جامع البيان
إبن جرير الطبري ج 13

[ 1 ]
جامع البيان عن تأويل آي القرآن تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 ه‍. قدم له الشيخ الجليل الميسس ضبط وتوثيق وتخريج صدقي جميل العطار الجزء الثالث عشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
[ 2 ]
جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر 1415 ه‍ / 1995 م دار الفكر - بيروت - لبنان دار الفكر: حارة حريك - شارع عبد النور - برقيا: فكس - ص - ب 7061 / 11 تلفون: 838305 - 838202 فاكس: 009611 1 837898 دولي: 00961 1 860962 - دولي وفاكس: 4782308 - 212 - 001
[ 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: (وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم) يقول يوسف صلوات الله عليه: وما أبرئ نفسي من الخطأ والزلل فأزكيها. إن النفس لامارة بالسوء يقول: إن النفوس نفوس العباد تأمرهم بما تهواه وإن كان هواها في غير ما فيه رضا الله إلا ما رحم ربي يقول: إلا أن يرحم ربي من شاء من خلقه، فينجيه من اتباع هواها وطاعته فيما تأمره به من السوء. إن ربي غفور رحيم. وما في قوله: إلا ما رحم ربي في موضع نصب، وذلك أنه استثناء منقطع عما قبله، كقوله: ولا هم ينقذون إلا رحمة منا بمعنى: إلا أن يرحموا، وأن إذا كانت في معنى المصدر تضارع ما. ويعني بقوله: إن ربي غفور رحيم: أن الله ذو صفح عن ذنوب من تاب من ذنوبه، بتركه عقوبته عليها وفضيحته بها، رحيم به بعد توبته أن يعذبه عليها. وذكر أن يوسف قال هذا القول من أجل أن يوسف لما قال: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال ملك من الملائكة: ولا يوم هممت بها ؟ فقال يوسف حينئذ: وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء. وقد قيل: إن القائل ليوسف: ولا يوم هممت بها فحللت سراويلك ؟ هو امرأة العزيز، فأجابها يوسف بهذا الجواب. وقيل: إن يوسف قال ذلك ابتداء من قبل نفسه. ذكر من قال ذلك: 14850 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما جمع الملك النسوة، فسألهن: هل راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق... الآية، قال
[ 4 ]
يوسف: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال فقال له جبرائيل: ولا يوم هممت به هممت ؟ فقال: وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما جمع الملك النسوة، قال لهن: أنتن راودتن يوسف عن فسه ؟ ثم ذكر سائر الحديث، مثل حديث أبي كريب، عن وكيع. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عمرو، قال: أخبرنا إسرائيل عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما جمع الملك النسوة، قال: أنتن راودتن يوسف عن نفسه ؟ ثم ذكر نحوه غير أنه قال: فغمزه جبرائيل، فقال: ولا حين هممت بها ؟ فقال يوسف: وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء. 14851 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، قال: لما قال يوسف: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال جبرائيل، أو ملك: ولا يوم هممت بما هممت به ؟ فقال: وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء. حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير بنحوه، إلا أنه قال: قال له الملك: ولا حين هممت بها ؟ ولم يقل: أو جبرائيل، ثم ذكر سائر الحديث مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بشر وأحمد بن بشير، عن مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال: فقال له الملك، أو جبريل: ولا حين هممت بها ؟ فقال يوسف: وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء. 14852 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، قال: لما قال يوسف: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال له جبرائيل: ولا يوم هممت بما هممت به ؟ فقال: وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، بمثله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عمرو، قال: أخبرنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، مثل حديث ابن وكيع، عن محمد بن بشر وأحمد بن بشير سواء.
[ 5 ]
14853 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا العلاء بن عبد الجبار، وزيد بن حباب، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن الحسن: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال له جبرائيل: اذكر همك فقال: وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء. حدثنا الحسن، قال: ثنا عفان، قال: ثنا حماد، عن ثابت، عن الحسن: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال جبرائيل: يا يوسف اذكر همك قال: وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، في قوله: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال: هذا قول يوسف، قال: فقال له جبرائيل: ولا حين حللت سراويلك ؟ قال: فقال يوسف وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء... الآية. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، بنحوه. 14855 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ذكر لنا أن الملك الذي كان مع يوسف، قال له: اذكر ما هممت به قال نبي الله: وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: بلغني أن الملك قال له حين قال ما قال: أتذكر همك ؟ فقال: وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء إلا ما رحم ربي. 14856 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قوله: ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب قال الملك، وطعن في جنبه: يا يوسف، ولا حين هممت ؟ قال: فقال: وما أبرئ نفسي. ذكر من قال قائل ذلك له المرأة: 14857 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال: قاله يوسف حين جئ به ليعلم العزيز أنه لم يخنه بالغيب في أهله وأن الله لا يهدي كيد الخائنين فقالت امرأة العزيز: يا يوسف، ولا يوم حللت سراويلك ؟ فقال يوسف: وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء. ذكر من قال قائل ذلك يوسف لنفسه، من غير تذكير مذكر ذكره ولكنه تذكر ما كان سلف منه في ذلك.
[ 6 ]
14858 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين هو قول يوسف لمليكه حين أراه الله عذره، فذكره أنه قد هم بها وهمت به، فقال يوسف: وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء... الآية. القول في تأويل قوله تعالى: (وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين). يقول تعالى ذكره: وقال الملك، يعني ملك مصر الاكبر، وهو فيما ذكر ابن سحاق: الوليد بن الريان. 14859 - حدثنا بذلك ابن حميد، قال: ثنا سلمة عنه: حين تبين عذر يوسف، وعرف أمانته وعلمه، قال لاصحابه: ائتوني به أستخلصه لنفسي يقول: أجعله من خلصائي دون غيري. وقوله: فلما كلمه يقول: فلما كلم الملك يوسف، وعرف براءته وعظم أمانته، قال له: إنك يا يوسف لدينا مكين أمين أي متمكن مما أردت، وعرض لك من حاجة قبلنا، لرفعة مكانك ومنزلتك لدينا، أمين على ما اؤتمنت عليه من شئ. 14860 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: لما وجد الملك له عذرا، قال: ائتوني به أستخلصه لنفسي. 14861 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أستخلصه لنفسي يقول: أتخذه لنفسي. 14862 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل: قال اللك ائتوني به أستخلصه لنفسي قال: قال له الملك: إني أريد أن أخلصك لنفسي، غير أني آنف أن تأكل معي فقال يوسف: أنا أحق أن آنف، أنا ابن إسحاق أو أنا ابن إسماعيل، أبو جعفر شك، وفي كتابي: ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله.
[ 7 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل بنحوه، غير أنه قال: أنا ابن إبراهيم خليل الله ابن إسماعيل ذبيح الله. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: قال العزيز ليوسف: ما من شئ إلا وأنا أحب أن تشركني فيه، إلا أني أحب أن لا تشركني في أهلي، وأن لا يأكل معي عبدي قال: أتأنف أن آكل معك ؟ فأنا أحق أن آنف منك، أنا ابن إبراهيم خليل الله، وابن إسحاق الذبيح، وابن يعقوب الذي ابيضت عيناه من الحزن. 14863 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا سفيان بن عقبة، عن حمزة الزيات، عن ابن إسحاق، عن أبي ميسرة، قال: لما رأى العزيز لبق يوسف وكيسه وظرفه، دعاه فكان يتغدى ويتعشى معه دون غلمانه فلما كان بينه وبين المرأة ما كان، قالت له: تدني هذا ؟ مره فليتغد مع الغلمان قال له: اذهب فتغد مع الغلمان فقال له يوسف في وجهه: ترغب أن تأكل معي، أو تنكف ؟ أنا والله يوسف بن يعقوب نبي الله، ابن إسحاق ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله. القول في تأويل قوله تعالى: (قال اجعلني على خزائن الارض إني حفيظ عليم) يقول جل ثناؤه: قال يوسف للملك: اجعلني على خزائن أرضك، وهي جمع خزانة، والالف واللام دخلتا في الارض خلفا من الاضافة، كما قال الشاعر. والاحلام غير عوازب (2) وهذا من يوسف صلوات الله عليه مسألة منه للملك أن يوليه أمر طعام بلده وخراجها، والقيام بأسباب بلده، ففعل ذلك الملك به فيما بلغني. كما:
[ 8 ]
14864 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: اجعلني على خزائن الارض قال: كان لفرعون خزائن غير الطعام، قال: فأسلم سلطانه كله إليه، وجعل القضاء إليه، أمره وقضاؤه نافذ. 14865 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا إبراهيم بن المختار، عن شيبة الضبي، في قوله: اجعلني على خزائن الارض قال: على حفظ الطعام. وقوله: إني حفيظ عليم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله، فقال بعضهم: معنى ذلك: إني حفيظ لما استودعتني عليم بما وليتني. ذكر من قال ذلك: 14866 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: إني حفيظ عليم إني حافظ لما استودعتني، عالم بما وليتني. قال:: قد فعلت. 14867 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إني حفيظ عليم يقول: حفيظ لما وليت، عليم بأمره. 14868 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا إبراهيم بن المختار، عن شيبة الضبي في قوله: إني حفيظ عليم يقول: إني حفيظ لما استودعتني، عليم بسني المجاعة. وقال آخرون: إني حافظ للحساب، عليم بالالسن. ذكر من قال ذلك: 14869 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن الاشجعي: إني حفيظ عليم: حافظ للحساب، عليم بالالسن. وأولى القولين عندنا بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: إني حافظ لما استودعتني، عالم بما أوليتني، لان ذلك عقيب قوله: اجعلني على خزائن الارض ومسألته الملك استكفاءة خزائن الارض، فكان إعلامه بأن عنده خبرة في ذلك، وكفايته إياه، أشبه من إعلامه حفظه الحساب ومعرفته بالالسن. القول في تأويل قوله تعالى: (وكذلك مكنا ليوسف في الارض يتبوأ منها حيث يشآء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين) يقول تعالى ذكره: وهكذا وطأنا ليوسف في الارض، يعني أرض مصر. يتبوأ منها حيث يشاء يقول: يتخذ من أرض مصر منزلا حيث يشاء بعد الحبس والضيق. نصيب
[ 9 ]
برحمتنا من نشاء من خلقنا، كما أصبنا يوسف بها، فمكنا له في الارض بعد العبودة والاسار وبعد الالقاء في الجب. ولا نضيع أجر المحسنين يقول: ولا نبطل جزاء عمل من أحسن فأطاع ربه وعمل بما أمره وانتهى عما نهاه عنه، كما لم نبطل جزاء عمل يوسف إذ أحسن فأطاع الله. وكان تميكن الله ليوسف في الارض، كما: 14870 - حدثنا ابن حميد، ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما قال يوسف للملك: اجعلني على خزائن الارض إني حفيظ عليم قال الملك: قد فعلت فولاه فيما يذكرون عمل إطفير وعزل إطفير عما كان عليه، يقول الله: وكذلك مكنا ليوسف في الارض يتبوأ منها حيث يشاء... الآية. قال: فذكر لي والله أعلم أن إطفير هلك في تلك الليالي، وأن الملك الريان بن الوليد زوج يوسف امرأة إطفير راعيل، وأنها حين دخلت عليه قال: أليس هذا خير مما كنت تريدين ؟ قال: فيزعمون أنها قالت: أيها الصديق لا تلمني، فإني كنت امرأة كما ترى حسنا وجمالا، ناعمة في ملك ودنيا، وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنت كما جعلك الله في حسنك وهيئتك، فغلبتني نفسي على ما رأيت. فيزعمون أنه وجدها عذراء، فأصابها، فولدت له رجلين: إفراثيم بن يوسف، وميشا بن يوسف. 14871 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: وكذلك مكنا ليوسف في الارض يتبوأ منها حيث يشاء قال: استعمله الملك على مصر، وكان صاحب أمرها، وكان يلي البيع والتجارة وأمرها كله، فذلك قوله: وكذلك مكنا ليوسف في الارض يتبوأ منها حيث يشاء. 14872 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يتبوأ منها حيث يشاء قال: ملكناه فيما يكون فيها حيث يشاء من تلك الدنيا، يصنع فيها ما يشاء، فوضت إليه. قال: ولو شاء أن يجعل فرعون من تحت يديه، ويجعله فوقه لفعل. 14873 - حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو، قال: أخبرنا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن مجاهد، قال: أسلم الملك الذي كان معه يوسف. القول في تأويل قوله تعالى: (ولاجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون). يقول تعالى ذكره: ولثواب الله في الآخرة خير للذين آمنوا يقول: للذين صدقوا الله
[ 10 ]
ورسوله مما أعطى يوسف في الدنيا من تمكينه له في أرض مصر. وكانوا يتقون يقول: وكانوا يتقون الله فيخافون عقابه في خلاف أمره واستحلال محارمه، فيطيعونه في أمره ونهيه. القول في تأويل قوله تعالى: (وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون). يقول تعالى ذكره: وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم يوسف، وهم ليوسف منكرون لا يعرفونه. وكان سبب مجيئهم يوسف فيما ذكر لي، كما: 14874 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما اطمأن يوسف في ملكه، وخرج من البلاء الذي كان فيه، وخلت السنون المخصبة التي كان أمرهم بالاعداد فيها للسنين التي أخبرهم بها أنها كائنة، جهد الناس في كل وجه، وضربوا إلى مصر يلتمسون بها الميرة من كل بلدة. وكان يوسف حين رأى ما أصاب الناس من الجهد، قد أسا بينهم، وكان لا يحمل للرجل إلا بعيرا واحدا، ولا يحمل للرجل الواحد بعيرين، تقسيطا بين الناس، وتوسيعا عليهم، فقدم إخوته فيمن قدم عليه من الناس يلتمسون الميرة من مصر، فعرفهم وهم له منكرون، لما أراد الله أن يبلغ ليوسف عليه السلام ما أراد. 14875 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: أصاب الناس الجوع، حتى أصاب بلاد يعقوب التي هو بها، فبعث بنيه إلى مصر، وأمسك أخا يوسف بنيامين فلما دخلوا على يوسف عرفهم وهم له منكرون فلما نظر إليهم، قال: أخبروني ما أمركم، فإني أنكر شأنكم قالوا: نحن قوم من أرض الشأم. قال: فما جاء بكم ؟ جئنا نمتار طعاما. قال: كذبتم، أنتم عيون كم أنتم ؟ قالوا: عشرة. قال: أنتم عشرة آلاف، كل رجل منكم أمير ألف، فأخبروني خبركم قالوا: إنا إخوة بنو رجل صديق، وإنا كنا اثني عشر، وكان أبونا يحب أخا لنا، وإنه ذهب معنا البرية فهلك منا فيها، وكان أحبنا إلى أبينا. قال: فإلى من سكن أبوكم بعده ؟ قالوا: إلى أخ لنا أصغر منه. قال: فكيف تخبروني أن أباكم صديق وهو يحب الصغير منكم دون الكبير ؟ ائتوني بأخيكم هذا حتى أنظر إليه فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون قال: فضعوا بعضكم رهينة حتى ترجعوا فوضعوا شمعون.
[ 11 ]
14876 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وهم له منكرون قال: لا يعرفونه. القول في تأويل قوله تعالى: (ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين) يقول: ولما حمل يوسف لاخوته أبا عرهم من الطعام، فأوقر لكل رجل منهم بعيره، قال لهم: ائتوني بأخ لكم من أبيكم كيما أحمل لكم بعيرا آخر فتزدادوا به حمل بعير آخر. ألا ترون أني أوفي الكيل فلا أبخسه أحدا وأنا خير المنزلين، وأنا خير من أنزل ضيفا على نفسه من الناس بهذه البلدة، فأنا أضيفكم. كما: 14877 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وأنا خير المنزلين يوسف يقول: أنا خير من يضيف بمصر. 14878 - حدثني ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما جهز يوسف فيمن جهز من الناس، حمل لكل رجل منهم بعيرا بعدتهم، ثم قال لهم: ائتوني بأخ لكم من أبيكم أجعل لكم بعيرا آخر، أو كما قال. ألا ترون أني أوفي الكيل: أي لا أبخس الناس شيئا، وأنا خير المنزلين: أي خير لكم من غيري، فإنكم إن أتيتم به أكرمت منزلتكم وأحسنت إليكم، وازددتم به بعيرا مع عدتكم، فإني لا أعطي لكم كل رجل منكم إلا بعيرا. فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون لا تقربوا بلدي. 14879 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ائتوني بأخ لكم من أبيكم يعني بنيامين، وهو أخو يوسف لابيه وأمه. القول في تأويل قوله تعالى: (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون). يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل يوسف لاخوته: فإن لم تأتوني به بأخيكم من أبيكم، فلا كيل لكم عندي يقول: فليس لكم عندي طعام أكيله لكم، ولا تقربون يقول: ولا تقربوا بلادي.
[ 12 ]
وقوله: ولا تقربون في موضع جزم بالنهي، والنون في موضع نصب، وكسرت لما حذفت ياؤها، والكلام: ولا تقربوني. القول في تأويل قوله تعالى: (قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون ئ وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون) يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف ليوسف إذ قال لهم: ائتوني بأخ لكم من أبيكم، قالوا سنراود عنه أباه ونسأله أن يخليه معنا حتى نجئ به إليك، وإنا لفاعلون يعنون بذلك: وإنا لفاعلون ما قلنا لك أنا نفعله من مراودة أبينا عن أخينا منه ولنجتهدن. كما: 14880 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وإنا لفاعلون لنجتهدن. وقوله: وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم يقول تعالى ذكره: وقال يوسف لفتيانه، وهم غلمانه. كما: 14881 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وقال لفتيانه أي لغلمانه: اجعلوا بضاعتهم في رحالهم يقول: اجعلوا أثمان الطعام الذي أخذتموها منهم في رحالهم. والرحال: جمع رحل، وذلك جمع الكثير، فأما القليل من الجمع منه فهو أرحل، وذلك جمع ما بين الثلاثة إلى العشرة. وبنحو الذي قلنا في معنى البضاعة قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 14882 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: اجعلوا بضاعتهم في رحالهم: أي أوراقهم. 14883 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم أمر ببضاعتهم التي أعطاهم بها ما أعطاهم من الطعام، فجعلت في رحالهم وهم لا يعلمون.
[ 13 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: وقال لفتيته وهو يكيل لهم: اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون إلي. فإن قال قائل: ولاية علة أمر يوسف فتيانه أن يجعلوا بضاعة إخوته في رحالهم ؟ قيل: يحتمل ذلك أوجها: أحدها: أن يكون خشي أن لا يكون عند أبيه دراهم، إذ كانت السنة سنة جدب وقحط، فيضر أخذ ذلك منهم به، وأحب أن يرجع إليه. أو أراد أن يتسع بها أبوه وإخوته مع حاجتهم إليه، فرده عليهم من حيث لا يعلمون سبب رده تكرما وتفضلا، والثالث: وهو أن يكون أراد بذلك أن لا يخلفوه الوعد في الرجوع، إذا وجدوا في رحالهم ثمن طعام قد قبضوه وملكه عليهم غيرهم عوضا من طعامهم، ويتحرجوا من إمساكهم ثمن طعام قد قبضوه حتى يؤدوه على صاحبه، فيكون ذلك أدعى لهم إلى العود إليه. القول في تأويل قوله تعالى: (فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يأبانا منع منا الكيل فأرسل معنآ أخانا نكتل وإنا له لحافظون) يقول تعالى ذكره: فلما رجع إخوة يوسف إلى أبيهم، قالوا: يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل يقول: منع منا الكيل فوق الكيل الذي كيل لنا، ولم يكل لكل رجل منا إلا كيل بعير، فأرسل معنا أخانا بنيامين يكتل لنفسه كيل بعير آخر زيادة على كيل أباعرنا. وإنا لحافظون من أن يناله مكروه في سفره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 14885 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا: يا أبانا إن ملك مصر أكرمنا كرامة ما لو كان رجل من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته، وإنه ارتهن شمعون، وقال: ائتوني بأخيكم هذا الذي عكف عليه أبوكم بعد أخيكم الذي هلك، فإن لم تأتوني به فلا تقربوا بلادي. قال يعقوب: هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين قال: فقال لهم يعقوب: إذا أتيتم ملك مصر فاقرئوه مني السلام، وقولوا: إن أبانا يصلي عليك، ويدعو لك بما أوليتنا.
