![]() |
![]() |
![]() |
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق الزمان ، وجعل له وفيه إماماً قاطع البرهان ، وحجّةً ساطع البيان ، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمّد وآله الأئمة الهداة النجباء ، لا سيّما خاتم الأوصياء صاحب الزمان عجّل الله فرجه الشريف.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية»[1] ، متّفق عليه عند الفريقين السنّة والشيعة.
إعلم أنّ قضيّة الإمام المهدي الحجّة المنتظر والقائم الموعود من آل محمد ضرورة دينية ودنيوية لا يمكن إنكارها ، فإنّها لو اُنكرت فهي كإنكار الناس لوجود الصانع سبحانه وتعالى ، فإنّه لا يدلّ على عدم وجوده ، كما أنّ إنكارهم ليوم القيامة لا يعني أ نّه لا يكون بعث ولا حساب.
فقضيّة صاحب الزمان والمهدي من آل محمّد (عليهم السلام) حقيقة ثابتة ، فإنّها في صدر الإسلام ومنذ بزوغ شمسه ، قد اشتهرت بين المسلمين آنذاك حتّى آل الأمر أن يُصنّف مصنّفات عديدة منذ القرن الأوّل وقبل ولادته (عليه السلام) بسنين.
وإنّها صدرت الأخبار الصحيحة والأحاديث الشريفة الموثّقة في ثنائه عن الشارع المقدّس النبيّ المصطفى البشير النذير محمد (صلى الله عليه وآله) وعترته الأئمة الأطهار (عليهم السلام) أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ثمّ الحسن المجتبى والحسين الشهيد بكربلاء ثمّ الأئمة الثمانية من ولده (عليهم السلام) ، كلّهم بشّروا بالمهدي المصلح (عليه السلام) وأ نّه خاتم الأوصياء ، وأ نّه سيملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدما ملئت ظلماً وجوراً ، فهناك المئات من الروايات الدالّة على هذه الحقيقة التي لا يمكن جحودها ، بل أصبحت ضرورة تأريخية أشارت إليها الأديان السماوية كما كادت أن تكون ضرورة عقليّة ، بأنّ العالم المكفهر الجهول الظلوم ينتظر مصلحها ومنوّرها بالعدل والقسط.
فالنبيّ الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) في المئات من الأحاديث والأمير (عليه السلام) في أكثر من خمسين حديثاً وفاطمة الزهراء (عليها السلام) في أربعة أحاديث والإمام الحسن (عليه السلام) في خمسة أحاديث والإمام الحسين (عليه السلام) في 14 حديثاً والسجّاد (عليه السلام) في 8 أحاديث والباقر (عليه السلام) في 63 حديثاً والصادق (عليه السلام) في 134 حديثاً والكاظم (عليه السلام) في 10 أحاديث والرضا (عليه السلام) في 11 حديث والجواد (عليه السلام) في 5 أحاديث والهادي (عليه السلام) في 6 أحاديث والإمام العسكري في 22 حديثاً[2] ، كلّ هؤلاء الأطهار (عليهم السلام) مهّدوا الطريق لانتظار الفرج وظهور صاحب العصر والزمان (عليه السلام) ، وأ نّه سيغيب عن الأبصار والأنظار في مدّة طويلة تزلّ فيها كثير من الأقدام ، حتّى يؤول الأمر إلى كفرهم وإجحادهم وتشكيكهم وأ نّه لا فائدة في غيبته ، إلاّ أنّ الرسول الأكرم والأئمة الأطهار (عليهم السلام) قد ذكروا الفوائد الجمّة في أيام الغيبة ـ الصغرى والكبرى ـ وأنّ الحجّة المنتظر (عليه السلام) أمان للأرض ، بوجوده ثبتت السماوات والأرض ، وبيمنه رُزق الورى ، ولولاه لساخت الأرض بأهلها ، وأ نّه كالشمس خلف السحاب ، وأ نّه الهادي للبشر في العالم التكويني ، وإنّه يشرف على القلوب بولاية باطنيّة فيهديها سواء السبيل ، وإنّه حاضر بين الناس وإن كان غائباً عن الأبصار ، وربما يرى ولا يعرف ، وإنّه في كلّ سنة يحضر عرفة ، وانتظار فرجه من أفضل الأعمال ، ولا بدّ لمن ينتظره أن يعدّ العدّة ، ويتسلّح بكلّ ما فيه القوّة ، وينتظر الظهور ليل نهار ، فإنّ من ينتظر طلوع الشمس من أوّل الليل لا يبقى في الظلام الدامس على أمل بزوغ الشمس ، بل يسرج ما حوله ولو بشمعة وفانوس ليعيش في نعمة الضوء ، ويشاهد الأشياء ويرى الحقائق التي يحوم حولها وتحوم حوله ، فيحسّ بحضور الشمس وينتظرها لتشرق على العالم كلّه.
