكذبوني (فقد كذب أمم من قبلكم) رسلهم فلم يضروهم بل ضروا أنفسهم فكذا أنتم (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) التبليغ البين .
(أولم يروا) بالياء والتاء (كيف يبديء الله) بضم أوله يبدأ (الخلق) من العدم (ثم يعيده) كما أبدأه (إن ذلك) المذكور من الإبداء والإعادة (على الله يسير) إذا أراده كان .
(قل سيروا في الأرض) حكاية قوله تعالى لإبراهيم أو محمد (فانظروا كيف بدأ الخلق) للمواليد الثلاثة وغيرها (ثم الله ينشىء النشأة الآخرة) بعد الأولى (إن الله على كل شيء قدير) فيقدر على النشأتين .
(يعذب من يشاء) تعذيبه (ويرحم من يشاء) رحمته (وإليه تقلبون) تردون .
(وما أنتم بمعجزين) الله عن إدراككم لو هربتم عن حكمه (في الأرض) الفسيحة (ولا في السماء) التي هي أفسح منها ولو تحصنتم في أعماق الأرض أو في القلاع الذاهبة في السماء

(و ما لكم من دون الله من ولي) يمنعكم منه (ولا نصير) يدفع عنكم عذابه .
(والذين كفروا بآيات الله) دلائله أو كتبه (ولقائه) البعث (أولئك يئسوا من رحمتي) لإنكارهم البعث والجزاء أو يئسون منها يوم القيامة وعبر بالماضي لتحققه (وأولئك لهم عذاب أليم) مؤلم .
(فما كان جواب قومه) قوم إبراهيم (إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه) فألقوه في النار (فأنجاه) فنجاه (الله من النار) بجعلها بردا وسلاما عليه (إن في ذلك) في إنجائه (لآيات) منها منعه من حرها وسرعة إخمادها مع عظمها وجعل مكانها روضا وعدم تضرره بالرمي (لقوم يؤمنون) لأنهم المتفكرون فيها .
(وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحيوة الدنيا) أي لتوادوا بينكم لاجتماعكم عليها (ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) أي يقوم التعادي والتلاعن بين العبدة أو بينهم وبين أوثانهم ويكونون عليهم ضدا (ومأواكم النار وما لكم من ناصرين) يدفعونها عنكم .
(فآمن له لوط) هو ابن أخته وأول مؤمن به (وقال إني مهاجر) من قومي (إلى ربي) إلى حيث أمرني ربي (إنه هو العزيز) في سلطانه (الحكيم) في صنعه .
(ووهبنا له إسحق) ولدا (ويعقوب) نافلة من هرمين ولذا خصا بالذكر (وجعلنا في ذريته النبوة) فكل نبي بعده منهما (والكتاب) أي جنسه فيعم الكتب الأربعة (وءاتيناه أجره في الدنيا) وهو الذرية الطيبة وثناء كل الأمم عليه (وإنه في الآخرة لمن الصالحين) أولي الدرجات العلا .
(ولوطا) عطف على إبراهيم (إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة) الفعلة الشنعاء (ما سبقكم بها من أحد من العالمين).
(إنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل) باعتراض المارة بالقتل وأخذ المال أو بالفاحشة أو تقطعون سبيل النسل بإتيان الرجال دون النساء (وتأتون في ناديكم) هو المجلس ما دام أهله فيه (المنكر) كالضراط أو اللواط وكشف العورة وغير ذلك (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا) استهزاء (ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين) في استفحاش ذلك .
(قال رب انصرني على القوم المفسدين) بقبائحهم وسنها في الناس .
(ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) بالبشارة بإسحق ويعقوب بعده (قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية) وهي سدوم (إن أهلها كانوا ظالمين) بالكفر والمعاصي .
(قالوا إن فيها لوطا) جدال لهم بأن فيها من لا يظلم إشفاقا عليه (قالوا نحن أعلم

بمن فيها) أخبر بحاله أو حال قومه (لننجينه) بالتخفيف والتشديد (وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) الباقين في العذاب .
(ولما أن) زيدت للتأكيد (جاءت رسلنا لوطا سيء بهم) اغتم بسببهم إذ جاءوا في صورة غلمان أضياف فخاف عليهم قومه (وضاق بهم ذرعا) صدرا كناية عن فقد الطاقة (وقالوا لا تخف ولا تحزن) فنحن رسل ربك (إنا منجوك) بالتخفيف والتشديد (وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين).
(إنا منزلون) بالتخفيف والتشديد (على أهل هذه القرية رجزا) عذابا (من السماء بما كانوا يفسقون) بسبب فسقهم .
(ولقد تركنا منها آية بينة) هي آثار المنازل الخربة أو قصتها أو بقية الحجارة والماء الأسود (لقوم يعقلون).
(وإلى مدين) وأرسلنا لهم (أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر) واعملوا ما ترجون به ثوابه فأقيم الرجاء مقام سببه أو خافوه (ولا تعثوا) تعتدوا (في الأرض مفسدين) حال مؤكدة .
(فكذبوه فأخذتهم الرجفة) الزلزلة أو صيحة جبرائيل (فأصبحوا في دارهم جاثمين) صرعى على وجوههم .
(وعادا) وأهلكنا عادا (وثمود) بالصرف وتركه بمعنى الحي أو القبيلة (وقد تبين لكم من مساكنهم) بعضها أو إهلاكهم من جهتها عند مروركم بها (وزين لهم الشيطان أعمالهم) كفرهم ومعاصيهم (فصدهم عن السبيل) سبيل الحق (وكانوا مستبصرين) متمكنين من النظر ولكن لم ينظروا .
(وقارون) وأهلكنا قارون ولعله قدم لنسبه (وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين) فائتين أمرنا بل أدركهم .
(فكلا) من المذكورين (أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا) ريحا عاصفا فيها حصباء كقوم لوط (ومنهم من أخذته الصيحة) كثمود ومدين (ومنهم من خسفنا به الأرض) كقارون (ومنهم من أغرقنا) كقوم نوح وفرعون وقومه (وما كان الله ليظلمهم) بالإهلاك (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) بالإشراك .
(مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء) أصناما يلجئون إليها أي في وهن ما اعتمدوه في دينهم (كمثل العنكبوت اتخذت بيتا) تأوي إليه من نسجها الذي هو في غاية الوهن (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت) يضمحل بأدنى سبب ولا يقيها حرا ولا بردا كذلك الأصنام لا تنفع عبدتها فدينهم أوهن الأديان (لو كانوا يعلمون) أن هذا مثلهم لندموا.

(إن الله) أي قل لهم إن الله (يعلم ما يدعون) الذي تعبدونه (من دونه من شيء وهو العزيز) في سلطانه (الحكيم) في صنعه .
(وتلك الأمثال نضربها للناس) تفهيما لهم (وما يعقلها) يعقل فائدتها (إلا العالمون) المتدبرون .
(خلق الله السموات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين).
(اتل ما أوحي إليك من الكتاب) لنفسك وعلى الناس (وأقم الصلاة) بشروطها (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) بكونها سببا للانتهاء عن المعاصي لتذكيرها الله وإيراثها في القلب خوفه (ولذكر الله) إياكم برحمته (أكبر) من ذكركم إياه بطاعته أو الصلاة أكبر من سائر الطاعات (والله يعلم ما تصنعون) من خير وشر فيجازيكم .
(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي) بالخصلة التي (هي أحسن) كمقابلة الخشونة باللين والغضب بالحلم (إلا الذين ظلموا منهم) بالاعتداء أو العناد أو نبذ الذمة أو قولهم بالولد (وقولوا) في المجادلة بالتي أحسن (ءامنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له) وحده (مسلمون) مطيعون .
(وكذلك) الإنزال (أنزلنا إليك الكتاب) القرآن مصدقا لسائر الكتب المنزلة (فالذين ءاتيناهم الكتاب يؤمنون به) كابن سلام أو أمثاله أو من تقدم زمن النبي من أهل الكتاب (ومن هؤلاء) من أهل مكة أو ممن عاصره (صلى الله عليه وآله وسلّم) من أهل الكتاب (من يؤمن به وما يجحد بآياتنا) مع وضوحها (إلا الكافرون) المصممون على الكفر .
(وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا) أي لو كنت تقرأ وتخط (لارتاب المبطلون) الذين شأنهم الإبطال أي كفرة مكة وقالوا لعله جمعه من كتب الأولين أو أهل الكتاب وقالوا الذي في كتبنا أنه أمي .
(بل هو) أي القرآن (ءايات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) يحفظونه عن التحريف وهم النبي وآله (وما يجحد بآياتنا) الواضحة (إلا الظالمون) بالعناد والمكابرة .
(وقالوا لو لا أنزل عليه ءايات من ربه) كناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى (قل إنما الآيات عند الله) ينزلها كما يشاء (وإنما أنا نذير مبين) للإنذار بما أوتيت من الآيات .
(أولم يكفهم) آية بالغة (أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) على الدوام فهو آية ثابتة لا تزول بخلاف سائر الآيات (إن في ذلك) الكتاب المعجز المستمر (لرحمة وذكرى) نعمة وعظة (لقوم يؤمنون) به .
(قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا) بصدقي أو صدقني بالمعجزات أو بتبليغي ومقابلتكم بالتكذيب (يعلم ما في السموات والأرض) فيعلم حالي وحالكم (والذين

آمنوا بالباطل) بإلهية غير الله (وكفروا بالله) منكم (أولئك هم الخاسرون) في صفقتهم حيث اشتروا الباطل بالحق .
(ويستعجلونك بالعذاب) استهزاء (ولو لا أجل مسمى) لعذابهم (لجاءهم العذاب) عاجلا (وليأتينهم بغتة) فجأة (وهم لا يشعرون) بإتيانه .
(يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) بناء على تجسم الأعمال والظاهر ولكن لا يظهر أثرها في هذا العالم بل في الآخرة أو كالمحيط بهم لإحاطة الكفر واللام للجنس فتعمهم حكمة أو للعهد بوضع الظاهر موضع الضمير إشعارا بموجب الحكم .
(يوم يغشاهم العذاب) ظرف لمحيطة (من فوقهم ومن تحت أرجلهم) يغطيهم مبتدئا من الجهتين (ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون) أي جزاءه .
(يا عبادي الذين ءامنوا إن أرضي واسعة) فهاجروا عن أرض لم يتيسر لكم فيها العبادة إلى أرض يتيسر فيها (فإياي) نصب بما يفسره (فاعبدون) والفاء جواب شرط مقدر أي إن لم تخلصوا للعبادة لي في الأرض فأخلصوها في غيرها .
(كل نفس ذائقة الموت) واجدة كربه (ثم إلينا ترجعون) بعده للجزاء .
(والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم) لننزلنهم (من الجنة غرفا) أعالي وقرىء لنثوينهم من الإثواء الإقامة (تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين) أجرهم .
(الذين صبروا) على أذى الكفر والبليات ومشقة الهجرة أو الطاعات (وعلى ربهم) لا غيره (يتوكلون) في المهمات .
(وكأين) وكم (من دابة لا تحمل رزقها) لضعفها عن حمله أو لا تدخره (الله يرزقها) مع ضعفها (وإياكم) مع قوتكم على الكسب والحمل لا يرزق الكل إلا هو لأنه المسبب لأسبأب رزقهم، قيل لما أمروا بالهجرة فقال بعضهم كيف نقدم بلدة لا معيشة لنا فيها فنزلت (وهو السميع) لقولكم (العليم) بسركم .
(ولئن سألتهم) أي أهل مكة (من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله) مقرين بأنه الفاعل لذلك (فأنى يؤفكون) يصرفون عن توحيده مع إقرارهم بذلك .
(الله يبسط الرزق) يوسعه (لمن يشاء من عباده ويقدر) يضيق (له) بعد البسط فالأمران لواحد أو ويقدر لمن يشاء على وضع الهاء موضعه مبهمة مثله فليسا لواحد (إن الله بكل شيء عليم) يعلم موضع البسط والتقتير .
(ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله) فكيف يشركون به الجماد (قل الحمد لله) على ما وفقك لتوحيده أو على إلزامهم الحجة (بل أكثرهم لا يعقلون) أن إقرارهم به مبطل لشركهم .
(وما هذه الحيوة الدنيا) الحقيرة (إلا لهو ولعب) إلا كما يلهو ويلعب الصبيان ساعة ثم يتفرقون (و إن الدار

الآخرة لهي الحيوان) لهي دار الحياة الحقيقية الأبدية أو جعلت حياة مبالغة (لو كانوا يعلمون) ذلك ما آثروا الحياة عليها .
(فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين) أي الدعاء لا يدعون إلا إياه إذ لا يكشف الشدائد سواه (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) عادوا إلى الشرك .
(ليكفروا بما ءاتيناهم) من نعمة الإنجاء (وليتمتعوا) بعكوفهم على أصنامهم (فسوف يعلمون) غب ذلك .
(أولم يروا أنا جعلنا) بلدهم مكة (حرما ءامنا) أهله من القتل والأسر والنهب (ويتخطف الناس من حولهم) بالتغاور قتلا وأسرا ونهبا دونهم (أفبالباطل) أبعد هذه النعمة وغيرها بالصنم (يؤمنون وبنعمة الله يكفرون) بإشراكهم به .
(ومن أظلم) أي لا أظلم (ممن افترى على الله كذبا) بادعاء شريك له (أو كذب بالحق) الرسول أو الكتاب (لما جاءه) من غير تثبت ولا ترو (أليس في جهنم مثوى للكافرين).
(والذين جاهدوا فينا) في حقنا ما يجب جهاده من النفس والشيطان وحزبه (لنهدينهم سبلنا) سبل الجنة أو سبل الخير بزيادة اللطف والذين اهتدوا زادهم هدى أو والذين عملوا بما علموا لنهدينهم إلى ما لا يعلمون (وإن الله لمع المحسنين) بالنصر والعون.


سورة الروم

(30) سورة الروم ستون أو تسع وخمسون آية (59 - 60) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(الم غلبت الروم) وهم النصارى غلبتهم فارس المجوس .
(في أدنى الأرض) أرض العرب منهم وهي أطراف الشام أو أدنى أرضهم من عدوهم وهي الجزيرة (وهم من بعد غلبهم سيغلبون) فارس .
(في بضع سنين) هو ما بين الثلاث والعشر (لله الأمر من قبل ومن بعد) قبل غلبهم لفارس وهو حين غلبوا وبعد غلب فارس إياهم وهو حين يغلبون أي كونهم مغلوبين أولا وغالبين آخرا ليس إلا بأمر الله (ويومئذ) يوم تغلب الروم (يفرح المؤمنون بنصر الله) المؤمنين بإظهار صدق نبيهم فيما أخبر به أو بتولية بعض الظالمين بعضا ووافق ذلك يوم نصر المؤمنين ببدر فنزل به جبرئيل ففرحوا بالنصرين (ينصر من يشاء) بمقتضى الحكمة (وهو العزيز) بخذلانه لمن يشاء (الرحيم) بنصره لمن يشاء .
(وعد الله) مصدر مؤكد لنفسه لأن ما سبق في معنى وعد (لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون) صحة وعده لجهلهم به .
(يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا) أي مكاسبها (وهم عن الآخرة) التي هي الغرض منها (هم غافلون).
(أ ولم يتفكروا في أنفسهم) ظرف نحو تفكر في قلبه أو صلة أي في أمرها فإنها أقرب شيء إليهم وفيها ما في العالم الأكبر من عجائب الصنع (ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى) ينتهي بقاؤها إليه (وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم) بلقاء جزائه والبعث (لكافرون) جاحدون لعدم تفكرهم .
(أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة) كعاد وثمود (وأثاروا الأرض) قلبوها للزرع واستحداث الأنهار والآبار وغيرها (وعمروها أكثر مما عمروها) من عمارة أهل مكة وهو تهكم بهم إذ لا إثارة لهم ولا عمارة أصلا مع تباهيهم في الدنيا التي عمدة ما يتباهى به أهلها الإثارة والعمارة (وجاءتهم رسلهم بالبينات) بالحجج الواضحات (فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) بتدميرهم .
(ثم كان عاقبة الذين أساءوا) العقوبة (السوأى) تأنيث أسوأ أو مصدر وصف به (أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزءون).
(الله يبدأ الخلق) ينشئهم (ثم يعيده) بالبعث (ثم إليه ترجعون) التفات إلى الخطاب وقرىء بالياء .
(ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون) يسكنون حيرة ويأسا .
(ولم يكن لهم من شركائهم) من أشركوهم بالله (شفعاء) يخلصونهم كما زعموا (وكانوا بشركائهم كافرين) جاحدين .
(ويوم تقوم الساعة يومئذ) تأكيد (يتفرقون) أي المؤمنون والكافرون .
(فأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة) أرض ذات خضرة وماء وهي الجنة (يحبرون) يسرون سرورا يتهللون له .
(وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون) لا يفارقونه .
(فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون).
(وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون) أمر بلفظ الخبر أي نزهوه تعالى وأثنوا عليه في هذه الأوقات لظهور قدرته وتجدد نعمته فيها وخص التسبيح بالمساء والصباح لأظهرية آثار القدرة فيهما والحمد بالعشي وهو آخر النهار والظهيرة وهي وسطه لأكثرية تجدد النعم فيهما .
(يخرج الحي من الميت) كالإنسان من النطفة والطائر من البيضة (ويخرج الميت) النطفة والبيضة (من الحي ويحيي الأرض) بالنبات (بعد موتها) يبسها (وكذلك) الإخراج (تخرجون) من قبوركم أحياء .
(و من ءاياته أن خلقكم

من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون).
(ومن ءاياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا) خلق حواء من ضلع آدم أو من فضل طينته وسائر النساء من نطف الرجال أو من سائر جنسكم (لتسكنوا إليها) لتألفوها (وجعل بينكم) بين الرجال والنساء أو أشخاص النوع (مودة ورحمة) بالزواج لا لسابقة معرفة أو رحم (إن في ذلك) المذكور (لآيات) على قدرته وحكمته (لقوم يتفكرون) فيه .
(ومن ءاياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم) لغاتكم بأن علم كل أناس لغة أو ألهمهم وضعها أو كيفيات نطقكم التي يمتاز بها كل شخص عن غيره (وألوانكم) من بياض وسواد وغيرهما (إن في ذلك لآيات للعالمين) الثقلين والملائكة وقرىء بكسر اللام أي أولي العلم .
(ومن ءاياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله) نومكم في الوقتين للاستراحة وطلب معاشكم فيهما أو نومكم بالليل وطلبكم بالنهار فلفه لكن فصل بين الفعلين بالوقتين إيذانا بصلاحية كل منهما للآخر عند الحاجة وإن خصوا بأحدهما ويوافقه الآيات المتضمنة له (إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) سماع تدبر.
(ومن ءاياته يريكم البرق خوفا) من الصاعقة وللمسافر (وطمعا) في المطر وللحاضر (وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) يتفكرون بعقولهم ليعلموا قدرة مدبرها وحكمته .
(ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) بإرادته بغير عمد (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) عطف على أن تقوم بتأويل مفرد أي من آياته قيامهما ثم خروجكم من القبور إذا دعاكم دعوة واحدة يا أهل القبور اخرجوا .
(وله من في السموات والأرض) ملكا وخلقا (كل له قانتون) منقادون لفعله بهم .
(وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده) بعد إهلاكهم (وهو) أي الإعادة والتذكير على معنى أن يعيد (أهون عليه) من البدء بالقياس على أصولكم وإلا فهما سواء في السهولة وقيل أهون بمعنى هين وقيل الهاء للخلق (وله المثل) الوصف (الأعلى) الذي ليس لغيره مثله من الوحدانية والقدرة والحكمة (في السموات والأرض) نطقا ودلالة (وهو العزيز) في ملكه (الحكيم) في صنعه .
(ضرب لكم مثلا) منتزعا (من أنفسكم) التي هي أقرب شيء منكم (هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم) من الأموال (فأنتم) وهم (فيه سواء) لا فضل بينكم وبينهم مع كونهم بشرا مثلكم (تخافونهم) أن تنفردوا بتصرف فيه (كخيفتكم أنفسكم) أمثالكم من الأحرار أي لا ترضون بذلك فكيف تشركون بالله مماليكه في الإلهية (كذلك) التفصيل (نفصل الآيات) نبينها (لقوم يعقلون) يتدبرون بعقولهم .
(بل اتبع الذين ظلموا) أشركوا (أهواءهم بغير علم) جاهلون يهيمون كالبهائم (فمن يهدي من أضل الله) أي لا هادي لمن خذله ولم يلطف به (و ما لهم

من ناصرين) مانعين مما استوجبوا من الخذلان .
(فأقم وجهك) قومه (للدين حنيفا) مائلا إليه ثابتا عليه (فطرة الله) خلقته نصب بتقدير الزموا (التي فطر الناس عليها) وهي قبولهم لدين الإسلام إذا خلوا وما فطروا عليه لم يختاروا غيره كما قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) كل مولود يولد على الفطرة (لا تبديل لخلق الله) أي ما ينبغي أن تبدل تلك الفطرة (ذلك) هو (الدين القيم) المستقيم (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ذلك لعدم تفكرهم .
(منيبين) راجعين (إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين).
(من الذين) بدل (فرقوا دينهم) باختلافهم بأهوائهم (وكانوا شيعا) فرقا كل فرقة تشيع إماما (كل حزب بما لديهم فرحون) بظن أن ما عندهم الحق .
(وإذا مس الناس ضر) شدة (دعوا ربهم منيبين) راجعين (إليه) عن غيره (ثم إذا أذاقهم منه رحمة) خلاصا من الشدة (إذا) فجائية (فريق منهم بربهم يشركون) في مقابلة رحمته .
(ليكفروا بما ءاتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون) عاقبة أمركم .
(أم) بل (أنزلنا عليهم سلطانا) حجة (فهو يتكلم) تكلم دلالة (بما كانوا به يشركون) بإشراكهم وصحته .
(وإذا أذقنا الناس رحمة) نعمة (فرحوا بها) بطرا (وإن تصبهم سيئة) شدة (بما قدمت أيديهم) بسبب ذنوبهم (إذا هم يقنطون) من الرحمة .
(أولم يروا) يعلموا (أن الله يبسط الرزق) يوسعه (لمن يشاء ويقدر) يضيقه لمن يشاء بحسب المصالح (إن في ذلك لآيات) على قدرته وحكمته (لقوم يؤمنون) بها .
(فأت ذا القربى حقه) أقربائك فرضهم من الخمس وعن الصادق (عليه السلام) لما نزلت أعطى (صلى الله عليه وآله وسلّم) فاطمة فدكا (والمسكين وابن السبيل) حقهما من الزكاة (ذلك خير للذين يريدون) بمعروفهم (وجه الله) جهة التقرب إليه لا جهة أخرى (وأولئك هم المفلحون) الفائزون بالنعيم الباقي .
(وما ءاتيتم من ربا) زيادة محرمة في المعاملة أو عطية يطلب بها أكثر منها وقرىء بالقصر أي ما جئتم به من ربا (ليربوا) ليزيد (في أموال الناس) أكلة الربا (فلا يربوا) فلا يزكوا (عند الله) بل يمحقه ولا يثيب المكافىء (وما ءاتيتم من زكاة تريدون وجه الله) لا غيره (فأولئك هم المضعفون) من الثواب .
(الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم) أي هو فاعل بهذه الأفعال التي لا يقدر على شيء منها غيره (هل من شركائكم) ممن أشركتموهم به من الأصنام وغيرها (من يفعل من ذلكم) المذكور (من شيء) حتى تجوز عبادتكم لها

(سبحانه وتعالى عما يشركون) به .
(ظهر الفساد في البر والبحر) كالقحط والموتان وكثرة المضار ومحق البركات (بما كسبت أيدي الناس) بسبب ذنوبهم أو ظهر الشر والظلم بكسبهم إياه (ليذيقهم بعض الذي عملوا) بعض وباله عاجلا (لعلكم يرجعون) يتوبون .
(قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل) من تدميرهم بسوء فعلهم (كان أكثرهم مشركين) أي كان سوء عاقبتهم لشركهم .
(فأقم وجهك للدين القيم) البليغ الاستقامة (من قبل أن يأتي يوم لا مرد له) لا يرده أحد (من الله يومئذ يصدعون) يتصدعون أي يتفرقون إلى الجنة والنار .
(من كفر فعليه) لا على غيره (كفره) أي وباله وهو النار (ومن عمل صالحا فلأنفسهم) لا لغيرها (يمهدون) منزلا في الجنة .
(ليجزي الذين ءامنوا وعملوا الصالحات من فضله) زيادة على ثوابهم الواجب لهم أو من عطائه وهو ثوابهم (إنه لا يحب الكافرين) أي يجازيهم بالعقوبة على كفرهم .
(ومن آياته أن يرسل الرياح) الجنوب والصبا والشمال وهي للرحمة وأما الدبور فللعذاب (مبشرات) بالغيث (وليذيقكم) عطف على معنى مبشرات أي ليبشركم وليذيقكم (من رحمته) وهي الغيث المسبب عنها أو الخصب التابع له أو الروح الحاصل بهبوبها (ولتجري الفلك بأمره) بإرادته (ولتبتغوا من فضله) تجارة البحر (ولعلكم تشكرون) هذه النعمة فتوحدونه .
(ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات) فكذبوهم (فانتقمنا من الذين أجرموا) بالإهلاك (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) بالحجة والبرهان أو في الرجعة .
(الله الذي يرسل الرياح) وقرىء الريح (فتثير سحابا) تهيجه (فيبسطه في السماء) في جهتها (كيف يشاء) من قلة وكثرة وغيرهما (ويجعله كسفا) قطعا متفرقة (فترى الودق) المطر (يخرج من خلاله) من مخارجه (فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون) يفرحون .
(وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله) كرر تأكيدا وقيل الهاء للإرسال (لمبلسين) لابسين .
(فانظروا إلى ءاثار رحمت الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك) أثر المطر من النبات والخصب (لمحيي

الموتى وهو على كل شيء قدير) ومنه إحياء الموتى .
(ولئن أرسلنا ريحا) ضارة (فرأوه) أي الأثر وهو النبات (مصفرا) وقيل الهاء للسحاب لا أنه إذا أصفر لم يمطر (لظلوا) لصاروا جواب سد مسد الجزاء (من بعده) بعد أن رأوه مصفرا (يكفرون) ذمهم بأنهم إذا حبس عنهم المطر قنطوا ولم يستغفروا وإذا أمطروا فرحوا ولم يشكروا .
(فإنك لا تسمع الموتى) شبهوا بهم في عدم تدبرهم وبالصم في (ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) فإنهم حينئذ أبعد عن الإستماع .
(وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم) أي ما تبعدهم عنها بالهدى (إن) ما (تسمع) سماع قبول (إلا من يؤمن بآياتنا) ممن علمه الله أنه يصدق بها (فهم مسلمون) منقادون لأمره .
(الله الذي خلقكم من ضعف) أي ابتدأكم أطفالا ضعافا أو خلقكم من النطفة (ثم جعل من بعد ضعف قوة) أي قوة الشباب أو تعلق الروح (ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة) أي في حال الشيخوخة والهرم وقرىء بفتح الضاد في الثلاث وبضمها (يخلق ما يشاء) من ضعف وقوة وشيبة (وهو العليم) بكل شيء (القدير) على ما يشاء .
(ويوم تقوم الساعة) القيامة (يقسم المجرمون ما لبثوا) في القبور أو في الدنيا أو فيما بين فنائها والبعث وهو وقت انقطاع عذابهم (غير ساعة) يستقصرون مدة لبثهم بالنسبة إلى مدة عذاب الآخرة أو ينسونها (كذلك) الصرف عن الصدق (كانوا يؤفكون) يصرفون في الدنيا .
(وقال الذين أوتوا العلم والإيمان) من الملائكة وغيرهم (لقد لبثتم في كتاب الله) في علمه أو اللوح أو ما كتبه أي أوجبه أو القرآن من قوله ومن ورائهم برزخ (إلى يوم البعث) الذي أنكرتموه (ولكنكم كنتم لا تعلمون) وقوعه لعدم النظر .
(فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم) بالياء والتاء (ولا هم يستعتبون) لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى رضا الله .
(ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) منبه على التوحيد والبعث وصدق الرسول (ولئن جئتهم بآية) من القرآن أو مما اقترحوه (ليقولن الذين كفروا) عنادا (إن أنتم إلا مبطلون) أصحاب أباطيل .
(كذلك) الطبع (يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون) الحق لتركهم النظر أي يمنعهم ألطافه لعلمه بأنها لا تجدي فيهم .
(فاصبر) على أذاهم (إن وعد الله) بنصرك وإعلاء دينك (حق) منجز لا محالة (ولا يستخفنك) لا يحملنك على الخفة والضجر (الذين لا يوقنون).




سورة لقمان

(31) سورة لقمان ثلاث أو أربع وثلاثون آية (33 - 34) مكية
وقيل إلا ثلاثا من ولو أنما في الأرض.
بسم الله الرحمن الرحيم
(الم تلك) الآيات (ءايات الكتاب الحكيم) المحكم أو ذي الحكمة .
(هدى ورحمة للمحسنين).
(الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم بالآخرة هم يوقنون) بيان للمحسنين وكرر هم تأكيدا
(أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) فسر في البقرة .
(ومن الناس من يشتري لهو الحديث) ما يلهي عن الخير كالغناء والأكاذيب والمضاحك وفضول الكلام (ليضل) الناس (عن سبيل الله) دينه (بغير علم) ولا بصيرة حيث يشتري الباطل بالحق (ويتخذها) أي السبل (هزوا) سخرية (أولئك لهم عذاب مهين) ذو إهانة .
(وإذا تتلى عليه ءاياتنا ولى مستكبرا) متكبرا (كأن لم يسمعها) مشبها من لم يسمعها (كان في أذنيه وقرا) مشبها الأصم (فبشره بعذاب أليم) أعلمه به والبشارة تهكم .
(إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم).
(خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم).
(خلق السموات بغير عمد ترونها) فسر في الرعد (وألقى في الأرض رواسي) جبالا ثوابت كراهة (أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا) التفات إلى التكلم (من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم) صنف ذي منافع .
(هذا) الذي ذكر (خلق الله) مخلوقة (فأروني ماذا خلق الذين من دونه) أي آلهتكم حتى أشركتموها به (بل الظالمون في ضلال مبين) وضع الظاهر موضع المضمر إيذانا بالعلة .
(ولقد ءاتينا لقمان) ابن باعور ابن أخت أيوب أو خالته وعمر حتى أدرك داود (الحكمة) تشمل العقل والعلم والعمل به والإصابة في القول (أن) لأن أو أي (أشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه) لعود نفعه إليها (ومن كفر فإن الله غني) عن الشكر (حميد) حقيق بالحمد وإن لم يحمدوا .
(وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله) قيل كان كافرا فما زال به حتى أسلم (إن الشرك لظلم عظيم) لأنه تسوية بين أشرف الموجودات وأخس المخلوقات.
(ووصينا
الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا) تهن وهنا (على وهن) ضعفا فوق ضعف إذ كلما ازداد الحمل ازدادت ضعفا (وفصاله في عامين) وهما مدة رضاعه (أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير) فأجازيك بعملك .
(وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم) أريد بنفي العلم به نفيه أي ما ليس بشيء يعني الأصنام (فلا تطعهما) في ذلك (وصاحبهما في الدنيا معروفا) شرعا وعرفا (واتبع سبيل من أناب) رجع (إلي) بالطاعة (ثم إلي مرجعكم) جميعا (فأنبئكم بما كنتم تعملون) بعمله .
(يا بني إنها) أي الخصلة من الإساءة والإحسان (إن تك مثقال) زنة (حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض) في أخفى موضع كجوف الصخرة أو أعلاها كالسموات أو أسفله كالأرض (يأت بها الله) يحضرها فيحاسب عليها (إن الله لطيف) نافذ القدرة (خبير) بكل خفي .
(يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك) من المصائب في ذلك أو مطلقا (إن ذلك من عزم الأمور) من معزوماتها التي عزمها الله .
(ولا تصعر خدك للناس) لا تمله عنهم تكبرا من الصعر داء يلوي عنق البعير وقرىء تصاعر (ولا تمش في الأرض مرحا) تمرح مرحا أو لأجل المرح وهو البطر (إن الله لا يحب كل مختال فخور) علة النهي والمختال مقابل الماشي مرحا والفخور للمصعر خده وعكس الترتيب للفاصلة .
(واقصد في مشيك) توسط فيه بين الدبيب والإسراع بسكينة ووقار (واغضض) أقصر واخفض (من صوتك إن أنكر الأصوات) أقبحها (لصوت الحمير) الحمار ونهاقه مثلان للذم .
(ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات) من النيرات لمنافعكم (وما في الأرض) من الحيوان وغيره (وأسبغ) أوسع وأتم (عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) محسوسة ومعقولة أو معلومة قال الباقر (عليه السلام): الظاهرة النبي وما جاء به والباطنة ولايتنا أهل البيت (ومن الناس من يجادل في الله) في توحيده (بغير علم) أخذ عن حجة (ولا هدى) عن رسول (ولا كتاب منير) أنزل الله بل بالتقليد .
(وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه ءاباءنا) ذمهم على التقليد (أولو) إنكار أي أيتبعونه والحال لو (كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير) إلى ما يوجبه .
(ومن يسلم وجهه إلى الله) يفوض أمره إليه وعدي باللام لتضمنه معنى أخلص (وهو محسن) لعمله (فقد استمسك بالعروة الوثقي) المحكمة وهو تمثيل للمعلوم بالمحسوس

(و إلى الله عاقبة الأمور) مصيرها .
(ومن كفر فلا يحزنك) يغمك (كفره) فإنه لا يضرك (إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا) بالعقاب عليه (إن الله عليم بذات الصدور) بما فيها كغيره فيجازي عليه .
(نمتعهم) في دنياهم زمانا (قليلا ثم نضطرهم) في الآخرة (إلى عذاب غليظ) شديد ثقيل عليهم .
(ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) مقرين بأنه خالقها (قل الحمد لله) على إلزامهم الحجة (بل أكثرهم لا يعلمون) لزومها لهم .
(لله ما في السموات والأرض) ملكا وخلقا (إن الله هو الغني) على الإطلاق .
(الحميد) بالاستحقاق (ولو) ثبت (أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) الدالة على علمه وحكمه بكتبها بتلك الأقلام بذلك المداد لعدم تناهيها وجمع القلة يشعر بأن ذلك لا يفي بقليلها دون كثيرها (إن الله عزيز) لا يعجزه شيء (حكيم) لا يخرج عن علمه وحكمته شيء .
(ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) كخلقها وبعثها في قدرته فيكفي فيه إرادته (إن الله سميع بصير) لكل مسموع ومبصر .
(ألم تر أن الله يولج الليل) يدخله (في النهار ويولج النهار في الليل) فينقص من كل ما يزيد في الآخر (وسخر الشمس والقمر كل) منها (يجري) في فلكه (إلى أجل مسمى) إلى وقت معلوم (وأن الله بما تعملون خبير).
(ذلك) المذكور من قدرته (بأن الله هو الحق) بسبب أنه الثابت (وأن ما يدعون من دونه الباطل) الزائل (وأن الله هو العلي) على كل شيء (الكبير) عن أن يعد له شيء .
(ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله) بفضله ورحمته (ليريكم من آياته) الدالة على تفرده بالإلهية والقدرة والحكمة (إن في ذلك لآيات) دلالات (لكل صبار) على بلائه (شكور) لنعمائه .
(وإذا غشيهم) أي الكفار (موج كالظلل) هو ما يظل من جبل أو سحاب أو غيرهما (دعوا الله مخلصين له الدين) الدعاء لا يدعون سواه (فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد) متوسط في الكفر منزجر بعض الانزجار أو ثابت على الطريق القصد وهو الإيمان (وما يجحد بآياتنا) ومنها الإنجاء من البحر (إلا كل ختار) غدار شديد الغدر (كفور) لنعم الله .
(يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما)

(لا يجزى والد عن ولده) لا يغني عنه شيئا فيه (ولا مولود هو جاز عن والده شيئا) وغير النظم تأكيدا لعدم نفع المولود (إن وعد الله) بالبعث والجزاء (حق) لا خلف فيه (فلا تغرنكم الحيوة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) الشيطان بأن يمنيكم المغفرة فيجرئكم على الذنوب .
(إن الله عنده علم الساعة) علم وقت قيامها (وينزل الغيث) بوقته المعين له في علمه (ويعلم ما في الأرحام) أذكر أم أنثى تام أم ناقص (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) من خير وشر ويعلمه الله (وما تدري نفس بأي أرض تموت) ويعلمه الله (إن الله عليم خبير).


سورة السجدة

(32) سورة السجدة ثلاثون أو تسع وعشرون آية (29 - 30) مكية
والظاهر ثلاثون آية.
بسم الله الرحمن الرحيم
(الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين).
(أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك) رسول بشريعة ولا يدل على نفي وجود حجة لعدم خلو الزمان منه (لعلهم يهتدون) بإنذارك .
(الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام) مقدارها (ثم استوى على العرش) فسر في الأعراف (ما لكم من دونه) إذا جاوزتم رضاه (من ولي) ينصركم (ولا شفيع) يشفع لكم (أفلا تتذكرون) تتعظون بذلك .
(يدبر الأمر) أمر الدنيا مدة أيامها فينزله (من السماء إلى الأرض ثم يعرج) يرجع الأمر كله (إليه) بعد فنائها (في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) في الدنيا .
(ذلك عالم الغيب والشهادة) ما غاب عن الخلق وما حضر (العزيز) المنيع في ملكه (الرحيم) بعباده .
(الذي أحسن كل شيء) أحكمه وأتقنه أو علم كيف يخلقه (خلقه) بدل اشتمال من كل شيء (وبدأ خلق الإنسان) آدم (من طين).
(ثم جعل نسله من سلالة) صفوة انسل من الصلب
(من ماء مهين) حقير أي النطفة .
(ثم سواه) قومه وأتم تصويره (ونفخ فيه من روحه) إضافة تشريف (وجعل لكم) عدل إلى الخطاب تنبيها على جسامة نعم الجوارح (السمع) أي الأسماع (والأبصار والأفئدة) القلوب (قليلا ما تشكرون) ما زائدة أي شكرا قليلا .
(وقالوا أإذا ضللنا في الأرض) غبنا فيها بالدفن أو بأن صرنا ترابا مخلوطا بترابها (أءنا لفي خلق جديد) نبعث (بل هم بلقاء ربهم) بالبعث (كافرون) جاهدون .
(قل يتوفاكم) بقبض أرواحكم لا يبقى منها شيئا أو منكم أحدا (ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) للجزاء .
(ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم) خجلا وندامة قائلين (ربنا أبصرنا) صدق وعدك (وسمعنا) منك تصديق رسلك (فارجعنا) إلى الدنيا (نعمل صالحا إنا موقنون) الآن فما ينفعهم ذلك وجواب لو لرأيت أسوأ حال والمضي فيها وفي إذ لتحقق الوقوع ولا مفعول ل ترى لأنها بصرية .
(ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) بالقسر والإلجاء (ولكن) بنينا الأمر على الاختيار فلذلك (حق القول مني) وعيدي (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) باختيارهم نسيان العاقبة وترك التفكر فيها كما يفيده .
(فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم) جازيناكم بنسيانكم أو تركناكم من الرحمة (وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون) من الكفر والمعاصي .
(إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا) وعظوا (بها خروا سجدا) خشية وتواضعا لله (وسبحوا) نزهوه عما لا يليق به متلبسين (بحمد ربهم) شكرا على نعمه (وهم لا يستكبرون) عن عبادته .
(تتجافى) ترتفع وتتنحى (جنوبهم عن المضاجع) الفرش ومواضع الاضطجاع للتهجد أي صلاة الليل (يدعون) داعين (ربهم خوفا) من عذابه (وطمعا) في رحمته (ومما رزقناهم ينفقون) في سبيل الخير وقيل نزلت في الذين لا ينامون حتى يصلون العتمة .
(فلا تعلم نفس) لا ملك ولا نبي (ما) الذي أو أي شيء (أخفي) أذخر (لهم من قرة أعين) مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (جزاء بما كانوا يعملون).
(أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا) إنكار بمعنى النفي (لا يستوون) عند الله وجمع لمعنى من .
(أما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى) يأوون إليها أو هي نوع من الجنان (نزلا بما كانوا يعملون).
(وأما الذين

فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) فسر في الحج (وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون).
(ولنذيقنهم من العذاب الأدنى) مصائب القتل والأسر والقحط وروي في الرجعة (دون العذاب الأكبر) قبل عذاب الآخرة (لعلهم) أي لعل من بقي منهم (يرجعون) يتوبون قيل فأخر الوليد بن عقبة عليا يوم بدر فنزلت الآيات .
(ومن) أي لا أحد (أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها) فلم يتدبرها (إنا من المجرمين منتقمون).
(ولقد ءاتينا موسى الكتاب) كما آتيناك (فلا تكن في مرية) في شك (من لقائه) من لقائك الكتاب نحو وإنك لتلقى القرآن أو من لقائك موسى ليلة الإسراء (وجعلناه) أي كتاب موسى (هدى لبني إسرائيل).
(وجعلنا منهم أئمة يهدون) الناس إلى ما فيه من الدين (بأمرنا) إياهم به أو بتوفيقنا (لما صبروا) على الدين أو عن الدنيا (وكانوا بآياتنا يوقنون).
(إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة) فيميز المحق من المبطل (فما كانوا فيه يختلفون) من أمر الدين .
(أولم يهد لهم) يبين لقريش الله أو ما دل عليه (كم أهلكنا) أي كثرة من أهلكناه (من قبلهم من القرون) الأمم بكفرهم (يمشون في مساكنهم) ويرون آثارهم في أسفارهم (إن في ذلك لآيات) لعبر (أفلا يسمعون) سماع اعتبار .
(أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز) التي جرز بناؤها أي قطع وأذهب لا ما لا ينبت بدليل (فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم) كالعصف (وأنفسهم) كالحب (أفلا يبصرون) فيعلمون كمال قدرتنا .
(ويقولون متى هذا الفتح) النصر أو الفصل بالحكومة بيننا وبينكم (إن كنتم صادقين) في إتيانه .
(قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون) وهو يوم القيامة .
(فأعرض عنهم) تكرما (وانتظر) الغلبة عليهم (إنهم منتظرون) الغلبة عليك.




سورة الأحزاب

(33) سورة الأحزاب ثلاث وسبعون آية (73) مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها النبي) نداء تعظيم (اتق الله) اثبت على تقواه (ولا تطع الكافرين والمنافقين) قالوا له ارفض ذكر آلهتنا وندعك وربك فنزلت (إن الله كان عليما) بالصواب (حكيما) في التدبير .
(واتبع ما يوحى إليك من ربك) أي القرآن (إن الله كان بما تعملون خبيرا).
(وتوكل على الله) في أمرك (وكفى بالله وكيلا) حافظا .
(ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) لأنهما إن اتحدا في الفعل فأحدهما فضلة لا حاجة إليها وإن اختلفا فيه اتصف الشخص بالضدين في وقت واحد (وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم) والظهار قول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي (وما جعل أدعياءكم) جمع دعي وهو من يدعي ابنا لغير أبيه (أبناءكم) إذ كانوا يسمون زيد بن حارثة: ابن محمد، ونفي القلبين وأمومة المظاهرة تمهيدا لذلك أي كما لم يجعل قلبين في جوف ولا زوجة أما لم يجعل الدعي ابنا لمن تبناه، والغرض رفع قالة الناس عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) حين تزوج زينب بعد أن طلقها زيد بن حارثة أنه تزوج امرأة ابنه (ذلكم) النسب (قولكم بأفواهكم) لا حقيقة له (والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) سبيل الحق .
(ادعوهم لآبائهم) انسبوهم إليهم (هو أقسط) أعدل (عند الله فإن لم تعلموا ءاباءهم فإخوانكم) فهم إخوانكم (في الدين ومواليكم) وأولياؤكم فيه فقولوا: أخي ومولاي (وليس عليكم جناح) إثم (فيما أخطأتم به) من ذلك قبل النهي أو لسبق اللسان (ولكن ما) أي فيما (تعمدت قلوبكم) الجناح (وكان الله غفورا) للمخطىء (رحيما) بالعفو عن العامد إن شاء .
(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) في أمور الدين أو الدنيا (وأزواجه أمهاتهم) كأمهاتهم في التحريم (وأولوا الأرحام) ذوو القرابات (بعضهم أولى ببعض) في الإرث نسخ التوارث بالهجرة والموالاة في الدين (في كتاب الله) في حكمه أو اللوح المحفوظ أو القرآن (من المؤمنين والمهاجرين) أي الأقارب بالقرابة أولى بالإرث من المؤمنين بالإيمان والمهاجرين بالهجرة (إلا) لكن (أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) بوصية جائز (كان ذلك) المذكور (في الكتاب) اللوح أو القرآن (مسطورا) مثبتا .
(وإذ) واذكر إذ (أخذنا من النبيين ميثاقهم) عهودهم بتبليغ الرسالة (ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم) خصوا بالذكر لفضلهم وقدم نبينا لأفضليته (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) شديدا أو مؤكدا باليمين .
(ليسئل) الله (الصادقين عن صدقهم) الأنبياء عن تبليغ الرسالة (و أعد للكافرين عذابا أليما).
(يا أيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود) من الكفار (فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها) ملائكة (وكان الله بما تعملون بصيرا).
(إذ جاءوكم) بدل من إذ جاءتكم (من فوقكم ومن أسفل منكم) من أعلى الوادي ومن أسفله (وإذ زاغت الأبصار) مالت عن مقرها دهشا وشخوصا (وبلغت القلوب الحناجر) فزعا إذ عند شدته تنتفخ الرئة فيرتفع القلب إلى الحنجرة وهي منتهى الحلقوم (وتظنون بالله الظنونا) المختلفة فظن المخلصون النصر وأن الله مبتليهم فخافوا أضعف الاحتمال والمنافقون وضعفة القلوب ما حكى عنهم .
(هنالك ابتلي المؤمنون) اختبروا فتبين المخلص الثابت من غيره (وزلزلوا) أزعجوا (زلزالا شديدا) من الفزع .
(وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض) ضعف يقين (ما وعدنا الله ورسوله) بالنصر والفتح (إلا غرورا) وعدا باطلا .
(وإذ قالت طائفة منهم) ابن أبي وأضرابه (يا أهل يثرب) هي المدينة أو أرضها (لا مقام) موضع قيام (لكم) هاهنا (فارجعوا) إلى منازلكم في المدينة وكانوا مع النبي خارجها (ويستأذن فريق منهم النبي) للرجوع (يقولون إن بيوتنا عورة) غير حصينة (وما هي بعورة) بل حصينة (إن) ما (يريدون) بذلك (إلا فرارا) من القتال .
(ولو دخلت) المدينة أو بيوتهم (عليهم من أقطارها) نواحيها أي لو دخلها هؤلاء العساكر أو غيرهم بنهب وسبي (ثم سئلوا الفتنة) الشرك وقتال المسلمين (لأتوها) لأعطوها (وما تلبثوا بها) بالفتنة أو المدينة (إلا) زمانا (يسيرا).
(ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار) عند فرارهم بأحد أن لا يفروا (وكان عهد الله مسئولا) عن الوفاء به .
(قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت) حتف الأنف (أو القتل) إذ لا بد لكم من أحدهما (وإذا) وإن نفعكم الفرار فرضا (لا تمتعون) بالدنيا (إلا) تمتيعا أو زمانا (قليلا).
(قل من ذا الذي يعصمكم) يمنعكم (من الله إن أراد بكم سوءا) ضرا (أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا) ينفعهم (ولا نصيرا) يدفع الضر عنهم .
(قد يعلم الله المعوقين منكم) المبطئين عن الرسول (والقائلين لإخوانهم هلم) أقبلوا (إلينا) وبين في الأنعام (ولا يأتون البأس) القتال (إلا) إتيانا أو زمانا (قليلا) رياء وتثبيطا .
(أشحة) بخلاء (عليكم) بالمعاونة والنفقة في سبيل الله

(فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت) سكراته (فإذا ذهب الخوف) وحيزت الغنائم (سلقوكم) خاصموكم (بألسنة حداد) ذربة طلبا للغنيمة (أشحة على الخير) الغنيمة (أولئك لم يؤمنوا) باطنا (فأحبط الله أعمالهم) الباطلة أي أظهر بطلانها (وكان ذلك) الإحباط (على الله يسيرا) هينا .
(يحسبون) أي هؤلاء لجبنهم (الأحزاب لم يذهبوا) منهزمين وقد ذهبوا فانصرفوا إلى المدينة خوفا (وإن يأت الأحزاب) كرة أخرى (يودوا) يتمنوا (لو أنهم بادون في الأعراب) خارجون إلى البدو وكائنون في الأعراب (يسئلون عن أنبائكم) أخباركم (ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا) رياء .
(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) أي هو قدوة يحسن التأسي به في الثبات في الحرب وغيره (لمن كان يرجوا الله) يأمل ثوابه ويخاف عقابه (واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) أي المقتدي بالرسول هو الراجي المواظب على الذكر .
(ولما رءا المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله) في الوعد (وما زادهم) ما رأوا (إلا إيمانا) بوعد الله (وتسليما) لأمره .
(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) من الثبات مع الرسول (فمنهم من قضى نحبه) نذره قاتل حتى قتل كحمزة (ومنهم من ينتظر) الشهادة كعلي (وما بدلوا) العهد (تبديلا) كما بدل المنافقون .
(ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء) إذا لم يتوبوا (أو يتوب عليهم) إن تابوا (إن الله كان غفورا رحيما) لمن تاب .
(ورد الله الذين كفروا) أي الأحزاب (بغيظهم لم ينالوا خيرا) ظفرا (وكفى الله المؤمنين القتال) بعلى والريح والملائكة (وكان الله قويا) على ما يريد (عزيزا) غالبا على أمره .
(وأنزل الذين ظاهروهم) وعاونوا الأحزاب (من أهل الكتاب) قريظة (من صياصيهم) حصونهم (وقذف في قلوبهم الرعب) الخوف (فريقا).
(تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم

أرضهم) مزارعهم (وديارهم) قلاعهم (وأموالهم) من صامت وناطق (وأرضا لم تطئوها) خيبر أو فارس والروم (وكان الله على كل شيء قديرا) فيفعل ما شاء .
(يا أيها النبي قل لأزواجك) وكن تسعا وسألنه ثياب زينة وزيادة نفقة فنزلت (إن كنتن تردن الحيوة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا).
(وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة) أي الجنة (فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) نعيم الجنة .
(يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة) ظاهر قبحها (يضاعف لها العذاب ضعفين) أي مثلي عذاب غيرهن إن الذنب منهن أقبح لزيادة النعمة ونزول الوحي في بيوتهن وليس العالم كغيره (وكان ذلك على الله يسيرا).
(ومن يقنت منكن) يدم على الطاعة (لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين) مثلي أجر غيرهن (وأعتدنا لها رزقا كريما) في الجنة زيادة .
(يا نساء النبي لستن كأحد من النساء) كجماعة واحدة من جماعات النساء في الفضل (إن اتقيتن) معصية الله ورسوله (فلا تخضعن بالقول) كالمربيات (فيطمع الذي في قلبه مرض) ريبة (وقلن قولا معروفا) حسنا غير لين .
(وقرن في بيوتكن) بالكسر من قرن يقرن وقرىء بالفتح وهو لغة فيه (ولا تبرجن) لا تظهرن زينتكن للرجال (تبرج الجاهلية الأولى) تبرجا مثل تبرج النساء الجاهلية القديمة وهو زمان ولادة إبراهيم أو ما بين آدم ونوح والأخرى ما بين عيسى ومحمد وقيل الأولى جاهلية الكفر والأخرى جاهلية الفسق في الإسلام وروي أنها صفراء بنت شعيب خرجت على يوشع (وأقمن الصلوة وءاتين الزكوة وأطعن الله ورسوله) في أوامره ونواهيه (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس) الذنب (أهل البيت) بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) نداء أو مدح (ويطهركم) من جميع المآثم .
(تطهيرا) أجمع المفسرون على نزولها في أهل العباء، وبه روايات مستفيضة (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) من القرآن الجامع بين الأمرين (إن الله كان لطيفا) في تدبير خلقه (خبيرا) بمصالحه .
(إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين) الدائمين على الطاعة (والقانتات والصادقين والصادقات) في قولهم وفعلهم (والصابرين والصابرات) على البلاء والطاعات

(و الخاشعين) المتواضعين (والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات) بما فرض عليهم أو الأعم (والصائمين والصائمات) المفروض أو الأعم (والحافظين والحافظات) عن الحرام (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) بقلوبهم وألسنتهم (أعد الله لهم مغفرة) لذنوبهم (وأجرا عظيما) على طاعتهم .
(وما كان) ما صح (لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون) بالياء والتاء (لهم الخيرة) أن يختاروا (من أمرهم) خلاف مختار الله ورسوله وفيه رد على من جعل الإمامة بالاختيار (ومن يعص الله فقد ضل ضلالا مبينا).
(وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) بالتوفيق للإسلام (وأنعمت عليه) بالعتق وهو زيد بن حارثة كان من سبي الجاهلية اشتراه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل مبعثه وأعتقه وتبناه (أمسك عليك زوجك) زينب (واتق الله) في مفارقتها ومضارتها (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) وهو نكاحها إن طلقها أو ما أعلمك الله من أنه سيطلقها وتتزوجها (وتخشى الناس) أن يعيروك به (والله أحق أن تخشاه) والعتاب على الأخفاء مخافة الناس وإظهار ما يخالف ضميره في الظاهر إذ كان الأولى أن يصمت أو يقول: أنت وشأنك (فلما قضى زيد منها وطرا) حاجة وطابت منها نفسه وطلقها وانقضت عدتها (زوجناكها) وكانت تفتخر بأن الله تولى نكاحها، وعن أهل البيت زوجتكها (لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله) الذي يريده (مفعولا) مكونا كتزويج زينب .
(ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله) قسم أو أوجب (له سنة الله) سن نفي الحرج سنة (في الذين خلوا من قبل) من الأنبياء ووسع لهم في النكاح (وكان أمر الله قدرا مقدورا) قضاء مقضيا .
(الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله) قيل تعريض بعد تصريح (وكفى بالله حسيبا) كافيا للمخاوف أو محاسبأ .
(ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) فليس أبا زيد فلا يحرم عليه نكاح مطلقته (ولكن رسول الله) والرسول أبو أمته في وجوب تعظيمهم له أو نصحه لهم وليس بينه وبينهم ولادة وزيد منهم (وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما) ومنه أنه لا نبي بعده .
(يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا) على كل حال وبكل ما هو أهله .
(وسبحوه بكرة وأصيلا) أول النهار وآخره .

(هو الذي يصلي عليكم) يرحمكم (وملائكته) يطلبون لكم الرحمة والمغفرة (ليخرجكم من الظلمات) عن الجهل بالله (إلى النور) إلى معرفته أو من الكفر إلى الإيمان (وكان بالمؤمنين رحيما) يشعر بإرادة الرحمة من الصلاة .
(وتحيتهم يوم يلقونه) عند الموت أو البعث أو في الجنة (سلام) بشارة بالسلامة من كل شر (وأعد لهم أجرا كريما) هو الجنة .
(يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا) على أمتك بطاعتهم ومعصيتهم (ومبشرا) للمطيع بالجنة (ونذيرا) للعاصي بالنار .
(وداعيا إلى الله) إلى توحيده وطاعته (بإذنه) بأمره أو بتيسيره (وسراجا منيرا) تتجلى به ظلمات الضلال .
(وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) زيادة على ما يستحقونه من الثواب .
(ولا تطع الكافرين والمنافقين) تهييج له (صلى الله عليه وآله وسلّم) (ودع أذاهم) إيذاءهم إياك وأعرض عنه أو إيذاءك إياهم بقتل أو ضرر حتى تؤمر به (وتوكل على الله) فهو كافيك (وكفى بالله وكيلا) مفوضا إليه الأمور .
(يا أيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) تجامعوهن (فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) تستوفون عددها (فمتعوهن) أي إذا لم تفرضوا لهن مهرا إذ مع فرضه لا يجب لها المتعة كما مر في البقرة (وسرحوهن) خلوا سبيلهن إذ لا عدة لكم عليهن (سراحا جميلا) من غير إضرار .
(يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي ءاتيت أجورهن) مهورهن (وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك) قيل كانت الهجرة شرطا في الحل ثم نسخ (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) أي وأحللنا لك امرأة مؤمنة تهب لك نفسها بلا مهر إن اتفق ذلك (إن أراد النبي أن يستنكحها) يطلب نكاحها (خالصة لك من دون المؤمنين) إيذان بأنه مما خص به لنبوته وباستحقاقه الكرامة لأجلها (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم) من الأحكام في العقد الدائم والمنقطع (وما ملكت أيمانهم) من الإماء بشراء وغيره أنه كيف ينبغي أن يفرض (لكيلا يكون عليك حرج) ضيق في باب النكاح متصل بخالصة وبينهما اعتراض لبيان أن المصلحة اقتضت مخالفة حكمه لحكمهم في ذلك (وكان الله غفورا) لمن يشاء (رحيما) بالتوسعة لعباده .
(ترجي) تؤخر (من تشاء منهن) من أزواجك فلا تضاجعها (وتؤوي) تضم (إليك من تشاء) وتضاجعها أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء (ومن ابتغيت) طلبت (ممن عزلت) تركتها (فلا جناح عليك) في ذلك كله (ذلك) التفويض إلى مشيئتك

(أدنى) أقرب إلى (أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما ءاتيتهن) لاستوائهن في هذا الحكم (كلهن) تأكيد من فاعل يرضين (والله يعلم ما في قلوبكم) فلا تسروا ما يسخطه (وكان الله عليما) بخلقه (حليما) لا يعاجل بالعقوبة .
(لا يحل) بالياء والتاء (لك النساء) المحرمات في سورة النساء (من بعد) بعد النساء اللاتي أحللناهن لك بالآية السابقة (ولا أن تبدل بهن من أزواج) منع من فعل الجاهلية كان الرجلان منهم يتبادلان فينزل كل منهما عن زوجته للآخر (ولو أعجبك حسنهن) حسن المحرمات عليك (إلا) لكن (ما ملكت يمينك) فيحل وقيل لا يحل لك النساء بعد التسع وهن في حقه كالأربع في حقنا، وعن الصادق (عليه السلام) إنما عنى اللاتي حرمن عليه في آية النساء ولو كان الأمر كما يقولون لكان قد حل لكم ما لم يحل له (وكان الله على كل شيء رقيبا) حفيظا .
(يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) إلا وقت الإذن أو إلا مأذونا لكم (إلى طعام) فادخلوا حينئذ (غير ناظرين إناه) منتظرين إدراكه مصدر أنى يأني أي لا تدخلوا قبل نضجه فيطول لبثكم (ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا) بالخروج (ولا مستأنسين لحديث) يحدث بعضكم بعضا عطف على ناظرين أو مقدر بلا تمكثوا (إن ذلكم كان يؤذي النبي) لتضيقكم عليه وعلى أهله المنزل (فيستحي منكم) أن يخرجكم (والله لا يستحي من الحق) أي لا يترك بيان الحق وهو إخراجكم (وإذا سألتموهن) أي نساء النبي (متاعا) مما يحتاج إليه (فاسألوهن) المتاع (من وراء حجاب) ستر (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) من خواطر الريبة (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) بشيء حيا وميتا (ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) بعد وفاته أو فراقه ومن دخل بها أو غيرها (إن ذلكم) الإيذاء والنكاح (كان عند الله) ذنبا (عظيما).
(إن تبدوا شيئا) في نكاحهن (أو تخفوه) في قلوبكم (فإن الله كان بكل شيء عليما) فيجازيكم به وفيه تهديد بليغ .
(لا جناح عليهن في ءابائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن) أن لا يحتجبن به عنهم ولم يذكر العم والخال لأنهما كالوالدين أو الأخوين (ولا نسائهن) أي المؤمنات أو كل النساء (ولا ما ملكت أيمانهن) من الإماء أو ما يعمها والعبد كما مر في النور (واتقين الله) فيما كلفتنه (إن الله كان على كل شيء شهيدا) لا يغيب عنه شيء .
(إن الله وملائكته يصلون على النبي) يثنون عليه ويعظمونه (يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) ومفادها وجوب الصلاة والسلام عليه في الجملة ويحتمل وجوبها في التشهد والتسليم عليه في حياته أو أريد به الانقياد لأمره .
(إن الذين يؤذون الله

ورسوله) بارتكاب ما لا يرضيان به من كفر ومعصية (لعنهم الله في الدنيا والآخرة) أبعدهم عن رحمته (وأعد لهم عذابا مهينا) ذا إهانة وهو النار .
(والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا) بغير ذنب يوجب إيذاءهم (فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) بينا .
(يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) يرخين على وجوههن وأبدانهن بعض ملاحفهن الفاضل من التلفع (ذلك أدنى) أقرب إلى (أن يعرفن) أنهن حرائر (فلا يؤذين) بتعرض أهل الريبة لهن كتعرضهم للإماء (وكان الله غفورا رحيما) بإرشاده إلى ما فيه المصالح .
(لئن لم ينته المنافقون) عن نفاقهم (والذين في قلوبهم مرض) ضعف إيمان أو فجور عما لهم فيه (والمرجفون في المدينة) بأخبار السوء كقولهم قتل سراياكم وأتاكم عدوكم من الرجفة الزلزلة سمي بها الخبر الكاذب لتزلزله (لنغرينك بهم) لنأمرنك بقتالهم وإجلائهم (ثم لا يجاورونك فيها) في المدينة (إلا) زمانا (قليلا).
(ملعونين أينما ثقفوا) وجدوا (أخذوا وقتلوا تقتيلا).
(سنة الله) أي سن الله ذلك سنة (في الذين خلوا من قبل) من الأمم الماضية في منافقيهم المرجفين للمؤمنين (ولن تجد لسنة الله تبديلا) عما جرت عليه .
(يسئلك الناس عن الساعة) متى تقوم استهزاء أو امتحانا (قل إنما علمها عند الله) استأثر به (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا) شيئا قريبا أي توجد في وقت قريب .
(إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا) نارا تلهب .
(خالدين) مقدرا خلودهم (فيها أبدا لا يجدون وليا) يمنعهم منها (ولا نصيرا) يدفعها عنهم .
(يوم تقلب وجوههم في النار) تصرف من جهة إلى جهة أو من حال إلى حال أو تنكس رءوسهم (يقولون يا) للتنبيه (ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا) فلا نعذب .
(وقالوا) أي الأتباع منهم (ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا) وهم قادتهم في الكفر (فأضلونا السبيلا) سبل الحق .
(ربنا ءاتهم ضعفين من العذاب) مثلي عذابنا إذ ضلوا وأضلوا (والعنهم لعنا كبيرا) عدده .
(يا أيها الذين ءامنوا لا تكونوا) مع نبيكم (كالذين ءاذوا موسى فبرأه الله مما قالوا) أي مضمونه وهو رميهم إياه ببرص فأظهر الله لهم براءته واتهامهم له بقتل هارون

(و كان عند الله وجيها) ذا جاه وقدر .
(يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله) في إيذاء رسوله وغيره (وقولوا قولا سديدا) قاصدا إلى الحق .
(يصلح لكم أعمالكم) يتقبلها أو يوفقكم بلطفه للأعمال الصالحة (ويغفر لكم ذنوبكم) باستقامتكم بالقول والعمل (ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) ظفر ببغيته .
(إنا عرضنا الأمانة) هي الطاعة المعلق بها الفوز فإنها واجبة الأداء كالأمانة (على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها) أي هي لعظمتها بحيث لو عرضت على هذه العظام وكان لها شعور لأبين حملها (وأشفقن) خفن (منها وحملها الإنسان) مع ضعفه أي جنسه باعتبار الغالب (إنه كان ظلوما) حيث لم يؤدها (جهولا) بعظمة شأنها أو أريد بالأمانة ما يعم الطاعة الطبيعية والاختيارية .
(ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات) الخائنين الأمانة (ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات) المؤدين للأمانة (وكان الله غفورا) للمؤمنين (رحيما) بهم.


