حقيقة  الحركة  اليهودية

نعم ، إنّ هرتزل[1] وأمثاله من روّاد الحركة اليهودية في القرن التاسع عشر كانوا يبحثون عن وطن وكيان سياسي ، ولا يهمّهم أن يكون ذلك في الأرجنتين ، أو في اُوغندا أو في أيّ مكان آخر من العالم ، فالمهمّ هو جمع شمول اليهود المغضوب عليهم ، وهم على استعداد أن يشتروا الأرض بالمال ، إلاّ أنّ فلسطين لليهود عليها صبغة دينيّة ، فلا تعدو أن يكون ذكرى تأريخيّة تستثير العاطفة اليهودية.

ثمّ ألقت الحركة اليهودية نزعة الحقد الصليبي مع الغدر الصهيوني ومكره وذهبه ، فكان (وعد بلفور) الخائن ، ليزرعوا جميعاً في قلب الوطن الإسلامي سرطاناً خبيثاً باسم إسرائيل.

الكلّ يعلم بعد تشريد الفلسطينيين من وطنهم وغصب إسرائيل أراضيهم ، وتشكيل دويلتهم اللقيطة الصهيونية ، وإشعال الحروب التوسّعية والإبادة الجماعية بين العرب وإسرائيل اليهود سنة (1948 م) حيث استولت إسرائيل على 78 % من أراضي العرب المسلمين ، وفي سنة (1956) في حرب السويس حيث هجمت الطائرات الإسرائيلية والفرنسية والبريطانية على مراكز القوّة والاقتصاد في مصر والبلاد العربية ، وقتلوا آلاف الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال ، وفي الحرب الثالثة سنة (1967) حيث غصبوا أراضي مصرية وسورية ومن الأردن ، وفي حرب رابعة سنة (1973) حرب رمضان وسقوط خطّ بارليف ، وإسرائيل لا زالت بمساعدة أمريكا والاتحاد السوفيتي آنذاك ومنظمة الاُمم تزداد في توسّعها لتحقّق اُمنيتها (من النيل إلى الفرات) وحكّام العرب قبعوا في قصورهم خوفاً على عروشهم ، حتّى آل الأمر إلى اتّفاقية كامب ديفيد الخيانية سنة 1987 م.

وكلّ ما يقع من حماية إسرائيل والاعتراف بها إنّما هو بضرر العالم الإسلامي والعالم العربي ودول المنطقة ، فزادت خيانات رؤساء العرب واحدة تلو الاُخرى حتّى آل الأمر إلى منشور فهد المشؤوم سنة 1361 في مؤتمر مراكش واعترافهم بإسرائيل الغاصبة ، وجرح قلب مليارد مسلم ، واليهود زادوا في عنجهيّتهم وغيّهم وطغيانهم ، فقتلوا الأبرياء في دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا ، وهجموا على لبنان وبيروت ، وخلّفوا آلاف الضحايا من النساء والأطفال والأبرياء.

أفعى الصهيونية وليدة الاستعمار تبثّ سمومها في البلاد الإسلامية وفي العالم كلّه ، من خلال منظماته العالمية ، وسيطرتهم على الاقتصاد العالمي ، ونفوذهم في كلّ المؤسسات العالمية ، وإنّهم يطمعون بحكومة اليهود في العالم بمخطّط امبريالي يهودي باسم (شعب الله المختار) وإنّ الحكومة إليهم ، وذلك بالمكر والحيلة وإشاعة الفحشاء والمنكر والفساد والخيانة والتسلّط على ذهب العالم وبتروله واقتصاده والعملة الورقية ، والتسلّط على برامج التربية والتعليم العالمي والإعلام والمطبوعات من الصحف والجرائد والمجلات والكتب ، كما خطب بذلك الحاخام ريشون على قبر سيمون في مدينة براغ سنة 1869 م.

ومنذ أن قام الحليفان البغيضان الاستعمار والصهيونية ، بعدوانهما الغادر على فلسطين الإسلام يوم (5 حزيران) ومن قبلها وبعدها ، أصبحت قضيّة فلسطين من أهمّ القضايا الإسلامية والعربية ، بدأها الاستعمار بإصداره في عام 1917 التصريح المشؤوم المعروف بـ (وعد بلفور) وزير خارجية بريطانيا عجوز الاستعمار.

هذا التصريح الذي يقول بإنشاء وطن يهودي قومي عنصري في فلسطين ، كشف به الاستعمار عن نواياه الخبيثة ، وعن تآمره مع الصهيونية والماسونية على اقتطاع فلسطين الإسلامية من بلاد الإسلام العزيز ، لتقيم به كياناً دخيلا عدوانياً باسم إسرائيل ، تناهض كفاح شعوب المنطقة ضدّ الاستعمار الغربي والشرقي.

