![]() |
![]() |
![]() |
في كتاب العمدة لابن بطريق الأسدي الحلي بسنده عن بشر بن جابر عن ابن مسعود ، قال بشر : هاجت ريح حمراء بالكوفة فجاء رجل ليس له هجير ، فقال : يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة ، قال : فقعد وكان متّكئاً.
فقال : إنّ الساعة لا تقوم حتّى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة ، ثمّ قال بيده هكذا ونحاها نحو الشام وقال : نحو الشام عدوّاً يجمعون لأهل الشام يجمع لهم أهل الإسلام . قلت : الروم تعني ؟ قال : نعم ، قال : وتكون عند ذلكم القتال ردّة شديدة فتشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلى غالبة فيقتلون حتّى يمسوا فيبقى هؤلاء وهؤلاء كلّ غير غالب ، وتفنى الشرطة ، ثمّ تشترط المسلمون شرطة للموت فلا ترجع إلى غالبة ، فيقتلون حتّى يمسوا فيبقى هؤلاء وهؤلاء كلّ غير غالب ، وتفنى الشرطة ، فإذا كان اليوم الرابع هذا إليهم بقيمة أهل الإسلام ، فيجعل الله الدائرة عليهم فيقتلون مقتلةً ، إمّا قال : لا يرى مثلها ، وإمّا قال : لا يرى منها ، حتّى أنّ الطائر ليمرّ بجنباتهم فما يلحقهم حتّى يخرّ ميّتاً ، فتعاد بنو الأب كانوا مائة فلا يجدون من بقي منهم إلاّ الرجل الواحد الخبر[1].
قال مؤلف بيان الأئمة : هذه الرواية يرويها صاحب كتاب العمدة ، وهو ابن بطريق الأسدي الحلي مفتي الفريقين ـ السنّة والشيعة ـ عن بشر بن جابر عن ابن مسعود وهو صحابي معروف ممّن رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسمع حديثه حيث جاءه رجل يسأله عن ريح حمراء هاجت في الكوفة ، فاعتقد ذلك الرجل أنّ الساعة قد قامت لشدّة الريح الحمراء وقوّة هولها وصعوبتها ، وعرف هذا الرجل بأ نّه ليس له هجير ، أي ليس له هذيان ولا فحاش ولا يهجر في قوله ، أي أ نّه رجل موثّق عاقل ، نسأل عبد الله بن مسعود هل جاءت الساعة ؟ فقال له ابن مسعود : لا تقوم الساعة حتّى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة ، فجعل عدم تقسيم الميراث وعدم الفرح بالغنيمة علامة لقيام الساعة وهو كناية عن اندراس الأحكام الشرعيّة وضياعها بحيث يؤكل ميراث الميّت ، وتأخذه غير الورثة ولا يقسم عليهم أو أ نّه يموت الإنسان وليس له ورثة لموتهم جميعاً كما في قصف القنابل والصواريخ على المدن ، وأمّا عدم فرحهم بالغنيمة إمّا لعدم الانتفاع بها أو ليس هناك مسلمون يغزون الكفّار ليفرحوا بغنيمة أموالهم.
ثمّ نقل ابن مسعود علامة لظهور الحجّة (عليه السلام) المعبّر عنه بقيام الساعة ، وتلك العلامة واقعة ، وحرب تقع بين الإسلام واليهود ، فأومأ نحو الشام ، والمراد من نحو الشام أي من جهة الشام ، والظاهر أنّ المراد بتلك الجهة هي فلسطين ، وقال : إنّ أعداء الإسلام يجمعون جيشاً لحرب الإسلام وهم اليهود ، كما يجمع أهل الإسلام لحرب اليهود جيشاً ، فسأل من هذا العدوّ الروم تعني ؟ قال : نعم ، ولا ريب أنّ الروم وأسيادهم كلّهم إن لم يكن جلّهم من اليهود أو المؤيّدين لليهود ، وقد مرّ أنّ الروم هم أولاد الأصفر بن روم بن عيصور بن إسحاق، وهو من أنبياء بني إسرائيل، فالروم يشمل تمام من كان من هذا الأصل ، فيشمل إسرائيل وبعض المسيح.