سورة سبأ

(34) سورة سبأ أربع أو خمس وخمسون آية (54 - 55) مكية
وقيل إلا آية ويرى الذين أوتوا العلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
(الحمد لله الذي له) لا لغيره (ما في السموات وما في الأرض) من نعمة وغيرها فهو المنعم المختص بكل كماله (وله الحمد) في الدنيا وله الحمد (في الآخرة) خصت تفضيلا لها على الزائلة (وهو الحكيم) في تدبيره (الخبير) بخلقه .
(يعلم ما يلج في الأرض) من مطر وكنز وميت (وما يخرج منها) من حيوان ونبات ومعدن (وما ينزل من السماء) من ملك ووحي ونعمة ونقمة (وما يعرج فيها) من ملك وعمل وأبخرة (وهو الرحيم) بإمهال العصاة (الغفور) لمن شاء من الموحدين .
(وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة) إنكار لمجيئها (قل بلى) رد لقولهم (وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب) لا يغيب (عنه مثقال ذرة) زنة أصغر نملة (في السموات ولا في الأرض
ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) رفعا بالابتداء لا بالعطف على مثقال لقوله (إلا في كتاب مبين) بين هو اللوح .
(ليجزي الذين ءامنوا وعملوا الصالحات) علة لمجيئها (أولئك لهم مغفرة ورزق كريم) في الجنة .
(والذين سعو في ءاياتنا) بالإبطال (معاجزين) مسابقين لنا ظانين أن يفوتونا (أولئك لهم عذاب من رجز) سيىء العذاب (أليم).
(ويرى) يعلم (الذين أوتوا العلم) من الصحابة أو مؤمني أهل الكتاب أو الأعم منهما (الذي أنزل إليك من ربك) القرآن (هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد).
(وقال الذين كفروا) بعضهم لبعض (هل ندلكم على رجل) أي محمد (ينبئكم) يخبركم بأمر عجيب (إذا مزقتم كل ممزق) فرقت أوصالكم كل تفريق وعامل إذا ما دل عليه (إنكم لفي خلق جديد) أي تبعثون .
(أفترى على الله كذبا) استغنى بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل (أم به جنة) جنون يخيل له ذلك فيهذي به واحتج بمقابلتهم إياه بالافتراء مع عدم اعتقادهم صدقه على ثبوت واسطة بين الصدق والكذب ورد بأن الكذب أعم من الافتراء (بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد) عن الحق .
(أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم) ما أحاط بجوانبهم (من السماء والأرض) فيستدلون بهما على قدرته (إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا) قطعة (من السماء) لكفرهم (إن في ذلك) الذي يرونه (لآية) لدلالة (لكل عبد منيب) راجع إلى ربه .
(ولقد ءاتينا داود منا فضلا) على غيره بالنبوة والكتاب (يا جبال أوبي) ارجعي (معه) التسبيح وذلك إما بخلق صوت فيها أو ببعثها له على التسبيح إذا تفكر فيها أو يسري معه حيث سار (والطير) عطف على محل جبال أي ودعوناها تسبح معه (وألنا له الحديد) فصار في يده كالشمع يعمل به ما شاء .
(أن) أمرناه بأن أو أي (اعمل سابغات) دروعا تامات وهو أول من عملها (وقدر في السرد) في نسجها بحيث تتناسب حلقها (واعملوا صالحا) أي أنت وأهلك (إني بما تعملون بصير) فأجازيكم به .
(ولسليمان) وسخرنا له (الريح غدوها شهر ورواحها شهر) بالغداة والعشي مسيرة شهر (وأسلنا له عين القطر) النحاس المذاب (ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه) بأمره (ومن يزغ) يعدل (منهم عن أمرنا) له بطاعته (نذقه من عذاب السعير) النار في الآخرة أو في الدنيا يضربه ملك بسوط من نار فيحرقه .
(يعملون له ما يشاء من محاريب) أبنية رفيعة وقصور منيعة (وتماثيل) صور الملائكة والأنبياء ليقتدى بهم، وعن الصادق (عليه السلام) أنها صور الشجر وشبهه (وجفان) صحاف جمع جفنة

(كالجواب) جمع جابية حوض كبير تبعد عن الجفنة ألف رجل (وقدور راسيات اعملوا ءال داود شكرا وقليل من عبادي الشكور) المجتهد في أداء الشكر بجنانه ولسانه وأركانه .
(فلما قضينا عليه) على سليمان (الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض) مصدر يقال أرضت الخشبة بالبناء للمفعول أرضا أي أكلتها الأرضة (تأكل منسأته) عصاه (فلما خر تبينت الجن) علمت (أن لو كانوا يعلمون الغيب) كما يزعمون لعلموا موته ولو علموه (ما لبثوا) بعده سنة (في العذاب المهين) العمل الشاق .
(لقد كان لسبأ في مسكنهم) باليمن (ءاية) دالة على كمال قدرة الله وسبوغ نعمه (جنتان عن يمين وشمال) جماعتان من البساتين جماعة عن يمين بلدهم وجماعة عن شماله، كان كل جماعة لتداينها جنة واحدة (كلوا من رزق ربكم واشكروا له) نعمته (بلدة) هذه بلدة (طيبة) نزهة (ورب غفور).
(فأعرضوا) عن الشكر (فأرسلنا عليهم سيل العرم) سيل المطر الشديد أو الجرذ لأنه نقب سكرا عملته بلقيس لمنع الماء أو واد أتى السيل منه أو المسناة التي يمسك الماء جمع عرمة وهي الحجارة المركومة (وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي) تثنية ذوات مفرد على الأصل ولامه ياء (أكل) ثمر (خمط) هو كل نبت فيه مرارة أو كل شجر لا شوك له أو الأراك (وأثل وشيء من سدر قليل).
(ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور) معطوفان على الأكل لا على خمط إذ لا أكل للأثل وهو الطرفاء وتقليل السدر لطيب ثمرة وهو النبق .
(وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها) بالماء والشجر وهي قرى الشام التي يتجرون إليها (قرى ظاهرة) متواصلة من اليمن إلى الشام (وقدرنا فيها السير) بحيث يقيلون في قرية ويبيتون في أخرى إلى انقطاع سفرهم وقلنا (سيروا فيها ليالي وأياما) متى شئتم من ليل أو نهار (ءامنين) من المخاوف والمضار .
(فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا) إلى الشام سألوه أن يجعلها مفاوز ليتطاولوا على الفقراء ركوب الرواحل وحمل الزاد (وظلموا أنفسهم) بالكفر والبطر (فجعلناهم أحاديث) لمن بعدهم واتخذهم مثلا يقولون تفرقوا أيدي سبأ (ومزقناهم كل ممزق) فرقناهم في البلاد كل تفريق (إن في ذلك) المذكور (لآيات لكل صبار) عن المعاصي (شكور) على النعم .
(ولقد صدق عليهم) أي بني آدم أو أهل سبأ (إبليس ظنه) في ظنه أو يظن ظنه (فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين).
(وما كان له عليهم من سلطان) تسلط بوسوسة (إلا لنعلم) علما يترتب عليه الجزاء (من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك) إلا ليتميز المؤمن من الشاك فيجازي كلا منهما (وربك على كل شيء حفيظ) رقيب .
(قل) لكفار مكة (ادعوا الذين زعمتم) زعمتموهم آلهة (من دون الله لا يملكون مثقال ذرة) من خير وشر (في السموات

ولا في الأرض) ذكرا تعميما للنفي أو لأن آلهتهم منها سماوية كالملائكة والكواكب ومنها أرضية كالأصنام (وما لهم فيهما من شرك) شركة (وما له منهم من ظهير) معين على شيء .
(ولا تنفع الشفاعة عنده) رد لقولهم في آلهتهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله (إلا لمن أذن له) أن يشفع أو أذن أن يشفع له (حتى إذا فزع) كشف الفزع (عن قلوبهم) بالإذن وقيل الضمير للملائكة (قالوا) قال بعضهم لبعض (ماذا قال ربكم) في الشفاعة (قالوا الحق) أي قال القول الحق وهو الإذن بها لمن ارتضى (وهو العلي) بقهره (الكبير) بعظمته .
(قل من يرزقكم من السموات والأرض) إلزاما لهم فإن تلعثموا (قل الله) إذ لا جواب غيره ولا يسعهم إنكاره (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) والإبهام إنصاف من الخصم وتلطف به مبكت له وهو أبلغ من التصريح بمن هو على هدى ومن هو في ضلال .
(قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون) فيه زيادة إنصاف .
(قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح) يحكم (بيننا بالحق) فيدخل المحقين الجنة والمبطلين النار (وهو الفتاح) الحاكم (العليم) بالحكم بالحق .
(قل أروني) أعلموني (الذين ألحقتم به شركاء) في استحقاق العبادة (كلا) ردع لهم (بل هو الله العزيز) الغالب بقدرته (الحكيم) في تدبيره فلا إله غيره .
(وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا) إلا رسالة عامة (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ذلك لتركهم النظر .
(ويقولون متى هذا الوعد) البعث والجزاء (إن كنتم صادقين) فيه يا معاشر المؤمنين .
(قل لكم ميعاد يوم) مصدر أو اسم زمان إضافته بيانية (لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون) وهو يوم القيامة سألوا تعنتا فأجيبوا بالتهديد .
(وقال الذين كفروا) من أهل مكة (لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه) أي تقدمه كالتوراة والإنجيل المتضمن للبعث أو صفة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم) للحساب (يرجع بعضهم إلى بعض القول) يجادلون (يقول الذين استضعفوا) الأتباع (للذين استكبروا) القادة (لو لا أنتم) صددتمونا عن الإيمان (لكنا مؤمنين) بالله .
(قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن) إنكار أي ما نحن (صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم قوما مجرمين) بإعراضكم عن الهدى .
(وقال الذين استضعفوا للذين

استكبروا بل مكر الليل والنهار) رد لإضرابهم أي لم يصدنا إجرامنا بل مكركم بنا ليلا ونهارا صدنا (إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا) شركاء وأضيف مكر إلى الظرف اتساعا (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب) أخفاها الفريقان خوف الفضيحة أو أظهروها فإنه للضدين (وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا) وضع موضع الضمير إيذانا بموجب الجعل (هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) إلا جزاء عملهم .
(وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها) رؤساؤها المتنعمون خصوا بالذكر لأنهم أصل في العناد وهو تسلية للنبي (إنا بما أرسلتم به كافرون).
(وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا) فنحن أكرم عند الله منكم (وما نحن بمعذبين) لذلك .
(قل) رد عليهم (إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) يوسعه ويضيقه بحسب المصالح لا لكرامة وهوان (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ذلك .
(وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى) قربى أي تقربا (إلا) لكن (من ءامن وعمل صالحا) أو استثناء من مفعول يقربكم أي ما يقرب أحدا إلا المؤمن الصالح المنفق ماله في البر والمعلم ولده للخير أو من فاعله بحذف مضاف (فأولئك لهم جزاء الضعف) أي يجازوا الضعف إلى العشر وأكثر من إضافة المصدر إلى مفعوله (بما عملوا وهم في الغرفات ءامنون) من كل مكروه .
(والذين يسعون في ءاياتنا) بالإبطال (معاجزين) مسابقين لنا ظانين أن يفوتونا أو معجزين مثبطين عن الخير (أولئك في العذاب محضرون).
(قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له) لشخص واحد في حالين وما سبق لشخصين فلا تكرير (وما أنفقتم من شيء) في الخير (فهو يخلفه) عاجلا وآجلا (وهو خير الرازقين) لأنه الرازق حقيقة وغيره واسطة .
(ويوم يحشرهم جميعا) المشركين (ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) توبيخا للمشركين .
(قالوا سبحانك) تنزيها لك عن الشريك (أنت ولينا) الذي نواليه (من دونهم بل كانوا يعبدون الجن) الشياطين بطاعتهم لهم في عبادتهم لنا (أكثرهم بهم مؤمنون) مصدقون فيما يزينون لهم .
(فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا) إذ الأمر فيه لله وحده خطاب للملائكة والكفرة (ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون) عنادا .
(وإذا تتلى

عليهم ءاياتنا بينات قالوا ما هذا) أي محمد (إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد ءاباؤكم) بالدعاء إلى اتباعه (وقالوا ما هذا) أي القرآن (إلا إفك) كذب (مفترى) على الله (وقال الذين كفروا للحق) أي القرآن (لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين) بين وفي التصريح بكفرهم وحصرهم الحق في السحر مبادهة لمجيئه بلا تأمل أبلغ إنكار وتعجيب .
(وما ءاتيناهم من كتب يدرسونها) تصحح لهم الإشراك (وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير) يأمرهم به فلا مستند لهم سوى التقليد والعناد .
(وكذب الذين من قبلهم) كما كذبوا (وما بلغوا) أي هؤلاء (معشار ما ءاتيناهم) عشر ما أعطيناهم أولئك من القوة والنعمة والتعمير أو ما بلغ أولئك عشر ما آتينا هؤلاء من الدلالة (فكذبوا رسلي فكيف كان نكير) إنكاري عليهم بالتدمير فليحذر هؤلاء مثله .
(قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله) تهموا بالأمر له مجانبين الهوى (مثنى وفرادى ثم تتفكروا) في أمر محمد فتعلموا (ما بصاحبكم من جنة) جنون (إن هو إلا نذير لكم بين يدي) قدام (عذاب شديد) في القيامة .
(قل ما سألتكم من أجر) على التبليغ (فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد) مطلع يعلم صدقي .
(قل إن ربي يقذف بالحق) يلقيه إلى أنبيائه أو يرمي به الباطل فيدمغه (علام الغيوب).
(قل جاء الحق) الإسلام (وما يبديء الباطل وما يعيد) أي يزهق الكفر ولم يبق له أثر لا بدءا ولا إعادة .
(قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي) أي وبال إضلالي عليها (وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي) من الهدى تفضلا (إنه سميع) للأقوال (قريب) لا تخفى عليه الأحوال .
(ولو ترى إذ فزعوا) عند الموت أو البعث أو يوم بدر لرأيت فظيعا (فلا فوت) فلا يفوتوننا (وأخذوا من مكان قريب) من ظهر الأرض إلى بطنها أو من الموقف إلى النار وعنهم (عليهم السلام) هو جيش السفياني بالبيداء يخسف بهم من تحت أقدامهم .
(وقالوا ءامنا به) بمحمد أو القرآن (وأنى) ومن أين (لهم التناوش) تناول الإيمان بسهولة (من مكان بعيد) فإنه في دار التكليف وهم في دار الآخرة .
(وقد كفروا به من قبل) في وقت التكليف (ويقذفون بالغيب) يرجمون بما غاب علمه عنهم من نفي البعث ونحوه (من مكان بعيد) من جهة بعيدة عن حال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) وحال الآخرة .
(وحيل بينهم وبين ما يشتهون) من نفع الإيمان في الآخرة (كما فعل بأشياعهم من قبل) بأمثالهم من كفرة الأمم قبلهم (إنهم كانوا في شك مريب) موجب للريب.




سورة فاطر

(35) سورة الملائكة خمس أو ست وأربعون آية (45 - 46) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(الحمد لله فاطر السموات والأرض) مبتدعهما والفطر الشق كأنه شق منهما العدم (جاعل الملائكة رسلا) إلى أنبيائه (أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) ينزلون بها ويعرجون (يزيد في الخلق) في الملائكة وغيرهم (ما يشاء) من حسن الوجه والصوت (إن الله على كل شيء قدير).
(ما يفتح الله للناس من رحمة) كرزق وصحة وعلم ونبوة (فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم) في فعله .
(يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم) احفظوا وأدوا حقها بشكر مولاها قولا وعملا واعتقادا (هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض) إلا الله (لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) فمن أين تصرفون عن توحيده فتشركون منحوتكم به .
(وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك) فاصبر كما صبروا تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) (وإلى الله ترجع الأمور) فيجازي الصابرين والمكذبين .
(يا أيها الناس إن وعد الله) بالبعث وغيره (حق فلا تغرنكم الحيوة الدنيا) فيلهيكم التمتع بها عن الآخرة (ولا يغرنكم بالله الغرور) الشيطان بأن يجرئكم على عصيان الله .
(إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) ولا تطيعوه واحذروه (إنما يدعو حزبه) أتباعه (ليكونوا من أصحاب السعير) النار المسعرة .
(الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير) وعيد لحزبه ووعد لحزب الله .
(أفمن زين له سوء عمله) زينه له الشيطان فغلب هواه على عقله (فرءاه حسنا) وخبر من كمن اهتدى يهدي الله بدلالة (فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء) يخذل من لا ينفعه اللطف ويلطف بمن ينفعه.
(فلا تذهب) تهلك (نفسك عليهم) على المزين لهم (حسرات) اغتماما بكفرهم وغيهم (إن الله عليم بما يصنعون) فيجازيهم به .
(والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا) تهيجه (فسقناه) التفات إلى التكلم يفيد الاختصاص (إلى بلد ميت فأحيينا به) بمائه (الأرض بعد موتها) يبسها (كذلك النشور) أي مثل إحياء الأرض إحياء الأموات .
(من كان يريد العزة فلله العزة جميعا) أي فليطلبها من عنده بطاعته لأنها له كلها (إليه يصعد الكلم الطيب) هو التوحيد (والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون) المكرات (السيئات) بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) (لهم عذاب شديد) جزاء مكرهم (ومكر أولئك هو يبور) يبطل ولا ينفذ .
(والله خلقكم من تراب) بخلق آدم منه (ثم من نطفة) بخلق نسله منها (ثم جعلكم أزواجا) ذكورا وإناثا (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر) ما يزاد في عمر من يطول عمره (ولا ينقص من عمره إلا في كتاب) اللوح أو علمه تعالى (إن ذلك) المذكور (على الله يسير) هين .
(وما يستوي البحران هذا عذب فرات) شديد العذوبة (سائغ شرابه) في الحلق هنيء (وهذا ملح أجاج) شديد الملوحة وهذا مثل للمؤمن والكافر (ومن كل) منهما (تأكلون لحما طريا) هو السمك (وتستخرجون) من الملح أو منهما (حلية تلبسونها) هي اللؤلؤ والمرجان (وترى الفلك فيه) في كل منهما (مواخر) تمخر الماء أي تشقه بجريها (لتبتغوا من فضله) بالركوب للتجارة (ولعلكم تشكرون) الله على ذلك .
(يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) هو منتهى دوره أو مدته أو يوم القيامة (ذلكم) الفاعل لهذه الأشياء (الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير) قشر نواة .
(إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا) فرضا (ما استجابوا لكم) لأنهم لا يملكون شيئا (ويوم القيامة يكفرون بشرككم) بإشراككم أي يبرءون من عبادتكم إياهم (ولا ينبئك) يخبرك بحقيقة الحال

(مثل خبير) بما يخبرك وهو الله العليم بالحقائق .
(يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) في كل حال (والله هو الغني) عن كل شيء (الحميد) المستحق للحمد .
(إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد) لكم .
(وما ذلك على الله بعزيز) بصعب .
(ولا تزر وازرة) لا تحمل نفس آثمة (وزر) نفس (أخرى وإن تدع) نفس (مثقلة) بالوزر (إلى حملها) إلى وزرها أحدا ليحمل بعضه (لا يحمل منه شيء ولو كان) المدعو (ذا قربى) قرابة (إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب) غائبين عن عذابه أو عن الناس في خلواتهم (وأقاموا الصلاة ومن تزكى) تطهر من الآثام (فإنما يتزكى لنفسه) إذ نفعه لها (وإلى الله المصير) فيجازي بالعمل .
(وما يستوي الأعمى والبصير) الكافر والمؤمن .
(ولا الظلمات) الكفر (ولا النور) الإيمان .
(ولا الظل ولا الحرور) الجنة والنار وتكرير لا لزيادة تأكيد النفي .
(وما يستوي الأحياء ولا الأموات) مثل للمؤمنين والكفار (إن الله يسمع من يشاء) ممن هو أهل (وما أنت بمسمع من في القبور) أي الكفار المشابهين للموتى .
(إن) ما (أنت إلا نذير).
(إنا أرسلناك بالحق) محقين أو محقا أو إرسالا متلبسا بالحق (بشيرا) لمن أطاعك (ونذيرا) لمن عصاك (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) وصي ينذرها ويفيد عدم خلو الزمان من حجة .
(وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات) بالمعجزات المصدقة لهم (وبالزبر) كصحف إبراهيم (وبالكتاب المنير) كالتوراة والإنجيل أو أريد بهما واحد والعطف لاختلاف الوصفين .
(ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير) إنكاري بتدميرهم .
(ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا) التفات إلى التكلم (به ثمرات مختلفا ألوانها) أصنافها أو هيئتها من صفرة وحمرة وغيرهما (ومن الجبال جدد) جمع جدد الخطة والطريقة أي خطط وطرائق (بيض وحمر مختلف ألوانها) بالشدة والضعف (وغرابيب) عطف على جدد أي ومنها شديدة السواد لا خطط فيها وهي تأكيد لمضمر يفسره (سود) إذ التأكيد متأخر عن المؤكد .
(ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك) كاختلاف الثمار والجبال (إنما يخشى الله من عباده العلماء) العارفون به لا الجهال وفي الحديث أعلمكم بالله أخوفكم له وقصد حصر الفاعلية فقدم المفعول

(إن الله عزيز) في انتقامه من أعدائه (غفور) لزلات أوليائه .
(إن الذين يتلون كتاب الله) يقرءون القرآن أو يتبعونه بالعمل بما فيه (وأقاموا الصلوة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية) المسنون والمفروض (يرجون تجارة) كسب ثواب بذلك خبر إن (لن تبور) لن تكسد ولن تهلك .
(ليوفيهم أجورهم) ثواب أعمالهم المذكورة (ويزيدهم من فضله) على ما استحقوه (إنه غفور) لسيئاتهم (شكور) لحسناتهم .
(والذي أوحينا إليك من الكتاب) جنسه (هو الحق مصدقا) حال مؤكدة أي أحقه مصدقا (لما بين يديه) لما تقدمه من الكتب (إن الله بعباده لخبير بصير) عالم بالبواطن والظواهر .
(ثم أورثنا الكتاب) عبر بالماضي لتحققه (الذين اصطفينا من عبادنا) وهم علماء الأمة أو جميعها، عنهم (عليهم السلام): هي لنا خاصة (فمنهم) من عبادنا أو ممن اصطفينا (ظالم لنفسه) راجح السيئات (ومنهم مقتصد) متساوي الحسنات والسيئات (ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) راجح الحسنات وقيل الظالم صاحب الكبيرة والمقتصد صاحب الصغيرة والسابق المعصوم وقيل الظالم الجاهل والمقتصد المتعلم والسابق العالم، وعن الصادق (عليه السلام): الظالم منا من لا يعرف حق الإمام والمقتصد من يعرف حقه والسابق الإمام، وقدم الظالم لكثرة أفراده (ذلك هو الفضل الكبير) إشارة إلى الإيراث والسبق .
(جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور) بعضها (من ذهب) بيان (ولؤلؤا) أي مكلل بلؤلؤ (ولباسهم فيها حرير).
(وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) الهم للدين والدنيا (إن ربنا لغفور) للذنوب (شكور) للطاعات .
(الذي أحلنا دار المقامة) أي الإقامة (من فضله) من عطائه وتفضله بتكليفنا مما استوجبنا به ذلك (لا يمسنا فيها نصب) تعب (ولا يمسنا فيها لغوب) تعب وإعياء إذ لا تكليف .
(والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى) لا يحكم (عليهم) بموت (فيموتوا) يستريحوا (ولا يخفف عنهم من عذابها) شيء (كذلك) الجزاء (نجزي كل كفور) شديد الكفر .
(وهم يصطرخون فيها) يستغيثون بصراخ أي صياح قائلين: (ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) نحسبه صالحا فقد تحقق الآن لنا خلافه فيقال لهم توبيخا (أولم نعمركم ما) عمرا (يتذكر فيه من تذكر) روي أنها ستون وقيل أربعون وقيل ثماني عشر (وجاءكم النذير) الرسول أو الكتاب أو الشيب أو العقل أو موت الأهل (فذوقوا فما للظالمين من نصير) يدفع العذاب عنهم .
(إن الله عالم غيب السموات والأرض) ولا يخفى عليه شيء (إنه عليم بذات الصدور) بمضمراتها فغيرها أولى بأن يعلمه .

(هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) جمع خليف أي تخلفون من قبلكم في التصرف فيها أو يخلف بعضكم بعضا (فمن كفر فعليه كفره) وبال كفره (ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا) أشد البغض (ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا) للآخرة .
(قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله) أي أصنامكم التي أشركتموها بالله تعالى (أروني ماذا خلقوا من الأرض) بدل اشتمال من (أرأيتم) أي أخبروني أي شيء منها خلقوه (أم لهم شرك) شركة مع الله (في السموات) في خلقها (أم ءاتيناهم) أي الأصنام أو المشركين (كتابا فهم على بينة) حجة (منه) بأنا جعلناهم شركاء (بل إن يعد الظالمون بعضهم) أي الرؤساء (بعضا) أي الأتباع (إلا غرورا) باطلا بقولهم الأصنام تشفع لهم .
(إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا) كراهة زوالهما أو يمنعهما من الزوال (ولئن زالتا إن) ما (أمسكهما من أحد من بعده) بعد الله أو بعد زوالهما (إنه كان حليما) لا يعاجل بالعقوبة (غفورا) للذنوب .
(وأقسموا) أي قريش قبل بعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) حين سمعوا أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم (بالله جهد أيمانهم) غاية جهدهم فيها (لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم) اليهود والنصارى وغيرهم (فلما جاءهم نذير) هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (ما زادهم إلا نفورا) تباعدا عن الهدى .
(استكبارا في الأرض) مفعول له أو بدل من نفورا (ومكر السيىء) مصدر أضيف إلى صفة معموله أي وإن مكروا المكر السيىء (ولا يحيق) يحيط (المكر السيىء إلا بأهله) وهو الماكر (فهل ينظرون) ينتظرون (إلا سنت الأولين) سنة الله فيهم من تعذيبهم بتكذيبهم (فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا) فلا يبدل بالعذاب غيره ولا يحول إلى غير مستحقه .
(أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) مما يشاهدونه من آثار إهلاكهم (وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه) ليسبقه ويفوته (من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليما) بكل شيء (قديرا) على ما يشاء .
(ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا) من الذنوب (ما ترك على ظهرها) ظهر الأرض (من دابة) نسمة تدب عليها بشؤمهم (ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى) هو يوم القيامة (فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا) فيجازيهم بأعمالهم.




سورة يس

(36) سورة يس اثنتان أو ثلاث وثمانون آية (82 - 83) مكية
وقيل إلا آية وإذا قيل لهم أنفقوا.
بسم الله الرحمن الرحيم
(يس) اسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقيل يا إنسان وقيل يا سيد .
(والقرءان الحكيم) المحكم أو الجامع للحكم .
(إنك لمن المرسلين).
(على صراط مستقيم) هو التوحيد .
(تنزيل العزيز الرحيم) بالرفع خبر محذوف والنصب بتقدير أعني .
(لتنذر قوما ما أنذر ءاباؤهم) لم ينذرهم في الفترة رسول بشريعة وإن كان فيها أوصياء لامتناع خلو الزمان من حجة أو الذي أو شيئا أنذر به آباؤهم (فهم غافلون) ولذا أرسلت إليهم .
(لقد حق القول) بالعذاب (على أكثرهم فهم لا يؤمنون) باختيارهم .
(إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا) مثلوا في تصميمهم على الكفر وإعراضهم عن الإيمان بمن غلت أعناقهم (فهي) أي فالأيدي المدلول عليها بالغل مجموعة (إلى الأذقان) جمع ذقن مجمع اللحيين (فهم مقمحون) مرفوعة رءوسهم لا يستطيعون حفظها .
(وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) مثلوا في تعاميهم عن الدلائل الواضحة بمن منعهم سدان أن يبصروا قدامهم وخلفهم .
(وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) فسر في البقرة .
(إنما تنذر) ينفع إنذارك (من اتبع الذكر) القرآن تدبره وعمل به (وخشي الرحمن بالغيب) من أمر الآخرة (فبشره بمغفرة وأجر كريم).
(إنا نحن نحيي الموتى) للبعث (ونكتب ما قدموا) من الطاعات والمعاصي (وءاثارهم) ما اقتدي بهم فيه بعدهم من حسنة وسيئة (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) هو علي (عليه السلام) أو اللوح المحفوظ .
(واضرب لهم مثلا أصحاب القرية) أنطاكية (إذ جاءها المرسلون) رسل عيسى .
(إذ أرسلنا إليهم اثنين) صادق ومصدق (فكذبوهما فعززنا بثالث) قوينا (فقالوا) أي الرسل للكفرة (إنا إليكم مرسلون).
(قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء) رسالة (إن أنتم
إلا تكذبون) في دعواكم .
(قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) زيد تأكيدا لزيادة إنكارهم .
(وما علينا إلى البلاغ المبين) البين بالحجج الواضحة .
(قالوا إنا تطيرنا) تشاء منا (بكم) إذا دعيتم كذبا وحلفتم عليه (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم).
(قالوا طائركم) شؤمكم (معكم) بكفركم (أإن ذكرتم) وعظتم وجواب إن مقدر كتطيرتم (بل أنتم قوم مسرفون) متجاوزون الحد في الكفر .
(وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) يعدو وهو حبيب النجار (قال يا قوم اتبعوا المرسلين).
(اتبعوا) تأكيد للأول بوصف يوجب اتباعه وهو (من لا يسئلكم أجرا) على النصح (وهم مهتدون) إلى الحق .
(وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون).
(أأتخذ من دونه ءالهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم) التي زعموها (شيئا ولا ينقذون) من ذلك الضر .
(إني إذا) إن عبدت غيره (لفي ضلال مبين) بين .
(إني ءامنت بربكم) الذي خلقكم (فاسمعون) اسمعوا قولي .
(قيل ادخل الجنة) وذلك بعد موته أو قتله، بشره الرسل به أو حين هموا بقتله فرفع إلى الجنة حيا وحذف المقول للعلم به كأنه قيل ما قال في الجنة (قال يا ليت قومي يعلمون).
(بما غفر لي ربي) بغفرانه أو بالذي غفره (وجعلني من المكرمين) تمنى علمهم بحاله ليرغبوا في مثله .
(وما أنزلنا على قومه من بعده) بعد موته أو رفعه (من جند من السماء) ملائكة لإهلاكهم كما أنزلناهم لنصرك (وما كنا منزلين) ما صح في حكمنا إنزالهم أو ما أنزلناهم لإهلاك أحد .
(إن) ما (كانت) العقوبة (إلا صيحة واحدة) صاح بهم جبرائيل (فإذا هم خامدون) ميتون كأنهم كانوا نارا فصاروا رمادا .
(يا حسرة على العباد) احضري فهذا وقتك (ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون) بيان أنهم أحقاء بأن تتحسر عليهم الملائكة والثقلان بسبب استهزائهم الموجب لإهلاكهم .
(ألم يروا) ألم يعلم أهل مكة (كم أهلكنا قبلهم) كثيرا (من القرون) الأمم (أنهم إليهم لا يرجعون).
(وإن كل لما) إن المخففة واللام فارقة وما زائدة وقرىء بالتشديد بمعنى إلا، وإن نافية (جميع) خبر كل أي مجموع (لدينا محضرون) للحساب .
(وءاية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا) جنسه (فمنه يأكلون) قدم الجار إيذانا بأنه معظم القوت.

(و جعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب) من أنواعهما وخصا بالذكر لكثرة منافعهما (وفجرنا فيها من العيون) بعضهما .
(ليأكلوا من ثمره) ثمر المذكور من الجنات (وما عملته أيديهم) منه كالدبس ونحوه أو ولم تعمله أيديهم وإنما هو بخلق الله (أفلا يشكرون) إنكار لترك الشكر أي فليشكروا نعمه .
(سبحان الذي خلق الأزواج) الأصناف (كلها مما تنبت الأرض) من أزواج النبات (ومن أنفسهم) من الذكور والإناث (ومما لا يعلمون) من أزواج لم يروها ولم يسمعوا بها .
(وءاية لهم الليل نسلخ منه) نزيل ونفصل عن مكانه (النهار) استعير من سلخ الجلد (فإذا هم مظلمون) داخلون في الظلام .
(والشمس تجري لمستقر لها) لمنتهى دورها (ذلك تقدير العزيز العليم).
(والقمر قدرناه) من حيث سيره (منازل) ثمانية وعشرين ينزل كل ليلة منزلا منها (حتى) يتم الدور في ثماني وعشرين ليلة من كل شهر حتى (عاد) في آخر منازله للرائي (كالعرجون القديم) كالعذق العتيق في الدقة والتقوس والاصفرار وفي الأخبار ما كان لستة أشهر .
(لا الشمس ينبغي) يتأتى (لها أن تدرك القمر) في سرعة سيره لإخلال ذلك بالنظام (ولا الليل سابق النهار) لا يدخل في وقته بل يتعاقبان، وفي الرضوي: النهار قبل الليل واستدل بالآية (وكل) من الشمس والقمر والسيارات (في فلك يسبحون) يسيرون نزلت منزلة من تعقل أو لها أنفس تعقل .
(وءاية لهم أنا حملنا ذريتهم) وقرىء ذرياتهم أي صبيانهم ونسائهم (في الفلك المشحون) المملوء .
(وخلقنا لهم من مثله) مثل الفلك (ما يركبون) من الإبل فإنها سفن البر أو من السفن الصغار والكبار المعمولة بتعليمنا .
(وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ) مغيث (لهم ولا هم ينقذون) من الغرق .
(إلا رحمة منا ومتاعا) أي لا نخلصهم إلا لرحمتنا لهم وتمتيعنا إياهم (إلى حين) آجالهم .
(وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم) وقائع الأمم الماضية وأمر الساعة أو ما تقدم من ذنوبكم وما تأخر أو عذاب الدنيا وعذاب الآخرة أو عكسه (لعلكم ترحمون) لتكونوا راجين رحمة الله وجواب إذا أعرضوا بدلالة .
(وما تأتيهم من ءاية من ءايات ربهم إلا كانوا عنها معرضين) لا يتفكرون فيها .
(وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله) من ماله على خلقه (قال الذين كفروا) مشركو قريش وقد استطعمهم فقراء المؤمنين أو منكرو الصانع (للذين ءامنوا) استهزاء بهم (أنطعم من لو يشاء الله أطعمه) في زعمكم (إن أنتم إلا في ضلال مبين) إذ أمرتمونا بما ينافي معتقدكم .
(ويقولون متى هذا الوعد) بالبعث (إن كنتم صادقين) فيه فأجابهم تعالى .
(ما ينظرون) ينتظرون (إلا صيحة واحدة) وهي النفخة الأولى.

(تأخذهم وهم يخصمون) يختصمون في أمورهم ومعاملاتهم في غفلة عنها .
(فلا يستطيعون توصية) بشيء (ولا إلى أهلهم يرجعون) من أسواقهم بل يموتون حيث تأخذهم .
(ونفخ في الصور) نفخة ثانية للبعث (فإذا هم من الأجداث) القبور (إلى ربهم ينسلون) يسرعون .
(قالوا) أي الكفار منهم (يا ويلنا) هلاكنا (من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون).
(إن) ما (كانت إلا صيحة واحدة) قيل يدل على أنها نفخة ثالثة (فإذا هم جميع لدينا محضرون) في موقف الحساب ويقال لهم حينئذ .
(فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون) إلا جزاءه .
(إن أصحاب الجنة اليوم في شغل) سرور وملاذ (فاكهون) أي ناعمون .
(هم وأزواجهم في ظلال) لا تصيبهم الشمس جمع ظل أو ظلة (على الأرائك) السرر في الحجال (متكئون).
(لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون) لأنفسهم افتعال من الدعاء أو يتداعونه أو يتمنونه .
(سلام) بدل من ما أو خبر محذوف أو مبتدأ حذف خبره أي ولهم سلام (قولا) يقال لهم (من رب رحيم).
(وامتازوا اليوم أيها المجرمون) انفردوا عن المؤمنين وذلك عند اختلاطهم بهم في المحشر أو اعتزلوا عن كل خير أو تفرقوا في النار .
(ألم أعهد إليكم يا بني آدم) آمركم على ألسنة رسلي (أن لا تعبدوا الشيطان) لا تطيعوه (إنه لكم عدو مبين).
(وأن اعبدوني) وحدي (هذا) أي ما عهدت إليكم أو عبادتي وحدي (صراط مستقيم) نكر تعظيما .
(ولقد أضل منكم جبلا) أي خلقا (كثيرا أفلم تكونوا تعقلون) عداوته وإضلاله .
(هذه جهنم التي كنتم توعدون).
(اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون) بسبب كفركم .
(اليوم نختم على أفواههم) نمنعها النطق (وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) بإنطاق الله إياها .
(ولو نشاء لطمسنا على أعينهم) لأعميناهم طمسا (فاستبقوا الصراط) أي الطريق المعتاد لهم (فأنى) فكيف (يبصرون) أي لا يبصرون .
(ولو نشاء لمسخناهم) قردة وخنازير أو حجارة (على

مكانتهم) مكانهم لا يبرحونه (فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون) لا يقدرون على ذهاب ولا مجيء .
(ومن نعمره) نطل عمره (ننكسه) نقلبه من النكس وشدد من التنكيس (في الخلق) بانتقاض بنيته وضعف قوته (أفلا يعقلون) أن من قدر على ذلك قادر على البعث .
(وما علمناه) أي النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) (الشعر) بتعليم القرآن المباين له لفظا ومعنا رد لقولهم إنه شاعر (وما ينبغي) يتأتى (له إن هو إلا ذكر) عظة (وقرآن مبين) للأحكام والدلائل .
(لينذر) القرآن أو النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) (من كان حيا) متعقلا لا غافلا كالميت أو مؤمنا فإنه المنتفع بالإنذار (ويحق القول) بالعذاب (على الكافرين) قوبل بهم الحي لأنهم في عداد الموتى .
(أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا) استعير عمل الأيدي للتفرد بالعمل (أنعاما) إبلا وبقرا وغنما (فهم لها مالكون) متملكون أو ضابطون قاهرون .
(وذللناها) سخرناها لهم (فمنها ركوبهم ومنها يأكلون) اللحم والجبن .
(ولهم فيها منافع) كالجلود وما نبت عليها (ومشارب) من لبنها (أفلا يشكرون) الله المنعم بذلك .
(واتخذوا من دون الله ءالهة) فوضعوا الشرك مكان الشكر (لعلهم ينصرون) رجاء أن يعضدوهم أو يمنعوهم من العذاب .
(لا يستطيعون نصرهم وهم لهم) لآلهتهم (جند محضرون) معدون لحفظهم وخدمتهم أو محضرون معهم في النار .
(فلا يحزنك قولهم) الباطل في الله أو فيك (إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون) فنجازيهم به .
(أولم ير الإنسان) يعلم المنكر للبعث (أنا خلقناه من نطفة) ثم نقلناه حالا فحالا حتى أكملنا عقله (فإذا هو خصيم مبين) ومن قدر على ذلك كيف لا يقدر على الإعادة .
(وضرب لنا مثلا) أمرا عجيبا وهو نفي قدرته تعالى على إحياء الموتى (ونسي خلقه) من النطفة (قال من يحيي العظام وهي رميم) بالية .
(قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) فإنه على إعادتها أقدر (وهو بكل خلق) مخلوق (عليم) فيعلم تفاصيله وأجزاءه المتفرقة في البقاع والسبأع وغيرها فيجمع الأجزاء الأصلية للآكل والمأكول .
(الذي جعل لكم من الشجر الأخضر) المرخ والعفار أو كل شجر إلا العناب (نارا) يحك بعضه ببعض غصنين رطبين فتنقدح النار (فإذا أنتم منه توقدون) متى شئتم فمن قدر أن يودع النار في جسم رطب يقطر منه الماء المضاد لها فتستخرج منه عند الحاجة قادر على البعث .
(أوليس الذي خلق السموات والأرض) مع عظمهما (بقادر على أن يخلق مثلهم) في الصغر أي يعيدهم (بلى وهو الخلاق العليم) بكل شيء .
(إنما أمره) شأنه (إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون).
(فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء) بقدرته عليه (وإليه ترجعون) في الآخرة فيجازي كلا بعمله.




سورة الصافات

(37) سورة الصافات مائة وإحدى أو اثنتان وثمانون آية (181 - 182) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(والصافات صفا) قسم بالملائكة الصافين تعبدا أو بنفوس الصافين في الصلاة أو في الدعاء إلى الله.
(فالزاجرات زجرا) للسحاب يسوقونه أو الناس عن المعاصي بالإلهام.
(فالتاليات ذكرا) لكتب الله أو القرآن أو آلائه وأحكامه.
(إن إلهكم لواحد) جواب القسم.
(رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق) للشمس لها كل يوم مشرق أو لكل النيرات ولم يذكر المغارب لدلالتها عليها.
(إنا زينا السماء الدنيا) القريبة منكم (بزينة الكواكب) بضوئها أو بها والإضافة بيانية.
(وحفظا) برمي الشهب (من كل شيطان مارد) خبيث.
(لا يسمعون إلى الملأ الأعلى) الملائكة (ويقذفون) بالشهب (من كل جانب) من جوانب السماء.
(دحورا) طردا (ولهم) في الآخرة (عذاب واصب) دائم.
(إلا من خطف الخطفة) من كلام الملائكة (فأتبعه شهاب) هو ما يرى ككوكب انقض (ثاقب) مضيء كأنه يثقب الجو بضوئه.
(فاستفتهم) سل قومك محاجة (أهم أشد خلقا أم من خلقنا) من الملائكة والسموات والأرض وما فيهما أو قبلهم من الأمم (إنا خلقناهم من طين لازب) ملتصق.
(بل عجبت) من إنكارهم (ويسخرون) من تعجبك.
(وإذا ذكروا) وعظوا بشيء (لا يذكرون) لا يتعظون.
(وإذا رأوا آية) كانشقاق القمر وغيره (يستسخرون) يستهزءون بها.
(وقالوا) فيها (إن هذا إلا سحر مبين) بين.
(أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون) بالغوا في إنكار البعث بتبديل الفعلية وهي أنبعث أإذا متنا بالاسمية وتقديم إذا وتكرير الهمزة.
(أوآباؤنا الأولون) عطف على محل اسم إن أو ضمير مبعوثون.
(قل نعم) مبعوثون (وأنتم داخرون) صاغرون.
(فإنما هي زجرة) البعثة صيحة (واحدة فإذا هم ينظرون) أحياء أو ينتظرون ما يفعل بهم.
(وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين) والجزاء.
(هذا يوم الفصل) الحكم (الذي كنتم به تكذبون) ويقول تعالى للملائكة.
(احشروا الذين
ظلموا وأزواجهم) أشياعهم عابد الوثن مع عبدته وعابد النجم مع عبدته أو قرناؤهم من الشياطين أو نساؤهم اللاتي على دينهم (وما كانوا يعبدون من دون الله) من الأوثان (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) سوقوهم إلى طريقها.
(وقفوهم) حبسوهم قبل دخولها (إنهم مسئولون) عن عقائدهم وأعمالهم، وروي عن ولاية علي (عليه السلام).
(ما لكم لا تناصرون) لا ينصر بعضكم بعضا.
(بل هم اليوم مستسلمون) منقادون أو متسالمون أسلم بعضهم بعضا وخذله.
(وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) يتلاومون.
(قالوا) أي الأتباع للمتبوعين (إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين) عن جهة النصيحة والنفع فتبعناكم أو عن القوة والغلبة.
(قالوا) أي المتبوعين (بل لم تكونوا مؤمنين) ما أضللناكم وإنما كنتم ضالين مثلنا.
(وما كان علينا لكم من سلطان) تسلط فنجبركم على الكفر (بل كنتم قوما طاغين) مختارين للطغيان.
(فحق علينا) جميعا (قول ربنا) وعيده كآية لأملأن جهنم أو هو (إنا لذائقون) العذاب.
(فأغويناكم) فدعوناكم إلى الغي (إنا كنا غاوين) فأجبنا أن تكونوا مثلنا.
(فإنهم) جميعا (يومئذ في العذاب مشتركون) لاشتراكهم في الغي.
(إنا كذلك) الفعل (نفعل بالمجرمين) بالمشركين لقوله.
(إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) عن قبوله.
(ويقولون أإنا لتاركوا ءالهتنا لشاعر مجنون) لقول محمد.
(بل جاء بالحق) الثابت بالبرهان (وصدق المرسلين) به بمطابقته لهم فيه.
(إنكم لذائقوا العذاب الأليم) التفات إلى الخطاب.
(وما تجزون إلا ما كنتم تعملون) إلا جزاءه.
(إلا عباد الله المخلصين) استثناء منقطع وما بعد إلا في معنى مبتدأ خبره.
(أولئك لهم رزق معلوم) وقته أو صفته أو لخدامهم يأتونهم به قبل أن يسألوهم إياه.
(فواكه وهم مكرمون) فإنهم لا يشتهون شيئا في الجنة إلا أكرموا به.
(في جنات النعيم على سرر متقابلين يطاف عليهم).
(بكأس من معين) من خمر طاهرة جارية.
(بيضاء لذة) لذيذة (للشاربين).
(لا فيها غول) فساد كما في خمر الدنيا (ولا هم عنها ينزفون) يسكرون.
(وعندهم قاصرات الطرف) قصر طرفهن على أزواجهن (عين) واسعات العيون.
(كأنهن) في الصفاء (بيض مكنون) بيض النعام المصون من الغبار.
(فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) عن المعارف وما جرى بينهم في الدنيا.

(قال قائل منهم إن كان لي قرين) جليس في الدنيا.
(يقول) توبيخا (أإنك لمن المصدقين) بالبعث.
(أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمدينون) مجزيون.
(قال) ذلك القائل لجلسائه (هل أنتم مطلعون) إلى النار فأريكم ذلك القرين.
(فاطلع) عليه (فرءاه) أي قرينه (في سواء الجحيم) في وسطه.
(قال تالله إن كدت لتردين) لتهلكني بإغوائك وإن مخففة واللام فارقة.
(ولو لا نعمة ربي) باللطف والعصمة (لكنت من المحضرين) معك فيها.
(أفما نحن بميتين) أي أنحن مخلدون فما من شأننا الموت.
(إلا موتتنا الأولى) التي في الدنيا (وما نحن بمعذبين) على الكفر.
(إن هذا لهو الفوز العظيم) من قوله أو قول الله تصديقا له.
(لمثل هذا فليعمل العاملون) يدل على جواز العبادة لنيل الثواب والخلاص عن العقاب.
(أذلك) المذكور (خير نزلا) تمييز وهو ما يعد للنازل من ضيف وغيره (أم شجرة الزقوم) نزل أهل النار وهي شجرة مرة منتنة بتهامة وقيل لا وجود لها في الدنيا.
(إنا جعلناها فتنة للظالمين) اختبارا لهم في الدنيا فإنهم حين سمعوا أنها في النار قالوا النار تحرق الشجر فكيف ينبته جهلا بقدرة الله أو عذابا لهم في الآخرة.
(إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم) في قعر جهنم وفروعها ترفع إلى دركاتها.
(طلعها) حملها (كأنه رءوس الشياطين) في القبح شبه بمنجل أو بحيات لها أعراف أو رءوس قباح تسمى شياطين.
(فإنهم لآكلون منها) من طلعها (فمالئون منها البطون) لشدة جوعهم أو جبرهم على أكلها.
(ثم إن لهم عليها) بعد الأكل إذا عطشوا (لشوبا من حميم) لشراب من غساق أو صديد مشوبا بماء حميم.
(ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم) يشعر بخروج الحميم عنها وأنهم يوردونه ثم يردون إليها.
(إنهم ألفوا ءاباءهم ضالين).
(فهم على ءاثارهم يهرعون) يسرعون.
(ولقد ضل قبلهم) قبل قومك (أكثر الأولين).
(ولقد أرسلنا فيهم منذرين) رسلا مخوفين.
(فانظر كيف عاقبة المنذرين) من المهالك والعذاب.
(إلا عباد الله المخلصين) دينهم لله.
(ولقد نادانا نوح) بربي انصرني ونحوه (فلنعم المجيبون) له نحن.
(ونجيناه وأهله من الكرب العظيم) الغرق أو أذى قومه.
(وجعلنا ذريته هم الباقين) فالناس كلهم من بنيه الثلاثة إذ مات من عداهم وأزواجهم من أهل السفينة.
(وتركنا) أبقينا (عليه في الآخرين) من الأمم.
(سلام على نوح) من الله أو ثناء (في العالمين) ثابت فيهم يسلمون عليه إلى يوم القيامة.
(إنا كذلك) الجزاء (نجزي المحسنين) أي استحق هذا الجزاء بإحسانه.

(إنه من عبادنا المؤمنين).
(ثم أغرقنا الآخرين) كفار قومه.
(وإن من شيعته) ممن شايعه في الإيمان وأصول الشريعة (لإبراهيم) وكان بينهما ألفان وستمائة وأربعون سنة وكان بينهما هود وصالح.
(إذ جاء ربه بقلب سليم) من الشك والشرك، خالص لله.
(إذ قال لأبيه وقومه) بدل من الأول أو ظرف لجاء أو سليم (ما ذا) ما الذي أو أي شيء (تعبدون) إنكار.
(أإفكا آلهة دون الله تريدون) إفكا مفعول له أو حال أي آفكين وآلهة مفعول به لتريدون.
(فما ظنكم برب العالمين) حتى عبدتم غيره وأمنتم عقوبته.
(فنظر نظرة في النجوم) في أجرامها لعلامة يستدل بها أو إيهاما لهم أنه يعتمدها فإنهم كانوا منجمين.
(فقال إني سقيم) أي سأسقم لأمارة منها أو سقيم القلب لكفركم أو سأموت مثل إنك ميت.
(فتولوا عنه مدبرين) هاربين خوفا من العدوى.
(فراغ) مال في خفية (إلى ءالهتهم) وكان عندها طعام زعموها تأكل أو تبارك فيه (فقال) لها استهزاء (ألا تأكلون) منه.
(ما لكم لا تنطقون) بجواب.
(فراغ عليهم ضربا باليمين) باليد اليمنى لأنها أقوى أو بالقوة.
(فأقبلوا إليه يزفون) يسرعون.
(قال) توبيخا لهم: (أتعبدون ما تنحتون) من الحجارة وغيرها أصناما.
(والله خلقكم وما تعملون) أي جوهره.
(قالوا ابنوا له بنيانا) واملئوه حطبا وأضرموه بالنار (فألقوه في الجحيم) في النار العظيمة.
(فأرادوا به كيدا) تدبيرا في إهلاكه حين ألزمهم الحجة (فجعلناهم الأسفلين) المقهورين.
(وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين) إلى ما فيه صلاحي في الدارين قال (رب هب لي) ولدا (من الصالحين).
(فبشرناه بغلام حليم) يكون حليما وأي حليم حيث عرض عليه الذبح فقبل.
(فلما بلغ معه السعي) أي يسعى معه في أموره (قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) من الرأي شاوره في أمر حتم ليوطن نفسه عليه فيهون (قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) على بلاء الله.
(فلما أسلما) استسلما لأمر الله أو سلم الأب ابنه والابن نفسه (وتله للجبين) صرعه عليه وهو أحد جانبي الجبهة وقيل كبه على وجهه باستدعائه كيلا يراه فيرق له.
(وناديناه أن يا إبراهيم).
(قد صدقت الرؤيا) بما فعلت من مقدمات الذبح وقيل إنه أمر المدية على حلقه فلم تقطع (إنا كذلك نجزي المحسنين) أي جزيناهما بذلك بإحسانهما.
(إن هذا) التكليف بالذبح (لهو البلاء المبين) الابتلاء البين.
(وفديناه بذبح عظيم) بكبش أملح سمين كان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة.
(وتركنا عليه في الآخرين).
(سلام على إبراهيم).

(كذلك نجزي المحسنين).
(إنه من عبادنا المؤمنين) فسر مثله:.
(وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين).
(وباركنا عليه وعلى إسحق) أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا ومن ذلك جعل الأنبياء من نسلهما (ومن ذريتهما محسن) بالإيمان والطاعة (وظالم لنفسه) بالكفر (مبين) بين الظلم.
(ولقد مننا على موسى وهرون) بالنبوة وغيرها.
(ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم) تسلط فرعون أو الغرق.
(ونصرناهم فكانوا هم الغالبين) على فرعون وقومه.
(وءاتيناهما الكتاب المستبين) البين وهو التوراة.
(وهديناهما الصراط المستقيم) الطريق الموصل إلى الحق.
(وتركنا عليهما في الآخرين).
(سلام على موسى وهرون).
(إنا كذلك نجزي المحسنين).
(إنَّهما من عبادنا المؤمنين) فسر مثله:.
(وإن إلياس لمن المرسلين) هو من ولد هرون أخي موسى وقيل هو إدريس.
(إذ قال لقومه ألا تتقون) الله.
(أتدعون) تعبدون (بعلا) اسم صنم من ذهب (وتذرون) تتركون (أحسن الخالقين).
(الله ربكم ورب ءابائكم الأولين) وقرىء بنصب الثلاثة بدلا.
(فكذبوه فإنهم لمحضرون) في العذاب.
(إلا عباد الله المخلصين) منقطع أو استثناء من فكذبوه.
(وتركنا عليه في الآخرين).
(سلام على إلياسين) لغة في إلياس أو جمع له يراد هو ومن تبعه وقرىء ءال ياسين أي آل محمد وهو مروي.
(إنا كذلك نجزي المحسنين) (إنه من عبادنا المؤمنين) (وإن لوطا لمن المرسلين) (إذ نجيناه وأهله أجمعين) (إلا عجوزا في الغابرين)(ثم دمرنا الآخرين) فسر سابقا.
(وإنكم) يا قريش (لتمرون عليهم) في منازلهم في أسفاركم إلى الشام (مصبحين) داخلين في الصباح.
(وبالليل) أي نهارا وليلا (أفلا تعقلون) ما أصابهم تعتبرون.
(وإن يونس لمن المرسلين).
(إذ أبق) هرب (إلى الفلك المشحون) المملوء فركبه فقيل: فيها عبد آبق تظهره القرعة.
(فساهم) فقارع.

(فكان من المدحضين) المغلوبين بالقرعة فقال: أنا الآبق ورمى بنفسه في البحر.
(فالتقمه الحوت) ابتلعه (وهو مليم) آت بما يلام عليه من ترك الأولى بذهابه بلا إذن من ربه.
(فلو لا أنه كان من المسبحين) المصلين أو الذاكرين أو في بطن الحوت يقول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
(للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) ميتا ويحشر منه أو حيا.
(فنبذناه) ألقيناه من بطنه (بالعراء) المكان الخالي من نبت يستره من يومه أو بعد ثلاثة أيام أو أكثر (وهو سقيم) كفرخ لا ريش عليه.
(وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) القرع فغطته بأوراقها.
(وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) أريد وصفهم بالكثرة في رأي الرائي أي إذا رآهم قال: هم مائة ألف أو أكثر، وروي يزيدون ثلاثين ألفا.
(فآمنوا فمتعناهم إلى حين) إلى آجالهم.
(فاستفتهم) سل قومك توبيخا (ألربك البنات) إذ قالوا: الملائكة بنات الله (ولهم البنون) تلك إذا قسمة ضيزى.
(أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون) خلقنا إياهم فيؤنثونهم.
(ألا إنهم من إفكهم ليقولون)(ولد الله) بقولهم: الملائكة بناته (وإنهم لكاذبون) في قولهم.
(أصطفى) بهمزة الاستفهام الإنكاري وحذف همزة الوصل تخفيفا (البنات على البنين).
(ما لكم كيف تحكمون) بما لا يقبله عقل ولا عاقل.
(أفلا تذكرون) تنزهه عن ذلك.
(أم لكم سلطان مبين) حجة بينة على ما تقولون.
(فأتوا بكتابكم) المتضمن لحجتكم (إن كنتم صادقين) في قولكم.
(وجعلوا بينه وبين الجنة نسبأ) أي الملائكة لاجتنانهم عن العيون وقيل: قالوا إن الله صاهر الجن فحدث الملائكة (ولقد علمت الجنة إنهم) أي الكفرة خاصة أو مع الجنة (لمحضرون) في العذاب.
(سبحان الله عما يصفون) بقولهم.
(إلا عباد الله المخلصين) منقطع من تصفون أو محضرون أو متصل منه إن عم ضمير هم وما بينهما اعتراض.
(فإنكم) أيها الكفرة خاصة أو مع الجنة (وما تعبدون) من الأصنام.
(ما أنتم عليه) على الله (بفاتنين) بمغوين أحدا.
(إلا من هو صال الجحيم) إلا من سبق في علمه أن يصلى النار بسوء اختياره.
(وما منا) أحد: هو قول الملائكة (إلا له مقام معلوم) من الطاعة لا يتجاوزه.
(وإنا لنحن الصافون) في العبادة والطاعة.
(وإنا لنحن المسبحون) المنزهون الله عن السوء، وقيل هو قول النبي أي ما منا معاشر المؤمنين إلا له مقام معلوم في الجنة وإنا لنحن الصافون في الصلاة المقدسون لله.
(وإن كانوا ليقولون) أي كفار مكة وإن مخففة واللام فارقة.
(لو أن عندنا ذكرا) كتابا (من الأولين) من كتبهم المنزلة عليهم.
(لكنا عباد الله المخلصين) العبادة.
(فكفروا به) بالذكر (فسوف يعلمون) عاقبة كفرهم.
(ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) أي وعدنا لهم ويفسره:

(إنهم لهم المنصورون)(وإن جندنا لهم الغالبون) عاجلا وآجلا.
(فتول) أعرض (عنهم حتى حين)(وأبصرهم) وما يحل بهم من العذاب (فسوف يبصرون) ما وعدناك به من النصر والثواب فقالوا متى هذا العذاب فنزل.
(أفبعذابنا يستعجلون).
(فإذا نزل بساحتهم) بفنائهم (فساء) فبئس (صباح المنذرين) صباحهم أي غارتهم بالعذاب إذ عادة العرب أن يغيروا صباحا.
(وتول عنهم حتى حين).
(وأبصر فسوف يبصرون) كرر تأكيدا لتسليته (صلى الله عليه وآله وسلّم) وتهديدهم، أو الأول لعذاب الدنيا والثاني لعذاب الآخرة.
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون) بنسبة الولد والشريك إليه.
(وسلام على المرسلين) المبلغين عن الله دينه.
(والحمد لله رب العالمين) على ما أنعم.