[ 14 ]
14886 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: خرجوا حتى قدموا على أبيهم، وكان منزلهم فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالعربات من أرض فلسطين بغور الشام. وبعض يقول: بالاولاج من ناحية الشعب أسفل من حسمى، وكان صاحب بادية له شاء وإبل، فقالوا: يا أبانا قدمنا على خير رجل أنزلنا فأكرم منزلنا وكال لنا فأوفانا ولم يبخسنا، وقد أمرنا أن نأتيه بأخ لنا من أبينا، وقال: إن أنتم لم تفعلوا فلا تقربني ولا تدخلن بلدي فقال لهم يعقوب: هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين. واختلفت القراء في قراءة قوله: نكتل، فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة وبعض أهل مكة والكوفة نكتل بالنون، بمعنى: نكتل نحن وهو. وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة: يكتل بالياء، بمعنى يكتل هو لنفسه كما نكتال لانفسنا. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب. وذلك أنهم إنما أخبروا أباهم أنه منع منهم زيادة الكيل على عدد رؤوسهم، فقالوا: يا أبانا منع منا الكيل ثم سألوه أن يرسل معهم أخاهم ليكتال لنفسه، فهو إذا اكتال لنفسه واكتالوا هم لانفسهم، فقد دخل الاخ في عددهم. فسواء كان الخبر بذلك عن خاصة نفسه، أو عن جميعهم بلفظ الجميع، إذ كان مفهوما معنى الكلام وما أريد به. القول في تأويل قوله تعالى: (قال هل آمنكم عليه إلا كمآ أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين) يقول تعالى ذكره: قال أبوهم يعقوب: هل آمنكم على أخيكم من أبيكم الذي تسألوني أن أرسله معكم إلا كما أمنتكم على أخيه يوسف من قبل ؟ يقول: من قبله.
[ 15 ]
واختلفت القراء في قراءة قوله: فالله خير حافظا فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة وبعض الكوفيين والبصريين: فالله خير حفظا بمعنى: والله خيركم حفظا. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين وبعض أهل مكة: فالله خير حافظا بالالف على توجيه الحافظ إلى أنه تفسير للخير، كما يقال: هو خير رجلا، والمعنى: فالله خيركم حافظا، ثم حذفت الكاف والميم. و الصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى قد قرأ بكل واحدة منهما أهل علم بالقرآن. فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وذلك أن من وصف الله بأنه خيرهم حفظا فقد وصفه بأنه خيرهم حافظا، ومن وصفه بأنه خيرهم حافظا فقد وصفه بأنه خيرهم حفظا. وهو أرحم الراحمين يقول: والله أرحم راحم بخلقه، يرحم صعفي على كبر سني، ووحدتي بفقد ولدي، فلا يضيعه، ولكنه يحفظه حتى يرده علي لرحمته. القول في تأويل قوله تعالى: (ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يأبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير) يقول تعالى ذكره: ولما فتح إخوة يوسف متاعهم الذي حملوه من مصر من عند يوسف، وجدوا بضاعتهم، وذلك ثمن الطعام الذي اكتالوه منه ردت إليهم. قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا يعني أنهم قالوا لابيهم: ماذا نبغي ؟ هذه بضاعتنا ردت إلينا تطييبا منهم لنفسه بما صنع بهم في رد بضاعتهم إليه. وإذا وجه الكلام إلى هذا المعنى كانت ما استفهاما في موضع نصب بقوله: نبغي. وإلى هذا التأويل كان يوجهه قتادة. 14887 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ما نبغي يقول: ما نبغي وراء هذا، إن بضاعتنا ردت إلينا، وقد أوفى لنا الكيل. وقوله: ونمير أهلنا يقول: ونطلب لاهلنا طعاما فنشتريه لهم، يقال منه: مار فلان أهله يميرهم ميرا، ومنه قول الشاعر:
[ 16 ]
بعثتك مائرا فمكثت حولا * متى يأتي غياثك من تغيث (1) ونحفظ أخانا الذي ترسله معنا ونزداد كيل بعير يقول: ونزداد على أحمالنا من الطعام حمل بعير يكال لنا ما حمل بعير آخر من إبلنا، ذلك كيل يسير يقول: هذا حمل يسير. كما: 14888 - حدثني الحارث، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج: ونزداد كيل بعير قال: كان لكل رجل منهم حمل بعير، فقالوا: أرسل معنا أخانا نزداد حمل بعير. وقال ابن جريج: قال مجاهد: كيل بعير حمل حمار. قال: وهي لغة. قال القاسم: يعني مجاهد: أن الحمار يقال له في بعض اللغات: بعير. 14889 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: و نزداد كيل بعير يقول: حمل بعير. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ونزداد كيل بعير نعد به بعيرا مع إبلنا ذلك كيل يسير. القول في تأويل قوله تعالى: (قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلمآ آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل) يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه: لن أرسل أخاكم معكم إلى ملك مصر حتى توتون موثقا من الله يقول: حتى تعطون مؤثقا من الله، بمعنى الميثاق، وهو ما يوثق به من يمين وعهد، لتأتنني به يقول لتأتنني: بأخيكم، إلا أن يحاط بكم يقول: إلا أن يحيط بجميعكم ما لا تقدرون معه على أن تأتوني به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فلما آتوه موثقهم قال: عهدهم.
[ 17 ]
حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إلا أن يحاط بكم: إلا أن تهلكوا جميعا. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. قال: وحدثنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: إلا أن يحاط بكم قال: إلا أن تغلبوا حتى لا تطيقوا ذلك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قوله: إلا أن يحاط بكم: إلا أن يصيبكم أمر يذهب بكم جميعا، فيكون ذلك عذرا لكم عندي. وقوله: فلما آتوه موثقهم يقول: فلما أعطوه عهودهم، قال يعقوب: الله على ما نقول أنا وأنتم وكيل يقول: هو شهيد علينا بالوفاء بما نقول جميعا. القول في تأويل قوله تعالى: (وقال يبني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شئ إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون) يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه لما أرادوا الخروج من عنده إلى مصر ليمتاروا الطعام: يا بني لا تدخلوا مصر من طريق واحد، وادخلوا من أبواب متفرقة وذكر أنه قال ذلك لهم، لانهم كانوا رجالا لهم جمال وهيبة، فخاف عليهم العين إذا دخلوا جماعة من طريق واحد وهم ولد رجل واحد، فأمرهم أن يفترقوا في الدخول إليها. كما: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك: لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة قال: خاف عليهم العين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا بني لا تدخلوا من باب واحد خشي نبي الله (ص) العين على بنيه كانوا ذوي صورة وجمال.
[ 18 ]
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وادخلوا من أبواب متفرقة قال: كانوا قد أوتوا صورة وجمالا، فخشي عليهم أنفس الناس. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة قال: رهب يعقوب عليه السلام عليهم العين. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لا تدخلوا من باب واحد خشي يعقوب على ولده العين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن الحباب، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب: لا تدخلوا من باب واحد قال: خشي عليهم العين. قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: خاف يعقوب (ص) على بنيه العين، فقال: يا بني لا تدخلوا من باب واحد فيقال: هؤلاء لرجل واحد، ولكن ادخلوا من أبواب متفرقة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما أجمعوا الخروج، يعني ولد يعقوب، قال يعقوب: يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة خشي عليهم أعين الناس لهيبتهم، وأنهم لرجل واحد. وقوله: وما أغني عنكم من الله من شئ يقول: وما أقدر أن أدفع عنكم من قضاء الله الذي قد قضاه عليكم من شئ صغير ولا كبير، لان قضاءه نافذ في خلقه. إن الحكم إلا لله يقول: ما القضاء والحكم إلا لله دون ما سواه من الاشياء، فإنه يحكم في خلقه بما يشاء، فينفذ فيهم حكمه، ويقضي فيهم ولا يرد قضاؤه. عليه توكلت يقول: على الله توكلت، فوثقت به فيكم، وفي حفظكم علي حتى يردكم إلى وأنتم سالمون معافون، لا على دخولكم مصر إذا دخلتموها من أبواب متفرقة. وعليه فليتوكل المتوكلون يقول: وإلى الله فليفوض أمورهم المفوضون. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 19 ]
(ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شئ إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون) يقول تعالى ذكره: ولما دخل ولد يعقوب من حيث أمرهم أبوهم وذلك دخولهم مصر من أبواب متفرقة. ما كان يغني دخولهم إياها كذلك عنهم من قضاء الله الذي قضاه فيهم فحتمه، من شئ إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها إلا أنهم قضوا وطرا ليعقوب بدخولهم لا من طريق واحد خوفا من العين عليهم، فاطمأنت نفسه أن يكونوا أوتوا من قبل ذلك أو نالهم من أجله مكروه. كما: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها خيفة العين على بنيه. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها قال: خشية العين عليهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قوله: إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها قال: ما تخوف على بنيه من أعين الناس لهيبتهم وعدتهم. وقوله: وإنه لذو علم لما علمناه يقول تعالى ذكره: وإن يعقوب لذو علم لتعليمنا إياه. وقيل: معناه وإنه لذو حفظ لما استودعنا صدره من العلم. واختلف عن قتادة في ذلك: فحدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإنه لذو علم لما علمناه: أي مما علمناه. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن أبي عروبة عن قتادة: وإنه لذو علم لما علمناه قال: إنه لعامل بما علم.
[ 20 ]
قال: المثنى، قال إسحاق، قال عبد الله، قال سفيان: إنه لذو علم مما علمناه، وقال: من لا يعمل لا يكون عالما. ولكن أكثر الناس لا يعلمون يقول جل ثناؤه: ولكن كثيرا من الناس غير يعقوب، لا يعلمون ما يعلمه، لانا حرمناه ذلك فلم يعلمه. القول في تأويل قوله تعالى: (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون) يقول تعالى ذكره: ولما دخل ولد يعقوب على يوسف، آوى إليه أخاه يقول: ضم إليه أخاه لابيه وأمه، وكل أخوه لابيه. كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال: عرف أخاه، فأنزلهم منزلا، وأجرى عليهم الطعام والشراب فلما كان الليل جاءهم بمثل، فقال: لينم كل أخوين منكم على مثال فلما بقي الغلام وحده، قال يوسف: هذا ينام معي على فراشي. فبات معه، فجعل يوسف يشم ريحه، ويضمه إليه حتى أصبح، وجعل روبيل يقول: ما رأينا مثل هذا، أريحونا منه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما دخلوا، يعني ولد يعقوب على يوسف، قالوا: هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به، قد جئناك به ! فذكر لي أنه قال لهم: قد أحسنتم وأصبتم، وستجدون ذلك عندي، أو كما قال. ثم قال: إني أراكم رجالا، وقد أردت أن أكرمكم، ودعا ضافته، فقال: أنزل كل رجلين على حدة، ثم أكرمهما وأحسن ضيافتهما ثم قال: إني أرى هذا الرجل الذي جئتم به ليس معه ثان، فسأضمه إلي، فيكون منزله معي. فأنزلهم رجلين رجلين في منازل شتى، وأنزل أخاه معه، فآواه إليه، فلما خلا به قال إني أنا أخوك أنا يوسف فلا تبتئس بشئ فعلوه بنا فيما مضى، فإن الله قد أحسن إلينا، ولا تعلمهم شيئا مما أعلمتك. يقول الله: ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا فلا تبتئس بما كانوا يعملون.
[ 21 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه ضمه إليه وأنزله، وهو بنيامين. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه، يقول، وسئل عن قول يوسف: ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون كيف أجابه حين أخذ بالصواع، وقد كان أخبره أنه أخوه وأنتم تزعمون أنه لم يزل متنكرا لهم يكايدهم، حتى رجعوا، فقال: إنه لم يعترف له بالنسبة، ولكنه قال: أنا أخوك مكان أخيك الهالك، فلا تبتئس بما كانوا يعملون يقول: لا يحزنك مكانه. وقوله: فلا تبتئس يقول: فلا تستكن ولا تحزن، وهو: فلا تفتعل من البؤس، يقال منه: ابتأس يبتئس ابتئاسا. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فلا تبتئس يقول: فلا تحزن، ولا تيأس. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد، قال: سمعت وهب بن منبه يقول: فلا تبتئس يقول: لا يحزنك مكانه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: فلا تبتئس بما كانوا يعملون يقول: لا تحزن على ما كانوا يعملون. فتأويل الكلام إذن: فلا تحزن ولا تستكن لشئ سلف من إخوتك إليك في نفسك وفي أخيك من أمك، وما كانوا يفعلون قبل اليوم بك. القول في تأويل قوله تعالى: (فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون) يقول: ولما حمل يوسف إبل إخوته ما حملها من الميرة وقضى حاجتهم، كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فلما جهزهم بجهازهم يقول: لما قضى لهم حاجتهم ووفاهم كيلهم.
[ 22 ]
وقوله: جعل السقاية في رحل أخيه يقول: جعل الاناء الذي يكيل به الطعام في رحل أخيه. والسقاية: هي المشربة، وهي الاناء الذي كان يشرب فيه الملك ويكيل به الطعام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان، قال: ثنا عبد الواحد، عن يونس، عن الحسن أنه كان يقول: الصواع والسقاية سواء، هو الاناء الذي يشرب فيه. قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: السقاية والصواع شئ واحد، كان يشرب فيه يوسف. قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: السقاية الصواع الذي يشرب فيه يوسف. حدثنا محمد بن الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: جعل السقاية قال: مشربة الملك. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: السقاية في رحل أخيه وهو إناء الملك الذي كان يشرب فيه. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وهي السقاية التي كان يشرب فيها الملك يعني مكوكه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: جعل السقاية وقوله: صواع الملك قال: هما شئ واحد، السقاية والصواع شئ واحد يشرب فيه يوسف. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: جعل السقاية في رحل أخيه: هو الاناء الذي كان يشرب فيه الملك. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: جعل السقاية في رحل أخيه قال: السقاية: هو الصواع، وكان كأسا من ذهب فيما يذكرون.
[ 23 ]
قوله: في رحل أخيه فإنه يعني: في متاع أخيه ابن أمه وأبيه وهو بنيامين، وكذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: في رحل أخيه: أي في متاع أخيه. وقوله: ثم أذن مؤذن يقول: ثم نادى مناد، وقيل: أعلم معلم، أيتها العير: وهي القافلة فيها الاحمال إنكم لسارقون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه والاخ لا يشعر، فلما ارتحلوا أذن مؤذن قبل أن ترتحل العير: إنكم لسارقون. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم جهزهم بجهازهم، وأكرمهم وأعطاهم وأوفاهم، وحمل لهم بعيرا بعيرا، وحمل لاخيه بعيرا باسمه كما حمل لهم، ثم أمر بسقاية الملك، وهو الصواع، وزعموا أنها كانت من فضة، فجعلت في رحل أخيه بنيامين. ثم أمهلهم حتى إذا انطلقوا وأمعنوا من القرية، أمر بهم فأدركوا، فاحتبسوا، ثم نادى مناد: أيتها العير إنكم لسارقون قفوا وانتهى إليهم رسوله، فقال لهم فيما يذكرون: ألم نكرم ضيافتكم، ونوفكم كيلكم، ونحسن منزلتكم، ونفعل بكم ما لم نفعل بغيركم، وأدخلناكم علينا في بيوتنا ومنازلنا ؟ أو كما قال لهم، قالوا: بلى، وما ذاك ؟ قال: سقاية الملك فقدناها، ولا نتهم عليها غيركم. قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين. وقوله: أيتها العير قد بينا فيما مضى معنى العير، وهو جمع لا واحد له من لفظه. وحكي عن مجاهد أن عير بني يعقوب كانت حميرا. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد: أيتها العير قال: كانت حميرا. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان، قال: ثني رجل، عن
[ 24 ]
مجاهد، في قوله: أيتها العير إنكم لسارقون قال: كانت العير حميرا. القول في تأويل قوله تعالى: (قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون ئ قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم). يقول تعالى ذكره: قال بنو يعقوب لما نودوا: أيتها العير إنكم لسارقون وأقبلوا على المنادي ومن بحضرتهم يقولون لهم: ماذا تفدون ما الذي تفقدون ؟ قالوا نفقد صواع الملك يقول: فقال لهم القوم: نفقد مشربة الملك. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فذكر عن أبي هريرة أنه قرأ: صاع الملك بغير واو، كأنه وجهه إلى الصاع الذي يكال به الطعام. وروي عن أبي رجاء أنه قرأه: صوع الملك. وروي عن يحيى بن يعمر أنه قرأه: صوغ الملك بالغين، كأنه وجهه إلى أنه مصدر، من قولهم صاغ يصوغ صوغا. وأما الذي عليه قراء الامصار: فصواع الملك، وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها لاجماع الحجة عليها. والصواع: هو الاناء الذي كان يوسف يكيل به الطعام، وكذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذا الحرف: صواع الملك قال: كهيئة المكوك. قال: وكان للعباس مثله في الجاهلية يشرب فيه. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: صواع الملك قال: كان من فضة مثل المكوك. وكان للعباس منها واحد في الجاهلية. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع. قال: ثنا أبي. عن شريك، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: قالوا نفقد صواع الملك قال: كان من فضة. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، أنه قرأ: صواع الملك قال وكان إناءه الذي يشرب فيه، وكان إلى الطول ما هو.
[ 25 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا سويد بن عمرو، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: صواع الملك قال: المكوك الفارسي. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، قال: صواع الملك قال: هو المكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه، كانت تشرب فيه الاعاجم. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: صواع الملك قال: إناء الملك الذي كان يشرب فيه. حدثنا الحسين بن محمد، قال: ثنا يحيى: يعني ابن عباد، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: قال: صواع الملك: مكوك من فضة يشربون فيه. وكان للعباس واحد في الجاهلية. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: صواع الملك: إناء الملك الذي يشرب فيه. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: صواع الملك قال: هو المكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: الصواع: كان يشرب فيه يوسف. حدثنا محمد بن معمر البحراني، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثنا صدقة بن عباد، عن أبيه عن ابن عباس: صواع الملك قال: كان من نحاس. وقوله: ولمن جاء به حمل بعير يقول: ولمن جاء بالصواع حمل بعير من الطعام. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولمن جاء به حمل بعير يقول: وقر بعير.