وبنظري تشبيه صاحب الزمان (عليه السلام) بالشمس في الروايات فيه لطائف ، منها : أ نّه قبل طلوع الشمس لا بدّ من فجر حتّى يستعدّ البصر إلى رؤيتها ، فإنّها لو أشرقت رأساً وسط السماء فإنّ ذلك يوجب عُمي الأبصار واختلال النظام ، بل لا بدّ من فجر أوّلا ، ثمّ تبزغ الشمس رويداً رويداً ، ثمّ الفجر الصادق يكون اُفقيّاً يطلّ على اُفق المشرق كلا ، وقبله يكون الفجر الكاذب وهو عمودي كذنب الذئب ، فقبل طلوع شمس الإمامة والوصاية ، لا بدّ من فجر صادق وحكومة إسلاميّة تمهّد الطريق ، ثمّ قبل ذلك تكون ادّعاءات مهدوية كاذبة على طول التأريخ وعموده كالفجر الكاذب ، فتأمّل . كما أنّ الشمس تنفع الأرض حتّى ولو كانت خلف السحاب ، وأ نّها عند طلوعها لا بدّ أوّلا من تقشّع السحاب رويداً ، ومن بينها تشعّ أنوار الشمس على الأرض ، ومن كان على الأرض فإنّه يفرح بتلألؤها ، ويتأمّل شروقها مرّة اُخرى حتّى ولو تراكمت الأسحبة ثانيةً ، وهذه الأشعّة هي علائم الظهور التي تكون بين آونة واُخرى ، وبين زمان وزمان ، حتّى في كلّ زمان يعتقد منتظر صاحب الأمر (عليه السلام) أ نّه سيظهر في زمانه ، كما نشاهد ذلك في وصيّة السيّد ابن طاووس قبل سبعمئة عام لولده محمّد في كتابه (المحجّة في ثمرة المهجة) بأ نّه حتماً سيدرك دولة المهدي (عليه السلام) ، فيطلب منه أن يبلّغه السلام ويقبّل يديه ، وهذا يعني أنّ الأئمّة (عليهم السلام) بإخبارهم علائم الظهور وتحقّقها على طول الزمان أرادوا أن تبقى جذوة الانتظار وهّاجة في قلوب المؤمنين ، حتّى لا يموت الأمل فيهم ، بل يقاومون الظلم والجور والطغاة والمستكبرين ، وينتظرون يوم الخلاص وعصر الظهور التامّ . فالقائم من آل محمّد (عليهم السلام) كالشمس ومن ينتظره في دنيا الظلم والظلام ، فإنّه في أوّل ليله المدلهم ، لا يرضى لنفسه أن يعيش في الظلمة حتّى يرتطم بالأشياء التي حوله فيسقط ويهوي في الحفر التي في طريق حياته ، بل يضيء حوله ولو بشمعة ، ليكون مسيره على النور ، ثمّ يبقى بانتظار طلوع الشمس وانتظار الفرج ، فإنّه من أفضل الأعمال ، ومن يعتقد بخروج المهدي وظهوره وإنّه يصلح العالم بعدله وحكومته ، فإنّه يكون شوكة في عيون أعداء الإسلام من الاستعمار والاستكبار العالمي بمعسكريه الشرقي والغربي.
فعلى مرّ التأريخ والعصور كلّ من ينتظره ، إنّما ينتظر الوعد الإلهي ، فإنّه (عليه السلام)ميثاق الله الذي أخذه ووكّده ، ووعد الله الذي ضمنه ، فعلى طول التأريخ المتلوّث بالظلم والفساد كلّ مظلوم ينتظر منتقمه والآخذ بحقّه ، فكلّ الأديان والملل والنحل تنتظر مصلحها ومكمّلها وإنّما تمتاز الفرقة الإمامية عن غيرها من المذاهب ، أ نّها تعرف هذا الإمام والمصلح العالمي حقّ المعرفة ، وأ نّه حيّ يرزق ، يعيش بيننا ونحسّ حضوره فنندبه ونزوره بزيارة آل ياسين ، وبمثل هذا يعرج المؤمن ويتقرّب إلى ربّه ، بتهذيب نفسه وتزكية قلبه ، ويستضيء من نور إمامه ويكسب من فيضه وقدسه ، ويعيش بأمل ويسعى لحياة أفضل تسودها العدل والرحمة ، فإنّ من لم يعتقد بالإمام المهدي ويرى هذه الاضطرابات والفوضى والغوغائية في العالم ، فإنّه يفقد لذّة الحياة وسعادتها ، ويصاب بالانتحار النفسي ، كمن كان في سفينة وسط طوفان شديد ، وييأس من بلوغ الساحل ، فإنّه يستسلم للموت ولا يكافح لخلاص نفسه ، بخلاف من علم أنّ هناك ساحل السلام وشاطئ العافية ، فإنّه في تلاطم الأمواج يبذل النفس والنفيس ليوم الخلاص وبلوغ السلام ، وهذا ممّـا يدلّ عليه الضرورة والوجدان.
فالأمل بالحياة يستلزمه التفكّر الصحيح والسعي الحثيث والتعاون الجماعي والنهضة الشعبية والثورة الجماهيرية ، والكفاح المستمرّ والنضال الدؤوب ، وتهيئة الأجواء ورفع الموانع وإزاحة العراقيل.
وبمثل هذا المعتقد والأمل عاش التشيّع إلى يومنا هذا ، مع تلك الضغوط والاضطهاد والقتل والتشريد وانتهاك الحرمات والمقدّسات والتكبيت والحرمان والزنزانات والسجون التي تحمّلها على مرّ الأحقاب والأجيال.
وإمامنا الناطق جعفر الصادق (عليه السلام) يقول : من مات منتظراً لهذا الأمر كان كمن مع القائم في فسطاطه ، لا بل كان كالضارب بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف.
وعلى المنتظر أن يمهّد الطريق ويوطّئ السبل ليوم الظهور ، ويكون كمن ينتظر ضيفه ، فينظّف داره ، ويعدّ العدّة لاستقباله وضيافته ، ومن لم يفعل ذلك فإنّه يذمّ عند العقلاء ، ويعدّ فاشلا في حياته ، ويفقد الرشد والصواب ويبتلي بالحيرة والضلال.
في كمال الدين بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً تكون له غيبة وحيرة تضلّ فيها الاُمم ، ثمّ يقبل كالشهاب الثاقب يملأها عدلا وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.
وفيه بإسناده عن سدير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه يأتمّ به وبأئمّة المهدي من قبله ويبرأ إلى الله عزّ وجلّ من عدوّهم اُولئك رفقائي وأكرم اُمّتي عليّ.
وفيه بإسناده عن الحسين بن خالد عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن آبائه الكرام (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أ نّه قال للحسين (عليه السلام) : التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقّ المظهر للدين والباسط للعدل . قال الحسين (عليه السلام) : فقلت له : يا أمير المؤمنين وإنّ ذلك لكائن ؟ فقال (عليه السلام) : إي والذي بعث محمّداً (صلى الله عليه وآله) بالنبوّة واصطفاه على جميع البريّة ، ولكن بعد غيبة وحيرة فلا يثبت فيها على دينها إلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين الذين أخذ الله عزّ وجلّ ميثاقهم بولايتنا وكتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه.