سورة ص

(38) سورة ص ست أو ثمان وثمانون آية (86 - 88) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(ص) روي أنه عين ينبع من تحت العرش يقال لها ماء الحياة وروي أنه اسم من أسماء الله أقسم به وقيل صدق محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (والقرآن ذي الذكر) الشرف أو العظة وجواب القسم محذوف أي إنه لمعجز أو إن محمدا لصادق.
(بل الذين كفروا في عزة) حمية وتكبر عن الحق (وشقاق) خلاف وعداوة للرسول.
(كم) أي كثير (أهلكنا من قبلهم من قرن) تهديد لهم (فنادوا ولات حين مناص) أي ليس الحين حين مفر.
(وعجبوا أن جاءهم منذر منهم) من جنسهم (وقال الكافرون) وضع موضع وقالوا تسجيلا (هذا ساحر) في إظهار الخوارق (كذاب) على الله.
(أجعل الآلهة إلها واحدا) بحصره الألوهية في واحد (إن هذا لشيء عجاب) مفرط في العجب.
(وانطلق الملأ) الأشراف (منهم) يقول بعضهم لبعض: (أن امشوا واصبروا على ءالهتكم) على عبادتها (إن هذا) الأمر (لشيء) من نوب الدهر (يراد) بنا فلا يدفع.
(ما سمعنا بهذا) الذي يقوله (في الملة الآخرة) ملة عيسى فإن آباءنا النصارى تثلث أو الذي أدركنا عليه آباءنا أو ما سمعنا بالتوحيد (إن هذا إلا اختلاق) كذب اختلقه.
(أأنزل عليه الذكر) القرآن (من بيننا) وليس بأعظم منا رئاسة وشرفا (بل هم في شك من ذكري) من القرآن لتركهم النظر (بل لما يذوقوا عذاب) أي لو ذاقوه لزال شكهم وصدقوا ولم ينفعهم حينئذ.
(أم) بل (عندهم خزائن
رحمة ربك) التي من جملتها النبوة (العزيز) الغالب (الوهاب) ما يشاء لمن يشاء فيخصون بها من شاءوا.
(أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما فليرتقوا) أي إن زعموا ذلك فليصعدوا (في الأسبأب) في المعارج الموصلة إلى السماء فيأتوا بالوحي إلى من اختاروا.
(جند ما) هم جند حقير فما مزيدة للتحقير (هنالك) يوم بدر أو الخندق أو الفتح (مهزوم) عما قريب (من الأحزاب) من جملة الكفار المتحزبين على الرسل وأنت غالبهم فلا تبال.
(كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد) ذوي الجموع الكثيرة المقوية لملكه كما يقوي الوتد الشيء أو ذو الملك الثابت وقيل كان نبذ أربعة أوتاد لمن يعذبه ويشد إليها يديه ورجليه.
(وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة) الغيضة وهم قوم شعيب (أولئك الأحزاب) المتحزبون على الرسل.
(إن كل) منهم (إلا كذب الرسل فحق عقاب) فوجب لذلك عقابي لهم.
(وما ينظر هؤلاء) أي قومك أو الأحزاب المذكورون (إلا صيحة) نفخة (واحدة ما لها من فواق) توقف مقدار فواق وهو ما بين الحلبتين أو رجوع لأن الواحدة تكفي أمرهم.
(وقالوا) مستهزئين (ربنا عجل لنا قطنا) قسطنا من العذاب الموعود أو الجنة (قبل يوم الحساب).
فقال تعالى (اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود) فقد ابتلي أيضا (ذا الأيد) القوة في العبادة يقوم نصف الليل ويصوم يوما ويفطر يوما (إنه أواب) رجاع إلى مرضاة الله.
(إنا سخرنا الجبال معه يسبحن) بتسبيحه (بالعشي والإشراق) الرواح والصباح.
(والطير محشورة) مجموعة عليه تسبح معه (كل) من الجبال والطير (له أواب) رجاع إلى طاعته والتسبيح معه.
(وشددنا ملكه) قويناه بإلهيته والجنود كان يحرس محرابه كل ليلة ثلاثون ألف رجل (وءاتيناه الحكمة) النبوة والإصابة في الأمور (وفصل الخطاب) الكلام البين الدال على المقصود بلا التباس أو القضاء بالبينة واليمين أو قيل أما بعد وهو أول من تكلم بها.
(وهل أتاك نبؤا الخصم) ألم يأتك وقد أتاك الآن فتنبه له (إذ تسوروا المحراب) صعدوا سور الغرفة.
(إذ دخلوا على داود ففزع منهم) لدخولهم عليه في يوم احتجابه بلا إذن من غير الباب (قالوا لا تخف خصمان) نحن فريقان متخاصمان (بغى) تعدى (بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط) تجر في الحكم (واهدنا إلى سواء الصراط) وسطه أي العدل.
(إن هذا أخي) في الدين أو الخلطة (له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة) وهو تمثيل أي له نساء كثير ولي امرأة واحدة (فقال أكفلنيها) وعسر اجعلني كافلها أي ملكنيها (وعزني في الخطاب) غلبني في الحجاج.
(قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء) الشركاء (ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين ءامنوا وعملوا

الصالحات وقليل ما هم) ما زائدة لتأكيد القلة (وظن داود أنما فتناه) اختبرناه بتلك الحكومة (فاستغفر ربه وخر راكعا) ساجدا (وأناب) ناب.
(فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى) لقربة قبل ذلك وبعده (وحسن مآب) في الجنة روي كانت خطيئته في رسم الحكم من المسارعة إلى قوله لقد ظلمك قبل أن يسأل البينة من المدعي ويقول للمدعى عليه: ما تقول.
(يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض) في إقامة الدين وتدبير أمر الناس (فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى) تهيج له أو من باب إياك أعني (فيضلك عن سبيل الله) وهو طريق الحق (إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) بسبب نسيانهم إياه وهو ضلالهم عن السبيل.
(وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا) لا لغرض أو عبثا (ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) أقيم الظاهر مقام المضمر للتصريح بكفرهم وإشارة إلى العلة.
(أم) بل (نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض) استفهام إنكار للتسوية بين الفريقين لتأكيد نفي خلقها باطلا وكذا (أم نجعل المتقين كالفجار) كرر الإنكار باعتبار وصفين آخرين يمتنع من الحكيم التسوية بينهما.
(كتاب) هذا كتاب (أنزلناه إليك مبارك ليدبروا ءاياته) ليتأملوها (وليتذكر أولوا الألباب) وليتعظ ذوو العقول فيؤمنوا.
(ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب) رجاع إلى الله في مرضاته.
(إذ عرض عليه بالعشي) بعد الظهر (الصافنات) الصافن من الخيل القائم على ثلاث وطرف الحافر الرابعة (الجياد) جمع جواد وهو السريع في الجري.
(فقال إني أحببت) أردت (حب الخير) أي الخيل سماها خيرا لأنه معقود بنواصيها كما في الخبر (عن ذكر ربي) عن أمري إياي بحبها وارتباطها أو عن الصلاة (حتى توارت) أي الشمس بدلالة العشي عليها (بالحجاب) بحجاب الأفق أي غربت أو حتى غابت الخيل عن بصره حين أجريت.
(ردوها) أي الشمس (علي) أيها الملائكة الموكلون بها فردت فصلى كما ردت ليوشع وعلي (عليهما السلام) (فطفق مسحا بالسوق والأعناق) جعل يمسح سوقها وأعناقها بيده حبابها وقيل مسحها بالسيف أي ذبحها وتصدق بلحمها وقيل وسم سوقها وأعناقها فجعلها في سبيل الله.
(ولقد فتنا سليمان) امتحناه (وألقينا على كرسيه جسدا) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن سليمان قال لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تلد كل واحدة فارسا يجاهد في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله فطاف عليهن فلم تحمل إلا واحدة بشق رجل ولو قال إن شاء الله لجاهدوا فرسانا (ثم أناب) رجع منقطعا إلى الله.
(قال) انقطاعا أو لخلاف الأولى (رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي) لا يكون (لأحد من بعدي) أي غيري وروي لا ينبغي لأحد من بعدي أن يقول إنه مأخوذ بالغلبة والجور (إنك أنت الوهاب).
(فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء) لينة أي في وقت وعاصفة في آخر أو مطيعة (حيث أصاب) أراد.
(والشياطين) عطف على الريح (كل بناء) أبنية (وغواص) في البحر يستخرج اللؤلؤ.

(و آخرين مقرنين) بعضهم على بعض (في الأصفاد) جمع صفد وهو القيد والوثاق.
(هذا عطاؤنا) أي قلنا له هذا الذي أعطيناك من الملك والتسليط (فامنن أو أمسك) أعط من شئت وامنع من شئت (بغير حساب) ولا حرج عليك.
(وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) في الجنة مع ما له من الملك في الدنيا.
(واذكر عبدنا أيوب) من ولد عيص بن إسحق وزوجه ليا بنت يعقوب أو رحمة بنت إفرائيم بن يوسف (إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب) بتعب (وعذاب) ألم.
(اركض) أي قيل له اضرب (برجلك) الأرض فضربها فنبعت عين فقيل (هذا مغتسل) ما تغتسل به (بارد وشراب) تشرب منه فاغتسل واشرب فبرأ ظاهره وباطنه.
(ووهبنا له أهله ومثلهم معهم) بأن ولد له ضعف ما هلك أو أحياهم ولد له مثلهم (رحمة منا وذكرى) عظة (لأولي الألباب) ليصبروا كما صبر.
(وخذ بيدك ضغثا) حزمة من حشيش ونحوه (فاضرب به) زوجتك ضربة واحدة وكان قد حلف أن يضربها مائة جلدة لإبطائها عليه أو لقول أنكره (ولا تحنث) بترك ضربها حلل الله يمينه بذلك (إنا وجدناه صابرا) على البلاء (نعم العبد) أيوب (إنه أواب) إلى الله بالانقطاع إليه.
(واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولي الأيدي) القوة في الطاعة (والأبصار) البصيرة في الدين أو أولو العلم والعمل لأن أكثر الأعمال باليد وأقوى مبادىء المعرفة البصر.
(إنا أخلصناهم بخالصة) جعلناهم خالصين لنا بسبب خصلة خالصة لا شوب فيها هي (ذكرى الدار) تذكرهم للدار الحقيقية وهي الآخرة والعمل لها.
(وإنهم عندنا لمن المصطفين) المختارين (الأخيار).
(واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل) عن الباقر (عليه السلام) أنه نبي مرسل سمي به لتكفله بصيام نهاره وقيام ليله والقول بالحق فوفى به (وكل) أي كلهم (من الأخيار هذا) المذكور من أحوالهم (ذكر) شرف لهم أو نوع من الذكر (وإن للمتقين لحسن مآب) مرجع في الآخرة.
(جنات عدن مفتحة لهم الأبواب) لا يقفون حتى تفتح.
(متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب) أي يتحكمون في ثمارها وشرابها فإذا قالوا لشيء منها أقبل حصل عندهم.
(وعندهم قاصرات الطرف) على أزواجهن (أتراب) جمع ترب وهو اللدة أي لدات أو قرينات لهم في السن.
(هذا) المذكور (ما توعدون ليوم الحساب) لأجله.
(إن هذا لرزقنا ما له من نفاد) انقطاع.
(هذا) أي الأمر هذا أو خذ هذا أو هذا للمؤمنين (وإن للطاغين لشر مآب).
(جهنم يصلونها) يدخلونها (فبئس المهاد) الفراش الممهد هي.
(هذا) أي العذاب هذا أو مفعول فعل يفسره (فليذوقوه) أو مبتدأ خبره (حميم) ماء شديد الحرارة (وغساق) ما يغسق أي يسيل من صديد أهل النار.
(وآخر) ومذوق آخر (من شكله) من مثل الحميم والغساق في الشدة (أزواج) أنواع.

(هذا فوج) جمع (مقتحم) داخل بشدة (معكم) النار فيقول القادة (لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار) داخلوها مثلنا.
(قالوا) أي الأتباع (بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم) أحق بما قلتم أنتم (قدمتموه) أي العذاب (لنا) بحملكم إيانا على العمل الذي هذا جزاؤه (فبئس القرار) المقر لنا ولكم جهنم.
(قالوا) أيضا (ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار) مضاعفا بأن تزيد على عذابه فيصير ضعفين.
(وقالوا) أي أهل النار (ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار) يعنون المؤمنين أو فقراءهم الذين يسترذلونهم وعن الصادق (عليه السلام) يعنونكم معشر الشيعة لا يرون والله واحدا منكم في النار.
(أتخذناهم سخريا) استفهام إنكار على أنفسهم (أم زاغت عنهم الأبصار) فلم نرهم.
(إن ذلك) المحكي عنهم (لحق) واجب الوقوع وهو (تخاصم أهل النار) بعضهم لبعض.
(قل إنما أنا منذر) مخوف بالعذاب (وما من إله إلا الله الواحد القهار) لكل شيء.
(رب السموات والأرض وما بينهما العزيز) الغالب على أمره (الغفار) لذنوب من يشاء.
(قل هو) ما أنبئتم به من التوحيد والنبوة والبعث أو القرآن (نبأ عظيم).
(أنتم عنه معرضون) لا تنظرون في حججه.
(ما كان لي من علم بالملأ الأعلى) أي الملائكة (إذ يختصمون) يتقاولون فإنبائي بتقاولهم لا يكون إلا عن وحي وشبه بالتخاصم لأنه سؤال وجواب وإذ ظرف ل علم.
(إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين).
(إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين).
(فإذا سويته) عدلته (ونفخت فيه من روحي فقعوا له) تكرمة (ساجدين) لله.
(فسجد الملائكة كلهم أجمعون) تأكيدان.
(إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين) فسر في البقرة.
(قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) بنفسي بلا توسط سبب والتنبيه تشعر بمزيد العناية بخلقه (أستكبرت) طلبت الكبر من غير استحقاق (أم كنت من العالين) المستحقين للتفوق.
(قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) فسر في الأعراف.
(قال فاخرج منها فإنك رجيم)(وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين)(قال رب فأنظرني

إلى يوم يبعثون)(قال فإنك من المنظرين)(إلى يوم الوقت المعلوم) فسر في الحجر.
(قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين).
(إلا عبادك منهم المخلصين) الذين أخلصتهم لطاعتك أو أخلصوا دينهم لك.
(قال فالحق) أي أحق الحق (والحق) مفعول (أقول) أو الأول بنزع حرف القسم ويراد به اسم الله وقرىء بالرفع مبتدأ أي الحق قسمي أو خبر أي أنا الحق وجواب القسم.
(لأملأن جهنم منك) من جنسك وهم الشياطين (وممن تبعك منهم) من الناس (أجمعين) تأكيد للجنسين.
(قل ما أسألكم عليه من أجر) على تبليغ الوحي والقرآن (وما أنا من المتكلفين) المنتحلين لما لا حجة عليه من النبوة والقرآن.
(إن هو إلا ذكر) عظة (للعالمين) للثقلين.
(ولتعلمن نبأه) خبر صدقه (بعد حين) بعد الموت أو يوم القيامة.


سورة الزمر

(39) سورة الزمر اثنتان أو خمس وسبعون آية (72 - 75) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(تنزيل الكتاب) القرآن مبتدأ خبره (من الله العزيز) في سلطانه (الحكيم) في تدبيره.
(إنا أنزلنا إليك الكتاب) متلبسا (بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين) من الشرك وأغراض الدنيا.
(ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء) كعيسى والأصنام قائلين (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) قربى (إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون) من أمر الدين فيثيب المحق ويعاقب المبطل والضمير للكفرة وأضدادهم (إن الله لا يهدي من هو كاذب) بنسبة الشريك والولد إليه (كفار) لنعمه بعبادة غيره.
(لو أراد الله أن يتخذ ولدا) كما زعموا (لاصطفى مما يخلق ما يشاء) لا ما شاء الناس ونسبوه إليه (سبحانه هو الواحد القهار) ليس له في الأشياء شبه.
(خلق السموات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) يغشي كل منهما الآخر كأنما ألبسه ولف عليه أو يدخل كلا منهما على الآخر (و سخر الشمس والقمر
كل يجري لأجل مسمى) منتهى دوره أو يوم القيامة (ألا هو العزيز الغفار).
(خلقكم من نفس واحدة) فيه إتيان خلق آدم من غير أب وأم وتشعب الخلق الكثير منه لأن حواء منه كما قال (ثم جعل منها زوجها) من فضل طينته أو من ضلعه وهو آية ثالثة وثم لتفاوت ما بين الآيتين (وأنزل لكم) أنشأ بسبب ما أنزله من المطر أو قسم لأن قسمته كتبت في اللوح وتنزل من هناك (من الأنعام) الإبل والبقر والضأن والمعز (ثمانية أزواج) من كل زوجين ذكر وأنثى (يخلقكم في بطون أمهاتكم) أنتم وسائر الحيوان (خلقا من بعد خلق) نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ثم كسوتها لحما ثم حيوانا سويا (في ظلمات ثلاث) ظلمة البطن والرحم والمشيمة (ذلكم) الفاعل لهذه (الله ربكم) المالك لكم (له الملك) على الحقيقة (لا إله إلا هو فأنى) فكيف (تصرفون) عن توحيده إلى الإشراك به.
(إن تكفروا فإن الله غني عنكم) عن إيمانكم (ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم) الهاء لمصدر تشكروا (ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور) مر مثله مرارا.
(وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا) راجعا (إليه) لكشف ضره (ثم إذا خوله) أعطاه من الخول التعهد والافتخار (نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه) أي الضر الذي كان يدعو ربه إلى كشفه أو ربه الذي كان يدعو ربه إلى كشفه أو ربه الذي كان يتضرع إليه وما بمعنى من (من قبل وجعل لله أندادا) شركاء (ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا) مدة حياتك الزائلة (إنك من أصحاب النار) في الآخرة.
(أمن هو قانت) منقطعة أي بل أمن هو قانت كمن هو عاص (ءاناء الليل) ساعاته (ساجدا وقائما) جامعا بين الصفتين (يحذر الآخرة) أي عذابها (ويرجو رحمة ربه) فهو متقلب بين الخوف والرجاء (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) بالمواعظ والآيات وعن الصادق (عليه السلام) نحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون وشيعتنا أولوا الألباب.
(قل يا عباد الذين ءامنوا اتقوا ربكم) بأن تطيعوه (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) في الآخرة هي الجنة (وأرض الله واسعة) فمن لم يتمكن من الطاعة فليهاجر إلى حيث يتمكن منها (إنما يوفى الصابرون) على الطاعة والمحن (أجرهم بغير حساب) أي لا يحصر لكثرته أو لا يحاسبون.
(قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين) بتوحيده.
(وأمرت) بذلك (لأن) لأجل أن (أكون أول المسلمين) سابقهم في الدارين أو أول من أسلم من هذه الأمة.

(قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) لعظم أهواله.
(قل الله أعبد) أخصه بعبادتي (مخلصا له ديني) من الشرك.
(فاعبدوا ما شئتم من دونه) تهديد لهم (قل إن الخاسرين) في الحقيقة (الذين خسروا أنفسهم) بإدخالها النار (وأهليهم) لعدم انتفاعهم بهم سواء كانوا معهم أو في الجنة وقيل أهلوهم الحور المعدة لهم في الجنة لو آمنوا (يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين) تفظيع لحالهم.
(لهم من فوقهم ظلل) أطباق (من النار ومن تحتهم ظلل) أطباق منها هي ظلل الآخرين (ذلك) العذاب الذي (يخوف الله به عباده) ليجتنبوا ما يوجبه (يا عباد فاتقون) بحذف الياء فيهما.
(والذين اجتنبوا الطاغوت) الأوثان والشيطان (أن يعبدوها) بدل اشتمال منه (وأنابوا) أقبلوا بكليتهم (إلى الله لهم البشرى) عند الموت (فبشر عباد).
(الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) أولاه بالقبول وأرشده إلى الحق وهو عام أو أريد به الذين اجتنبوا وأنابوا أي هم الذين ضموا هذه الخصلة إلى تلك ولذا وضع الظاهر موضع ضمير هم (أولئك الذين هداهم الله) بلطف (وأولئك هم أولوا الألباب) العقول الصحيحة.
(أفمن حق عليه كلمة العذاب) وهو قوله لأملأن جهنم (أفأنت تنقذ من في النار) جواب الشرط وأقيم فيه الظاهر مقام الضمير وكررت الهمزة لتكرير الإنكار لإنقاذ من حق عليه العذاب لأنه كالواقع في النار.
(لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف) تنكيره للتعظيم (من فوقها غرف) أرفع من الأولى (مبنية) بناء المنازل التي على الأرض وسويت تسويتها (تجري من تحتها الأنهار وعد الله) وعدهم الله ذلك وعدا (لا يخلف الله الميعاد).
(ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء) هو المطر (فسلكه) فأدخله (ينابيع في الأرض) عيونا ومسالك ومجاري كالعروق في الأجساد (ثم يخرج به) بالماء (زرعا مختلفا ألوانه) بخضرة وحمرة وصفرة وبياض (ثم يهيج) ييبس (فتراه) بعد الخضرة (مصفرا ثم يجعله حطاما) مكسرا فتاتا (إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب) بقدرة صانعه وحكمته وزوال الحياة الدنيا الشبيهة به.
(أفمن شرح الله صدره) وسعه (للإسلام) ولقبول الحق (فهو على نور من ربه) أي على يقين وهداية والخبر محذوف أي كمن طبع على قلبه (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) من أجل ذكر الله لأنه إذا ذكر الله عندهم وقرىء عليهم القرآن ازدادت قسوتهم (أولئك في ضلال مبين) بين، نزلت الآية في علي (عليه السلام) وحمزة وأبي لهب وولده.
(الله نزل أحسن الحديث) أي القرآن (كتابا متشابها) يشبه بعضه بعضا في البلاغة وحسن النظم والإعجاز (مثاني) الثناء لأنه يثني على الله أو من التثنية لأنه يثنى فيه القصص والمواعظ أو تثنى تلاوته (تقشعر منه جلود الذين يخشون

ربهم) ترتعد خوفا من وعيده (ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) بالرحمة والبناء أمره عليها أطلق الذكر (ذلك) الكتاب (هدى الله يهدي به من يشاء) من المؤمنين لأنهم المنتفعون به (ومن يضلل الله) يخليه وسوء اختياره (فما له من هاد) عن ضلالة.
(أفمن يتقي بوجهه) بأن تغل يده إلى عنقه فلا يتقي عن نفسه إلا بوجهه (سوء العذاب) شدته (يوم القيامة) كمن أمن منه (وقيل للظالمين) والقائلون خزنة النار (ذوقوا ما كنتم تكسبون) أي وباله أو نفسه بناء على تجسم الأعمال.
(كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) من جهة لم تخطر ببالهم.
(فأذاقهم الله الخزي) الذل كالمسخ والقتل ونحوهما (في الحيوة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر) أعظم وأدوم (لو كانوا يعلمون) ذلك بالنظر لاتعظوا به.
(ولقد ضربنا للناس في هذا القرءان من كل مثل) يحاجون إليه في أمر دينهم (لعلهم يتذكرون) يتعظون.
(قرءانا عربيا غير ذي عوج) اختلاف وانحراف عن الحق (لعلهم يتقون) الكفر.
(ضرب الله مثلا) للمشرك والموحد (رجلا) مملوكا بدل من مثلا (فيه شركاء متشاكسون) متنازعون في استخدامه سيئو الأخلاق (ورجلا سلما) خالصا (لرجل) واحد لا شركة لغيره فيه وهو مثل الموحد (هل يستويان مثلا) أي لا يستويان إذ رضا واحد ممكن ورضا جماعة مختلفين ممتنع (الحمد لله) على إلزامهم الحجة (بل أكثرهم لا يعلمون) لزومها لهم.
(إنك ميت وإنهم ميتون) فلا شماتة بما يعم الكل.
(ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) تحتج عليهم بأنك قد بلغت وأنهم كذبوا ويعتذرون بما لا يجدي أو أريد تخاصم الناس فيما بينهم من المظالم.
(فمن) أي لا أحد (أظلم ممن كذب على الله) بنسبة الشريك والولد إليه (وكذب بالصدق) القرآن (إذ جاءه) بلا ترو فيه (أليس في جهنم مثوى) مقام (للكافرين).
(والذي جاء بالصدق) بالقرآن وهو محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (وصدق به) أي هو ومن تبعه لقوله (أولئك هم المتقون) أو أريد به الجنس ليشمل الرجل وأتباعهم.
(لهم ما يشاءون عند ربهم) في الجنة (ذلك جزاء المحسنين) على إحسانهم.
(ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا) أي سيئه (ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون) يعادل حسناتهم بأحسنها فيضاعف أجرها.
(أليس الله بكاف عبده) أي الرسول أو الجنس (ويخوفونك) أي الكفرة (بالذين من دونه) بالأصنام إذ قالوا نخاف أن تخبلك آلهتنا لسبك إياها (ومن يضلل الله) يخليه وضلاله (فما له من هاد) عن ضلاله.

(و من يهد الله) يلطف به لكونه أهل اللطف (فما له من مضل أليس الله بعزيز) غالب أمره (ذي انتقام) من أعدائه.
(ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) معترفين بذلك (قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله) أي الأصنام (إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله) كاشفا للضر ومصيبا بالرحمة (عليه يتوكل المتوكلون) به يثق الواثقون.
(قل يا قوم اعملوا على مكانتكم) حالكم وقرىء مكافاتكم (إني عامل) على حالي (فسوف تعلمون).
(من يأتيه عذاب يخزيه) وقد أخزاهم الله ببدر (ويحل عليه عذاب مقيم) دائم هو عذاب النار.
(إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس) لتضمنه مصالح دينهم ودنياهم (بالحق) متلبسا به (فمن اهتدى فلنفسه) لعود نفعه إليها (ومن ضل فإنما يضل عليها) لأن ضرره لا يتعداها (وما أنت عليهم بوكيل) فتجبرهم على الهدى.
(الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) يقبضها بقطع تعلقها عنها في الجملة لا بالكلية (فيمسك التي قضى عليها الموت) ولا يردها إلى البدن (ويرسل الأخرى) النائمة إلى بدنها فتستيقظ (إلى أجل مسمى) هو وقت موتها (إن في ذلك) المذكور (لآيات) على قدرته وحكمته (لقوم يتفكرون) في هذا التدبير العجيب فيعلمون أن من تفرد به منزه عن الشريك قادر على البعث.
(أم اتخذوا) بل اتخذ المشركون (من دون الله) آلهة (شفعاء) عند الله (قل أولو) يشفعون ولو (كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون) كما ترونهم جمادات لا تقدر ولا تعقل.
(قل لله الشفاعة جميعا) أي هو مختص بها فلا يشفع أحد إلا بإذنه (له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون) يوم القيامة فلا ملك حينئذ إلا له.
(وإذا ذكر الله وحده) دون آلهتهم (اشمأزت) نفرت وانقبضت (قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه) أي الأصنام (إذا هم يستبشرون) تمتلىء قلوبهم سرورا حتى تنبسط بشرتهم.
(قل اللهم) بمعنى يا الله (فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك

فيما كانوا فيه يختلفون) في أمر الدين فاحكم بيني وبينهم.
(ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا) ظهر (لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) وعيد بليغ ونظيره في الوعد فلا تعلم نفس ما أخفي لهم.
(وبدا لهم سيئات ما كسبوا) في صحائفهم أو بدا جزاء سيئاتهم (وحاق بهم) وأحاط (ما كانوا به يستهزءون) أي العذاب.
(فإذا مس الإنسان) جنسه (ضر دعانا) ملتجأ عكس ما كان عليه من اشمئزازه من التوحيد واستبشاره بذكر الأصنام ولذا عطف بالفاء على وإذا ذكر الله وحده وما بينهما اعتراض (ثم إذا خولناه نعمة منا) أعطيناه إنعاما (قال إنما أوتيته على علم) من الله باستحقاقي له أو مني بوجوه جلبه (بل هي فتنة) اختبار له أيشكر أم يكفر (ولكن أكثرهم لا يعلمون) ذلك.
(قد قالها) أي تلك الكلمة أو المقالة (الذين من قبلهم) قارون وقومه لرضاهم بها (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) من المال.
(فأصابهم سيئات ما كسبوا) جزاءه سمي سيئة للمقابلة (والذين ظلموا من هؤلاء) أي قريش (سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين) بفائتين وقد أصابهم القحط سبع سنين والقتل ببدر.
(أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق) يوسعه (لمن يشاء ويقدر) ويضيقه (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) بأنه الباسط القابض.
(قل يا عبادي الذين أسرفوا) الذنوب والخيانات (على أنفسهم لا تقنطوا) لا تيأسوا (من رحمة الله) ومغفرته وفضله (إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) عن علي (عليه السلام) ما في القرآن آية أوسع منها قيل والآية بالغة في اتساع رحمته بوسم المؤمنين بذل العبودية وإضافتهم إليه الموجبين للترحم وقصر إسرافهم على أنفسهم ونهيهم عن القنوط المتضمن لتحقيق الرجاء وإضافة الرحمة إلى اسمه دون ضميره وتكريره في إن الله والتعليل لذلك مصدرا بأن مع تأكيد الذنوب بجميعها وتعليله بما يتضمن الوعد بالمغفرة والرحمة مؤكدا بأن والفصل وتعريف الخبر.
(وأنيبوا) ارجعوا (إلى ربكم) بالتوبة (وأسلموا) أخلصوا العمل (له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون) تمنعون منه.
(واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم) أي القرآن أو العزائم دون الرخص (من قبل أن يأتيكم العذاب وأنتم لا تشعرون) بإتيانه أي لأن أو كراهة.
(أن تقول نفس يا حسرتا) يا ندمتي احضري (على ما فرطت) قصرت (في جنب الله) في حقه أو طاعته أو أمره أو قربه، وعنهم (عليهم السلام) نحن جنب الله (وإن) مخففة أي إن (كنت لمن الساخرين) المستهزءين بالقرآن والرسول والمؤمنين.
(أو تقول لو أن الله هداني) أرشدني إليه دينه (لكنت من المتقين) معاصيه.

(أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة) رجعة إلى الدنيا (فأكون من المحسنين) بالإيمان والعمل.
(بلى قد جاءتك ءاياتي) لتهتدي بها (فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين).
(ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله) بنسبة الشريك والولد إليه (وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى) مقام (للمتكبرين) عن الإيمان، سئل الباقر (عليه السلام) عن الآية فقال كل منتحل إمامة ليس له من الله.
(وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم) بفلاحهم أو بنجاتهم (لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون).
(الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) حفيظ يدبره.
(له مقاليد السموات والأرض) مفاتيح خزائنها من المطر والنبات وجميع الخيرات (والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون).
(قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون).
(ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك) من الرسل (لئن أشركت) فرضا أو من باب إياك أعني (ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين).
(بل الله فاعبد) أي خص بالعبادة (وكن من الشاكرين) إنعامه عليك.
(وما قدروا الله حق قدره) ما عرفوه حق معرفته أو ما عظموه حق تعظيمه أو ما وصفوه إلا بحسب عقولهم لا بما هو أهله (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه) الغرض تصوير عظمته وإحاطة قدرته أي الأرضون السبع ملكه فقط والسموات مجموعات بقدرته وقوته (سبحانه وتعالى عما يشركون) معه من الشركاء.
(ونفخ في الصور) النفخة الأولى (فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله) تأخير موته كحملة العرش أو غيرهم (ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) يقلبون أبصارهم في الجوانب كالمبهوتين أو ينتظرون ما يفعل بهم.
(وأشرقت الأرض بنور ربها) بعدله المزين لها والمظهر للحقوق فيها (ووضع الكتاب) جنسه أي صحائف الأعمال في أيدي أهلها (وجيء بالنبيين والشهداء) الأمم وعليهم من الملائكة (وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون) شيئا.
(ووفيت كل نفس ما عملت) جزاءه (وهو أعلم بما يفعلون) فلا يحتاج إلى شاهد.

(و سيق الذين كفروا) بعنف (إلى جهنم زمرا) أفواجا متفرقة (حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها) توبيخا (ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم ءايات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) أي وجبت وهو قوله لأملأن جهنم وعدل إلى الظاهر للإشعار بسبب العذاب.
(قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين).
(وسيق الذين اتقوا ربهم) بلطف (إلى الجنة زمرا) بحسب مراتبهم في الرفعة (حتى إذا جاءوها و) قد (فتحت أبوابها) فالواو للحال بتقدير قد للإشعار بأن أبوابها تفتح لهم قبل مجيئهم تكرمة لهم لقوله جنات عدن مفتحة لهم الأبواب أو لأن رحمته سبقت غضبه فلا تفتح أبواب جهنم إلا عند دخول أهلها فيها (وقال لهم خزنتها سلام عليكم) بشارة بالسلامة من المكاره (طبتم) نفسا أو طهرتم من الذنوب (فادخلوها خالدين) وجواب إذا مقدر أي كان ما كان من الكرمات لهم.
(وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده) بالثواب (وأورثنا الأرض) أرض الجنة (نتبوأ) ننزل (من الجنة حيث نشاء) لأن لكل شخص جنة واسعة كثيرة المنازل الحسنة (فنعم أجر العاملين) الجنة.
(وترى الملائكة حافين) محدقين (من حول العرش يسبحون بحمد ربهم) أي متلبسين بحمده مستغرقين في ذكره التذاذا به (وقضي بينهم بالحق) بإدخال المتقين الجنة والكفرة النار (وقيل الحمد لله رب العالمين) والقائل الملائكة أو المؤمنون.


سورة غافر

(40) سورة المؤمن خمسة وثمانون آية (85) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(حم) روي معناه الحميد المجيد.
(تنزيل الكتاب من الله العزيز) في سلطانه (العليم) بكل شيء.
(غافر الذنب) للمؤمنين وهو للدوام فإضافته حقيقية فصح وصف المعرفة به وكذا (وقابل التوب) مصدر كالتوبة (شديد العقاب ذي الطول) الفضل والإنعام (لا إله إلا هو إليه المصير) المرجع للجزاء.
(ما يجادل في ءايات الله) القرآن ما يطعن فيه (إلا الذين كفروا) عنادا منهم وبطرا (فلا يغررك تقلبهم في البلاد) من الشام واليمن للتجارات سالمين مترفين فإنهم وإن أمهلوا مأخوذون كأمثالهم المذكورين في (كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب) المتحزبين على الرسل كعاد وثمود وغيرهم (من بعدهم) بعد قوم نوح (وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه) ليهلكوه (وجادلوا بالباطل ليدحضوا) ليزيلوا (به الحق فأخذتهم) بالتدمير عقوبة (فكيف كان عقاب) تقرير أي هو في موقعه.
(وكذلك حقت كلمت ربك) وعيده بالعذاب وقرىء كلمات (على الذين كفروا) بكفرهم (أنهم أصحاب النار) بدل من كلمة أو منصوب بنزع اللام.
(الذين يحملون العرش ومن حوله) من الكروبيين (يسبحون) خبر الذين متلبسين (بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين ءامنوا) قائلين (ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما) قدمت الرحمة لأنها الغرض الأصلي هنا (فاغفر للذين تابوا) عن الشرك (واتبعوا سبيلك) دينك الحق (وقهم عذاب الجحيم).
(ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم) إياها (ومن صلح من ءابائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم).
(وقهم السيئات) أي عقوباتها وتعم عذاب الجحيم وغيره أو المعاصي في الدنيا (ومن تق السيئات يومئذ) يوم القيامة أو في الدنيا (فقد رحمته) في الآخرة (وذلك هو الفوز العظيم) أي الرحمة.
(إن الذين كفروا ينادون) يوم القيامة وقد مقتوا أنفسهم حين رأوا وبال أعمالهم (لمقت الله) إياكم (أكبر من مقتكم أنفسكم) الأمارة (إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون) في الدنيا.
(قالوا ربنا أمتنا اثنتين) في الدنيا وفي الرجعة أو القبر أو خلقهم نطفا أمواتا ثم أماتهم (وأحييتنا اثنتين) في القبر والرجعة أو في القبر وحين البعث (فاعترفنا بذنوبنا) بإنكارنا البعث وما يتبعه (فهل إلى خروج) من النار (من سبيل) نسلكه وجوابهم: لا سبيل دل، عليه.
(ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم) بتوحيده (وإن يشرك به تؤمنوا) بالإشراك (فالحكم) في تعذيبكم (لله العلي) شأنه (الكبير) العظيم في كبريائه.
(هو الذي يريكم ءاياته) دلائل توحيده وقدرته (وينزل لكم

من السماء رزقا) بالمطر (وما يتذكر) ما يتعظ بالآيات (إلا من ينيب) يرجع إليه معرضا عن الشرك.
(فادعوا الله مخلصين له الدين) من الشرك (ولو كره الكافرون).
(رفيع الدرجات) ارتفعت درجات كماله وجلاله من أن يشرك به أو رافع درجات الأنبياء والأولياء في الجنة أو مقامات الملائكة (ذو العرش) خالقه المستولي عليه (يلقي الروح) الوحي (من أمره) من عالم أمره (على من يشاء من عباده) أن يخصه بالرسالة (لينذر) الملقى إليه (يوم التلاق) يوم القيامة لتلاقي الأرواح والأجساد فيه وأهل السماء والأرض والعمال وأعمالهم.
(يوم هم بارزون) من قبورهم أو بارزة سرائرهم (لا يخفى على الله منهم شيء) من أعمالهم وغيرها (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار).
(اليوم تجزى كل نفس بما كسبت) إن خيرا فخير وإن شرا فشر (لا ظلم اليوم) بنقص ثواب أو زيادة عقاب (إن الله سريع الحساب) لا يشغله شأن عن شأن.
(وأنذرهم يوم الآزفة) الدانية أي القيامة إذ كل ءات قريب (إذ القلوب لدى الحناجر) ترتفع وتلتصق بها من الخوف (كاظمين) ممتلئين غما (ما للظالمين من حميم) قريب محب (ولا شفيع يطاع) أي لا شفاعة ولا إجابة.
(يعلم خائنة الأعين) أي خيانتها أو النظرة إلى محرم (وما تخفي الصدور) تضمر القلوب.
(والله يقضي بالحق) لعلمه به وقدرته عليه وغناه عن الظلم (والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء) لأنها جمادات (إن الله هو السميع) لأقوالهم (البصير) بأفعالهم.
(أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم) من الأمم المكذبة لرسلهم (كانوا أشد منهم قوة) في أنفسهم (وءاثارا في الأرض) من أبنية عجيبة (فأخذهم الله) أهلكهم (بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق) عذابه.
(ذلك) الأخذ (بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات) بالمعجزات الواضحات (فكفروا فأخذهم الله إنه قوي) قادر على ما يريد (شديد العقاب) إذا عاقب.
(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا) المعجزات (وسلطان مبين) برهان بين.
(إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب) أي موسى وفيه تسلية للرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم).
(فلما جاءهم بالحق من عندنا

قالوا اقتلوا أبناء الذين ءامنوا معه واستحيوا نساءهم) كما كنتم تفعلون بهم أولا (وما كيد الكافرين إلا في ضلال) ضياع وعدل إلى الظاهر للتعميم والتعليل.
(وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه) قاله تجلدا وعدم مبالاة بدعائه (إني أخاف) إن لم أقتله (أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) ما يفسد دنياكم.
(وقال موسى لقومه) لما سمع كلامه (إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب) يعم فرعون وغيره وفيه رعاية لحقه إذ لم يسمه.
(وقال رجل مؤمن من آل فرعون) ابن خاله أو ابن عمه (يكتم إيمانه) تقية منهم (أتقتلون رجلا أن) لأن (يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات) المعجزات الواضحات (من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه) لا يتعداه ضرره فلا حاجة إلى قتله (وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم) أي لا أقل أن يصيبكم بعضه وفيه هلاككم أو عذاب الدنيا فإنه بعض ما يعدهم (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب).
(يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين) غالبين (في الأرض) أرض مصر (فمن ينصرنا من بأس الله) من عذابه إن قتلتموه (إن جاءنا) أدرج نفسه معهم للقرابة وإظهار المشاركة للنصح (قال فرعون ما أريكم) ما أشير عليكم (إلا ما أرى) بما أراه لنفسي من قتله (وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) الصواب.
(وقال الذي ءامن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب) مثل أيامهم أي وقائعهم.
(مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود) مثل جزاء عادتهم في الكفر من إهلاكهم (والذين من بعدهم) كقوم لوط (وما الله يريد ظلما للعباد) فضلا أن يظلمهم.
(ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد) يوم القيامة ينادي فيه بعضهم بعضا بالويل والثبور أو يتنادى أهل الجنة وأهل النار أو ينادى كل أناس بإمامهم.
(يوم تولون مدبرين) منصرفين عن الموقف إلى النار أو فارين عنها (ما لكم من الله) من عذابه (من عاصم) مانع (ومن يضلل الله) يخليه وما اختار من الضلال (فما له من هاد) عن ضلاله.
(ولقد جاءكم يوسف) أي جاء آباؤكم أو على أن فرعون موسى فرعونه أو يوسف بن إفرائيم بن يوسف (من قبل) قبل موسى (بالبينات) المعجزات (فما زلتم في شك مما جاءكم به) من الرسالة (حتى إذا هلك) مات.

(قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا) فضممتم إلى تكذيب رسالته تكذيب رسالة من بعده (كذلك) الإضلال (يضل الله من هو مسرف) بكفره (مرتاب) شاك فيما صدقته الآيات أي يخذله بسوء اختياره.
(الذين يجادلون في ءايات الله بغير سلطان) برهان (أتاهم كبر مقتا) تمييز (عند الله وعند الذين ءامنوا) قرنهم بنفسه تعظيما لشأنهم (كذلك) الطبع (يطبع الله) يختم (على كل قلب متكبر جبار) إسناده إليه تعالى كناية عن رسوخه في الكفر أو مجاز عن ترك قسره أو إسناده إلى السبب.
(وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا) بناء عليا ظاهرا (لعلي أبلغ الأسبأب) الطرق.
(أسبأب السموات فأطلع إلى إله موسى) قاله توهما أو إيهاما لقومه أنه لو وجد لكان في السماء فيصعد إليه (وإني لأظنه كاذبا) في ادعائه (وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل) سبيل الهدى (وما كيد فرعون إلا في تباب) خسار.
(وقال الذي ءامن) أي مؤمن آل فرعون (يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد) والهدى.
(يا قوم إنما هذه الحيوة الدنيا متاع) يزول (وإن الآخرة هي دار القرار) لدوامها.
(من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) رزقا لا يحصى لكثرته.
(ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار) فتقابلون النصح بالغش.
(تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم) مستند إلى حجة إذ ما لا حجة له باطل (وأنا أدعوكم إلى العزيز) الغالب على كل شيء (الغفار) لمن تاب عن الشرك.
(لا جرم) لا رد لكلامهم، وجرم بمعنى وجب وفاعله (أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا) لأنها جمادات (ولا في الآخرة) لأنها إذا أنطقها الله تبرأ من عبدتها أو ليس له استجابة دعوة (وأن مردنا) مرجعنا (إلى الله) فيجازي كلا بعمله (وأن المسرفين) بالشرك وسفك الدماء (هم أصحاب النار) ملازموها.
(فستذكرون) إذا عاينتم العذاب (ما أقول لكم) من النصح (وأفوض أمري إلى الله) ليقيني شركم (إن الله بصير بالعباد).

(فوقاه الله سيئات ما مكروا) من قصد قتله (وحاق) أحاط (بآل فرعون) قومه معه (سوء العذاب) الغرق أو النار.
(النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) أي دائما إلى القيامة أو في الوقتين وفيما بينهما بغيره أو فترة ويدل على عذاب القبر بشهادة (ويوم تقوم الساعة) أي هذا قبل قيامها فإذا قامت يقال لهم (أدخلوا ءال) يا آل (فرعون أشد العذاب) جهنم.
(وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا) جمع تابع كخدم لخادم (فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار) دافعون أو حاملون عنا نصيبا منها.
(قال الذين استكبروا إنا كل فيها) نحن وأنتم ولا نغني عن أنفسنا فكيف عنكم (إن الله قد حكم بين العباد) فيجازي كلا بما يستحقه.
(وقال الذين في النار لخزنة جهنم) وضع موضع لخزنتها تهويلا وبيانا لمكانهم منها (ادعوا ربكم يخفف عنا يوما) قدر يوم (من العذاب).
(قالوا) توبيخا وإلزاما (أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى) أتتنا فكذبناهم (قالوا) تهكما بهم (فادعوا) أنتم (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) ضياع.
(إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا) بالحجة والغلبة غالبا وإهلاك عدوهم (في الحيوة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) جمع شاهد وهم الملائكة والأنبياء والمؤمنون يشهدون للرسل بالتبليغ وعلى الكفار بالتكذيب.
(يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم) اعتذارهم ولو اعتذروا (ولهم اللعنة) البعد من الرحمة (ولهم سوء الدار) جهنم.
(ولقد ءاتينا موسى الهدى) المعجزات والتوراة الهادية إلى الدين (وأورثنا بني إسرائيل) من بعده (الكتاب) التوراة.
(هدى وذكرى) هاديا ومذكرا أو للهدى والتذكير (لأولي الألباب) العقول الواعية.
(فاصبر) على أذى قومك (إن وعد الله) بالنصر (حق) كائن فاعتبر بقصة موسى (واستغفر لذنبك) وإن لم تكن مذنبا انقطاعا إلى الله وليستن بك (وسبح) متلبسا (بحمد ربك بالعشي والإبكار) أي على الدوام أو صل العصر والصبح أو الصلاة الخمس.
(إن الذين يجادلون في ءايات الله بغير سلطان) برهان (أتاهم إن في صدورهم إلا كبر) تكبر عليك وحب للرئاسة (ما هم ببالغيه) ببالغي مرادهم (فاستعذ بالله) من شرهم (إنه هو السميع) لأقوالكم (البصير) بأحوالكم.
(لخلق السموات والأرض) ابتداء من غير أصل (أكبر) في النفوس (من خلق الناس)

ثانيا من أصل ومن قدر على الأشد قدر على الأهون (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ذلك لتركهم النظر.
(وما يستوي الأعمى والبصير) من لم ينظر ومن نظر (والذين ءامنوا وعملوا الصالحات) أي ولا يستوي المحسن (ولا المسيء قليلا ما تتذكرون) أي تذكرا قليلا تتذكرون.
(إن الساعة لآتية لا ريب فيها) في إتيانها (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) بها لتركهم النظر.
(وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) عاجلا وآجلا بما سألتم أو بما هو خير منه بحسب المصلحة إذا وقع الدعاء بشروطه (إن الذين يستكبرون عن عبادتي) دعائي (سيدخلون جهنم داخرين) صاغرين.
(الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه) لاستراحتكم (والنهار مبصرا) يبصر فيه (إن الله لذو فضل) عظيم (على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون) الله على فضله وتكرير الناس لتأكيد الحكم.
(ذلكم) المتوحد بنعوت الكمال والجلال (الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) تصرفون عن توحيده مع وضوح دليله.
(كذلك يؤفك) كما أفك هؤلاء أفك (الذين كانوا بآيات الله يجحدون) بغير حجة.
(الله الذي جعل لكم الأرض قرارا) مستقرا (والسماء بناء) سقفا (وصوركم فأحسن صوركم) بانتصابكم وتناسب أعضائكم (ورزقكم من الطيبات) الملاذ (ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين).
(هو الحي لا إله إلا هو) لا مثل له ولا ضد ولا ند (فادعوه) فاعبدوه (مخلصين له الدين) من الشرك والرياء قائلين (الحمد لله رب العالمين).
(قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي) من دلائل توحيده (وأمرت أن أسلم لرب العالمين) أخلص له وانقاد لأمره.
(هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة من علقة ثم يخرجكم طفلا) أطفالا وأفرد بقصد الجنس أو كل واحد (ثم) يبقيكم (لتبلغوا أشدكم) كمال قوتكم (ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى

من قبل) قبل الشيخوخة والأشد (ولتبلغوا) وفعل ذلك لتبلغوا (أجلا مسمى) هو وقت الموت أو القيامة (ولعلكم تعقلون) هذه العبر.
(هو الذي يحيي ويميت وإذا قضى أمرا) أراد تكوينه (فإنما يقول له كن فيكون) بمجرد إرادته.
(ألم تر إلى الذين يجادلون في ءايات الله أنى) كيف (يصرفون) عن الحق إلى الباطل.
(الذين كذبوا بالكتاب) بالقرآن أو الجنس (وبما أرسلنا به رسلنا) من الكتب والشرائع (فسوف يعلمون) وبال تكذيبهم.
(إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون) بها.
(في الحميم) الشديد الحر أو حر النار (ثم في النار يسجرون) يوقدون.
(ثم قيل لهم) توبيخا (أين ما كنتم تشركون).
(من دون الله قالوا ضلوا) غابوا (عنا) أو ضاعوا أو لم نجد منهم نفعا (بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا) يعتد به أو أنكروا عبادتهم إياهم (كذلك) الضلال (يضل الله الكافرين) في الآخرة عما ينفعهم بسبب كفرهم.
(ذلكم) العذاب (بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق) أي الشرك ونفي البعث (وبما كنتم تمرحون) تبطرون.
(ادخلوا أبواب جهنم) السبعة (خالدين) مقدرين الخلود (فيها فبئس مثوى المتكبرين) جهنم.
(فاصبر إن وعد الله) بالانتقام منهم (حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم) من القتل والأسر وجواب الشرط محذوف أي فذاك (أو نتوفينك) قبل ذلك (فإلينا يرجعون) فنجازيهم بأعمالهم.
(ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك) وعددهم على ما روي عنهم (عليهم السلام) مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي (وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله) ولا اختيار لهم في ذلك (فإذا جاء أمر الله) بالعذاب عاجلا أو آجلا (قضي بالحق) بين المحق والمبطل (وخسر هنالك المبطلون) أهل الباطل.
(الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون) فبعضها للأمرين كالإبل والبقر وبعضها للأكل كالغنم.
(ولكم فيها منافع) كالدر والجلد وما عليه (ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم) بالنقلة إليها (وعليها) في البر (وعلى الفلك) في البحر (تحملون) ولم يقل في الفلك للازدواج.

(و يريكم ءاياته) دلائل توحيده وقدرته ورحمته (فأي ءايات الله تنكرون) وكلها جلية.
(أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم) عددا (وأشد قوة وءاثارا في الأرض) من قصور ومصانع (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) نفي أو استفهام.
(فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم) بما زعموه علما من شبههم الباطلة في نفي البعث وإنكار الصانع، وتسميته علما تهكم بهم أو بعلمهم بظاهر المعاش أو فرحوا بعلم الرسل أي استهزءوا به لقوله (وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون) أي جزاء استهزائهم.
(فلما رأوا بأسنا) عذابنا (قالوا ءامنا بالله وحده وكفرنا بما كنا مشركين) من الأصنام.
(فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) إذ لا يقبل إيمان الملجأ (سنت الله التي قد خلت في عباده) أي سن الله ذلك سنة ماضية في الأمم (وخسر هنالك الكافرون) أي وقت رؤيتهم بأسنا.


سورة فصلت

(41) سورة فصلت ثلاث أو أربع وخمسون آية (53 - 54) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(حم) إن كان مبتدأ فخبره.
(تنزيل من الرحمن الرحيم) وإن كان عدد حروف فتنزيل خبره محذوف أو مبتدأ خبره.
(كتاب) هو على الأولين بدل منه أو خبر آخر أو لمحذوف (فصلت ءاياته) ميزت أحكاما وقصصا ومواعظ (قرءانا) مدح أو حال من كتاب باعتبار صفة (عربيا لقوم يعلمون) العربية أو للعلماء.
(بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم) عن تدبره (فهم لا يسمعون) سماع قبول.
(وقالوا قلوبنا في أكنة) أغطية (مما تدعونا إليه) فلا تفقه (وفي آذاننا وقر) صمم فلا نسمعه (ومن بيننا وبينك حجاب) يصدنا عن اتباعك قالوا ذلك استهزاء (فاعمل) على دينك أو في هلاكنا (إننا عاملون) على ديننا أو في هلاكك.
(قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا) متوجهين (إليه) بالتوحيد وإخلاص الدين (واستغفروه) من الشرك
(و ويل للمشركين) تهديد لهم.
(الذين لا يؤتون الزكوة) فالكفار مخاطبون بالفروع وقرن منعها بالشرك وبالكفر في الآخرة في (وهم بالآخرة هم كافرون).
(إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) مقطوع أو لا أذى فيه.
(قل) توبيخا لهم (أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) مقدارهما (وتجعلون له أندادا) شركاء (ذلك) الخالق (رب العالمين) مالكهم وخالقهم ومدبرهم.
(وجعل فيها رواسي من فوقها) بادية لهم ليعتبر بها ويتوصل إلى منافعها (وبارك فيها) كثر خيرها بالمياه والزرع والضرع (وقدر فيها أقواتها) الناشئة منها للناس والبهائم (في أربعة أيام) أي مع اليومين الأولين (سواء) استوت سواء والجملة صفة أيام أو حال من ضمير فيها أو أقواتها (للسائلين) عنها.
(ثم استوى) قصد (إلى السماء) بعد خلق الأرض لا دحوها وقيل خلق السماء قبل الأرض فثم لتفاوت ما بين الخلقين (وهي دخان) أجزاء دخانية (فقال لها وللأرض ائتيا) بما خلقت فيكما من النيرات والكائنات أو حصلا في الوجود (طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) بلسان المقال أو الحال.
(فقضاهن) الضمير للسماء باعتبار ما يئول إليه أو مبهم يميزه (سبع سموات في يومين) قيل هما الخميس والجمعة وهما مع تلك الأربعة ستة كما في آيات أخر (وأوحى في كل سماء أمرها) أمر أهلها من العبادة والطاعة (وزينا السماء الدنيا بمصابيح) نيرات تضيء كالمصابيح (وحفظا) حفظناها عن المسترقة حفظا (ذلك تقدير العزيز العليم).
(فإن أعرضوا) عن الإيمان بعد هذا البيان (فقل أنذرتكم صاعقة) نخوفهم عذابا يصعقهم أي يهلكهم (مثل صاعقة عاد وثمود) مثل عذابهم الذي أهلكهم.
(إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم) من كل جهاتهم بالإنذارات والحجج أو حذروهم ما مضى من هلاك الكفرة وما يأتي من عذاب الآخرة أو بالعكس (ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا) إرسال رسله (لأنزل ملائكة) مرسلين (فإنا بما أرسلتم به) على زعمكم (كافرون) إذ لستم ملائكة.
(فأما عاد فاستكبروا في الأرض) على الخلق (بغير الحق وقالوا) لما خوفوا بالعذاب (من أشد منا قوة) اغترارا بقوتهم كان أحدهم يقلع الصخرة العظيمة من الجبل بيده (أولم يروا) يعلموا (أن الله الذي خلقهم) وخلق قوتهم (هو أشد منهم قوة) قدرة (وكانوا بآياتنا يجحدون) عنادا.
(فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا) باردة مهلكة من الصر البرد أو شديدة الصوت من الصرير (في أيام نحسات) مشئومات عليهم (لنذيقهم عذاب الخزي) الذل (في الحيوة الدنيا

ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون) لا يمنعون منه.
(وأما ثمود فهديناهم) أريناهم طريق الهدى (فاستحبوا العمى) الضلال (على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون) من الكفر.
(ونجينا) منها (الذين ءامنوا وكانوا يتقون) صالحا ومن معه.
(ويوم) واذكر يوم (يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون) يحبس أولهم على آخرهم ليجتمعوا.
(حتى إذا ما جاءوها) زيدت ما تأكيدا لمفاجاة الشهادة لمجيئهم (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) بإنطاق الله كلا منها بما اقترف به.
(وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون) من كلام الجلود أو استئناف يقرر ما قبله.
(وما كنتم تستترون) عند ارتكابكم القبائح من (أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم) لأنكم لم تظنوا أنها تشهد عليكم لإنكار البعث (ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون) وهو ما أخفيتموه.
(وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم) أهلككم (فأصبحتم من الخاسرين) باستبدالكم بالجنة النار.
(فإن يصبروا) التفات (فالنار مثوى لهم) ولا ينفعهم التصبر (وإن يستعتبوا) يطلب العتبى أي الرضا (فما هم من المعتبين) المرضيين.
(وقيضنا) سببنا أو هيأنا (لهم قرناء) أخدانا من الشياطين وهو مجاز عن منعهم اللطف لكفرهم حتى استولت عليهم الشياطين (فزينوا لهم ما بين أيديهم) من الدنيا وشهواتها (وما خلفهم) من الآخرة ونفيها (وحق عليهم القول) الوعد بالعذاب (في أمم) في جملة أمم (قد خلت) هلكت (من قبلهم من الجن والإنس) وكانوا مثلهم (إنهم) أي هم والأمم (كانوا خاسرين) فلذا استحقوا العذاب.
(وقال الذين كفروا) أي بعضهم لبعض (لا تسمعوا لهذا القرءان) إذا قرأه محمد (والغوا فيه) ارفعوا أصواتكم بالهذيان لتخلطوا عليه (لعلكم تغلبون) القارىء على قراءته.
(فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون) أقبح جزائه عملهم سمي أسوأ للمقابلة.

(ذلك) المتوعد (جزاء أعداء الله النار) بيان لجزاء أو خبر محذوف (لهم فيها دار الخلد) الإقامة دائما (جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون) وضع موضع يلغون إقامة للسبب مقام المسبب.
(وقال الذين كفروا) وهم في النار (ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس) أي شيطاني الجنسين الداعيين لنا إلى الضلال وقيل إبليس وقابيل سنا الكفر (نجعلهما تحت أقدامنا) في الدرك الأسفل أو تطأهما إذلالا (ليكونا من الأسفلين) محلا أو حالا.
(إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) على التوحيد والطاعة وعن الرضا (عليه السلام) هي والله ما أنتم عليه (تتنزل عليهم الملائكة) عند الموت أو عنده وفي القبر والقيامة (ألا تخافوا) مما أمامكم (ولا تحزنوا) على ما خلفتم من أهل وولد (وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون).
(نحن أولياؤكم في الحيوة الدنيا) نتولى حفظكم وإلهامكم الخير (وفي الآخرة) نشفع لكم (ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون) تتمنون من النعيم.
(نزلا) أي مهيئا (من غفور رحيم) فيكون جليلا هنيئا.
(ومن) أي لا أحد (أحسن قولا ممن دعا إلى الله) إلى توحيده (وعمل صالحا) ليقتدى به فيه (وقال إنني من المسلمين).
(ولا تستوي الحسنة ولا السيئة) في الجزاء (ادفع) السيئة (بالتي) بالخصلة التي (هي أحسن) كالجهل بالحلم والإساءة بالعفو (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) محب قريب.
(وما يلقاها) أي الخصلة المذكورة (إلا الذين صبروا) على تجرع المكاره (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) عقل كامل أو ثواب جزيل هو الجنة.
(وإما) الشرطية أدغمت في ما الزائدة للتأكيد (ينزغنك من الشيطان نزغ) أي وسوسة صارفة عما أمرت به (فاستعذ بالله) من شره يكفكه (إنه هو السميع) لدعائك (العليم) بصلاحك.
(ومن ءاياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر) لأنهما مخلوقان مثلكم (واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون) تخصونه بالعبادة.
(فإن استكبروا) عن السجود لله وحده (فالذين عند ربك) من الملائكة (يسبحون له بالليل والنهار) أي دائما (وهم لا يسأمون) لا يملون.
(و من ءاياته أنك

ترى الأرض خاشعة) ذليلة يابسة (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) تحركت وانتفخت (إن الذي أحياها) بالنبات (لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير).
(إن الذين يلحدون) يميلون عن الحق (في ءاياتنا) بالطعن والتكذيب (لا يخفون علينا) كفى به وعيدا (أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي يوم القيامة) استفهام تقرير وتوبيخ (اعملوا ما شئتم) أمر تهديد (إنه بما تعملون بصير) فيجازيكم به.
(إن الذين كفروا بالذكر) القرآن (لما جاءهم) وخبر إن مقدر أي يجازون أولئك ينادون (وإنه لكتاب عزيز) غالب بقوة حججه أو عديم النظير.
(لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) من جهة من الجهات أو مما فيه من إخباره بما مضى ويأتي (تنزيل من حكيم) في أفعاله (حميد) على إفضاله.
(ما يقال) ما يقول كفار مكة (لك إلا) مثل (ما قد قيل للرسل من قبلك) من التكذيب أو ما يقول الله لك إلا مثل ما قال لهم من الصبر (إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم).
(ولو جعلناه) أي الذكر (قرءانا أعجميا) كما قالوا اقتراحا: هلا أنزل بلغة العجم (لقالوا لو لا) هلا (فصلت ءاياته) بينت حتى نفهمها (أأعجمي وعربي) أقرآن عجمي ورسول أو مخاطب عربي إنكار (قل هو للذين ءامنوا هدى) من الحيرة (وشفاء) من الشك (والذين لا يؤمنون) هو (في آذانهم وقر) لتصاممهم عن استماعه (وهو عليهم عمى) لتعامي قلوبهم عن تدبره (أولئك ينادون من مكان بعيد) أي هم كمن ينادى من بعيد لا يسمع ولا يفهم النداء.
(ولقد ءاتينا موسى الكتاب) التوراة (فاختلف فيه) بالتصديق والتكذيب كالقرآن (ولو لا كلمة سبقت من ربك) بتأخير القضاء والجزاء إلى يوم القيامة (لقضي بينهم) بإهلاك المكذبين (وإنهم) أي اليهود أو قومك (لفي شك منه) من التوراة أو القرآن (مريب) موقع الريبة.
(من عمل صالحا فلنفسه) ثوابه (ومن أساء فعليها) وباله (وما ربك بظلام للعبيد).
(إليه يرد علم الساعة) لا إلى سواه (وما تخرج من ثمرات من أكمامها) أوعيتها جمع كم (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا) كل ذلك مقرونا (بعلمه ويوم يناديهم أين شركائي) بزعمكم (قالوا ءاذناك) أعلمناك وأسمعناك

(ما منا من شهيد) شاهد اليوم بأن لك شريكا.
(وضل) غاب (عنهم ما كانوا يدعون) يعبدون (من قبل) من الأصنام (وظنوا) أيقنوا (ما لهم من محيص) مهرب والنفي معلق عن العمل.
(لا يسأم الإنسان) الكافر (من دعاء الخير) لا يمل من طلب النعمة (وإن مسه الشر) البلاء (فيئوس قنوط) من رحمة الله.
(ولئن) قسم (أذقناه رحمة) نعمة (منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي) مستحق لي بعملي أو دائم لي (وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي) فرضا (إن لي عنده للحسنى) كما أكرمني في الدنيا (فلننبئن الذين كفروا بما عملوا) إذا جازيناهم به (ولنذيقنهم من عذاب غليظ) شديد.
(وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض) عن الشكر (ونأى بجانبه) بعد بنفسه عنه تجبرا وقرئتا على القلب أو بمعنى بهظ (وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض) كثير دائم.
(قل أرأيتم) أخبروني (إن كان) القرآن (من عند الله) كما أقول (ثم كفرتم به) عنادا (من أضل ممن هو في شقاق) خلاف عن الحق (بعيد) عنه أي لا أحد أضل منكم فوضع الظاهر موضعه بيانا لحالهم.
(سنريهم ءاياتنا في الآفاق) في أقطار السموات والأرض من النيرات والنبات والحوادث وغيرها (وفي أنفسهم) من بدائع الحكم ولطائف الصنع (حتى يتبين لهم أنه الحق) الضمير لله أو الرسول أو القرآن أو الدين (أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) فيعلم حالك وحالهم.
(ألا إنهم في مرية) شك (من لقاء ربهم) بالبعث والجزاء (ألا إنه بكل شيء محيط) علما وقدرة فلا يفوته شيء.