[ 26 ]
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى: حمل بعير قال: حمل طعام وهي لغة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: وحدثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: حمل بعير قال: حمل طعام، وهي لغة. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: قوله حمل بعير قال: حمل حمار. وقوله: وأنا به زعيم يقول: وأنا بأن أوفيه حمل بعير من الطعام إذا جاءني بصواع الملك كفيل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وأنا به زعيم يقول: كفيل. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وأنا به زعيم الزعيم: هو المؤذن الذي قال: أيتها العير. [ ق ] حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بكر وأبو خالد الاحمر، عن ابن جريج، قال: بلغني عن مجاهد، ثم ذكر نحوه. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا
[ 27 ]
عبد الواحد بن زياد، عن ورقاء بن إياس، عن سعيد بن جبير: وأنا به زعيم قال: كفيل. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأنا به زعيم: أي وأنا به كفيل. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وأنا به زعيم قال: كفيل. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد الاحمر، عن جويبر، عن الضحاك: وأنا به زعيم قال كفيل. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك، فذكر مثله. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد: وأنا به زعيم قال كفيل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال لهم الرسول: إنه من جاءنا به فله حمل بعير وأنا به كفيل بذلك حتى أؤديه إليه. ومن الزعيم الذي بمعنى الكفيل قول الشاعر: فلست بآمر فيها بسلم ولكني على نفسي زعيم وأصل الزعيم في كلام العرب: القائم بأمر القوم، وكذلك الكفيل والحميل، ولذلك قيل: رئيس القوم زعيمهم ومدبرهم، يقال منه: قد زعم فلان زعامة وزعاما ومنه قول ليلى الاخيلية:
[ 28 ]
حتى إذا برز اللواء رأيته تحت اللواء على الخميس زعيما القول في تأويل قوله تعالى: * (قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين) * يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف: تالله يعني: والله. وهذه التاء في تالله إنما هي واو قلبت تاء كما فعل ذلك في التورية وهي من وريت، والتراث وهي من ورثت، والتخمة وهي من الوخامة قلبت الواو في ذلك كله تاء. والواو في هذه الحروف كلها من الاسماء، وليست كذلك في تالله، لانها إنما هي واو القسم، وإنما جعلت تاء لكثرة ما جرى على ألسن العرب في الايمان في قولهم والله، فخصت في هذه الكلمة بأن قلبت تاء. ومن قال ذلك في اسم الله، فقال: تالله لم يقل تالرحمن وتالرحيم، ولا مع شئ من أسماء الله، ولا مع شئ مما يقسم به، ولا يقال ذلك إلا في تالله وحده. وقوله: لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض يقول: لقد علمتم ما جئنا لنعصى الله في أرضكم، كذلك كان يقول جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، في قوله: قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض يقول: ما جئنا لنعصى في الارض. فإن قال قائل: وكان علم من قيل له لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض بأنهم لم يجيئوا لذلك حتى استجاز قائلو ذلك أن يقولوه ؟ قيل: استجازوا أن يقولوا ذلك لانهم فيما ذكر ردوا البضاعة التي وجدوها في رحالهم، فقالوا: لو كنا سراقا لم نرد عليكم البضاعة التي وجدوناها في رحالنا. وقيل: إنهم كانوا قد عرفوا في طريقهم ومسيرهم أنهم لا يظلمون
[ 29 ]
أحدا ولا يتناولون ما ليس لهم، فقالوا ذلك حين قيل لهم: إنكم لسارقون. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين) * يقول تعالى ذكره: قال أصحاب يوسف لاخوته: فما ثواب السرق إن كنتم كاذبين في قولكم ما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه. يقول جل ثناؤه: وقال إخوة يوسف: ثواب السرق من وجد في متاعه السرق فهو جزاؤه، يقول: فالذي وجد ذلك في رحله ثوابه بأن يسلم بسرقته إلى من سرق منه حتى يسترقه. كذلك نجزي الظالمين يقول: كذلك نفعل بمن ظلم ففعل ما ليس له فعله من أخذه مال غيره سرقا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فهو جزاؤه أي سلم به، كذلك نجزي الظالمين: أي كذلك نصنع بمن سرق منا. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، قال: بلغنا في قوله: قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين أخبروا يوسف بما يحكم في بلادهم أنه من سرق أخذ عبدا، فقالوا: جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه تأخذونه فهو لكم. ومعنى الكلام: قالوا: ثواب السرق الموجود في رحله، كأنه قيل: ثوابه استرقاق الموجود في رحله، ثم حذف استرقاق، إذ كان معروفا معناه، ثم ابتدئ الكلام فقيل: هو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين. وقد يحتمل وجها آخر: أن يكون معناه: قالوا ثواب السرق الذي يوجد السرق في رحله، فالسارق جزاؤه. فيكون جزاؤه الاول مرفوعا بجملة الخبر بعده، ويكون مرفوعا بالعائد من ذكره في هو، وهو رافع جزاؤه الثاني.
[ 30 ]
ويحتمل وجها ثالثا: وهو أن تكون من جزائية، وتكون مرفوعة بالعائد من ذكره في الهاء التي في رحله، والجزاء الاول مرفوعا بالعائد من ذكره في وجد، ويكون جواب الجزاء الفاء في فهو. والجزاء الثاني مرفوع ب‍ " هو، فيكون معنى الكلام حينئذ: قالوا: جزاء السرق من وجد السرق في رحله، فهو ثوابه يسترق ويستعبد. القول في تأويل قوله تعالى: * (فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشآء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم) *. يقول تعالى ذكره: ففتش يوسف أوعيتهم ورحالهم طالبا بذلك صواع الملك، فبدأ في تفتيشه بأوعية إخوته من أبيه، فجعل يفتشها وعاء وعاء قبل وعاء أخيه من أبيه وأمه، فإنه أخر تفتيشه، ثم فتش آخرها وعاء أخيه، فاستخرج الصواع من وعاء أخيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ذكر لنا أنه كان لا ينظر في وعاء إلا استغفر الله تأثما مما قذفهم به، حتى بقي أخوه، وكان أصغر القوم، قال: ما أرى هذا أخذ شيئا، قالوا: بلى فاستبره، ألا وقد علموا حيث وضعوا سقايتهم. ثم استخرجها من وعاء أخيه. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتاد، قال: فاستخرجها من وعاء أخيه، قال: كان كلما فتح متاعا استغفر تائبا مما صنع، حتى بلغ متاع الغلام، فقال: ما أظن هذا أخذ شيئا، قالوا: بلى، فاستبره. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي، قال: فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه فلما بقي رحل الغلام، قال: ما كان هذا الغلام ليأخذه. قالوا: والله لا يترك حتى تنظر في رحله، لنذهب وقد طابت نفسك فأدخل يده فاستخرجها من رحله.
[ 31 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما قال الرسول لهم: ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم قالوا: ما نعلمه فينا ولا معنا. قال: لستم ببارحين حتى أفتش أمتعتكم وأعذر في طلبها منكم. فبدأ بأوعيتهم وعاء وعاء، يفتشها وينظر ما فيها، حتى مر على وعاء أخيه ففتشه، فاستخرجها منه، فأخذ برقبته، فانصرف به إلى يوسف. يقول الله: كذلك كدنا ليوسف. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: ذكر لنا أنه كان كلما بحث متاع رجل منهم استغفر ربه تأثما، قد علم أين موضع الذي يطلب. حتى إذا بقي أخوه وعلم أن بغيته فيه، قال: لا أرى هذا الغلام أخذه، ولا أبالي أن لا أبحث متاعه قال إخوته: إنه أطيب لنفسك وأنفسنا أن تستبرئ متاعه أيضا. فلما فتح متاعه استخرج بغيته منه قال الله: كذلك كدنا ليوسف. واختلف أهل العربية في الهاء والالف اللتين في قوله: ثم استخرجها من وعاء أخيه فقال بعض نحويي البصرة: هي من ذكر الصواع، قال: وأنث وقد قال: ولمن جاء به حمل بعير لانه عنى الصواع. قال: والصواع مذكر، ومنهم من يؤنث الصواع، وعني ههنا السقاية، وهي مؤنثة. قال: وهما اسمان لواحد مثل الثوب والملحفة مذكر ومؤنث لشئ واحد. وقال بعض نحويي الكوفة في قوله: ثم استخرجها من وعاء أخيه ذهب إلى تأنيث السرقة، قال: وإن يكن الصواع في معنى الصاع، فلعل هذا التأنيث من ذلك. قال: وإن شئت جعلته لتأنيث السقاية. قال: والصواع ذكر، والصاع يؤنث ويذكر، فمن أنثه قال: ثلاث أصوع، مثل ثلاث أدور، ومن ذكره قال: أصواع، مثل أبواب. وقال آخر منهم: إنما أنث الصواع حين أنث لانه أريدت به السقاية وذكر حين ذكر، لانه أريد به الصواع. قال: وذلك مثل الخوان والمائدة، وسنان الرمح و عاليته، وما أشبه ذلك من الشئ الذي يجتمع فيه اسمان: أحدهما مذكر، والآخر مؤنث. وقوله: كذلك كدنا ليوسف يقول: هكذا صنعنا ليوسف حتى يخلص أخاه لابيه وأمه من إخوته لابيه، بإقرار منهم أن له أن يأخذه منهم ويحتبسه في يديه ويحول بينه وبينهم وذلك أنهم قالوا إذ قيل لهم ما جزاؤه إن كنتم كاذبين: جزاء من سرق الصواع
[ 32 ]
أن من وجد ذلك في رحله فهو مسترق به، وذلك كان حكمهم في دينهم. فكاد الله ليوسف كما وصف لنا حتى أخذ أخاه منهم، فصار عنده بحكمهم وصنع الله له. وقوله: ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله يقول: ما كان يوسف ليأخذ أخاه في حكم ملك مصر وقضائه وطاعته منهم، لانه لم يكن من حكم ذلك الملك وقضائه أن يسترق أحد بالسرق، فلم يكن ليوسف أخذ أخيه في حكم ملك أرضه إلا أن يشاء الله بكيده الذي كاده له، حتى أسلم من وجد في وعائه الصواع إخوته ورفقاؤه بحكمهم عليه وطابت أنفسهم بالتسليم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا فعلة كادها الله له، فاعتل بها يوسف. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: كذلك كدنا ليوسف كادها الله له، فكانت علة ليوسف. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله قال: إلا فعلة كادها الله فاعتل بها يوسف. قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: كذلك كدنا ليوسف قال: صنعنا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: كذلك كدنا ليوسف يقول: صنعنا ليوسف. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: كذلك كدنا ليوسف يقول: صنعنا ليوسف.
[ 33 ]
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك فقال بعضهم: ما كان ليأخذ أخاه في سلطان الملك. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك يقول: في سلطان الملك. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك يقول: في سلطان الملك. وقال آخرون: معنى ذلك: في حكمه وقضائه. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله يقول: ما كان ذلك في قضاء الملك أن يستعبد رجلا بسرقة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: في دين الملك قال: لم يكن ذلك في دين الملك، قال: حكمه. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح محمد بن ليث المروزي، عن رجل قد سماه، عن عبد الله بن المبارك، عن أبي مودود المديني، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك قال: دين الملك لا يؤخذ به من سرق أصلا، ولكن الله كاد لاخيه، حتى تكلموا ما تكلموا به، فأخذهم بقولهم، وليس في قضاء الملك. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، قال: بلغه في قوله: ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك قال: كان حكم الملك أن من سرق ضوعف عليه الغرم. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك يقول: في حكم الملك.
[ 34 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك: أي بظلم، ولكن الله كاد ليوسف ليضم إليه أخاه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك قال: ليس في دين الملك أن يؤخذ السارق بسرقته. قال: وكان الحكم عند الانبياء يعقوب وبنيه: أن يؤخذ السارق بسرقته عبدا يسترق. وهذه الاقوال وإن اختلفت ألفاظ قائليها في معنى دين الملك، فمتقاربة المعاني، لان من أخذه في سلطان الملك عامله بعمله، فيريناه أخذه إذا لم يغيره، وذلك منه حكم عليه، وحكمه عليه قضاؤه. وأصل الدين: الطاعة، وقد بينت ذلك في غير هذا الموضع بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: إلا أن يشاء الله كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: إلا أن يشاء الله ولكن صنعنا له بأنهم قالوا: فهو جزاؤه. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إلا أن يشاء الله إلا بعلة كادها الله، فاعتل بها يوسف. وقوله: نرفع درجات من نشاء اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: نرفع درجات من نشاء بإضافة الدرجات إلى من بمعنى: نرفع منازل من نشاء، رفع منازله ومراتبه في الدنيا بالعلم على غيره، كما رفعنا مرتبة يوسف في ذلك ومنزلته في الدنيا على منازل إخوته ومراتبهم. وقرأ ذلك آخرون: نرفع درجات من نشاء بتنوين الدرجات، بمعنى: نرفع من نشاء مراتب ودرجات في العلم على غيره، كما رفعنا يوسف. فمن على هذه القراءة نصب، وعلى القراءة الاولى خفض. وقد بينا ذلك في سورة الانعام.
[ 35 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قوله: نرفع درجات من نشاء يوسف وإخوته أوتوا علما، فرفعنا يوسف فوقهم في العلم. وقوله: وفوق كل ذي علم عليم يقول تعالى ذكره: وفوق كل عالم من هو أعلم منه حتى ينتهي ذلك إلى الله تعالى. وإنما عنى بذلك أن يوسف أعلم إخوته، وأن فوق يوسف من هو أعلم من يوسف، حتى ينتهي ذلك إلى الله تعالى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا سفيان، عن عبد الاعلى الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه حدث بحديث، فقال رجل عنده: وفوق كل ذي علم عليم فقال ابن عباس: بئسما قلت، إن الله هو عليم، وهو فوق كل عالم. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عبد الاعلى عن سعيد بن جبير، قال: حدث ابن عباس بحديث، فقال رجل عنده: الحمد لله وفوق كل ذي علم عليم فقال ابن عباس: العالم الله، وهو فوق كل عالم. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن عبد الاعلى، عن سعيد بن جبير، قال: كنا عند ابن عباس، فحدث حديثا، فتعجب رجل فقال: الحمد لله وفوق كل ذي علم عليم فقال ابن عباس: بئسما قلت: الله العليم، وهو فوق كل عالم. حدثنا الحسن بن محمد وابن وكيع، قالا: ثنا عمرو بن محمد، قال: أخبرنا إسرائيل، عن سالم، عن عكرمة، عن ابن عباس: وفوق كل ذي علم عليم قال: يكون هذا أعلم من هذا، وهذا أعلم من هذا، والله فوق كل عالم. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: أخبرنا أبو
[ 36 ]
الاحوص، عن عبد الاعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: وفوق كل ذي علم عليم قال: الله الخبير العليم فوق كل عالم. حدثني المثنى، قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا إسرائيل، عن عبد الاعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: وفوق كل ذي علم عليم قال: الله فوق كل عالم. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي عن أبي معشر، عن محمد بن كعب، قال: سأل رجل عليا عن مسألة، فقال فيها، فقال الرجل: ليس هكذا ولكن كذا وكذا، قال علي: أصبت وأخطأت وفوق كل ذي علم عليم. حدثني يعقوب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن علية، عن خالد، عن عكرمة، في قوله: وفوق كل ذي علم عليم قال: علم الله فوق كل أحد. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن نصر، عن عكرمة، عن ابن عباس: وفوق كل ذي علم عليم قال: الله عز وجل. حدثنا ابن وكيع، ثنا يعلى بن عبيد، عن سفيان، عن عبد الاعلى، عن سعيد بن جبير: وفوق كل ذي علم عليم قال: الله أعلم من كل أحد. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ابن شبرمة، عن الحسن، في قوله: وفوق كل ذي علم عليم قال: ليس عالم إلا فوقه عالم حتى ينتهي العلم إلى الله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عاصم، قال: ثنا جويرية، عن بشير الهجيمي، قال: سمعت الحسن قرأ هذه الآية يوما: وفوق كل ذي علم عليم، ثم وقف فقال: إنه والله ما أمسى على ظهر الارض عالم إلا فوقه من هو أعلم منه، حتى يعود العلم إلى الذي علمه. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا علي، عن جرير، عن ابن شبرمة، عن الحسن: وفوق كل ذي علم عليم قال: فوق كل عالم عالم، حتى ينتهي العلم إلى الله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وفوق كل ذي علم عليم حتى ينتهي العلم إلى الله، منه بدئ، وتعلمت العلماء، وإليه يعود. في قراءة عبد الله: وفوق كل عالم عليم. قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف جاز ليوسف أن يجعل السقاية في رحل أخيه
[ 37 ]
ثم يسرق قوما أبرياء من السرق، ويقول أيتها العير إنكم لسارقون ؟ قيل: إن قوله: أيتها العير إنكم لسارقون إنما هو خبر من الله عن مؤذن أذن به، لا خبر عن يوسف. وجائز أن يكون المؤذن أذن بذلك أن فقد الصواع ولا يعلم بصنيع يوسف. وجائز أن يكون كان أذن المؤذن بذلك عن أمر يوسف، واستجاز الامر بالنداء بذلك لعلمه بهم أنهم قد كانوا سرقوا سرقة في بعض الاحوال، فأمر المؤذن أن يناديهم بوصفهم بالسرق، ويوسف يعني ذلك السرق لا سرقهم الصواع. وقد قال بعض أهل التأويل: إن ذلك كان خطأ من فعل يوسف، فعاقبه الله بإجابة القوم إياه: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل وقد ذكرنا الرواية فيما مضى بذلك. القول في تأويل قوله تعالى: (قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون) يقول تعالى ذكره: قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل يعنون أخاه لابيه وأمه وهو يوسف. كما: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ليوسف. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل قال: يعني يوسف. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: فقد سرق أخ له من قبل قال: يوسف. وقد اختلف أهل التأويل في السرق الذي وصفوا به يوسف فقال بعضهم: كان صنما لجده أبي أمه كسره وألقاه على الطريق. ذكر من قال ذلك:
[ 38 ]
حدثنا أحمد بن عمرو البصري، قال: ثنا الفيض (1) بن الفضل، قال: ثنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل قال: سرق يوسف صنما لجده أبي أمه كسره وألقاه في الطريق، فكان إخوته يعيبونه بذلك. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فقد سرق أخ له من قبل ذكر أنه سرق صنما لجده أبي أمه، فعيروه بذلك. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل: أرادوا بذلك عيب نبي الله يوسف، وسرقته التي عابوه بها صنم كان لجده أبي أمه، فأخذه، إنما أراد نبي الله بذلك الخير، فعابوه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل قال: كانت أم يوسف أمرت يوسف يسرق صنما لخاله يعبده، كانت مسلمة. وقال آخرون في ذلك ما: حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، قال: كان بنو يعقوب على طعام، اضطر يوسف إلى عرق فخبأه، فعيروه بذلك إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل. وقال آخرون في ذلك بما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد أبي الحجاج، قال: كان أول ما دخل على يوسف من البلاء فيما بلغني أن عمته ابنة إسحاق، وكانت أكبر ولد إسحاق، وكانت إليها منطقة إسحاق، وكانوا يتوارثونها بالكبر، فكان من اختص بها ممن وليها كان له سلما لا ينازع فيه، يصنع فيه
[ 39 ]
ما شاء. وكان يعقوب حين ولد له يوسف، كان قد حضنته عمته، فكان معها وإليها، فلم يحب أحد شيئا من الاشياء حبها إياه. حتى إذا ترعرع وبلغ سنوات، ووقعت نفس يعقوب عليه، أتاها فقال: يا أخية سلمي إلي يوسف، فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة ! فقالت: والله ما أنا بتاركته، والله ما أقدر أن يغيب عني ساعة قال: فوالله ما أنا بتاركه ! قالت: فدعه عندي أياما أنظر إليه وأسكن عنه، لعل ذلك يسليني عنه أو كما قالت. فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى منطقة إسحاق فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه، ثم قالت: لقد فقدت منطقة إسحاق، فانظروا من أخذها ومن أصابها فالتمست، ثم قالت: اكشفوا أهل البيت فكشفوهم، فوجدوها مع يوسف، فقالت: والله إنه لي لسلم أصنع فيه ما شئت. قال: وأتاها يعقوب فأخبرته الخبر، فقال لها: أنت وذاك إن كان فعل ذلك فهو سلم لك، ما أستطيع غير ذلك. فأمسكته فما قدر عليه يعقوب حتى ماتت. قال: فهو الذي تقول إخوة يوسف حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل قال ابن حميد قال ابن إسحاق لما رأى بنو يعقوب ما صنع أخوة يوسف، ولم يشكوا أنه سرق، قالوا أسفا عليهم لما دخل عليهم في أنفسهم تأنيبا له: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل. فلما سمعها يوسف قال أنتم شر مكانا سرا في نفسه ولم يبدها لهم والله أعلم بما تصفون وقوله: فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون يعني بقوله: فأسرها: فأضمرها، وقال: فأسرها فأنث، لانه عنى بها الكلمة، وهي: أنتم شر مكانا، والله أعلم بما تصفون، ولو كانت جاءت بالتذكير كان جائزا، كما قيل: تلك من أنباء الغيب وذلك من أنباء القرى، وكني عن الكلمة ولم يجر لها ذكر متقدم، والعرب تفعل ذلك كثيرا، إذا كان مفهوما المعنى المراد عند سامعي الكلام. وذلك نظير قول حاتم الطائي:
[ 40 ]
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى * إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر (1) يريد: وضاق بالنفس الصدر. فكني عنها ولم يجر لها ذكر، إذ كان في قوله: إذا حشرجت يوما، دلالة لسامع كلامه على مراده بقوله: وضاق بها. ومنه قول الله: ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم فقال: من بعدها، ولم يجر قبل ذلك ذكر لاسم مؤنث. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم أما الذي أسر في نفسه فقوله: أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون قال هذا القول. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم يقول: أسر في نفسه قوله: أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون. وقوله: والله أعلم بما تصفون يقول: والله أعلم بما تكذبون فيما تصفون به أخاه بنيامين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 41 ]
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون يقولون: يوسف يقوله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: والله أعلم بما تصفون): أي بما تكذبون. فمعنى الكلام إذن: فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم، قال: أنتم شر عند الله منزلا ممن وصفتموه بأنه سرق، وأخبث مكانا بما سلف من أفعالكم، والله عالم بكذبكم، وأن جهله كثير ممن حضر من الناس. وذكر أن الصواع لما وجد في رحل أخي يوسف تلاوم القوم بينهم، كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: لما استخرجت السرقة من رحل الغلام انقطعت ظهورهم، وقالوا: يا بني راحيل، ما يزال لنا منكم بلاء (1) حتى أخذت هذا الصواع فقال بنيامين: بل بنو راحيل الذين لا يزال لهم منكم بلاء، ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية، وضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع الدراهم في رحالكم. فقالوا: لا تذكر الدراهم فنؤخذ بها. فلما دخلوا على يوسف دعا بالصواع، فنقر فيه، ثم أدناه من أذنه، ثم قال: إن صواعي هذا ليخبرني أنكم كنتم اثني عشر رجلا، وأنكم انطلقتم بأخ لكم فبعتموه. فلما سمعها بنيامين، قام فسجد ليوسف، ثم قال: أيها الملك، سل صواعك هذا عن أخي أحي هو ؟ فنقره، ثم قال: هو حي، وسوف تراه. قال: فاصنع بي ما شئت، فإنه إن علم بي سوف يستنقذني. قال: فدخل يوسف فبكى، ثم توضأ، ثم خرج فقال بنيامين: أيها الملك إني أريد أن تضرب صواعك هذا فيخبرك بالحق، فسله من سرقه فجعله في رحلي ؟ فنقره فقال: إن صواعي هذا غضبان، وهو يقول: كيف
[ 42 ]
تسألني عن صاحبي، وقد رؤيت مع من كنت قال: وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا، فغضب روبيل، فقال: أيها الملك، والله لتتركنا أو لاصيحن صيحة لا يبقى بمصر امرأة حامل إلا ألقت ما في بطنها وقامت كل شعرة في جسد روبيل، فخرجت من ثيابه، فقال يوسف لابنه: قم إلى جنب روبيل فمسه وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم فمسه الآخر ذهب غضبه، فمر الغلام إلى جنبه فمسه، فذهب غضبه، فقال روبيل: من هذا ؟ إن في هذا البلد لبزرا من بزر يعقوب. فقال يوسف: من يعقوب ؟ فغضب روبيل فقال: يا أيها الملك لا تذكر يعقوب، فإنه سري الله، ابن ذبيح الله، ابن خليل الله. قال يوسف: أنت إذن كنت صادقا. القول في تأويل قوله تعالى: (قالوا يأيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين) يقول تعالى ذكره: قالت إخوة يوسف ليوسف: يا أيها العزيز يا أيها الملك إن له أبا شيخا كبيرا كلفا بحبه، يعنون يعقوب. فخذ أحدنا مكانه يعنون فخذ أحدا منا بدلا من بنيامين، وخل عنه. إنا نراك من المحسنين يقولون: إنا نراك من المحسنين في أفعالك. وقال محمد بن إسحاق في ذلك، ما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: إنا نراك من المحسنين إنا نرى ذلك منك إحسانا إن فعلت. القول في تأويل قوله تعالى: (قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنآ إذا لظالمون) يقول تعالى ذكره: قال يوسف لاخوته: معاذ الله أعوذ بالله. وكذلك تفعل
[ 43 ]
العرب في كل مصدر وضعته موضع يفعل ويفعل، فإنها تنصب، كقولهم: حمدا لله وشكرا له، بمعنى: أحمد الله وأشكره والعرب تقول في ذلك: معاذ الله، ومعاذة الله، فتدخل فيه هاء التأنيث كما يقولون: ما أحسن معناه هذا الكلام، وعوذ الله، وعوذة الله، وعياذ الله، ويقولون: اللهم عائذا بك، كأنه قيل: أعوذ بك عائذا، أو أدعوك عائذا. أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده يقول: أستير بالله من أن نأخذ بريئا بسقيم. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون يقول: إن أخذنا غير الذي وجدنا متاعنا عنده أنا إذا نفعل ما ليس لنا فعله، ونجور على الناس. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون قال يوسف: إذا أتيتم أباكم فأقرئوه السلام، وقولوا له: إن ملك مصر يدعو لك أن لا تموت حتى ترى ابنك يوسف، حتى يعلم أن في أرض مصر صديقين مثله. القول في تأويل قوله تعالى: (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الارض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين) يعني تعالى ذكره: فلما استيأسوا منه فلما يئسوا منه من أن يخلى يوسف عن بنيامين ويأخذ منهم واحدا مكانه وأن يجيبهم إلى ما سألوه من ذلك. وقوله: استيأسوا استفعلوا، من يئس الرجل من كذا ييأس. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فلما استيأسوا منه يئسوا منه ورأوا شدته في أمره. وقوله: خلصوا نجيا يقول بعضهم لبعض: يتناجون، لا يختلط بهم غيرهم. والنجي جماعة القوم المنتجين يسمى به الواحد والجماعة، كما يقال: رجل عدل ورجال
[ 44 ]
عدل، وقوم زور وفطر، وهو مصدر من قول القائل: نجوت فلانا أنجوه نجيا، جعل صفة ونعتا. ومن الدليل على أن ذلك كما ذكرنا قول الله تعالى: وقربناه نجيا فوصف به الواحد، وقال في هذا الموضع: خلصوا نجيا فوصف به الجماعة، ويجمع النجي أنجية، كما قال لبيد: وشهدت أنجية الافاقة عاليا كعبي وأرداف الملوك شهود وقد يقال للجماعة من الرجال: نجوى، كما قال جل ثناؤه: وإذ هم نجوى وقال: ما يكون من نجوى ثلاثة وهم القوم الذين يتناجون. وتكون النجوى أيضا مصدرا كما قال الله: وإنما النجوى من الشيطان تقول منه: نجوت أنجو نجوى، فهي في هذا الموضع: المناجاة نفسها، ومنه قول الشاعر:
[ 45 ]
بني بدا خب نجوى الرجال فكن عند سرك خب النجي فالنجوى والنجي في هذا البيت بمعنى واحد، وهو المناجاة، وقد جمع بين اللغتين. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: خلصوا نجيا قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا وأخلص لهم شمعون، وقد كان ارتهنه، خلوا بينهم نجيا يتناجون بينهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: خلصوا نجيا) خلصوا وحدهم نجيا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: خلصوا نجيا: أي خلا بعضهم ببعض، ثم قالوا: ماذا ترون. وقوله: قال كبيرهم اختلف أهل العلم في المعني بذلك، فقال بعضهم: عنى به كبيرهم في العقل والعلم، لا في السن، وهو شمعون، قالوا: وكان روبيل أكبر منه في الميلاد. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى: قال كبيرهم قال: هو شمعون الذي تخلف، وأكبر منه، وأكبر منهم في الميلاد روبيل. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قال كبيرهم: شمعون الذي تخلف، وأكبر منه في الميلاد روبيل.
[ 46 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد: قال كبيرهم قال: شمعون الذي تخلف، وأكبرهم في الميلاد روبيل. وقال آخرون: بل عنى به كبيرهم في السن وهو روبيل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا زيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: قال كبيرهم وهو روبيل أخو يوسف، وهو ابن خالته، وهو الذي نهاهم عن قتله. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: قال كبيرهم قال: روبيل، وهو الذي أشار عليهم أن لا يقتلوه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: قال كبيرهم في العلم أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الارض... الآية، فأقام روبيل بمصر، وأقبل التسعة إلى يعقوب فأخبروه الخبر، فبكى وقال: يا بني ما تذهبون مرة إلا نقصتم واحدا، ذهبتم مرة فنقصتم يوسف، وذهبتم الثانية فنقصتم شمعون، وذهبتم الآن فنقصتم روبيل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال: ماذا ترون ؟ فقال روبيل كما ذكر لي، وكان كبير القوم: ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ومن قبل ما فرطتم في يوسف... الآية. وأولى الاقوال في ذلك بالصحة قول من قال: عنى بقوله: قال كبيرهم روبيل لاجماع جميعهم على أنه كان أكبرهم سنا، ولا تفهم العرب في المخاطبة إذا قيل لهم: فلان كبير القوم مطلقا بغير وصل إلا أحد معنيين، إما في الرياسة عليهم والسؤدد وإما في السن، فأما في العقل فإنهم إذا أرادوا ذلك وصلوه، فقالوا: هو كبيرهم في العقل، فأما إذا أطلق بغير صلته بذلك فلا يفهم إلا ما ذكرت. وقد قال أهل التأويل: لم يكن لشمعون وإن كان قد كان من العلم والعقل بالمكان الذي جعله الله به على إخوته رياسة وسؤدد، فيعلم بذلك
[ 47 ]
أنه عنى بقوله: قال كبيرهم فإذا كان ذلك كذلك فلم يبق إلا الوجه الآخر، وهو الكبر في السن، وقد قال الذين ذكرنا جميعا: روبيل كان أكبر القوم سنا، فصح بذلك القول الذي اخترناه. وقوله: ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله يقول: ألم تعلموا أيها القوم أن أباكم يعقوب قد أخذ عليكم عهود الله ومواثيقه لنأتينه به جميعا، إلا أن يحاط بكم، ومن قبل فعلتكم هذه تفريطكم في يوسف يقول: أو لم تعلموا من قبل هذا تفريطكم في يوسف. وإذا صرف تأويل الكلام إلى هذا الذي قلناه، كانت ما حينئذ في موضع نصب. وقد يجوز أن يكون قوله: ومن قبل ما فرطتم في يوسف خبرا مبتدأ، ويكون قوله: ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله خبرا متناهيا، فتكون ما حينئذ في موضع رفع، كأنه قيل: ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف، فتكون ما مرفوعة ب‍ " من " قبل هذا، ويجوز أن تكون ما التي تكون صلة في الكلام، فيكون تأويل الكلام: ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف. وقوله: فلن أبرح الارض التي أنا بها وهي مصر فأفارقها، حتى يأذن لي أبي بالخروج منها، كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فلن أبرح الارض التي أنا بها اليوم، حتى يأذن لي أبي بالخروج منها. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال شمعون: لن أبرح الارض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين. وقوله: أو يحكم الله لي: أو يفضي لي ربي بالخروج منها وترك أخي بنيامين، وإلا فإني غير خارج: وهو خير الحاكمين يقول: والله خير من حكم وأعدل من فصل بين الناس. وكان أبو صالح يقول في ذلك بما: حدثني الحسين بن يزيد السبيعي، قال: ثنا عبد السلام بن حرب، عن
[ 48 ]
إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله: حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي قال: بالسيف. وكأن أبا صالح وجه تأويل قوله: أو يحكم الله لي إلى: أو يفضي الله لي بحرب من منعني من الانصراف بأخي بنيامين إلى أبيه يعقوب، فأحاربه. القول في تأويل قوله تعالى: (ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يأبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل روبيل لاخوته حين أخذ يوسف أخاه بالصواع الذي استخرج من وعائه: ارجعوا إخوتي إلى أبيكم يعقوب فقولوا له يا أبانا إن ابنك بنيامين سرق. والقراءة على قراءة هذا الحرف بفتح السين والراء والتخفيف: إن ابنك سرق. وروي عن ابن عباس: إن ابنك سرق بضم السين وتشديد الراء، على وجه ما لم يسم فاعله، بمعنى: أنه سرق. وما شهدنا إلا بما علمنا. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: وما قلنا إنه سرق إلا بظاهر علمنا بأن ذلك كذلك، لان صواع الملك أصيب في وعائه دون أوعية غيره. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ارجعوا إلى أبيكم فإني ما كنت راجعا حتى يأتيني أمره، فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا: أي قد وجدت السرقة في رحله، ونحن ننظر لا علم لنا بالغيب. وما كنا للغيب حافظين. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يؤخذ بسرقته إلا بما علمنا. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: قال لهم يعقوب عليه السلام: ما يدري هذا الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته إلا بقولكم ؟ فقالوا: ما شهدنا إلا بما علمنا لم نشهد أن السارق يؤخذ بسرقته إلا وذلك الذي علمنا. قال: وكان الحكم عند الانبياء يعقوب وبنيه أن يؤخذ السارق بسرقته عبدا فيسترق.
[ 49 ]
وقوله: وما كنا للغيب حافظين يقول: وما كنا نرى أن ابنك يسرق ويصير أمرنا إلى هذا، وإنما قلنا ونحفظ أخانا مما لنا إلى حفظه منه السبيل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسين بن الحريث أبو عمار المروزي، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة: وما كنا للغيب حافظين قال: ما كنا نعلم أن ابنك يسرق. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وما كنا للغيب حافظين لم نشعر أنه سيسرق. حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وما كنا للغيب حافظين قال: لم نشعر أنه سيسرق. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وما كنا للغيب حافظين قال: لم نشعر أنه سيسرق. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد وأبو سفيان، عن معمر، عن قتادة: وما كنا للغيب حافظين قال: ما كنا نظن ولا نشعر أنه سيسرق. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وما كنا للغيب حافظين قال: ما كنا نرى أنه سيسرق. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وما كنا للغيب حافظين قال: ما كنا نظن أن ابنك يسرق. وأولى التأويلين بالصواب عندنا في قوله: وما شهدنا إلا بما علمنا قول من قال: وما شهدنا بأن ابنك سرق إلا بما علمنا من رؤيتنا للصواع في وعائه لانه عقيب قوله: إن ابنك سرق فهو بأن يكون خبرا عن شهادتهم بذلك أولى من أن يكون خبرا عما هو منفصل. وذكر أن الغيب في لغة حمير هو الليل بعينه. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 50 ]
(واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون) يقول: وإن كنت متهما لنا لا تصدقنا على ما نقول من أن ابنك سرق، فاسأل القرية التي كنا فيها، وهي مصر. يقول: سل من فيها من أهلها، والعير التي أقبلنا فيها وهي القافلة التي كنا فيها، التي أقبلنا منها معها، عن خبر ابنك وحقيقة ما أخبرناك عنه من سرقه، فإنك تخبر مصداق ذلك. وإنا لصادقون فيما أخبرناك من خبره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: واسأل القرية التي كنا فيها وهي مصر. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: واسأل القرية التي كنا فيها قال: يعنون مصر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قد عرف روبيل في رجع قوله لاخوته أنهم أهل تهمة عند أبيهم، لما كانوا صنعوا في يوسف، وقولهم له: اسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها فقد علموا ما علمنا وشهدوا ما شهدنا إن كنت لا تصدقنا وإنا لصادقون. القول في تأويل قوله تعالى: (قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم) قال أبو جعفر: في الكلام متروك، وهو: فرجع إخوة بنيامين إلى أبيهم، وتخلف روبيل، فأخبروه خبره، فلما أخبروه أنه سرق قال: بل سولت لكم أنفسكم أمرا يقول: بل زينت لكم أنفكسم أمرا هممتم به وأردتموه. فصبر جميل يقول: فصبري على ما نالني من فقد ولدي صبر جميل لا جزع فيه ولا شكاية، عسى الله أن يأتيني بأولادي جميعا فيردهم علي. إنه هو العليم بوحدتي وبفقدهم وحزني عليهم وصدق ما يقولون من كذبه. الحكيم في تدبيره خلقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 51 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل يقول: زينت. وقوله: عسى الله أن يأتيني بهم جميعا يقول: بيوسف وأخيه وروبيل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما جاءوا بذلك إلى يعقوب، يعني بقول روبيل لهم اتهمهم، وظن أن ذلك كفعلتهم بيوسف، ثم قال: بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا: أي بيوسف وأخيه وروبيل. القول في تأويل قوله تعالى: (وتولى عنهم وقال يأسفا على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) يعني تعالى ذكره بقوله: وتولى عنهم وأعرض عنهم يعقوب، وقال يا أسفا على يوسف يعني: يا حزنا عليه. يقال: إن الاسف هو أشد الحزن والتندم، يقال منه: أسفت على كذا آسف عليه أسفا. يقول الله جل ثناؤه: وابيضت عينا يعقوب من الحزن فهو كظيم يقول: فهو مكظوم على الحزن، يعني أنه مملوء منه ممسك عليه لا يبينه صرف المفعول منه إلى فعيل. ومنه قوله: والكاظمين الغيظ وقد بينا معناه بشواهده فيما مضى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله وقال يا أسفا على يوسف: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وتولى عنهم أعرض عنهم، وتتام حزنه، وبلغ مجهوده، حين لحق بيوسف أخوه وهيج عليه حزنه على يوسف، فقال: يا أسفا على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وتولى عنهم وقال يا أسفا على يوسف يقول: يا حزنى على يوسف.
[ 52 ]
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يا أسفا على يوسف: يا حزنا. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يا أسفا على يوسف: يا جزعاه. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يا أسفا على يوسف يا جزعاه حزنا. حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يا أسفا على يوسف قال: يا جزعا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أسفا على يوسف أي حزناه. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يا أسفا على يوسف قال: يا حزناه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن حميد المعمري، عن معمر، عن قتادة، نحوه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: وقال يا أسفا على يوسف... (1). حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي حجيرة، عن الضحاك: يا أسفا على يوسف قال: يا حزنا على يوسف. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أبي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك: يا أسفا يا حزناه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: ثني هشيم، قال: أخبرنا جويبر عن الضحاك: يا أسفا يا حزنا على يوسف.
[ 53 ]
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري، عن سفيان العصفري، عن سعيد بن جبير، قال: لم يعط أحد غير هذه الامة الاسترجاع، ألا تسمعون إلى قول يعقوب: يا أسفا على يوسف. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن سعيد بن جبير، نحوه. ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله تعالى وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فهو كظيم قال: كظيم الحزن. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فهو كظيم قال: كظيم الحزن. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فهو كظيم قال: الحزن. حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فهو كظيم مكمود. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: فهو كظيم قال: كظيم على الحزن. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: فهو كظيم قال: الكظيم: الكميد. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: فهو كظيم قال كميد. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، في قوله: كظيم قال: كميد.