ثمّ قال : ويقع عند ذلكم القتال ردّة شديدة ، أي يقع القتال بين اليهود وبين الإسلام عند هجوم اليهود عليهم فيردّونهم ردّة شديدة أو يسمع من وقع السلاح صوت شديد ، ولعلّ التعبير بالردّة الشديدة كناية عن الأسلحة النارية الحديثة ، فتشترط المسلمون شرطة للموت ، أي تشترطه على نفسه وتقدم على الموت ـ كشرطة الخميس في زمن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ـ وتوطن نفسها على الموت فإنّ من يقدم للحرب بالأسلحة النارية الحديثة فقد أقدم على الموت ـ كالفدائيين ـ ولكن لا يرجع المسلمون بعد الحرب مع اليهود غالبة لهم ، لأنّ أسياد اليهود ـ كالأمريكان ـ يوقفون القتال ويضربون الهدنة ، فلا يدعون المسلمين أن يتغلّبوا على اليهود ـ كما حدث في حرب حزيران ـ فلا هؤلاء أي المسلمون غالبون لليهود ولا اليهود غالبة لهم ، ولذا قال : فيبقى هؤلاء وهؤلاء كلّ غير غالب ، وتفنى الشرطة أي الجيش الإسلامي الذي اشترط على نفسه الموت وأقدم على الموت وهذا في المرّة الاُولى.
وفي المرّة الثانية كلّ من أهل الإسلام واليهود يجمع جيشاً آخر للحرب ويوطّن الجيش الإسلامي نفسه على الموت ويشترط على نفسه الموت ، ويقتتلون مع اليهود مقتلة عظيمة حتّى تفنى الفئة التي اشترطت على نفسها الموت فيوقفون القتال مرّة ثانية ويرجع كلّ منهما غير غالب ، وكذلك في المرّة الثالثة دون غالب ، فإذا كانت (المرّة الرابعة هذا إليهم بقيّة أهل الإسلام) ـ أي أسرع لمساعدتهم أهل الإسلام واجتمعوا عليهم بقيّة المسلمين ـ فكأ نّما في المرّات الاُولى تكون المحاربة باسم بعض المسلمين كما كانت باسم العرب والاُمّة العربية مثلا ، ولكن في المرّة الرابعة يلتحق بهم بقيّة الإسلام فتكون القضيّة قضيّة إسلامية لا عربية فقط ، فحينئذ يكون الانتصار والسيف الموعود ، وهذا ما نتوقّعه ، وإنّما يكون على يد أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، لأ نّهم كأئمتهم أئمة الحقّ ، لا يعتقدون بالقومية ، بل يرونها تتنافى مع روح الدين الإسلامي المحمدي الأصيل ، فإنّ الإسلام دين الله لكافة الناس إلى يوم القيامة ، ولا ينحصر بالعرب ، ولا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي ، ولا أبيض على أسود ولا أسود على أبيض إلاّ بالتقوى.
(إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقاكُمْ)[2].
فلا عنصرية ولا قومية ولا طائفية في الإسلام ، فالقضية الفلسطينية لا بدّ أن تتحرّر من النطاقات البشرية أوّلا ، وتدخل في نطاق الله ، في إطار التوحيد الذي ليس فيه إطار ، لتكون حزب الله الغالب ، لا أحزاب الشياطين المنهزمة والمذعورة.
(إنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغالِبونَ)[3].
فيجعل الله الدائرة على اليهود فيقتلون الجيش اليهودي ـ الإسرائيلي الصهيوني ـ وتبقى جثث المقتولين منهم على الأرض ، فإذا مرّ عليهم الطائر ، أي مرّ بجنبهم وبناحيتهم فمن نتن الأجساد وجيفتها يخرّ ميّتاً ـ وربما كناية عن الطائرات المنهدمة ـ ولكن بعد هذه الواقعة ترى العشيرة التي فيها مائة رجل لم يبقَ منها إلاّ رجل واحد ، فتنبئ هذه الجملة أنّ هذه الواقعة توجب عدم الرجال وقتلهم بحيث يبقى من المائة رجل واحد.
[1]بيان الأئمة 1 : 437.
[2]الحجرات : 13.
[3]المائدة : 56.
![]() |
![]() |
![]() |