سورة الشورى

(42) سورة الشورى ثلاث وخمسون آية (53) مكية
إلا قل لا أسألكم الأربع.
بسم الله الرحمن الرحيم
(حم عسق كذلك) الإيحاء أو مثل معاني السورة (يوحي) أوحى (إليك وإلى الذين من قبلك) عبر بالمضارع إيذانا بأن إيحاء مثله عادته (الله)
(العزيز الحكيم).
(له ما في السموات وما في الأرض وهو العلي العظيم).
(تكاد السموات) بالتاء والياء (يتفطرن) يتشققن أن دعوا له ولدا (من فوقهن) أي يبتدىء الانفطار من أعلاهن وتخصيصه للدلالة على انفطار أسفلهن بالأولوية ولزيادة التهويل (والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض) من المؤمنين (ألا إن الله هو الغفور الرحيم) لأوليائه أو كل خلقه إذ رحمته في الدنيا وسعت كل شيء.
(والذين اتخذوا من دونه أولياء) أي الأصنام (الله حفيظ) محص (عليهم) أعمالهم فمجازيهم بها (وما أنت عليهم بوكيل) تطالب بإيمانهم، إن عليك إلا البلاغ.
(وكذلك) الإيحاء (أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها) أهل مكة وسائر الناس العذاب (وتنذر) الناس (يوم الجمع) يوم القيامة تجمع فيه الخلق والأرواح والأجساد أو كل عامل وعمله (لا ريب فيه) اعتراض (فريق) منهم (في الجنة وفريق في السعير) في النار.
(ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة) وقسرهم على دين واحد وهو الإسلام لكنه لم يفعل لمنافاته التكليف (ولكن يدخل من يشاء في رحمته) بالهداية (والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير) يمنعهم من العذاب.
(أم اتخذوا من دونه أولياء) أي الأصنام وأم منقطعة والهمزة للإنكار التوبيخي (فالله هو الولي) جواب شرط مقدر كأنه قيل بعد إنكار أن يتخذ وليا سواه إن أراد وليا بالحق فالله هو الولي بالحق (وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير) فهو الحقيق بالولاية.
(وما اختلفتم فيه من شيء) من أمور دينكم ودنياكم (فحكمه) مفوض (إلى الله) يفصل بينكم بإثابة المحق ومعاقبة المبطل (ذلكم الله ربي) بتقدير قل (عليه توكلت وإليه أنيب) أرجع في أموري.
(فاطر السموات والأرض) و(جعل لكم من أنفسكم) وجنسكم (أزواجا) نساء (ومن الأنعام) وجعل لها من جنسها (أزواجا) ذكورا وإناثا أو لكم منها أصنافا (يذرؤكم) يخلقكم ويكثركم من الذرء أي البث (فيه) في هذا الجعل (ليس كمثله شيء) أريد ب مثله ذاته كقولهم مثلك لا يبخل أو الكاف زائدة (وهو السميع البصير).
(له مقاليد السموات والأرض) مفاتيح خزائنهما (يبسط الرزق) يوسعه (لمن يشاء ويقدر) يضيقه لمن يشاء (إنه بكل شيء عليم) ومنه مصالح البسط والقبض.
(شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك

وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى) أي بين لكم من الدين ما اشترك فيه نوح ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ومن بينهما من أهل الشرائع المفسر بقوله (أن أقيموا الدين) أي أصوله من التوحيد والنبوة والمعاد (ولا تتفرقوا فيه كبر) عظم (على المشركين ما تدعوهم إليه) من التوحيد (الله يجتبي إليه) إلى دينه (من يشاء) توفيقه له (ويهدي) بالتوفيق (إليه من ينيب) يقبل إليه.
(وما تفرقوا) أي أهل الكتاب أو أهل الأوثان (إلا من بعد ما جاءهم العلم) بصحة نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو بالتوحيد (بغيا بينهم) حسدا وعداوة (ولو لا كلمة سبقت من ربك) بتأخيره الجزاء (إلى أجل مسمى) هو القيامة (لقضي بينهم) بإهلاك المبطلين (وإن الذين أورثوا الكتاب) وهم العرب أورثوا القرآن أو أهل الكتاب المعاصرون له (صلى الله عليه وآله وسلّم) (من بعدهم) من بعد أهل الكتاب (لفي شك منه) من القرآن أو كتابهم لا يعلمونه كما هو (مريب) موقع الريبة.
(فلذلك) فلأجل ذلك التفرق أو الشك (فادع) إلى الدين الحنيفي (واستقم) عليه (كما أمرت ولا تتبع أهواءهم) الباطلة في تركها (وقل ءامنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل) بأن أعدل (بينكم) في التبليغ في الحكم (الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) لكل جزاء عمله (لا حجة) لا محاجة ولا خصومة (بيننا وبينكم) لظهور الحق فلا وجه لها (الله يجمع بيننا) وبينكم يوم القيامة لفصل القضاء (وإليه المصير) المرجع.
(والذين يحاجون في الله) في دينه (من بعد ما استجيب له) بعد ما استجاب له الناس وقبلوه أو بعد ما استجاب الله لرسوله دعاءه بالنصر (حجتهم داحضة) باطلة (عند ربهم وعليهم غضب) منه (ولهم عذاب شديد) بكفرهم.
(الله الذي أنزل الكتاب) جنسه أو القرآن (بالحق) متلبسا بالغرض الصحيح (والميزان) وأنزل العدل أو الشرع المنصف بين الناس أو ألهمهم اتخاذ آلة الوزن (وما يدريك لعل الساعة) مجيئها (قريب).
(يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها) استهزاء (والذين ءامنوا مشفقون) خائفون (منها) خوفا مقرونا بالرجاء (ويعلمون أنها الحق) الواجب كونه (ألا إن الذين يمارون) يخاصمون من المرية الشك (في الساعة لفي ضلال بعيد) عن الصواب.
(الله لطيف بعباده) يعمهم ببره ولم يعاجل مسيئهم بالعقوبة (يرزق من يشاء وهو القوي العزيز).
(من كان يريد) بعلمه (حرث الآخرة) ثوابها (نزد له في حرثه) نضاعف له الواحد عشرة (و من كان يريد حرث

الدنيا نؤته منها) ما قسمنا له (وما له في الآخرة من نصيب) إذ الأعمال بالنيات.
(أم) بل (لهم) والهمزة للتوبيخ (شركاء) وهم شياطينهم (شرعوا لهم من الدين) الباطل (ما لم يأذن به الله) كالشرك ونفي البعث (ولو لا كلمة الفصل) الوعد بتأخير الفصل إلى القيامة (لقضي بينهم) وبين المؤمنين بإهلاكهم في الدنيا (وإن الظالمين لهم عذاب أليم) في الآخرة.
(ترى الظالمين) يوم القيامة (مشفقين) خائفين (مما كسبوا) من الجرائم (وهو) أي وباله (واقع بهم) لا محالة (والذين ءامنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات) في متنزهاتها (لهم ما يشاءون) يتمنونه (عند ربهم ذلك) الثواب (هو الفضل الكبير ذلك) الثواب والتبشير (الذي يبشر الله عباده الذين ءامنوا وعملوا الصالحات) أي يبشرهم به حذف الجار والعائد (قل لا أسألكم عليه) على تبليغ الرسالة (أجرا إلا المودة) كائنة (في القربى ومن يقترف) يكتسب (حسنة) روي أنها مودة آل الرسول (نزد له فيها حسنا) بتضعيف ثوابها (إن الله غفور) للسيئات (شكور) للحسنات.
(أم) بل (يقولون افترى على الله كذبا) بالقرآن أو بدعوى الرسالة (فإن يشإِ الله يختم على قلبك) ينسيك القرآن فكيف تقدر أن تفتري عليه أو يربط على قلبك بالصبر على أذاهم (ويمح الله الباطل ويحق الحق) يثبته (بكلماته) يوحيه (إنه عليم بذات الصدور) بضمائر القلوب.
(وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون) بالتاء والياء.
(ويستجيب الذين ءامنوا وعملوا الصالحات) أي يستجيب الله لهم بإعطائهم ما سألوا وإثابتهم على طاعتهم (ويزيدهم من فضله) على ما فعلوا واستحقوا بالطاعة أو بالاستجابة (والكافرون لهم عذاب شديد) استحقوه بكفرهم.
(ولو بسط الله الرزق لعباده) جميعهم (لبغوا في الأرض) لبطروا وتجبروا وظلم بعضهم بعضا (ولكن ينزل) بالتشديد والتخفيف (بقدر) بتقدير (ما يشاء) بحسب مصالحهم (إنه بعباده خبير بصير).
(وهو الذي ينزل الغيث) المطر النافع (من بعد ما قنطوا) يئسوا منه (وينشر رحمته وهو الولي الحميد).

(ومن ءاياته) على وجوده وقدرته وحكمته (خلق السموات والأرض وما بث) وخلق ما نشر (فيهما من دابة وهو على جمعهم) حشرهم (إذا يشاء قدير) في أي وقت شاء لا يتعذر عليه.
(وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم) فبسبب ذنوبكم (ويعفو عن كثير) منها فلا يعجل عقوبة رحمته واستدراجا وما أصاب غير المذنبين فلتعريضهم للأجر.
(وما أنتم بمعجزين) بفائتين الله هربا (في الأرض وما لكم من دون الله من ولي) يمنعكم من عذابه (ولا نصير) يدفعه عنكم.
(ومن ءاياته الجوار) السفن الجارية (في البحر كالأعلام) كالجبال.
(إن يشأ يسكن الريح) وقرىء الرياح (فيظللن رواكد) واقفة (على ظهره) ظهر البحر (إن في ذلك لآية لكل صبار) على البلاء (شكور) للنعم.
(أو يوبقهن) أو إن يشأ يهلكهن بأهلهن بقصوف الريح (بما كسبوا) من الذنوب (ويعف) بالجزم (عن كثير) منهم.
(ويعلم الذين يجادلون في ءاياتنا ما لهم من محيص) مهرب من العذاب.
(فما أوتيتم من شيء فمتاع الحيوة الدنيا) تمتعون به زمن حياتكم (وما عند الله) من الثواب (خير وأبقى) إذ لا ينقص ولا ينقطع (للذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون) في أمورهم.
(والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون).
(والذين استجابوا لربهم) أجابوه إلى ما دعاهم إليه من الإيمان (وأقاموا الصلوة وأمرهم شورى) أي ذو تشاور (بينهم) لا يقدمون عليه حتى يتشاوروا فيه (ومما رزقناهم ينفقون) في طاعة الله.
(والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) بلا تعد لحدود الله ولا ينافي وصفهم بالغفران لاختلاف المحل إذ العفو إنما يحسن عن العاجز لا الباغي المتغلب والانتصار بالعكس.
(وجزاء سيئة سيئة مثلها) سمي الجزاء سيئة للازدواج (فمن عفا) عن حقه (وأصلح) بينه وبين خصمه (فأجره على الله) وهو خير له من انتصاره (إنه لا يحب الظالمين).
(ولمن انتصر بعد ظلمه) بعد أن ظلم (فأولئك ما عليهم من سبيل) مؤاخذة.
(إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون

في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم) بظلمهم وبغيهم.
(ولمن صبر) فلم ينتصر (وغفر) وصفح (إن ذلك) الصبر والصفح (لمن عزم الأمور) معزوماتها المأمور بها.
(ومن يضلل الله) يخليه وضلاله (فما له من ولي) ناصر يتولاه (من بعده) بعد خذلان الله إياه (وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد) إلى الدنيا (من سبيل).
(وتراهم يعرضون عليها) على النار المعلومة من العذاب (خاشعين) متواضعين (من الذل ينظرون من طرف خفي) يبتدىء نظرهم إليها من تحريك لأجفانهم ضعيف نظر مسارقة (وقال الذين ءامنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) لتخليدهم في النار وعدم انتفاعهم بأهليهم (ألا إن الظالمين في عذاب مقيم) من كلامهم أو قول الله.
(وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل) يوصله إلى الجنة.
(استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله) صلة مرد أي لا يرده الله بعد إتيانه أو ليأتي أي قبل أن يأتي يوم من الله لا مرد له (ما لكم من ملجإ) معقل (يومئذ وما لكم من نكير) إنكاري بكم.
(فإن أعرضوا) عن إجابتك (فما أرسلناك عليهم حفيظا) رقيبا (إن عليك إلا البلاغ) وقد بلغت (وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور) كثير الكفران وضع الإنسان موضع ضميره تسجيلا على جنسه بذلك.
(لله ملك السموات والأرض) لا يشاركه أحد فيه (يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء) من الأولاد (إناثا ويهب لمن يشاء الذكور).
(أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما) أي يخص بعضا بالإناث وبعضا بالذكورة وبعضا بالضعفين ويعقم بعضا وإنما قدم الإناث أولا وأخرها ثانيا وعرف الذكورة ونكر الإناث لأن مساق الآية للدلالة على أن الواقع ما يتعلق به مشيئة الله لا مشيئة الناس فكان ذكر الإناث اللاتي من جملة ما لا يشاؤه الناس أهم، ولما أخر الذكور تدارك تأخيرهم بالتعريف لأن التعريف تنويه ونكر الإناث للتحقير ثم أعطى كلا من الجنسين حقه من التقديم والتأخير ليعلم أن تقديمهن لم يكن لتقدمهن ولكن لغرض آخر (إنه عليم قدير) على ما يشاء.
(وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) وهو الإلهام والمنام كما وقع لأم موسى وإبراهيم (أو من وراء حجاب) بأن يسمعه الصوت ولا يرى محله (أو يرسل رسولا) ملكا كجبرئيل (فيوحي) الرسول إلى النبي (بإذنه) بأمر الله (ما يشاء) الله

(إنه علي) عن رؤية الأبصار (حكيم) في أفعاله.
(وكذلك) أي كما أوحينا إلى سائر الرسل (أوحينا إليك روحا) هو القرآن يحيي به القلوب أو جبرئيل أو خلق أعظم منه بالوحي (من أمرنا ما كنت تدري) قبل الوحي (ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه) أي الكتاب أو الإيمان (نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) تدعو إلى دين الإسلام.
(صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض) ملكا وخلقا (ألا إلى الله تصير الأمور) ترجع وفيه وعد ووعيد.


سورة الزخرف

(43) سورة الزخرف تسع وثمانون آية (89) مكية
وقيل إلا آية واسئل من أرسلنا.
بسم الله الرحمن الرحيم
(حم والكتاب المبين) والقرآن الموضح سبيل الحق وما يحتاج إليه في الدين.
(إنا جعلناه قرءانا عربيا لعلكم تعقلون) لكي تفهموا معانيه.
(وإنه في أم الكتاب) أصل الكتب وهو اللوح المحفوظ (لدينا لعلي) على سائر الكتب (حكيم) ذو حكمة بالغة.
(أفنضرب عنكم الذكر) القرآن (صفحا) لأجل (أن كنتم قوما مسرفين) مشركين.
(وكم أرسلنا من نبي في الأولين).
(وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزءون) تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم).
(فأهلكنا أشد منهم بطشا) أي من قومك عدل عن خطابهم إلى خطابه (ومضى مثل الأولين) سبق في القرآن خبرهم العجب وإهلاكهم فليحذر هؤلاء مثله.
(ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم) هذا جوابهم وما بعده استئناف أو الجمع لازم جوابهم وهو الله للزوم هذه الصفات له.
(الذي جعل لكم الأرض مهدا) فراشا (وجعل لكم فيها سبلا) تسلكونها (لعلكم تهتدون) إلى مقاصدكم في أسفاركم.
(والذي نزل من السماء ماء بقدر) بمقدار نافع غير ضار (فأنشرنا) أحيينا (به بلدة ميتا كذلك) الإنشاء (تخرجون) من قبوركم.
(و الذي خلق الأزواج) الأصناف (كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون).
(لتستووا) لتستقروا (على ظهوره) الهاء لما والجمع للمعنى (ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه) مقرين بها شاكرين عليها (وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) مطيقين مقاومين له في القوة.
(وإنا إلى ربنا لمنقلبون) راجعون.
(وجعلوا له) مع إقرارهم بأنه خلق الخلق (من عباده جزءا) ولدا إذ قالوا: الملائكة بنات الله لأن الولد جزء الوالد قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) فاطمة بضعة مني يؤذيني من يؤذيها (إن الإنسان لكفور مبين) ظاهر الكفر أو الكفران بنسبة الولد إليه.
(أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين) أي بمعنى بل وهمزة الإنكار لحالهم إذ لم يكتفوا بجعلهم له ولدا حتى جعلوا ذلك الولد أخس مما أصفاهم به وأكره شيء إليهم بدليل.
(وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا) بالجنس الذي جعله شبها أي إذا بشر بالأنثى (ظل) صار (وجهه مسودا) لما يلحقه من الغم (وهو كظيم) ممتلىء كربا.
(أومن) إنكار أي أو جعلوا له من (ينشؤا) يتربى (في الحلية) الزينة (وهو في الخصام) في المخاصمة (غير مبين) للحجة لضعف عقله يعني الإناث.
(وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) بتسميتهم بنات الله (أشهدوا) أحضروا (خلقهم) فرأوهم إناثا (ستكتب شهادتهم) بأنهم إناث (ويسئلون) عنها يوم القيامة.
(وقالوا لو شاء الرحمن) أن لا نعبد الملائكة (ما عبدناهم) فإنما عبدناهم بمشيئته كأنهم كانوا جبرية أو أشعرية (ما لهم بذلك) المقول (من علم) مستند إلى حجة (إن هم إلا يخرصون) يكذبون فيه.
(أم ءاتيناهم كتابا من قبله) قبل القرآن أو الرسول (فهم به مستمسكون) أي ليس الأمر هكذا.
(بل قالوا إنا وجدنا ءاباءنا على أمة) ملة تؤم أي تقصد (وإنا) سالكون (على ءاثارهم مهتدون) بهم أي لا مستند لهم إلا التقليد.
(وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها) متنعموها (إنا وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا على ءاثارهم مقتدون) فلا تغتم لضلال قومك.
(قال أولو) أي أتتبعون آباءكم ولو (جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم) من الدين (قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون) ولا ننظر فيه وإن كان أهدى.
(فانتقمنا منهم) بإهلاكهم (فانظر كيف كان

عاقبة المكذبين) ولا يهمك تكذيبهم.
(وإذ) اذكر إذ (قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء) مصدر وصف به يقال للواحد والأكثر والمذكر والمؤنث أي بريء (مما تعبدون إلا الذي فطرني) منقطع أو متصل إن شملته ما وكانوا يعبدونه وغيره (فإنه سيهدين) إلى طريق الجنة أو يثيبني على دينه.
(وجعلها) أي الله أو إبراهيم الكلمة التي قالها (كلمة باقية في عقبه) ذريته فلا يزال فيهم من يوحد الله ويدعو إلى توحيده (لعلهم يرجعون) من الشرك إلى التوحيد.
(بل متعت هؤلاء وآباءهم) بالنعيم (حتى جاءهم الحق) القرآن (ورسول مبين).
(ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون) ازدادوا عنادا فجحدوا القرآن وكابروا الرسول.
(وقالوا لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين) مكة والطائف (عظيم) ذي جاه ومال.
(أهم يقسمون رحمة ربك) أي النبوة فيضعونها حيث شاءوا (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا) ولم نفوض تدبيرها إليهم (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) في الرزق (ليتخذ بعضهم بعضا) بمقتضى الحكمة والمصلحة (سخريا) مسخرا يستخدمه في حوائجه فينتفع كل بالآخر فينتظم بذلك أمر العالم (ورحمة ربك) أي الجنة أو النبوة لك (خير مما يجمعون) من عرض الدنيا.
(ولو لا أن يكون الناس أمة واحدة) مجتمعين على الكفر لحبهم الدنيا (لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج) مصاعد جمع معرج (عليها يظهرون) يعلون سطوحها.
(ولبيوتهم أبوابا وسررا) من فضة (عليها يتكئون).
(وزخرفا) أي وجعلنا لهم زينة أو ذهبا (وإن كل ذلك لما متاع الحيوة الدنيا والآخرة) الجنة (عند ربك للمتقين) الكفر والمعاصي.
(ومن يعش) عشا كدعا تعامى (عن ذكر الرحمن) أي القرآن (نقيض) نهيىء (له شيطانا) أي نخلي بينه وبينه لإعراضه عن الحق (فهو له قرين) ملازم يغويه.
(وإنهم) أي الشياطين (ليصدونهم) أي العاشين (عن السبيل) دين الله (ويحسبون أنهم مهتدون) الضمائر للعاشين.
(حتى إذا جاءنا) أي العاشي يوم القيامة وقرىء جاءانا أي هو وقرينه (قال) لقرينه (يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين) بعد المشرق والمغرب غلب المشرق فثنى (فبئس القرين) أنت.
(ولن ينفعكم اليوم) تمنيكم (إذ ظلمتم) إذ ظهر ظلمكم بكفركم في الدنيا بدل من اليوم (أنكم) لأنكم مع قرنائكم

(في العذاب مشتركون).
(أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي) شبهوا بهم لعدم انتفاعهم بالسمع والبصر (ومن كان في ضلال مبين) بين أي لا تقدر على جبرهم على الإيمان فلا تحزن على كفرهم.
(فإما نذهبن بك) نتوفينك قبل تعذيبهم (فإنا منهم منتقمون) بعدك في الآخرة أو الدنيا.
(أو نرينك الذي وعدناهم) به من العذاب (فإنا عليهم مقتدرون) لا يعجزوننا.
(فاستمسك بالذي أوحي إليك) من القرآن والدين (إنك على صراط مستقيم) دين قيم.
(وإنه لذكر) لشرف (لك ولقومك وسوف تسئلون) عن القيام بحقه.
(وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا) وقد جمعوا له ليلة الإسراء أو اسأل أممهم (أجعلنا من دون الرحمن ءالهة يعبدون) هل حكمنا بعبادة غير الله في ملة من مللهم، والغرض أن بيان التوحيد دين أطبق عليه الرسل ولم يبتدعه فكيف يكذب ويعادي لأجله.
(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملإيه فقال إني رسول رب العالمين).
(فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون) استهزاء بها.
(وما نريهم من ءاية) من ءايات العذاب كالطوفان والجراد وغيرهما (إلا هي أكبر من أختها) من الآية التي قبلها (وأخذناهم بالعذاب) بتلك الآيات (لعلهم يرجعون) عن كفرهم.
(وقالوا يا أيها الساحر) العالم الماهر كانوا يرون السحر علما وقيل سموه ساحرا لكفرهم (ادع لنا ربك بما عهد) بعهده (عندك) من النبوة أو كشف العذاب عمن آمن (إننا لمهتدون) إن كشف عنا العذاب.
(فلما كشفنا عنهم العذاب) بدعاء موسى (إذا هم ينكثون) عهدهم.
(ونادى فرعون في قومه) خداعا لهم بافتخاره (قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار) من النيل (تجري من تحتي) تحت قصوري أو أمري (أفلا تبصرون) ما أنا فيه.
(أم أنا خير من هذا الذي هو مهين) ضعيف حقير وأم متصلة بتقدير أفلا تبصرون أم تبصرون فتعلمون أني خير منه فأقيم المسبب مقام سببه أو منقطعة والهمزة لتقرير فضله الذي ذكر أسبأبه (ولا يكاد يبين) كلامه لأثر بقي من العقدة.
(فلو لا ألقي عليه أسورة من ذهب) قيل كانوا إذا سوروا واحدا سوروه وطوقوه بالذهب (أو جاء معه الملائكة مقترنين) به أو يقترن بعضهم ببعض يعضدونه ويصدقونه.
(فاستخف قومه) أمرهم أن يخفوا في طاعته أو استجهلهم (فأطاعوه) فيما طلب منهم (إنهم كانوا قوما فاسقين) متمردين في الكفر.
(فلما ءاسفونا) أغضبونا

(انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين).
(فجعلناهم سلفا) متقدمين إلى النار (ومثلا للآخرين) عبرة لهم.
(ولما ضرب ابن مريم مثلا) ضربه المشركون لما نزل إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم فقالوا إن النصارى يعبدون عيسى وقد رضينا أن تكون آلهتنا معه وإذا جاز أن يعبد عيسى فالملائكة أولى بذلك، وأن محمدا يريد أن نعبده كما عبد عيسى (إذا قومك) قريش (منه) من المثل (يصدون) يصيحون فرحا لزعمهم انقطع الرسول به.
(وقالوا أءالهتنا خير أم هو) أي الأصنام خير أم عيسى فإن كان في النار فلتكن آلهتنا معه أو الملائكة خير أم عيسى فإذا جاز أن يعبد فهم أولى به أو آلهتنا خير أم محمد أي هي خير منه (ما ضربوه) أي المثل (لك إلا جدلا) لا بحثا عن الحق (بل هم قوم خصمون) شديد الخصومة.
(إن هو) ما عيسى (إلا عبد أنعمنا عليه) بالنبوة (وجعلناه مثلا لبني إسرائيل) كالمثل في الغرابة من خلقه من غير أب.
(ولو نشاء لجعلنا منكم) بدلكم أو أولدنا منكم يا بشر (ملائكة في الأرض يخلفون) يقومون مقامكم والغرض بيان كمال قدرته وأن كون الملائكة في السماء لا يوجب لهم الألوهية.
(وإنه) أي عيسى (لعلم للساعة) يعلم قربها بنزوله لأنه من أشراطها (فلا تمترن بها) لا تشكن فيها (واتبعون هذا) الذي آمركم به (صراط مستقيم) دين قيم.
(ولا يصدنكم الشيطان) عن دين الله (إنه لكم عدو مبين) بين العداوة.
(ولما جاء عيسى بالبينات) المعجزات والشرائع (قال قد جئتكم بالحكمة) بالنبوة والإنجيل (ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) من أمر الدين والدنيا (فاتقوا الله وأطيعون).
(إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا) الدين أي توحيده وعبادته (صراط مستقيم) دين قيم.
(فاختلف الأحزاب من بينهم) اليهود والنصارى أو فرق النصارى في عيسى: أهو الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة (فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم) القيامة.
(هل ينظرون) ما ينتظر كفار مكة (إلا الساعة أن تأتيهم بغتة) فجأة (وهم لا يشعرون) بها لغفلتهم عنها.
(الأخلاء) المتحابون في الدنيا (يومئذ) يوم القيامة ظرف لعدو (بعضهم لبعض عدو) لظهور أن ما تحابوا عليه سبب عذابهم (إلا المتقين) المتحابين في الله.
(يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون.
الذين ءامنوا بآياتنا وكانوا مسلمين).
(ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم) المؤمنات (تحبرون) تسرون سرورا يبدو في وجوهكم حباره أي أثره.
(يطاف عليهم بصحاف من ذهب) جمع صحفة أي قطعة (وأكواب) جمع كوب وهو كوز لا عروة له (وفيها ما تشتهيه الأنفس) من النعم

(و تلذ الأعين) من المناظر الحسنة (وأنتم فيها خالدون) وهو تمام النعمة لعدم ما ينقصه من خوف زواله.
(وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) بأعمالكم.
(لكم فيها فاكهة كثيرة منها) بعضها (تأكلون) ويخلق الله بدله.
(إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون).
(لا يفتر) يخفف (عنهم وهم فيه مبلسون) آيسون ساكتون حيرة.
(وما ظلمناهم) بالعذاب (ولكن كانوا هم الظالمين) نفوسهم بجرائمهم الموجبة له.
(ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك) ليمتنا (قال) بعد مائة عام أو ألف (إنكم ماكثون) في العذاب بلا موت قال تعالى بعد جواب مالك.
(لقد جئناكم بالحق) على لسان رسولنا أو كلاهما قول الله (ولكن أكثركم للحق كارهون).
(أم أبرموا) أحكموا (أمرا) في كيد محمد (فإنا مبرمون) محكمون أمرا في مجازاتهم.
(أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى) نسمع ذلك (ورسلنا) الحفظة (لديهم يكتبون) ذلك.
(قل إن كان للرحمن ولد) فرضا (فأنا أول العابدين) للولد لأن تعظيمه تعظيم والده والنبي مقدم في كل حكم على أمته وقيل المعنى إن كان له ولد بزعمكم فأنا أول العابدين الموحدين له.
(سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون) بنسبة الولد إليه.
(فذرهم يخوضوا) في باطلهم (ويلعبوا) في دنياهم (حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون) القيامة.
(وهو الذي في السماء إله) معبود وبه يتعلق الظرف وكذا (وفي الأرض إله وهو الحكيم) في صنعه (العليم) بكل شيء.
(وتبارك) تعظم (الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة) القيامة (وإليه ترجعون) التفات إلى الخطاب للتهديد.
(ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة) لهم عند الله كما زعموا (إلا من شهد بالحق) بالتوحيد (وهم يعلمون) ما شهدوا به وهم الملائكة أو عزير وعيسى.
(ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) يعترفون به لوضوحه (فأنى يؤفكون) يصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره.
(وقيله) وقول الرسول ونصبه مصدرا لفعله المقدر أي وقال قيله أو عطفا على محل الساعة (يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون) قال تعالى.
(فاصفح) أعرض (عنهم وقل سلام) منكم أي متاركة (فسوف يعلمون) تهديد لهم.




سورة الدخان

(44) سورة الدخان سبع أو تسع وخمسون آية (57 - 59) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(حم والكتاب) والقرآن (المبين) للأحكام وغيرها.
(إنا أنزلناه في ليلة مباركة) هي ليلة القدر ابتدأ فيها إنزاله أو أنزل فيها جملة من اللوح إلى السماء الدنيا ثم أنزل على النبي نجوما وبوركت لذلك ولنزول الرحمة وقسم النعم وإجابة الدعاء فيها (إنا كنا منذرين) فلذا أنزلناه.
(فيها يفرق) يفصل (كل أمر حكيم) محكم أو ذي حكمة.
(أمرا) حالا من أمر لأنه موصوف أو من ضميره في حكيم (من عندنا إنا كنا مرسلين) من شأننا إرسال الرسل وإنزال الكتب.
(رحمة من ربك إنه هو السميع) للأقوال (العليم).
(رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين) بشيء فأيقنوا بذلك.
(لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب ءابائكم الأولين) ثم رد كونهم موقنين.
(بل هم في شك يلعبون) في الدنيا أو يستهزءون بها.
(فارتقب) فانتظرهم (يوم تأتي السماء بدخان مبين) قيل هو من أشراط الساعة يملأ ما بين المشرق والمغرب.
(يغشى الناس) قائلين (هذا عذاب أليم).
(ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) أي إن كشفتها عنا.
(أنى) من أين (لهم الذكرى) التذكير بذلك (وقد جاءهم رسول مبين).
(ثم تولوا عنه وقالوا معلم) يعلمه بشر (مجنون).
(إنا كاشفوا العذاب) القحط (قليلا) زمانا قليلا (إنكم عائدون) إلى كفركم بعد الكشف.
(يوم نبطش البطشة الكبرى) يوم القيامة أو يوم بدر (إنا منتقمون).
(ولقد فتنا) امتحنا (قبلهم قوم فرعون) معه (وجاءهم رسول) هو موسى (كريم) على الله أو شريف النسب.
(أن) بأن أو أي (أدوا إلى عباد الله) أرسلوهم معي أو أدوا إلى ما آمركم به من الطاعة والإيمان (إني لكم رسول أمين) على ما حملته من الرسالة.
(وأن لا تعلوا) تتجبروا (على الله) بترك طاعته (إني ءاتيكم بسلطان مبين) ببرهان واضح على رسالتي فتوعدوه بالرجم فقال.
(و إني عذت بربي
وربكم أن ترجمون) بالحجارة أو الشتم.
(وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون) فاتركوني لا لي ولا علي.
(فدعا ربه) لما يئس من إيمانهم (أن هؤلاء قوم مجرمون) مشركون فقال تعالى.
(فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون) يتبعكم فرعون وقومه.
(واترك البحر رهوا) ساكنا أو متفرجا على هيئته بعد ما عبرته وذلك أنه أراد أن يضربه ثانيا لينطبق خوفا أن يدركهم القبط فأمر بتركه كما هو ليدخلوه (إنهم جند مغرقون) فدخلوه فأغرقوا.
(كم) كثيرا (تركوا من جنات وعيون).
(وزروع ومقام كريم) مجالس حسنة.
(ونعمة) تنعم (كانوا فيها فاكهين) ناعمين.
(كذلك) الأمر كذلك (وأورثناها) أي هذه المعدودات (قوما ءاخرين) بني إسرائيل أو غيرهم.
(فما بكت عليهم السماء والأرض) مجاز عن صغر قدرهم إذ كانوا إذا عظموا مصيبة هنالك يقولون بكت عليه السماء والأرض وانكسفت له الشمس أو كناية عن أنهم لم يكن لهم عمل صالح يرفع إلى السماء وفي الصادقي بكت السماء على يحيى والحسين أربعين صباحا ولم تبك إلا عليهما (وما كانوا منظرين) ممهلين.
(ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين) استعبادهم وقتل أبنائهم.
(من فرعون إنه كان عاليا) متجبرا (من المسرفين) في الطغيان.
(ولقد اخترناهم) أي بني إسرائيل (على علم) منا باستحقاقهم ذلك (على العالمين) عالمي زمانهم.
(وءاتيناهم من الآيات) كفلق البحر وتضليل الغمام وغيرهما (ما فيه بلاء مبين) نعمة واضحة أو امتحان بين.
(إن هؤلاء) أي كفار مكة (ليقولون).
(إن هي) ما الموتة التي يعقبها حياة (إلا موتتنا الأولى) وهي حال كونهم نطفا (وما نحن بمنشرين) بمبعوثين.
(فأتوا) أيها النبي والمؤمنون (بآبائنا إن كنتم صادقين) في وعدكم بالبعث.
(أهم خير) أعز وأشد (أم قوم تبع) هو الحميري صاحب الجيوش وباني الحيرة وسمرقند كان صالحا وقومه كفرة سمي به لكثرة أتباعه والتبابعة ملوك اليمن كالأكاسرة للفرس (والذين من قبلهم) من الأمم (أهلكناهم) بكفرهم (إنهم كانوا مجرمين) فاستحقوا ذلك وهؤلاء مثلهم.
(وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين) عابثين بل خلقناهما لغرض صحيح ومنافع للخلق دينية ودنيوية.
(ما خلقناهما إلا بالحق) إلا محقين في ذلك إذ به يتم أمر المعاش والمعاد (ولكن أكثرهم لا يعلمون) لتركهم النظر.
(إن يوم الفصل) الحكم بين الخلق أو فصل الحق من الباطل (ميقاتهم) موعدهم (أجمعين) للعذاب الأكبر.
(يوم لا يغني مولى) بقرابة وغيرها (عن مولى شيئا) من العذاب (ولا هم ينصرون) يمنعون منه.
(إلا من رحم الله) بالعفو عنه أو بالإذن بالشفاعة (إنه هو العزيز) في انتقامه من أعدائه (الرحيم) بأوليائه.
(إن شجرة الزقوم) فسرت في الصافات.
(طعام الأثيم) الكثير الإثم قيل أريد به أبو جهل وأضرابه.

(كالمهل) هو المذاب من نحاس ونحوه أو دردي الزيت (يغلي في البطون).
(كغلي الحميم) الماء الشديد الحرارة.
(خذوه) يقال للزبانية خذوا الأثيم (فاعتلوه) جروه بعنف وغلظة (إلى سواء الجحيم) وسطه.
(ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم) ويقال له تقريعا وتهكما.
(ذق إنك أنت العزيز الكريم) بزعمك كان يقول ما بين جبليها أعز وأكرم مني.
(إن هذا) العذاب (ما كنتم به تمترون) تشكون.
(إن المتقين في مقام أمين) من المكاره.
(في جنات وعيون).
(يلبسون من سندس) ما دق من الحرير (وإستبرق) ما غلظ منه (متقابلين) على الأسرة للاستئناس.
(كذلك) الأمر كذلك (وزوجناهم بحور عين) بيض واسعات العيون.
(يدعون فيها بكل فاكهة) اشتهوا في أي وقت (ءامنين) من مضرتها وغيرها.
(لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) منقطع أو متصل إذ المؤمن عند الموت مشارف الجنة أو فيه مبالغة في دوام الحياة كأنه قيل إن أمكن ذوق الموتة الأولى في المستقبل فهم يذوقونها (ووقاهم) ربهم (عذاب الجحيم).
(فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم) الظفر بالبغية مع السلامة من المكروه.
(فإنما يسرناه بلسانك) سهلنا القرآن بلغتك ليفهموه (لعلهم يتذكرون) يتعظون.
(فارتقب) انتظر ما يحل بهم (إنهم مرتقبون) منتظرون بك الدوائر
.


سورة الجاثية

(45) سورة الجاثية ست أو سبع وثلاثون آية (36 - 37) مكية
إلا آية قل للذين ءامنوا يغفروا.
بسم الله الرحمن الرحيم
(حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) هو كأول سورة المؤمن.
(إن في السموات والأرض لآيات) على وجود الصانع وصفاته (للمؤمنين) لأنهم المنتفعون المتنبهون بها.
(وفي خلقكم وما يبث من دابة ءايات لقوم يوقنون).
(واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء)
(من رزق) مطر لأنه سبب الرزق (فأحيا به الأرض بعد موتها) بسببها (وتصريف الرياح) تقلبها في مهابها وأحوالها (ءايات لقوم يعقلون).
(تلك) الآيات المذكورة (ءايات الله) دلائله (نتلوها عليك) متلبسين أو متلبسة (بالحق فبأي حديث بعد الله وءاياته) أي بعد آيات الله وقدم اسم الله مبالغة كأعجبني زيد وكرمه أو بعد حديث الله أي القرآن وآياته وحججه (يؤمنون).
(ويل لكل أفاك) كذاب (أثيم) كثير الإثم.
(يسمع ءايات الله) من القرآن (تتلى عليه ثم يصر) على كفره (مستكبرا كأن) هي المخففة واسمها ضمير الشأن أي كأنه (لم يسمعها فبشره بعذاب أليم) تهكم.
(وإذا علم من ءاياتنا) أي القرآن (شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين) ذو إهانة والجمع للمعنى.
(من ورائهم جهنم) قدامهم أو خلفهم أو ما توارى عنك وراء تقدم أو تأخر (ولا يغني عنهم ما كسبوا) من مال وغيره (شيئا) من عذاب الله (ولا ما اتخذوا من الله أولياء) من الأصنام (ولهم عذاب عظيم) في الشدة.
(هذا) أي القرآن (هدى) بالغ في الهداية (والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز) أشد العذاب (أليم) مؤلم.
(الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه) بكم (بأمره) بتسخيره (ولتبتغوا من فضله) بالتجارة والغوص وغيرهما (ولعلكم تشكرون) هذه النعم.
(وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا) أي خلقها لانتفاعكم (منه) حال أي سخرها كائنة منه (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) فيها.
(قل للذين ءامنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) لا يتوقعون وقائعه بأعدائه أو لا يخافونها أي لا تكافئهم على أذاهم (ليجزي قوما) هم المؤمنون أو الكفار (بما كانوا يكسبون) من المغفرة أو الإساءة أو كليهما.
(من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) إذ لها نفعه وعليها ضرره (ثم إلى ربكم ترجعون) فيجازي كلا بعمله.
(ولقد ءاتينا بني إسرائيل الكتاب) التوراة (والحكم) الحكمة أو فصل الخصومات (والنبوة) إذ كثر فيهم الأنبياء (ورزقناهم من الطيبات) اللذائذ المباحة (وفضلناهم على العالمين) عالمي زمانهم.
(وءاتيناهم بينات من الأمر) دلالات من أمر الدين أو أمر النبي ونعته

(فما اختلفوا) في ذلك الأمر (إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) حسدا وبغضا (إن ربك يقضي بينهم) بحكمه (يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) بالمجازاة.
(ثم جعلناك على شريعة) طريقة (من الأمر) أمر الدين (فاتبعها) اعمل بها (ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) الحق التابعين لأهوائهم في عبادة الأصنام.
(إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا) مما أراد بك (وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض) يتناصرون على الباطل (والله ولي المتقين).
(هذا) القرآن (بصائر للناس) معالم تبصرهم محجة النجاة (وهدى) من الضلال (ورحمة) نعمة من الله (لقوم يوقنون) بالوعد والوعيد.
(أم حسب الذين اجترحوا) اكتسبوا (السيئات) الكفر والمعاصي (أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) بئس حكما حكمهم هذا.
(وخلق الله السموات والأرض بالحق) ومقتضاه أن لا يساوي الكافر المؤمن (ولتجزى كل نفس بما كسبت) عطف على بالحق لأنه بمعنى العلة أي ليعدل ولتجزى (وهم لا يظلمون) في الجزاء.
(أفرأيت) أخبرني (من اتخذ إلهه هواه وأضله الله) خلاه وما اختار (على علم) منه بأنه أهل الخذلان (وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة) فسر في البقرة (فمن يهديه من بعد الله) بعد أن خلاه وضلاله (أفلا تذكرون) تتذكرون.
(وقالوا ما هي) ما الحياة (إلا حياتنا الدنيا) التي نحن فيها (نموت ونحيا) تموت الآباء وتحيا الأبناء أو يموت بعض ويولد بعض آخر (وما يهلكنا إلا الدهر) مرور الزمان ضموا إلى إنكار المعاد إنكار المبدأ (وما لهم بذلك) القول (من علم) مستند إلى حجة (إن هم إلا يظنون) يخمنون تخمينا.
(وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات ما كان حجتهم) التي يقابلونها بها (إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين) سمي حجة على زعمهم فإن عدم حصول الشيء حالا لا يستلزم امتناعه مطلقا.
(قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم) أحياء (إلى يوم القيامة لا ريب فيه) لثبوته بالحجة (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) لتركهم النظر.
(ولله ملك السموات والأرض) فهو القادر على ما يريد

(و يوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون).
(وترى كل أمة جاثية) باركة على الركب أو مجتمعة (كل أمة تدعى إلى كتابها) كتاب أعمالها ويقال لهم (اليوم تجزون ما كنتم تعملون).
(هذا كتابنا) الذي كتبته الحفظة بأمرنا (ينطق) يشهد (عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون).
(فأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته) جنته (ذلك هو الفوز المبين) الفلاح البين.
(وأما الذين كفروا) فيقال لهم (أفلم تكن ءاياتي تتلى عليكم فاستكبرتم) عن قبولها (وكنتم قوما مجرمين) بتكذيبها.
(وإذا قيل إن وعد الله) بالبعث (حق) كائن لا محالة (والساعة) القيامة (لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة) إنكارا لها (إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين) إتيانها.
(وبدا) ظهر (لهم) في الآخرة (سيئات ما عملوا) أي جزاؤها (وحاق) حل (بهم ما كانوا به يستهزءون) أي العذاب.
(وقيل اليوم ننساكم) نترككم في العذاب (كما نسيتم لقاء يومكم هذا) كترككم العمل للقائه (ومأواكم النار وما لكم من ناصرين) يمنعونكم منها.
(ذلكم بأنكم اتخذتم ءايات الله هزوا) استهزاؤهم بها (وغرتكم الحيوة الدنيا) فأنكرتم البعث (فاليوم لا يخرجون منها) التفات (ولا هم يستعتبون) لا يطلب منهم العتبى وهي أن يرضوا ربهم بالتوبة إذ لا تنفع حينئذ.
(فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين) خالق جميع ذلك.
(وله الكبرياء) العظمة (في السموات والأرض) فلا يستحقها سواه (وهو العزيز) في سلطانه (الحكيم) في تدبيره.




سورة الاحقاف

(46) سورة الأحقاف أربع أو خمس وثلاثون آية (34 - 35) مكية
إلا آية قل أرأيتم إن كان من عند الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
(حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) فسر في أول الجاثية.
(ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق) متلبسة بالعدل والحكمة للدلالة على وحدانيتنا وقدرتنا (وأجل مسمى) لإفنائها هو يوم القيامة (والذين كفروا عما أنذروا) من القيامة والجزاء (معرضون) عن التفكر فيه.
(قل أرأيتم ما تدعون من دون الله) من الأصنام (أروني) تأكيد (ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات) شركة في خلقهما أي إنهم لم يخلقوا شيئا فكيف يستحقون العبادة (ائتوني بكتاب من قبل هذا) القرآن الناطق بالتوحيد (أو أثارة) بقية (من علم) تؤثر عن الأولين بصحة دعواكم أنها شركاء الله (إن كنتم صادقين) في دعواكم.
(ومن أضل ممن يدعو) يعبد (من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة) أي الأصنام (وهم عن دعائهم) عن عبادتهم (غافلون) لا علم لهم بها لأنها جمادات.
(وإذا حشر الناس كانوا) أي الأصنام (لهم) لعبدتها (أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) جاحدين بلسان حالهم أو مقالهم.
(وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات) ظاهرات (قال الذين كفروا للحق) القرآن (لما جاءهم هذا سحر مبين) السحرية.
(أم يقولون افتراه) إنكار تعجب من حالهم (قل إن افتريته) فرضا (فلا تملكون لي من الله) من عذابه (شيئا) أي لا تقدرون على دفعه عني فكيف أفتري عليه (هو أعلم بما تفيضون) تندفعون (فيه) من الطعن في القرآن (كفى به) تعالى (شهيدا بيني وبينكم) فيصدقني ويكذبكم (وهو الغفور الرحيم) لمن تاب وآمن.
(قل ما كنت بدعا من الرسل) أي أول رسول بعث فأدعي ما لم يدعوا (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) في الدارين (إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين) للإنذار بالآيات والبينات.
(قل أرأيتم) أخبروني (إن كان) أي القرآن (من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل) هو ابن سلام وقيل موسى وشهادته هي ما في التوراة (على مثله) مثل القرآن وهو ما في التوراة مما يطابقه أو مثل ذلك وهو كونه من عند الله (فآمن) أي الشاهد (واستكبرتم) عن الإيمان وجواب الشرط ألستم أظلم الناس بدليل (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) بكفرهم بما ثبت بالبرهان أنه من عند الله.
(و قال الذين كفروا للذين ءامنوا) في شأنهم (لو كان) أي ما أتى به محمد (خيرا ما سبقونا إليه) ونحن أرفع منهم (وإذ لم يهتدوا به) حذف عامله أي ظهر عنادهم (فسيقولون هذا إفك قديم) أساطير الأولين.
(ومن قبله) قبل القرآن خبر (كتاب موسى) مبتدأ (إماما ورحمة) حال عاملهما الظرف (وهذا كتاب مصدق) للكتب قبله (لسانا عربيا) حال من الضمير في مصدق (لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين) عطف على محل لينذر.
(إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) على طاعته وسئل الرضا (عليه السلام) عن الاستقامة فقال هي والله ما أنتم عليه (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط.
(أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء) يجزون جزاء (بما كانوا يعملون) من الطاعات.
(ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها) ذات كره أي مشقة (وحمله وفصاله) أي مدة حمله ورضاعه التام (ثلاثون شهرا) وهذا مع قوله حولين كاملين يفيد أن أقل مدة الحمل ستة أشهر كما في المرتضوي (حتى إذا بلغ أشده) كمال قوته (وبلغ أربعين سنة) وهو وقت استحكام العقل والرأي (قال رب أوزعني) ألهمني (أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي) اجعلهم محلا للصلاح لأجلي (إني تبت إليك) مما تكرهه (وإني من المسلمين) المخلصين لك.
(أولئك) أي أهل هذا القول (الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا) يثابون على طاعتهم (ونتجاوز عن سيئاتهم) معدودين (في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) في الدنيا.
(والذي قال لوالديه) مبتدأ خبره أولئك (أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي) فلم يعادوا (وهما يستغيثان الله) يسألانه الغوث بتوفيقه للإيمان (ويلك ءامن) بالبعث (إن وعد الله) به (حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين) أباطيلهم التي سطروها.
(أولئك الذين حق عليهم القول) بالعذاب (في أمم قد خلت من قبلهم من الجن

والإنس) بيان الأمم (إنهم كانوا خاسرين) استئناف يعلل الحكم.
(ولكل) من الجنسين (درجات) مراتب متصاعدة في الجنة ومتنازلة في النار (مما عملوا) من جزاء ما عملوا من خير وشر (وليوفيهم أعمالهم) جزاءها (وهم لا يظلمون) في الجزاء.
(ويوم يعرض الذين كفروا على النار) يدخلونها وقيل تعرض هي عليهم فقلبت مبالغة يقال لهم (أذهبتم طيباتكم) لذاتكم (في حياتكم الدنيا) باشتغالكم بها (واستمتعتم بها) فاستوفيتموها (فاليوم تجزون عذاب الهون) الهوان (بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) بسبب تكبركم وفسقكم أو بمقابلتهما.
(واذكر أخا عاد) أي هودا (إذ أنذر قومه بالأحقاف) جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع دون الجبل واد يسكنونه بين عمان ومهرة أو الشحر من اليمن (وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه) مضت الرسل قبل هود وبعده (ألا) بأن لا أو أي لا (تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) إن عبدتم غيره.
(قالوا أجئتنا لتأفكنا عن ءالهتنا) لتصرفنا (فأتنا بما تعدنا) من العذاب (إن كنت من الصادقين) في مجيئه.
(قال إنما العلم عند الله) هو يعلم وقت عذابكم لا أنا (وأبلغكم ما أرسلت به) ما علي إلا البلاغ (ولكني أراكم قوما تجهلون) باستعجالكم العذاب.
(فلما رأوه) أي الموعود أو مبهم يفسره (عارضا) سحابا عرض في أفق السماء (مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا) قال تعالى (بل هو ما استعجلتم به) من العذاب (ريح فيها عذاب أليم).
(تدمر) تهلك (كل شيء) مرت به (بأمر ربها) بإرادته فأهلكتهم (فأصبحوا) بحيث لو جئتهم (لا يرى إلا مساكنهم كذلك) كما جزيناهم (نجزي القوم المجرمين) من أمثالهم.
(ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) إن نافية أي مكناهم في الذي أو في شيء لم نمكنكم من القوة والمال (وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة) ليدركوا الحجج ويتفكروا فيها (فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء) أي شيئا من الإغناء (إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق) حل (بهم ما كانوا به يستهزءون) من العذاب.

(و لقد أهلكنا ما حولكم من القرى) أي أهلها كعاد وثمود وقوم لوط (وصرفنا الآيات) كررناها (لعلهم يرجعون) عن كفرهم.
(فلو لا) فهلا (نصرهم) منعهم من العذاب (الذين اتخذوا من دون الله قربانا) متقربا بهم إلى الله (ءالهة) بدل منه أو مفعول ثاني وقربانا حال (بل ضلوا) غابوا (عنهم) عند نزول العذاب (وذلك) الاتخاذ (إفكهم) كذبهم (وما كانوا يفترون) وافترائهم على الله.
(وإذ صرفنا) أملنا (إليك نفرا من الجن) جن نصيبين أو نينوى، والنفر دون العشرة (يستمعون القرءان فلما حضروه) أي القرآن أو النبي وهو ببطن نخلة يصلي الفجر (قالوا) قال بعضهم لبعض (أنصتوا) لاستماعه (فلما قضى) فرغ من قراءته (ولوا) انصرفوا (إلى قومهم منذرين) إياهم بما سمعوا.
(قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى) لعلهم كانوا يهودا أو لم يسمعوا بأمر عيسى (مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق) الإسلام (وإلى طريق مستقيم) شرائعه.
(يا قومنا أجيبوا داعي الله) محمدا إلى الإيمان (وءامنوا به يغفر لكم) الله (من ذنوبكم) بعضها إذ منها المظالم ولا تغفر إلا برضا أهلها (ويجركم من عذاب أليم) يمنعكم منه.
(ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض) إذ لا يفوته هارب (وليس له من دونه أولياء) يمنعونه منه (أولئك في ضلال مبين).
(أولم يروا) يعلموا منكرو البعث (أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي) لم يتعب (بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى) هو قادر عليه (إنه على كل شيء قدير) ومنه إحياء الموتى.
(ويوم يعرض الذين كفروا على النار) ويقال لهم (أليس هذا) العذاب (بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) بكفركم.
(فاصبر) على أذى قومك (كما صبر أولوا العزم) ذو الجد والثبات (من الرسل) وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى فختموا بمحمد (ولا تستعجل لهم) لقومك العذاب فإنه مصيبهم لا محالة (كأنهم يوم يرون ما يوعدون) من العذاب في الآخرة (لم يلبثوا) في الدنيا في ظنهم (إلا ساعة من نهار) لهول ما عاينوا (بلاغ) أي هذا الذي وعظتم به كفاية أو تبليغ من الله إليكم (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) الخارجون عن أمر الله.




سورة محمد

(47) سورة محمد وتسمى سورة القتال ثمان أو تسع وثلاثون آية (38 - 39) مكية
إلا آية وكأين من قرية هي أشد نزلت حين توجه من مكة إلى المدينة أو وهو يرى البيت ويبكي عليه.
بسم الله الرحمن الرحيم
(الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) أي ضلوا وأضلوا (أضل أعمالهم) أبطلوا أعمالهم كصلة الأرحام وإطعام الطعام ونحوهما.
(والذين ءامنوا وعملوا الصالحات) بالهجرة والنصرة وغيرهما (وءامنوا بما نزل على محمد) أي القرآن تخصيص بعد تعميم للتعظيم المؤكد باعتراض (وهو الحق) الثابت (من ربهم) فهو ناسخ لا ينسخ (كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم) حالهم في دينهم ودنياهم.
(ذلك) الإضلال والتكفير (بأن) بسبب أن (الذين كفروا اتبعوا الباطل) الشيطان (والذين ءامنوا اتبعوا الحق من ربهم) القرآن (كذلك) البيان (يضرب) يبين (الله للناس أمثالهم) أحوالهم أو أحوال الفريقين ليعتبروا بهم.
(فإذا لقيتم الذين كفروا) في القتال (فضرب الرقاب) فاضربوا الرقاب ضربا فحذف الفعل وأضيف المصدر الدال عليه إلى المفعول (حتى إذا أثخنتموهم) أكثرتم قتلهم (فشدوا الوثاق) ما يوثق به أي فأسروهم وأحكموا وثاقهم (فإما منا بعد) أي تمنون عليهم بإطلاقهم بغير عوض منا بعد الأسر (وإما فداء) تفادوهم بعوض (حتى تضع الحرب) أي أهلها (أوزارها) أثقالها من السلاح والكراع بأن يسلم الكفار أو يسالموا أو آثامها أي حتى يصفوا شركهم (ذلك) أي الأمر ذلك (ولو يشاء الله لانتصر منهم) بإهلاكهم بلا قتال (ولكن) أمركم به (ليبلوا بعضكم ببعض) ليختبر المؤمنين بجهاد الكافرين فيظهر المطيع والعاصي (والذين قتلوا) وقرىء قتلوا (في سبيل الله فلن يضل أعمالهم) لن يضيعها.
(سيهديهم) إلى الجنة أو يثبتهم على الهدى (ويصلح بالهم) حالهم.
(ويدخلهم الجنة عرفها) بينها (لهم) بحيث يهتدون إلى منازلهم فيها أو بينها بوصفها في القرآن أو طيبها لهم من العرف طيب الرائحة.
(يا أيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله) أي دينه ورسوله (ينصركم ويثبت أقدامكم) في مواقف الحرب والقيام بأمر الدين.
(والذين كفروا فتعسا لهم) أي تعسوا تعسا دعاء عليهم بالعثور والتردي في جهنم (وأضل أعمالهم) عطف على تعسوا المقدر.
(ذلك) التعس والإضلال (بأنهم كرهوا ما أنزل الله) من القرآن والأحكام أو ما أنزل في حق علي (عليه السلام) كما عن الباقر (عليه السلام) (فأحبط أعمالهم).
(أفلم يسيروا في الأرض فينظروا
كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم) أهلكهم وأهلهم وأموالهم (وللكافرين) وضع موضع الضمير إيذانا بالعلة (أمثالها) أمثال عاقبة من قبلهم أو عقوبتهم المفهومة من التدمير.
(ذلك) أي نصر المؤمنين وقهر الكافرين (بأن الله مولى الذين ءامنوا) ناصرهم (وأن الكافرين لا مولى لهم).
(إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون) في الدنيا (ويأكلون كما تأكل الأنعام) منهمكين في شهواتهم معرضين عن العبر (والنار مثوى لهم) مقام ومنزل.
(وكأين) وكم (من قرية هي أشد قوة من قريتك) مكة وأريد بالقريتين أهلهما (التي أخرجتك) أي تسببوا لخروجك (أهلكناهم فلا ناصر لهم) من الإهلاك.
(أفمن كان على بينة) حجة واضحة (من ربه) كالرسول ومن تبعه (كمن زين له سوء عمله) من الشرك والمعاصي (واتبعوا أهواءهم) في أعمالهم أي بينهما بون بعيد.
(مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير ءاسن) متغير لعارض وقرىء أسن كحذر (وأنهار من لبن لم يتغير طعمه) إلى حموضة أو غيرها (وأنهار من خمر لذة للشاربين) لذيذ أو مصدر وصف به (وأنهار من عسل مصفى) خالص من الفضلات كالشمع وغيره (ولهم فيها من كل الثمرات) أصناف خالصة من العيوب (و) لهم (مغفرة من ربهم كمن) خبر محذوف أي من (هو خالد) في الجنة كمن هو خالد (في النار وسقوا) عوضا عن أشربة تلك الأنهار (ماء حميما) شديد الحر (فقطع أمعاءهم) بحره.
(ومنهم من يستمع إليك) إلى كلامك وهم المنافقون (حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال ءانفا) ما الذي قال الساعة استهزاء (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم) إذ خلاهم واختيارهم فتمكن الكفر في قلوبهم (واتبعوا أهواءهم) في النفاق.
(والذين اهتدوا زادهم) الله (هدى) باللطف والتوفيق (وءاتاهم تقواهم) وفقهم لها وأعطاهم جزاءها.
(فهل ينظرون) ما ينتظرون (إلا الساعة أن تأتيهم بغتة) فجأة (فقد جاء أشراطها) علاماتها كمبعث النبي وانشقاق القمر والدخان.

(فأنى) فمن أين (لهم إذا جاءتهم) الساعة (ذكراهم) تذكرهم أي لا ينفعهم حينئذ.
(فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك) من ترك الأولى (وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم) منتشركم بالنهار ومستقركم بالليل أو متقلبكم في الدنيا ومثواكم في الآخرة أي هو عالم بجميع أحوالكم فاحذروه.
(ويقول الذين ءامنوا لو لا) هلا (نزلت سورة) في أمر القتال (فإذا أنزلت سورة محكمة) مبينة غير متشابهة (وذكر فيها القتال) أي طلبه (رأيت الذين في قلوبهم مرض) نفاق أو ضعف إيمان (ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت) خوفا وجبنا (فأولى لهم) أي وليهم وقاربهم المكروه.
(طاعة وقول معروف) حسن خير لهم (فإذا عزم الأمر) جد وأسند إليه مجازا إذ العزم لأصحاب الأمر وجواب إذا (فلو صدقوا الله) في امتثال أمره بالجهاد (لكان) الصدق (خيرا لهم).
(فهل عسيتم) أي يتوقع منكم (إن توليتم) على الناس أو أعرضتم عن الدين (أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم).
(أولئك) المذكورون (الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) أي تركهم وما هم عليه.
(أفلا يتدبرون القرآن) بالتفكر في زواجره ومواعيده فيعتبروا (أم على قلوب أقفالها) فلا يدخلها معانيه وتنكير القلوب لتعم قلوب أمثالهم أضيفت الأقفال إليها إرادة لأقفال مختصة بها.
(إن الذين ارتدوا على أدبارهم) رجعوا إلى كفرهم (من بعد ما تبين لهم الهدى) بالحجج الواضحة (الشيطان سول) زين (لهم) اتباع أهوائهم (وأملى لهم) في الأمل.
(ذلك) التسويل والإملاء (بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله) أي بسبب أن المنافقين أو اليهود قالوا للمشركين وروي أنهم بنو أمية كرهوا ما نزل الله في ولاية علي (عليه السلام) (سنطيعكم في بعض الأمر) كالتظاهر على عداوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) والقعود عن الجهاد (والله يعلم إسرارهم) فيظهرها ومنها قولهم هذا.
(فكيف) يعملون (إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) التي كانوا يتقون أن تصيبها آفة في القتال فجنبوا عنه لذلك.
(ذلك) التوقي على تلك الحال (بأنهم اتبعوا ما أسخط الله) من الكفر والمعاصي (وكرهوا رضوانه) ما يرضيه من الإيمان والطاعات (فأحبط أعمالهم) لعدم إيمانهم.
(أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم) أي أحقادهم للنبي والمؤمنين.
(ولو نشاء لأريناكهم) لعرفناكهم (فلعرفتهم بسيماهم) بعلاماتهم (ولتعرفنهم في لحن القول) فحواه وإمالته إلى نحو تعريض للمؤمنين وروي هو بغضهم لعلي (عليه السلام) (والله يعلم أعمالكم) وكونها بإخلاص أو نفاق.

(و لنبلونكم) بالجهاد وغيره (حتى نعلم) علم ظهور (المجاهدين منكم والصابرين) في التكاليف (ونبلو أخباركم) التي تحكى عنكم كدعواكم الإيمان أو أسراركم.
(إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول) خالفوه (من بعد ما تبين لهم الهدى) وهو قريظة والنضير أو المطعمون يوم بدر (لن يضروا الله شيئا) وإنما ضروا أنفسهم (وسيحبط أعمالهم) بكفرهم.
(يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم) بما ينافي الإخلاص من عجب وكفر ورياء ومن وأذى.
(إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم) نزلت في أهل القليب وتعم غيرهم.
(فلا تهنوا) تضعفوا (وتدعوا) ولا تدعوا أو أن ندعو الكفار (إلى السلم) الصلح (وأنتم الأعلون) الغالبون (والله معكم) بالنصرة (ولن يتركم أعمالكم) لن ينقصكم أجرها من وترت الرجل إذا قتلت قريبه وأفردته عنه.
(إنما الحيوة الدنيا لعب ولهو) منقضية (وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم) فالفائدة تعود إليكم (ولا يسئلكم أموالكم) كلها بل فرض فيها يسيرا كربع العشر.
(إن يسئلكموها) كلها (فيحفكم) فيجهدكم بطلبها (تبخلوا) فتمنعوها (ويخرج) البخل أو الله (أضغانكم) على الرسول ودينه.
(ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله) في الغزو وغيره (فمنكم من يبخل) بما فرض عليه (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه) لعود ضرر البخل عليه (والله الغني وأنتم الفقراء) فأمركم بالإنفاق لفقركم إلى ثوابه (وإن تتولوا) عن طاعته (يستبدل) بخلق بدلكم (قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) في التولي عن طاعته، سئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عنهم فضرب فخذ سلمان وقال هذا وقومه، وعنهم (عليهم السلام) هم الموالي.