[ 54 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم يقول: يردد حزنه في جوفه ولم يتكلم بسوء. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: فهو كظيم قال: كظيم على الحزن فلم يقل بأسا. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا الحسين بن الحسن، قال: ثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم قال: كظيم على الحزن فلم يقل إلا خيرا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن يزيد بن زريع، عن عطاء الخراساني: فهو كظيم قال: مكروب. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: فهو كظيم قال: من الغيظ. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. قال: الكظيم: الذي لا يتكلم، بلغ به الحزن حتى كان لا يكلمهم. القول في تأويل قوله تعالى: (قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين) يعني تعالى ذكره: قال ولد يعقوب الذين انصرفوا إليه من مصر له حين قال يا أسفا على يوسف: تالله لا تزال تذكر يوسف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: تفتؤ تفتر من حبه. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: تفتأ ما تفتر من حبه، كذا قال الحسن في حديثه، وهو غلط، إنما هو: تفتر من حبه، تزال تذكر يوسف.
[ 55 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف قال: لا تفتر من حبه. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: تفتؤ: تفتر من حبه. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: تالله تفتؤ تذكر يوسف قال: لا تزال تذكر يوسف. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف قال: لا تزال تذكر يوسف، قال: لا تفتر من حبه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: تفتؤ تذكر يوسف قال: لا تزال تذكر يوسف. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: تفتؤ تذكر يوسف قال: لا تزال تذكر يوسف. يقال منه: ما فتئت أقول ذاك، وما فتأت لغة، أفتئ وأفتأ فتأ وفتوءا. وحكي أيضا ما أفتأت به ومنه قول أوس بن حجر: فما فتئت حتى كأن غبارها * سرادق يوم ذي رياح ترفع وقول الآخر: فما فتئت خيل تثوب * وتدعي ويلحق منها لاحق وتقطع بمعنى: فما زالت. وحذفت لا من قوله تفتأ وهي مرادة في الكلام، لان
[ 56 ]
اليمين إذا كان ما بعدها خبرا لم يصحبها الجحد، ولم تسقط اللام التي يجاب بها الايمان، وذلك كقول القائل: والله لآتينك، وإذا كان ما بعدها مجحودا تلقيت ب‍ " ما " أو ب‍ " لا "، فلما عرف موقعها حذفت من الكلام لمعرفة السامع بمعنى الكلام، ومنه قول امرئ القيس: فقلت يمين الله أبرح قاعدا * ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي فحذفت لا من قوله: أبرح قاعدا، لما ذكرت من العلة، كما قال الآخر: فلا وأبي دهماء زالت عزيزة * على قومها ما فتل الزند قادح يريد: لا زالت. وقوله: حتى تكون حرضا يقول: حتى تكون دنف الجسم، مخبول العقل. وأصل الحرض: الفساد في الجسم والعقل من الحزن أو العشق ومنه قول العرجي: إني امرؤ لج بي حب فأحرضني * حتى بليت وحتى شفني السقم يعني بقوله: فأحرضني: أذابني فتركني محرضا، يقال منه: رجل حرض، وامرأة حرض، وقوم حرض، ورجلان حرض، على صورة واحدة للمذكر والمؤنث وفي التثنية والجمع، ومن العرب من يقول للذكر: حارض، وللانثى حارضة، فإذا وصف بهذا اللفظ ثني وجمع وذكر وأنث، ووحد حرض بكل حال، ولم يدخله التأنيث لانه مصدر، فإذا
[ 57 ]
أخرج على فاعل على تقدير الاسماء لزمه ما يلزم الاسماء من التثنية والجمع والتذكير والتأنيث. وذكر بعضهم سماعا: رجل محرض: إذا كان وجعا، وأنشد في ذلك بيتا: طلبته الخيل يوما كاملا * ولو آلفته لاضحى محرضا وذكر أن منه قول امرئ القيس: أرى المرء ذا الاذواد يصبح محرضا * كإحراض بكر في الديار مريض وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: حتى تكون حرضا يعني: الجهد في المرض البالي. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: حتى تكون حرضا قال: دون الموت. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد: حتى تكون حرضا قال: الحرض: ما دون الموت. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
[ 58 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: حتى تكون حرضا حتى تبلى أو تهرم. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: حتى تكون حرضا حتى تكون هرما. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن: حتى تكون حرضا قال: هرما. قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، قال: الحرض: الشئ البالي. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: حتى تكون حرضا قال: الحرض: الشئ البالي الفاني. قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن أبي معاذ، عن عبيد بن سليمان، عن الضحاك: حتى تكون حرضا الحرض: البالي. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك يقول في قوله: حتى تكون حرضا: هو البالي المندثر. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: حتى تكون حرضا باليا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما ذكر يعقوب يوسف، قالوا: يعني ولده الذين حضروه في ذلك الوقت جهلا وظلما تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أي تكون فاسدا لا عقل لك أو تكون من الهالكين. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين قال: الحرض: الذي قد رد إلى أرذل العمر حتى لا يعقل، أو تهلك فتكون هالكا قبل ذلك. وقوله: أو تكون من الهالكين يقول: أو تكون ممن هلك بالموت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 59 ]
حدثني ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد: أو تكون من الهالكين قال: الموت. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أو تكون من الهالكين من الميتين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: أو تكون من الهالكين قال: الميتين. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن عون، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن: أو تكون من الهالكين قال: الميتين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: أو تكون من الهالكين قال أو تموت. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أو تكون من الهالكين قال: من الميتين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: أو تكون من الهالكين قال: من الميتين. القول في تأويل قوله تعالى: (قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) يقول تعالى ذكره: قال يعقوب للقائلين له من ولده تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين: لست إليكم أشكو بثي وحزني، وإنما أشكو ذلك إلى الله. ويعني بقوله: إنما أشكو بثي ما أشكو همي وحزني إلا إلى الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: إنما أشكو بثي قال: ابن عباس: بثي: همي.
[ 60 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال يعقوب عن علم بالله: إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون لما رأى من فظاظتهم وغلظتهم وسوء لفظهم له: لم أشك ذلك إليكم، وأعلم من الله ما لا تعلمون. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن عوف، عن الحسن: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله قال: حاجتي وحزني إلى الله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا هوذة بن خليفة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، مثله. وقيل: إن البث أشد الحزن، وهو عندي من بث الحديث، وإنما يراد منه: إنما أشكو خبري الذي أنا فيه من الهم، وأبث حديثي وحزني إلى الله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن عوف، عن الحسن: إنما أشكو بثي قال: حزني. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن عوف، عن الحسن: إنما أشكو بثي وحزني قال: حاجتي. وأما قوله: وأعلم من الله ما لا تعلمون فإن ابن عباس كان يقول في ذلك فيما ذكر عنه ما: حدثني به محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: وأعلم من الله ما لا تعلمون يقول: أعلم أن رؤيا يوسف صادقة وأني سأسجد له. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون قال: لما أخبروه بدعاء الملك أحست نفس يعقوب، وقال: ما يكون في الارض صديق إلا نبي فطمع، قال: لعله يوسف.
[ 61 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله الآية، ذكر لنا أن نبي الله يعقوب لم ينزل به بلاء قط إلا أتى حسن ظنه بالله من ورائه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عيسى بن يزيد، عن الحسن، قال: قيل: ما بلغ وجد يعقوب على ابنه ؟ قال: وجد سبعين ثكلى. قال: فما كان له من الاجر ؟ قال: أجر مئة شهيد. قال: وما ساء ظنه بالله ساعة من ليل ولا نهار. حدثنا به ابن حميد مرة أخرى، قال: ثنا حكام، عن أبي معاذ، عن يونس، عن الحسن، عن النبي (ص)، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن المبارك بن مجاهد، عن رجل من الازد، عن طلحة بن مصرف الايامي، قال: ثلاثة لا تذكرهن واجتنب ذكرهن: لا تشك مرضك، ولا تشك مصيبتك، ولا تزك نفسك. قال: وأنبئت أن يعقوب بن إسحاق دخل عليه جار له، فقال له: يا يعقوب ما لي أراك قد انهشمت وفنيت ولم تبلغ من السن ما بلغ أبوك ؟ قال: هشمني وأفناني ما ابتلاني الله به من هم يوسف وذكره. فأوحى الله إليه: يا يعقوب أتشكوني إلى خلقي ؟ فقال: يا رب خطيئة أخطأتها، فاغفرها لي قال: فإني قد غفرت لك. وكان بعد ذلك إذا سئل، قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون. حدثنا عمرو بن علي، قال: ثني مؤمل بن إسماعيل، قال: ثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: بلغني أن يعقوب كبر حتى سقط حاجباه على وجنتيه، فكان يرفعهما بخرقة، فقال له رجل: ما بلغ بك ما أرى ؟ قال: طول الزمان وكثرة الاحزان. فأوحى الله إليه: يا يعقوب تشكوني ؟ قال: خطيئة فاغفرها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا ثور بن يزيد، قال: دخل يعقوب على فرعون وقد سقط حاجباه على عينيه، فقال: ما بلغ بك هذا يا إبراهيم ؟ فقالوا: إنه يعقوب، فقال: ما بلغ بك هذا يا يعقوب ؟ قال: طول الزمان وكثرة الاحزان. فقال الله: يا يعقوب أتشكوني ؟ فقال: يا رب خطيئة أخطأتها، فاغفرها لي. حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا هشام، عن ليث بن أبي سليم، قال: دخل جبرائيل على يوسف السجن، فعرفه فقال: أيها الملك
[ 62 ]
الحسن وجهه، الطيبة ريحه، الكريم عل ربه، ألا تخبرني عن يعقوب أحي هو ؟ قال: نعم. قال: أيها الملك الحسن وجهه، الطيبة ريحه، الكريم على ربه، فما بلغ من حزنه ؟ قال: حزن سبعين مثكلة. قال: أيها الملك الحسن وجهه، الطيبة ريحه، الكريم على ربه، فهل في ذلك من أجر ؟ قال: أجر مئة شهيد. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، قال: حدثت أن جبرائيل أتى يوسف صلى الله عليهما وسلم وهو بمصر في صورة رجل فلما رآه يوسف عرفه، فقام إليه، فقال: أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل لك بيعقوب من علم ؟ قال: نعم. قال: أيها الملك الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، فكيف هو ؟ قال: ذهب بصره. قال: أيها الملك الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، وما الذي أذهب بصره ؟ قال: الحزن عليك. قال: أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، فما أعطي على ذلك ؟ قال: أجر سبعين شهيدا. حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال أبو شريح: سمعت من يحدث أن يوسف سأل جبرائيل: ما بلغ من حزن يعقوب ؟ قال: حزن سبعين ثكلى. قال: فما بلغ أجره ؟ قال: أجر سبعين شهيدا. قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني نافع بن زيد، عن عبيد الله بن أبي جعفر، قال: دخل جبرائيل على يوسف في البئر أو في السجن، فقال له يوسف: يا جبرائيل، ما بلغ حزن أبي ؟ قال: حزن سبعين ثكلى. قال: فما بلغ أجره من الله ؟ قال: أجر مئة شهيد. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل، قال: سمعت وهب بن منبه يقول: أتى جبرائيل يوسف بالبشرى وهو في السجن، فقال: هل تعرفني أيها الصديق ؟ قال: أرى صورة طاهرة وروحا طيبة لا تشبه أرواح الخاطئين. قال: فإني رسول رب العالمين، وأنا الروح الامين. قال: فما الذي أدخلك علي مدخل المذنبين، وأنت أطيب الطيبين، ورأس المقربين، وأمين رب العالمين ؟ قال: ألم تعلم يا يوسف أن الله يطهر البيوت بطهر النبيين، وأن الارض التي يدخلونها هي أطهر الارضين، وأن الله قد طهر بك السجن وما حوله يا طهر الطاهرين وابن المطهرين ؟ إنما يتطهر بفضل طهرك وطهر آبائك الصالحين المخلصين. قال: كيف لي باسم الصديقين، وتعدني من المخلصين، وقد أدخلت مدخل المذنبين، وسميت بالضالين
[ 63 ]
المفسدين ؟ قال: لم يفتتن قلبك، ولم تطع سيدتك في معصية ربك، ولذلك سماك الله في الصديقين، وعدك من المخلصين، وألحقك بآبائك الصالحين. قال: لك علم بيعقوب أيها الروح الامين ؟ قال: نعم، وهبه الله الصبر الجميل، وابتلاه بالحزن عليك، فهو كظيم. قال: فما قدر حزنه ؟ قال: حزن سبعين ثكلى. قال: فماذا له من الاجر يا جبرائيل ؟ قال: قدر مئة شهيد. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن ثابت البناني، قال: دخل جبرائيل على يوسف في السجن، فعرفه يوسف، قال: فأتاه فسلم عليه، فقال: أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل لك من علم بيعقوب ؟ قال: نعم. قال: أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل تدري ما فعل ؟ قال: ابيضت عيناه. قال: أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، مم ذاك ؟ قال: من الحزن عليك، قال: أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، وما بلغ من حزنه ؟ قال: حزن سبعين مثكلة. قال: أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل له على ذلك من أجر ؟ قال: نعم أجر مئة شهيد. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: أتى جبرائيل يوسف وهو في السجن فسلم عليه، وجاء في صورة رجل حسن الوجه طيب الريح نقي الثياب، فقال له يوسف: أيها الملك الحسن وجهه، الكريم على ربه، الطيب ريحه، حدثني كيف يعقوب ؟ قال: حزن عليك حزنا شديدا. قال: وما بلغ من حزنه ؟ قال: حزن سبعين مثكلة. قال: فما بلغ من أجره ؟ قال: أجر سبعين أو مئة شهيد. قال يوسف: فإلى من أوى بعدي ؟ قال: إلى أخيك بنيامين. قال: فتراني ألقاه أبدا ؟ قال: نعم. فبكى يوسف لما لقي أبوه بعده، ثم قال: ما أبالي ما لقيت إن الله أرانيه. قال: ثنا عمرو بن محمد، عن إبراهيم بن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، قال: أتى جبرائيل يوسف وهو في السجن، فسلم عليه، فقال له يوسف: أيها الملك الكريم على ربه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، هل من علم بيعقوب ؟ قال: نعم ما أشد حزنه قال: أيها الملك الكريم على ربه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، ماذا له من الاجر ؟ قال: أجر سبعين شهيدا. قال: أفتراني لاقيه ؟ قال: نعم. قال: فطابت نفس يوسف. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن سعيد بن جبير، قال:
[ 64 ]
لما دخل يعقوب على الملك وحاجباه قد سقطا على عينيه، قال الملك: ما هذا ؟ قال: السنون والاحزان أو الهموم والاحزان، فقال ربه: يا يعقوب لم تشكوني إلى خلقي، ألم أفعل بك وأفعل ؟. حدثنا حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عبد الرحم بن زياد عن مسلم بن يسار يرفعه إلى النبي صلى الله عليه ويلم قال من يت لم يصبر ثم قرأ إنما أشكژ بني وحزني إلى الله. حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي قال ثنا أبو أسامة عن هشام عن الحسن قال كان منذ خرج يوسف من عند يعقوب إلى يوم رجع ثمانون سنة، لم يفارق الحزن قلبه، يبكي حتى ذهب بصره. قال الحسن: والله ما على الارض يومئذ خليقة أكرم على الله من يعقوب (ص). (يبني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) يقول تعالى ذكره: حين طمع يعقوب في يوسف، قال لبنيه: يا بني اذهبوا إلى الموضع الذي جئتم منه، وخلفتم أخويكم به فتحسسوا من يوسف يقول: التمسوا يوسف وتعرفوا من خبره. وأصل التحسس: التفعل من الحس. وأخيه يعني بنيامين، ولا تيأسوا من روح الله يقول: ولا تقنطوا من أن يروح الله عنا ما نحن فيه من الحزن على يوسف وأخيه بفرج من عنده فيرينيهما. إنه لا ييأس من روح الله يقول: لا يقنط من فرجه ورحمته ويقطع رجاءه منه، إلا القوم الكافرون يعني: القوم الذين يجحدون قدرته على ما شاء تكوينه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه بمصر. ولا تيأسوا من روح الله قال: من فرج الله أن يرد يوسف.
[ 65 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: ولا تيأسوا من روح الله: أي من رحمة الله. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة نحوه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم إن يعقوب قال لبنيه، وهو على حسن ظنه بربه مع الذي هو فيه من الحزن: يا بني اذهبوا إلى البلاد التي منها جئتم فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله: أي من فرجه، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ولا تيأسوا من روح الله يقول: من رحمة الله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا تيأسوا من روح الله قال: من فرج الله، يفرج عنكم الغم الذي أنتم فيه. القول في تأويل قوله تعالى: (فلما دخلوا عليه قالوا يأيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين) وفي الكلام متروك قد استغني بذكر ما ظهر عما حذف، وذلك: فخرجوا راجعين إلى مصر حتى صاروا إليها، فدخلوا على يوسف فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر أي الشدة من الجدب والقحط، وجئنا ببضاعة مزجاة. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: وخرجوا إلى مصر راجعين إليها ببضاعة مزجاة: أي قليلة، لا تبلغ ما كانوا يتبايعون به، إلا أن يتجاوز لهم فيها، وقد رأوا ما نزل بأبيهم، وتتابع البلاء عليه في ولده وبصره، حتى قدموا على يوسف. فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز رجاء أن يرحمهم في شأن أخيهم، مسنا وأهلنا الضر. وعنى بقوله: وجئنا ببضاعة مزجاة بدراهم أو ثمن لا يجوز في ثمن الطعام إلا لمن يتجاوز فيها. وأصل الازجاء: السوق بالدفع، كما قال النابغة الذبياني:
[ 66 ]
وهبت الريح من تلقاء ذي أرل * تزجي مع الليل من صرادها صرما يعني تسوق وتدفع ومنه قول أعشى بني ثعلبة: الواهب المئة الهجان وعبدها * عوذا تزجي خلفها أطفالها وقول حاتم: ليبك على ملحان ضيف مدفع * وأرملة تزجي مع الليل أرملا يعني أنها تسوقه بين يديها على ضعف منه عن المشي وعجز و لذلك قيل: ببضاعة مزجاة لانها غير نافقة، وإنما تجوز تجويزا على نفع من آخذيها. وقد اختلف أهل التأويل في البيان عن تأويل ذلك، وإن كانت معاني بيانهم متقاربة. ذكر أقوال أهل التأويل في ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: ببضاعة مزجاة قال: ردية زيوف لا تنفق حتى يوضع منها.
[ 67 ]
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عمرو بن محمد العنقزي، قال: ثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: وجئنا ببضاعة مزجاة قال: الردية التي لا تنفق حتى يوضع منها. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: وجئنا ببضاعة مزجاة قال: خلق، الغرارة والحبل والشئ. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان عن ابن أبي مليكة، قال: سمعت ابن عباس، وسئل عن قوله: وجئنا ببضاعة مزجاة قال: رثة المتاع: الحبل والغرارة والشئ. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، مثله. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وجئنا ببضاعة مزجاة قال: البضاعة: الدراهم، والمزجاة: غير طائل. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن ابن أبي زياد، عمن حدثه، عن ابن عباس، قال: كاسدة غير طائل. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، قال: ثنا أبو حصين، عن سعيد بن جبير وعكرمة: وجئنا ببضاعة مزجاة قال سعيد: ناقصة. وقال عكرمة: دراهم فسول. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير وعكرمة، مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن
[ 68 ]
إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير وعكرمة: وجئنا ببضاعة مزجاة قال أحدهما: ناقصة. وقال الآخر: ردية. وبه قال: ثنا أبي عن سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، قال: كان سمنا وصوفا. حدثنا الحسن، قال: ثنا علي بن عاصم، عن يزيد بن أبي زياد قال: سأل رجل عبد الله بن الحارث وأنا عنده، عن قوله: وجئنا ببضاعة مزجاة قال: قليلة، متاع الاعراب: الصوف والسمن. حدثنا إسحاق بن زياد القطان أبو يعقوب البصري، قال: ثنا محمد بن إسحاق البلخي، قال: ثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن مروان بن عمرو العذري، عن أبي إسماعيل، عن أبي صالح، في قوله: وجئنا ببضاعة مزجاة قال: الصنوبر والحبة الخضراء. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن يزيد بن الوليد، عن إبراهيم، في قوله: وجئنا ببضاعة مزجاة قال: قليلة، ألا تسمع إلى قوله: فأوقر ركابنا، وهم يقرؤون كذلك. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، أنه قال: ما أراها إلا القليلة، لانها في مصحف عبد الله: وأوقر ركابنا، يعني قوله: مزجاة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن القعقاع بن يزيد، عن إبراهيم، قال: قليلة، ألم تسمع إلى قوله: وأوقر ركابنا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أبي بكر الهذلي، عن سعيد بن جبير والحسن: ببضاعة مزجاة قال سعيد: الردية. وقال الحسن: القليلة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن إدريس، عن يزيد، عن عبد الله بن الحارث، قال: متاع الاعراب سمن وصوف.
