htm dir="rtl"> المكتبة - www.al-shia.com

« الرواية  الثامنة »

جاء في كتاب (بيان الأئمة) لسماحة الحجّة العلم الحاج الشيخ محمد مهدي زين العابدين في البيان الثامن والخمسين في الإخبار عن هلاك اليهود في بيت المقدس ، فقال :

قال الله تعالى في كتابه المجيد في سورة بني إسرائيل :

(وَقَضَيْنا إلى بَني إسْرائيلَ في الكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوَّاً كَبيراً فَإذا جاءَ وَعْدُ اُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا اُولي بَأس شَديد فَجاسوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعولا ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأمْدَدْناكُمْ بِأمْوال وَبَنينَ وَجَعَلـْناكُمْ أكْثَرُ نَفيراً إنْ أحْسَنْتُمْ أحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإنْ أسَأتُمْ فَلَها فَإذا جاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسؤوا وُجوهَكُمْ وَلِيَدْخُلوا المَسْجِدَ كَما دَخَلوهُ أوَّلَ مَرَّة وَلِيُتَبِّروا ما عَلَوْا تَتْبيراً عَسى رَبُّكُمْ أنْ يَرْحَمَكُمْ وَإنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلـْنا جَهَنَّمَ لِلـْكافِرينَ حَصيراً)[1].

بيان تفسير هذه الآيات المباركة : مجمع البيان : للشيخ الطبرسي (قدس سره) :

عن ابن عباس (رحمه الله) ، قال : إنّ المراد من قوله تعالى :

(وَقَضَيْنا إلى بَني إسْرائيلَ) وهم اليهود أي أخبرناهم وأعلمناهم.

(في الكتاب) أي في التوراة.

(لَتُفْسِدُنَّ في الأرْضِ مَرَّتَيْنِ) أي حقّاً لا شكّ فيه أنّ أخلافكم وأبناءكم سيفسدون في البلاد التي تسكنونها ، وهي بيت المقدس كرّتين أي مرّة بعد اُخرى ، وأراد بالفساد الظلم والعدوان وأخذ المال وقتل الأنبياء وسفك الدماء ـ كما حدث في دير ياسين وكفر قاسم وغيرهما ـ وقيل : كان فسادهم الأوّل قتل زكريا والثاني قتل يحيى ، وقيل : كان الأوّل قتل شعيا والثاني قتل يحيى ، وإنّ زكريا مات حتف أنفه ، فسلّط الله عليهم في الأوّل سابور ذو الأكتاف ـ وكان ملكاً من ملوك فارس ـ في قتل زكريا أو شعيا ، وسلّط الله عليهم في الثاني أي في قتل يحيى بختنصر ، وقيل : إنّ الله سبحانه وتعالى ذكر فساد اليهود في بيت المقدس مرّتين ولم يبيّن ما هو ، فلا يقطع شيء ممّـا ذكر كما عن الجبائي.

ـ أقول : ربما الكرّتان هنا كالكرّتين في قوله تعالى : (فَارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ)فلا يدلّ على الاثنينية بالخصوص ، بل يدلّ على التكرار كالمرّتين ، فلا يبعد أن يكون هذا الفساد قبل الإسلام وبعده ، وما دام اليهود على الأرض فإنّ الفساد فيها كرّتان كرّتان فهم جراثيم الفساد وإشاعة المنكرات في العالم انطلاقاً من أرض فلسطين المقدّسة ، فلا بدّ من القضاء عليهم من جذورهم من فلسطين المحتلّة ، وليس هذا الأمر بعزيز على الله وليس ببعيد ـ .

(وَلَتَعْلُنَّ عُلُوَّاً كَبيراً) أي ولتستكبرنّ في الأرض ولتظلمنّ الناس يا بني إسرائيل ظلماً عظيماً ، والعلوّ هنا نظير العتوّ ، وهو الجرأة على الله تعالى ، والتعرّض لسخطه وظلم الناس وقتلهم ونهب أموالهم.

(فَإذا جاءَ وَعْدُ اُولاهُما) معناه فإذا جاء وقت اُولى المرّتين اللتين تفسدنّ فيهما ، والوعد هنا بمعنى الموعود ، أي فإذا جاء وقت الموعود وهو الذي وعدتم به لإفسادكم في المرّة الاُولى.

(بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا اُولي بَأس شَديد) أي سلّطنا عليكم عباداً لنا اُولي شوكة وقوّة ونجدة ، وخلّينا بينكم وبينهم خاذلين لكم وقاتلين لكم جزاءً على كفركم وعتوّكم وعلوّكم وهو نظير قوله تعالى (وَأرْسَلـْنا الشَّياطينَ عَلى الكافِرينَ)(تَؤُزُّهُمْ أزَّاً) ، وقيل : معناه أمرنا قوماً مؤمنين بقتالكم وجهادكم كما هو ظاهر قوله تعالى : (عِباداً لَنا) وقوله (بَعَثْنا) فأسند العذاب إليه والبعث إليه فهذا يقتضي أن يكونوا مؤمنين.