سورة الفتح

(48) سورة الفتح تسع وعشرون آية (29) مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(إنا فتحنا لك فتحا مبينا) وعد بفتح مكة والتعبير بالماضي لتحققه وقيل الفتح الحكم أي حكمنا لك بفتحها من قابل وقيل هو صلح الحديبية سمي فتحا لوقوعه بعد ظهور النبي على المشركين وطلبهم الصلح.
(ليغفر لك الله) علة للفتح من حيث إنه مسبب عن جهاده للكفار لإقامة الدين وهدم الشرك (ما تقدم من ذنبك وما تأخر) روي يعني ذنبك عند مشركي مكة بدعائك إلى توحيد الله قبل الهجرة وبعدها وروي ما كان له ذنب ولكن الله ضمن له أن يغفر ذنوب شيعته
(و يتم نعمته عليك) بإعلاء أمرك وإظهار دينك (ويهديك صراطا مستقيما) يثبتك عليه وهو دين الإسلام.
(وينصرك الله نصرا عزيزا) ذا عز لا ذل معه.
(هو الذي أنزل السكينة) الطمأنينة (في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا) بالشرائع التي تنزل على الرسول (مع إيمانهم بالله) أو ليزدادوا يقينا مع يقينهم (ولله جنود السموات والأرض) من الملائكة والثقلين (وكان الله عليما) بخلقه (حكيما) في تدبيرهم.
(ليدخل) متعلق بمحذوف أي أمركم بالجهاد أو بفتحنا أو إنزال أو يزدادوا (المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله) حال من (فوزا عظيما).
(ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء) بفتح السين وضمها (عليهم دائرة السوء) منقلبة أي يعود إليهم ضر ظنهم (غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا) هي.
(ولله جنود السموات والأرض وكان الله عزيزا حكيما).
(إنا أرسلناك شاهدا) على أمتك (ومبشرا) للمطيعين (ونذيرا) للعاصين.
(لتؤمنوا بالله ورسوله) خطاب للنبي وأمته وقرىء بالياء وكذا في الثلاثة بعده (وتعزروه) تنصروه بنصر دينه ورسوله (وتوقروه) تعظموه بتعظيم دينه ورسوله أو الهاء فيهما للرسول وفي (وتسبحوه) لله (بكرة وأصيلا) غدوة وعشيا أو دائما.
(إن الذين يبايعونك) بالحديبية (إنما يبايعون الله) لأن طاعتك طاعته (يد الله فوق أيديهم) تمثيل يؤكد ما قبله (فمن نكث) نقض البيعة (فإنما ينكث على نفسه) يعود ضرر نكثه على نفسه (ومن أوفى) ثبت على الوفاء (بما عاهد عليه الله) من البيعة (فسيؤتيه أجرا عظيما) هو الجنة.
(سيقول لك المخلفون من الأعراب) الذين خلفهم ضعف اليقين والخوف من قريش فظنوا أنه يهلك ولا ينقلب إلى المدينة فلما رجع اعتلوا وقالوا (شغلتنا أموالنا وأهلونا) عن الخروج معك (فاستغفر لنا) الله من تخلفنا عنك (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم) كذبهم الله فيما يقولون

(قل فمن يملك لكم من الله شيئا) فمن يمنعكم من مراده (إن أراد بكم ضرا) كقتل أو هزيمة (أو أراد بكم نفعا) كسلامة وغنيمة (بل كان الله بما تعملون خبيرا) فيعلم لما تخلفتم.
(بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا) بأن يستأصلهم العدو بل في الموضعين للانتقال من غرض إلى آخر (وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء) هذا وغيره (وكنتم قوما بورا) جمع بائر أي هالكين.
(ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا) نارا مسعرة ونكر تهويلا ووضع الكافرين موضع الضمير تسجيلا عليهم بالكفر.
(ولله ملك السموات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما) لم يقل غفورا معذبا طبق يغفر ويعذب لأن رحمته سبقت غضبه.
(سيقول المخلفون) المذكورون (إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها) هي مغانم خيبر فإنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) عاد من الحديبية فغزا خيبر بمن شهد الحديبية ففتحها وخصهم بغنائمها (ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله) وهو وعده بغنائم خيبر لأهل الحديبية خاصة (قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل) قبل عودنا من الحديبية (فسيقولون) ردا لذلك (بل تحسدوننا) أن نشارككم في الغنيمة (بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا) وهو فهمهم لأمور الدنيا دون الدين.
(قل للمخلفين من الأعراب) المذكورين (ستدعون) يدعوكم الرسول فيما بعد (إلى قوم أولي بأس شديد) من المشركين كهوازن وثقيف وغيرهم (تقاتلونهم أو يسلمون) والنبي دعاهم بعد الحديبية إلى خيبر ومؤتة وتبوك وغيرها (فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا) هو في الدنيا الغنيمة وفي الآخرة الجنة (وإن تتولوا كما توليتم من قبل) عن الحديبية (يعذبكم عذابا أليما) في الآخرة.
(ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) أي لا إثم عليهم في ترك الجهاد (ومن يطع الله ورسوله يدخله) بالياء والنون (جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه) بالياء والنون (عذابا أليما).
(لقد رضي الله عن المؤمنين) الخلص (إذ يبايعونك) بالحديبية وبه سميت بيعة الرضوان (تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم) من الإخلاص

(فأنزل السكينة) الطمأنينة عليهم (وأثابهم فتحا قريبا) فتح خيبر بعد عودهم من الحديبية.
(ومغانم كثيرة يأخذونها) من خيبر (وكان الله عزيزا) غالبا (حكيما) في تدبيره.
(وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها) من الفتوح إلى يوم القيامة (فعجل لكم هذه) أي غنيمة خيبر (وكف أيدي الناس عنكم) أيدي أهل خيبر وخلفائهم كأسد وغطفان أو أيدي قريش بالصلح (ولتكون) هذه المعجلة أو الكفة (آية للمؤمنين) على صدق الرسول في وعدهم فتح خيبر وإصابتهم غنائمها (ويهديكم صراطا مستقيما) يثبتكم أو يزيدكم بصيرة.
(وأخرى) أي وعدكم مغانم أخرى (لم تقدروا عليها) هي غنائم فارس والروم أو هوازن (قد أحاط الله بها) علما أنها ستصير إليكم (وكان الله على كل شيء) من فتح وغيره (قديرا).
(ولو قاتلكم الذين كفروا) من قريش بالحديبية (لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا) يحفظهم (ولا نصيرا) يعينهم.
(سنة الله التي قد خلت من قبل) أي سن نصر أوليائه على أعدائه سنة قديمة في الأمم (ولن تجد لسنة الله تبديلا) تغييرا.
(وهو الذي كف أيديهم عنكم) بالرعب (وأيديكم عنهم) بالنهي (ببطن مكة) في داخلها أو بالحديبية (من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا).
(هم الذين كفروا وصدوكم) بالحديبية (عن المسجد الحرام) أن تطوفوا فيه للعمرة (والهدي) وصدوا الهدي (معكوفا) حال أي محبوسا (أن يبلغ محله) مكانه المعهود لنحره وهو مكة لأنها منحر العمرة كما أن منى منحر الحج وفي الصد ينحر حيث يصد كما فعل (صلى الله عليه وآله وسلّم) (ولو لا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم) بأعيانهم لاختلاطهم بالكفار (أن تطئوهم) تهلكوهم لو أذن لكم (فتصيبكم منهم معرة) تبعة كلزوم الدية والكفارة أو إثم بترك الفحص عنهم (بغير علم) متعلق بتطؤهم وجواب لو لا محذوف أي لما كف أيديكم عنهم (ليدخل الله في رحمته من يشاء) من المؤمنين ومن أسلم بعد الصلح من المشركين (لو تزيلوا) تميزوا عن الكفار (لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) بالقتل والسبي.
(إذ جعل) ظرف لعذبنا أو لأذكر مقدر (الذين كفروا في قلوبهم الحمية) الأنفة (حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها) من غيرهم أو أحقاء بها (وأهلها وكان الله بكل شيء عليما) فيعلم أنهم أهلها.

(لقد صدق الله رسوله الرؤيا) رأى (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل خروجه إلى الحديبية أنه وأصحابه دخلوا مكة آمنين محلقين ومقصرين صدقا متلبسا (بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ءامنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون) مشركا أبدا (فعلم ما لم تعلموا) من الصلاح في تأخير الدخول (فجعل من دون ذلك) أي الدخول (فتحا قريبا) هو فتح خيبر.
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره) ليعلي دين الحق (على الدين كله) بالحجة أو على أهل كل دين فيقهرهم وعنهم (عليهم السلام) يكون ذلك عند خروج المهدي (وكفى بالله شهيدا) بذلك.
(محمد رسول الله والذين معه) أصحابه الخلص (أشداء) غلاظ (على الكفار رحماء) متعاطفون فيما (بينهم تراهم ركعا سجدا) أي كثيري الصلاة (يبتغون فضلا من الله ورضوانا) زيادة ثوابه ورضاه (سيماهم) علامتهم (في وجوههم من أثر السجود) وهي النور والبهاء أو الصفرة والذبول أو سمة تحدث في جباههم من تعفيرها (ذلك) الوصف المذكور (مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه) فراخه (فآزره) فقواه وأعانه (فاستغلظ) صار غليظا (فاستوى على سوقه) استقام على قصبته (يعجب الزراع) لغلظه واستوائه وحسنه وجه الشبه أن النبي خرج وحده ثم كثروا وقووا على أحسن حال (ليغيظ بهم الكفار) علة للتشبيه (وعد الله الذين ءامنوا وعملوا الصالحات) أي ثبتوا على الإيمان والطاعة (منهم مغفرة) لذنوبهم (وأجرا عظيما) هو الجنة.


سورة الحجرات

(49) سورة الحجرات ثماني عشر آية (18) مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الذين ءامنوا لا تقدموا) متعد حذف مفعوله ليعم كل أمر أو ترك قصدا إلى التقديم لا إلى مفعوله أو لازم أي لا تقدموا بقول أو فعل ويعضده قراءة تقدموا بالفتحات (بين يدي الله ورسوله) أصله بين جهتي يدي الإنسان والمراد لا تعجلوا بأمر قبل إذنهما فيه أو أريد بين يدي الرسول وذكر الله تعظيما له (واتقوا الله) في أوامره ونواهيه (إن الله سميع) لأقوالكم (عليم) بأفعالكم.
(يا أيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق
صوت النبي) إذا خاطبتموه (ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض) فإنه ليس كأحدكم وكرر نداءهم لمزيد التذكير وإيذانا باستقلال المنادى له والاهتمام به (أن تحبط أعمالكم) علة للنهيين أي مخافة حبوطها (وأنتم لا تشعرون) بذلك.
(إن الذين يغضون) يخفضون (أصواتهم عند رسول الله) إجلالا له (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) اختبرها وجبرها للتقوى إذ الامتحان سبب للمعرفة فوضع موضعها أو ضربها بمحن التكاليف لتظهر منهم التقوى بصبرهم عليها (لهم مغفرة) لذنوبهم (وأجر عظيم) بطاعتهم.
(إن الذين ينادونك من وراء الحجرات) يا محمد اخرج إلينا (أكثرهم لا يعقلون) إخلالهم برعاية الأدب وتوقير منصب النبوة.
(ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان) الصبر (خيرا لهم) في دينهم بنيل الثواب ودنياهم بأن يوصفوا بالعقل والأدب (والله غفور رحيم) لمن تاب منهم.
(يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا) اطلبوا بيان صدقه وكذبه (أن تصيبوا) كراهة إصابتكم (قوما بجهالة) جاهلين أمرهم (فتصبحوا على ما فعلتم) من الخطايا بالإصابة (نادمين).
(واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر) الذي تريدون أن يتبع رأيكم فيه (لعنتم) لوقعتم في العنت والمشقة (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر) جحود الحق (والفسوق) الخروج عن القصد (والعصيان) ضد الإطاعة (أولئك) المستثنون (هم الراشدون) المهتدون إلى كل خير.
(فضلا من الله ونعمة) علة ل حبب، وكره وما بينهما اعتراض (والله عليم) بأحوالهم (حكيم) في تدبيرهم.
(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) جمع باعتبار المعنى (فأصلحوا بينهما) بما فيه رضا الله (فإن بغت) تعدت (إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) ترجع إلى حكمه (فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل) قيد به الإصلاح الواقع بعد القتال لأنه مظنة الحيف (وأقسطوا) اعدلوا في كل أمر (إن الله يحب المقسطين) يرضى فعلهم ويصيبهم عليه.
(إنما المؤمنون إخوة) في الدين (فأصلحوا بين أخويكم) إذا تخاصما والتنبيه بحسب الأغلب (واتقوا الله) في جميع الأمور (لعلكم ترحمون) بتقواكم.
(يا أيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم) رجال منكم

(من قوم) خص بالرجال لأنهم قوامون على النساء (عسى أن يكونوا خيرا منهم) عند الله (ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم) أي لا يعيب بعضكم بعضا لأنكم كنفس واحدة (ولا تنابزوا بالألقاب) لا يدعو بعضكم بعضا بلقب يكرهه (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) أي بئس الذكر أن يذكر الرجل بالفسوق كاليهودية بعد إيمانه أو المعنى أن التنابز فسق يقبح الجمع بينه وبين الإيمان (ومن لم يتب) عما نهي عنه (فأولئك هم الظالمون) بإصرارهم على المعاصي.
(يا أيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرا من الظن) قيد بالكثير لأن منه ما يحسن كحسن الظن بالله وبأهل الصلاح (إن بعض الظن إثم) يستحق به العقوبة (ولا تجسسوا) تتبعوا عورات المؤمنين بالبحث عنها (ولا يغتب بعضكم بعضا) سئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الغيبة فقال أن تذكر أخاك بما يكرهه فإن كان فيه فقد اغتبته وإلا فقد بهته (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) تمثيل الاغتياب بأفضح مثال وفيه مبالغات تقرير الاستفهام ومحبة المكروه وإشعارا حد بأن لا أحد يحبه والتمثيل بأكل لحم الإنسان وكونه أخا وميتا (فكرهتموه) أي عرض عليكم ذلك فكرهتموه بحكم العقل والطبع فاكرهوا ما هو نظيره (واتقوا الله) بترك الغيبة (إن الله تواب رحيم).
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) آدم وحواء فنسب الكل واحد وجعلناكم شعوبا) جمع شعب وهو أعم طبقات النسب (وقبائل) هي دون الشعوب ودونها العمائر ثم البطون ثم الأفخاذ ثم الفصائل وقيل الشعوب للعجم والقبائل للعرب (لتعارفوا) ليعرف بعضكم بعضا بالأنساب لا لتفاخروا بها (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فلا تتفاضلون إلا بالتقوى (إن الله عليم) بكم (خبير) بأحوالكم.
(قالت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا) إيمانا حقيقيا يتواطأ فيه القلب واللسان (ولكن قولوا أسلمنا) انقدنا ودخلنا في السلم بإظهار الشهادتين (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله) بالإخلاص (لا يلتكم من أعمالكم) لا ينقصكم من ثوابها (شيئا إن الله غفور رحيم) لمن أخلص له.
(إنما المؤمنون) على الحقيقة (الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا) لم يشكوا فيما ءامنوا به (وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) في ادعاء الإيمان.
(قل) توبيخا لهم (أتعلمون الله بدينكم) في قولكم آمنا (والله يعلم ما في السموات وما في الأرض والله بكل شيء عليم) ومنه إيمانكم.
(يمنون عليك أن أسلموا) أي بإسلامهم إذ قالوا أسلمنا من غير قتال (قل لا تمنوا علي إسلامكم) نصب بنزع الباء (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) الذي ادعيتموه

(إن كنتم صادقين) في ادعائه.
(إن الله يعلم غيب السموات والأرض) ما غاب فيهما (والله بصير بما تعملون) لا يخفى عليه شيء.


سورة ق

(50) سورة ق خمس وأربعون آية (45) مكية
إلا آية ولقد خلقنا السموات والأرض.
بسم الله الرحمن الرحيم
(ق والقرءان المجيد) ذي الشرف على سائر الكتب.
(بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم) من جنسهم ينذرهم بالبعث والعذاب (فقال الكافرون) وضع الظاهر موضع ضمير هم تسجيلا عليهم بالكفر (هذا شيء عجيب).
(أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد) عن الوهم.
(قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ) لجميع الأشياء فلا يخفى عن علمنا شيء.
(بل كذبوا بالحق) القرآن أو الرسول (لما جاءهم فهم في أمر مريج) مضطرب في شأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والقرآن فقالوا مرة سحر وساحر، وأخرى شعر وشاعر، وثالثة كهانة وكاهن.
(أفلم ينظروا) حين أنكروا البعث (إلى السماء) كائنة (فوقهم كيف بنيناها) بلا عمد (وزيناها) بالنيرات (وما لها من فروج) شقوق توجب خللا فيها.
(والأرض مددناها) بسطناها (وألقينا فيها رواسي) جبالا ثوابت (وأنبتنا فيها من كل زوج) صنف (بهيج) حسن.
(تبصرة وذكرى) علتان أي فعلنا ذلك تبصيرا وتذكيرا (لكل عبد منيب) راجع إلى ربه.
(ونزلنا من السماء ماء مباركا) كثير الخير (فأنبتنا به جنات) بساتين (وحب الحصيد) وحب الزرع الذي يحصد.
(والنخل باسقات) طوالا حال (لها طلع نضيد) منضود بعضه على بعض.
(رزقا للعباد) مفعول له (وأحيينا به) بذلك الماء (بلدة ميتا) جدبة (كذلك) الإحياء للبلدة (الخروج) خروج الموتى حيا.
(كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس) البئر الذي رسوا فيها نبيهم وهو حنظلة أو غيره وكانوا عبدة أصنام، وعنهم كان فيهم سحق النساء (وثمود).
(وعاد وفرعون) أي هو وقومه (وإخوان لوط).
(وأصحاب الأيكة
وقوم تبع) سبق في الحجر والدخان (كل) من المذكورين (كذب الرسل) كقومك (فحق وعيد) فوجب حلول عذابي بهم وفيه تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم).
(أفعيينا بالخلق الأول) استفهام إنكاري أي لم نعي به ولم نعجز عنه فكيف نعجز عن الإعادة (بل هم في لبس) في شك (من خلق جديد) وهو الإعادة.
(ولقد خلقنا الإنسان ونعلم) حال أي ونحن نعلم (ما توسوس) ما تحدث (به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) الحبل العرق وإضافته بيانية الوريدان عرقان بصفحتي العنق.
(إذ يتلقى المتلقيان) مقدر باذكر أو ظرف لأقرب أي هو أعلم به من كل قريب حين يأخذ الملكان ما يعمله فيكتبانه فلم يحتج إلى كتابتهما وإنما هو لطف للعبد بزيادة ردعه بذلك (عن اليمين وعن الشمال قعيد) أي عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد وقيل فعيل للواحد والمتعدد.
(ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب) حافظ لعمله (عتيد) حاضر معه.
(وجاءت سكرة الموت) شدته المزيلة للعقل وعبر بالماضي لقربه (بالحق) بحقيقة الأمر (ذلك) أي الموت (ما كنت) يا إنسان (منه تحيد) تهرب.
(ونفخ في الصور) نفخة البعث (ذلك يوم الوعيد) يوم وقوعه.
(وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) ملك يسوقها وآخر يشهد عليها أو واحد له الوصفان أو السائق نفسه والشاهد جوارحه ويقال له.
(لقد كنت في غفلة من هذا) الأمر (فكشفنا عنك غطاءك) غفلتك عن ذلك (فبصرك اليوم حديد) حاد نافذ لا يحجبه شيء لزوال الغواشي والحجب والشهوات.
(وقال قرينه) الملك الشاهد عليه (هذا ما لدي) هذا الأمر الذي هو مكتوب عندي (عتيد) حاضر.
(ألقيا في جهنم) خطاب للسائق والشهيد وروي لمحمد وعلى (كل كفار عنيد) معاند للحق.
(مناع للخير) للمال عن حقوقه (معتد) ظالم (مريب) شاك في الدين.
(الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد).
(قال قرينه) الشيطان (ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد) أي مختارا للضلال فدعوته.
(قال لا تختصموا لدي) في الموقف إذ لا ينفعكم (وقد قدمت إليكم بالوعيد) على الكفر على ألسنة رسلي.
(ما يبدل القول لدي) أي لا يقع خلاف وعيدي للكفرة (وما أنا بظلام للعبيد) فأعاقب من لا جرم له.
(يوم نقول لجهنم هلا امتلأت) سؤال تقرير (وتقول) جوابا (هل من مزيد) هل في زيادة أي قد امتلأت ولم يبق في موضع خال أو المعنى أنها تطلب الزيادة بعد امتلائها غيظا على العصاة.
(وأزلفت الجنة) قربت (للمتقين) مكانا (غير بعيد) منهم ويقال لهم.
(هذا) الثواب أو الإزلاف (ما توعدون لكل أواب) رجاع إلى الله (حفيظ) حافظ لحدوده.
(من خشي الرحمن بالغيب) خشية ولم يره (وجاء بقلب منيب) راجع إلى الله.
.

(ادخلوها بسلام) سالمين من كل مكروه أو مع سلام من الله وملائكته (ذلك) اليوم (يوم الخلود).
(لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد) مما لم يخطر ببال أحد.
(وكم أهلكنا قبلهم من قرن) من القرون المكذبة (هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص).
(إن في ذلك) المذكور (لذكرى) لتذكرة (لمن كان له قلب) يعي به العبر (أو ألقى السمع) أصغى إلى الوعظ (وهو شهيد) حاضر بذهنه ليفهم ما يسمع.
(ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام) أولها الأحد وآخرها الجمعة (وما مسنا من لغوب) تعب رد لقول اليهود إنه استراح يوم السبت.
(فاصبر على ما يقولون) أي المشركون من تكذيبك فإنهم لا يعجزون الله (وسبح بحمد ربك) نزهه عما لا يليق به (قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) أي الفجر والعصر.
(ومن الليل) أي بعضه (فسبحه) نزهه (وأدبار السجود) جمع دبر أي أعقاب الصلاة وعن الصادق (عليه السلام) هو الوتر آخر الليل.
(واستمع يوم يناد المناد) إسرافيل أو غيره (من مكان قريب) بحيث يسمع الكل على حد سواء.
(يوم يسمعون الصيحة) النفخة الثانية (بالحق) بالبعث متعلق بالصيحة (ذلك يوم الخروج) من القبور.
(إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير) بعد الموت للجزاء.
(يوم تشقق الأرض عنهم سراعا) مسرعين (ذلك) الإحياء (حشر) بعث (علينا يسير) هين.
(نحن أعلم بما يقولون) تهديد لهم وتسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) (وما أنت عليهم بجبار) بمسلط تجبرهم على الإيمان إنما أنت مذكر (فذكر بالقرءان من يخاف وعيد) خص لأنه المنتفع به
.


سورة الذاريات

(51) سورة الذاريات ستون آية (60) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(والذاريات ذروا) الرياح تذرو التراب وغيره.
(فالحاملات وقرا) ثقلا السحاب الحاملة للمطر.
(فالجاريات) السفن الجارية في البحر (يسرا) مصدر وقع حالا أي ميسرة أو صفة مصدر محذوف أي جريا ذا يسر.
(فالمقسمات أمرا) الملائكة المقسمة للأمطار والأرزاق وغيرها وقيل الأربعة للرياح فإنها تذرو التراب وتحمل السحاب وتجري من المهاب وتقسم الأمطار بتصريف السحاب.
(إنما توعدون) من البعث وغيره (لصادق) لا خلف له.
(وإن الدين) الجزاء (لواقع).
(والسماء ذات الحبك) ذات الطرق أو النجوم المزينة لها جمع حبيك أو حباك.
(إنكم لفي قول مختلف) في الرسول والقرآن إذ قلتم ساحر شاعر مجنون.
(يؤفك عنه من أفك) يصرف عن الرسول أو القرآن أي عن الإيمان به من صرف عن الخير.
(قتل الخراصون) لعن الكذابون.
(الذين هم في غمرة) جهل يغمرهم (ساهون) عما يجب عليهم.
(يسئلون) استهزاء (أيان يوم الدين) وقت الجزاء.
(يوم هم على النار يفتنون) يعذبون.
(ذوقوا فتنتكم) عذابكم (هذا) العذاب (الذي كنتم به تستعجلون) في الدنيا تكذيبا.
(إن المتقين في جنات وعيون).
(ءاخذين ما ءاتاهم ربهم) من الثواب (إنهم كانوا قبل ذلك محسنين) أي استحقوا ذلك بإحسانهم في الدنيا.
(كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) ينامون في قليل من الليل أو نوما قليلا.
(وبالأسحار هم يستغفرون) مع ذلك كأنهم باتوا في معصيته.
(وفي أموالهم حق) معلوم ألزموا به أنفسهم (للسائل والمحروم) الذي يحسب غنيا فيحرم الصدقة لتعففه.
(وفي الأرض ءايات) دلائل من بسطها وسكونها أو اختلاف بقاعها وما فيها من المواليد وغيرها (للموقنين) خصهم لأنهم المنتفعون بذلك.
(وفي أنفسكم) آيات أيضا إذ في الإنسان ما في العالم الأكبر مع ما خص به من الأمور العجيبة والتصرفات الغريبة (أفلا تبصرون) ذلك معتبرين به.
(وفي السماء رزقكم) تقديره أو سببه وهو المطر (وما توعدون) من الثواب والعقاب فإنه مكتوب فيها أو في الجنة فإنها في السماء.
(فورب السماء والأرض إنه) أي ما ذكر من أمر الآيات والرزق والوعد (لحق مثل ما أنكم تنطقون) مثل نطقكم عندكم في حقية صدوره عنكم.
(هل أتاك حديث ضيف إبراهيم) جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وكروبيل (المكرمين) عند الله.
(إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما) سلمنا سلاما (قال سلام) عليكم (قوم منكرون) أي أنتم أو هؤلاء قوم لا نعرفهم.
(فراغ) ذهب (إلى أهله فجاء بعجل سمين) مشوي لقوله في هود حنيذ.
(فقربه إليهم قال ألا تأكلون) الهمزة للعرض أو الإنكار.
(فأوجس) أضمر (منهم خيفة) لإعراضهم عن طعامه (قالوا لا تخف) إنا رسل الله (وبشروه بغلام عليم) وهو إسحق.
(فأقبلت امرأته) سارة (في صرة) في صيحة حال أي أقبلت صائحة (فصكت وجهها) لطمته تعجبا (وقالت) أنا (عجوز) بنت تسع وتسعين (عقيم) عاقر فكيف ألد.
(قالوا كذلك) كما قلنا في البشارة (قال ربك إنه هو الحكيم) في صنعه (العليم) بخلقه.
(قال فما خطبكم) شأنكم (أيها المرسلون).
(قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) أي قوم لوط.

(لنرسل عليهم حجارة من طين) متحجر وهو السجيل.
(مسومة) معلمة للعذاب أو باسم من يرمى بها (عند ربك) في قدرته (للمسرفين) المتعدين حدود الله.
(فأخرجنا من كان فيها) في قرى قوم لوط (من المؤمنين) ليسلموا من العذاب.
(فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) لوط وابنتاه.
(وتركنا فيها آية) علامة هي الحجارة أو غيرها (للذين يخافون العذاب الأليم) فيعتبرون فيها.
(وفي موسى) عطف على وفي الأرض (إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين) برهان بين.
(فتولى بركنه) أي أعرض بجانبه أو مع جنوده الذين هم كالركن له لتقويته بهم (وقال) هو (ساحر أو مجنون) جهلا أو تلبيسا.
(فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم) فطرحناهم في البحر (وهو مليم) آت بما يلام عليه من الكفر والعتو.
(وفي عاد) أيضا (إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) هي ريح لا خير فيها.
(ما تذر من شيء أتت) مرت (عليه إلا جعلته كالرميم) كالبالي المتفتت.
(وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين) يفسره آية تمتعوا في دياركم ثلاثة أيام.
(فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة) الهلاك بعد السلامة (وهم ينظرون) يعاينونها نهارا.
(فما استطاعوا من قيام) أي جثموا فلم ينهضوا (وما كانوا منتصرين) ممتنعين منها.
(وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين) خارجين عن القصد بكفرهم.
(والسماء بنيناها بأيد) بقوة (وإنا لموسعون) لقادرون.
(والأرض فرشناها) مهدناها وبسطناها (فنعم الماهدون) نحن.
(ومن كل شيء خلقنا زوجين) صنفين كالذكر والأنثى والسماء والأرض والشمس والقمر وغيرها (لعلكم تذكرون) تتذكرون فتعلمون أن خالق الأزواج فرد أحد لا يشبهه شيء.
(ففروا إلى الله) التجئوا إليه من عقابه بالإيمان والطاعة (إني لكم منه نذير مبين).
(ولا تجعلوا مع الله إلها ءاخر إني لكم منه نذير مبين) كرر تأكيدا.
(كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون) فيه تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم).
(أتواصوا به) بهذا القول استفهام بمعنى النفي (بل هم قوم طاغون) أي لم يجمعهم عليه التواطؤ لتباعد أزمنتهم بل جمعهم طغيانهم.
(فتول) فأعرض (عنهم

فما أنت بملوم) على إعراضك بعد بذل الجهد في تبليغهم.
(وذكر) عظ مع ذلك (فإن الذكرى تنفع المؤمنين).
(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) صريح في أن أفعاله تعالى معللة بالأغراض والمصالح.
(وما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) أي ما أريد أن أربح عليهم بل ليربحوا علي.
(إن الله هو الرزاق) لخلقه الغني عنهم (ذو القوة المتين) الشديد.
(فإن للذين ظلموا) أنفسهم بالكفر والمعاصي (ذنوبا) نصيبا من العذاب (مثل ذنوب أصحابهم) مثل نصيب نظائرهم المهلكين، أخذ من مقاسمة الماء بالذنوب وهو الدلو العظيمة (فلا يستعجلون) بالعذاب فإنهم لا يفوتون.
(فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون) وهو يوم القيامة.


سورة الطور

(52) سورة الطور ثمان أو تسع وأربعون آية (48 - 49) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(والطور) هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى.
(وكتاب مسطور) مكتوب هو القرآن أو التوراة أو ما كتب في اللوح المحفوظ أو صحائف الأعمال.
(في رق) هو ما يكتب في الكتاب وأصله الجلد الذي يكتب فيه (منشور).
(والبيت المعمور) هو الضراح في السماء الرابعة عمر بالملائكة أو الكعبة عمرت بالحجاج.
(والسقف المرفوع) أي السماء.
(والبحر المسجور) المملوء أو الموقد روي أن البحار في القيامة تجعل نارا تسجر بها جهنم كقوله وإذا البحار سجرت.
(إن عذاب ربك لواقع) لا محالة.
(ما له من دافع) يدفعه.
(يوم تمور السماء مورا) تتحرك وتضطرب.
(وتسير الجبال سيرا) عن مقارها فتصير هباء.
(فويل يومئذ للمكذبين) للرسل.
(الذين هم في خوض يلعبون) في شغل باطل يلهون.
(يوم يدعون إلى نار جهنم دعا) يدفعون إليها بعنف مغلولة أيديهم إلى أعناقهم مجموعة نواصيهم إلى أقدامهم ويقال لهم توبيخا.
(هذه النار التي كنتم بها تكذبون).
(أفسحر هذا) الذي تعاينوه كما كنتم تقولون للوحي إنه سحر (أم أنتم لا تبصرون) هذا أيضا كما كنتم لا تبصرون دلائله في الدنيا.
(اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا) صبركم وعدمه (سواء عليكم) في عدم النفع (إنما تجزون ما كنتم تعملون) أي جزاءه.
(إن المتقين في جنات ونعيم) التنكير للتعظيم.
(فاكهين) متلذذين (بما ءاتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم) ويقال لهم.
(كلوا واشربوا هنيئا) أكلا وشربا هنيئا لا تنغص فيه (بما كنتم تعملون) بسببه أو مقابله.
(متكئين على سرر مصفوفة) مصطفة (وزوجناهم بحور عين).
(والذين ءامنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان) جعلناهم تابعين لهم وهو إيمان الآباء وكبار الذرية (ألحقنا بهم ذريتهم) في درجاتهم في الجنة وإن كانوا دونهم كرامة للآباء (وما ألتناهم) نقصناهم (من عملهم) من ثوابه (من شيء) بإعطاء الأبناء بل أعطينا الأبناء تفضلا منا (كل امرىء بما كسب) عمل (رهين) مرهون فإن عمل خيرا فك نفسه وإلا أوثقها.
(وأمددناهم) زدناهم وقتا بعد وقت (بفاكهة ولحم مما يشتهون) من أنواعهما.
(يتنازعون) يتعاطون بينهم (فيها) في الجنة (كأسا) خمرا سميت بمحلها (لا لغو فيها ولا تأثيم) لا يتحدثون بباطل بسبب شربها ولا يفعلون بما يؤثمون به بخلاف خمر الدنيا.
(ويطوف عليهم) للخدمة (غلمان) مماليك (لهم كأنهم) في الحسن والصفا (لؤلؤ مكنون) مصون في الصدف.
(وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) عن أحوالهم يتحدثون بنعمة ربهم وتلذذا بذكرها.
(قالوا إنا كنا قبل في أهلنا) في الدنيا (مشفقين) خائفين من عذاب الله.
(فمن الله علينا) بالرحمة والمغفرة (ووقانا عذاب السموم) أي النار النافذة في المسام.
(إنا كنا من قبل ندعوه) نعبده أو نسأله فضله (إنه هو البر الرحيم).
(فذكر) فاثبت على التذكير ولا تبال بقولهم (فما أنت بنعمة ربك) بسبب إنعامه عليك (بكاهن ولا مجنون) كما يزعمون.
(أم) بل (يقولون شاعر نتربص به ريب المنون) ما يقلق من حوادث الدهر فيهلك كما هلك الشعراء.
(قل تربصوا) هلاكي (فإني معكم من المتربصين) هلاككم.
(أم تأمرهم أحلامهم) عقولهم (بهذا) القول المنافي إذ الكاهن ذو فطنة والمجنون مغطى عقله والشاعر ذو كلام موزون مخيل وتنافيهما ظاهر وفيه توبيخ وتهكم (أم) بل (هم قوم طاغون) بعنادهم.
(أم يقولون تقوله) اختلق القرآن (بل لا يؤمنون) عنادا.
(فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين) في قولهم تقوله.
(أم خلقوا من غير شيء) من غير خالق (أم هم الخالقون) أنفسهم.
(أم خلقوا السموات والأرض) المخلوقين قبل خلقهم ولا يعقل أثر بلا مؤثر (بل لا يوقنون) بذلك وإلا لوحدوه وأطاعوا رسوله.
(أم عندهم خزائن ربك) خزائن فضله وعلمه فيختارون للنبوة من شاءوا

(أم هم المصيطرون) المتسلطون على العالم يدبرونه حسب مشيئتهم.
(أم لهم سلم) مرقى إلى السماء (يستمعون) الوحي (فيه) أي عليه فيعلمون ما هو الحق (فليأت مستمعهم) مدعي الإستماع (بسلطان مبين) على دعواه.
(أم له البنات) بزعمكم الملائكة بنات الله (ولكم البنون) تلك إذا قسمة ضيزى.
(أم تسئلهم أجرا) على التبليغ (فهم من مغرم) عزم لك (مثقلون) أثقلهم ذلك فلا يؤمنون.
(أم عندهم الغيب) أي علمه المختص بالله (فهم يكتبون) ذلك فيعلمون عواقب الأمور.
(أم يريدون كيدا) بك (فالذين كفروا هم المكيدون) المغلوبون العائد عليهم وبال الكيد.
(أم لهم إله غير الله) يمنعهم منه (سبحان الله عما يشركون) من الآلهة والاستفهام بأم في الكل للإنكار والتقريع.
(وإن يروا كسفا) قطعة عذاب (من السماء ساقطا) عليهم كما قالوا فأسقط علينا كسفا من السماء (يقولوا) عنادا هذا (سحاب مركوم) بعضه فوق بعض.
(فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون) يموتون وهو عند النفخة الأولى.
(يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون).
(وإن للذين ظلموا) للعهد أو الجنس (عذابا دون ذلك) قبل القيامة في القبر أو الدنيا كقتل بدر والقحط (ولكن أكثرهم يعلمون) نزوله بهم.
(واصبر لحكم ربك) بإمهالهم واحتمل أذاهم (فإنك بأعيننا) بمرأى منا نراك ونكلؤك والجمع للمبالغة والتعظيم (وسبح بحمد ربك حين تقوم) من مجلسك أو منامك.
(ومن الليل) بعضه (فسبحه) أيضا (وإدبار النجوم) حين تدبر أي تخفى بضوء الصبح أو تغرب أو ومن الليل فصل صلاته أو العشاءين وحين تدبر النجوم صل ركعتي الفجر أو الصبح.


سورة النجم

(53) سورة النجم اثنتان وستون آية (62) مكية
إلا آية الذين يجتنبون.
بسم الله الرحمن الرحيم
(والنجم إذا هوى) الثريا أو جنس نجوم السماء إذا غرب أو انتشر في القيامة أو انقض أو نجوم القرآن إذا نزل أو النبات إذا سقط على الأرض.
(ما ضل) ما عدل (صاحبكم) محمد عن طريق الحق (وما غوى) ما خاب عن إصابة الرشد.
(وما ينطق) بما يؤديه إليكم (عن الهوى) عن التشهي.
(إن هو) ما الذي ينطق به (إلا وحي يوحى) إليه من الله.
(علمه) إياه ملك (شديد القوى) جمع قوة وهو جبرائيل.
(ذو مرة) قوة عقلية أو جسمية فيراد بالأولى العقلية (فاستوى) استفهام على صورته الحقيقية.
(وهو) أي جبرئيل (بالأفق الأعلى) الشرقي.
(ثم دنا) من النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) (فتدلى) فنزل إليه.
(فكان) منه (قاب) مقدار (قوسين أو أدنى) في تقديركم.
(فأوحى) جبرائيل أو الله على لسانه (إلى عبده) محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (ما أوحى) جبرائيل أو الله إليه أو إلى جبرائيل وفيه تفخيم للموحى به.
(ما كذب الفؤاد ما رأى) أي فيما رأى من صورة جبرئيل أو ما أنكر فؤاده ما رآه ببصره.
(أفتمارونه على ما يرى) تجادلونه عليه من المراء المجادلة.
(ولقد رءاه) أي جبرائيل على صورته (نزلة أخرى).
(عند سدرة المنتهى) هي شجرة فوق السماء السابعة عن يمين العرش ينتهي إليها علم كل ملك أو ما ينزل من فوقها ويعرج من تحتها.
(عندها جنة المأوى) الجنة التي يأوي إليها المتقون.
(إذ يغشى السدرة ما يغشى) من النور والبهاء والملائكة يسبحون الله عنده.
(ما زاغ البصر وما طغى) ما مال بصر النبي عن المقصود وما جاوز الحد المحدود.
(لقد رأى من ءايات ربه الكبرى) أي بعض آياته العظام من عجائب الملكوت أو صورة جبرائيل.
(أفرأيتم اللات والعزى ومنوة الثالثة) للمذكورين قبلها (الأخرى) صفة ذم أي المتأخرة الوضيعة وهي أصنام كانت لهم.
(ألكم الذكر وله الأنثى) إنكار لزعمهم أن الملائكة بنات الله.
(تلك إذا قسمة ضيزى) جائرة إذ جعلتم له ما تكرهون ولكم ما تحبون.
(إن هي) ما الأصنام باعتبار الألوهية أو ما الصفة التي تصفونها بها (إلا أسماء سميتموها أنتم وءاباؤكم) تشبيها (ما أنزل الله بها من سلطان) برهان تتمسكون به (إن يتبعون إلا الظن) الناشىء من التقليد والتوهم الباطل (وما تهوى الأنفس) وما تشتهيه أنفسهم (ولقد جاءهم من ربهم الهدى) الرسول والقرآن فرفضوه.
(أم للإنسان) أم منقطعة تضمنت الإنكار أي ليس لكل إنسان منهم (ما تمنى) من شفاعة الأصنام.
(فلله الآخرة والأولى) فهو المعطي والمانع ولا حكم لأحد عليه.
(وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله) لهم أن يشفعوا (لمن يشاء) من عباده (ويرضى) عنه كقوله ولا يشفعون إلا لمن ارتضى فكيف تشفع الجمادات لعبدتها.
(إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة) أي كل فرد منهم (تسمية الأنثى) لقولهم بنات الله.
(وما لهم به) بهذا القول (من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) فإن الحق إنما يحصل بالعلم دون الظن والتخمين.
(فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحيوة الدنيا) أي لا تهتم بشأنه.
(ذلك) أي طلب التمتع بالدنيا (مبلغهم من العلم) فلا اهتمام لهم إلا بالدنيا (إن ربك هو أعلم بمن ضل

عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) فيجازي كلا بما يستحقه.
(ولله ما في السموات وما في الأرض) ملكا وخلقا (ليجزي الذين أساءوا بما عملوا) تعليل لما دل عليه ما قبله (ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) المثوبة الحسنى أي الجنة أو بسبب أعمالهم الحسنى.
(الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) ما تزايد قبحه من الكبائر (إلا اللمم) وهو الصغائر والاستثناء منقطع أي لكن اللمم يغفر لمجتنبي الكبائر (إن ربك واسع المغفرة) فيغفر ما دون الشرك لمن يشاء (هو أعلم بكم) بأحوالكم (إذ أنشأكم) حين ابتدأ خلقكم بخلق آدم (من الأرض وإذ أنتم أجنة) جمع جنين (في بطون أمهاتكم) في الأرحام (فلا تزكوا أنفسكم) لا تمدحوها إعجابا ورياء (هو أعلم بمن اتقى) بمن أطاع وأخلص العمل.
(أفرأيت الذي تولى) عن الحق.
(وأعطى قليلا وأكدى) وقطع العطاء.
(أعنده علم الغيب فهو يرى.
(أم) بل (لم ينبأ بما في صحف موسى) أسفار التوراة.
(وإبراهيم) أي وصحف إبراهيم وقدم صحف موسى لشهرتها أو ليترتب على إبراهيم (الذي وفى) أتم ما أمر به ومن ذلك صبره على ذبح ابنه ونار نمرود.
(ألا تزر وازرة وزر أخرى) لا تحمل نفس ذنب غيرها ولا ينافيه من قتل نفسا فكأنما قتل الناس ونحوه لأن ذلك فعل من التسبيب.
(وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) إلا ثواب سعيه وما ورد من نفع الميت بعمل غيره له فلابتنائه على سعيه وهو إيمانه فالعامل له كالنائب عنه.
(وأن سعيه سوف يرى) في الآخرة.
(ثم يجزاه الجزاء الأوفى) التام والهاء لسعيه.
(وأن إلى ربك المنتهى) انتهاء الخلق ومصيرهم وروي إذا بلغ الكلام إلى الله فأمسكوا.
(وأنه هو أضحك وأبكى) فعل سبب الضحك والبكاء أو أقدر عليهما.
(وأنه هو أمات وأحيا) بخلقه الموت والحياة ولا قدرة لغيره عليهما.
(وأنه خلق الزوجين) الصنفين (الذكر والأنثى).
(من نطفة إذا تمنى) تصب في الرحم.
(وأن عليه النشأة الأخرى) للبعث.
(وأنه هو أغنى) بالكفاية بالأموال (وأقنى) أعطى القنية وهو مال المتأثل.
(وأنه هو رب الشعرى) أي العبور عبدها خزاعة.
(وأنه أهلك عادا الأولى) هم قوم هود أبوهم عاد بن عوض والأخرى عقبهم أو قوم صالح.
(وثمود) وأهلك ثمود بالتنوين وعدمه (فما أبقى) الجمعين.
(وقوم نوح من قبل) أهلكهم قبل عاد وثمود (إنهم كانوا هم أظلم وأطغى) من عاد وثمود لإفراطهم في إيذائه مدة ألف سنة إلا خمسين عاما.
(والمؤتفكة) المنقلبة وهي قرى قوم لوط (أهوى) أسقطها مقلوبة بعد رفعها بأمر جبرائيل بذلك.
(فغشاها ما غشى) من الحجارة.
(فبأي ءالاء ربك) نعمه المعدودة هنا وغيره (تتمارى) تتشكك أيها السامع.
(هذا) الرسول أو القرآن (نذير) منذر أو إنذار (من النذر

الأولى) من جنس المنذرين المتقدمين أو الإنذارات المتقدمة.
(أزفت الآزفة) قربت الساعة.
(ليس لها من دون الله كاشفة) نفس تقدر على كشفها وردها أو تكشف عن وقتها.
(أفمن هذا الحديث) أي القرآن (تعجبون) إنكارا.
(وتضحكون) استهزاء (ولا تبكون) انزجارا من وعيده.
(وأنتم سامدون) لاهون غافلون.
(فاسجدوا لله واعبدوا) أي اعبدوه بإخلاص.


سورة القمر

(54) سورة القمر خمس وخمسون آية (55) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(اقتربت الساعة) قربت القيامة (وانشق القمر) شقين لما سئل آية وقرن انشقاقه باقترابها لأنه من أشراطها.
(وإن يروا ءاية) من آياته (يعرضوا) عن تأملها (ويقولوا سحر مستمر) دائم أو قوي محكم من المرة القوة واستحكام أو ذاهب لا يبقى.
(وكذبوا واتبعوا أهواءهم) في تزيين الباطل ورفض الحق (وكل أمر مستقر) مستمر ثابت بانتهائه إلى غاية يعرف منها حقيقته أو بطلانه.
(ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر) ازدجار.
(حكمة بالغة) كاملة بلغت غايتها خبر محذوف أو بدل من ما (فما تغن النذر) نفي أو استفهام إنكار.
(فتول عنهم يوم) ظرف (يدع الداع إلى شيء نكر) أي منكر للنفوس إذ لم يعهد مثله وهو هول المطلع.
(خشعا أبصارهم) أي ذليلا وأفرد لظهور فاعله وذكر لعدم تأنيث حقيقي وقرىء خاشعا (يخرجون من الأجداث) القبور (كأنهم جراد منتشر) في الكثرة والتموج والتفرق في كل جهة.
(مهطعين) مسرعين أو ناظرين (إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر) صعب.
(كذبت قبلهم) قبل قومك (قوم نوح فكذبوا عبدنا) نوحا تفصيل بعد إجمال (وقالوا مجنون وازدجر) وزجروه بالضرب وغيره وقيل هو من قولهم أي وقد ازدجرته الجن ومسته.
(فدعا ربه) بعد يأسه منهم (أني مغلوب فانتصر) فانتقم لي منهم.
(ففتحنا) بالتخفيف والتشديد (أبواب السماء بماء منهمر) منصب بشدة وتتابع.
(وفجرنا الأرض عيونا) جعلناها كلها كعيون متفجرة وهو أبلغ من فجرنا عيون الأرض (فالتقى الماء) ماء السماء وماء الأرض (على أمر قد قدر) على حال قدرها الله كيف شاء أو قدرت وسويت أي ماء السماء كقدر ماء الأرض أو أمر قدره الله وهو هلاكهم غرقا.
(وحملناه على ذات ألواح ودسر) ومسامير.
(تجري بأعيننا) برعايتنا وحفظنا (جزاء لمن كان كفر) أي فعلنا ذلك جزاء.
(ولقد تركناها) أي الفعلة والسفينة (ءاية) عبرة مستمر خبرها (فهل من مدكر) معتبر بها وأصله مدتكر قلبت التاء دالا وأدغمت فيها الدال.
(فكيف كان عذابي ونذر) أي نذري استفهام توبيخ وتخويف وقرىء بإثبات الياء وصلا في المواضع الستة.
(ولقد يسرنا القرآن للذكر) سهلناه وهيأناه للإذكار والاتعاظ والحفظ (فهل من مدكر) متعظ به استفهام بمعنى الأمر.
(كذبت عاد) رسولهم فأهلكوا (فكيف كان عذابي ونذر) أي إنذاري لهم بالعذاب قبل وقوعه.
(إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا) شديدة الصوت أو باردة (في يوم نحس) شؤم (مستمر) استمر شؤمه قيل كان آخر أربعاء في الشهر.
(تنزع الناس) من حفر اندسوا فيها وتقرعهم فتدق وتطير رءوسهم (كأنهم أعجاز) أصول (نخل منقعر) منقطع وفي التشبيه إشارة إلى طولهم.
(فكيف كان عذابي ونذر) في قصتهم تهويلا.
(ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر).
(كذبت ثمود بالنذر) بالإنذار أو الرسل.
(فقالوا أبشرا منا) من جنسنا أو من جملتنا لا يفضلنا بشيء صفة بشر وكذا (واحدا) من الآحاد دون الأشراف أو منفردا (نتبعه إنا إذا) إن اتبعناه (لفي ضلال وسعر) جمع سعير وقيل السعر الجنون.
(أألقي الذكر) الوحي (عليه من بيننا) وهو واحد منا مثلنا (بل هو كذاب) فيما يدعي (أشر) بطر يريد التكبر علينا بكذبه.
(سيعلمون غدا) يوم القيامة (من الكذاب الأشر) وقرىء بالتاء التفاتا.
(إنا مرسلوا الناقة) مخرجوها من الصخرة كما اقترحوا (فتنة) امتحانا (لهم فارتقبهم) انتظر صنعهم (واصطبر) على أذاهم.
(ونبئهم أن الماء قسمة) مقسوم بينهم يوم لها ويوم لهم (كل شرب) نصيب من الماء (محتضر) يحتضره صاحبه يومه.
(فنادوا صاحبهم) قدار بني سالف لما ملوا ذلك وهموا بقتل الناقة (فتعاطى) فتناول السيف (فعقر) فقتلها.
(فكيف كان عذابي ونذر).
(إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة) لجبرئيل (فكانوا كهشيم المحتضر) هو من يعمل الحظيرة من الشجر اليابس وما تكسر منه هو الهشيم.
(ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر).
(كذبت قوم لوط بالنذر).
(إنا أرسلنا عليهم حاصبا) ريحا تحصبهم بالحجارة أي ترميهم (إلا ءال لوط نجيناهم بسحر) في آخر الليل.
(نعمة) علة لنجينا أي إنعاما (من عندنا كذلك) الجزاء (نجزي من شكر) نعمتنا بالإيمان والطاعة.
(ولقد أنذرهم) لوط (بطشتنا) أخذتنا بالعذاب (فتماروا) فتشاكوا وكذبوا (بالنذر).
(ولقد راودوه عن ضيفه) ليفجروا بهم

(فطمسنا أعينهم) محوناها (فذوقوا عذابي ونذر) أي قيل لهم ذلك.
(ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر) عليهم متصل بعذاب الآخرة.
(فذوقوا عذابي ونذر) كرر لأن الأول للطمس والثاني للإهلاك وكرر ذكر العذاب والنذر في كل قصة مع.
(ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) تجديدا للتنبيه على تعذيب الأمم المكذبة ليعتبر بهم والحث على الأذكار والاتعاظ.
(ولقد جاء ءال فرعون) معه (النذر) الإنذارات.
(كذبوا بآياتنا كلها) أي التسع (فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر) غالب لا يعجزه شيء.
(أكفاركم) يا قريش (خير من أولئكم) المذكورين من الأمم قوة وثروة ودنيا (أم لكم براءة في الزبر) الكتب المتقدمة أن من كفر منكم أمن من سخط الله.
(أم يقولون نحن جميع منتصر) من عدونا وأفرد للفظ الجميع.
(سيهزم الجمع ويولون الدبر) أريد به الجنس أي الأدبار فهزموا ببدر وهو من معجزاته (صلى الله عليه وآله وسلّم).
(بل الساعة موعدهم) بالعذاب (والساعة) أي عذابها (أدهى) أفظع (وأمر) أبشع من عذاب الدنيا.
(إن المجرمين في ضلال) عن الحق في الدنيا (وسعر) ونيران في الآخرة.
(يوم يسحبون في النار على وجوههم) ويقال لهم (ذوقوا مس سقر) ألم إصابة جهنم.
(إنا كل شيء خلقناه بقدر) أي مقدار على وجه الحكمة أو في علمنا.
(وما أمرنا) بما نريد كونه (إلا) كلمة (واحدة) هي كن فيكون (كلمح بالبصر) في السرعة.
(ولقد أهلكنا أشياعكم) أشباهكم في الكفر من الأمم (فهل من مدكر) متعظ.
(وكل شيء فعلوه) مكتوب (في الزبر) صحف الحفظة.
(وكل صغير وكبير) من الأعمال والكائنات (مستطر) مكتوب في اللوح.
(إن المتقين في جنات ونهر) أنهار اكتفي بالجنس للفاصلة.
(في مقعد صدق) مكان مرضي (عند مليك) عظيم الملك عزيز السلطان (مقتدر) لا يعجزه شيء.


سورة الرحمن

(55) سورة الرحمن ست أو سبع أو ثمان وسبعون آية (76 - 77 - 78) مكية
وقيل إلا آية يسئله من في السموات.
بسم الله الرحمن الرحيم
(الرحمن) صدر به السورة لتضمنها تعديد نعم الدارين وقدم أجلها قدرا فقال.
(علم القرآن) المشتمل على أصول الدين وفروعه.
(خلق الإنسان) أي جنسه.
(علمه البيان) هو إفهام الغير ما في الضمير بالمنطق.
(الشمس والقمر بحسبأن) يجريان في منازلهما بحساب مضبوط لا تفاوت فيه.
(والنجم) ما نجم أي طلع من النبات بلا ساق (والشجر) ما له ساق (يسجدان) ينقادان لأمره وتدبيره.
(والسماء رفعها ووضع الميزان) أثبت العدل الذي قامت به السموات والأرض أو آلة الوزن للعدل بينكم.
(ألا تطغوا) أن لا تجوروا (في الميزان) آلة الوزن.
(وأقيموا الوزن بالقسط) بالعدل (ولا تخسروا الميزان) لا تنقصوه.
(والأرض وضعها) خفضها مبسوطة (للأنام) للخلق من كل ذي روح أو للثقلين.
(فيها فاكهة) ما يتفكه به (والنخل ذات الأكمام) أوعية ثمرها أو كلما يغطى من ليف ونحوه.
(والحب) كالحنطة والشعير (ذو العصف) ورق الزرع اليابس والتين (والريحان) الرزق أو المشموم.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان) خطاب للثقلين بدلالة الأنام أو أيها الثقلان عليهما وكررت تجديدا كتذكير الناسي وتنبيه الساهي.
(خلق الإنسان) آدم (من صلصال) طين يابس إذا نقر صلصل أي صوت (كالفخار) كالخزف.
(وخلق الجان) أبا الجن قيل هو إبليس (من مارج) لهب صاف من الدخان (من نار) بيان لمارج.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(رب المشرقين ورب المغربين).
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(مرج) أرسل (البحرين) من العذب والملح (يلتقيان) متلاصقين.
(بينهما برزخ) حاجز من قدرته تعالى (لا يبغيان) لا يبغي أحدهما على الآخر فيمازجه.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(يخرج) ببناء الفاعل والمفعول (منهما) من مجموعهما فالخارج من أحدهما وهو الملح كالخارج من الآخر (اللؤلؤ) كبار الدر (والمرجان) صغاره أو الخرز الأحمر.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(وله الجوار) أي السفن (المنشئات) المرفوعات الشرع أو المحدثات (في البحر كالأعلام) كالجبال ارتفاعا.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(كل من عليها) على الأرض من حيوان وغيره ومن للتغليب (فان) هالك.
(ويبقى وجه ربك) ذاته (ذو الجلال) العظمة (والإكرام) التعظيم أو التفضيل.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان) وكون الفناء نعمة لأنه وصلة إلى الحياة الباقية والسعادة الدائمة ولما فيه من العبرة والتذكير.
(يسئله من في السموات والأرض) نطقا أو حالا ما يحتاجون إليه وهو كناية عن غناه وافتقارهم (كل يوم) وقت (هو في شأن) من إيجاد وإعدام وقبض وبسط ونحوها.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(سنفرغ لكم) سنقصد لحسابكم أو سنتجرد له مستعار من قولك لمن تهدده سأفرغ لك، إذ المتجرد للشيء أقدر عليه (أيه الثقلان) الجن والإنس، سميا بذلك لثقلهما على الأرض.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان) وكون التهديد نعمة لأنه لطف للمكلف.
(يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا) تخرجوا (من أقطار السموات

والأرض) من نواحيهما هاربين من قضاء الله (فانفذوا) أمر تعجيز (لا تنفذون) لا تستطيعون النفوذ (إلا بسلطان) بقوة ولا قوة لكم على ذلك والنعمة هنا الوعظ والتحذير والمساهلة فلذا قال.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران).
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(فإذا انشقت السماء) انصدعت (فكانت وردة) أي حمراء كوردة (كالدهان) في الذوبان جمع دهن أو اسم لما يدهن به أو كالأديم الأحمر وجواب إذا محذوف كوقع أمر فظيع.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان) ولا ينافي قوله فوربك لنسألنهم أجمعين لأنه في وقت آخر.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(يعرف المجرمون بسيماهم) بعلامتهم من سواد الوجوه وزرقة العيون (فيؤخذ بالنواصى والأقدام) مضمومة ناصية كل منهم إلى قدميه أو يؤخذ بهذه مرة وبهذه أخرى.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان) ويقال لهم.
(هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون).
(يطوفون بينها) يصلونها (وبين حميم) ماء حار (ءان) متناه في الحرارة.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(ولمن خاف مقام ربه) الذي يقيم فيه العباد للحساب أو قيامه عليه رقيبا فيترك معاصيه (جنتان) جنة عدن وجنة نعيم أو روحانية وجسمانية.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(ذواتا أفنان) أنواع من النعم.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(فيهما عينان تجريان).
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(فيهما من كل فاكهة زوجان) صنفان غريب ومعروف.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(متكئين على فرش بطائنها من استبرق) ديباج غليظ فتكون ظهائرها أعلى وأجل (وجنى الجنتين) ثمرهما (دان) قريب يناله القائم والقاعد والمضطجع.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(فيهن) في الجنان لدلالة الجنتين عليهن أو فيما اشتملتا عليه من القصور والمجالس (قاصرات الطرف) البصر على أزواجهن (لم يطمثهن) لم يفتضهن (إنس قبلهم ولا جان) فهن أبكار من الحوراء ونساء الدنيا المنشئات خلقا آخر.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(كأنهن الياقوت والمرجان) أي اللؤلؤ صفاء وحمرة وبياضا.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(هل جزاء الإحسان) في العمل (إلا الإحسان) بالثواب.

(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(ومن دونهما) دون الجنتين المذكورين للخائفين المقربين (جنتان) لمن دونهم من أصحاب اليمين.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(مدهامتان) من ادهام كاسواد لفظا ومعنا أي سوداوان من شدة الخضرة.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(فيهما عينان نضاختان) فوارتان بالماء.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(فيهما فاكهة ونخل ورمان) عطفا عليها لفضلهما.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(فيهن) أي الجنتين أو أماكنهما (خيرات) أي خيرات الأخلاق (حسان) الصور.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(حور) بيض أو شديدات سواد العيون وبياضها (مقصورات في الخيام) مخدرات مصونات في خيام من در مجوف.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(لم يطمثهن إنس قبلهم) قبل أزواجهن (ولا جان).
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(متكئين على رفرف خضر) جمع رفرفة أي بسط أو وسائد أو رياض الجنة (وعبقري حسان) أي طنافس جمع عبقرية أو جنس وصف بالجمع للمعنى ونسبة إلى عبقر تزعم العرب أنه بلد الجن فينسبون إليه كل عجيب.
(فبأي ءالاء ربكما تكذبان).
(تبارك) تعالى (اسم ربك) تعالى مسماه وقيل الاسم مقحم (ذي الجلال والإكرام).