فقضية فلسطين لا بدّ أن تكون إسلامية ، كما إنّها عربيّة وإنسانية ، تمثّل القيم كلّها ، وما يكافح الإنسان من اجله من الحرية والاستقلال والتضحية لشعبها المظلوم.

وزعم إسرائيل أنّ فلسطين أرض اليهود كذب وافتراء على التأريخ ، فإنّه لو رجعنا إليه لرأينا ليس اليهود إلاّ فئة قليلة على طول التأريخ ، إنّما المسلمون العرب هم الذين كانوا يقطنون فلسطين بعد فتحها ، وبقيت إسلامية عربية منذ أربعة عشر قرناً ، وبصورة دائمة حتّى قيام إسرائيل في (5 مايس 1948 م).

سايكس مندوب بريطانيا وبيكو مندوب فرنسا قسّما ـ بحضور روسيا ـ الدول التي أرادت أن تتحرّر من الدولة العثمانية باسم القومية العربية بتحريض من الاستعمار لتمزيق المسلمين آنذاك.

وكان من نوايا الاستعمار إرجاع اليهود إلى فلسطين باسم الأرض الموعودة ، إلاّ أنّ اليهود في أوربا وأمريكا هم من صميم أصحاب البيت الأمريكي والاُوربي نسلا وسلالة ، فهم جزء من كيانهم وشريحة منهم لحماً ودماً ، وأمّا في فلسطين فهم غرباء في منفى ، ودخلاء بلا جذور لا يمكن لوجودهم إلاّ أن يكون استعماراً واغتصاباً.

فكان التواجد اليهودي في فلسطين على مراحل ثلاث : اللجوء أوّلا ثمّ التسلّل ثانياً ، ثمّ الاغتصاب ثالثاً . وكان الانتداب البريطاني على فلسطين بعد الحرب العالمية الاُولى خير سند وأعظم عون على استفحال التواجد اليهودي البغيض ، وبدأ الورم الخبيث يستمدّ غذاءه من الخلافات العربية ، وتقطّع أوصال الاُمّة ، وتمزّق وحدتها وانتكاستها التأريخية بعد إلغاء الدولة العثمانية ، فعاد العرب وجاهليّتهم الاُولى صراع على السلطة واختلاف على النفوذ ، وضلال عن الحقّ ، واليهود نهبوا الثروات ، حتّى كان كلّ طلقة من بندقية يهودي إنّما هي قطرات من بترولنا.

فاستفحل هذا العدوّ الدخيل الذي اغتصب الأرض وانتهك الحرمات والمقدّسات وشرّد الناس واستنزف من الطاقات ما لا يحصى ولا يُعدّ . واتّفقت الرأسمالية والشيوعية والماسونية والصهيونية ، وتآمرت على أرض فلسطين الحبيبة.

انعقد أوّل مؤتمر صهيوني بناءً على دعوة هرتزل وتحت رئاسته في اغسطس سنة 1897 م في مدينة بازل بسويسرا ، ومن أهدافه تأسيس دولة إسرائيل في
فلسطين ، وفي سنة 1920 كان اليهود في فلسطين يملكون من أراضيها 2 % وكلّ مساحة فلسطين (27024 كيلومتر مربّع) ، وفي حرب 1948 احتّلت اليهود (20700 كم) وبقي بيد العرب سواحل نهر الأردن (6159 كم) وغزّة (320 كم) ، وفي سنة 1948 كانت عدد سكان فلسطين (2065000 نفر) منهم (650000 يهودياً) والبقيّة من العرب ، فبدأت الهجرة اليهودية ، فكان المجموع في البداية كالتالي :

سنة 1948                                                        101819 نفر

سنة 1949                                                        239076 نفر

سنة 1950                                                        169405 نفر

سنة 1951                                                        174000 نفر

سنة 1952                                                        10347  نفر

سنة 1953                                                        17471  نفر

سنة 1954                                                        36303  نفر

سنة 1955                                                        54925  نفر

سنة 1956                                                        69733  نفر

سنة 1957                                                        26000  نفر

سنة 1958                                                        26000  نفر

سنة 1959                                                        23000  نفر

سنة 1960                                                        300000 نفر[2]

ولا تزال على مرأى ومسمع من العالم والعرب هجرة اليهود مستمرّة إلى
يومنا هذا ، حتّى بلغ عدد اليهود ثلاث ملايين يهودي ونيّف من كلّ العالم في فلسطين المحتلّة ، واليهود الأصيل في فلسطين يشكّلون 5 % والبقيّة من المهاجرين الاُوربيين والروسيين وغيرهم ، وأمّا أصحاب الأرض الفلسطينيون فمليون و200 ألف نسمة مشرّدون في أقطار العالم يعانون البؤس والشقاء والذلّة.