وفيه بإسناده عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إنّ من سنن الأنبياء (عليهم السلام) بما وقع بهم من الغيبات حادثة في القائم من أهل البيت (عليهم السلام)حذو النعل بالنعل والقُذّة بالقذّة ، قال أبو بصير : فقلت : يا ابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت ؟
فقال : يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى ، ذلك ابن سيّدة الإماء يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون ، ثمّ يظهره الله عزّ وجلّ فيفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، وينزل روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) فيصلّي خلفه وتشرق الأرض بنور ربّها ، ولا تبقى في الأرض بقعة عُبد فيها غير الله عزّ وجلّ إلاّ عُبد الله فيها ، ويكون الدين كلّه لله ولو كره المشركون.
وعندنا العشرات والمئات مثل هذه الأحاديث الشريفة التي تزرع الأمل في القلوب كما هناك الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ الأرض لا تخلو من الحجّة.
عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق».
وهذا يعني أنّ الحجّة والبرهان بمنزلة العلّة الفاعلية بإذن الله سبحانه وأ نّها الغائية والمادية والصورية للخلق ، والحجّة تتمثّل وتتجسّد بالإمام المعصوم (عليه السلام)أعمّ من أن يكون نبيّاً أو وصيّاً.
وفي الإكمال بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قلت له : أتبقى الأرض بغير إمام ؟ قال : لو بقيت الأرض بغير إمام ساعة لساخت.
وفي الكافي بإسناده عن عبد الله بن سليمان العامري عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : ما زالت الأرض إلاّ ولله فيها الحجّة يعرف الحلال والحرام ويدعو الناس إلى سبيل الله.
وفي كمال الدين[3] بسنده عن إبراهيم بن أبي محمود قال : قال الإمام الرضا (عليه السلام) : نحن حجج الله في خلقه وخلفائه في عباده واُمناؤه على سرّه ، نحن كلمة التقوى والعروة الوثقى ونحن شهداء الله وأعلامه في بريّته ، بنا يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا وبنا ينزّل الغيث وينشر الرحمة ، ولا تخلو الأرض من قائم منّا ظاهر أو خاف ، ولو خلت يوماً بغير حجّة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله.
وفي الكافي بسنده عن حمزة بن الطيّار قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : لو لم يبقَ في الأرض إلاّ اثنان لكان أحدهما الحجّة.
وقال (عليه السلام) : إنّ آخر من يموت الإمام ، لئلاّ يحتجّ أحد على الله عزّ وجلّ أ نّه تركه بغير حجّة لله عليه.
فالنظام التكويني والتشريعي يفتقر في بقائه إلى الحجّة الأعظم الرباني والفيض الأقدس الإلهي ، فتعلّقت الإرادة الإلهيّة بأن يكون بقاء النظام بصعيديه التكويني والتشريعي إنّما هو بوجود الحجّة ، والإمام المعصوم بالمعنى الأعمّ المتمثّل بالنبيّ والوصيّ (عليهما السلام).
ويقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في نهج البلاغة[4] : «اللهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة ، إمّا ظاهراً مشهوراً ، وإمّا خائفاً مغموراً ، لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته ، وكم ذا وأين اُولئك ؟ اُولئك ـ والله ـ الأقلّون عدداً والأعظمون قدراً يحفظ الله بهم حججه وبيّناته حتّى يودعها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، وباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأبدان معلّقة بالمحلّ الأعلى ، اُولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه».
وقال (عليه السلام) في خطبة اُخرى : «فهم كرائم القرآن وهم كنوز الرحمن إن نطقوا صدقوا وإن صمتوا لم يسبقوا»[5].
وقال أيضاً : «بهم عاد الحقّ في نصابه وانزاح الباطل عن مقامه وانقطع لسانه عن منبته عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية ، لا عقل سماع ورواية ، فإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل»[6].
وقال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام) : «والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدم (عليه السلام) إلاّ وفيها إمام يهتدى به إلى الله وهو حجّته على عباده ولا تبقى الأرض بغير إمام حجّة لله على عباده»[7].
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : الأوصياء هم أبواب الله التي يؤتى منها ولولاهم ما عرف الله وبهم احتجّ الله تبارك وتعالى على خلقه»[8].
وقال (عليه السلام) : «إنّ الله خلقنا فأحسن خلقنا وصوّرنا فأحسن صورنا وجعلنا خزّانه في سمائه وأرضه ، ولنا نطقت الشجر وبعبادتنا عبد الله ولولانا ما عبد الله»[9].
وعن أبي خالد الكابلي قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله : ( فَآمِنوا بِاللهِ وَرَسولِهِ وَالنُّورِ الَّذي أنْزَلـْنا ) فقال : يا أبا خالد ، النور ـ والله ـ الأئمة ، يا أبا خالد ، لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار ، وهم الذين ينوّرون قلوب المؤمنين ، ويحجب الله نورهم عمّن يشاء ، فتظلم قلوبهم ويغشاهم بها»[10].
وهناك المئات من الروايات والنصوص النبويّة والولويّة كما هناك الأدلّة العقليّة تدلّ على وجود إنسان كامل بكلّ ما للكمال من معنى ، يعيش في الأرض ، وهو حلقة الوصل بين عالمي الغيب والشهادة ، يتنزّل عليه الفيض الإلهي ليشعّ منه إلى العالمين ، فبيمنه رُزق الورى وبوجوده ثبتت الأرض والسماء ، وإنّ انتفاءه في الأرض يعني هلاكها وانقراض النوع الإنساني لانتفاء الغاية والهدف المنشود ، فهو سرّ الوجود الذي يعرف به الوجود المطلق ومطلق الوجود ، وكلّما يقال في مقامه الشامخ إنّما هو معشار عشر ، ولم تبلغ البشرية معرفته الحقّة»[11].