سورة الواقعة

(56) سورة الواقعة ست أو تسع وتسعون آية (96) مكية
وقيل إلا آية وتجعلون رزقكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
(إذا وقعت الواقعة) قامت القيامة.
(ليس لوقعتها كاذبة) أي لا يكون حينئذ كذب.
(خافضة) لقوم بدخول النار (رافعة) لآخرين بدخولهم الجنة أو تزيل الأشياء من مقارها فتنثر الكواكب وتسير الجبال في الجو.
(إذا رجت الأرض رجا) حركت تحريكا عنيفا حتى يخر كل بناء عليها.
(وبست الجبال بسا) فتلت أو سيرت.
(فكانت هباء) فصارت غبارا (منبثا) متفرقا.
(وكنتم أزواجا) أصنافا (ثلاثة).
(فأصحاب الميمنة) فأرباب اليمن والسعادة أو المنزلة الرفيعة أو الذين يعطون كتبهم بأيمانهم مبتدأ خبره (ما أصحاب الميمنة) ربط بإعادة الظاهر.
(و أصحاب المشئمة) أصحاب الشؤم على أنفسهم بمعصيتهم أو المنزلة الدنيئة أو الذين يعطون كتبهم بشمالهم (ما أصحاب المشئمة) كسابقه.
(والسابقون) إلى ما دعا الله إليه هم (السابقون) الذين عرفت حالهم وبلغك نعتهم أو الذين سبقوا إلى الجنة.
(أولئك المقربون) برفع الدرجات.
(في جنات النعيم).
(ثلة من الأولين) جماعة كثيرة من الأمم الماضية.
(وقليل من الآخرين) من أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو جماعة من أول هذه الأمم وقليل من آخرها.
(على سرر موضونة) منسوجة بالذهب مشتبكة بالدر والجوهر.
(متكئين عليها متقابلين).
(يطوف عليهم) للخدمة (ولدان مخلدون) مبقون على صفة الولدان لا يهرمون.
(بأكواب) أقداح لا عرى لها ولا خراطيم (وأباريق) لها ذلك (وكأس) خمر أو إناء فيه خمر (من معين) من نهر ظاهر للعيون أو جار من العيون.
(لا يصدعون عنها) لا يحصل لهم منها صداع (ولا ينزفون) من نزف الشارب بصيغة المجهول أي ذهب عقله.
(وفاكهة مما يتخيرون).
(ولحم طير مما يشتهون).
(وحور عين) واسعات العيون.
(كأمثال اللؤلؤ المكنون) المسنون.
(جزاء بما كانوا يعملون).
(لا يسمعون فيها لغوا) ساقطا من القول (ولا تأثيما) ولا يقال لأحد منهم أثمت.
(إلا) لكن (قيلا) قولا (سلاما سلاما) بدل من قيلا أو نعته أو مفعوله أي إلا أن يقولوا سلاما أو مصدر والتكرير للتكثير.
(وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين).
(في سدر) شجر النبق (مخضود) لا شوك له.
(وطلح) شجر الموز أو أم غيلان كثير النور طيب الرائحة (منضود) بالحمل من أسفله إلى أعلاه.
(وظل ممدود) منبسط أو دائم.
(وماء مسكوب) جار أبدا.
(وفاكهة كثيرة).
(لا مقطوعة) في وقت (ولا ممنوعة) عن طالبها بوجه.
(وفرش مرفوعة) بنضدها أو على السرر وقيل هي النساء المرفوعة على الأرائك لقوله.
(إنا أنشأناهن إنشاء) ابتدأنا خلقهن من غير ولادة.
(فجعلناهن أبكارا) كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن عذارى.
(عربا) متحببات إلى أزواجهن جمع عروب (أترابا) مستويات في السن أو مثل أزواجهن فيه.
(لأصحاب اليمين) متعلق بأنشأنا أو جعلنا.
(ثلة من الأولين) من الأمم الماضية.
(وثلة من الآخرين) من هذه الأمة وروي أن الثلتين من هذه الأمة.
(وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال).
(في سموم) ريح حارة تنفذ في المسام من نار (وحميم) ماء شديد الحرارة.
(وظل من يحموم) دخان أسود.
(لا بارد) كسائر الظلال (ولا كريم) ولا نافع بوجه.
(إنهم كانوا قبل ذلك) في الدنيا (مترفين) منعمين لاهين عن الطاعة.
(وكانوا يصرون على الحنث) الذنب (العظيم) أي الشرك.
(و كانوا يقولون

أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون) كررت الهمزة مبالغة في إنكارهم ولذا دخلت على الواو في.
(أوءاباؤنا الأولون).
(قل إن الأولين والآخرين).
(لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم) عند الله هو يوم القيامة.
(ثم إنكم أيها الضالون) عن الحق (المكذبون) بالبعث.
(لآكلون من شجر من زقوم).
(فمالئون منها) من الشجر (البطون) لفرط الجوع.
(فشاربون عليه) على الزقوم (من الحميم) لشدة العطش.
(فشاربون شرب الهيم) الإبل العطاش جمع أهيم وهيم كبيض.
(هذا نزلهم) ما هيأ لهم (يوم الدين) يوم الجزاء.
(نحن خلقناكم فلولا تصدقون) بالبعث بعد الخلق إذ من قدر على البدء قادر على الإعادة.
(أفرأيتم ما تمنون) ما تقذفونه في الأرحام من النطفة.
(أأنتم تخلقونه) أي المني بشرا (أم نحن الخالقون).
(نحن قدرنا) بالتشديد والتخفيف (بينكم الموت وما نحن بمسبوقين) لا يغلبنا أحد.
(على أن نبدل أمثالكم) نجعل مكانكم خلقا أشباهكم أو نبدل صفاتكم على أن أمثالكم جمع مثل محركا (وننشئكم في ما لا تعلمون) من الصور كالقردة والخنازير.
(ولقد علمتم النشأة الأولى فلو لا تذكرون) أن من قدر عليها قدر على النشأة الأخرى.
(أفرأيتم ما تحرثون) تبذرونه في الأرض وتنشرونها.
(أأنتم تزرعونه) تنبتونه (أم نحن الزارعون).
(لو نشاء لجعلناه حطاما) نباتا هشيما (فظلتم) أصله ظللتم بكسر اللام فحذفت تخفيفا (تفكهون) أصله بتاءين فحذفت إحداهما تعجبون أو تندمون على إنفاقكم فيه والتفكه التنقل بالفواكه استعير للتنقل بالحديث وتقولون.
(إنا لمغرمون) ملزمون غرامة ما أنفقنا.
(بل نحن محرومون) ممنوعون رزقنا لا حظ لنا.
(أفرأيتم الماء الذي تشربون).
(أأنتم أنزلتموه من المزن) من السحاب جمع مزنة (أم نحن المنزلون).
(لو نشاء جعلناه أجاجا) ملحا (فلولا) فهلا (تشكرون) هذه النعمة.
(أفرأيتم النار التي تورون) تقدحون.
(أأنتم أنشأتم شجرتها) التي تنقدح هي منها كالمرخ والعفار (أم نحن المنشئون) لها.
(نحن جعلناها) أي النار (تذكرة) لنار جهنم أو تبصرة في البعث كما مر في يس (ومتاعا) منفعة (للمقوين) لنازلي القواء وهو الفقر أو للخالية بطونهم أو مزاودهم من الطعام من أقوى الربع خلا من أهله.
(فسبح باسم ربك العظيم) صفة الاسم أو الرب أي أحدث التسبيح بذكر اسمه تنزيها له عما يقول الكافرون به وبقدرته.

(فلا أقسم) لا زائدة أو لنفي الحاجة إلى القسم لوضوح الأمر أو لرد ما يخالف المقسم عليه أو أصله لأنا أقسم فحذف أنا وأشبعت الفتحة (بمواقع النجوم) بمساقطها في الغروب أو بمنازلها أو بأوقات نزول القرآن.
(وإنه) أي القسم بها (لقسم لو تعلمون عظيم) أي لو كنتم من أهل العلم لعلمتم عظمته.
(إنه لقرءان كريم) كثير الخير عام النفع.
(في كتاب مكنون) مصون وهو اللوح المحفوظ.
(لا يمسه إلا المطهرون) من الحدث أو الكفر.
(تنزيل) أي منزل (من رب العالمين).
(أفبهذا الحديث) أي القرآن (أنتم مدهنون) متهاونون مكذبون.
(وتجعلون رزقكم) من المطر أي شكره (أنكم تكذبون) بكونه من الله وتنسبونه إلى الأنواء.
(فلولا) فهلا (إذا بلغت) أي الروح وقت النزع (الحلقوم) الحلق.
(وأنتم) يا حاضري المحتضر (حينئذ تنظرون) إليه.
(ونحن أقرب إليه منكم) بالعلم والقدرة (ولكن لا تبصرون) لا تدركون ذلك ببصر ولا بصيرة.
(فلولا) فهلا (إن كنتم غير مدينين) مربوبين.
(ترجعونها) تردون الروح إلى البدن بعد بلوغ الحلقوم وهو ناصب إذا والمحضض عليه بلولا وكررت تأكيدا وهي بفعلها دليل جواب الشرط وتقديره إن كنتم غير مدينين كما تزعمون فهلا ترجعونها (إن كنتم صادقين) فيما زعمتم.
(فأما إن كان) الميت (من المقربين) السابقين.
(فروح) فله استراحة (وريحان) ورزق طيب (وجنة نعيم) والجواب لأما أو إن أو لهما.
(وأما إن كان من أصحاب اليمين).
(فسلام لك) يا صاحب اليمين (من أصحاب اليمين) أي من إخوانك تحية لك.
(وأما إن كان من المكذبين الضالين) أي أصحاب الشمال.
(فنزل من حميم).
(وتصلية جحيم) وإدخال نار عظيمة.
(إن هذا) المذكور في السورة (لهو حق اليقين) من إضافة الموصوف إلى صفته.
(فسبح باسم ربك العظيم).


سورة الحديد

(57) سورة الحديد ثمان أو تسع وعشرون آية (28 - 29) مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(سبح لله ما في السموات والأرض) نزهه كل شيء نطقا أو حالا عما لا يليق به (وهو العزيز الحكيم) حال يؤذن بموجب التسبيح.
(له ملك السموات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير).
(هو الأول) السابق لكل الموجودات بلا ابتداء (والآخر) الباقي بعد فنائها بلا انتهاء (والظاهر) بكثرة الدلائل على وجوده أو الغالب على كل شيء (والباطن) من إدراك العقول حقيقة ذاته أو العالم بباطن كل شيء (وهو بكل شيء عليم).
(هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام) في قدرها (ثم استوى على العرش) بالتدبير (يعلم ما يلج في الأرض) كالموتى (وما يخرج منها) كالنبات (وما ينزل من السماء) كالوحي (وما يعرج فيها) كالعمل (وهو معكم) بالعلم (أين ما كنتم والله بما تعملون بصير) فيجازيكم به.
(له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور).
(يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) يدخل كلا منهما في الآخر (وهو عليم بذات الصدور) بسرائرها.
(ءامنوا بالله ورسوله وأنفقوا) في سبيله (مما جعلكم مستخلفين فيه) من المال الذي استخلفكم في التصرف فيه (فالذين ءامنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) على إيمانهم وإنفاقهم.
(وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم) حال من واو تؤمنون (وقد أخذ) أي الله وقرىء ببناء المفعول (ميثاقكم) بالإيمان بنصب الأدلة والتمكين من النظر (إن كنتم مؤمنين).
(هو الذي ينزل على عبده ءايات بينات ليخرجكم) أي الله أو عبده (من الظلمات) الكفر (إلى النور) الإيمان (وإن الله بكم لرءوف رحيم) حيث بعث الرسول ونصب الأدلة.
(وما لكم) أي شيء لكم في (ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض) يرثهما وما فيهما وتصير إليه أموالكم فقدموا لأنفسكم منها بل إن صدقتم في محبتها فخذوها معكم وأرسلوها أمامكم بالإنفاق فإنها ذخر مذخور لا أن تبقوها بعدكم لغيركم المهنى وعليكم الوزر (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح) لمكة (وقاتل) وقسيمه ومن أنفق بعده وحذف لظهوره ودلالة ما بعده (أولئك أعظم درجة) عليه لسبقهم عند مس الحاجة وقوة يقينهم لضعف الإسلام حينئذ (من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا) أي من بعد الفتح (وكلا وعد الله الحسنى) أي وعد كلا من الصنفين المثوبة الحسنى أي الجنة (والله بما تعملون خبير) فيجازيكم به.
(من ذا الذي يقرض الله) أي ينفق ماله في سبيله (قرضا حسنا) اقتراضا خالصا لوجهه أو مقرضا حلالا طيبا (فيضاعفه له وله) مع المضاعفة (أجر كريم) كثير النفع والخير.
(يوم ترى المؤمنين والمؤمنات

يسعى نورهم) الذي يهتدون به إلى الجنة (بين أيديهم وبأيمانهم) إذ بها يعطون كتبهم وهو أمارة نجاتهم ويقال لهم (بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم) الظفر بالبغية.
(يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين ءامنوا انظرونا) انظروا إلينا فإنهم إذا نظروا إليهم استضاءوا بنور قدامهم، أو انتظرونا لأنهم يمضون إلى الجنة كالبرق الخاطف وقرىء بهمزة وكسر الظاء أي أمهلونا (نقتبس) نأخذ قبسا (من نوركم قيل) لهم تهكما بهم (ارجعوا وراءكم) إلى المحشر حيث أعطينا النور (فالتمسوا نورا) أو إلى الدنيا فاطلبوه بالإيمان والطاعة (فضرب بينهم) بين الفريقين (بسور) بحائط (له باب باطنه) باطن السور أو الباب (فيه الرحمة) بالجنة للمؤمنين (وظاهره من قبله) من جهته (العذاب) بالنار للمنافقين.
(ينادونهم ألم نكن معكم) أي موافقين لكم ظاهرا (قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم) بالنفاق (وتربصتم) بالمؤمنين الدوائر (وارتبتم) وشككتم في الدين (وغرتكم الأماني) الآمال الطوال (حتى جاء أمر الله) بالموت (وغركم بالله الغرور) الشيطان أو الدنيا.
(فاليوم لا يؤخذ) بالياء والتاء (منكم فدية) فداء (ولا من الذين كفروا) علانية (مأواكم النار هي مولاكم) أولى بكم (وبئس المصير) هي.
(ألم يأن) أما حان (للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله) قيل لما قدم الصحابة المدينة أصابوا نعمة وريفا فتغيروا عما كانوا عليه فنزلت (وما نزل من الحق) عطف لأحد وصفي القرآن على الآخر (ولا يكونوا) عطف على تخشع أو نهي (كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد) المدة بطول أعمارهم أو ما بينهم وبين أنبيائهم (فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) خارجون عن دينهم.
(اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها) تذكير بالبعث حثا على الخشوع وزجرا عن القسوة أو تمثيلا لإحياء الذكر للقلوب الميتة بالقسوة (قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون) تتأملوها بقلوبكم.
(إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم) مر تفسيره.
(والذين ءامنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون) المبالغون في الصدق أو التصديق (والشهداء) القائمون بالشهادة لله أو على الأمم (عند ربهم لهم أجرهم ونورهم) الموعودان (و الذين كفروا وكذبوا

بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) الملازمون لها.
(اعلموا أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة) وتزين (وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد) تزهيد في الدنيا وبيان حقارة أمورها وسرعة زوالها (كمثل غيث أعجب الكفار) الحراث أو الكفرة بالله المعجبون بالدنيا (نباته) الذي نشأ واستوى عنه (ثم يهيج) ييبس (فتراه مصفرا ثم يكون حطاما) فتاتا (وفي الآخرة عذاب شديد) لمن اشتغل عنها بالدنيا ونكر تعظيما وكذا (ومغفرة من الله ورضوان) إن لم يشتغل بالدنيا (وما الحيوة الدنيا) ما التمتع بأعراضها (إلا متاع الغرور).
(سابقوا إلى مغفرة من ربكم) إلى ما يوجبها (وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) لو تواصلتا وذكر العرض مبالغة في وضعها بالسعة لأنه دون الطول (أعدت للذين ءامنوا بالله ورسله) وهي الآن مخلوقة (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) فيتفضل بأعظم من ذلك.
(ما أصاب من مصيبة في الأرض) كجدب ووباء (ولا في أنفسكم) كمرض وأذى (إلا في كتاب) إلا مثبت في اللوح أو في علمه تعالى (من قبل أن نبرأها) نخلقها أي المصيبة أو الأرض أو الأنفس (إن ذلك) الإثبات (على الله يسير).
(لكيلا تأسوا) لئلا تحزنوا (على ما فاتكم) من حظوظ الدنيا حزنا يبلغ الجزع (ولا تفرحوا بما ءاتاكم) أعطاكم الله منها فرح بطر واختيال (والله لا يحب كل مختال) متكبر على الناس بما أوتي (فخور) عليهم به.
(الذين يبخلون) بالحقوق الواجبة (ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول) عما يجب عليه (فإن الله هو الغني) عن خلقه (الحميد) في ذاته.
(لقد أرسلنا رسلنا) الملائكة إلى الأنبياء أو الأنبياء إلى أممهم (بالبينات) بالحجج الواضحة (وأنزلنا معهم الكتاب) أي جنسه أي الكتب لتقرير الشرائع (والميزان) آلة الوزن أو صفتها أو العدل أي أمرنا به (ليقوم الناس بالقسط) ليلزموا العدل فيما بينهم (وأنزلنا الحديد) أي أنشأناه (فيه بأس شديد) يحارب به (ومنافع للناس) لاحتياج كل صنعة إليه (وليعلم الله) علم ظهور عطف على محذوف دل عليه فيه بأس لتضمنه تعليلا أو التقدير وأنزله ليعلم (من ينصره ورسله) بآلات الحرب وغيرها (بالغيب) حال من هاء ينصره أي غائبا عن أبصارهم (إن الله قوي عزيز) لا يحتاج إلى نصركم.
(ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب) الكتب المنزلة (فمنهم) من الذرية أو المرسل إليهم (مهتد وكثير

منهم فاسقون) خارجون عن نهج الحق.
(ثم قفينا على آثارهم برسلنا) رسولا بعد رسول (وقفينا بعدهم بعيسى ابن مريم وءاتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة) فتوادوا وتعاطفوا (ورهبانية) هي المبالغة في العبادة والرياضة والانقطاع عن الناس وروي أنها صلاة الليل (ابتدعوها) من قبل أنفسهم (ما كتبناها) ما فرضناها (عليهم إلا ابتغاء رضوان الله) منقطع أي لكن فعلوها طلب رضاه (فما رعوها) جمعا (حق رعايتها) إذ تركها كثير منهم وكفروا بعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ومنهم من بقي على دينه وآمن لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (فآتينا الذين ءامنوا) بعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون).
(يا أيها الذين ءامنوا) بالرسل الماضين أو بعيسى (عليه السلام) (اتقوا الله وءامنوا برسوله) محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (يؤتكم كفلين) نصيبين (من رحمته) لإيمانكم بمن قبل محمد وبه (ويجعل لكم نورا تمشون به) في السلوك إلى الجنة (ويغفر لكم والله غفور رحيم).
(لئلا يعلم) ليعلم (أهل الكتاب أن) مخففة (لا يقدرون على شيء من فضل الله) مما ذكر ولا ينالونه (وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) فيتفضل بما يشاء على من يشاء.


سورة المجادلة

(58) سورة المجادلة إحدى أو اثنتان وعشرون آية (21 - 22) مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(قد سمع الله قول التي تجادلك) وهي خولة بنت ثعلبة (في زوجها) أوس بن الصامت ظاهر منها فاستفتت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فنزلت (وتشتكي إلى الله) شدة حالها (والله يسمع تحاوركما) تراجعكما (إن الله سميع) للأقوال (بصير) بالأحوال.
(الذين يظاهرون منكم من نسائهم) بأن يقول لها: أنت علي كظهر أمي (ما هن أمهاتهم) على الحقيقة (إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول) ينكره الشرع (وزورا) كذبا (وإن الله لعفو غفور) لهم تفضلا أو إن تابوا.
(والذين يظاهرون من نسائهم)
(ثم يعودون لما قالوا) ما قال الرجل الأول لامرأته: أنت علي كظهر أمي وقيل إلى ما قالوا فيه أي ما حرموه على أنفسهم من الوطء (فتحرير رقبة) أي فعليهم إعتاق رقبة (من قبل أن يتماسا) بالوطء (ذلكم) التغليظ (توعظون به) حتى لا تظاهروا (والله بما تعملون خبير) وعد ووعيد.
(فمن لم يجد) رقبة (فصيام) فعليه صيام (شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) ويتحقق التتابع بصوم شهر ويوم (فمن لم يستطع) الصيام لمرض ونحوه (فإطعام ستين مسكينا) لكل مسكين مد من غالب قوت البلد وقيل مدان (ذلك) أي فرض ذلك البيان أو التخفيف (لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك) الأحكام (حدود الله) فلا تعتدوها (وللكافرين) بها (عذاب أليم).
(إن الذين يحادون الله ورسوله) يخالفونهما إذ كل من المتخالفين في حد غير الآخر (كبتوا) أذلوا وأخذوا (كما كبت الذين من قبلهم) في محادتهم رسلهم (وقد أنزلنا ءايات بينات) دالة على صدق الرسل (وللكافرين) بالآيات (عذاب مهين) لهم.
(يوم يبعثهم الله جميعا) ظرف مهين (فينبئهم بما عملوا) إخزاء لهم (أحصاه الله) أحاط به كما وكيفا (ونسوه والله على كل شيء شهيد).
(ألم تر) تعلم (أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض) كل ما فيهما (ما يكون من نجوى) نفر (ثلاثة إلا هو رابعهم) بالعلم بنجواهم (ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم) لا يخفى عليه شيء لم يذكر أقل النجوى اثنتين إذ لا يبقى مصداق لقوله ولا أقل ولم يكتف بالعدد الأول مع كفايته لأن المتعارف في المبالغة والكثرة أن يذكر عددين ثم يقال فصاعدا ولم يذكر الأربعة بعد الثلاثة تباعدا من صورة التكرار وليكون لكل منهما أدنى وأعلى.
(ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه) هم اليهود والمنافقون كانوا يتناجون فيما بينهم ويتغامزون فنهوا ثم عادوا (ويتناجون بالإثم والعدوان) للمؤمنين (ومعصية الرسول) أي ويتواصون بمخالفته (إذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله) فيقولون: السام عليك أي الموت (ويقولون في أنفسهم) فيما بينهم (لو لا) هلا (يعذبنا الله بما نقول) بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لو كان نبيا (حسبهم جهنم) عذابا (يصلونها فبئس المصير) هي (يا أيها الذين ءامنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر) بأفعال الخير.

(و التقوى) والاتقاء عن معصية الرسول (واتقوا الله) في أوامره ونواهيه (الذي إليه تحشرون) للجزاء.
(إنما النجوى) بالاسم وشبهه (من الشيطان) بتزيينها والدعاء إليها (ليحزن الذين ءامنوا) إذ يتوهمونها في سوء أصابهم (وليس) التناجي والشيطان (بضارهم شيئا إلا بإذن الله) بأمره (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) في أمورهم.
(يا أيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا) توسعوا (في المجالس) جنسه أو مجلس الرسول وقرىء مجلس (فافسحوا يفسح الله لكم) في الجنة (وإذا قيل انشزوا) انهضوا للتوسعة أو لعمل الخير كصلاة وجهاد (فانشزوا يرفع الله الذين ءامنوا منكم) بحسن الذكر في الدنيا والكرامة في الجنة (والذين أوتوا العلم) ويرفع العلماء منهم (درجات والله بما تعملون خبير) فلا يضيعه.
(يا أيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) روي أنها نسخت بقوله أأشفقتم وما عمل بها أحد غير علي (عليه السلام) (ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم) لمن لم يجد إذ ناجى من غير صدقة.
(أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) أخفتم من تقديم الصدقة ما يعدكم الشيطان من الفقر أو نقص المال (فإذ لم تفعلوا) التصدق (وتاب الله عليكم) لتفريطكم (فأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة وأطيعوا الله ورسوله) فلا تفرطوا في هذه كما فرطتم في ذلك (والله خبير بما تعملون) فيجازيكم به.
(ألم تر إلى الذين تولوا) هم المنافقون وادوا (قوما غضب الله عليهم) هم اليهود (ما هم منكم ولا منهم) لأنهم مذبذبون (ويحلفون على الكذب) وهو ادعاء الإيمان (وهم يعلمون) كذبهم.
(أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون) ساء عملهم مدة حياتهم.
(اتخذوا أيمانهم) الكاذبة (جنة) سترا لأموالهم وأنفسهم (فصدوا) الناس (عن سبيل الله) عن دينه بالتثبيط (فلهم عذاب مهين) تكريرا بتغيير وصف العذاب وقيل الأول في القبر وهذا في الآخرة.
(لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يوم) ظرف تغني أو مقدر باذكر (يبعثهم الله جميعا فيحلفون له) أنهم مؤمنون (كما يحلفون لكم) في الدنيا على ذلك (ويحسبون أنهم على شيء) من النفع بحلفهم (ألا إنهم هم الكاذبون) حيث يحلفون عليه.

(استحوذ عليهم الشيطان) استولى (فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان) أتباعه (ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) باستبدالهم بالجنة النار.
(إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين) في جملتهم.
(كتب الله) في اللوح أو قضى (لأغلبن أنا ورسلي) بالحجة (إن الله قوي) على ما يريد (عزيز) غالب عليه.
(لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) أي لا يجتمع الإيمان الخالص وموادة المحادين ولو كانوا أقارب (أولئك) أي الذين لم يوادوهم (كتب) ثبت (في قلوبهم الإيمان) بألطافه (وأيدهم بروح منه) من الله وهو نور الإيمان أو القرآن أو النصر (ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم) بطاعته (ورضوا عنه) بثوابه (أولئك حزب الله) جنده وأنصار دينه (ألا إن حزب الله هم المفلحون) الظاهرون بالبغية.


سورة الحشر

(59) سورة الحشر أربع وعشرون آية (24) مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم).
(هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب) هم النضير (من ديارهم لأول الحشر) في أول حشرهم أي إخراجهم من جزيرة العرب إذ هو أول ذل أصابهم أو حشرهم إلى الشام (ما ظننتم) أيها المؤمنون (أن يخرجوا) لمنعتهم (وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله) من بأسه (فأتاهم الله) أي أمره أو عذابه من الرعب والجلاء (من حيث لم يحتسبوا) لم يخطر ببالهم (وقذف في قلوبهم الرعب) الخوف بقتل كعب (يخربون بيوتهم بأيديهم) حسدا أن يسكنها المسلمون.
(و أيدي المؤمنين) فإنهم عرضوهم له بنكثهم (فاعتبروا يا أولي الأبصار) بعذرهم ووثوقهم بغير الله فلا تماثلوهم.
(ولو لا أن كتب الله) قضى (عليهم الجلاء) عن ديارهم (لعذبهم في الدنيا) بالقتل والأسر كما عذب قريظة (ولهم في الآخرة) بعد الجلاء (عذاب النار).
(ذلك) المذكور (بأنهم شاقوا الله ورسوله) خالفوهما (ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب) له.
(ما قطعتم من لينة) نخلة من اللون أو اللين وجمعه ألوان أو أليان (أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله) فبأمره (وليخزي) أي وأذن لكم في القطع ليخزي (الفاسقين).
(وما أفاء الله على رسوله منهم) ما رد عليه من النضير أو الكفار فإن الأرض وما فيها له (صلى الله عليه وآله وسلّم) فما تغلبوا عليه ثم أخذه منهم فقد فاء إليه أي رجع (فما أوجفتم) من الإيجاف وهو سرعة السير (عليه من خيل ولا ركاب) بل (ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير) فأنتم لا تستحقون فيه شيئا.
(ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) قيل الأولى في أموال النضير وإنها للرسول خاصة وهذه في الفيء من غيرهم وقيل هي بيان للأولى ولذا ترك العاطف (فلله وللرسول ولذي القربى) وهو الإمام (واليتامى والمساكين وابن السبيل) من بني هاشم ومر في الأنفال نحوه (كي لا يكون) الفيء لقسمته على هذا الوجه (دولة بين الأغنياء منكم) شيئا يتداولونه بينهم والخطاب للمؤمنين (وما ءاتاكم الرسول) أعطاكم من الفيء والأمر (فخذوه وما نهاكم عنه) من أخذ الفيء وغيره (فانتهوا) عنه (واتقوا الله) في معصية رسوله (إن الله شديد العقاب) لمن عصى.
(للفقراء المهاجرين) متعلق بمحذوف أي أعجبوا لهم (الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) أخرجهم كفار مكة (يبتغون فضلا من الله ورضوانا) حال منهم (وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون) في إيمانهم.
(والذين تبوءو الدار) المدينة (والإيمان من قبلهم) قبل قدوم المهاجرين (يحبون من هاجر إليهم) فيواسونهم بأنفسهم (ولا يجدون في صدورهم حاجة) ما يكون منها كحسد وغيظ (مما أوتوا) مما أعطي المهاجرون من الغنى وغيره (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) حاجة إليه (ومن يوق) يمنع عنه (شح نفسه) حرصها على المال (فأولئك هم المفلحون) عاجلا وآجلا.
(والذين جاءوا من بعدهم) بعد المهاجرين والأنصار وهم التابعون أو المؤمنون إلى يوم القيامة

(يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا) في الإيمان (الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا) حقدا (للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم).
(ألم تر إلى الذين نافقوا) كابن أبي وأضرابه (يقولون لإخوانهم) في الكفر (الذين كفروا من أهل الكتاب) وهم النضير (لئن أخرجتم) من وطنكم (لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم) في خذلانكم (أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم) واستغنى بجوابه عن جواب الشرط في الخمسة (والله يشهد إنهم لكاذبون) فيما يقولون.
(لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم) أخبر بذلك قبل وقوعه كما أخبر (ولئن نصروهم) فرضا (ليولن الأدبار) ليهزمن (ثم لا ينصرون) ضمير الفعلين للمنافقين أو اليهود.
(لأنتم أشد رهبة) مرهوبية (في صدورهم من الله) فإنهم يظهرون خوفه نفاقا بسبب ما يبطنونه من رهبتكم (ذلك بأنهم قوم لا يفقهون) لا يعلمون عظمة الله فلا يخشونه حق خشيته.
(لا يقاتلونكم) أي المنافقون واليهود (جميعا) مجتمعين (إلا في قرى محصنة) غاية التحصين (أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد) إذا حارب بعضهم بعضا (تحسبهم جميعا) مجتمعين (وقلوبهم شتى) متفرقة لاختلاف أهوائهم (ذلك) التشتت (بأنهم قوم لا يعقلون) ما فيه من الرشد ولو عقلوا لاجتمعوا على الحق.
(كمثل الذين من قبلهم) أي مثلهم في سوء العاقبة كمثل من قتلوا ببدر (قريبا) بزمن قريب (ذاقوا وبال أمرهم) عقوبة أمرهم في الدنيا (ولهم عذاب أليم) في الآخرة.
(كمثل الشيطان) أي مثل المنافقين في غرهم اليهود وخذلانهم لهم كمثل الشيطان (إذ قال للإنسان اكفر) أريد به الجنس أو أهل بدر قال لهم لا غالب لكم اليوم. (فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين).
(فكان عاقبتهما) أي الغار والمغرور (أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين) بالكفر.
(يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله ولتنظر نفس) نكرت لقلة الأنفس النواظر (ما قدمت لغد) ليوم القيامة سمي غدا لقربه ونكر تعظيما (واتقوا الله) كرر تأكيدا (إن الله خبير بما تعملون) فيجازيكم به.
(ولا تكونوا كالذين نسوا الله) تركوا طاعته (فأنساهم أنفسهم) حتى لم ينفعوها بل ضروها

(أولئك هم الفاسقون).
(لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون) بنعيمها.
(لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا) متشققا (من خشية الله) تمثيل وتخييل أريد به توبيخ الإنسان على خشوعه لتلاوة القرآن بدليل (وتلك الأمثال) أي هذا وغيره (نضربها للناس لعلهم يتفكرون) فيتعظون ولا بعد في حمله على الحقيقة.
(هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة) ما غاب عن الحس وما ظهر (هو الرحمن الرحيم).
(هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس) المنزه عما لا يليق به (السلام) السالم من كل نقص (المؤمن) واهب الأمن (المهيمن) الرقيب الحافظ لكل شيء (العزيز) الغالب الذي لا يغلب (الجبار) الذي جبر خلقه على ما لا اختيار لهم فيه أو جبر حالهم وأصلحها (المتكبر) عما لا يليق به (سبحان الله عما يشركون).
(هو الله الخالق) المقدر للأشياء بحكمته (البارىء) الموجد لما قرر بريئا من التفاوت (المصور) المرتب لصور الموجودات أحسن ترتيب (له الأسماء الحسنى) لدلالتها على أحسن المعاني (يسبح له ما في السموات والأرض) ينزهه بلسان الحال أو المقال (وهو العزيز) في ملكه (الحكيم) في صنعه.


سورة الممتحنة

(60) سورة الممتحنة ثلاث عشرة آية (13) مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم) يعني قريشا (أولياء تلقون إليهم بالمودة) تقضون إليهم المودة بالمكاتبة بأن الرسول يريد غزوهم (وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم) أي من مكة (أن تؤمنوا) بسبب إيمانكم (بالله ربكم إن كنتم خرجتم) من مكة (جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي) فلا تكاتبوهم وجواب إن دل عليه لا تتخذوا (تسرون إليهم بالمودة) استئناف يفيد أنه لا فائدة في الإسرار (وأنا أعلم) أي منكم (بما أخفيتم وما أعلنتم
ومن يفعله منكم)
أي الإسرار (فقد ضل سواء السبيل) أخطأ وسطه.
(إن يثقفوكم) يظفروا بكم (يكونوا لكم أعداء) وإن واددتموهم (ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء) كالقتل والشتم (وودوا لو تكفرون) وتمنوا ارتدادكم.
(لن تنفعكم أرحامكم) أقرباؤكم (ولا أولادكم) الذين لأجلهم توادون الكفرة (يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير).
(قد كانت لكم أسوة) بكسر الهمزة وضمها في الموضعين قدوة (حسنة في إبراهيم والذين معه) ممن آمن به (إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا) جمع بريء كشريف وشرفاء (منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم) أنكرناكم وءالهتكم (وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده) لا تشركوا به شيئا (إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك) مستثنى من أسوة كأنه قيل تأسوا بأقواله إلا استغفاره للكافر فإنه كان قبل النهي أو قبل تبيين عداوته لله (وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير) أمر للمؤمنين بأن يقولوا ذلك أو هو من تتمة قول إبراهيم ومن معه أي وقالوا.
(ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا) ذلك أي لا تظفرهم بنا فيفتنونا أي يعذبونا (واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز) في ملكك (الحكيم) في صنعك.
(لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة) كرر مصدرا بالقسم تأكيدا لأمر التأسي ولذا أبدل من لكم (لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) فإنه يؤذن بأن تاركه لا يرجوهما ويؤكده (ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد) فإنه نوع وعيد.
(عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير) على ذلك (والله غفور رحيم) بكم.
(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم) من أهل العهد أو من اتصف بذلك (أن تبروهم) بدل اشتمال من الذين (وتقسطوا) تقضوا (إليهم) بالقسط أي العدل (إن الله يحب المقسطين) العادلين.
(إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين

وأخرجوكم من دياركم وظاهروا) عاونوا (على إخراجكم) كمشركي مكة (أن تولوهم) بدل اشتمال من الذين (ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) بموالاتهم.
(يا أيها الذين ءامنوا إذا جاءكم المؤمنات) المظهرات للإيمان (مهاجرات) من الكفار (فامتحنوهن) بالحلف أنهن لم يخرجن إلا للإسلام لا لبغض زوج ولا لعشق أحد (الله أعلم بإيمانهن) باطنا (فإن علمتموهن مؤمنات) من أمارة الحلف وغيره (فلا ترجعوهن إلى الكفار) أي أزواجهن (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) كرر مبالغة وزيادة تأكيد للمنع من الرد ودل على وقوع الفرقة (وءاتوهم ما أنفقوا) عليهن من المهور (ولا جناح عليكم أن تنكحوهن) لأن الإسلام أبانهن من أزواجهن (إذا ءاتيتموهن أجورهن) مهورهن ولا يكفي ما أعطيتم أزواجهن (ولا تمسكوا) بالتخفيف والتشديد (بعصم الكوافر) بما يعتصم به من عقد وسبب أي لا تقيموا على نكاحهن لانقطاعه بإسلامكم (واسئلوا ما أنفقتم) من مهور نسائكم اللاحقات بالكفار (وليسئلوا ما أنفقوا) من مهور نسائهم المهاجرات (ذلكم) المذكور في الآية (حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم) فحكمه مصلحة وحكمة ولما أبى المشركون أن يؤدوا مهور الكوافر نزلت.
(وإن فاتكم شيء) أحد (من أزواجكم) وعبر بالشيء تحقيرا وتعميما وتغليظا في الحكم أو شيء من مهورهن (إلى الكفار) مرتدات (فعاقبتم) فجاءت عاقبتكم أي توبتكم من إعطاء المهر شبه أداء كل من الفريقين المهر للآخر بأمر يتعاقبون فيه (فأتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا) مثل مهرها من مهر المهاجرة ولا تؤتوها زوجها الكافر أو المعنى وإن فاتكم فأصبتم عقبى أي غنيمة فأتوا مهر الفائتة من الغنيمة (واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) في أحكامه.
(يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا) لما بايعه الرجال يوم الفتح جاء النساء يبايعنه فنزلت (ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) وهو أن يلحقن بأزواجهن غير أولادهن من اللقطاء ووصف بوصف ولدها الحقيقي أنه إذا ولد سقط بين يديها ورجليها وقيل هو الكذب والنميمة وقذف المحصنة (ولا يعصينك في معروف) هو فعل الحسن وترك القبيح (فبايعهن) على ذلك (واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم) للمؤمنين والمؤمنات.
(يا أيها الذين ءامنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم) هم جميع الكفار أو اليهود وقيل كان بعض فقراء المسلمين يواصلونهم طمعا في ثمارهم فنزلت (قد يئسوا من الآخرة) من ثوابها لتكذيبهم النبي مع علمهم بصدقه من كتابهم (كما يئس الكفار من أصحاب القبور) أن يبعثوا أو ينفعوهم.




سورة الصف

(61) سورة الصف أربع عشرة آية (14) مدنية أو مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم) فسر.
(يا أيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون).
(كبر) عظم (مقتا) تمييز وهو أشد البغض (عند الله أن تقولوا) فاعل كبر (ما لا تفعلون) وفيه مبالغة في المنع منه.
(إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا) صافين (كأنهم بنيان مرصوص) لصق بعضه ببعض مستحكم.
(وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني) لما رموه بالزنا وقتل هارون (وقد تعلمون أني رسول الله إليكم) والرسول يعظم ولا يؤذى والجملة حال (فلما زاغوا) عدلوا عن الحق (أزاغ الله قلوبهم) خلاهم وسوء اختيارهم (والله لا يهدي القوم الفاسقين) إلى الجنة أو لا يلطف بهم لاختيارهم الفسق.
(وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي) لما تقدمني (من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) ومصدقا ومبشرا حالان عاملها معنى الإرسال في الرسول (فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا) المجيء به (سحر مبين) بين وقرىء ساحر فالإشارة إلى الجائي.
(ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب) بتسميته معجزاته سحرا (وهو يدعى إلى الإسلام) الذي فيه سعادة الدارين فجعل مكان الإجابة الافتراء (والله لا يهدي القوم الظالمين) لا يلطف بهم لاختيارهم الظلم.
(يريدون ليطفئوا نور الله) برهانه أو دينه أو القرآن (بأفواههم) بطعنهم فيه (والله متم) مظهر (نوره) بإعلائه وتأييده (ولو كره الكافرون) إتمامه.
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره) ليعليه (على الدين كله) عن الباقر (عليه السلام) أن ذلك يكون عند خروج المهدي (ولو كره المشركون) ذلك.
(يا أيها الذين
ءامنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم) بالتخفيف والتشديد (من عذاب أليم).
(تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) هو أمر أتى بلفظ الخبر إشعارا بتأكده (ذلكم) المذكور (خير لكم إن كنتم تعلمون) أنه خير فاعملوه.
(يغفر) جواب للأمر أو لشرط مقدر أي إن تفعلوه يغفر (لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم).
(وأخرى) أي ولكم مع هذه النعمة الآجلة نعمة عاجلة أو يؤتكم نعمة (تحبونها) صفة (نصر من الله) خبر محذوف على الوجهين أو بدل على الأول (وفتح قريب) عاجل هو فتح مكة أو الأعم منه (وبشر المؤمنين) بما وعدناهم عاجلا وآجلا.
(يا أيها الذين ءامنوا كونوا أنصار الله) لدينه (كما قال عيسى ابن مريم للحواريين) هم أصفياؤه وأول من آمن به كانوا اثني عشر من الحور وهو البياض (من أنصاري إلى الله) أي من الأنصار الكائنون معي متوجها إلى الله (قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل) بعيسى (وكفرت طائفة) منهم به (فأيدنا الذين ءامنوا على عدوهم) الطائفة الكافرة (فأصبحوا ظاهرين) غالبين بالحجة أو الحرب.


سورة الجمعة

(62) سورة الجمعة إحدى عشر آية (11) مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(يسبح لله ما في السموات وما في الأرض) مجيؤه تارة ماضيا وأخرى مضارعا إيذان بدوام تنزيهه تعالى (الملك القدوس العزيز الحكيم) فسر.
(هو الذي بعث في الأميين) العرب لأنهم لا يقرءون ولا يكتبون غالبا (رسولا منهم) من جنسهم عربيا أميا (يتلوا عليهم ءاياته) القرآن (ويزكيهم) يطهرهم من دنس الكفر والمعاصي (ويعلمهم الكتاب) القرآن (والحكمة) الشرائع (وإن) هي المخففة (كانوا من قبل) قبل بعثه (لفي ضلال مبين) من الشرك والبدع الباطلة واللام فارقة.
(و ءاخرين منهم) عطف على الأميين أو على هم في يعلمهم (لما يلحقوا بهم) أي لم يلحقوا بعد (وهو العزيز الحكيم) في بعث الرسول بالمعجز الحكيم في اصطفائه.
(ذلك) الفضل الذي اختصه به (فضل الله يؤتيه من يشاء) بمقتضى حكمته (والله ذو الفضل العظيم) فهو الحقيق بإيتاء الفضل.
(مثل الذين حملوا التوراة) كلفوا العمل بها وهم اليهود (ثم لم يحملوها) لم يعملوا بها (كمثل الحمار يحمل أسفارا) كتبا لا ينال منها إلا التعب (بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله) الشاهدة بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (والله لا يهدي القوم الظالمين) إلى الجنة أو لا يلطف بهم لظلمهم.
(قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) في زعمكم أنكم أولياؤه حيث قلتم نحن أولياء الله وأحباؤه.
(ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم) بسبب ما قدموا من كفرهم بالنبي المنعوت في كتبهم (والله عليم بالظالمين) وما يأتون وما يذرون.
(قل إن الموت الذي تفرون منه) حرصا على الحياة وخوفا أن تؤخذوا بوبال كفركم (فإنه ملاقيكم) ففراركم منه فرار إليه (ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) بمجازاتكم به.
(يا أيها الذين ءامنوا) لم يقل قل كما في اليهود تشريفا للمؤمنين بخطابه (إذا نودي للصلوة) أذن لها (من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) امضوا إلى صلاة الجمعة أو خطبتها مسرعين (وذروا البيع) ظاهر في تحريمه وفي انعقاده قولان وفيه مبالغة في إيجابها ويؤكده (ذلكم) أي السعي الباقي أجره (خير لكم) من الفاني نفعه (إن كنتم تعلمون).
(فإذا قضيت الصلاة) فرغ من أدائها (فانتشروا في الأرض) إباحة بعد حظر وكذا (وابتغوا من فضل الله) اطلبوا الرزق (واذكروا الله كثيرا) أي على كل باللسان والقلب (لعلكم تفلحون) لتفوزوا.
(وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) قيل كان يصلي الجمعة أو يخطب فقدمت عير تحمل طعاما فضربت طبلا للإعلام كعادتهم فخرج لها الناس إلا اثني عشر رجلا فنزلت وقدمت التجارة على اللهو لأنها المقصود ولذا خصت برد الضمير ويقدر ضمير آخر (وتركوك قائما) تصلي أو تخطب (قل ما عند الله) من الثواب المحقق العظيم الباقي (خير من اللهو ومن التجارة) قدم اللهو ترقيا من الأدنى إلى الأعلى (والله خير الرازقين).




سورة المنافقون

(63) سورة المنافقين إحدى عشرة آية (11) مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(إذا جاءك المنافقون قالوا) نفاقا (نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله) على الحقيقة (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) في قولهم نشهد لأن الشهادة إخبار عن علم ولا يكون إلا عن مواطاة القلب واللسان وهؤلاء كانت قلوبهم مخالفة لألسنتهم.
(اتخذوا أيمانهم) الكاذبة (جنة) وقاية لأنفسهم وأموالهم (فصدوا) الناس (عن سبيل الله) عن دينه (إنهم ساء ما كانوا يعملون) أي عملهم.
(ذلك) المذكور من أوصافهم (بأنهم ءامنوا) ظاهرا (ثم كفروا) باطنا بإصرار (فطبع على قلوبهم) أي تمكن الكفر فيها حتى صارت كالمختوم عليها (فهم لا يفقهون) الحق فلم يخلصوا الإيمان.
(وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) ضخامة وجمالا (وإن يقولوا تسمع لقولهم) لفصاحته وحلاوته (كأنهم خشب مسندة) إلى حائط في خلوهم من العلم والخير (يحسبون كل صيحة) كنداء في العسكر ونحوه (عليهم) أي واقعة عليهم لخورهم واتهامهم (هم العدو) الكاملون في العداوة (فاحذرهم قاتلهم الله) دعاء عليهم بالهلاك (أنى يؤفكون) كيف يصرفون عن الهدى.
(وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم) تعنتا وكراهة لذلك (ورأيتهم يصدون) يعرضون عن ذلك (وهم مستكبرون) عن إتيان الرسول.
(سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم) لإصرارهم على كفرهم (إن الله لا يهدي القوم الفاسقين) لا يلطف بهم لعدم نفع اللطف فيهم.
(هم الذين يقولون) لقومهم الأنصار (لا تنفقوا على من عند رسول الله) من المهاجرين (حتى ينفضوا) عنه (ولله خزائن السموات والأرض) من الأرزاق لا يملكها سواه (ولكن المنافقين لا يفقهون) ذلك.
(يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) يعني المؤمنين (ولله العزة) الغلبة والقوة (ولرسوله وللمؤمنين) بإعزازه لهم (ولكن المنافقين لا يعلمون) ذلك.
(يا أيها الذين ءامنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم) لا تشغلكم
(عن ذكر الله) الصلاة وسائر الطاعات وتوجيه النهي إليها للمبالغة في نهيهم (ومن يفعل ذلك) اللهو بما ذكر (فأولئك هم الخاسرون) بإيثار الفاني على الباقي.
(وأنفقوا مما رزقناكم) أي بعضه (من قبل أن يأتي أحدكم الموت) أي أمارته (فيقول رب لو لا) هلا (أخرتني إلى أجل قريب) زمان قليل (فأصدق) فأتصدق (وأكن من الصالحين) في العمل جزم عطفا على محل مجموع فأصدق وقرىء بالنصب عطف على أصدق.
(ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها) منتهى عمره (والله خبير بما تعملون) بالتاء والياء لا يخفى عليه شيء.


سورة التغابن

(64) سورة التغابن ثماني عشرة آية (18) مدنية أو مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(يسبح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد) لا يستحقها غيره (وهو على كل شيء قدير).
(هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) قدم الكفر لغلبته (والله بما تعملون) من كفر وإيمان (بصير) عليم فيجازيكم به.
(خلق السموات والأرض بالحق) بالحكمة لا عبثا ولغوا (وصوركم فأحسن صوركم) فإن صورة الإنسان أحسن من صور سائر المخلوقات (وإليه المصير).
(يعلم ما في السموات والأرض) كليا وجزئيا (ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور) بمضمراتها.
(ألم يأتكم) يا كفار مكة (نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم) عقوبة كفرهم في الدنيا (ولهم عذاب أليم) في الآخرة.
(ذلك) أي الوبال والعذاب (بأنه) ضمير الشأن (كانت تأتيهم رسلهم بالبينات) بالمعجزات (فقالوا أبشر) يقال للواحد والجمع (يهدوننا) أنكروا أن يكون الرسل بشرا (فكفروا وتولوا) أعرضوا عن معجزاتهم (واستغنى الله) عن طاعتهم وغيرها (والله غني) عن كل شيء (حميد) بذاته.
(زعم الذين كفروا أن) مخففة أي أن الشأن (لن يبعثوا) وسدت بجملتها مسد مفعول زعم (قل بلى) يبعثون (وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم) بالمجازة به (وذلك على الله يسير).
(فآمنوا بالله ورسوله والنور) القرآن (الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير) عليم.
(يوم يجمعكم ليوم الجمع) جمع الأولين والآخرين أي لأجل جزائه (ذلك يوم التغابن) يغبن فيه أهل الجنة أهل النار بأخذ منازلهم في الجنة لو آمنوا فالتفاعل بمعنى الفعل إذ لا غبن في العكس (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله) بالياء والنون (جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) إذ فيه خلاص من العقاب ونيل للثواب.
(والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير) هي.
(ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله) بقضائه وعلمه (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) يثبته على الصبر عليها أو يلطف به ليزداد من الخير (والله بكل شيء عليم) ومنه أحوال القلوب.
(وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم) عن الطاعة (فإنما على رسولنا البلاغ المبين) وقد بلغ.
(الله لا إله إلا هو وعلى الله) لا غيره (فليتوكل المؤمنون) في جميع أمورهم.
(يا أيها الذين ءامنوا إن من أزواجكم وأولادكم) أي بعضهم (عدوا لكم) يحملونكم أن تعصوا الله لأجلهم أو يسعون فيما يضركم دينا ودنيا ويتمنون موتكم (فاحذروهم) أن يورطوكم في دينكم أو دنياكم (وإن تعفوا) عنهم بترك عقابهم (وتصفحوا) تعرضوا عن توبيخهم (وتغفروا) ما فرط منهم (فإن الله غفور رحيم) يغفر لكم وينعم عليكم.
(إنما أموالكم وأولادكم فتنة) اختبار (والله عنده أجر عظيم) لكم يحتقر عنده الأموال والأولاد فآثروه عليها.
(فاتقوا الله ما استطعتم) أي بقدر وسعكم وطاقتكم (واسمعوا) قوله بقبول (وأطيعوا) أمره ونهيه (وأنفقوا) في طاعته (خيرا) أي قدموا أو يكن إنفاقا خيرا (لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) فسر.
(إن تقرضوا الله قرضا)

(حسنا) بأن ينفق المال لوجهه (يضاعفه لكم) أي جزاءه من عشر إلى سبعمائة (ويغفر لكم) ما يشاء (والله شكور) مثيب على الطاعة (حليم) لا يعجل العقوبة.
(عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم) محيط علمه، تامة قدرته، بالغة حكمته.


سورة الطلاق

(65) سورة الطلاق إحدى أو اثنتا عشرة آية (12) مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) خص النداء وعم الخطاب بالحكم لأن النبي إمام أمة فنداؤه كندائهم أو المعنى يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم أي إذا أردتم تطليقهن كقوله إذا قمتم إلى الصلاة (فطلقوهن لعدتهن) اللام للتوقيت أي وقت تحصينه من عدتهن وهو أن يكون في طهر لم يجامعهن أزواجهن فيه وإذا فقد شرط التوقيت لا يقع الطلاق عندنا (وأحصوا العدة) اضبطوها وأتموها (واتقوا الله ربكم) بامتثال أوامره وترك نواهيه (لا تخرجوهن) مدة العدة (من بيوتهن) التي طلقن وهن فيها (ولا يخرجن) وإن أذن الزوج لهن للإطلاق فإن له حقا فيه معهما وقيل بالجواز (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) ظاهرة وهي أن تزني أو تؤذي أهل زوجها كما عن أهل البيت (عليهم السلام) (وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) بأن عرضها للعذاب (لا تدري) أي النفس أو أيها النبي أو المطلق (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) رغبة في الرجعة.
(فإذا بلغن أجلهن) قاربن آخر عدتهن (فأمسكوهن) بالرجعة (بمعروف) بحسن عشرة لا بإضرار (أو فارقوهن) اتركوهن حتى تنقضي عدتهن (بمعروف) بطريق جميل لا بإضرار بأن يراجع فيطلق لتطول عدتها (وأشهدوا) على الطلاق (ذوي عدل) أي عدلين (منكم) أيها المسلمون ويفيد أن العدالة وراء الإسلام (وأقيموا الشهادة) أيها الشهود عند طلبها (لله) لوجهه لا لغرض آخر (ذلكم) المذكور من الأحكام (يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) فإنه المنتفع بالوعظ (ومن يتق الله) في أوامره ونواهيه (يجعل له مخرجا) من كرب الدنيا والآخرة وغمومها ومنها غم الأزواج.
(ويرزقه من حيث لا يحتسب) من وجه لم يخطر بباله (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) كافيه (إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا) مقدارا وميقاتا.
(واللائي يئسن من المحيض من نسائكم) بحسب الظاهر (إن ارتبتم) شككتم في وصولهن حد اليأس (فعدتهن ثلاثة أشهر) لعدم تحقق اليأس (واللائي لم يحضن) ومثلهن يحضن أي عدتهن كذلك أو المعنى واللائي يئسن إن جهلتم عدتهن فهي ثلاثة أشهر وكذلك من لم يحضن لعدم بلوغهن فعلى الأول لا عدة على اليائس والصغيرة مع الدخول وعليه أكثر الأصحاب والأخبار بها متضافرة وعلى الثاني عليهما العدة وفاقا للعامة وبعض الأصحاب (و أولات
الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) هو خاص بالمطلقات لأن الكلام في عدتهن وفي الموت بأبعد الأجلين (ومن يتق الله) في أحكامه (يجعل له من أمره يسرا) يسهل عليه أمره.
(ذلك) المذكور من الأحكام (أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته) بحسناته (ويعظم له أجرا) بأن يضاعفه.
(أسكنوهن من حيث سكنتم) أي بعض مكان سكناكم (من وجدكم) من وسعكم وطاقتكم (ولا تضاروهن) بإسكانهن ما لا يليق بهن (لتضيقوا عليهن) فتضطروهن إلى الخروج (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) يعم الرجعية والبائن والسكنى من النفقة (فإن أرضعن لكم) الولد (فآتوهن أجورهن) ويؤذن بعدم وجوب الإرضاع على الأم بعد البينونة كما عليه الأصحاب (وأتمروا) أقبلوا الأمر (بينكم) في الأوضاع والأجر (بمعروف) بوجه جميل بلا تعاسر (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى).
(لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر) ضيق (عليه رزقه فلينفق مما ءاتاه الله) أي على قدره (لا يكلف الله نفسا إلا ما ءاتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا) تطييب لقلب الفقير ووعد له باليسر عاجلا أو آجلا.
(وكأين) وكم (من قرية) أي أهلها (عتت) عصت وتعدت (عن أمر ربها ورسله فحاسبناها) في الآخرة جيء بالماضي لتحققه (حسابا شديدا) بالمناقشة (وعذبناها عذابا نكرا).
(فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا).
(أعد الله لهم عذابا شديدا) كرر الوعيد تأكيدا وقيل الأول حساب الدنيا وعذابها وهو إحصاء ذنوبهم عند الحفظة وإهلاكهم بصيحة ونحوها (فاتقوا الله يا أولي الألباب) مرتب على الوعيد فإنه موجب للتقوى (الذين ءامنوا) صفة المنادى أو بيان له (قد أنزل الله إليكم ذكرا) محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) سمي لتبليغه الذكر وهو القرآن أو مبالغة في كونه ذكرا أو مذكورا أو أريد بإنزاله إرساله.
(رسولا) بدل منه أو الذكر القرآن والرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو جبرئيل (عليه السلام) (يتلوا عليكم ءايات الله مبينات ليخرج) الله أو الرسول (الذين ءامنوا وعملوا الصالحات من الظلمات) الكفر والشك (إلى النور) الإيمان واليقين (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله) بالياء والنون (جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا) هو نعيم الجنة ونكر تعظيما، والإفراد والجمع للفظ من ومعناها.
(الله الذي

خلق سبع سموات و) خلق (من الأرض مثلهن) في العدد قيل هي الأقاليم وقيل الطبقات وعن الكاظم (عليه السلام) هي أرضنا وست أخرى كل منها فوق سماء وتظلها سماء من السبع (يتنزل الأمر) أمر الله وحكمه (بينهن) بين السموات والأرضين إلى صاحب الأمر من نبي أو وصي (لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما) علة لخلق أو لمقدر أي أعلمكم بذلك الخلق والتنزل لتتفكروا فتعلموا كمال قدرته وعلمه.


سورة التحريم

(66) سورة التحريم اثنتا عشرة آية (12) مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم) روي اطلعت عائشة وحفصة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهو مع مارية فقال والله ما أقربها فأمره الله أن يكفر عن يمينه وقيل خلا بها في يوم عائشة أو حفصة فعاتبته فحرم مارية فنزلت وقيل شرب عسلا عند زينب فواطأت عائشة حفصة فقالتا لم نشم عندك ريح المغافير فحرم العسل فنزلت.
(قد فرض الله) شرع (لكم تحلة أيمانكم) تحليلها بالكفارة (والله مولاكم) متولي أموركم (وهو العليم) بمصالحكم (الحكيم) فيما يحكم به عليكم.
(وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه) حفصة (حديثا) تحريم مارية أو العسل أو استيلاء الشيخين بعده (فلما نبأت) حفصة عائشة (به) الحديث (وأظهره الله عليه) أطلعه على إفشائه (عرف) أعلم النبي حفصة (بعضه) بعض ما ذكرت (وأعرض عن بعض) عن تعريفه تكرما (فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قالت نبأني العليم الخبير) أي الله التفات إلى خطابهما للمبالغة في توبيخهما.
(إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) مالت عما يرضي النبي إلى ما يسخطه وعبر عن المثنى بالجمع كراهة الجمع بين الثنتين فاكتفى تثنية المضاف إليه أو إشارة إلى أن كل جزء من البدن صغي فكان أجزاء البدن قلوب (وإن تظاهرا عليه) على النبي فيما يؤذيه (فإن الله هو مولاه) ناصره (وجبريل وصالح المؤمنين) وهو أميرهم علي (عليه السلام) كما رواه العامة والخاصة (والملائكة بعد ذلك) بعد نصر الله وجبرئيل وعلي (عليهما السلام) (ظهير) ظهراء له أي أعوان في نصره والكلام مسوق للمبالغة في نصره وإلا فكفى بالله وليا ونصيرا.
(عسى ربه إن طلقكن أن يبدله) بالتخفيف والتشديد (أزواجا خيرا منكن) عمم الخطاب بالتهديد زجرا لغيرهما من الأزواج عن مثل فعلهما (مسلمات) مقرات أو منقادات (مؤمنات) مصدقات أو مخلصات (قانتات) مطيعات أو خاضعات (تائبات) عن الذنوب (عابدات) لله أو متذللات للنبي (سائحات) صائمات أو مهاجرات (ثيبات وأبكارا) وسط الواو لتنافيهما بخلاف السابقات لإمكان اجتماعهما.
(يا أيها الذين ءامنوا
قوا أنفسكم وأهليكم) بالحمل على الطاعات والكف عن المعاصي (نارا وقودها) حطبها (الناس والحجارة) أصنامهم أو حجارة الكبريت (عليها ملائكة) خزنتها الزبانية (غلاظ شداد) في الأجرام أو الأفعال لا يرحمون أهلها (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) تصريح بما علم ضمنا للتأكيد.
(يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم) أي يقال لهم ذلك عند دخولهم النار أي لا ينفعكم الاعتذار (إنما تجزون ما كنتم تعملون) جزاءه.
(يا أيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) ناصحة بإخلاص الندم على الذنب والعزم على عدم العود والنصح صفة التائب فإنه ينصح نفسه بالتوبة فوصفت به مجازا مبالغة أو خالصة لله أو ذات نصوح (عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار) إطماع أريد به الوجوب على عادة الملوك وعسى من الله واجب كما في الخبر (يوم لا يخزي الله النبي والذين ءامنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم) أمامهم (وبأيمانهم) ويكون بأيمانهم (يقولون) أي قائلين (ربنا أتمم لنا نورنا) أي الجنة (واغفر لنا إنك على كل شيء قدير).
(يا أيها النبي جاهد الكفار) بالحرب (والمنافقين) بالحجة (واغلظ عليهم) بتخشين القول والفعل (ومأواهم جهنم وبئس المصير) هي.
(ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط) مثل حالهم في أن الوصلة بينهم وبين النبي والمؤمنين لا تدفع عنهم عقوبة كفرهم بحال الامرأتين (كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما) بنفاقهما وتظاهرهما عليهما (فلم يغنيا) الرسولان (عنهما من الله) من عذابه (شيئا وقيل) لهما (ادخلا النار مع الداخلين) من الكفار فلا يستبعد النفاق والكفر من أزواج الأنبياء.
(وضرب الله مثلا للذين ءامنوا امرأة فرعون) مثل حالهم في أن وصلة الكفار لا تضرهم بحال آسية آمنت بموسى فعذبها فرعون (إذ قالت) حال التعذيب (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة) فكشف لها فرأته فصبرت على العذاب (ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) التابعين له فقبض الله روحها وقيل رفعت إلى الجنة حية.
(ومريم ابنت عمران) عطف على امرأة فرعون (التي أحصنت فرجها) من الرجال (فنفخنا فيه من روحنا) التي خلقناها أو من جهة روحنا جبرائيل نفخ في جيبها فحملت بعيسى (وصدقت بكلمات ربها) بشرائعه (وكتبه) الإنجيل أو جنس الكتب المنزلة (وكانت من القانتين) من جملة المطيعين والتذكير للتغليب أو المبالغة بمساواتها في الطاعة لكاملي الرجال، وفي المثلين تعريض بالامرأتين وتظاهرهما على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، أي كان من حقهما أن يكونا كآسية ومريم لا كامرأتي نوح ولوط.




سورة الملك

(67) سورة الملك ثلاثون آية (30) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(تبارك الذي بيده الملك) تعالى أو تكاثر خير من تحت تصرفه كل شيء (وهو على كل شيء قدير) هو.
(الذي خلق الموت والحيوة) أوجدهما حسب تقديره إن كانا ضدين أو قدرهما إن كان الموت عدما وقدم لتقدمه في النطف ونحوها وكنتم أمواتا فأحياكم أو لأنه أحث على حسن العمل (ليبلوكم) ليختبركم بالتكليف (أيكم أحسن عملا) أخلصه (وهو العزيز) في انتقامه لمن عصاه (الغفور) لمن شاء.
(الذي خلق سبع سموات طباقا) مصدر وصف به أي مطابقة بعضها فوق بعض أو طوبقت طباقا أو ذات طباق (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) تناقض وعدم تناسب وأتى بالرحمن مقام الضمير تعظيما وإيذانا بأن في خلقهن رحمة وإنعاما بمنافع شتى (فارجع البصر) أعده متأملا في السماء وتناسبها ونظامها (هل ترى) فيها (من فطور) صدوع وخلل.
(ثم ارجع البصر كرتين) رجعتين ملتمسا للخلل (ينقلب إليك البصر خاسئا) ذليلا لبعده عن نيل المراد (وهو حسير) كليل من كثرة المعاودة.
(ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح) نيرات تضيء كالسراج وكون بعضها في السموات فوقها لا ينافي تزينها بها (وجعلناها رجوما للشياطين) شهبا يرجمون بها إذا استرقوا السمع (وأعتدنا لهم عذاب السعير) النار المسعرة في الآخرة.
(وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير) هي.
(إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا) صوتا كصوت الحمار (وهي تفور) تغلي بهم غلي المرجل.
(تكاد تميز) تتميز أي تتقطع (من الغيظ) غضبا عليهم (كلما ألقي فيها فوج) جماعة منهم (سألهم خزنتها) توبيخا (ألم يأتكم نذير) ينذركم هذه النار.
(قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير) أي قد جاء كل فوج منا رسول فكذبنا الرسل وضللناهم وجاز كون الخطاب من قول الخزنة للكفار بتقدير القول فلا ينافيه توحيد النذير.
(وقالوا لو كنا نسمع) الإنذار سماع قبول (أو نعقل) نتدبره بعقولنا (ما كنا في أصحاب السعير) في جملتهم.
(فاعترفوا) حين لا ينفع الاعتراف (بذنبهم) بكفرهم (فسحقا لأصحاب السعير) بعدا لهم عن رحمة الله وضع الظاهر موضع ضميرهم للتعميم والتعليل.
(إن الذين
يخشون ربهم بالغيب) غائبا عنهم لم يروه أو غائبين عن أعين الناس لم يراءوهم (لهم مغفرة وأجر كبير) عظيم.
(وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور) بضمائرها فضلا عن النطق بها سرا أو جهرا.
(ألا يعلم من خلق) ألا يعلم الخالق سر مخلوقه (وهو اللطيف الخبير) العالم ببواطن الأمور كظواهرها.
(هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا) منقادة لتصرفاتكم بحرث وحفر وبناء (فامشوا في مناكبها) جوانبها أو جبالها إذ منكب الشيء جانبه وأعلاه (وكلوا من رزقه وإليه النشور) مرجعكم أحياء للجزاء.
(أأمنتم من في السماء) أمره وسلطانه (أن يخسف) بدل من من (بكم الأرض) المذللة لكم (فإذا هي تمور) تضطرب بكم.
(أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا) ريحا ترميكم بالحصباء (فستعلمون) حينئذ (كيف نذير) إنذاري.
(ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير) إنكاري عليهم بإهلاكهم.
(أولم يروا إلى الطير فوقهم) في الجو (صافات) باسطات أجنحتهن (ويقبضن) أحيانا للإعانة على الجري فالقبض يتجدد وتطير وعلى البسط فلذا عبر عنه بالفعل (ما يمسكهن) عن السقوط (إلا الرحمن) ذو الرحمة العامة بإقدارهن على ذلك (إنه بكل شيء بصير) عليم يدبره بمقتضى حكمته.
(أمن) مبتدأ (هذا) خبره (الذي) صفة هذا والصلة (هو جند لكم) أي أعوان (ينصركم من دون الرحمن) يمنعكم من عذابه (إن الكافرون) ما هم (إلا في غرور) يغرهم الشيطان أن العذاب لا ينزل ولو نزل لدفعته أصنامهم.
(أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه) بإمساك أسبأبه من المطر وغيره (بل لجوا في عتو) تمادوا في نكير (ونفور) عن الحق.
(أفمن يمشي مكبا على وجهه) عاثرا خارا عليه (أهدى أمن يمشي سويا) معتدلا (على صراط مستقيم).
(قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) لتصرفوها فيما خلقت له فضيعتموها لأنكم (قليلا ما تشكرون).
(قل هو الذي ذرأكم) خلقكم (في الأرض وإليه تحشرون) للجزاء.
(ويقولون) للنبي ومن معه (متى هذا الوعد) أي الحشر والخسف والحاصب (إن كنتم صادقين) فيه.
(قل إنما العلم) بوقته (عند الله) استأثر به (وإنما أنا

نذير مبين).
(فلما رأوه) أي الموعود (زلفة) ذا زلفة أي قريبا (سيئت وجوه الذين كفروا) قبحت واسودت (وقيل) قال لهم الخزنة (هذا الذي كنتم به تدعون) تطلبون وتستعجلون من الدعاء أو بإنذاره تدعون أن لا بعث من الدعوى.
(قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي) من المؤمنين (أو رحمنا) بالتعمير (فمن يجير الكافرين من عذاب أليم) أي لا مجير لهم منه.
(قل هو الرحمن) أي الذي أدعوكم إليه مولى جميع النعم (ءامنا به وعليه توكلنا) لا على غيره (فستعلمون من هو في ضلال مبين) أنحن أم أنتم.
(قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا) غائرا في الأرض (فمن يأتيكم بماء معين) جار أو ظاهر يسهل أخذه.