[ 69 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية، قال: دراهم ليست بطائل. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: مزجاة قال: قليلة. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال نا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: مزجاة قال: قليلة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا قبيصة بن عقبة، قال: ثنا سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث: وجئنا ببضاعة مزجاة قال: شئ من صوف، وشئ من سمن. قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن منصور، عن الحسن، قال: قليلة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، عمن حدثه، عن مجاهد: مزجاة قال: قليلة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن عكرمة، قال: ناقصة. وقال سعيد بن جبير: فسول. قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر، عن سعيد بن جبير: وجئنا ببضاعة مزجاة قال: ردية. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، ظن الضحاك، قال: كاسدة لا تنفق. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، قال: كاسدة.
[ 70 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة، عن جويبر، عن الضحاك، قال: كاسدة غير طائل. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ببضاعة مزجاة يقول: كاسدة غير نافقة. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: وجئنا ببضاعة مزجاة قال: الناقصة، وقال عكرمة: فيها تجوز. قال: ثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الدراهم الردية التي لا تجوز إلا بنقصان. قال: ثنا إسرائيل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الدراهم الرذال التي لا تجوز إلا بنقصان. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: دراهم فيها جواز. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وجئنا ببضاعة مزجاة: أي يسيرة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وجئنا ببضاعة مزجاة قال: المزجاة: القليلة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وجئنا ببضاعة مزجاة: أي قليلة لا تبلغ ما كنا نشتري به منك، إلا أن تتجاوز لنا فيها. وقوله: فأوف لنا الكيل بها، وأعطنا بها ما كنت تعطينا قبل بالثمن الجيد والدراهم الجائزة الوافية التي لا ترد. كما:
[ 71 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فأوف لنا الكيل: أي أعطنا ما كنت تعطينا قبل، فإن بضاعتنا مزجاة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: فأوف لنا الكيل قال: كما كنت تعطينا بالدراهم الجياد. وقوله: وتصدق علينا يقول تعالى ذكره: قالوا: وتفضل علينا بما بين سعر الجياد والردية، فلا تنقصنا من سعر طعامك لردي بضاعتنا. إن الله يجزي المتصدقين يقول: إن الله يثيب المتفضلين على أهل الحاجة بأموالهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: وتصدق علينا قال: تفضل بما بين الجياد والردية. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر، عن سعيد بن جبير: فأوف لنا الكيل وتصدق علينا لا تنقصنا من السعر من أجل ردي دراهمنا. واختلفوا في الصدقة، هل كانت حلالا للانبياء قبل نبينا محمد (ص)، أو كانت حراما ؟ فقال بعضهم: لم تكن حلالا لاحد من الانبياء عليهم السلام. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر، عن سعيد بن جبير، قال: ما سأل نبي قط الصدقة، لكنهم قالوا جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا لا تنقصنا من السعر. وروي عن ابن عيينة ما: حدثني به الحارث، قال: ثنا القاسم، قال: يحكى عن سفيان بن عيينة أنه سئل: هل حرمت الصدقة على أحد الانبياء قبل النبي (ص) ؟ فقال: ألم تسمع قوله: فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين. قال الحارث: قال القاسم: يذهب ابن عيينة إلى أنهم لم يقولوا ذلك إلا والصدقة لهم حلال، وهم أنبياء، فإن الصدقة إنما حرمت على محمد (ص)، لا عليهم. وقال آخرون: إنما عنى بقوله: وتصدق علينا وتصدق علينا برد أخينا إلينا. ذكر من قال ذلك:
[ 72 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: وتصدق علينا قال: رد إلينا أخانا. وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن جريج، وإن كان قولا له وجه، فليس بالقول المختار في تأويل قوله: وتصدق علينا لان الصدقة في المتعارف: إنما هي إعطاء الرجل ذا الحاجة بعض أملاكه ابتغاء ثواب الله عليه، وإن كان كل معروف صدقة، فتوجيه تأويل كلام الله إلى الاغلب من معناه في كلام من نزل القرآن بلسانه أولى وأحرى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال مجاهد. حدثني الحارث، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن عثمان بن الاسود، قال: سمعت مجاهدا، وسئل: هل يكره أن يقول الرجل في دعائه: اللهم تصدق علي ؟ فقال: نعم، إنما الصدقة لمن يبغي الثواب. القول في تأويل قوله تعالى: (قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون) ذكر أن يوسف صلوات الله وسلامه عليه لما قال له إخوته: يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين أدركته الرقة وباح لهم بما كان يكتمهم من شأنه. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ذكر لي أنهم لما كلموه بهذا الكلام غلبته نفسه، فارفض دمعه باكيا، ثم باح لهم بالذي يكتم منهم، فقال: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ؟ ولم يعن بذكر أخيه ما صنعه هو فيه حين أخذه، ولكن للتفريق بينه وبين أخيه، إذ صنعوا بيوسف ما صنعوا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر... الآية، قال: فرحمهم عند ذلك، فقال لهم: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ؟ فتأويل الكلام: هل تذكرون ما فعلتم بيوسف وأخيه، إذ فرقتم بينهما وصنعتم ما صنعتم إذ أنتم جاهلون، يعني في حال جهلكم بعاقبة ما تفعلون بيوسف، وما إليه صائر أمره وأمركم ؟ القول في تأويل قوله تعالى:
[ 73 ]
(قالوا أإنك لانت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف له حين قال لهم ذلك يوسف: إنك لانت يوسف، فقال: نعم أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا بأن جمع بيننا بعد ما فرقتم بيننا. إنه من يتق ويصبر يقول: إنه من يتق الله فيراقبه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ويصبر، يقول: ويكف نفسه، فيحبسها عما حرم الله عليه من قول أو عمل عند مصيبة نزلت به من الله فإن الله لا يضيع أجر المحسنين يقول: فإن الله لا يبطل ثواب إحسانه وجزاء طاعته إياه فيما أمره ونهاه. وقد اختلف القراء في قراءة قوله: أئنك لانت يوسف فقرأ ذلك عامة قراء الامصار: أئنك على الاستفهام. وذكر أن ذلك في قراءة أبي بن كعب: أو أنت يوسف. وروي عن ابن محيصن أنه قرأ: إنك لانت يوسف على الخبر، لا على الاستفهام والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءة من قرأه بالاستفهام، لاجماع الحجة من القراء عليه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما قال لهم ذلك، يعني قوله: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون كشف الغطاء فعرفوه، فقالوا: أئنك لانت يوسف... الآية. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني من سمع عبد الله بن إدريس يذكر، عن ليث، عن مجاهد، قوله: إنه من يتق ويصبر يقول: من يتق معصية الله ويصبر على السجن. القول في تأويل قوله تعالى: (قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين) يقول جل ثناؤه: قال إخوة يوسف له: تالله لقد فضلك الله علينا وآثرك بالعلم والحلم والفضل، وإن كنا لخاطئين يقول: وما كنا في فعلنا الذي فعلنا بك في تفريقنا بينك وبين أبيك وأخيك وغير ذلك من صنيعنا الذي صنعنا بك، إلا خاطئين: يعنون مخطئين، يقال
[ 74 ]
منه: خطئ فلان يخطأ خطأ وخطأ، وأخطأ يخطئ إخطاء ومن ذلك قول أمية بن الاسكر: وإن مهاجرين تكنفاه * لعمر الله قد خطئا وحابا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: لما قال لهم يوسف: أنا يوسف وهذا أخي اعتذروا إليه، وقالوا: تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين فيما كنا صنعنا بك. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: تالله لقد آثرك الله علينا وذلك بعد ما عرفهم أنفسهم، يقول: جعلك الله رجلا حليما. القول في تأويل قوله تعالى: (قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) يقول تعالى ذكره: قال يوسف لاخوته: لا تثريب يقول: لا تغيير عليكم ولا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة وحق الاخوة، ولكن لكم عندي الصفح والعفو. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لا تثريب عليكم لم يثرب عليهم أعمالهم. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، قوله: لا تثريب عليكم اليوم قال: قال سفيان: لا تغيير عليكم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: قال لا تثريب عليكم اليوم: أي لا تأنيب عليكم اليوم عندي فيما صنعتم.
[ 75 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: اعتذروا إلى يوسف، فقال: لا تثريب عليكم اليوم يقول: لا أذكر لكم ذنبكم. وقوله: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين وهذا دعاء من يوسف لاخوته بأن يغفر الله لهم ذنبهم فيما أتوا إليه وركبوا منه من الظلم، يقول: عفا الله لكم عن ذنبكم وظلمكم، فستره عليكم وهو أرحم الراحمين يقول: والله أرحم الراحيم لمن تاب من ذنبه وأناب إلى طاعته بالتوبة من معصيته. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين حيث اعترفوا بذنبهم. القول في تأويل قوله تعالى: (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين) قال أبو جعفر: ذكر أن يوسف (ص) لما عرف نفسه إخوته، سألهم عن أبيهم، فقالوا: ذهب بصره من الحزن. فعند ذلك أعطاهم قميصه وقال لهم: اذهبوا بقميصي هذا. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: قال لهم يوسف: ما فعل أبي بعدي ؟ قالوا: لما فاته بنيامين عمي من الحزن. قال: اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين. وقوله: يأت بصيرا يقول: يعد بصيرا. وأتوني بأهلكم أجمعين يقول: وجيئوني بجميع أهلكم. القول في تأويل قوله تعالى: (ولما فصلت العير قال أبوهم إني لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون) يقول تعالى ذكره: ولما فصلت عير بني يعقوب من عند يوسف متوجهة إلى يعقوب،
[ 76 ]
قال أبوهم يعقوب: إني لاجد ريح يوسف ذكر أن الريح استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير، فأذن لها، فأتته بها. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني أبو شريح، عن أبي أيوب الهوزني، حدثه، قال: استأذنت الريح أن تأتي يعقوب بريح يوسف حين بعث بالقميص إلى أبيه قبل أن يأتيه البشير، ففعل، قال يعقوب: إني لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس، في قوله: ولما فصلت العير قال أبوهم إني لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون قال: هاجت ريح، فجاءت بريح يوسف من مسيرة ثمان ليال، فقال: إني لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس: ولما فصلت العير قال: هاجت ريح، فجاءت بريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال. حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيل، عن ضرار، عن ابن أبي الهذيل، قال: سمعت ابن عباس يقول: وجد يعقوب ريح يوسف، وهو منه على مسيرة ثمان ليال. حدثنا ابن وكيع والحسن بن محمد، قالا: ثنا سفيان بن عيينة، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، قال: كنت إلى جنب ابن عباس، فسئل: من كم وجد يعقوب ريح القميص ؟ قال: من مسيرة سبع ليال أو ثمان ليال. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن أبي سنان، عن أبي الهذيل، قال: قال لي أصحابي: إنك تأتي ابن عباس، فسله لنا، قال: فقلت: ما أسأله عن شئ، ولكن أجلس خلف السرير فيأتيه الكوفيون فيسألون عن حاجتهم وحاجتي، فسمعته يقول: وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال، قال ابن أبي الهذيل: فقلت: ذاك كمكان البصرة من الكوفة. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا علي بن عاصم، عن ضرار بن مرة، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: سمعت ابن عباس يقول: وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال. قال: فقلت في نفسي: هذا كمكان البصرة من الكوفة.
[ 77 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس، في قوله: إني لاجد ريح يوسف قال: وجد ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال. قال: قلت له: ذاك كما بين البصرة إلى الكوفة. واللفظ لحديث أبي كريب. حدثنا الحسين بن محمد، قال: ثنا عاصم وعلي، قالا: أخبرنا شعبة، قال: أخبرني أبو سنان، قال: سمعت عبد الله بن أبي الهذيل، عن ابن عباس في هذه الآية: إني لاجد ريح يوسف قال: وجد ريحه من مسيرة ما بين البصرة إلى الكوفة. حدثني المثنى، قال: ثنا آدم العسقلاني، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا أبو سنان، قال: سمعت عبد الله بن أبي الهذيل يحدث عن ابن عباس، مثله. قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: كنا عند ابن عباس فقال: إني لاجد ريح يوسف قال: وجد ريح قميصه من مسيرة ثمان ليال. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: سمعت ابن عباس يقول: ولما فصلت العير قال: لما خرجت العير هاجت ريح فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف، فقال: إني لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون قال: فوجد ريحه من مسيرة ثمان ليال. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن: ذكر لنا أنه كان بينهما يومئذ ثمانون فرسخا، يوسف بأرض مصر ويعقوب بأرض كنعان، وقد أتى لذلك زمان طويل. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: إني لاجد ريح يوسف قال: بلغنا أنه كان بينهم يومئذ ثمانون فرسخا، وقال: إني لاجد ريح يوسف وكان قد فارقه قبل ذلك سبعا وسبعين سنة. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل عن ابن عباس، في قوله: إني لاجد ريح يوسف قال: وجد ريح قميص من مسيرة ثمانية أيام. قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي
[ 78 ]
الهذيل، عن ابن عباس، قوله: ولما فصلت العير قال: فلما خرجت العير هبت ريح، فذهبت بريح قميص يوسف إلى يعقوب، فقال: إني لاجد ريح يوسف قال: ووجد ريح قميصه من مسيرة ثمانية أيام. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما فصلت العير من مصر استروح يعقوب ريح يوسف، فقال لمن عنده من ولده: إني لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون. وأما قوله: لولا أن تفندون فإنه يعني: لولا أن تعنفوني، وتعجزوني، وتلوموني، وتكذبوني ومنه قول الشاعر: يا صاحبي دعا لومي وتفنيدي * فليس ما فات من أمري بمردود ويقال: أفند فلانا الدهر، وذلك إذا أفسده ومنه قول ابن مقبل: دع الدهر يفعل ما أراد فإنه * إذا كلف الافناد بالناس أفندا واختلف أهل التأويل في معناه، فقال بعضهم: معناه: لولا أن تسفهوني. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس: لولا أن تفندون قال: تسفهون. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي سنان عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس، مثله. وبه قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد: لولا أن تفندون قال: تسفهون. حدثني المثنى وعلي بن داود، قالا: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: لولا أن تفندون يقول: تجهلون.
[ 79 ]
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن ابن عباس: لولا أن تفندون قال: لولا أن تسفهون. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قالا جميعا: ثنا سفيان، عن خصيف، عن مجاهد: لولا أن تفندون قال: لولا أن تسفهون. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن أبي سنان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وسالم عن سعيد: لولا أن تفندون قال أحدهما: تسفهون، وقال الآخر: تكذبون. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء: لولا أن تفندون قال: لولا أن تكذبون، لولا أن تسفهون. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يزيد بن هارون، عن عبد الملك، عن عطاء، قال: تسفهون. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: لولا أن تفندون يقول: لولا أن تسفهون. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: لولا أن تفندون يقول: لولا أن تسفهون. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: سمعت ابن عباس يقول: لولا أن تفندون يقول: تسفهون. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لولا أن تفندون قال: ذهب عقله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: لولا أن تفندون قال: قد ذهب عقله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وحدثني المثنى قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: لولا أن تفندون قال: قد ذهب عقله.
[ 80 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: لولا أن تفندون قال لولا أن تقولوا: ذهب عقلك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: لولا أن تفندون يقول: لولا أن تضعفوني. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لولا أن تفندون قال: الذي ليس له عقل ذلك المفند، يقولون لا يعقل. وقال آخرون: معناه: لولا أن تكذبون. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا سويد بن عمرو الكلبي، عن شريك، عن سالم: لولا أن تفندون قال: تكذبون. قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: لولا أن تهرمون وتكذبون. قال: ثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: بلغني عن مجاهد، قال: تكذبون. قال: ثنا عبدة وأبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك، قال: لولا أن تكذبون. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لولا تفندون تكذبون. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو، قال: أخبرنا هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء، في قوله: لولا أن تفندون قال: تسفهون أو تكذبون. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: لولا أن تفندون يقول: تكذبون. وقال آخرون: معناه تهرمون. ذكر من قال ذلك: حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: لولا أن تفندون قال: لولا أن تهرمون.
[ 81 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، قال: تهرمون. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو الاشهب، عن الحسن: لولا أن تفندون قال: تهرمون. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن أبي الاشهب وغيره، عن الحسن، مثله. وقد بينا أن أصل التفنيد: الافساد. وإذا كان ذلك كذلك فالضعف والهرم والكذب وذهاب العقل وكل معاني الافساد تدخل في التفنيد، لان أصل ذلك كله الفساد، والفساد في الجسم: الهرم وذهاب العقل والضعف، وفي الفعل الكذب واللوم بالباطل، ولذلك قال جرير بن عطية: يا عاذلي دعا الملام وأقصرا * طال الهوى وأطلتما التفنيدا يعني الملامة. فقد تبين إذ كان الامر على ما وصفنا أن الاقوال التي قالها من ذكرنا قوله في قوله: لولا أن تفندون على اختلاف عباراتهم عن تأويله، متقاربة المعاني، محتمل جميعها ظاهر التنزيل، إذ لم يكن في الآية دليل على أنه معني به بعض ذلك دون بعض. القول في تأويل قوله تعالى: (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم) يقول تعالى ذكره: قال الذين قال لهم يعقوب من ولده إني لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون تالله أيها الرجل، إنك من حب يوسف وذكره، لفي خطئك وزللك القديم لا تنساه، ولا تتسلى عنه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 82 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إنك لفي ضلالك القديم يقول: خطئك القديم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم أي من حب يوسف لا تنساه ولا تسلاه، قالوا لوالدهم كلمة غليظة لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم ولا لنبي الله (ص). حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم قال: في شأن يوسف. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال قال سفيان: تالله إنك لفي ضلالك القديم قال: من حبك ليوسف. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن سفيان، نحوه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم قال: في حبك القديم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم أي إنك لمن ذكر يوسف في الباطل الذي أنت عليه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: تالله إنك لفي ضلالك القديم قال: يعنون: حزنه القديم على يوسف، وفي ضلالك القديم: لفي خطئك القديم. القول في تأويل قوله تعالى: (فلمآ أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون) يقول تعالى ذكره: فلما أن جاء يعقوب البشير من عند ابنه يوسف، وهو المبشر برسالة يوسف، وذلك بريد فيما ذكر كان يوسف يرده إليه، وكان البريد فيما ذكر والبشير يهوذا بن يعقوب أخا يوسف لابيه. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي،
[ 83 ]
عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه يقول: البشير: البريد. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر عن الضحاك: فلما أن جاء البشير قال: البريد. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك: فلما أن جاء البشير قال: البريد. قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فلما أن جاء البشير قال: يهوذا بن يعقوب. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: البشير قال: يهوذا بن يعقوب. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: يهوذا بن يعقوب. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: هو يهوذا بن يعقوب. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: فلما أن جاء البشير قال: يهوذا بن يعقوب كان البشير. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد: فلما أن جاء البشير قال: هو يهوذا بن يعقوب. قال سفيان: وكان ابن مسعود يقرأ: و جاء البشير من بين يدي العير. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: فلما أن جاء البشير قال: البريد هو يهوذا بن يعقوب. قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: قال يوسف: اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين قال يهوذا: أنا ذهبت بالقميص ملطخا بالدم إلى يعقوب فأخبرته أن يوسف أكله الذئب، وأنا أذهب اليوم بالقميص وأخبره أنه حي فأفرحه كما أحزنته. فهو كان البشير.