هذا ، وحجّة الله العظمى في عصرنا الراهن إنّما هو صاحب الزمان أبو صالح القائم المنتظر فارس الحجاز الإمام الثاني عشر من أئمة الهدى وأعلام التقى وأركان البلاد وساسة العباد ، ذاك مولانا ووليّ أمرنا المهديّ من آل محمّد (عليهم السلام)الذي تواترت الأحاديث عن النبيّ المصطفى محمّد وعترته الأطهار سواء لدى الشيعة أو السنّة.
فقال الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) : لا تذهب الدنيا حتّى يلي اُمّتي رجلٌ من أهل بيتي يقال له المهدي.
وقال : «أبشروا بالمهدي (قالها ثلاثاً) يخرج على حين اختلاف من الناس وزلزال شديد يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً ، يملأ قلوب عباده عبادة ويسعهم عدله».
وقال : «لا تقوم الساعة حتّى يقوم قائم الحقّ منّا ، وذلك حين يأذن الله عزّ وجلّ له ، من تبعه نجا ومن تخلّف عنه هلك ، الله الله عباد الله فأتوه ولو على الثلج فإنّه خليفة الله عزّ وجلّ وخليفتي».
وقال : من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني.
وقال : لا تذهب الدنيا حتّى يقوم بأمر اُمّتي رجل من ولد الحسين (عليه السلام) يملؤها عدلا كما ملئت ظلماً وجوراً.
وسأل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا رسول الله ، أمِنّا آل محمد المهدي أم من غيرنا ؟ فقال رسول الله : لا بل منّا يختم الله به الدين كما فتحه بنا ، وبنا ينقذون من الفتن كما اُنقذوا من الشرك ، وبنا يؤلّف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخواناً كما أ لّف بينهم بعد عداوة الشرك إخواناً في دينهم.
وقال (صلى الله عليه وآله) : المهدي من عترتي من أهل بيتي يخرج في آخر الزمان تنزل له السماء قطرها ، وتخرج له الأرض بذرها ، فيملأ الأرض عدلا وقسطاً كما ملأها القوم ظلماً وجوراً.
وعن اُمّ سلمة قالت : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : المهدي من عترتي من ولد فاطمة.
وقال (صلى الله عليه وآله) : القائم من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي وشمائله شمائلي وسنّته سنّتي ، يقيم الناس على ملّتي وشريعتي ويدعوهم إلى كتاب الله عزّ وجلّ ، من أطاعه أطاعني ومن عصاه عصاني ، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني ومن كذّبه فقد كذّبني ومن صدّقه فقد صدّقني ، إلى الله أشكو المكذّبين لي في أمره والجاحدين لقولي في شأنه والمضلّين لاُمّتي عن طريقته وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.
وعن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : أنا سيّد الأنبياء وعليّ سيّد الأوصياء وسبطاي خير الأسباط ، ومنّا الأئمّة المعصومون من صلب الحسين ومنّا مهدي هذه الاُمّة ، فقام إليه أعرابي فقال : يا رسول الله كم الأئمة بعدك ؟ قال : عدد الأسباط وحواريي عيسى ونقباء بني إسرائيل.
وعن حذيفة بن أسيد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أ نّه قال : الأئمة بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل تسعة من صلب الحسين ومنّا مهدي هذه الاُمّة إلاّ أ نّهم مع الحقّ والحقّ معهم فانظروا كيف تخلفوني.
وعن سعيد بن المسيّب عن عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان أ نّهما قالا : سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : الأئمة بعدي اثنا عشر تسعة من صلب الحسين ومنّا مهدي هذه الاُمّة من تمسّك بهم من بعدي فقد تمسّك بحبل الله ومن تخلّى عنهم فقد تخلّى[12].
هذا من طرق الشيعة وأمّا السنّة فكتبهم تزخر بهذه الأحاديث وهناك أبواب مستقلّة عن المهدي في كتب الصحاح.
فعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا تذهب الدنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي[13].
وقال الترمذي هذا خبر صحيح رواه علي وأبو سعيد واُمّ سلمة وأبو هريرة.
وروى علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن الرسول أ نّه قال : لو لم يبقَ من الدهر إلاّ يوم واحد لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جوراً[14].
وعن اُمّ سلمة قالت : سمعت رسول الله يقول : المهدي من عترتي من ولد فاطمة[15].
وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : كلّ من دان الله بعبادة يُجهد فيها نفسه ، ولا إمام له من الله ، فسعيه غير مقبول ، وهو ضالّ متحيّر ، والله شانئ لأعماله ، وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق[16].
وقال رسول الله : ينزل باُمّتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم ولم يسمع بلاء أشدّ منه ، حتّى تضيق بهم الأرض الرحبة ، وحتّى تملأ الأرض جوراً وظلماً ، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم فيبعث الله رجلا من عترتي فيملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً . يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ، لا تدّخر الأرض من بذرها شيئاً إلاّ أخرجته ولا السماء من قطرها شيئاً إلاّ صبّه الله عليهم مدراراً ، يعيش فيهم سبع سنين أو تسع تتمنّى الأحياء الأموات ، لما صنع الله بأهل الأرض من خيره[17].