وإسرائيل ليست دولة تحترم جيرانها ، إنّما هي نظام بوليسي فاشستي وإن كان يزعم الديمقراطية والتحرّرية زيفاً وعدواناً وتمويهاً على العالم.

واليهود ليسوا من ملّة واحدة ، بل في الأصل ينتسبون إلى سفارديم وأشكناز ، و 90 % من القسم الثاني ، وهم الخزرية الذين اختاروا اليهودية لاُمور سياسية حدود سنة 740 م ، وهم اليوم حكّام إسرائيل ، فهم يمسكون بكلّ مفاتيح القوى السياسية والثقافية والعسكرية والاقتصادية والأمنية منذ اللحظات الاُولى لقيام إسرائيل ، وكانوا قبل الهجرة يسكنون روسيا والشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية ، والقسم الأوّل من أوربا الشرقية ، والقسم الثاني (حكام إسرائيل) لا يؤمن باليهودية واقعاً ، إنّما الدين ملعبة لتكون قاعدة للاستعمار ، وركيزة للرأسمالية والامبريالية ، ووكراً للتجسّس في بلاد المسلمين ولتمزيقيهم ونهب ثرواتهم بأيديهم الأثيمة لأغراضهم السياسية والتوسّعية ، فباسم الدين وأ نّهم الشعب المختار وفلسطين الأرض الموعودة ، يمتلكون عواطف الناس وأحاسيسهم لإغوائهم وإضلالهم وزجّهم في الحروب الدامية لإشباع رغباتهم ونزعاتهم المادية.

فاليهودية النبوية الموسوية غير المحرّفة نؤمن بها ، وإنّها غير الصهيونية السياسية العالمية ، فإنّما نحاربها ونرفض وليدتها الحرام إسرائيل بكلّ ما لدينا من قوّة وبأس شديد ، ويكون الرادع بالمثل ، فإذا كانت إسرائيل تملك القوّة النووية ، فلِمَ لا يملكها المسلمون والعرب ؟ !

وأخيراً :

رايات الإسلام ترفرف صارخةً : يا صهيون ، يا صهيون ، جيش محمّد (صلى الله عليه وآله)قادمون ... فلا طغيان ولا استيطان ولا سلام ولا تطبيع ولا استسلام ولا إسرائيل بعد اليوم .. وانتظروا أ يّها اليهود سيفنا الموعود ، تحملها أيادي مؤمنة وسواعد رسالية ، إيمانها كالجبل الراسخ ، لا تهاب الموت ولا تخشاه ، وتعتقد أنّ الشهادة لها من الله كرامة وعزّ وشرف.

أجل ، ديننا ومذهبنا هو رفض الظلم والجور ، وثورة على الاستعباد واضطهاد الإنسان وصيحة للجهاد في سبيل إعلاء كلمة الحقّ والقيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية والمستقبل الأفضل للإنسان ، في دولة صاحب الأمر الإمام المهدي من آل محمّد (عليهم السلام).


[1]يعتبر هرتزل البداية المجسّدة للعمل الصهيوني السياسي المنظّم ، ولد في المجر عام 1860 م ، وكان الابن الوحيد لتاجر ثري ، وانتقلت اُسرته إلى فيينا حيث درس القانون ، وقد قضى حياته لا يعرف اللغة العبرية ، فإنّه في المؤتمر الصهيوني الخامس الذي انعقد في بازل في ديسمبر عام 1906 م أراد أن يؤثّر في نفوس المجتمعين فتلا الشعار الصهيوني حول عدم نسيان أورشليم بالعبرية بعد أن كُتبت له الكلمات بالحروف اللاتينية ، وفي عام 1896 أصدر كتابه الشهير (دولة اليهود) الذي قال فيه : إنّ الحلّ الوحيد لمشكلة اليهود هو حلّ سياسي يتمثّل في إنشاء دولة صهيونية ، لقد مات عام 1904 م في سنّ الرابعة والأربعين إثر إصابته بانهيار جسدي مفاجئ لم تعرف أسبابه ، وكان آنذاك قد عقدت تحت رئاسته ستّة مؤتمرات صهيونية متتالية.

[2]جغرافية فلسطين ; محمّد سلامة النحّال ، الطبعة الاُولى ، 1966.

عودة الإسلام