[ 84 ]
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: فلما أن جاء البشير قال: البريد. وكان بعض أهل العربية من أهل الكوفة يقول: أن في قوله: فلما أن جاء البشير وسقوطها بمعنى واحد، وكان يقول هذا في لما وحتى خاصة، ويذكر أن العرب تدخلها فيهما أحيانا وتسقطها أحيانا، كما قال جل ثناؤه: ولما أن جاءت رسلنا، وقال في موضع آخر: ولما جاءت رسلنا وقال: هي صلة لا موضع لها في هذين الموضعين، يقال: حتى كان كذا وكذا، وحتى أن كان كذا وكذا. وقوله: ألقاه على وجهه يقول: ألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فلما أن جاء البشير ألقى القميص على وجهه. وقوله: فاردتد بصيرا يقول: رجع وعاد مبصرا بعينيه بعد ما قد عمي. قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون يقول عزوجل: قال يعقوب لمن كان بحضرته حينئذ من ولده: ألم أقل لكم يا بني إنى أعلم من الله أنه سيرد علي يوسف، ويجمع بيني وبينه، وكنتم لا تعلمون أنتم من ذلك ما كنت أعلمه، لان رؤيا يوسف كانت صادقة، وكان الله قد قضى أن أخر أنا وأنتم له سجودا، فكنت موقنا بقضائه. القول في تأويل قوله تعالى: (قالوا يأبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين. قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم) يقول تعالى ذكره: قال ولد يعقوب الذين كانوا فرقوا بينه وبين يوسف: يا أبانا سل لنا ربك يعف عنا ويستر علينا ذنوبنا التي أذنبناها فيك وفي يوسف فلا يعاقبنا بها في القيامة إنا كنا خاطئين فيما فعلنا به، فقد اعترفنا بذنوبنا. قال: سوف أستغفر لكم ربي يقول جل ثناؤه: قال يعقوب: سوف أسأل ربي أن يعفو عنكم ذنوبكم التي أذنبتموها في وفى يوسف.
[ 85 ]
ثم اختلف أهل التأويل في الوقت الذي أخر الدعاء إليه يعقوب لولده بالاستغفار لهم من ذنبهم، فقال بعضهم: أخر ذلك إلى السحر. ذكر من قال ذلك: حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الرحمن بن إسحاق، يذكر، عن محارب ابن دثار، قال: كان عم لي يأتي المسجد، فسمع إنسانا يقول: اللهم دعوتني فأجبت وأمرتني فأطعت، وهذا سحر، فاغفر لي قال: فاستمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود، فسأل عبد الله عن ذلك، فقال: إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر بقوله: سوف أستغفر لكم ربي. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن محارب بن دثار، عن عبد الله بن مسعود: سوف أستغفر لكم ربي قال: أخرهم إلى السحر. قال: ثنا أبو سفيان الحميري، عن العوام، عن إبراهيم التيمي في قول يعقوب لبنيه: سوف أستغفر لكم ربي قال: أخرهم إلى السحر. قال: ثنا عمرو، عن خلاد الصفار، عن عمرو بن قيس: سوف أستغفر لكم ربي قال: في صلاة الليل. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: سوف أستغفر لكم ربي قال: أخر ذلك إلى السحر. وقال آخرون: أخر ذلك إلى ليلة الجمعة. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب الدمشقي، قال: ثنا الوليد، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء وعكرمة، عن ابن عباس، عن رسول الله (ص): سوف أستغفر لكم ربي يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة. وهو قول أخي يعقوب لبنيه. حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي، قال: ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي،
[ 86 ]
قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء وعكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (ص): قد قال أخي يعقوب سوف أستغفر لكم ربي، يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة. وقوله: إنه هو الغفور الرحيم يقول: إن ربي هو الساتر على ذنوب التائبين إليه من ذنوبهم الرحيم بهم أن يعذبهم بعد توبتهم منها. القول في تأويل قوله تعالى: (فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شآء الله آمنين. ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يأبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشآء إنه هو العليم الحكيم) يقول جل ثناؤه: فلما دخل يعقوب وولده وأهلوهم على يوسف آوى إليه أبويه يقول: ضم إليه أبويه، فقال لهم: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين. فإن قال قائل: وكيف قال لهم يوسف: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين بعد ما دخلوها، وقد أخبر الله عزوجل عنهم أنهم لما دخولها على يوسف وضم إليه أبويه قال لهم هذا القول ؟ قيل: قد اختلف أهل التأويل في ذلك فقال بعضهم: إن يعقوب إنما دخل على يوسف هو وولده، وآوى يوسف أبويه إليه قبل دخول مصر، قالوا: وذلك أن يوسف تلقى أباه تكرمة له قبل أن يدخل مصر، فآواه إليه، ثم قال له ولمن معه: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين بها قبل الدخول. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: فحملوا إليه أهلهم وعيالهم، فلما بلغوا مصر كلم يوسف الملك الذي فوقه، فخرج هو والملوك يتلقونهم، فلما بلغوا مصر قال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا جعفر بن سليمان، عن
[ 87 ]
فرقد السبخي، قال: لما ألقي القميص على وجهه ارتد بصيرا، وقال: ائتوني بأهلكم أجميعن فحمل يعقوب وإخوة يوسف فلما دنا أخبر يوسف أنه قد دنا منه، فخرج يتلقاه. قال: وركب معه أهل مصر، وكانوا يعظمونه فلما دنا أحدهما من صاحبه، وكان يعقوب يمشي وهو يتوكأ على رجل من ولده يقال له يهوذا، قال: فنظر يعقوب إلى الخيل والناس، فقال: يا يهوذا هذا فرعون مصر ؟ قال: لا، هذا ابنك. قال: فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه، فذهب يوسف يبدؤه بالسلام، فمنع من ذلك، وكان يعقوب أحق بذلك منه وأفضل، فقال: السلام عليك يا ذاهب الاحزان عني، هكذا قال: يا ذاهب الاحزان عني. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: قال حجاج: بلغني أن يوسف والملك خرجا في أربعة آلاف يستقبلون يعقوب وبنيه. قال: وحدثني من سمع جعفر بن سليمان يحكي، عن فرقد السبخي، قال: خرج يوسف يتلقى يعقوب وركب أهل مصر مع يوسف، ثم ذكر بقية الحديث، نحو حديث الحارث، عن عبد العزيز. وقال آخرون: بل قوله: إن شاء الله استثناء من قول يعقوب لبنيه أستغفر لكم ربي قال: وهو من المؤخر الذي معناه التقديم، قالوا: وإنما معنى الكلام: قال: أستغفر لكم ربي إن شاء الله إنه هو الغفور الرحيم. فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر ورفع أبويه. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: قال سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله آمنين. وبين ذلك ما بينه من تقديم القرآن. يعني ابن جريج: وبين ذلك ما بينه من تقديم القرآن أنه قد دخل بين قوله: سوف أستغفر لكم ربي وبين قوله: إن شاء الله من الكلام ما قد دخل، وموضعه عنده أن يكون عقيب قوله: سوف أستغفر لكم ربي. والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله السدي، وهو أن يوسف قال ذلك لابويه ومن معهما من أولادهما وأهاليهم قبل دخولهم مصر حين تلقاهم، لان ذلك في ظاهر التنزيل كذلك، فلا دلالة تدل على صحة ما قال ابن جريج، ولا وجه لتقديم شئ من كتاب الله عن موضعه أو تأخيره عن مكانه إلا بحجة واضحة. وقيل: عني بقوله: آوى إليه أبويه: أبوه وخالته. وقال الذين قالوا هذا القول:
[ 88 ]
كانت أم يوسف قد ماتت قبل. وإنما كانت عند يعقوب يومئذ خالته أخت أمه، كان نكحها بعد أمه. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه قال: أبوه وخالته. وقال آخرون: بل كان أباه وأمه. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه قال: أباه وأمه. وأولى القولين في ذلك بالصواب ما قاله ابن إسحاق لان ذلك هو الاغلب في استعمال الناس والمتعارف بينهم في أبوين، إلا أن يصح ما يقال من أن أم يوسف كانت قد ماتت قبل ذلك بحجة يجب التسليم لها، فيسلم حينئذ لها. وقوله: وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين مما كنتم فيه في باديتكم من الجدب والقحط. وقوله: ورفع أبويه على العرش يعني: على السرير. كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: ورفع أبويه على العرش قال: السرير. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك، قال: العرش: السرير. قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ورفع أبويه على العرش قال: السرير. حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وحدثني المثنى قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
[ 89 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ورفع أبويه على العرش قال: سريره. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: على العرش قال: على السرير. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ورفع أبويه على العرش يقول: رفع أبويه على السرير. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: قال سفيان: ورفع أبويه على العرش قال: على السرير. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ورفع أبويه على العرش قال: مجلسه. حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سألت زيد بن أسلم، عن قول الله تعالى: ورفع أبويه على العرش فقلت: أبلغك أنها خالته، قال: قال ذلك بعض أهل العلم، يقولون: إن أمه ماتت قبل ذلك وإن هذه خالته. وقوله: وخروا له سجدا يقول: وخر يعقوب وولده وأمه ليوسف سجدا. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وخروا له سجدا يقول: رفع أبويه على السرير، وسجدا له، وسجد له إخوته. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: تحمل يعني
[ 90 ]
يعقوب بأهله حتى قدموا على يوسف فلما اجتمع إلى يعقوب بنوه دخلوا على يوسف، فلما رأوه وقعوا له سجودا، وكانت تلك تحية الملوك في ذلك الزمان أبوه وأمه وإخوته. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وخروا له سجدا وكانت تحية من قبلكم، كان بها يحيي بعضهم بعضا، فأعطى الله هذه الامة السلام، تحية أهل الجنة، كرامة من الله تبارك وتعالى عجلها لهم ونعمة منه. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وخروا له سجدا قال: وكانت تحية الناس يومئذ أن يسجد بعضهم لبعض. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو إسحاق، قال: قال سفيان: وخروا له سجدا قال: كانت تحية فيهم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: وخروا له سجدا أبواه وإخوته، كانت تلك تحيتهم كما تصنع ناس اليوم. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: وخروا له سجدا قال: تحية بينهم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وخروا له سجدا قال: قال ذلك السجود تشرفه، كما سجدت الملائكة لآدم تشرفه ليس بسجود عبادة. وإنما عنى من ذكر بقوله: إن السجود كان تحية بينهم، أن ذلك كان منهم على الخلق لا على وجه العبادة من بعضهم لبعض. ومما يدل على أن ذلك لم يزل من أخلاق الناس قديما على غير وجه العبادة من بعضهم لبعض، قول أعشى بني ثعلبة: فلما أتانا بعيد الكرى * سجدنا له ورفعنا العمارا وقوله: يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا يقول جل ثناؤه: قال يوسف لابيه: يا أبت هذا السجود الذي سجدت أنت وأمي وإخوتي لي تأويل رؤياي من
[ 91 ]
قبل يقول: ما آلت إليه رؤياي التي كنت رأيتها. وهي رؤياه التي كان رآها قبل صنيع إخوته ما صنعوا، أن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدون. قد جعلها ربي حقا يقول: قد حققها ربي لمجئ تأويلها على الصحة. وقد اختلف أهل العلم في قدر المدة التي كانت بين رؤيا يوسف وبين تأويلها فقال بعضهم: كانت مدة ذلك أربعين سنة. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: ثنا أبو عثمان، عن سلمان الفارسي، قال: كان بين رؤيا يوسف إلى أن رأى تأويلها أربعون سنة. حدثني يعقوب بن برهان ويعقوب بن إبراهيم، قالا: ثنا ابن علية، قال: ثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، قال: قال عثمان: كانت بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويله، قال: فذكر أربعين سنة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن علية، عن التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن أبي سنان، عن عبد الله بن شداد، قال: رأى تأويل رؤياه بعد أربعين عاما. قال: ثنا سفيان، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، مثله. حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيل، عن ضرار، عن عبد الله بن شداد أنه سمع قوما يتنازعون في رؤيا رآها بعضهم وهو يصلي، فلما انصرف سألهم عنها، فكتموه فقال: أما إنه جاء تأويل رؤيا يوسف بعد أربعين عاما. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن ضرار بن مرة أبي سنان، عن عبد الله بن شداد، قال: كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل وجرير، عن أبي سنان، قال: سمع عبد الله بن شداد قوما يتنازعون في رؤيا، فذكر نحو حديث أبي السائب، عن ابن فضيل. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: رأى تأويل رؤياه بعد أربعين عاما.
[ 92 ]
حدثنا الحسن بن محمد، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن أبي سنان، عن عبد الله بن شداد، قال: وقعت رؤيا يوسف بعد أربعين سنة، وإليها تنتهي أقصى الرؤيا. قال: ثنا معاذ بن معاذ، قال: ثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة. قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا يوسف وبين عبارتها أربعون سنة. قال: حدثنا سعيد بن سليمان، قال: ثنا هشيم، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة. قال: ثنا عمرو بن محمد العنقزي، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن شداد، قال: كان بين رؤيا يوسف وبين تعبيرها أربعون سنة. وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمانين سنة. ذكر من قال ذلك: حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عبد الوهاب الثقفي، قال: ثنا هشام، عن الحسن، قال: كان منذ فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا ثمانون سنة لم يفارق الحزن قلبه، ودموعه تجري على خديه، وما على وجه الارض يومئذ عبد أحب إلى الله من يعقوب. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن أبي جعفر جسر بن فرقد، قال: كان بين أن فقد يعقوب يوسف إلى يوم رد عليه ثمانون سنة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حسن بن علي، عن فضيل بن عياض، قال: سمعت أنه كان بين فراق يوسف حجر يعقوب إلى أن التقيا ثمانون سنة. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا داود بن مهران، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، عن يونس، عن الحسن، قال: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان بين ذلك وبين لقائه يعقوب ثمانون سنة، وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة، ومات وهو ابن عشرين ومئة سنة. قال: ثنا سعيد بن سليمان، قال: ثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن، نحوه، غير أنه قال: ثلاث وثمانون سنة. قال: ثنا داود بن مهران، قال: ثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، قال:
[ 93 ]
ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان في العبودية وفي السجن وفي الملك ثمانين سنة، ثم جمع الله عزوجل شمله وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة، فغاب عن أبيه ثمانين سنة، ثم عاش بعدما جمع الله له شمله، ورأى تأويل رؤياه ثلاثا وعشرين سنة، فمات وهو ابن عشرين ومئة سنة. حدثنا مجاهد، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا هشيم، عن الحسن، قال: غاب يوسف عن أبيه في الجب وفي السجن حتى التقيا ثمانين عاما، فما جفت عينا يعقوب، وما على الارض أحد أكرم على الله من يعقوب. وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمان عشرة سنة. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ذكر لي والله أعلم أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثمان عشرة سنة، قال: وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نحوها، وأن يعقوب بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة، ثم قبضه الله إليه. وقوله: وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو يقول جل ثناؤه مخبرا عن قيل يوسف: وقد أحسن الله بي في إخراجه إياي من السجن الذي كنت فيه محبوسا، وفي مجيئه بكم من البدو. وذلك أن مسكن يعقوب وولده فيما ذكر كان ببادية فلسطين كذلك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان منزل يعقوب وولده فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالعربات من أرض فلسطين ثغور الشام، وبعض يقول بالاولاج من ناحية الشعب، وكان صاحب بادية له إبل وشاء. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، قال: أخبرنا شيخ لنا أن يعقوب كان ببادية فلسطين.