فكثير من علماء أبناء العامّة قد أقرّوا بتواتر أحاديث المهدي (عليه السلام) وكتبوا أو صنّفوا حول الإمام المنتظر (عليه السلام) ، كابن حجر الهيثمي المتعصّب في كتابه (الصواعق المحرقة) والشبلنجي في (نور الأبصار) والكنجي الشافعي في (البيان في أخبار صاحب الزمان) والشيخ منصور علي في (غاية المأمول) والسويدي في (سبائك الذهب) والعسقلاني في (نزهة الناظر) والشيخ يوسف بن يحيى الشافعي المتوفّى 658 في (عقد الدرر في أخبار المنتظر) والشيخ حمّود بن عبد الله التويجري في (الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر) والشيخ مصطفى الشلبي في (صحيح أشراط الساعة) والشيخ عبد المحسن بن حمد العباد في (عقيدة أهل السنّة والأثر في المهدي المنتظر والردّ على من كذّب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي) والشيخ محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدّم في (المهدي حقيقة لا خرافة) والشيخ عبد اللطيف عاشور في (ثلاثة ينتظرهم العالم : عيسى والدجّال والمهدي المنتظر) والشيخ محمد علي الصابوني في (المهدي وأشراط الساعة) والشيخ حمود ابن عبد الله التويجري في (إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة) والشيخ جزّاع الشمّري في (علامات الساعة في القرآن والسنّة) والشيخ التويجري في (إقامة البرهان في الردّ على من أنكر خروج المهدي والدجّال ونزول المسيح في آخر الزمان) والشيخ رفاعي سرور في (قدر الدعوة) والدكتور عمر سليمان الأشقر في (اليوم الآخر القيامة الصغرى) والشيخ أمين حاج محمد أحمد في (أشراط الساعة الصغرى والكبرى) وابن كثير في (النهاية فتن وأهوال آخر الزمان) والحافظ أبو إسماعيل بن كثير الشافعي في (الفتن والملاحم الواقعة في آخر الزمان) وفي (علامات يوم القيامة) والدكتور عبد الباقي أحمد محمد سلامة في (بين يدي الساعة) وعبد اللطيف عاشور في (المسيح الدجّال حقيقة لا خيال) ومحمد بن رسول الشافعي في (الإشاعة لأشراط الساعة) والشيح أحمد بن محمد بن الصديق في (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون في أحاديث المهدي) وصلاح الدين عبد الحميد الهادي في (حقيقة الخبر عن المهدي المنتظر) والشيخ عبد الله حجّاج في (القول الفصل في المهدي المنتظر) والهيثمي في (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر) وعبد المعطي عبد المقصود في (المهدي المنتظر في الميزان) والشيخ ناصر الدين الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة) والمتّقي الهندي في (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان) والشيخ الأقسرائي في (تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان) والتهانوي في (الخطاب المليح في تحقيق المهدي والمسيح) ومحمد بن عبد العزيز المانع في (تحديق النظر بأخبار المنتظر) والكرمي الحنبلي في (فرائد فوائد الفكر في المهدي المنتظر) وأبو الأعلى المودودي في (البيانات) وغيرهم من القدماء والمتأخّرين من العلماء والمثقّفين ، نتركهم طلباً للاختصار.
هذا وإنّ روايات المهدي عن الرسول الأعظم قد رواها عدّة من أصحابه كعبد الرحمن بن عوف وأبي سعيد الخدري وقيس بن جابر وابن عباس وعبد الله بن مسعود وأمير المؤمنين علي وأبو هريرة وشوبان وسلمان الفارسي وأبو اُمامة وحذيفة وأنس بن مالك واُمّ سلمة وآخرون.
وقد وردت هذه الأحاديث في كتب أبناء العامّة ومحدّثيهم كأبي داود والترمذي وابن ماجة والحاكم والنسائي والطبراني والروايني وأبي نعيم الإصفهاني والديلمي والبيهقي والثعلبي والحمويني والمناوي وابن المغازلي وابن الجوزي ومحمد الصبان والماوردي والكنجي الشافعي والسمعاني والخوارزمي والشعراني والدارقطني وابن صباغ المالكي والشبلنجي ومحبّ الدين الطبري وابن حجر الهيثمي والشيخ منصور علي ناصف ومحمد بن طلحة وجلال الدين السيوطي والشيخ سليمان الحنفي والقرطبي والبغوي وآخرون[18].
فقضية الإمام المهدي وظهوره من الضروريات الدينية والإنسانية التي لا يمكن إنكارها في جميع الأديان والملل والنحل فضلا عن المسلمين والمذهب الإمامي الاثني عشري.
أجل : القول بظهور المهدي يعدّ من أهمّ المعتقدات الدينيّة ، فإنّه يظهر في آخر الزمان (وقد تواتر النقل فيه من طرق المؤالفين والمخالفين ، بحيث يقول بالمخلّص والمصلح والناحي في آخر الدهر اليهود والنصارى والمسلمون على اختلاف أسباطهم وفئاتهم ومذاهبهم وطوائفهم ، وقد اجتهد حملة الوحي في تأكيد ظهور قائم بالحقّ ، ثمّ وصفوا زمان ظهوره وذكروا علامات عهده ، وحدّدوا هويّته وصفاته ، بحيث مضى نبيّ إثر نبيّ يعد الناس ويبشّرهم به ، فالعقل مدعوّ ـ إذاً ـ لأن يفكّر برشد ويحكم بصواب . بعد أن وافقت أخبار وجود المهدي علامات واضحة تحقّق بعضها وما زال يتحقّق البعض الآخر تباعاً عبر العصور كما حدّدها لنا رسل الله ، وبعد أن واكبت غيبته ظواهر حدّدوها جليّة ، رأينا منها الكثير في زماننا ، وبعد أن سبقت يوم خروجه إنذارات تتوالى واحداً بعد واحد ، فإنّ أخبار وجوده وأخبار غيبته ودلائل عصر ظهوره تكوّن أعظم حصيلة للبرهنة على صدق الوعد به في سائر الرسالات السماويّة ، والتشكيك بأخبار وجوده وزمان ظهوره يكون تعمّداً لرفض كلّ شيء منقول ، وكفراً بكلّ نبيّ ورسول ، ولكن صدق تلك الأخبار لا يجعله الرفض باطلا ، لأنّ في اتّفاق أخباره التي رويت في فترات تفصل بينها آلاف وآلاف السنوات برهاناً قاطعاً على كونها وحياً لا يضرّه إنكار من ينكر الوحي ، ودليلا مقنعاً لا يوهنه من يخالف الدليل المقنع ... فالوعد بالمهدي قد صدع به اُولو العزم من الرسل ... والأخبار التي وردت بشأنه مرّت على أذهان جهابذة الفكر منذ حوالي ستّين قرناً ! وبقاؤها سليمة مسلّمة يوجب القطع بها ويفيد الجزم ، وللقدامى منّا الشكر إذ حافظوا على إيرادها كما هي ، ونقلوها نقلا أميناً بالرغم من أ نّها قد تناولتها ملايين الأقلام ...)[19].