سورة القلم

(68) سورة القلم اثنتان وخمسون آية (52) مكية
كلها أو بعضها.
بسم الله الرحمن الرحيم
(ن) روي أنه نهر في الجنة وقيل اسم للحوت أو للدواة (والقلم) الذي كتب به اللوح أو الذي يكتب به (وما يسطرون) يكتبون أي الحفظة أو أصحاب القلم.
(ما أنت بنعمة ربك بمجنون) جواب القسم رد لقولهم: إنه مجنون.
(وإن لك لأجرا) على تحمل المشاق (غير ممنون) مقطوع.
(وإنك لعلى خلق عظيم) لا يماثله خلق في الحسن.
(فستبصر ويبصرون).
(بأيكم المفتون) أيكم الذي فتن بالجنون والباء زائدة أو بأيكم الفتنة أي الجنون أو في أي الفريقين المجنون أفي المؤمنين أم في الكفرة.
(إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله) فاستحق اسم المجنون (وهو أعلم بالمهتدين) له بكمال العقل.
(فلا تطع المكذبين) تهييج له (صلى الله عليه وآله وسلّم).
(ودوا لو تدهن) تمنوا أن تلين لهم (فيدهنون) فيلينون لك حينئذ.
(ولا تطع كل حلاف) كثير الحلف بالباطل (مهين) حقير.
(هماز) مغتاب (مشاء بنميم) نقال للكلام على وجه الإفساد بين الناس.
(مناع للخير) للمال عن الحقوق أو مناع قومه الخير أي الإسلام (معتد) متجاوز في الظلم (أثيم) كثير الإثم.
(عتل) جاف غليظ (بعد ذلك) المعدود من صفاته (زنيم) دعي قيل هو الوليد بن مغيرة ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة.
(أن كان ذا مال وبنين) لا تطع من هذه صفاته لأن كان ذا مال.
(إذا تتلى عليه ءاياتنا قال أساطير الأولين).
(سنسمه) نعلمه بعلامة (على الخرطوم) على أنفه خطف أنفه بالسيف يوم بدر فبقي وسما أو في الآخرة فيتميز عن سائر الكفرة.
(إنا بلوناهم) أخبرناهم بالقحط (كما بلونا أصحاب الجنة) هي بستان كانت بقرب صنعاء لرجل صالح وكان يعطي الفقراء منه كثيرا فلما مات قال بنوه إن فعلنا كأبينا لم يسعنا فحلفوا ليقطعوا ثمره صبحا لغيبة المساكين (إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين).
(ولا يستثنون) لا يقولون إن شاء الله أو لا يخرجون سهم الفقراء.
(فطاف عليها طائف من ربك) نارا أحرقتها ليلا (وهم نائمون).
(فأصبحت كالصريم) كالبستان المصروم ثمره أو كالليل سوادا أو كالنهار بياضا ليبسها سميا صريما لانصرام كل منهما عن الآخر أو كالرمل.
(فتنادوا مصبحين).
(أن) بأن أو أي (اغدوا على حرثكم) اخرجوا إلى زرعكم غدوة وعدي بعلى لتضمنه معنى الإقبال (إن كنتم صارمين) قاطعين لثمره.
(فانطلقوا وهم يتخافتون) يتسارون أي خفي من خفت.
(أن) أي (لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين).
(وغدوا على حرد) منع للفقراء صلة (قادرين) أي لا يقدرون إلا عليه لذهاب ثمرهم يعني لما أرادوا نكد الفقراء نكد عليهم بحيث لا يقدرون على غير النكد أو على غضب بعضهم لبعض.
(فلما رأوها) محترقة (قالوا إنا لضالون) عن الدين فعوقبنا بذلك أو عن جنتنا ما هي إياهم ثم تأملوا فعرفوها فقالوا.
(بل نحن محرومون) خيرها لمنعنا حقها.
(قال أوسطهم) أعدلهم (ألم أقل لكم) آنفا (لو لا تسبحون) هلا تستثنون إذ الاستثناء تعظيم لله وتنزيه له أو لا تذكرونه تائبين.
(قالوا سبحان ربنا) عن الظلم (إنا كنا ظالمين) بما فعلنا.
(فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون) فبعض يلوم من أشار بذلك وبعض يلوم من رضي به.
(قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين) بذنبنا.
(عسى ربنا أن يبدلنا) بالتخفيف والتشديد (خيرا منها) باعترافنا بذنبنا (إنا إلى ربنا راغبون).
(كذلك) المذكور مما بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة (العذاب) الدنيوي (ولعذاب الآخرة أكبر) أعظم (لو كانوا يعلمون) ذلك لأطاعوا.
(إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم).
(أفنجعل المسلمين كالمجرمين) إنكار لقولهم إن بعثنا كما يزعم المسلمون نعطي أفضل منهم كما في الدنيا أو نساويهم.
(ما لكم) التفات (كيف تحكمون) هذا الحكم الباطل.
(أم لكم كتاب) من الله (فيه تدرسون) تقرءون.
(إن لكم فيه لما تخيرون) تختارون.
(أم لكم أيمان) عهود بأيمان (علينا بالغة) في التوكيد (إلى يوم القيامة) متعلق بمقدر في علينا أي ثابتة (إن لكم لما تحكمون) به لأنفسكم.
(سلهم أيهم بذلك) الحكم أي بتصحيحه (زعيم) كفيل لهم.
(أم لهم شركاء) في هذا القول

(فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين) في دعواهم ومفاد الآيات أنهم لا مستند لهم من عقل ولا نقل.
(يوم) ظرف يأتوا أو مقدر باذكر (يكشف عن ساق) عبارة عن شدة الأمر يوم القيامة (ويدعون إلى السجود) توبيخا (فلا يستطيعون) ليبس ظهورهم.
(خاشعة أبصارهم) لا ترفع (ترهقهم) تغشاها (ذلة وقد كانوا) في الدنيا (يدعون إلى السجود وهم سالمون) أصحاء متمكنون فلا يجيبون.
(فذرني ومن يكذب بهذا الحديث) كله إني أكفكه (سنستدرجهم) سنقربهم من النعمة درجة درجة بالإمهال وترادف النعم (من حيث لا يعلمون) ذلك.
(وأملي لهم) أمهلهم (إن كيدي متين) بطشي شديد سمي كيدا لأنه بصورته.
(أم تسئلهم أجرا) على التبليغ (فهم من مغرم) غرم لك (مثقلون) بذلك فلا يؤمنون.
(أم عندهم الغيب) أي علمه (فهم يكتبون) منه ما يقولون.
(فاصبر لحكم ربك) بإمهالهم (ولا تكن) في الضجر (كصاحب الحوت) يونس (إذ نادى) ربه (وهو مكظوم) مملوء غيظا في بطن الحوت في قومه.
(لو لا أن تداركه نعمة من ربه) أدركه رحمة منه والتذكير للفصل (لنبذ بالعراء) بالفضاء (وهو مذموم) ملوم بترك الأولى.
(فاجتباه ربه فجعله من الصالحين).
(وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم) إن هي المخففة واللام فارقة أي ينظرون إليك نظر بغض يكادون يزلونك به عن موقفك أو يصيبونك بأعينهم (لما سمعوا الذكر) القرآن (ويقولون) حسدا (إنه لمجنون) بما يتلوه من القرآن.
(وما هو) أي القرآن (إلا ذكر) عظة (للعالمين) أو مذكر لهم.


سورة الحاقة

(69) سورة الحاقة إحدى أو اثنتان وخمسون آية (51 - 52) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(الحاقة) القيامة الواجبة الوقوع أو التي تحق فيها الأمور أو تقع الحواق فيها كالحساب والجزاء.
(ما الحاقة) أي شيء هي تفخيم وتهويل.
(وما أدراك) أي أي شيء أعلمك (ما الحاقة) هي أعظم من أن يعلم كنهها.
(كذبت ثمود وعاد بالقارعة) بالقيامة التي تقرع الناس بأهوالها.
(فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية) بالصيحة أو الرجفة المجاوزة للحد في الشدة.
(وأما عاد فأهلكوا)
(بريح صرصر) شديدة الصوت أو البرد (عاتية) عليهم أو على خزانها فعجزوا عن ضبطها.
(سخرها) سلطها (عليهم سبع ليال وثمانية أيام) أولها صبح الأربعاء وهي أيام العجوز لوقوعها عجز الشتاء أو لأن عجوزا من عاد دخلت سربا فانتزعتها الريح فقتلتها (حسوما) متتابعات (فترى القوم) لو حضرتهم (فيها) أي في الليالي أو الأيام (صرعى) ملقين هلكى (كأنهم أعجاز) أصول (نخل خاوية) نخرة ساقطة.
(فهل ترى لهم من باقية) من بقاء أو نفس باقية.
(وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات) قرىء قوم لوط أي أهلها (بالخاطئة) بالخطأ أو بالغفلات ذات الخطإ.
(فعصوا رسول ربهم) أي رسله (فأخذهم أخذة رابية) زائدة في الشدة.
(إنا لما طغا الماء) تجاوز حده المعتاد على قوم نوح أو على خزانه (حملناكم) في أصلاب آبائكم (في الجارية) سفينة نوح.
(لنجعلها) أي الفعلة وهي إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين (لكم تذكرة) عبرة (وتعيها) ولتحفظها (أذن واعية) من شأنها أن تعي وتحفظ هي أذن علي (عليه السلام) كما رواه العام والخاص.
(فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة) هي الأولى أو الثانية.
(وحملت الأرض والجبال) رفعت من أماكنها (فدكتا دكة واحدة) بعضها ببعض فصارتا هباء أو قاعا صفصفا.
(فيومئذ وقعت الواقعة) قامت القيامة.
(وانشقت السماء فهي يومئذ واهية) ضعيفة.
(والملك) جنسه (على أرجائها) جوانبها (ويحمل عرش ربك فوقهم) الضمير للملك على المعنى وللثمانية لتقدمهم حكما (يومئذ ثمانية) من أفراد الملائكة أو صفوفهم.
(يومئذ تعرضون) للحساب (لا تخفى منكم خافية) على الله.
(فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول) ابتهاجا (هاؤم) ها بالمد اسم خذ للواحد، وهاؤم لجمعه وهاء بالكسر للواحدة (اقرءوا كتابيه).
(إني ظننت) علمت (أني ملاق حسابيه).
(فهو في عيشة راضية) مرضية أو راض صاحبها.
(في جنة عالية) رفيعة المكان والقصور والأشجار.
(قطوفها) ثمارها جمع قطف أي مقطوف (دانية) من المتناول فيقال لهم.
(كلوا واشربوا) أكلا وشربا (هنيئا بما أسلفتم) قدمتم من الخير (في الأيام الخالية) أيام الدنيا الماضية.
(وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول) حزنا (يا ليتني لم أوت كتابيه).
(ولم أدر ما حسابيه).
(يا ليتها) أي الموتة في الدنيا (كانت القاضية) القاطعة لحياتي فلم أبعث.
(ما أغنى عني ماليه) نفي أو استفهام إنكار.
(هلك عني سلطانية) تسلطي على الناس أو حجتي فيقول الله للزبانية:.
(خذوه فغلوه) أجمعوا يديه ورجليه إلى عنقه.

(ثم الجحيم صلوه) أدخلوه وقدم الجحيم للحصر وكذا السلسلة.
(ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا) أي طويلة وثم للتفاوت بالشدة (فاسلكوه) أدخلوه.
(إنه كان لا يؤمن بالله العظيم).
(ولا يحض على طعام المسكين) لا يحث على إطعامه.
(فليس له اليوم هاهنا حميم) قريب ينفعه.
(ولا طعام إلا من غسلين) صديد أهل النار.
(لا يأكله إلا الخاطئون) المتعمدون للخطايا.
(فلا أقسم) لا زائدة أو لنفي الحاجة إلى القسم لوضوح الأمر أو لرد ما يخالف المقسم عليه (بما تبصرون).
(وما لا تبصرون) من المخلوقات أي بها كلها أو بها وبخالقها.
(إنه) أي القرآن (لقول رسول) أرسله الله ولم يتقوله من نفسه (كريم) على ربه.
(وما هو بقول شاعر) كما زعمتم (قليلا ما تؤمنون) إيمانا قليلا تؤمنون.
(ولا بقول كاهن) كما قلتم (قليلا ما تذكرون) أي تذكرا قليلا، وقرن نفي الشاعرية بالإيمان لوضوح عدم مشابهة القرآن للشعر لكل أحد ونفي الكاهنية بالتذكر لتوقفه على تأمل ما ليظهر منافاة القرآن للكهانة بل هو.
(تنزيل من رب العالمين) على لسان جبرئيل.
(ولو تقول علينا) محمد (بعض الأقاويل) بأن نسب إلينا قولا لم نقله.
(لأخذنا منه باليمين) بيمينه.
(ثم لقطعنا منه الوتين) أي عرق قلبه الذي يموت بقطعه أي لقتلناه أشنع قتل بأن يؤخذ بيمينه ويضرب عنقه وهو ينظر أو لأخذنا منه بالقوة.
(فما منكم) أيها الناس (من أحد عنه) عن الرسول أو القتل (حاجزين) مانعين جمع لعموم أحد.
(وإنه) أي القرآن (لتذكرة للمتقين) لعود نفعه إليهم.
(وإنا لنعلم أن منكم مكذبين) وعيد لمن كذب.
(وإنه لحسرة على الكافرين) إذا رأوا ثواب المصدقين.
(وإنه لحق اليقين) للحق المتيقن أضيف تأكيدا.
(فسبح باسم ربك العظيم) صفة الاسم أو الرب.


سورة المعارج

(70) سورة المعارج أربع وأربعون آية (44) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(سأل سائل) دعا داع (بعذاب واقع) نزلت لما قال بعض المنافقين يوم الغدير: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فرماه الله بحجر فقتله.
(للكافرين ليس له دافع) راد.
(من الله ذي المعارج) المصاعد وهي السموات لعروج الملائكة فيها أو درجات الجنة أو الفواضل المفاضلة.
(تعرج الملائكة والروح) جبرئيل وأفرد لفضله أو خلق أعظم من الملائكة (إليه) إلى عرشه أو محيط أمره (في يوم كان مقداره
خمسين ألف سنة).
(فاصبر صبرا جميلا) لا جزع ولا شكوى فيه.
(إنهم يرونه) أي العذاب أو يوم القيامة (بعيدا) عن الإمكان.
(ونراه قريبا) من الوقوع.
(يوم تكون السماء كالمهل) كالفلز المذاب أو دردي الزيت.
(وتكون الجبال كالعهن) كالصوف الملون المنفوش يطيره الريح.
(ولا يسئل حميم حميما) قريب قريبه عن حاله للدهشة.
(يبصرونهم) استئناف لبيان أن انتفاء السؤال لتشاغلهم لا لعدم الإبصار والجمع للمعنى (يود المجرم لو) يتمنى أن (يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه).
(وصاحبته) زوجته (وأخيه).
(وفصيلته التي) عشيرته التي فصل منها (تؤويه) تضمه في الشدة أو النسب.
(ومن في الأرض جميعا) من الخلائق (ثم ينجيه) الافتداء وثم لاستبعاد الإنجاء.
(كلا) ردع (إنها) أي النار أو القصة (لظى) وهي اللهب أو علم جهنم.
(نزاعة للشوى) هي الأطراف أو جمع شواة وهي جلدة الرأس.
(تدعو من أدبر وتولى) عن الإيمان أي تأخذه فلا يفوتها كأنها تدعوه أو ينطقها الله تعالى فتقول: إلي إلي.
(وجمع) المال (فأوعى) جعله في وعاء ومنع حق الله منه.
(إن الإنسان) جنسه (خلق هلوعا) مائلا طبعا إلى الهلع وهو قلة الصبر وشدة الحرص كما يفسره.
(إذا مسه الشر) كالفقر والمرض (جزوعا).
(وإذا مسه الخير) كالغنى (منوعا) ونصب الثلاث أحوال وكلمتا إذا ظرفا جزوعا ومنوعا.
(إلا المصلين).
(الذين هم على صلاتهم دائمون) مواظبون.
(والذين في أموالهم حق معلوم) هو الزكاة المفروضة، وعن الصادق (عليه السلام) أنه الصدقة المندوبة.
(للسائل والمحروم) من لا يسأل فيحسب غنيا فيحرم.
(والذين يصدقون بيوم الدين) الجزاء.
(والذين هم من عذاب ربهم مشفقون) خائفون.
(إن عذاب ربهم غير مأمون) أن ينزل.
(والذين هم لفروجهم حافظون).
(إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين).
(فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون).
(والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) فسر في المؤمنين.
(والذين هم بشهاداتهم قائمون) يقيمونها كما علموها ولا يكتمونها.
(والذين هم على صلاتهم يحافظون) يؤدونها لأوقاتها بحدودها والمضارع لتجددها وتكررها ولفضلها افتتح بها وختم بها باعتبارين.
(أولئك في جنات مكرمون) في نعيمها.
(فما للذين كفروا قبلك) نحوك (مهطعين) مسرعين.

(عن اليمين وعن الشمال عزين) فرقا متفرقة جمع عزة وأصلها عزوة من عزاه نسبه كانوا يحفون بالرسول ويستهزءون به وبالمؤمنين.
(أيطمع كل امرىء منهم أن يدخل جنة نعيم) إنكار لقولهم لئن دخل هؤلاء الجنة كما يزعمون لندخلنها قبلهم.
(كلا) ردع لهم (إنا خلقناهم مما يعلمون) من نطفة قذرة كسائر الناس فكيف ينكرون الخالق وقدرته على إعادته ويدعي الشرف بنفسه ويطمع في محل قدسه ولم يستكمل الإيمان والطاعة.
(فلا أقسم) مر مثله (برب المشارق والمغارب) للشمس أو لكل نير (إنا لقادرون).
(على أن نبدل) أي نهلكهم ونخلق بدلهم (خيرا منهم)(وما نحن بمسبوقين) بمغلوبين على ذلك.
(فذرهم يخوضوا ويلعبوا) في هواهم (حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون) فيه للجزاء.
(يوم يخرجون من الأجداث) القبور (سراعا) سريعين (كأنهم إلى نصب) بفتح النون وإسكان الصاد صنم أو علم نصب لهم وقرىء بضمها (يوفضون) يسرعون.
(خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون) وهو يوم القيامة.


سورة نوح

(71) سورة نوح ثمان أو تسع وعشرون أو ثلاثون آية (28 - 29 - 30) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن) بأن أو أي لتضمن الإرسال معنى القول (أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم) عاجلا وآجلا.
(قال يا قوم إني لكم نذير مبين).
(أن اعبدوا الله) وحده (واتقوه) بترك معاصيه (وأطيعون) فإن طاعتي طاعته.
(يغفر لكم من ذنوبكم) أي بعضها مما سوى حق الناس (ويؤخركم إلى أجل مسمى) هو الأقصى المشروط بالإيمان فلم يخترمكم قلبه بالاستئصال (إن أجل الله) المسمى عنده (إذا جاء لا يؤخر) فبادروا وقت الإمهال (لو كنتم تعلمون) ذلك أو من أهل العلم لعلمتم صحبته.
(قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا) أي دائما متصلا.
(فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) عن الإيمان.
(وإني كلما دعوتهم) إليه (لتغفر لهم) بسببه (جعلوا أصابعهم في ءاذانهم) لئلا يسمعوا دعائي (واستغشوا ثيابهم) تغطوا بها لئلا يروني.
(و أصروا) على كفرهم (واستكبروا) عن إجابتي (استكبارا).
(ثم إني دعوتهم جهارا) للتغليظ أو مجاهرا.
(ثم إني أعلنت لهم) الدعوة (وأسررت لهم إسرارا) فجمعت بين الأمرين زيادة للتغليظ وثم للتراخي في المراتب أو تفاوتها.
(فقلت استغفروا ربكم) بالتوبة من كفركم (إنه كان غفارا) لمن استغفره.
(يرسل السماء) المطر وكان قد حبس عنهم وأعقمت نساؤهم أربعين سنة (عليكم مدرارا) كثير الدر.
(ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات) بساتين (ويجعل لكم أنهارا) جارية.
(ما لكم لا ترجون لله وقارا) لا تخافون عظمته فتوحدوه أو لا تعتقدون له ثباتا فتخشوا عقوبته.
(وقد خلقكم أطوارا) نطفة ثم علقة إلى آخره أو أحوالا أي مختلفين أصنافا وأوصافا.
(ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا) فسر في الملك.
(وجعل القمر فيهن) في مجموعهن لصدقه بالسماء الدنيا (نورا وجعل الشمس سراجا) شبهت به لأن ضوءها ذاتي ولإذهابها ظلمة الليل.
(والله أنبتكم) أنشأكم (من الأرض) إذ أنشأ آباءكم وأغذيتكم منها (نباتا).
(ثم يعيدكم فيها) أمواتا (ويخرجكم) منها أحياء للبعث (إخراجا) أكد به كالسابق وإيذانا بتحقق الإعادة كالبدء.
(والله جعل لكم الأرض بساطا) مبسوطة.
(لتسلكوا منها سبلا فجاجا) واسعة.
(قال نوح رب إنهم عصوني) فيما أمرتهم به (واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا) اتبعوا رؤساءهم الذين بطروا النعمة عليهم بالمال والولد حتى صيروها سببا لزيادة خسارتهم.
(ومكروا مكرا كبارا) كبيرا جدا فإنهم كذبوا نوحا وحرضوا سفلتهم على أذاه.
(وقالوا) لهم (لا تذرن ءالهتكم) خصوا منها خمسة فقالوا (ولا تذرن ودا) بالفتح والضم (ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) قيل هي أسماء قوم صلحاء بين آدم ونوح فلما ماتوا صوروهم ليقتدوا بهم ثم عبدوا ثم انتقلت إلى العرب.
(وقد أضلوا) أي الرؤساء أو الأصنام (كثيرا) كقوله إنهن أضللن كثيرا (ولا تزد الظالمين إلا ضلالا) عن الجنة أو إلا خذلانا أو عذابا نحو في ضلال وسعر.
(مما خطيئاتهم) من أجلها (أغرقوا) بالطوفان (فأدخلوا نارا) عذبوا بها عقيب الإغراق تحت الماء عذاب القبر أو في الآخرة والتعقيب لعدم الاعتداد بمدة البرزخ ونكرت تعظيما (فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا) يمنعونهم منها.
(وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) نازل دار أي أحدا دعا عليهم بعد أن عرف طباعهم بصحبتهم ألف سنة إلا خمسين عاما وأوحى الله إليه: أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد ءامن.
(إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) علم ذلك بالوحي.
(رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي) منزلي أو مسجدي

(مؤمنا) حال (وللمؤمنين والمؤمنات) عامة (ولا تزد الظالمين) عامة أو قومه (إلا تبارا) هلاكا فأهلكوا.


سورة الجن

(72) سورة الجن ثماني وعشرون آية (28) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(قل أوحي إلي أنه) أي الشأن (استمع نفر من الجن) جن نصيبين أو غيرهم ويفيد أنه مبعوث إلى الثقلين وأن الجن مكلفون ويفهمون لغة العرب ويميزون بين المعجز وغيره بدليل (فقالوا) لقومهم لما رجعوا إليهم (إنا سمعنا قرءانا عجبا) عجيبا مباينا لأشكاله في حسن مبانيه وصحة معانيه.
(يهدي إلى الرشد) الصواب والإيمان (فآمنا به) بالقرآن (ولن نشرك) فيما بعد (بربنا أحدا).
(وأنه) أي الشأن (تعالى جد ربنا) تنزه جلالة وعظمة أو ملكه وغناه عما نسب إليه من الصاحبة والولد (ما اتخذ صاحبة ولا ولدا).
(وأنه) أي الشأن (كان يقول سفيهنا) إبليس أو غيره (على الله شططا) قولا ذا شطط أي بعد عن الحق بنسبة الصاحبة والولد إليه أو وصف بالمصدر مبالغة.
(وأنا ظننا أن) الشأن (لن تقول الإنس والجن على الله كذبا) أي إنما قلدنا السفيه في ذلك لظننا أن أحدا لا يكذب على الله حتى تبين لنا كذبه.
(وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن) كان الرجل إذا أمسى بقفر يقول أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهائه (فزادوهم رهقا) فزاد الإنس الجن بعوذهم بهم طغيانا فقالوا سدنا الجن والإنس أو فزاد الجن والإنس إثما بإغوائهم وهو من كلام الجن بعضهم لبعض أو استئناف من الله وعلى الفتح من الوحي وكذا الكلام في.
(وأنهم) أي الإنس (ظنوا كما ظننتم) أيها الجن أو بالعكس (أن) المخففة (لن يبعث الله أحدا) بعد الموت وقال الجن.
(وأنا لمسنا السماء) مسسناها مستعار للطلب أي طلبنا بلوغها لاستراق السمع (فوجدناها ملئت حرسا شديدا) من الملائكة (وشهبا) جمع شهاب وهو كوكب الرجم وهذا حين بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم).
(وأنا كنا) قبل مبعثه (نقعد منها مقاعد) خالية من الحرس والشهب (للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا) قد رصد ليرجم به.
(وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض) يمنع الاستراق (أم أراد بهم ربهم رشدا) خيرا.
(وأنا منا الصالحون) عقيدة وعملا (ومنا دون ذلك) أي قوم أدون حالا منهم في الصلاح (كنا طرائق) في طرائق أي مذاهب أو ذوي طرائق (قددا) متفرقة.
(وأنا ظننا) تيقنا (أن) المخففة (لن نعجز الله) كائنين (في الأرض ولن نعجزه هربا) هاربين أي لا نفوته حيث كنا.
(وأنا لما سمعنا الهدى) القرآن
(ءامنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا) نقصا من أجره ولا غشيان ظلم بعقوبة أو جزاء بخس ولا رهق.
(وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون) الجائرون عن الحق بكفرهم (فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا) طلبوا صوابا موجبا للثواب.
(وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) وقودا ككفرة الإنس.
(وأن) الشأن (لو استقاموا) أي الثقلان أو أحدهما (على الطريقة) أي الإيمان (لأسقيناهم ماء غدقا) كثيرا أي لوسعنا عليهم الرزق وخص الماء بالذكر لأنه أصل السعة.
(لنفتنهم) لنختبرهم (فيه) ليظهر كيف يشكرونه وقيل معناه لو استقاموا على طريقة الكفر لوسعنا عليهم استدراجا لهم (ومن يعرض عن ذكر ربه) وعظه أو عبادته (يسلكه) يدخله بالنون والياء (عذابا صعدا) شاقا يتصعد المعذب ويعلوه.
(وأن المساجد لله) من الموحى أو بتقدير لام العلة لقوله (فلا تدعوا) تعبدوا فيها (مع الله أحدا) بأن تشركوا كأهل الكتابين في بيعهم وكنائسهم وقيل أريد بالمساجد الأرض كلها لأنها جعلت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مسجدا وروي مواضع السجود وهي الأعضاء السبعة أي لا تسجدوا بها لغير الله.
(وأنه) أي الشأن من الموحى أو استئناف (لما قام عبد الله) النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وذكر العبد للتواضع كأنه كالمتكلم عن نفسه (يدعوه) يعبده (كادوا) أي الجن (يكونون عليه لبدا) جمع لبدة أي مزدحمين عليه يركب بعضهم بعضا تعجبا من قراءته وحرصا على سماعها أو كاد المشركون يتراكبون عليه لمنعه عما هو فيه.
(قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا) رد عليهم.
(قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا) ولا نفعا.
(قل إني لن يجيرني من الله أحد) إن أراد به ضرا (ولن أجد من دونه ملتحدا) معدلا وملجأ.
(إلا بلاغا) استثناء من مفعول أملك أي لا أملك لكم شيئا إلا البلاغ إليكم (من الله) أي عنه أو كائنا منه (ورسالاته ومن يعص الله ورسوله) في التوحيد (فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا) جمع للمعنى.
(حتى إذا رأوا ما يوعدون) من العذاب في بدر أو القيامة (فسيعلمون) حينئذ (من أضعف ناصرا وأقل عددا) أعوانا هو أم هم وكأنهم قالوا متى هذا الوعد فقيل.
(قل إن) ما (أدري أقريب ما توعدون) من العذاب (أم يجعل له ربي أمدا) أجلا بعيدا أي هو كائن قطعا ولا يعلم وقته إلا الله هو.
(عالم الغيب فلا يظهر) يطلع (على غيبه أحدا) من خلقه.
(إلا من ارتضى) للاطلاع على بعضه لمصلحة (من رسول) بيان لمن وأما علم الأوصياء فبتوسط الرسول كعلمنا بأمور الآخرة بتوسطهم وإن اختلف طريق التعلم (فإنه) أي الله (يسلك) أي يدخل (من بين يديه) من أمام المرتضى (ومن خلفه رصدا) ملائكة يحرسونه من تخاليط الشياطين حتى يبلغ ما يوحى إليه وقيل التقدير فإن المرتضى يسير أمامه وخلفه الملائكة يحرسونه.
(ليعلم) الله علم ظهور (أن) المخففة (قد أبلغوا) أي الرسل (رسالات ربهم) بلا تغيير (وأحاط) وقد أحاط الله قبل (بما لديهم) من العلم والحكمة (وأحصى كل شيء عددا).




سورة المزمل

(73) سورة المزمل تسع عشرة أو عشرون آية (19 - 20) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها المزمل) أي المتزمل أدغم التاء في الزاء من تزمل تلفف بثيابه خوطب به (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأنه ارتعد بدء مجيء جبرئيل فقال زملوني أو كان يتزمل بثيابه للنوم أو للصلاة أو من تزمل أي تحمل الحمل أي المتحمل لأعباء النبوة.
(قم الليل) للصلاة (إلا قليلا نصفه) بدل من قليلا (أو انقص) من القليل أو النصف (قليلا) إلى الثلث.
(أو زد عليه) أي على القليل قليلا (ورتل القرءان ترتيلا) بحفظ الوقوف وتبيين الحروف.
(إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) هو القرآن لما فيه من التكاليف الشاقة سيما على النبي أو ثقيلا تلقيه فإنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يتغير حاله ويعرق عند نزوله أو إدراك معانيه أو في الميزان أو على الكفار أو رزينا له موقع لأنه حكمه.
(إن ناشئة الليل) القيام في الساعات الآخرة للصلاة أو النفس التي تنشأ أي تنهض من منامها للعبادة (هي أشد وطأ) أي ثقلا أو ثبات قدم (وأقوم قيلا) أصوب قولا وقراءة لفراغ البال.
(إن لك في النهار سبحا طويلا) تصرفا في مهامك فلا تفرغ لمناجاة الله فتهجد بالليل.
(واذكر اسم ربك) في تهجدك أو دائما بالتسبيح ونحوه (وتبتل) وانقطع (إليه) في العبادة (تبتيلا).
(رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا) موكولا إليه أمورك فإنه يكفيكها.
(واصبر على ما يقولون) من التكذيب (واهجرهم هجرا جميلا) بالمجانبة والمداواة.
(وذرني والمكذبين أولي النعمة) التنعم صناديد قريش (ومهلهم) زمنا (قليلا).
(إن لدينا أنكالا) قيودا ثقالا جمع نكل بالكسر (وجحيما) نارا عظيمة.
(وطعاما ذا غصة) ينشب في الحلق كالزقوم والضريع (وعذابا أليما) زيادة على ما ذكر وتنكير الكل للتعظيم.
(يوم ترجف الأرض والجبال) تزلزل (وكانت الجبال كثيبا) رملا مجتمعا (مهيلا) منشورا بعد اجتماعه.
(إنا أرسلنا إليكم) يا أهل مكة (رسولا) هو محمد (شاهدا عليكم) في الآخرة بما يكون منكم (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا) هو موسى.
(فعصى فرعون الرسول) المعهود (فأخذناه أخذا وبيلا) ثقيلا.
(فكيف تتقون إن كفرتم يوما) مفعول تتقون أي تدفعون عذاب يوم (يجعل الولدان شيبا) لشدة هوله جمع أشيب.
(السماء منفطر) منشق (به كان وعده مفعولا).
(إن هذه) الآيات المخوفة (تذكرة) عظة (فمن شاء اتخذ
إلى ربه) إلى رضاه (سبيلا) بالاتعاظ والإيمان والطاعة.
(إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى) أقل (من ثلثي الليل) بضم اللام وإسكانها (ونصفه وثلثه) عطف على ثلثي وقرىء بالنصب عطف على أدنى (وطائفة من الذين معك) عطف على مستكن تقوم (والله يقدر الليل والنهار) يعلم مقاديرهما فيعلم القدر الذي يقومون به (علم أن) المخففة (لن تحصوه) لن تطيقوا إحصاء الوقت المقدر على الحقيقة بسهولة (فتاب عليكم) فخفف عنكم (فاقرءوا ما تيسر من القرءان) أي صلوا ما سهل عليكم بالليل عبر عن الصلاة بالقراءة لأنها جزؤها (علم أن سيكون منكم مرضى وءاخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله) يسافرون طالبين للتجارة أو تحصيل العلم وكل طاعة (وءاخرون يقاتلون في سبيل الله) وكل من الفرق الثلاث يشق عليهم التهجد المذكور فهم أحق بالتخفيف فلذا كرر مرتبا عليهم بقوله (فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلوة) الواجبة (وءاتوا الزكوة) المفروضة (وأقرضوا الله قرضا حسنا) بالإنفاق تطوعا في سبيل الخير أو بفعل الحسنات مطلقا وفيه ترغيب لإشعاره بالعوض كالتصريح في (وما تقدموا لأنفسكم من خير) مال أو إحسان (تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا) لبقاء ثوابه (واستغفروا الله) في كل حال (إن الله غفور رحيم).


سورة المدثر

(74) سورة المدثر خمس أو ست وخمسون آية (55 - 56) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها المدثر) أي المتغطي بالدثار.
(قم) من مضجعك أو شمر وجد (فأنذر) ترك مفعوله للتعميم أو قومك.
(وربك فكبر) عظمه عما لا يليق به.
(وثيابك فطهر) فقصر فإنه أبقى وأتقى وأنقى كما عن علي (عليه السلام) أو من النجاسة أو نفسك فنزه عن الأخلاق الذميمة.
(والرجز) الأوثان أو العذاب أي موجبة من الشرك أو المعاصي (فاهجر) دم على هجره.
(ولا تمنن تستكثر) بالرفع حال أي لا تعط شيئا مستكثرا إلي طالبا أكثر منه أو رائيا أنه كثير أو لا تمنن على الله بطاعتك مستكثرا لها أو على الناس برسالتك.
(ولربك) لوجهه (فاصبر) على ما كلفته أو أذى قومك.
(فإذا نقر في الناقور) نفخ في الصور فاعول من النقر بمعنى النفخ.
(فذلك يومئذ يوم عسير).
(على الكافرين غير يسير) تأكيد يفيد أن عسره عليهم لا يرجى زواله بخلاف المؤمنين فإنه يسير عليهم.
(ذرني ومن خلقت وحيدا) حال من الياء أي اتركني وحدي معه أكفله أو من التاء أي ومن خلقته وحدي بلا شركة أحد أو من العائد المقدر أي خلقته فريدا لا مال له ولا ولد وهو الوليد بن المغيرة.
(وجعلت له مالا ممدودا) متسعا مستمرا من الزرع والضرع والتجارة.
(و بنين شهودا) حضورا معه يأنس بهم لا يفارقونه.
(ومهدت له تمهيدا) بسطت الجاه والرئاسة.
(ثم يطمع أن أزيد) استبعاد لطمعه في الزيادة على ما أوتي مع كفرانه النعمة.
(كلا) ردع له عن الطمع (إنه كان لآياتنا عنيدا) معاندا استئناف يعلل الردع كأنه قيل لم لا يزداد فقيل لعناده الموجب لسلب النعمة فكيف الزيادة.
(سأرهقه صعودا) سأغشيه مشقة من العذاب أو جبلا من النار يصعد فيه ثم يهوي أبدا ثم فسر عناده فقال.
(إنه فكر) فيما يطعن به في القرآن (وقدر) ذلك في نفسه.
(فقتل كيف قدر) فلعن على أي حال كان تقديره أو هو عجب من تقديره استهزاء به كقولهم قتله الله ما أشعره أي بلغ في الشعر حيث يحسد ويدعى عليه.
(ثم قتل كيف قدر) كرر بثم إيذانا بلعنه الثاني.
(ثم نظر) في وجوه قومه أو فيما يطعن به.
(ثم عبس) قطب وجهه حيرة فيما يقول (وبسر) واهتم لذلك.
(ثم أدبر) عن الحق (واستكبر) عن اتباع النبي.
(فقال إن) ما (هذا) القرآن (إلا سحر يؤثر) يروي عن السحرة.
(إن) ما (هذا إلا قول البشر) لم يعطف على ما قبله لأنه كالتأكيد.
(سأصليه) سأدخله (سقر) النار أو دركة منها.
(وما أدراك ما سقر) تعظيم لها.
(لا تبقي) شيئا دخلها (ولا تذر) ولا تتركه حتى تهلكه.
(لواحة للبشر) مغيرة لظاهر الجلود بالإحراق.
(عليها تسعة عشر) ملكا خزنتها مالك ومن معه قيل لما نزلت قال أبو جهل لقريش ثكلتكم أمهاتكم أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم فقال بعضهم أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين فنزل.
(وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة) فلا يطاقون لشدتهم ولا يرحمون لعدم مجانستهم لكم (وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا) محنة لهم ليظهر كفرهم باعتراضهم لم كانوا تسعة عشر أو استهزائهم المذكور (ليستيقن الذين أوتوا الكتاب) نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لإخباره بما يوافق ما في كتبهم من عدتهم (ويزداد الذين ءامنوا إيمانا) بالإيمان به (ولا يرتاب) فيه (الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض) نفاق مما سيحدثون بالمدينة فهو إخبار بالغيب (والكافرون) علانية بمكة (ماذا أراد الله بهذا) العدد (مثلا) سموه به استغرابا له (كذلك) الإضلال أي الخذلان لمنكر هذا العدد (يضل الله من يشاء) يخذله لعدم نفع اللطف فيه (ويهدي من يشاء) بلطفه لانتفاعه (وما يعلم جنود ربك) في قوتهم وكثرتهم (إلا هو وما هي) أي سقر أو السورة (إلا ذكرى) تذكرة (للبشر).
(كلا) ردع لمنكريها أو بمعنى حقا (والقمر).
(والليل إذا) وبألف بعد الذال (دبر) كفعل بمعنى أفعل وقرىء إذ ساكنة وأدبر كأفعل.
(والصبح إذا أسفر) أضاء.
(إنها) أي سقر (لإحدى) الدواهي (الكبر) جمع كبرى أي عظمى.
(نذيرا للبشر) تمييز.
(لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر) بدل من البشر أي لمن شاء السبق إلى الخير والتخلف عنه.
(كل نفس بما كسبت رهينة) مرهونة بكسبها أي عملها.
(إلا أصحاب اليمين) قال الباقر (عليه السلام) هم نحن وشيعتنا.
(في جنات يتساءلون) بينهم أو يسألون غيرهم.
(عن المجرمين) عن حالهم.
(ما سلككم في سقر).

(قالوا لم نك من المصلين) لصلاة المفروضة.
(ولم نك نطعم المسكين) ما فرض له ويفيد أن الكفار مخاطبون بالفروع.
(وكنا نخوض) في الباطل (مع الخائضين).
(وكنا) مع ذلك كله (نكذب بيوم الدين) البعث والجزاء.
(حتى أتانا اليقين) عيان الموت.
(فما تنفعهم شفاعة الشافعين) لو شفعوا لهم فرضا.
(فما لهم عن التذكرة) التذكير أي القرآن (معرضين) حال مثل ما لك قائما.
(كأنهم) في نفارهم عن الذكر وبلادتهم (حمر مستنفرة) وحشية.
(فرت من قسورة) أي أسد.
(بل يريد كل امرىء منهم أن يؤتى صحفا منشرة) إذ قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لن نؤمن لك حتى تنزل علينا كتابا من السماء.
(كلا بل لا يخافون الآخرة).
(كلا) أي حقا (إنه) أي القرآن (تذكرة) عظة بالغة.
(فمن شاء ذكره) اتعظ به.
(وما يذكرون إلا أن يشاء الله) جبرهم على الذكر (هو أهل التقوى) أن يتقي (وأهل المغفرة) أن يغفر لمن اتقاه.


سورة القيامة

(75) سورة القيامة أربعون أو تسع وثلاثون آية (39 - 40) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(لا أقسم بيوم القيامة) مر تفسيره في سورة الواقعة وغيرها.
(ولا أقسم بالنفس اللوامة) المؤمنة التي تلوم صاحبها أبدا وإن اجتهدت في الخير أو المتقية اللائمة في القيامة للنفوس التاركة للتقوى أو المطمئنة للأمارة وجواب القسم مقدر أي لتبعثن.
(أيحسب الإنسان) منكر البعث (ألن نجمع عظامه) للبعث.
(بلى) نجمعها (قادرين على أن نسوي بنانه) أنملته التي بها يتم الإصبع بأن نؤلف سلامياته كما كانت مع صغرها فكيف بالكبار.
(بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) ليستمر على فجوره في أوقاته الآتية أو يكذب بما أمامه من البعث.
(يسئل) استهزاء وتكذيبا (أيان) متى (يوم القيامة).
(فإذا برق البصر) تحير رعبا من برق الرجل دهش بصره.
(وخسف القمر) ذهب نوره.
(وجمع الشمس والقمر) في ذهاب أو الطلوع من المغرب والتذكير لتغليب القمر.
(يقول الإنسان يومئذ أين المفر) الفرار قول آيس من وجدانه.
(كلا) ردع عن طلب المفر (لا وزر) لا ملجأ يعتصم به.
(إلى ربك) وحده
(يومئذ المستقر) استقرار العباد فيحاسبهم ويجازيهم.
(ينبؤا الإنسان يومئذ بما قدم وأخر) بأول عمله وآخره أو بما قدم من عمل عمله وبما أخره فلم يعمله أو بما عمله وبما سنه فعمل به بعده أو بما قدم من مال لنفسه وبما خلفه لغيره.
(بل الإنسان على نفسه بصيرة) حجة واضحة لشهادته بما عملت أو بصير أي عليم بها والهاء للمبالغة.
(ولو ألقى معاذيره) ولو جاء بكل معذرة لم تنفعه.
(لا تحرك) يا محمد (به) بالقرآن (لسانك) قبل تمام وحيه (لتعجل به) لتأخذه بعجلة حرصا عليه خوف نسيانه.
(إن علينا جمعه) في صدرك (وقرءانه) وإجراء قراءته على لسانك.
(فإذا قرأناه) عليك بقراءة جبرئيل (فاتبع قرءانه) قراءته بعد استماعها ولا تساوقه فيها.
(ثم إن علينا بيانه) بتفهيمك معناه.
(كلا) حقا أو ردع (بل تحبون العاجلة).
(وتذرون الآخرة) تؤثرون الدنيا على العقبى.
(وجوه يومئذ ناضرة) بهجة حسنة.
(إلى ربها ناظرة) إلى رحمته أو إنعامه.
(ووجوه يومئذ باسرة) عابسة كالحة.
(تظن أن يفعل بها فاقرة) داهية تقصم فقار الظهر.
(كلا) ردع عن إيثار العاجل على الآجل (إذا بلغت) النفس بقرينة الحال والمقال (التراقي) أعالي الصدر.
(وقيل) قال من حوله (من راق) يرقيه بما يشقيه أو قالت الملائكة من يرقى بروحه أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟.
(وظن) أيقن المحتضر (أنه الفراق) أن ما حل به فراق الدنيا.
(والتفت الساق بالساق) ساقه بساقه من كرب الموت أو اتصلت شدة فراق ما يحب بشدة هول الآخرة.
(إلى ربك) إلى حكمه (يومئذ المساق) السوق.
(فلا صدق) بالحق أو فلا زكى ماله (ولا صلى) لله.
(ولكن كذب) بالحق (وتولى) عن الإيمان.
(ثم ذهب إلى أهله يتمطى) يتبختر إعجابا بنفسه.
(أولى لك فأولى) دعا عليه فيه تهديد واللام زائدة أي وليك ما تكره أو الهلاك.
(ثم أولى لك فأولى) أو وليك الشر في الدنيا ثم في الآخرة.
(أيحسب الإنسان أن يترك سدى) هملا لا يكلف ولا يجازى.
(ألم يك نطفة من مني يمنى) تراق في الرحم.
(ثم كان علقة فخلق فسوى) فقدره إنسانا فعدله.
(فجعل منه الزوجين) الصنفين (الذكر والأنثى).
(أليس ذلك) الفاعل لهذه الأمور (بقادر على أن يحيي الموتى) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما نزلت قال: سبحانك بلى.




سورة الأنسان

(76) سورة الإنسان إحدى وثلاثون آية (31) مدنية
وقيل كلها مكية، ويكذبه النقل الصحيح.
بسم الله الرحمن الرحيم
(هل أتى على الإنسان) جنسه (حين من الدهر) طائفة من الزمان الغير المحدود (لم يكن شيئا مذكورا) بالإنسانية بل كان عنصرا ونطفة وقيل أريد بالإنسان آدم.
(إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه) أخلاط لأنه من مجموع ماء الزوجين (فجعلناه) بسبب الابتلاء (سميعا بصيرا) ليسمع الآيات ويبصر الدلائل فتلزمه الحجة.
(إنا هديناه السبيل) بنصب الأدلة (إما شاكرا وإما كفورا).
(إنا أعتدنا للكافرين سلاسل) يسلكون فيها (وأغلالا) في أعناقهم وأيديهم (وسعيرا) يصلونها.
(إن الأبرار) جمع بر أو بار والمراد بهم علي وفاطمة وابناهما بإجماع أهل البيت وشيعتهم وتضافر روايات العامة والخاصة (يشربون من كأس) إناء فيه خمر أو من خمر (كان مزاجها كافورا) يخلق فيها رائحته وبياضه وبرده وقيل اسم عين في الجنة تشبه الكافور.
(عينا يشرب بها) منها (عباد الله يفجرونها تفجيرا) يجرونها حيث شاءوا بسهولة.
(يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره) هواه (مستطيرا) منتشرا ذاهبا في الجهات.
(ويطعمون الطعام على حبه) حب الله أو الطعام أي مع حاجتهم إليه (مسكينا ويتيما) من المسلمين (وأسيرا) من الكفار أخذ من دار الحرب وقيل من المسلمين ويعم المحبوس والمملوك قائلين بلسان الحال.
(إنما نطعمكم لوجه الله) لطلب رضاه خاصة روي أنهم لا يتكلمون به ولكن علمه الله منهم فأثنى عليهم (لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا) ولا شكرا على الإطعام.
(إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا) مكفهرا لشدته كالأسد العبوس أو تعبس به الكفار لهوله (قمطريرا) شديد العبوس.
(فوقاهم الله شر ذلك اليوم) الذي يخافونه (ولقاهم نضرة) حسنا بهاء في وجوههم (وسرورا).
(وجزاهم بما صبروا) على التكاليف والإيثار مع شدة الحاجة (جنة) يسكنونها (وحريرا) يلبسونه.
(متكئين فيها على الأرائك) الأسرة في الحجال أو المساند (لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) أي لا يجدون حرا ولا بردا والزمهرير القمر أي هي مضيئة بذاتها لا لشمس ولا قمر.
(ودانية عليهم ظلالها) أشجارها (وذللت قطوفها تذليلا) سهل أخذ ثمارها للمتناول كيف شاء.
(ويطاف عليهم بانية من فضة وأكواب) أقداح لا عرى لها (كانت قواريرا).
(قواريرا من فضة) أي جامعة لصفاء الزجاج وبياض الفضة فيرى باطنها من ظاهرها (قدروها تقديرا) أي قدروها في أنفسهم على صنعة فجاءت كما قدروها أو قدر الطائفون شرابها على قدر ريهم لا يزيد ولا ينقص وذلك ألذ للشارب.
(ويسقون فيها كأسا) خمرا (كان مزاجها زنجبيلا) في الطعم والعرب تستلذه.
(عينا فيها تسمى سلسبيلا) من السلاسة على زيادة الباء لسلاسة مساغها في الحلق ويفيد نفي لذع الزنجبيل المنافي للسلاسة.
(و يطوف عليهم ولدان مخلدون) لا يتغيرون (إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا) لحسنهم وصفائهم وانتشارهم في الخدمة.
(وإذا رأيت ثم) لا مفعول له أي إذا رميت ببصرك في الجنة (رأيت نعيما) أي نعيم (وملكا كبيرا) باقيا لا يزول أو متسعا.
(عاليهم) أي فوقهم (ثياب سندس) ما رق من الحرير (خضر وإستبرق) ما غلظ من الديباج (وحلوا أساور من فضة) وفي مواضع من ذهب ولا منافاة لجواز التعاقب والجمع وكون تلك الفضة أفضل من الذهب (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) طاهرا من الأقذار لم تمسه الأيدي الخاطئة الدنسة.
(إن هذا) الثواب (كان لكم جزاء) على حسناتكم (وكان سعيكم) في مرضاة الله (مشكورا) مقبولا مثابا عليه.
(إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا) مفصلا نجوما لحكم منها تسليتك.
(فاصبر لحكم ربك) تبليغ رسالته وتحمل أذى قومك (ولا تطع منهم ءاثما أو كفورا).
(واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا) واظب على ذكره أو على صلاة الفجر والظهرين.
(ومن الليل) بعضه (فاسجد له) فصل العشاءين له (وسبحه) تهجد له (ليلا طويلا).
(إن هؤلاء يحبون العاجلة) الدنيا (ويذرون وراءهم) أمامهم (يوما ثقيلا) شديدا لا يعملون له.
(نحن خلقناهم وشددنا أسرهم) وثقنا ربط أوصالهم بالعصب (وإذا شئنا بدلنا) بعد إهلاكهم (أمثالهم) في الخلقة وشد الأسر (تبديلا) أي أعدناهم وجيء بالماضي لتحققه وكذا لفظ إذا.
(إن هذه) السورة (تذكرة) عظة (فمن شاء اتخذ إلى ربه) رضاه (سبيلا) بالطاعة.
(وما تشاءون) اتخاذ السبيل إليه (إلا أن يشاء الله) جبرهم عليه ولكن لا يشاءوه لمخالفته للحكم (إن الله كان عليما حكيما) فلا يفعل خلاف مقتضى الحكمة.
(يدخل من يشاء في رحمته) جنته وهم المؤمنون (والظالمين أعد لهم عذابا أليما).




سورة المرسلات

(77) سورة المرسلات خمسون آية (50) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(والمرسلات عرفا).
(فالعاصفات عصفا).
(والناشرات نشرا).
(فالفارقات فرقا).
(فالملقيات ذكرا) أقسم بطوائف الملائكة المرسلة بأوامره متتابعة كعرف الفرس أو للمعروف فعصفن كالرياح ممتثلات أمره ونشرن الشرائع في الأرض أو أجنحتهن نازلات بالوحي ففرقن بين الحق والباطل فألقين ذكرا إلى الأنبياء أو بآيات القرآن المرسلة بكل عرف إلى محمد فعصفت بسائر الكتب بالفسخ ونشرت أنوار الهدى في القلوب ففرقت بين الحق والباطل فألقت الذكر إلى النبي وقيل الثلاث الأول أو الأوليان للرياح والباقيتان أو البواقي للملائكة.
(عذرا) للمحققين (أو نذرا) للمبطلين.
(إنما توعدون) من البعث والجزاء (لواقع) كائن لا محالة.
(فإذا النجوم طمست) محق نورها.
(وإذا السماء فرجت) شقت.
(وإذا الجبال نسفت) ذريت كحب نسف بمنسف.
(وإذا الرسل أقتت) عرفت وقت شهادتهم على أممهم.
(لأي يوم أجلت) أخرت وضرب الأجل لجمعهم تهويل وتعجيب منه.
(ليوم الفصل) بين الخلائق.
(وما أدراك ما يوم الفصل) زيادة تهويل لشأنه.
(ويل يومئذ للمكذبين) بذلك كرر تجديدا للتهديد وتأكيدا للوعيد.
(ألم نهلك الأولين) بتكذيبهم.
(ثم نتبعهم) أي نحن (الآخرين) ممن كذبوا كفار مكة.
(كذلك) الفعل أي الإهلاك (نفعل بالمجرمين).
(ويل يومئذ للمكذبين) بآياتنا.
(ألم نخلقكم من ماء مهين) مني قذر حقير.
(فجعلناه في قرار مكين) حريز هو الرحم.
(إلى قدر) مقدار من الوقت (معلوم) عند الله للولادة.
(فقدرنا) على ذلك أو فقدرناه ليوافق قراءة التشديد (فنعم القادرون) نحن.
(ويل يومئذ للمكذبين) بقدرتنا.
(ألم نجعل الأرض كفاتا) مصدر كفت أي ضم.
(أحياء) على ظهرها (وأمواتا) في بطنها ونصب على المفعولية لكفاتا ونكر تفخيما.
(وجعلنا فيها رواسي شامخات) جبالا ثوابت عوالي (وأسقيناكم ماء فراتا) عذبا.
(ويل يومئذ للمكذبين) بهذه النعم ويقال.
(انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون) من العذاب.
(انطلقوا إلى ظل) هو دخان جهنم (ذي ثلاث شعب).
(لا ظليل ولا يغني من اللهب) يتشعب لعظمته أو يحيط بهم يمينا وشمالا ومن فوقهم وقيل هو النار.
(إنها) أي الشعب أو النار (ترمي بشرر) وهو ما تطاير منها (كالقصر) في عظمته.
(كأنه) في اللون والكثرة والتتابع والاختلاط والسرعة (جمالة) جمع جمال وقرىء جمالات (صفر) فإن النار صفراء وقيل سوداء إذ سواد الإبل يشوبه صفرة وقرىء جمالات بالضم جمع جمالة ما غلظ من جبال السفن شبه بها في امتداده.
(ويل يومئذ للمكذبين).
(هذا يوم لا ينطقون) بما ينفعهم فنطقهم كلا نطق أو بشيء دهشة وحيرة وهذا في موطن ويختصمون في آخر.
(و لا يؤذن لهم) في الاعتذار (فيعتذرون).
(ويل يومئذ للمكذبين).
(هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين).
(فإن كان لكم كيد) حيلة (فكيدون) فاحتالوا لدفع العذاب عنكم تعجيز لهم وتوبيخ على كيدهم للمؤمنين في الدنيا.
(ويل يومئذ للمكذبين).
(إن المتقين في ظلال وعيون).
(وفواكه مما يشتهون) ويقال لهم (كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون) من الحسنات.
(إنا كذلك نجزي المحسنين).
(ويل يومئذ للمكذبين).
(كلوا وتمتعوا قليلا) من الزمان وهو مدة أعماركم (إنكم مجرمون) مستحقون للعقاب.
(ويل يومئذ للمكذبين).
(وإذا قيل لهم اركعوا) سلموا أو اخشعوا أو انقادوا (لا يركعون) يفيد أن الأمر للوجوب وأن الكفار مخاطبون بالفروع.
(ويل يومئذ للمكذبين).
(فبأي حديث بعده) بعد القرآن (يؤمنون) إذ هو أعظم حديث وأبلغه.


سورة النبأ

(78) سورة النبإ إحدى وأربعون آية (41) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(عم يتساءلون) بحذف ألف ما الاستفهامية تفخيما لشأن المسئول عنه كانوا يتساءلون فيما بينهم عن البعث أو غيره.
(عن النبإ العظيم) هو البعث أو الكتاب الصامت أو الناطق.
(الذي هم فيه مختلفون) بالتصديق والتكذيب.
(كلا) ردع على التكذيب به (سيعلمون) عاقبة تكذيبهم.
(ثم كلا سيعلمون) كرر بثم مبالغة في التهديد أو الأولى عند النزع والثاني في الآخرة ثم نبه على قدرته على البعث بقوله.
(ألم نجعل الأرض مهادا) وطاء كالمهد.
(والجبال أوتادا) تثبت الأرض لئلا تميد بأهلها.
(وخلقناكم أزواجا) ذكرانا وإناثا.
(وجعلنا نومكم سبأتا) راحة أو قطعا لتصرف جوارحكم وقواكم.
(وجعلنا الليل لباسا) ساترا بظلمة.
(وجعلنا النهار معاشا) وقت معاش.
(وبنينا فوقكم سبعا) من السموات (شدادا) لا تبلى بمرور الدهر.
(وجعلنا) الشمس (سراجا وهاجا) منيرا متلألئا للعالمين شديد الحر.
(وأنزلنا من المعصرات) السحائب التي شارفت أن تمطر أو الرياح التي تعصر السحاب
(ماء ثجاجا) صبابا بدفع.
(لنخرج به حبا) كالحنطة والشعير (ونباتا) كالتبن والحشيش.
(وجنات ألفافا) بساتين ملتفة بالشجر.
(إن يوم الفصل) بين الخلق (كان ميقاتا) وقتا لما وعد الله من الجزاء.
(يوم ينفخ في الصور) النفخة الثانية (فتأتون أفواجا) جماعات من قبوركم إلى المحشر.
(وفتحت السماء) شقت لنزول الملائكة (فكانت) فصارت (أبوابا) كلها لكثرة شقوقها أو ذوات أبواب.
(وسيرت الجبال) في الجو كالهباء (فكانت سرابا) كالسراب يظن أنها جبال وليست إياها.
(إن جهنم كانت مرصادا) مكان يرصد فيه خزنتها الكفار أو خزنة الجنة للمؤمنين ليقوهم وهجها لأن مجازهم عليها أو راصدة للكفرة لا يفوتونها.
(للطاغين مآبا) مرجعا.
(لابثين) حال مقدرة (فيها أحقابا) دهورا متتابعة لا تتناهى وعن الباقر (عليه السلام) أنها في الذين يخرجون من النار.
(لا يذوقون فيها بردا) روحا من حر النار أو نوما (ولا شرابا) ما يسكن عطشهم.
(إلا) لكن (حميما) ماء شديد الحر (وغساقا) ما يغسق أي يسيل من صديدهم.
(جزاء وفاقا) موافقا أو ذا وفاق لأعمالهم في القبح.
(إنهم كانوا لا يرجون) لا يتوقعون أو لا يخافون (حسابا) لإنكارهم البعث.
(وكذبوا بآياتنا) الذي أتت به الرسل أو بالقرآن (كذابا).
(وكل شيء أحصيناه كتابا) مكتوبا في اللوح أو صحف الحفظة.
(فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا) لاستمراره فهو متزايد أبدا.
(إن للمتقين مفازا) فوزا أو مكانة.
(حدائق) بساتين (وأعنابا) تخصيصه لفضله.
(وكواعب) جواري يتكعب ثديهن (أترابا) لدات.
(وكأسا دهاقا) مملوءة مترعة.
(لا يسمعون فيها) في الجنة (لغوا) قولا ساقطا (ولا كذابا) تكذيبا من بعض لبعض.
(جزاء من ربك عطاء) بدل من جزاء ومفعوله (حسابا) كافيا.
(رب السموات والأرض وما بينهما) خبر محذوف وقرىء بالجر بدلا عن ربك (الرحمن لا يملكون) أي أهل السموات والأرض (منه) تعالى (خطابا) لا يقدرون أن يخاطبوه إلا بإذنه.
(يوم يقوم الروح) جبرئيل أو خلق أعظم من الملائكة أو جنس الأرواح (والملائكة صفا) أي مصطفين (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن) أن يشفع أو يشفع له (وقال صوابا) شفع لمن ارتضى أو شهد بالتوحيد عنهم (عليهم السلام) نحن هم.
(ذلك اليوم الحق) الثابت الوقوع لا محالة (فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا) مرجعا بطاعته.
(إنا أنذرناكم) أيها الكفار (عذابا قريبا) عذاب الآخرة الآتي وكل آت قريب (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه) من خير وشر (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) أي لم أخلق في الدنيا ولم أبعث اليوم أو حال البهائم إذ ترد ترابا بعد حشرها للقصاص.