ـ أقول : المراد من المؤمنين في الآيات القرآنية ، كما في نصوصنا ورواياتنا عن الرسول الأكرم وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) ، هم أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، فهم المؤمنون حقّاً ، واليهود أشدّ عداوة لمثل هؤلاء المؤمنين الكمّلين ، لا لمثل حكّام العرب وملوكهم حلفاء الاستعمار وعملائهم وأذنابهم في البلاد الإسلامية ، فإنّ هؤلاء رضوا بالتطبيع اليهودي وبالصلح مع إسرائيل ، فأين العداء ؟ فكيف يكون (أشَدُّ عَداوَةً).

(فَجاسوا خِلالَ الدِّيارِ) أي فطافوا وسط الديار يتردّدون وينظرون هل بقي أحد منهم لم يقتلوه.

(وَكانَ وَعْداً مَفْعولا) أي موعوداً كائناً لا خلف فيه.

(ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) أي ثمّ رددنا وأرجعنا لكم يا بني إسرائيل الدولة مرّة ثانية وأظهرناكم عليهم وعاد ملككم على ما كان عليه.

(وَأمْدَدْناكُمْ بِأمْوال وَبَنينَ) أي وأكثرنا لكم أموالكم وأولادكم ورددنا لكم العدّة والقوّة.

(وَجَعَلـْناكُمْ أكْثَرُ نَفيراً) أي أكثر عدداً وأنصاراً من أعدائكم وأكثر أعواناً منهم.

(إنْ أحْسَنْتُمْ أحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإنْ أسَأتُمْ فَلَها) أي إن أحسنتم في أقوالكم وأفعالكم وصنائعكم وأعمالكم فنفع إحسانكم عائد عليكم ، وإن أسأتم فقد أسأتم إلى أنفسكم ، لأنّ مضرّة الإساءة عائدة إليكم.

(فَإذا جاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ) أي إذا جاء وعد المرّة الآخرة أي الثانية من قوله (وَلَتُفْسِدُنَّ في الأرْضِ مَرَّتَيْنِ) والمراد به إذا جاء وعد الجزاء على الفساد في الأرض في المرّة الأخيرة ، أو جاء وعد فسادكم في الأرض في المرّة الأخيرة أي الوقت الذي يكون فيه ما أخبر الله عنكم من الفساد والعدوان على العباد.

(لِيَسؤوا وُجوهَكُمْ) أي غزاكم أعداءكم وغلبوكم ودخلوا دياركم ليسؤوكم بالقتل والأسر . يقال : سئته أو سئت إليه إذا أحزنته وأدخلت عليه ما يوجب الحزن والأسى وقهرته . وقيل : معناه ليسؤوا كبراءكم ورؤساءكم ، وفي مساءة الأكابر وإهانتهم مساءة الأصاغر ، وفي ذلّتهم ذلّة الأصاغر.

(وَلِيَدْخُلوا المَسْجِدَ) أي بيت المقدس ونواحيه ، فكنّى بالمسجد الأقصى عن البلد ـ كما كنّى بالمسجد الحرام عن الحرم المكّي ـ ومعناه وليستولوا على البلد ، لأ نّه لا يمكنهم دخول المسجد إلاّ بعد الاستيلاء على البلد ، فإذا استولوا على البلد دخلوا المسجد واستولوا عليه أيضاً.

(كَما دَخَلوهُ أوَّلَ مَرَّة) دلّ بقوله هذا ، على أنّ في المرّة الاُولى قد استولوا على البلد ودخلوا المسجد أيضاً ، وإن لم يذكر ذلك ، فيكون المعنى : وليدخل هؤلاء المؤمنون المسجد كما دخلوه اُولئك أوّل مرّة.

(وَلِيُتَبِّروا ما عَلَوْا تَتْبيراً) أي وليدمّروا ويهلكوا ما غلبوا عليه من بلادكم تدميراً.

(عَسى رَبُّكُمْ أنْ يَرْحَمَكُمْ) أي عسى ربّكم يا بني إسرائيل أن يرحمكم بعد انتقامه منكم ، إن تبتم ورجعتم إلى طاعته وتركتم الظلم والعدوان والطغيان والعصيان.

(وَإنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلـْنا جَهَنَّمَ لِلـْكافِرينَ حَصيراً) معناه : وإن عدتم إلى الظلم والعدوان والفساد عدنا بكم إلى العقاب لكم والتسليط عليكم كما فعلناه فيما مضى بكم . وهذا منقول عن ابن عباس (رحمه الله).

أقول : واليوم نرى ظلم الصهاينة والحركة اليهودية السياسية ، فلا بدّ من خذلانهم وإذلالهم بيد المؤمنين الأشاوس الأبطال الذين لا يهابون الموت ، وقعوا عليه أم وقع عليهم ، ولا يكون هذا إلاّ إذا رجع المسلمون إلى أصالتهم وحضارتهم الإسلامية ودينهم القويم وصراطهم المستقيم وقرآنهم الحكيم ، ولا بدّ من انتفاضة إسلامية عارمة في كلّ بلاد الإسلام ضدّ الحكومات الجائرة وأذناب الاستعمار وعملائهم الخونة ، فكفانا خيانة الحكّام ، وإنّما تحرّر فلسطين بأيدي مؤمنة لا ترضى بالذلّ والهوان.


[1]الإسراء : 4.

أقولها صراحةً