(ولا أخال أحداً في الناس لا يتبنّى اليوم دعوة مثل هذا المصلح العظيم ، ولا يلقي بسمعه إلى ما يحدّثه عنه كمخلّص ، وعد الله به العالمين ليكون رحمة للعالمين ، وهدّد به الظالمين ، لأ نّه عذاب على الظالمين ، يبعثه الله ليضرب للناس مثلا أعلى في الحكم العدل) ...
فاليهودي ـ من أيّ سبط كان ـ ينتظر مجيء المسيح الذي يحقّق العدل المطلق على وجه الأرض في آخر الزمان . والمسيحي ـ من أيّ طائفة كان ـ ينتظر عودة المسيح المطهّر ، ليرسي قواعد العدل الأسمى على وجه البسيطة في آخر الزمان . والمسلم ـ إلى أيّ فرقة انتمى ـ ينتظر المهدي والمسيح يلتقيان في دولة حقّ وحكومة عدل مثاليّ في آخر الزمان ... فكلّ الأديان يعطون حكومة آخر الزمان المنتظرة أهميّتها القصوى ...)[20]
أمّا من وراء أهل الأديان ، فلا يبقى إلاّ المستهزئون وهؤلاء هم أيضاً لا يسعهم إلاّ الاعتراف بإفلاس الأنظمة الأرضيّة التي يزاولها الناس بشتّى أشكالها ، ويتشوّقون إلى قيام حكومة عدل ناجحة ، بعد التجارب الفاشلة التي كانت متعدّدة المظاهر والأسماء.
فالبشرية لا تنتهي إلى الاضمحلال والشرّ والفساد كما يعتقده بعض الغربيين ، بل الظلم والفساد الذي نعيشه إنّما هو الخلل المعنوي والروحي للإنسان ، وإنّه لا يزال يطوي مرحلة الشباب وعدم النضج العقلي الكامل ، ولا زال الغضب والشهوة تحكمان عقله ، ولكنّ الإنسان يتقدّم فطرياً في طريق التكامل الفكري والأخلاقي والمعنوي ، فهناك مستقبل مشرق وسعيد في انتظار البشرية حيث تجتثّ جذور الفساد والظلم ، ولا يكون صنع هذا المستقبل إلاّ على يد وليّ الله الأعظم الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).
وإنّ الانتصار النهائي إنّما هو للصلاح والتقوى والسلام والعدالة والحرية والصدق على الاستكبار والاستعباد والظلم والدجل والاختناق كما جاء به الرسل ، وقد قال الله سبحانه :
( لأغْلِبَنَّ أنا وَرُسُلي )[21].
وستكون الحكومة العالمية الواحدة الموحّدة ، بعد النضج العقلائي للبشر والتحرّر من أسر الغرائز المنحطّة ، وسيكون استثمار مواهب الأرض بصورة كاملة والمساواة بين البشر في توزيع الثروة ، ومحو شبح الفساد من زنا وربا وسرقة وشرب الخمور وخيانة وقتل وغير ذلك ، وتزول الحروب ويستقرّ السلام والأمن والحبّ والتعاون والانسجام بين الإنسان والطبيعة.
2 ـ القرآن الكريم فيه إشارات عديدة تبشّر بشكل عام بيوم موعود ينتصر فيه عباد الله الصالحون ويرثون حكومة الأرض العادلة حيث يظهر الدين الإسلامي على الدين كلّه . كما في قوله تعالى :
( وَلَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِباديَ الصَّالِحونَ )[22].
وقوله عزّ وجلّ :
( وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنوا مِنْكُمْ وَعَمِلوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأرْضِ كَما اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَُيمَكِنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمْناً يَعْبُدونَني لا يُشْرِكونِ بي شَيْئاً )[23].
وقوله سبحانه :
( وَنُريدُ أنْ نَمُنَّ عَلى الَّذينَ اسْتُضْعِفوا في الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثينَ )[24].
ومثل هذه الآيات وغيرها العشرات كما ورد في تأويلها عن أهل البيت(عليهم السلام)تبشّر المؤمنين بنصر الله المؤزّر ، وذلك بظهور الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان ، وأ نّه سيحلّ اليوم الذي يسود فيه الإسلام ربوع الأرض ، وستحلّ عبادة الله وحده محلّ الشرك والكفر والوثنيّة والنفاق ، وسينعم العالم الإنساني بعصر مزدهر وزمان مشرق مفعم بالإيمان والعدالة والحريّة والسلام ، على يدي منقذ البشرية وهاديها إلى شاطئ السلام وساحل الطمأنينة المهدي الموعود (عليه السلام).
( وَيَسْتَنْبِئونَكَ أحَقٌّ هُوَ قُلْ إي وَرَبِّي إنَّهُ لَحَقٌّ وَما أنْتُمْ بِمُعْجِزينَ )[25].
وإنّ أهل الحقّ لقليلون ، كما أخبر بذلك الرسول الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) : «ما هم في اُمّتي إلاّ كالشعرة البيضاء في الثور الأسود في الليل الغابر»[26].
فإمامنا المهدي المنتظر حيّ حجّة الله في الأرض بيمنه رُزق الورى وبوجوده ثبتت الأرض والسماء ، وإذا قيل : لِمَ لا يزال مغيّباً عنّا ، ما دام مدعوّاً للإصلاح في عصر فسد أهله ... وأيّ عصر أفسد من عصرنا ؟ ! وإذا قيل لِمَ لا يظهر فيقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما زال مرصوداً لهذه الغاية ؟ فالجواب : إنّ الله قد جعل لكلّ شيء قدراً ، وإنّ له أمراً هو بالغه ، ولا يعجل إلاّ من يخاف الفوت ... ولو استجاب الله لرغبة العباد لاضطرّ لأن يقيم القيامة وينصب الميزان ويحاسب الناس على أعمالهم فوراً ، ليؤمنوا بالبعث والحساب ، ولوجب أن يطلع الشمس قبل وقتها استجابةً لرغبة مسافر في فلاة يلفحه الصقيع ، أو أن ينزل المطر لمجرّد حاجة فلاّح مضطرّ لريّ أرضه ، ولصار لله في ملكه ألف شريك وشريك !