سورة النازعات

(79) سورة النازعات خمس أو ست وأربعون آية (45 - 46) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(والنازعات غرقا).
(والناشطات نشطا).
(والسابحات سبحا).
(فالسابقات سبقا).
(فالمدبرات أمرا) أقسم تعالى بالملائكة التي تنزع من أقصى أبدانهم وتنشط أي تخرج أرواحهم بعنف أو أرواح المؤمنين برفق وتسبح بها كالسابح بشيء في الماء فتسبق الأرواح إلى محالها فتدبر جسما أمرت به أو ما عدا الأولين للملائكة التي تسبح أي تسرع في مضيها فتسبق إلى ما أمرت به فتدبر أمره أو بالنجوم التي تنزع من المشرق غرقا في النزع حتى تغيب في المغرب وتنشط من برج إلى برج أي تخرج وتسبح في الفلك فيستبق بعضها بعضا في السير فتدبر أمرا خلقت لأجله كتقدير الأزمنة والفصول أو بسرايا الغزاة تنزع القسي بإغراق السهام وتنشطها منها وتسرع في مضيها فتسبق إلى الجهاد فتدبر أمره وجواب القسم محذوف أي لتبعثن بدليل.
(يوم ترجف الراجفة) النفخة الأولى يرجف بها كل شيء أي يتزلزل أو هي الأرض والجبال.
(تتبعها الرادفة) النفخة الثانية والسماء والكواكب تتفطر وتنتثر.
(قلوب يومئذ واجفة) قلقة من الخوف.
(أبصارها خاشعة) أبصار أهلها ذليلة.
(يقولون) إنكارا للبعث (أإنا لمردودون) بعد الموت (في الحافرة) في الحالة الأولى أي الحياة.
(أإذا كنا عظاما نخرة) بالية.
(قالوا) استهزاء (تلك) أي رجعتنا إلى الحياة (إذا) إن صحت (كرة خاسرة) رجعة ذات خسران أو خاسر أهلها.
(فإنما هي) أي ما الكرة إلا (زجرة) صيحة (واحدة) وهي النفخة الثانية.
(فإذا هم بالساهرة) بوجه الأرض أحياء بعد ما كانوا ببطنها أمواتا سمي بها لأن سالكها يسهر خوفا وقيل هي أرض القيامة أو جهنم.
(هل أتاك حديث موسى) استفهام تقرير لتسليته (صلى الله عليه وآله وسلّم) وتهديد قومه المكذبين بما أصاب من كذب موسى.
(إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى) فسر في طه فقال له.
(اذهب إلى فرعون إنه طغى) تجبر في كفره.
(فقل هل لك إلى أن تزكى) تتزكى أي تتطهر من الكفر.
(وأهديك إلى ربك) أدلك على معرفته (فتخشى) قهره وعظمته.
(فأراه الآية الكبرى) من آياته وهي العصا أو هي واليد.
(فكذب) بها وسماها سحرا (وعصى) الله تمردا.
(ثم أدبر) عن الإيمان أو عن الجنة (يسعى) في دفع موسى أو مسرعا في الهرب.
(فحشر) فجمع جنوده والسحرة (فنادى) فيهم.
(فقال أنا ربكم الأعلى) لا رب فوقي.
(فأخذه الله نكال) مصدر مؤكد أي نكل به تنكيل (الآخرة) أي فيها بالإحراق (والأولى) بالإغراق.
(إن في ذلك) المذكور (لعبرة لمن يخشى) الله.
(أأنتم) أي منكرو البعث (أشد) أصعب (خلقا أم السماء) ثم بين كيف خلقها فقال (بناها).
(رفع سمكها) جمل مقدار علوها رفيعا (فسواها) جعلها مستوية بلا تفاوت ولا عيب.
(و أغطش ليلها) أظلمه (وأخرج ضحاها) أبرز نهارها أي ضوء شمسها.
(والأرض بعد ذلك دحاها) بسطها وكانت مخلوقة قبل السماء غير مدحية.
(أخرج) حال بتقدير قد أي مخرجا (منها ماءها) بتفجير عيونها (ومرعاها) مما يأكل الأنعام والناس.
(والجبال أرساها) أثبتها أوتاد الأرض.
(متاعا لكم ولأنعامكم).
(فإذا جاءت الطامة) الداهية التي تطم أي تعلو وتقهر (الكبرى) التي هي أكبر من كل طامة وهي النفخة الثانية أو القيامة.
(يوم يتذكر الإنسان ما سعى) ما عمل بأن يجده مكتوبا وكان قد نسيه.
(وبرزت الجحيم لمن يرى) أظهرت لكل راء.
(فأما من طغى) بكفره.
(وءاثر الحيوة الدنيا) فاشتغل بشهواتها عن عمل الآخرة.
(فإن الجحيم هي المأوى) مأواه واللام بدل من الهاء.
(وأما من خاف مقام ربه) قيامه بين يديه (ونهى النفس عن الهوى) بتوطينها على الطاعات وكفها عن المعاصي.
(فإن الجنة هي المأوى) مأواه.
(يسئلونك عن الساعة أيان مرساها) متى إرساؤها أي إثباتها وإقامتها.
(فيم) في أي شيء (أنت من ذكراها) من العلم بها حتى تذكرها أي لا تعلم وقتها وقيل هو متصل بسؤالهم والجواب.
(إلى ربك منتهاها) منتهى علمها.
(إنما أنت منذر من يخشاها) يخاف هولها لأنه المنتفع بالإنذار.
(كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا) في الدنيا أو في القبور (إلا عشية أو ضحاها) أي إلا ساعة من نهار عشية أو ضحاه.


سورة عبس

(80) سورة عبس إحدى أو اثنتان وأربعون آية (41 - 42) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(عبس) قطب وجهه (وتولى) أعرض.
(أن) لأن (جاءه الأعمى) عنهم (عليهم السلام): نزلت في رجل من بني أمية كان عند النبي فجاء ابن أم مكتوم فلما رآه تقذر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه فنزلت.
(وما يدريك) أيها العابس (لعله يزكى) يكون طاهرا زكيا.
(أو يذكر) يتعظ (فتنفعه الذكرى) العظة.
(أما من استغنى) بالمال.
(فأنت له تصدى) أي تتعرض مقبلا عليه.
(وما عليك) بأس أو أي بأس عليك في (ألا يزكى) بالإسلام إن عليك إلا البلاغ.
(وأما من جاءك يسعى) يسرع في طلب الخير.
(وهو يخشى).
(فأنت عنه تلهى) تتلهى أي متشاغل.
(كلا) لا تعد لمثله (إنها) أي السورة (تذكرة) عظة.
(فمن شاء ذكره) حفظه واتعظ به.
(في صحف مكرمة) عند الله.
(مرفوعة) قدرا (مطهرة) منزهة عن الشياطين.
(بأيدي سفرة) كتبة من الملائكة ينسخونها من اللوح جمع سافر أو سفراء بالوحي بين الله ورسله جمع سفير.
(كرام) على الله (بررة) أتقياء.
(قتل الإنسان) لعن وعذب الكافر (ما أكفره) تعجب من شدة كفرانه لنعم خالقه.
(من أي
شيء خلقه).
(من نطفة) قذرة (خلقه فقدره) أطوارا حتى تم خلقه أو أحوالا ذكرا أو أنثى أو أعضاء وحواسا حسب مصلحته.
(ثم السبيل يسره) سهل سبيل خروجه من بطن أمه ويبين له سبيل الخير والشر.
(ثم أماته) ليتوصل إلى السعادة الدائمة إن أطاع (فأقبره) جعله ذا قبر وأمر بأن يقبر احتراما.
(ثم إذا شاء أنشره) بعثه حيا.
(كلا) حقا أو ردع للإنسان عن كفره (لما يقض) لم يفعل (ما أمره) به الله.
(فلينظر الإنسان) نظر اعتبار (إلى طعامه) المنعم به لتعيشه.
(أنا صببنا الماء صبا) أي المطر.
(ثم شققنا الأرض شقا) بالنبات أو الكراب.
(فأنبتنا فيها حبا) كالحنطة والشعير.
(وعنبا وقضبا) يعني الرطبة وهي القت لأنه يقضب أي يقطع فينبت.
(وزيتونا ونخلا).
(وحدائق غلبا) عظاما لكثرة أشجارها أو غلاظ الأشجار.
(وفاكهة وأبا) ومرعى لأنه يؤب أي يؤم أو الفاكهة اليابسة تؤب أي تعد للشتاء.
(متاعا) خلق ذلك تمتيعا (لكم) بأطعمته (ولأنعامكم) بعلفه.
(فإذا جاءت الصاخة) نفخة القيامة تصخ الأسماع أي تصكها أو يصخ الناس لها أي يستمعون.
(يوم يفر المرء من أخيه).
(وأمه وأبيه).
(وصاحبته) زوجته (وبنيه) لشغله بنفسه أو لئلا يطالبوه بحقوقهم.
(لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه) حال يشغله عن غيره.
(وجوه يومئذ مسفرة) مضيئة.
(ضاحكة مستبشرة) بفوزها بالكرامة.
(ووجوه يومئذ عليها غبرة) غبرة وكآبة.
(ترهقها قترة) تغشاها ظلمة وسواد.
(أولئك هم الكفرة الفجرة) أي الجامعون بين سوء العقيدة وفساد العمل.


سورة التكوير

(81) سورة التكوير تسع وعشرون آية (29) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(إذا الشمس كورت) لفت فرفعت أو طوى ضوءها المنبسط أو ألقيت.
(وإذا النجوم انكدرت) انقضت أو أظلمت.
(وإذا الجبال سيرت) في الجو فهي تمر مر السحاب.
(وإذا العشار) جمع عشراء الناقة الحامل أتى عليها عشرة أشهر (عطلت) أهملت.
(وإذا الوحوش حشرت) جمعت بعد البعث للقصاص.
(وإذا البحار سجرت) أوقدت نارا أو ملئت بفتح بعضها في بعض حتى تصير بحرا واحدا.
(وإذا النفوس زوجت) قرنت بأجسادها أو بأشكالها أو أعمالها أو بجزائها.
(وإذا الموءودة) المدفونة حية (سئلت) تبكيتا لقاتلها وعن علي (عليه السلام) بالبناء للفاعل.
(بأي ذنب قتلت) أي بلا ذنب.
(وإذا الصحف) صحف الأعمال (نشرت) لحساب أهلها وقرىء بالتشديد لكثرتها.
(وإذا السماء كشطت) قلعت كما يكشط الجلد عن الشاة.
(وإذا الجحيم سعرت) أوقدت فازدادت شدة.
(وإذا الجنة أزلفت) قربت لأهلها وجواب إذا الأولى وما عطف عليها:.
(علمت نفس) أي كل نفس وقت وقوع المذكورات وهو يوم القيامة (ما أحضرت) من خير وشر.
(فلا أقسم بالخنس) النجوم التي تخنس ترجع وهي ما عدا النيرين من السيارات.
(الجوار الكنس) السيارات التي تكنس أي تخفى بالنهار أو في مغيبها، وعن علي (عليه السلام) أنها كل الكواكب تخنس بالنهار فلا ترى وتكنس بالليل أي تأوي إلى مجاريها فتأوي.
(والليل إذا عسعس) أدبر ظلامه أو أقبل.
(والصبح إذا تنفس) أضاء.
(إنه) أي القرآن (لقول رسول كريم) هو جبريل قاله عن الله.
(ذي قوة) شدة في العلم والعمل (عند ذي العرش) أي الله (مكين) ذي مكانة وجاه.
(مطاع) في ملائكته (ثم أمين) على الوحي.
(وما صاحبكم) محمد (بمجنون) كما زعمتم.
(ولقد رءاه) رأى النبي جبرئيل على صورته (بالأفق المبين) وهو الأعلى الشرقي.
(وما هو) أي النبي (على الغيب) ما غاب عن الوحي وأخبار السماء والأمم (بضنين) بالضاد من الضن البخل، أي بخيل بتبليغ الوحي وقرىء بظنين بالظاء، بمتهم من الظنة وهي التهمة.
(وما هو) أي القرآن (بقول شيطان رجيم) من مسترقة السمع كما زعمتم أنه كهانة.
(فأين تذهبون) عن الحق والباطل.
(إن) ما (هو إلا ذكر) عظة (للعالمين) الثقلين.
(لمن شاء منكم)(أن يستقيم) بسلوك طريق الحق وأبدل من العالمين لأنهم المنتفعون بالذكر.
(وما تشاءون) أيها الكفرة الاستقامة (إلا أن يشاء الله رب العالمين) جبركم عليها.


سورة الإنفطار

(82) سورة الانفطار تسع عشرة آية (19) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(إذا السماء انفطرت) انشقت.
(وإذا الكواكب انتثرت) تساقطت.
(وإذا البحار فجرت) فتح بعضها في بعض حتى تصير بحرا واحدا.
(وإذا القبور بعثرت) قلب ترابها وبعث موتاها وجواب إذا:.
(علمت نفس ما قدمت وأخرت) سبق نحوه في القيامة.
(يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم) حتى عصيته ولعل ذكر الكريم للتلقين حتى يقول كرمك.
(الذي خلقك) ولم تك شيئا (فسواك) جعلك مستوى الخلقة (فعدلك) جعلك معتدل البنية متناسب الأعضاء.
(في أي صورة ما) زائدة (شاء ركبك) ولو شاء ركبك على غير هذه الصورة.
(كلا) ردع (بل تكذبون) أيها الكفار (بالدين) بالجزاء لنفيكم البعث.
(وإن عليكم لحافظين) رقباء من الملائكة.
(كراما) على الله (كاتبين) أعمالكم.
(يعلمون ما تفعلون) من خير وشر.
(إن الأبرار لفي نعيم).
(وإن الفجار لفي جحيم).
(يصلونها) يقاسون حرها (يوم الدين).
(وما هم عنها بغائبين) بخارجين.
(وما أدراك ما يوم الدين) تعظيم لشأنه.
(ثم ما أدراك ما يوم الدين) كرر تأكيدا.
(يوم لا تملك نفس لنفس شيئا) من النفع (والأمر يومئذ لله) وحده.


سورة المطففين

(83) سورة التطفيف ست وثلاثون آية (36) مكية أو مبعضة
بسم الله الرحمن الرحيم
(ويل للمطففين) التطفيف بخس المكيال والميزان لأن ما يسرق به طفيف أي قليل.
(الذين إذا اكتالوا على الناس) أي منهم (يستوفون) الكيل أي يأخذونه وافيا وجيء ب على إيذانا باكتيالهم لما لهم على الناس.
(وإذا كالوهم أو وزنوهم) أي كالوا للناس أو وزنوا لهم فحذف الجار وأوصل الفعل وقيل هم تأكيد (يخسرون) ينقصون.
(ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون) فيرتدعوا عن هذا الذنب.
(ليوم عظيم).
(يوم يقوم الناس لرب العالمين) لحكمه وقد بولغ في تعظيم هذا الذنب بالتوبيخ وذكر الظن ووصف اليوم بالعظيم وقيام الناس فيه لله والتعبير عنه برب العالمين.
(كلا) ردع عما هم عليه (إن كتاب الفجار) ما كتب من أعمالهم (لفي سجين) كتاب جامع لأعمال الكفرة والشياطين.
(وما أدراك ما سجين).
(كتاب مرقوم) كالرقم في الحجارة لا ينمحي أو المعلم بعلامة شر وقيل هو مكان أسفل سبع أرضين والتقدير ما كتاب سجين أو مكان كتاب مرقوم.
(ويل يومئذ للمكذبين) بالحق.
(الذين يكذبون بيوم الدين).
(وما يكذب به إلا كل معتد) مجاوز للحد في الباطل بترك النظر (أثيم) كثير الإثم.
(إذا تتلى عليه ءاياتنا) القرآن (قال) هذا (أساطير الأولين) أكاذيبهم التي سطروها.
(كلا) ردع عما قالوا (بل ران) غلب (على قلوبهم ما كانوا يكسبون) من الذنوب حتى غطاها.
(كلا إنهم
عن ربهم) عن رحمته (يومئذ لمحجوبون).
(ثم إنهم لصالوا الجحيم) داخلوها.
(ثم يقال) يقول الخزنة توبيخا (هذا) أي الكتاب (الذي كنتم به تكذبون).
(كلا) ردع عن التكذيب (إن كتاب الأبرار) ما كتب من أعمالهم (لفي عليين) كتاب أعمال الأتقياء أو مكان في السماء السابعة أو الجنة.
(وما أدراك ما عليون).
(كتاب مرقوم).
(يشهده المقربون) من الملائكة.
(إن الأبرار لفي نعيم).
(على الأرائك) السرر في الحجال (ينظرون) إلى أنواع نعيمهم فيزيد سرورهم.
(تعرف في وجوههم نضرة النعيم) بهجة التنعم ونوره.
(يسقون من رحيق) خمر خالصة (مختوم) على أوانيه صيانة له أو إكراما.
(ختامه) أي ما ختم به (مسك) مكان الطين أو مقطعة رائحة المسك إذا شرب (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) فليرغبوا بالمبادرة إلى طاعة الله.
(ومزاجه) ما يمزج به (من تسنيم) علم عين في الجنة سميت به لرفعة شرابها أو محلها.
(عينا يشرب بها) منها (المقربون).
(إن الذين أجرموا) من مترفي قريش (كانوا من الذين ءامنوا) من فقراء المؤمنين (يضحكون) استهزاء بهم.
(وإذا مروا) أي الكفار (بهم يتغامزون) بالأعين والحواجب استهانة.
(وإذا انقلبوا) أي الكفار (إلى أهلهم انقلبوا فكهين) ملتذين بما صنعوا.
(وإذا رأوهم) رأوا المؤمنين (قالوا إن هؤلاء لضالون) باتباع محمد.
(وما أرسلوا) أي الكفار (عليهم) أي على المؤمنين (حافظين) موكلين بحفظ أعمالهم وأحوالهم.
(فاليوم) أي يوم القيامة (الذين ءامنوا من الكفار يضحكون) حتى يرون حالهم في النار.
(على الأرائك ينظرون) إليهم.
(هل ثوب) هل جوزي (الكفار ما كانوا يفعلون) استفهام تقرير.


سورة الأنشقاق

(84) سورة الانشقاق ثلاث أو خمس وعشرون آية (23 - 25) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(إذا السماء انشقت) انصدعت وعن علي (عليه السلام) تنشق من المجرة.
(وأذنت لربها) استمعت وانقادت لإرادته (وحقت) جعلت حقيقة بذلك.
(وإذا الأرض مدت) بسطت أو سويت أو زيد في سعتها بإزالة جبالها وبنائها.
(و ألقت ما فيها) من الموتى والكنوز (وتخلت) خلت غاية الخلو عنه.
(وأذنت لربها) في ذلك (وحقت) للإذن وحذف جواب إذا تهويلا بالإبهام أو لدلالة ما بعده عليه أي لقي الإنسان عمله.
(يا أيها الإنسان إنك كادح) جاهد في عملك (إلى ربك) إلى وقت لقائه وهو الموت (كدحا فملاقيه) أي ربك أو كدحك أي جزاءه.
(فأما من أوتي كتابه) صحيفة عمله (بيمينه).
(فسوف يحاسب حسابا يسيرا).
(وينقلب إلى أهله) في الجنة (مسرورا) بما أوتي.
(وأما من أوتي كتابه وراء ظهره) قيل تغل يمناه إلى عنقه وتجعل شماله وراء ظهره ويؤتى كتابه بها.
(فسوف يدعوا ثبورا) هلاكا قائلا: وا ثبوراه.
(ويصلى سعيرا).
(إنه كان في أهله) في الدنيا (مسرورا) ناعما بشهواته فلا يهمه أمر الآخرة.
(إنه ظن أن لن يحور) لن يرجع إلى ربه.
(بلى) يرجع إليه (إن ربه كان به بصيرا) عالما بأعماله فيجازيه بها.
(فلا أقسم بالشفق) حمرة الأفق الغربي بعد غروب الشمس.
(والليل وما وسق) ما جمعه وضمه من الدواب وغيرها.
(والقمر إذا اتسق) اجتمع وتم.
(لتركبن طبقا عن طبق) حالا بعد حال مطابقة لها في الشدة وهي الموت ومواقف القيامة وأهوالها، وعن الصادق (عليه السلام) لتركبن سنن من قبلكم.
(فما لهم لا يؤمنون) أي عذر لهم في ترك الإيمان مع وضوح دلائله.
(وإذا قرىء عليهم القرءان لا يسجدون) سجود التلاوة أو لا يصلون أو لا يخضعون.
(بل الذين كفروا) بدلائل الإيمان (يكذبون).
(والله أعلم بما يوعون) يجمعون في صدورهم من الكفر والبغض.
(فبشرهم بعذاب أليم) تهكم.
(إلا) لكن (الذين ءامنوا وعملوا الصالحات) أو متصل أي إلا من آمن منهم (لهم أجر غير ممنون) مقطوع أو مكدر بالمن.


سورة البروج

(85) سورة البروج اثنتان وعشرون آية (22) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(والسماء ذات البروج) هي الاثنا عشر شبهت بالقصور العالية.
(واليوم الموعود) يوم القيامة.
(وشاهد ومشهود) يوم الجمعة يشهد بما عمل فيه أو يوم عرفة يشهده الحجيج والملائكة أو كل يوم وأهله أو محمد ويوم القيامة لقوله تعالى إنا أرسلناك شاهدا وذلك يوم مشهود أو كل نبي وأمته أو الخالق والخلق أو الحفظة والمكلفين أو الجوارح والإنسان.
(قتل) لعن (أصحاب الأخدود) الأخدود شق في الأرض شقوا أخاديد وأوقدوا فيها النيران وطرحوا فيها المؤمنين.
(النار) بدل اشتمال من الأخدود (ذات الوقود).
(إذ هم عليها) على شفير النار (قعود).
(وهم على ما يفعلون بالمؤمنين) من طرحهم بالنار إن لم يرجعوا عن الإيمان (شهود) حضور أو يشهد بعضهم لبعض أو تشهد جوارحهم يوم القيامة على ذلك.
(وما نقموا) أنكروا (منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز) بقهره (الحميد) في أفعاله.
(الذي له ملك السموات والأرض) فهو المستحق لأن يؤمن به (والله على كل شيء شهيد) فيعلم فعلهم ويجازيهم به.
(إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات) بلوهم بالعذاب (ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) تأكيد له لتلازمهما أو أريد به الحريق في الدنيا.
(إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير) العظيم.
(إن بطش ربك) أخذه بعنف (لشديد) بليغ العنف.
(إنه هو يبدىء) الخلق والبطش في الدنيا (ويعيد) ما أبدأه في الآخرة.
(وهو الغفور) للمؤمنين (الودود) المكرم لهم.
(ذو العرش) خالقه ومالكه (المجيد) المتعالي بعظمة ذاته وكمال صفاته.
(فعال لما يريد) لا يمتنع عليه شيء.
(هل أتاك حديث الجنود).
(فرعون) أي هو وقومه (وثمود) وحديثهم أنهم أهلكوا بتكذيبهم للرسل.
(بل الذين كفروا في تكذيب) لما جئت به.
(والله من ورائهم محيط) بهم علما.
(بل هو قرءان مجيد) عظيم الشأن.
(في لوح محفوظ) عن الشياطين والتغيير والتحريف.


سورة الطارق

(86) سورة الطارق سبع عشرة آية (17) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(والسماء والطارق) أصله كل ما يأتي ليلا وأريد به الكوكب لظهوره ليلا.
(وما أدراك ما الطارق).
(النجم الثاقب) المضيء لثقبه الظلام أو الأفلاك بضوئه أريد به زحل أو الثريا أو الجنس، والمروي الأول.
(إن) مخففة أي إن الشأن (كل نفس لما عليها حافظ) اللام فارقة وما زائدة أي ملك يحصي عملها أو يحفظ رزقها وأجلها وقرىء لما بالتشديد بمعنى إلا وإن نافية.
(فلينظر الإنسان) نظر اعتبار في مبدئه (مم خلق).
(خلق من ماء دافق) ذي دفق أي صب بدفع من الزوجين في الرحم.
(يخرج من بين الصلب) من الرجل (والترائب) من المرأة وهي عظام الصدر.
(إنه) أي الخالق لدلالة الخلق عليه (على رجعه) إعادته (لقادر) كما قدر على بدئه.
(يوم) ظرف رجعة (تبلى السرائر) تختبر وتظهر الضمائر وخفايا الأعمال من خير وشر.
(فما له) للإنسان (من قوة) يمتنع بها (ولا ناصر) يمنعه.
(والسماء ذات الرجع) المطر لرجوعه حينا فحينا أو النيرات ترجع بعد مغيبها.
(والأرض ذات الصدع) الشق بالنبات والأنهار.
(إنه) أي القرآن (لقول فصل) فاصل بين الحق والباطل.
(وما هو بالهزل) باللعب بل هو الجد.
(إنهم) أي الكفار (يكيدون كيدا) يحتالون في إبطال أمرك.
(وأكيد كيدا) أقابل كيدهم.
(فمهل الكافرين أمهلهم) تأكيد (رويدا) إمهالا قليلا أجله يوم بدر أو القيامة.


سورة الأعلى

(87) سورة الأعلى تسع عشرة آية (19) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(سبح اسم ربك الأعلى) نزه اسمه عما لا يليق به من معاني أسماء المخلوقين أو نزه ربك والاسم مقحم.
(الذي خلق) كل شيء(فسوى) خلقه بجعله مستعدا للكمال اللائق به.
(والذي قدر) لكل مخلوق ما يصلح له (فهدى) دله على نفعه وضره.
(والذي أخرج المرعى) أنبت الكلأ للنعم.
(فجعله) بعد خضرته (غثاء) يابسا (أحوى) أسود ليبسه أو لشدة خضرته.
(سنقرئك) القرآن بقراءة جبرئيل (فلا تنسى) ما نقرئه وهذا إعجاز لكونه أميا.
(إلا ما شاء الله) نسيانه بأن نسخ تلاوته أو أريد به التبرك (إنه يعلم الجهر وما يخفى) الظاهر والباطن.
(ونيسرك لليسرى) هي حفظ القرآن أو الشريعة السهلة وهي أيسر الشرائع.
(فذكر) بالقرآن (إن نفعت الذكرى) أي وإن لم تنفع فحذف للعلم به أو اشتراط ذلك في تكريره مع حصول اليأس من البعض أو قصد به ذمهم بأن الذكرى لا تنفعهم كقولك عظه إن اتعظ أي لا يتعظ.
(سيذكر) سيتعظ بها (من يخشى) الله.
(ويتجنبها) أي الذكرى (الأشقى).
(الذي يصلى النار الكبرى) جهنم أو السفلى من أطباقها.
(ثم لا يموت فيها) فيستريح (ولا يحيى) حياة هنيئة.
(قد أفلح) فاز (من تزكى) تطهر من الشرك والمعاصي أو آتى الزكاة أو الفطرة.
(وذكر اسم ربه) بأن وحده أو كبر للتحريم أو للعيد (فصلى) الصلوات الخمس أو صلاة العيد.
(بل تؤثرون الحيوة الدنيا) على الآخرة.
(والآخرة خير وأبقى) من الدنيا.
(إن هذا) المذكور (لفي الصحف الأولى) الكتب المنزلة قبل القرآن.
(صحف إبراهيم وموسى).


سورة الغاشية

(88) سورة الغاشية ست وعشرون آية (26) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(هل أتاك حديث الغاشية) القيامة تغشى الناس بأهوالها أو النار تغشى وجوه الكفار.
(وجوه) أريد بها وبالآتية الذوات (يومئذ خاشعة) ذليلة.
(عاملة ناصبة) ذات نصب أي تعب في عملها في النار لجر السلاسل والأغلال أو في الدنيا.
(تصلى نارا حامية) شديدة الحر.
(تسقى من عين ءانية) متناهية في الحر.
(ليس لهم طعام إلا من ضريع) هو شيء يكون في النار يشبه الشوك أمر من الصبر وأنتن من الجيفة وأشد حرا من النار.
(لا يسمن ولا يغني من جوع) فهو ضار بلا نفع.
(وجوه يومئذ ناعمة) بهجة أو متنعمة.
(لسعيها) لعملها في الدنيا (راضية) راضية في الآخرة حين أثيبت عليه.
(في جنة عالية) محلا أو شأنا.
(لا تسمع فيها لاغية) لغوا أو نفسا تلغو أو كلمة ذات لغو.
(فيها عين) عيون (جارية) حيث أرادوا.
(فيها سرر مرفوعة) بنية ومحلا وقدرا.
(وأكواب) أقداح لا عرى لها (موضوعة) بين أيديهم.
(ونمارق) مساند جمع نمرقة (مصفوفة) بعضها إلى بعض.
(وزرابي) بسط فاخرة جمع زربية (مبثوثة) مبسوطة.
(أفلا ينظرون) يتفكرون (إلى الإبل كيف خلقت) تحمل الأثقال وتقطع القفار وتتحمل الجوع والعطش وتقنع بأقل علف وتبرك للحمل وتنهض بالثقل وتنقاد للصبي وينتفع بدرها ووبرها وسائر أجزائها.
(وإلى السماء كيف رفعت) فجعلت بما فيها سببا للنظام.
(وإلى الجبال كيف نصبت) أوتادا للأرض وأسبأبا لمنافع الخلق.
(وإلى الأرض كيف سطحت) بسطت لمصالح لا يمكن التعيش بدونها.
(فذكر) بهذه الدلائل (إنما أنت مذكر).
(لست عليهم بمسيطر) بمتسلط تقدر أن تجعلهم مؤمنين.
(إلا) لكن (من تولى) عن الإيمان (وكفر) بالله.
(فيعذبه الله العذاب الأكبر) في الآخرة.
(إن إلينا إيابهم) رجوعهم.
(ثم إن علينا حسابهم) وتقديم الخبر للحصر.



سورة الفجر

(89) سورة الفجر تسع وعشرون أو ثلاثون أو اثنتان وثلاثون آية (29 - 30 - 32) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(والفجر) الصبح وصلاته وقد يخص بفجر عرفة أو النحر لقوله.
(وليال عشر) أي عشر ذي الحجة أو عشر رمضان الأخيرة ونكرت تعظيما.
(والشفع والوتر) أي الأشياء كلها زوجها ووترها أو نفس العدد أو الخلق لقوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين والخالق لأنه فرد أو شفع الصلاة وترها أو يوم النحر وعرفة روي ذلك عن النبي والأئمة (عليهم السلام).
(والليل إذا يسر) يمضي كإذ أدبر أو يسري فيه وحذف الياء اكتفاء بالكسرة.
(هل في ذلك) القسم (قسم لذي حجر) عقل.
(ألم تر كيف فعل ربك بعاد).
(إرم) عطف بيان لعاد (ذات العماد) أي كانوا بدويين أو الأجساد الطوال أو الشرف والنعمة أو البناء الرفيع.
(التي لم يخلق مثلها في البلاد).
(وثمود الذين جابوا الصخر) قطعوه ونحتوه بيوتا (بالواد) وادي القرى.
(وفرعون ذي الأوتاد) التي يعذب بها أو الجنود الكثيرة المثبتة لملكه.
(الذين طغوا في البلاد).
(فأكثروا فيها الفساد) القتل والظلم.
(فصب عليهم ربك سوط عذاب) أي عذابا متواترا تواتر السوط على المضروب أو استعير السوط لعذاب الدنيا.
(إن ربك لبالمرصاد) يرصد الأعمال فلا يفوته شيء منها.
(فأما الإنسان) الجنس أو الكافر (إذا ما ابتلاه ربه) اختبره بالغنى (فأكرمه ونعمه) بالمال وغيره (فيقول ربي أكرمن) أعطاني لكرامتي عليه.
(وأما إذا ما ابتلاه) بالفقر (فقدر) بالتخفيف والتشديد ضيق (عليه رزقه فيقول ربي أهانن) بالتضييق عليه زاعما أن الغنى للكرامة والفقر للهوان.
(كلا) ردع عن ذلك (بل لا تكرمون اليتيم) إضراب إلى ما هو شر من ذلك القول أي لا تحسنون إليه مع غناكم.
(ولا تحاضون) لا تحثون أنفسكم ولا غيركم (على طعام المسكين) أي إطعامه.
(وتأكلون التراث) الميراث (أكلا لما) ذا لم أي جمع لجمعهم نصيب النساء والصبيان مع نصيبهم ويأكلون الكل.
(وتحبون المال حبا جما) كثيرا شديدا وقرىء بالياء في الأفعال الأربعة.
(كلا) ردع لهم عن ذلك (إذا دكت الأرض) بالزلزلة (دكا دكا) متكررا حتى سقطت جبالها.
(وجاء ربك) أمره أو قهره أو آيات قدرته (والملك) الملائكة (صفا صفا) مصطفين صفوفا مرتبة.
(وجيء يومئذ بجهنم) تجر بسبعين ألف زمام كل زمام بأيدي سبعين ألف ملك لها تغيظ وزفير (يومئذ يتذكر الإنسان) سيئاته أو يتعظ (وأنى له الذكرى) أي منفعتها.
(يقول) تحسرا: (يا ليتني قدمت) خيرا
(لحياتي) هذه أو وقت حياتي في الدنيا.
(فيومئذ لا يعذب عذابه) عذاب الإنسان (أحد) أي لا يتولاه غيره أو لا يعذب أحد في الدنيا مثل عذاب الكافر وكذا.
(ولا يوثق وثاقه أحد) ويقال للنفس المؤمنة:.
(يا أيتها النفس المطمئنة) بذكر الله أو بحصول العقائد الصحيحة أو الآمنة ثقة بوعد الله.
(ارجعي إلى ربك) إلى ثوابه (راضية) بما أعطاك (مرضية) عنده.
(فادخلي في عبادي) الصالحين.
(وادخلي جنتي) معهم.


سورة البلد

(90) سورة البلد عشرون آية (20) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(لا أقسم بهذا البلد) مكة.
(وأنت حل بهذا البلد) حال به.
(ووالد وما ولد) آدم وذريته من الأنبياء والأوصياء وأتباعهم.
(لقد خلقنا الإنسان) جنسه (في كبد) تعب وشدة إذ يكابد الشدائد من وقت احتباسه في ضيق الرحم إلى الموت وما بعده.
(أيحسب) الإنسان (أن) أنه (لن يقدر عليه أحد) فيبطش به.
(يقول أهلكت مالا لبدا) كثيرا بعضه على بعض يعني ما أنفقه رياء وسمعة أو في عداوة علي (عليه السلام).
(أيحسب أن لم يره أحد) فيما أنفقه أي الله يراه ويعلم قصده فيجازيه عليه.
(ألم نجعل له عينين) يبصر بهما.
(ولسانا) يعبر به عما في ضميره (وشفتين) يستعين بهما على النطق وغيره.
(وهديناه النجدين) بينا له طريقي الخير والشر.
(فلا اقتحم العقبة) أي فلم يطع من أولاه بذلك باقتحام العقبة أي دخولهما.
(وما أدراك ما العقبة) وهي الطريق في الجبل استعيرت لما فسرت به وهو: (فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة) مجاعة لأن في العتق والإطعام مجاهدة كاقتحام النفس العقبة.
(يتيما ذا مقربة) ذا قرابة في النسب فإنه مقدم على الأجنبي.
(أو مسكينا ذا متربة) مصدر ترب إذا افتقر والتصق بالتراب.
(ثم كان من الذين ءامنوا) عطف على اقتحم وثم للتراخي الذكري أو للبعد في الرتبة لتقدم الإيمان على سائر الطاعات (وتواصوا بالصبر) على الطاعة (وتواصوا بالمرحمة) الرحمة على الخلق.
(أولئك أصحاب الميمنة) اليمين أو اليمن.
(والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشئمة) الشمال أو الشؤم.
(عليهم نار مؤصدة) مطبقة.



سورة الشمس

(91) سورة الشمس خمس عشرة أو ست عشرة آية (15 - 16) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(والشمس وضحاها) ضوءها.
(والقمر إذا تلاها) تبعها طالعا عند غروبها ليلة البدر أو غاربا بعدها أول الشهر.
(والنهار إذا جلاها) فإنه تبرز فيه فكأنه أبرزها.
(والليل إذا يغشاها) يغطي ضوءها بظلامه.
(والسماء وما بناها).
(والأرض وما طحاها).
(ونفس وما سواها) عدل خلقها وما في الثلاثة بمعنى من وأوثرت عليها لقصد معنى الوصفية كأنه قيل والقادر الذي بناها.
(فألهمها فجورها وتقواها) عرفها طريقي الخير والشر وأخر التقوى للفاصلة.
(قد أفلح من زكاها) طهرها بالطاعة أو أنماها بالعلم والعمل.
(وقد خاب) خسر (من دساها) أخفاها بالمعصية أو بها وبالجهل.
(كذبت ثمود بطغواها) بسبب طغيانها.
(إذ انبعث) حين انتدب ظرف كذبت (أشقاها) أشقى ثمود قدار بن سالف عاقر الناقة.
(فقال لهم رسول الله) صالح (ناقة الله) احذروا عقرها (وسقياها) وشرابها فلا تزاحموها فيه.
(فكذبوه) بما أوعدهم به من نزول العذاب إن فعلوه (فعقروها) أسند إليهم فعل بعضهم لرضاهم به (فدمدم) أطبق (عليهم ربهم) العذاب (بذنبهم) بسببه (فسواها) أي الدمدمة عليهم أي عمهم بها فلم يفلت منهم أحد أو ثمود بالإهلاك.
(ولا يخاف) تعالى (عقباها) تبعة الدمدمة أو إهلاك ثمود فلا يستوفي العقوبة.

سورة الليل

(92) سورة الليل إحدى وعشرون آية (21) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(والليل إذا يغشى) بظلامه النهار أو كل ما يواريه.
(والنهار إذا تجلى) ظهر وانكشف بضوء الشمس.
(وما خلق) بمعنى من أو مصدرية (الذكر والأنثى) أي صنفيهما من كل نوع أو آدم وحواء.
(إن سعيكم لشتى) إن أعمالكم لمختلفة جمع شتيت.
(فأما من أعطى) حق الله (واتقى) المحارم.
(وصدق بالحسنى) بالتوبة أو الكلمة الحسنى وهي كلمة الشهادة.
(فسنيسره لليسرى) للطريقة اليسرى نسهل عليه فعل الطاعة أو الحالة اليسرى وهي دخول الجنة.
(وأما من بخل) بحق الله (واستغنى) عن ثوابه.
(وكذب بالحسنى).
(فسنيسره للعسرى) للطريقة العسرى أو الحالة العسرى وهي دخول النار.
(وما يغني عنه ماله) نفي واستفهام بمعناه (إذا تردى) في النار أو مات من الردى والهلاك.
(إن علينا) بمقتضى عدلنا (للهدى) إلى الحق ببعث الرسل ونصب الدلائل فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
(وإن لنا) خاصة (للآخرة والأولى) فلا تنفعنا الطاعات ولا تضرنا المعاصي.
(فأنذرتكم نارا تلظى) تتلظى أي تتهلب.
(لا يصلاها) لا يدخلها مؤبدا (إلا الأشقى) الشقي الكافر.
(الذي كذب) بالحق (وتولى) عن الإيمان.
(وسيجنبها) يبعد عنها (الأتقى) التقي.
(الذي يؤتي ماله) ينفقه في وجوه البر (يتزكى) يطلب أن يكون زاكيا عند الله.
(وما لأحد عنده من نعمة تجزى) فيجعل ما أنفق مجازاة لها.
(إلا) لكن أنفق (ابتغاء وجه ربه الأعلى) أي طلب رضاه وثوابه.
(ولسوف يرضى) بما يعطيه من الثواب.


سورة الضحى

(93) سورة الضحى إحدى عشرة آية (11) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(والضحى) أي صدر النهار أو كله.
(والليل إذا سجى) استقر ظلامه أو أهله.
(ما ودعك ربك) ما تركك (وما قلى) ما أبغضك.
(وللآخرة خير لك من الأولى) الدنيا الفانية.
(ولسوف يعطيك ربك) من الخير ما لم يعلم كنهه حذف المفعول الثاني للإبهام والتعظيم (فترضى) به.
(ألم يجدك يتيما فآوى) فضمك إلى جدك عبد المطلب ثم إلى عمك أبي طالب فعطفه عليك.
(ووجدك ضالا) في الطريق حتى أتت بك حليمة إلى جدك أو في شعاب مكة أو في طريق الشام مع عمك أبي طالب (فهدى) هداك إلى جدك أو عمك أو ضالا عن المعارف والعلوم فعلمك بالوحي.
(ووجدك عائلا) فقيرا (فأغنى) بتربية أبي طالب وربح التجارة والغنائم.
(فأما اليتيم فلا تقهر) فلا تغلبه على حقه لضعفه.
(وأما السائل فلا تنهر) فلا تزجره.
(وأما بنعمة ربك فحدث) هو شامل لكل نعمة وللتحدث بلسان المقال والحال.



سورة الشرح

(94) سورة الانشراح ثماني آيات (8) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(ألم نشرح لك صدرك) ألم نفتحه بالنبوة والعلم حتى قمت بأعباء الرسالة وصبرت على الأذى، أو بإزالة كل شاغل عن الحق.
(ووضعنا) حططنا (عنك وزرك) حملك الثقيل.
(الذي أنقض ظهرك) أثقله حتى سمع له نقيض أي صوت وهو أعباء النبوة، خففها الله عنه بتسهيل القيام بها، أو همه من ضلال قومه، أو من إيذائهم لك.
(ورفعنا لك ذكرك) بأن قرنت اسمك باسمي في الأذان والشهادة والخطبة وفي القرآن وذكرت نعتك في الكتب المتقدمة.
(فإن مع العسر يسرا) مع الفقر الذي عيروك به سعة أو مع الشدة التي أنت فيها من الكفار سهولة ونكر تعظيما.
(إن مع العسر يسرا) تأكيد أو استئناف وعد بأن مع العسر يسرا آخر في الآخرة وعليه توجه حديث لن يغلب عسر يسرين بأن العسر معرف فيتحد سواء كان للجنس أو العهد واليسر منكر فيتعدد لرجحان تغايرهما نظرا إلى سبقت رحمتي غضبي.
(فإذا فرغت) من الصلاة (فانصب) فأتعب في الدعاء أو فإذا فرغت من الفرائض فانصب في أعمال الخير أو قيام الليل أو من جهاد أعدائك فانصب في جهاد نفسك.
(وإلى ربك) خاصة (فارغب) تطلب ما عنده من خير الدارين.

سورة التين

(95) سورة التين ثماني آيات (8) مختلف فيها
بسم الله الرحمن الرحيم
(والتين والزيتون) أي الثمرين خصتا بالقسم لكثرة منافعهما وخواصهما أو جبلين بالشام ينبتان الثمرين أو مسجدي دمشق وبيت المقدس.
(وطور سينين) الجبل الذي كلم الله عليه موسى وسينين الحسن أو المبارك أو اسم لمكان الطور كسيناء.
(وهذا البلد الأمين) مكة ومن دخله كان ءامنا.
(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) من انتصابه وحسن شكله وتميزه واشتماله على ما في العالم الأكبر.
(ثم رددناه أسفل سافلين) إلى أرذل العمر أو الخرف أو إلى النار.
(إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون) مقطوع أو منغص.
(فما يكذبك) يحملك على الكذب أيها الإنسان بأن تكذب (بعد بالدين) بعد هذه الحجج.
(أليس الله بأحكم الحاكمين) أقضى القاضين فيجب بعدله البعث للجزاء.

سورة العلق

(96) سورة العلق ثماني عشرة أو تسع عشرة أو عشرون آية (18 - 19 - 20) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(اقرأ) القرآن متلبسا أو مستعينا أو مفتتحا (باسم ربك الذي خلق) الخلق.
(خلق الإنسان من علق) جمع علقة وهي قطعة دم جامد.
(اقرأ) كرر تأكيدا أو الأول لنفسه والثاني للتبليغ
(و ربك الأكرم) الأعظم كرما من أن يوازيه كريم.
(الذي علم) الخط (بالقلم) لبقاء العلوم وإعلام الغائب.
(علم الإنسان ما لم يعلم) من العلوم والصناعات.
(كلا) حقا (إن الإنسان ليطغى).
(أن رءاه استغنى) بالمال والجاه.
(إن إلى ربك الرجعى) الرجوع خطاب وعيد للإنسان على الالتفات.
(أرأيت الذي ينهى).
(عبدا إذا صلى) أخبرني عمن ينهى بعض عباد الله عن صلاته.
(أرأيت إن كان) العبد المنهي (على الهدى).
(أو أمر بالتقوى).
(أرأيت إن كذب) الناهي بالحق (وتولى) عنه.
(ألم يعلم بأن الله يرى) يعلم ما فعل فيجازيه.
(كلا) ردع له (لئن لم ينته) عن فعله (لنسفعا بالناصية) لنأخذن بناصيته ونجر بها إلى النار أو لنسودن وجهه بها.
(ناصية كاذبة خاطئة) من مجاز الإسناد مبالغة في كذب صاحبها وخطئه.
(فليدع ناديه) أهل ناديه أي مجلسه لينصروه وذلك أن أبا جهل قال للنبي أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي ناديا.
(سندع الزبانية) خزنة جهنم فيأخذوه إليها.
(كلا لا تطعه) في مراده (واسجد) دم على سجودك وصل لله (واقترب) وتقرب إليه.


سورة القدر

(97) سورة القدر خمس آيات أو ست (5 - 6) مكية أو مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(إنا أنزلناه) أي القرآن أضمر ولم يذكر تعظيما له بأنه غني عن التصريح (في ليلة القدر) جملة من اللوح إلى السماء الدنيا ثم نزل نجوما إلى النبي في نحو ثلاث وعشرين سنة أو ابتدأ بإنزاله فيها.
(وما أدراك ما ليلة القدر) تعظيم لها وإبهام لفضلها.
(ليلة القدر خير من ألف شهر) ليس فيها ليلة القدر.
(تنزل) تتنزل (الملائكة والروح) جبرئيل أو خلق أعظم من الملائكة (فيها بإذن ربهم) بأمره في كل سنة إلى النبي وبعده إلى أوصيائه (من كل أمر) بكل أمر قدر في تلك السنة أو من أجله.
(سلام هي) قدم الخبر للحصر أي ما هي إلا سلامة أو سلام لكثرة سلام الملائكة فيها على ولي الأمر (حتى مطلع الفجر) وقت طلوعه.



سورة البينة

(98) سورة البينة ثماني آيات أو تسع (8 - 9) مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) اليهود والنصارى (والمشركين) عبدة الأصنام (منفكين) عن كفرهم أو وعدهم باتباع الرسول إذا جاءهم (حتى تأتيهم البينة) الحجة الواضحة وهي محمد.
(رسول من الله) بدل من البينة (يتلو صحفا) أي ما تتضمنه لأنه كان أميا (مطهرة) من الباطل لا يمسها إلا المطهرون.
(فيها كتب قيمة) مكتوبات مستقيمات بالحق.
(وما تفرق الذين أوتوا الكتاب) عما اجتمعوا عليه من كفرهم بأن آمن بعضهم أو عن وعدهم باتباع الرسول بأن يثبتوا على الكفر (إلا من بعد ما جاءتهم البينة) كقوله فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به وخص أهل الكتاب بمزيد التوبيخ لعلمهم ويلزمه كون المشركين أولى بالتفرق لجهلهم.
(وما أمروا) بما أمروا به من كتبهم (إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) من الشرك والرياء (حنفاء) مائلين عن الأديان الباطلة (ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) الملة المستقيمة.
(إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها) حال مقدرة (أولئك هم شر البرية) الخليقة.
(إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) قدم مدحهم مبالغة.
(جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) جمعت مضافة وموصوفة بما به يتم نعيمها مبالغة (أبدا) تأكيد لخلودهم (رضي الله عنهم) بطاعتهم (ورضوا عنه) بثوابه (ذلك) المعدود من الجزاء والرضوان (لمن خشي ربه) فأطاعه ولم يعصه.

سورة الزلزلة

(99) سورة الزلزلة ثماني آيات أو تسع (8 - 9) مدنية أو مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(إذا زلزلت الأرض) أرجفت لقيام الساعة (زلزالها) المستوجبة له أو المقدر لها أو العام لجميعها.
(وأخرجت الأرض أثقالها) ما في بطنها من الكنوز أو الموتى أحياء على ظهرها.
(وقال الإنسان) وقال الجنس أو الكافر بالبعث لأن المؤمن به يعلمه (ما لها) تعجبا من حالها.
(يومئذ) بدل من إذا أو ناصبها (تحدث أخبارها) تخبر بلسان حالها بقيام الساعة أو ينطقها الله فتخبر بما عمل عليها.
(بأن) تحدث بسبب أن (ربك أوحى لها) إليها أمرها بذلك.
(يومئذ يصدر الناس) من مخارجهم من قبورهم إلى الموقف (أشتاتا) متفرقين في أحوالهم أو يصدرون من الموقف متفرقين إلى منازلهم من جنة أو نار (ليروا أعمالهم) جزاءها.
(فمن يعمل مثقال ذرة) زنة نملة صغيرة أو هباءة (خيرا يره) يرى ثوابه هذا في المؤمن وأما في الكافر فقيل يرى جزاءه في الدنيا أو يخفف عنه في الآخرة.
(ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).


سورة العاديات

(100) سورة العاديات إحدى عشرة آية (11) مدنية أو مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(والعاديات) خيل الغزاة تعدو فتضبح (ضبحا) وهو صوت أنفسها إذا عدت أو ضابحة.
(فالموريات) الخيل توري النار (قدحا) بحوافرها.
(فالمغيرات صبحا) وقت الصبح.
(فأثرن به نقعا) هيجن بعدوهن أو بذلك الوقت غبارا.
(فوسطن به) توسطن بالعدو أو بذلك الوقت أو متلبسات بالنقع (جمعا) من العدو عطف على الاسم لأنه بمعنى الفعل أي اللائي عدون فأورين فأغرن.
(إن الإنسان) الجنس أو الكافر (لربه لكنود) لكفور يجحد نعمة الله.
(وإنه على ذلك) على كنوده (لشهيد) على نفسه بصنعه أو الهاء لله.
(وإنه لحب الخير) لأجل حب المال (لشديد) لبخيل أو لقوي ولطاعة ربه ضعيف.
(أفلا يعلم إذا بعثر) بحث وأخرج (ما في القبور) من الموتى أحياء.
(وحصل) ميز وبين (ما في الصدور) من إيمان وكفر.
(إن ربهم بهم يومئذ لخبير) عليم بأحوالهم وأعمالهم فمجازيهم بها.
سورة القارعة (101) سورة القارعة ثماني آيات أو إحدى عشرة آية (8 - 11) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(القارعة) القيامة فإنها تقرع القلوب بأهوالها.
(ما القارعة).
(وما أدراك ما القارعة) مر نظيره في سورة الحاقة.
(يوم يكون الناس) نصب بما دل عليه القارعة أي يقرع (كالفراش المبثوث) كالجراد أو ما يتهافت في النار المنتشر لكثرتهم وتفرقهم وتموجهم حيرة.
(وتكون الجبال
كالعهن المنفوش) كالصوف الملون المندوف لتفرق أجزائها وخفة سيرها.
(فأما من ثقلت موازينه) بأن رجحت حسناته.
(فهو في عيشة راضية) راض صاحبها من مجاز الإسناد أو ذات رضا.
(وأما من خفت موازينه) بأن رجحت سيئاته.
(فأمه هاوية) مأواه النار ثم عظم هاوية بقوله: (وما أدراك ما هيه نار حامية) شديدة الحر.


سورة التكاثر

(102) سورة التكاثر ثماني آيات (8) مدنية أو مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(ألهاكم) شغلكم عن التفكر في أمور الآخرة (التكاثر) التفاخر بكثرة المال والرجال.
(حتى زرتم المقابر) بأن متم ودفنتم فيها أو بأن عددتم الموتى تكاثرا بهم.
(كلا) ردع عما هم فيه (سوف تعلمون) سوء عاقبة تكاثركم.
(ثم كلا سوف تعلمون) كرر تأكيدا أو الأول عند النزع أو في القبر والثاني عند البعث.
(كلا لو تعلمون علم اليقين) علما يقينا عاقبة أمركم وجواب لو مقدر أي ما ألهاكم التكاثر.
(لترون الجحيم) جواب قسم محذوف.
(ثم لترونها) تأكيد أو الأولى من بعيد والثانية من قريب أو الأولى عند ورودها والثانية عند دخولها (عين اليقين) مصدر لأن المعاينة بمعنى الرؤية أي رؤية هي نفس اليقين.
(ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) الأمن والصحة وقيل جميع الملاذ وعنهم (عليهم السلام): ولاية أهل البيت ومحبتهم.

سورة العصر

(103) سورة العصر ثلاث آيات (3) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(والعصر) أقسم بالدهر لما فيه من العبر أو بآخر النهار كما أقسم بأوله الضحى أو بصلاة العصر لفضلها.
(إن الإنسان) الجنس (لفي خسر) خسران في صفقته وبيعه الجليل الباقي بالقليل الفاني.
(إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا) أوصى بعضهم بعضا (بالحق) من اعتقاد أو عمل (وتواصوا بالصبر) على الطاعة وعن المعصية وفي إبهام سبب الخير وتفصيل سبب الربح إشعار بأن ما عدا المذكور يوجب الخسر ويتناهى سره وكرمه إذا ظهر الجميل وستر القبيح.



سورة الهمزة

(104) سورة الهمزة تسع آيات (9) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(ويل لكل همزة لمزة) كثير الهمز أي الكسر من أعراض الناس واللمز أي الطعن فيهم وبناء فعله يفيد الاعتياد وهي عامة وإن نزلت في معين يغتاب الرسول كالوليد بن المغيرة وغيره.
(الذي جمع مالا وعدده) عده مرارا أو جعله عدة للنوائب.
(يحسب أن ماله أخلده) جعله خالدا في الدنيا فاشتد حرصه عليه أو طول الأمل أغفله حتى غفل عن الموت وحسب أنه مخلد.
(كلا) ردع (لينبذن في الحطمة) النار التي تحطم كل ما ينبذ فيها.
(وما أدراك ما الحطمة) تعظيم لها هي.
(نار الله) إضافة تعظيم (الموقدة).
(التي تطلع على الأفئدة) تستولي على القلوب.
(إنها عليهم مؤصدة) مطبقة.
(في عمد ممددة) عليهم أو مطبقة أبوابها في عمد ممددة عليها استيثاقا.

سورة الفيل

(105) سورة الفيل خمس آيات (5) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) الذين قصدوا تخريب الكعبة وقادوا معه فيل الهدمة.
(ألم يجعل كيدهم) في هدمها (في تضليل) تضييع بأن أهلكهم وعصمها.
(وأرسل عليهم طيرا أبابيل) جماعات لا واحد له أو جمع إبالة أو أبول كعجول أو إبيل كسكيت القطعة من الطير والتنكير للتعظيم أو التحقير لصغر جثتها.
(ترميهم بحجارة من سجيل) طين متحجر معرب سنك كل وقيل من أسجله أرسله كان في منقار كل طير حجران أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة فيرمي الرجل بحجر في رأسه فيخرج من دبره.
(فجعلهم كعصف مأكول) كورق زرع أكله الدواب وراثته أو وقع فيه أكال من الدود أي دمرهم.



سورة قريش

(106) سورة قريش أربع أو خمس آيات (4 - 5) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(لإيلاف قريش) مصدر آلفه بالمد يؤلفه متعلق بمحذوف كاعجبوا بإيلافهم أو بقوله فليعبدوا أو بما قبله لما روي أنهما سورة واحدة أي جعلهم كعصف لأجل.
(إيلافهم رحلة الشتاء والصيف) بدل من الأول أي إيلافهم في رحلتهم في الشتاء إلى اليمن ورحلتهم في الصيف إلى الشام في كل سنة يمتارون ويتجرون لم يتعرضهم أحد.
(فليعبدوا رب هذا البيت).
(الذي أطعمهم من جوع) من أجله بما رزقهم في رحلتيهم أو بعد قحط أكلوا فيه الجيف والتنكير للتعظيم وكذا (وءامنهم من خوف) خوف جيش الفيل أو التعرض لهم في بلدهم ومتاجرهم.
(107) سورة الماعون ست أو سبع آيات (6 - 7)
مختلف فيه.
بسم الله الرحمن الرحيم
(أرأيت) هل عرفت (الذي يكذب بالدين) بالجزاء والإسلام.
(فذلك الذي يدع اليتيم) يدفعه عن حقه بعنف، نزلت في الوليد أو أبي جهل أو أبي سفيان أو عام في كل مكذب.
(ولا يحض) لا يحث نفسه ولا غيره (على طعام المسكين) أي إطعامه لتكذيبه بالجزاء.
(فويل للمصلين).
(الذين هم عن صلاتهم ساهون) غافلون يؤخرونها عن وقتها، وعنهم (عليهم السلام) وهو الترك لها والتواني عنها أو التضييع لها والفاء للسببية أي فويل لهم فوضع المصلين موضع ضميرهم إيذانا بتقصيرهم مع الخالق أو المخلوق.
(الذين هم يراءون) الناس في أعمالهم.
(ويمنعون الماعون) عنهم (عليهم السلام) هو الزكاة المفروضة وفي آخر هو القرض يقرضه والمعروف يضعه ومتاع البيت يعيره.

سورة الكوثر

(108) سورة الكوثر ثلاث آيات (3) مكية أو مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(إنا أعطيناك الكوثر) الخير الكثير وهو يعم جميع ما فسر به من العلم أو النبوة والقرآن والشفاعة وشرف الدارين أو نهر في الجنة وهو حوضه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو ذريته رد على من زعم أنه أبتر أي يعطيك نسلا في غاية الكثرة لا ينقطع إلى يوم القيامة والتعبير بالماضي لتحققه وقد وقع كل ذلك كما أخبر وكثر نسله من فاطمة (عليها السلام) حتى ملأ أقطار العالم.
(فصل لربك وانحر) البدن أو استقبل القبلة بنحرك في الصلاة أو ارفع يديك إلى نحرك في تكبيرها.
(إن شانئك هو الأبتر) المنقطع النسل والذكر لا أنت لبقاء عقبك وحسن ذكرك إلى يوم القيامة.



سورة الكافرون

(109) سورة الكافرون ست آيات (6) مكية أو مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(قل يا أيها الكافرون) القائلون يا محمد تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة.
(لا أعبد) في المستقبل (ما تعبدون) من الأصنام.
(ولا أنتم عابدون) في المستقبل (ما أعبد) معبودي وهو الله وحده وأتى بما دون من لقصد الصفة كأنه قيل لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق أو للطباق.
(ولا أنا عابد) في الحال (ما عبدتم).
(ولا أنتم عابدون) في الحال (ما أعبد) وقيل الأولان للحال والأخير للاستقبال.
(لكم دينكم ولي دين).

سورة النصر

(110) سورة النصر ثلاث آيات (3) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(إذا جاء نصر الله) إياك على أعدائك (والفتح) فتح مكة وهذه بشارة ومعجزة لأنها إخبار بالغيب وقد وقع.
(ورأيت الناس يدخلون في دين الله) الإسلام (أفواجا) جماعات وقبائل بعد ما كان يدخل فيه واحد واحد.
(فسبح بحمد ربك) نزه الله عما لا يليق به متلبسا بحمده على نعمه (واستغفره) انقطاعا إليه أو لخلاف الأولى أو للمؤمنين (إنه كان توابا) للمستغفرين.

سورة المسد

(111) سورة تبت خمس آيات (5) مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(تبت) خسرت أو هلكت (يدا أبي لهب) أي جملته (وتب) إخبار والأول دعاء فلا تكرار أو الأول إخبار عن هلاك عمله والثاني عن هلاك نفسه والتعبير بالماضي لتحققه وكذا.
(ما أغنى عنه ماله) من عذاب الله شيئا (وما كسب) وكسبه أي عمله الخبيث أو ولده عتبة.
(سيصلى نارا ذات لهب) جهنم ودل على أنه يموت كافرا.
(وامرأته) عطف على ضمير يصلى سوغه الفصل أو مبتدأ وهي أم جميل أخت أبي سفيان (حمالة الحطب) الشوك كانت تنشره بالليل في طريق النبي أو حطب جهنم.
(في جيدها حبل من مسد) مسد أي فتل من ليف وغيره تحقير لها بتصويرها صورة من يحمل الحطب ويربطه في جيده أو إعلام بأنها تحمل في جهنم حرمة من شوكها كهيئتها في الدنيا أو في جيدها سلسلة من نار.



سورة الأخلاص

(112) سورة الإخلاص أربع أو خمس آيات (4 - 5) مكية أو مدنية
قيل سئل عن ربه فنزلت.
بسم الله الرحمن الرحيم
(قل هو الله أحد) هو للشأن والجملة خبره أو للمسئول عنه والله خبر هو وأحد بدل أو خبر ثان.
(الله الصمد) السيد المحمود إليه أي المقصود في الحوائج.
(لم يلد) لامتناع مجانسته واحتياجه إلى معين وفنائه وتوريثه وهو رد على من قال عزير أو عيسى ابن الله والملائكة بناته ولعل صيغة الماضي لذلك (ولم يولد) لامتناع الحدوث عليه.
(ولم يكن له كفوا أحد) أصله يكن أحد مكافئا له أي مماثلا.

سورة الفلق

(113) سورة الفلق خمس آيات (5) مدنية أو مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(قل أعوذ برب الفلق) الصبح لأنه فلق عنه الظلام أي فرق وتخصيصه لفضله إن قرآن الفجر كان مشهودا أو كل ما ينفلق عنه كالمطر والنبات والعيون والأولاد.
(من شر ما خلق) من ذي نفس وغيره جسما كان أو عرضا.
(ومن شر غاسق) ليل شديد الظلمة (إذا وقب) دخل ظلامه وتخصيصه بهجوم البلاء فيه غالبا.
(ومن شر النفاثات) النساء أو النفوس السواحر اللواتي ينفثن أي ينفخن بريق أو بدونه (في العقد) التي يعقد بها في خيط برقيته وعرفت دون غاسق وحاسد لأن كل نفاثة شريرة بخلافهما.
(ومن شر حاسد إذا حسد) أظهر حسده وفعل ما يحمله عليه وتخصيص الثلاثة بعد ما يعمها وهو ما خلق لشدة شرها.

سورة الناس

(114) سورة الناس ست آيات (6) مدنية أو مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(قل أعوذ برب الناس) خصوا بالذكر تشريفا لهم.
(ملك الناس إله الناس) عطف بيان إذ ليس كل رب ملكا وليس كل ملك إلها وهذه الثلاثة تؤذن بكمال قدرته على الإعادة وتكرير الناس لزيادة التشريف والبيان.
(من شر الوسواس) اسم بمعنى الوسوسة أريد به الشيطان سمي بفعله مبالغة (الخناس) لأنه يخنس أي يتأخر إذا ذكر العبد ربه.
(الذي يوسوس في صدور الناس) عند غفلتهم عن ذكر ربهم.
(من الجنة والناس) بيان للوسواس أي الشيطان أو للذي إذ الشيطان الموسوس يكون جنيا أو إنسيا اللهم اكفنا شر الجن والإنس واغفر لنا ما تعمدنا وأخطأنا ونسينا وسهونا واعف عنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.