فالبديهي الذي يفترضه خروج المهدي (عليه السلام) ، هو أنّ الشروط لم تستكمل بعد ، وأنّ الدلالات التي حدّدها الله على لسان رسله ليوم نهضته المنتظرة لم تتمّ ... وليس من الضروري أن يجري قضاء الله وقدره بحسب رغبات الأفراد وأهوائهم ، إذ لو فتح مثل هذا الباب من الاعتراضات لجاز لي أن أقول : لمَ بُعث عيسى قبل محمّد ؟ ولماذا لا يحاسب الله الظالمين في دار الدنيا على مرأى ومسمع من المظلومين ؟ ولِمَ ؟ ولماذا ؟ وكيف لا ؟ فينفتح باب جدل لا طائل تحته . وقد قال الله وهو أصدق القائلين :
( مَنْ كانَ يَرْجو لِقاءَ اللهِ فَإنَّ أجَلَ اللهِ لآت )[27].
( وَلَقَدِ اسْتُهْزيءَ بِرُسُل مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذينَ سَخَروا مِنْهُمْ ما كانوا بِهِ يَسْتَهْزِئونَ )[28].
ثمّ ما أدراك أ نّه قد قيل : لِمَ غاب المهدي أساساً ؟ وما الفائدة منه أثناء غيبته ؟ مع أنّ القائل يعرف أنّ كلّ مناد بالحقّ يتوارى من وجه الظلم حتّى يُعدّ العدّة ويهيّئ نفسه ، فكيف بمن يتحيّن الفرصة لوثبة تهدف إلى قلب أنظمة الأرض بالطول والعرض ، وتقف في وجه هذه القوى الهائلة التي منها القنابل المدمّرة والصواريخ الموجّهة ؟ هذا إلى جانب أ نّه لا يخرج إلاّ بأمر من السماء ، في حين أنّ احتجابه عنّا لا يعني أ نّه لا يظهر لخاصّة من مواليه ، ولمن يلي اُموره وخدمته ـ من الأوتاد والأبدال ـ من التابعين الذين يكتمون سرّ الله ويحملون أمانة السماء ...
فليتعرّف الكلّ إلى هويّة هذا المنقذ[29].
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : إنّ حديثنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلاّ صدور منيرة ، أو قلوب سليمة ، أو أخلاق حسنة ، إنّ الله أخذ من شيعتنا الميثاق ، كما أخذ على بني آدم ( ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) ، فمن وفى لنا وفى الله له بالجنّة ، ومن أبغضنا ولم يؤدِّ إلينا حقّنا ففي النار خالداً مخلّداً»[30].
وقال الإمام الباقر (عليه السلام) ، لمّـا سُئل عن المهدي : «من أقرّ به فزيدوه ، ومن أنكر فذروه»[31].
[1]والرواية الشريفة تعني أ نّه من لم يعرف إمام زمانه فإنّه ينقطع من الإسلام ، ويرجع إلى الجاهلية.
والحديث نقله رواة الحديث من العامّة والشيعة.
فمن الشيعة : السيّد المرتضى علم الهدى المتوفّى سنة 436 في الذخيرة : 495 ، وأمين الإسلام فضل بن حسن الطبرسي المتوفّى 548 في إعلام الورى : 415 ، وعلي بن عيسى الإربلي المتوفّى 693 في كشف الغمّة 3 : 318 ، وعلي بن حسين بن عبد العالي المشهور بالمحقّق الكركي المتوفّى 940 في نفحات اللاهوت : 13 ، والشيخ بهاء الدين العاملي المشهور بالشيخ البهائي المتوفّى 1030 في الأربعين : 206 ، والفيض الكاشاني المتوفّى 1091 هـ في سفينة البحار 6 : 75 ، والشيخ الحرّ العاملي المتوفّى 1104 في وسائل الشيعة 16 : 246 ، والعلاّمة المجلسي المتوفّى 1110 في بحار الأنوار 8 : 368 و 32 : 321 و 51 : 160.
وأمّا عند علماء السنّة فمسلم بن حجّاج المتوفّى 241 في صحيحه 2 : 457 ، والقاضي عبد الجبّار المعتزلي المتوفّى 415 في المغني 1 : 116 ، ومحمد بن فتوح الحميدي المتوفّى 488 في الجمع بين الصحيحين 2 : 306 ، ومسعود بن عمر التفتازاني المتوفّى 791 في شرح المقاصد 5 : 239 ، وملاّ علي القاري في الجواهر المضيئة 2 : 509 ، وحافظ سليمان القندوزي المتوفّى 1294 في ينابيع المودّة 3 : 372.
والحديث الشريف نقل بتعابير اُخرى كقوله (صلى الله عليه وآله) : «من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية» ، نقل ذلك من الشيعة محمد بن علي شهرآشوب المتوفّى 588 ، ومن السنّة أبي سعيد الخادمي الحنفي المتوفّى 1198.
وكقوله : «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية» نقل ذلك من الشيعة الشيخ المفيد المتوفّى 413 في الاختصاص : 268 ، وابن عياش من أعلام القرن الثالث الهجري ، ومن السنّة أبي داود الطيالسي المتوفّى 204 في مسند الطيالسي : 259 ، وأحمد بن حنبل المتوفّى 241 في مسنده 4 : 94 ، وسليمان بن أحمد الطبراني المتوفّى 360 في المعجم الكبير 19 : 388 ، وابن أبي الحديد المعتزلي المتوفّى 656 في شرح نهج البلاغة 19 : 155 ، والمتّقي الهندي المتوفّى 975 في كنز العمّـال 1 : 103.
وكقوله : «من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية» نقله من الشيعة أحمد بن محمد البرقي المتوفّى 274 في المحاسن 1 : 252 ، ووالد الشيخ الصدوق المتوفّى 329 في الإمامة والتبصرة 1 : 377 ، والكليني المتوفّى 329 في اُصول الكافي 1 : 377 ، والشيخ الصدوق المتوفّى 381 في ثواب الأعمال : 205 ، وغيرهم ، ومن السنّة القندوزي صاحب ينابيع المودّة في مجمع الفوائد 2 : 259 وغيره.
وكقوله : «من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة الجاهلية».
وكقوله : «من مات وليس له إمام مات ميتة الجاهلية» ، نقله الفريقان.
كما هناك روايات بهذا المضمون انفرد بها العامّة ، كقوله : «من مات ولا بيعة عليه مات ميتة الجاهلية» ، «من مات وليس عليه طاعة مات ميتة الجاهلية» ، «من مات ولم يعرف إمام زمانه فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً».
ومجموع الروايات ما يقارب ثلاثون رواية عشرة منها اختصّ بها السنّة وثلاثة عشر من الشيعة وسبعة من السنّة والشيعة فالرواية متواترة معنىً كما صرّح بذلك الشيخ المفيد عليه الرحمة في الإفصاح : 28 كما يدلّ عليها صريح قوله تعالى : ( يَوْمَ نَدْعو كُلَّ اُناس بِإمامِهِمْ )(النساء : 41) كما صرّح بتواتر الحديث الشيخ البهائي والعلاّمة المجلسي كما قال بذلك القندوزي الحنفي والقاضي بهلول بهجت افندي وابن أبي الحديد المعتزلي والسيوطي والآلوسي في ذيل الآية الشريفة يدعى كلّ قوم بإمام زمانهم وغيرهم من علماء السنّة.
كما أنّ معرفة التوحيد إنّما هو بمعرفة الإمام كما يقول سيّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) : «معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته» عندما سئل عن التوحيد ومعرفة الله سبحانه كما جاء في علل الشرائع : 9 ، وبحار الأنوار 5 : 312 . والإمام السجّاد (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى : ( فِطْرَةَ اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) يقول : الفطرة أن لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليّ وليّ الله وإلى ههنا التوحيد كما جاء في التفسير القمي 2 : 155 ، وهذا يعني أنّ معرفة الإمام من صلب معرفة التوحيد فبالأئمة الأطهار (عليهم السلام)عرف الله.
وجاء في دعاء الغيبة : «اللهمّ عرّفني نفسك فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك ، اللهمّ عرّفني نبيّك فإنّك إن لم تعرّفني نبيّك لم أعرف حجّتك ، اللهمّ عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني ، اللهمّ لا تمتني ميتة الجاهلية» (اقتباس من مجلة «موعود» 1375 ، الصفحة 52 ، وراجع في ذلك كتاب منتخب الأثر وكتاب معجم أحاديث الإمام المهدي 2 : 246 وكتاب كمال الدين وإتمام النعمة).
[2]جاء ذلك في كتاب (من هو المهدي) ، الفصل التاسع ، وكذلك إثبات الهداة ، الجزء السادس ، وبحار الأنوار ، الجزء 51 ، وحوار حول المنقذ : 57 ، ومنتخب الأثر وكمال الدين للشيخ الصدوق ، ومن الكتب الكاملة في هذا الباب الذي طبع أخيراً كتاب (معجم أحاديث الإمام المهدي) تأليف ونشر مؤسسة المعارف الإسلامية وذلك في مجلدات عديدة ، فراجع.
[3]يذكر الشيخ الصدوق عليه الرحمة في كتابه القيّم (كمال الدين وتمام النعمة) باب 21 ، صفحة 201 ، العلّة التي من أجلها يحتاج إلى الإمام (عليه السلام) ، وفي الباب 23 حديثاً فراجع ، وكذلك الباب الذي بعده من أنّ الأرض لا تخلو من الحجّة وفيه 65 حديثاً ، وفيه حديث الثقلين من طرق عديدة.
[4]نهج البلاغة ، الكلمات القصار : 147.
[5]نهج البلاغة ، الخطبة 150.
[6]الخطبة 234.
[7]اُصول الكافي 1 : 333.
[8]المصدر : 369.
[9]المصدر : 368.
[10]المصدر : 373.
[11]لقد ذكرت تفصيل ذلك في رسالة (جلوة من ولاية أهل البيت) ، مطبوع ، فراجع.
[12]نقلت هذه الروايات من كتاب بحار الأنوار (الجزء 51) ، وهناك المئات في هذا المضمار والمضمون فراجع.
[13]صحيح الترمذي 9 : 74 ، وكتاب البيان في أخبار صاحب الزمان لمحمّد بن يوسف الشافعي.
[14]صحيح أبي داود (الجزء الثاني) ، البيان : 59 ، الصواعق المحرقة : 161.
[15]صحيح ابن ماجة 2 : 219.
[16]الكافي 1 : 183 ، وإلزام الناصب : 4 ، ويوم الخلاص : 21.
[17]الصواعق المحرقة : 161 ، ينابيع المودّة 2 : 117.
[18]حوارات حول المنقذ : 30 ، والسيّد مهدي الخرسان قد سجّل أسماء 72 عالماً من علماء أبناء العامة في مقدّمته على كتاب (البيان) طبعة النجف الأشرف.
[19]اقتباس من (يوم الخلاص) : 24.
[20]اقتباس من (يوم الخلاص) : 29.
[21]المجادلة : 21.
[22]الأنبياء : 105.
[23]النور : 55.
[24]القصص : 4.
[25]يونس : 53.
[26]عيون أخبار الرضا 2 : 130 . يوم الخلاص : 24.
[27]العنكبوت : 5.
[28]الأنعام : 10.
[29]يوم الخلاص : 30 ، بقلم كامل سليمان.
[30]الكافي 1 : 401 ، ينابيع المودّة 3 : 204 ، يوم الخلاص : 32.
[31]الكافي 1 : 370 ، وإلزام الناصب : 81.
![]() |
![]() |
![]() |