[ 94 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو وكان يعقوب وبنوه أرض كنعان أهل مواش وبرية. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: وجاء بكم من البدو وقال: كانوا هل بادية وماشية. والبدو مصدر من قول القائل: بدا فلان: إذا صار بالبادية يبدو بدوا. وذكر أن يعقوب دخل مصر هو ومن معه من أولاده وأهاليهم وأبنائهم يوم دخلوها وهم أقل من مئة، وخرجوا منها يوم خرجوا منها وهم زيادة على ست مئة ألف. ذكر الرواية بذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن الحباب وعمرو بن محمد، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن شداد، قال: اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر وهم ستة وثمانون إنسانا، صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم، وخرجوا من مصر يوم أخرجهم فرعون وهم ست مئة ألف ونيف. قال: ثنا عمرو، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: خرج أهل يوسف من مصر وهم ست مئة ألف وسبعون ألفا، فقال فرعون: إن هؤلاء لشرذمة قليلون. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن إسرائيل والمسعودي، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود، قال: دخل بنو إسرائيل مصر وهم ثلاث وستون إنسانا، وخرجوا منها وهم ست مئة ألف. قال إسرائيل في حديثه. ست مئة ألف وسبعون ألفا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسروق، قال: دخل أهل يوسف مصر وهم ثلاث مئة وتسعون من بين رجل وامرأة. وقوله: من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي يعني: من بعد أن أفسد ما بيني وبينهم وجهل بعضنا على بعض، يقال منه: نزغ الشيطان بين فلان وفلان، ينزغ نزغا ونزوغا. وقوله: إن ربي لطيف لما يشاء يقول: إن ربي ذو لطف وصنع لما يشاء، ومن
[ 95 ]
لطفه وصنعه أنه أخرجني من السجن وجاء بأهلي من البدو بعد الذي كان بيني وبينهم من بعد الدار وبعد ما كنت فيه من العبودة والرق والاسار. كالذي: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن ربي لطيف لما يشاء لطف بيوسف وصنع له حتى أخرجه من السجن، وجاء بأهله من البدو، ونزع من قلبه نزغ الشيطان وتحريشه على إخوته. وقوله: إنه هو العليم بمصالح خلقه، وغير ذلك لا يخفى عليه مبادي الامور وعواقبها. الحكيم في تدبيره. القول في تأويل قوله تعالى: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السموات والارض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين) يقول تعالى ذكره: قال يوسف بعد ما جمع الله له أبويه وإخوته، وبسط عليه من الدنيا ما بسط من الكرامة، ومكنه في الارض، متشوقا إلى لقاء آبائه الصالحين: رب قد آتيتني من الملك يعني: من ملك مصر، وعلمتني من تأويل الاحاديث يعني من عبارة الرؤيا، تعديدا لنعم الله وشكرا له عليها. فاطر السموات والارض يقول: يا فاطر السموات والارض، يا خالقها وبارئها، أنت وليي في الدنيا والآخرة يقول: أنت وليي في دنياي على من عاداني وأرادني بسوء بنصرك، وتغذوني فيها بنعمتك، وتليني في الآخرة بفضلك ورحمتك. توفني مسلما يقول: اقبضني إليك مسلما. وألحقني بالصالحين يقول: وألحقني بصالح آبائي إبراهيم وإسحاق ومن قبلهم من أنبيائك ورسلك. وقيل: إنه لم يتمن أحد من الانبياء الموت قبل يوسف. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث... الآية، كان ابن عباس: يقول: أول نبي سأل الله الموت يوسف. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، قوله: رب قد آتيتني من الملك... الآية، قال: اشتاق إلى لقاء ربه، وأحب أن يلحق به وبآبائه، فدعا الله أن يتوفاه ويلحقه بهم، ولم يسأل نبي قط الموت
[ 96 ]
غير يوسف، فقال: رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث... الآية. قال ابن جريج: في بعض القرآن من الانبياء من قال: توفني. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: توفني مسلما وألحقني بالصالحين لما جمع شمله، وأقر عينه، وهو يومئذ مغموس في نعيم الدنيا وملكها وغضارتها، فاشتاق إلى الصالحين قبله. وكان ابن عباس يقول: ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف. حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، قال: لما جمع ليوسف شمله، وتكاملت عليه النعم سأل لقاء ربه فقال: رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السموات والارض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين قال قتادة: ولم يتمن الموت أحد قط نبي ولا غيره إلا يوسف. حدثني المثنى، قال: ثنا هشام، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثني غير واحد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أن يوسف النبي (ص) لما جمع بينه وبين أبيه وإخوته، وهو يومئذ ملك مصر، اشتاق إلى الله وإلى آبائه الصالحين إبراهيم وإسحاق، قال: رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السموات والارض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين. حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: وعلمتني من تأويل الاحاديث قال: العبارة. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: توفني مسلما وألحقني بالصالحين يقول: توفني على طاعتك، واغفر لي إذا توفيتني. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال يوسف حين رأى ما رأى من كرامة الله وفضله عليه وعلى أهل بيته حين جمع الله له شمله، ورده على والده، وجمع بينه وبينه فيما هو فيه من الملك والبهجة: يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا... إلى قوله: إنه هو العليم الحكيم. ثم ارعوى يوسف،
[ 97 ]
وذكر أن ما هو فيه من الدنيا بائد وذاهب، فقال: رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السموات والارض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما و ألحقني بالصالحين. وذكر أن بني يعقوب الذين فعلوا بيوسف ما فعلوا، استغفر لهم أبوهم، فتاب الله عليهم وعفا عنهم وغفر لهم ذنبهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن صالح المري، عن زيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: إن الله تبارك وتعالى بما جمع ليعقوب شمله، وأقر عينه، خلا ولده نجيا، فقال بعضهم لبعض: ألستم قد علمتم ما صنعتم وما لقي منكم الشيخ وما لقي منكم يوسف ؟ قالوا: بلى. قال: فيغركم عفوهما عنكم، فكيف لكم بربكم ؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ فجلسوا بين يديه، ويوسف إلى جنب أبيه قاعد، قالوا: يا أبانا أتيناك في أمر لم نأتك في أمر مثله قط ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله حتى حركوه، والانبياء أرحم البرية، فقال: مالكم يا بني ؟ قالوا: ألست قد علمت ما كان منا إليك وما كان منا إلى أخينا يوسف ؟ قال: بلى. قالوا: أفلستما قد عفوتما ؟ قالا: بلى. قالوا: فإن عفوكما لا يغني عنا شيئا إن كان الله لم يعف عنا. قال: فما تريدون يا بني ؟ قالوا: نريد أن تدعو الله لنا، فإذا جاءك الوحي من عند الله بأنه قد عفا عما صنعنا قرت أعيننا واطمأنت قلوبنا، وإلا فلا قرة عين في الدنيا لنا أبدا. قال: فقام الشيخ واستقبل القبلة، وقام يوسف خلف أبيه، وقاموا خلفهما أذلة خاشيعن. قال: فدعا وأمن يوسف، فلم يجب فيهم عشرين سنة قال صالح المري: يخيفهم قال: حتى إذا كان رأس العشرين، نزل جبرئيل (ص) على يعقوب عليه السلام، فقال: إن الله تبارك وتعالى بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك، وأنه قد عفا عما صنعوا، وأنه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوة. حدثني المثنى، قال: ثنا الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، قال: والله لو كان قتل يوسف مضى لادخلهم الله النار كلهم، ولكن الله جل ثناؤه أمسك نفس يوسف ليبلغ فيه أمره ورحمة لهم. ثم يقول: والله ما قص الله نبأهم يعيرهم بذلك إنهم لانبياء من أهل الجنة، ولكن الله قص علينا نبأهم لئلا يقنط عبده. وذكر أن يعقوب توفي قبل يوسف، وأوصى إلى يوسف وأمره أن يدفنه عند قبر أبيه إسحاق. ذكر من قال ذلك:
[ 98 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: لما حضر الموت يعقوب، أوصى إلى يوسف أن يدفنه عند إبراهيم وإسحاق، فلما مات نفخ فيه المر وحمله إلى الشام، قال: فلما بلغوا إلى ذلك المكان أقبل عيص أخو يعقوب، فقال: غلبني على الدعوة، فوالله لا يغلبني على القبر فأبى أن يتركهم أن يدفنوه. فلما احتبسوا قال هشام بن دان بن يعقوب وكان هشام أصم لبعض إخوته: ما لجدي لا يدفن ؟ قالوا: هذا عمك يمنعه. قال: أرونيه أين هو فلما رآه، رفع هشام يده فوجأ بها رأس العيص وجأة سقطت عيناه على فخذ يعقوب، فدفنا في قبر واحد. القول في تأويل قوله تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) يقول تعالى ذكره: هذا الخبر الذي أخبرتك به من خبر يوسف ووالده يعقوب وإخوته وسائر ما في هذه السورة من أنباء الغيب يقول: من أخبار الغيب الذي لم تشاهده، ولم تعاينه، ولكنا نوحيه إليك ونعرفكه، لنثبت به فؤادك، ونشجع به قلبك، وتصبر على ما نالك من الاذى من قومك في ذات الله، وتعلم أن من قبلك من رسل الله إذ صبروا على ما نالهم فيه، وأخذوا بالعفو، وأمروا بالعرف، وأعرضوا عن الجاهلين، فازوا بالظفر، وأيدوا بالنصر، ومكنوا في البلاد، وغلبوا من قصدوا من أعدائهم وأعداء دين الله. يقول الله تبارك و تعالى لنبيه محمد (ص): فيهم يا محمد فتأس، وآثارهم فقص. وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون يقول: وما كنت حاضرا عند إخوة يوسف، إذ أجمعوا واتفقت آراؤهم وصحت عزائمهم على أن يلقوا يوسف في غيابة الجب، وذلك كان مكرهم الذي قال الله عزوجل وهم يمكرون. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعي، عن قتادة، قوله: وما كنت لديهم يعني محمدا (ص)، يقول: ما كنت لديهم وهم يلقونه في غيابة الجب وهم يمكرون: أبي بيوسف. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون... الآية، قال: هم بنو يعقوب. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 99 ]
(وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) يقول جل ثناؤه: وما أكثر مشركي قومك يا محمد، و لو حرصت على أن يؤمنوا بك فيصدقوك، ويتبعوا ما جئتهم به من عند ربك بمصدقيك ولا متبعيك. القول في تأويل قوله تعالى: (وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين) يقول تعالى ذكره لمحمد (ص): وما تسأل يا محمد هؤلاء الذين ينكرون نبوتك ويمتنعون من تصديقك والاقرار بما جئتهم به من عند ربك على ما تدعوهم إليه من إخلاص العبادة لربك وهجر عبادة الاوثان وطاعة الرحمن من أجر يعني من ثواب وجزاء منهم، بل إنما ثوابك وأجر عملك على الله، يقول: ما تسألهم على ذلك ثوابا، فيقولوا لك: إنما تريد بدعائك إيانا إلى اتباعك لننزل لك عن أموالنا إذا سألتنا ذلك، وإذ كنت لا تسألهم ذلك فقد كان حقا عليهم أن يعلموا أنك إنما تدعوهم إلى ما تدعوهم إليه اتباعا منك لامر ربك ونصيحة منك لهم، وأن لا يستغشوك. وقوله: إن هو إلا ذكر للعالمين يقول تعالى ذكره: ما هذا الذي أرسلك به ربك يا محمد من النبوة والرسالة إلا ذكر، يقول: إلا عظة وتذكير للعالمين، ليتعظوا ويتذكروا به. القول في تأويل قوله تعالى: (وكأين من آية في السماوات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون) يقول جل وعز: وكم من آية في السموات والارض لله، وعبرة وحجة، و ذلك كالشمس والقمر والنجوم ونحو ذلك من آيات السموات وكالجبال والبحار والنبات والاشجار، وغير ذلك من آيات الارض يمرون عليها يقول: يعاينونها فيمرون بها معرضين عنها لا يعتبرون بها ولا يفكرون فيها وفيما دلت عليه من توحيد ربها، وأن الالوهة لا تنبغي إلا للواحد القهار الذي خلقها وخلق كل شئ فدبرها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وكأين من آية
[ 100 ]
في السموات والارض يمرون عليها وهي في مصحف عبد الله: يمشون عليها السماء و الارض آيتان عظيمتان. القول في تأويل قوله تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) يقول تعالى ذكره: وما يقر أكثر هؤلاء الذين وصف عزوجل صفتهم بقوله: وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون بالله، أنه خالقه ورازقه وخالق كل شئ، إلا وهم به مشركون في عبادتهم الاوثان والاصنام، واتخاذهم من دونه أربابا، وزعمهم أنه له ولدا، تعالى الله عما يقولون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمران بن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: وما يؤمن أكثرهم بالله... الآية، قال: من إيمانهم إذا قيل لهم من خلق السماء، ومن خلق الارض، ومن خلق الجبال ؟ قالوا: الله. وهم مشركون. حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون قال: تسألهم من خلقهم ومن خلق السموات والارض، فيقولون: الله. فذلك إيمانهم بالله، وهم يعبدون غيره. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر وعكرمة: وما يؤمن أكثرهم بالله... الآية، قالا: يعلمون أنه ربهم، وأنه خلقهم، وهم مشركون به. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر وعكرمة بنحوه. قال: ثنا ابن نمير، عن نصر، عن عكرمة: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون قال: من إيمانهم إذا قيل لهم: من خلق السموات ؟ قالوا: الله وإذا سئلوا: من خلقهم ؟ قالوا: الله وهم يشركون به بعد.
[ 101 ]
قال: ثنا أبو نعيم، عن الفضل بن يزيد الثمالي، عن عكرمة، قال: هو قول الله: ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله فإذا سئلوا عن الله وعن صفته، وصفوه بغير صفته وجعلوا له ولدا وأشركوا به. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون إيمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون إيمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا. حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون إيمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا، فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون قال: إيمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا هانئ بن سعيد وأبو معاوية، عن حجاج، عن القاسم، عن مجاهد، قال: يقولون: الله ربنا، وهو يرزقنا وهم يشركون به بعد. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: إيمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا. قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبوتميلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد وعامر، أنهم قالوا في هذه الآية: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون قال: ليس أحد إلا وهو يعلم أن الله خلقه وخلق السموات والارض، فهذا إيمانهم، ويكفرون بما سوى ذلك.
[ 102 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون في إيمانهم هذا، إنك لست تلقى أحدا منهم إلا أنبأك أن الله ربه وهو الذي خلقه ورزقه، وهو مشترك في عبادته. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وما يؤمن أكثرهم بالله... الآية، قال: لا تسأل أحدا من المشركين من ربك إلا قال: ربي الله، وهو يشرك في ذلك. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون يعني النصارى. يقول: (ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله) (1) (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ولئن سألتهم من يرزقكم من السماء والارض ؟ ليقولن الله. وهم من ذلك يشركون به ويعبدون غيره ويسجدون للانداد دونه. حدثني المثنى، قال: أخبرنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، قال: كانوا يشركون به في تلبيتهم. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن عبد الملك، عن عطاء: و ما يؤمن أكثرهم بالله... الآية، قال: يعلمون أن الله ربهم، وهم يشركون به بعد. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء، في قوله: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون قال: يعلمون أن الله خالقهم ورازقهم، وهم يشركون به. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال: سمعت ابن زيد يقول: وما يؤمن أكثرهم بالله... الآية، قال: ليس أحد يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله، ويعرف أن الله ربه، وأن الله خالقه ورازقه، وهو يشرك به ألا ترى كيف قال إبراهيم: أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الاقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين قد عرف أنهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون. قال: فليس أحد يشرك به
[ 103 ]
إلا وهو مؤمن به، ألا ترى كيف كانت العرب تلبي، تقول: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك ؟ المشركون كانوا يقولون هذا. القول في تأويل قوله تعالى: (أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون) يقول جل ثناؤه: أفأمن هؤلاء الذين لا يقرون بأن الله ربهم إلا وهم مشركون في عبادتهم إياه غيره، أن تأتيهم غاشية من عذاب الله تغشاهم من عقوبة الله وعذابه، على شركهم بالله، أو تأتيهم القيامة فجأة وهم مقيمون على شركهم وكفرهم بربهم، فيخلدهم الله عزوجل في ناره وهم لا يدرون بمجيئها وقيامها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أن تأتيهم غاشية من عذاب الله قال: تغشاهم. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: غاشية من عذاب الله قال: تغشاهم. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله: أي عقوبة من عذاب الله. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:
[ 104 ]
غاشية من عذاب الله قال: غاشية واقعة تغشاهم من عذاب الله. القول في تأويل قوله تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد هذه الدعوة التي أدعو إليها، والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والاوثان والانتهاء إلى طاعته وترك معصيته، سبيلي وطريقتي ودعوتي أدعو إلى الله وحده لا شريك له على بصيرة بذلك، ويقين علم مني به، أنا ويدعو إليه على بصيرة أيضا من اتبعني وصدقني وآمن بي. وسبحان الله يقول له تعالى ذكره: وقل تنزيها لله وتعظيما له من أن يكون له شريك في ملكه أو معبود سواه في سلطانه، وما أنا من المشركين يقول: وأنا برئ من أهل الشرك به، لست منهم ولا هم مني. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، في قوله: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة يقول: هذه دعوتي. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة قال: هذه سبيلي، هذا أمري وسنتي ومنهاجي. أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني قال: وحق الله وعلى من اتبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه، ويذكر بالقرآن والموعظة، وينهي عن معاصي الله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، قوله: قل هذه سبيلي: هذه دعوتي. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع: قل هذه سبيلي قال: هذه دعوتي. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 105 ]
(وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون) يقول تعالى ذكره: وما أرسلنا يا محمد من قبلك إلا رجالا لا نساء ولا ملائكة، نوحي إليهم آياتنا بالدعاء إلى طاعتنا وإفراد العبادة لنا من أهل القرى يعني من أهل الامصار، دون أهل البوادي. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى لانهم كانوا أحلم وأحلم من أهل العمود. وقوله: أفلم يسيروا في الارض يقول تعالى ذكره: أفل يسر هؤلاء المشركون الذين يكذبونك يا محمد، ويجحدون نبوتك، وينكرون ما جئتهم به من توحيد الله وإخلاص الطاعة والعبادة له في الارض، فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم إذ كذبوا رسلنا، ألم نحل بهم عقوبتنا، فنهلكهم بها، وننج منها رسلنا وأتباعنا، فيتفكروا في ذلك و يعتبروا ؟ ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: قوله: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم قال: إنهم قالوا: ما أنزل الله على بشر من شئ قال: وقوله: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وما تسألهم عليه من أجر، وقوله: وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها، وقوله: أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله، وقوله: أفلم يسيروا في الارض فينظروا من أهلكنا ؟ قال: فكل ذلك قال لقريش: أفلم يسيروا في الارض فينظروا في آثارهم فيعتبروا ويتفكروا.
[ 106 ]
وقوله: ولدار الآخرة خير يقول تعالى ذكره: هذا فعلنا في الدنيا بأهل ولايتنا وطاعتنا، إن عقوبتنا إذا نزلت بأهل معاصينا والشرك بنا أنجيناهم منها، وما في الدار الآخرة لهم خير. وترك ذكر ما ذكرنا اكتفاء بدلالة قوله: ولدار الآخرة خير للذين اتقوا عليه، وأضيفت الدار إلى الآخرة، وهي الآخرة، لاختلاف لفظهما، كما قيل: إن هذا لهو حق اليقين وكما قيل: أتيتك عام الاول، وبارحة الاولى، وليلة الاولى، ويوم الخميس، وكما قال الشاعر: أتمدح فقعسا وتذم عبسا * ألا لله أمك من هجين ولو أقوت عليك ديار * عبس عرفت الذل عرفان اليقين يعني عرفانا به يقينا. فتأويل الكلام: وللدار الآخرة خير للذين اتقوا الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه. وقوله: أفلا تعقلون يقول: أفلا يعقل هؤلاء المشركون بالله حقيقة ما نقول لهم ونخبرهم به من سوء عاقبة الكفر، وغب ما يصير إليه حال أهله مع ما قد عاينوا ورأوا وسمعوا مما حل بمن قبلهم من الامم الكافرة المكذبة رسل بها. القول في تأويل قوله تعالى: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) يقول تعالى ذكره: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى، فدعوا من أرسلنا إليهم، فكذبوهم، وردوا ما أتوا به من عند الله، حتى إذا استيأس الرسل الذين أرسلناهم إليهم منهم أن يؤمنوا بالله، ويصدقوهم فيما أتوهم به من عند الله، وظن الذين أرسلناهم إليهم من الامم المكذبة أن الرسل الذين أرسلناهم، قد كذبوهم فيما كانوا أخبروهم عن الله من وعده إياهم نصرهم عليهم، جاءهم نصرنا. وذلك قول جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 107 ]
حدثنا أبو السائب سلم بن جنادة، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن مسلم، عن ابن عباس، في قوله: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا قال: لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم، جاءهم النصر على ذلك، فننجي من نشاء. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أبو معاوية الضرير، قال: ثنا الاعمش، عن مسلم، عن ابن عباس بنحوه، غير أنه قال في حديثه، قال: أيست الرسل، ولم يقل: لما أيست. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: حتى إذا استيأس الرسل أن يسلم قومهم، وظن قوم الرسل أن الرسل قد كذبوا جاءهم نصرنا. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن ابن عباس، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمران بن عيينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا قال: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا، جاءهم نصرنا. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حصين، عن عمران السلمي، عن ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا أيس الرسل من قومهم أن يصدقوهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم. حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا جرير، عن حصين، عن عمرا بن الحرث السلمي، عن عبد الله بن عباس، في قوله: حتى إذا استيأس الرسل قال: استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم وظنوا أنهم قد كذبوا قال: ظن قومهم أنهم جاءوهم بالكذب. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت حصينا، عن عمران بن الحرث، عن ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل من أن يستجيب لهم قومهم، وظن قومهم أن قد كذبوهم، جاءهم نصرنا. حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا
[ 108 ]
حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس، في هذه الآية: حتى إذا استيأس الرسل قال: استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم فيما وعدوا وكذبوا، جاءهم نصرنا. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن حصين، عن عمران بن الحرث، عن ابن عباس، قال: حتى إذا استيأس الرسل من نصر قومهم وظنوا أنهم قد كذبوا ظن قومهم أنهم قد كذبوهم. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا محمد بن الصباح، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عمران بن الحرث، عن ابن عباس، في قوله: حتى إذا استيأس الرسل قال: من قومهم أن يؤمنوا بهم، وأن يستجيبوا لهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم جاءهم نصرنا يعني الرسل. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس بمثله سواء. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن هارون، عن عباد القرشي، عن عبد الرحمن بن معاوية، عن ابن عباس: وظنوا أنهم قد كذبوا خفيفة، وتأويلها عنده، وظن القوم أن الرسل قد كذبوا. حدثنا أبو بكر، قال: ثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن الاعمش، عن مسلم، عن ابن عباس، قال: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم، وظن قومهم أن قد كذبتهم رسلهم، جاءهم نصرنا. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا يعني: أيس الرسل من أن يتبعهم قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا، فينصر الله الرسل، ويبعث العذاب. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يطيعوهم ويتبعوهم، وظن قومهم أن رسلهم كذبوهم جاءهم نصرنا. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن حصين، عن
[ 109 ]
عمران بن الحرث، عن ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم وظنوا أنهم قد كذبوا قال: فما أبطأ عليهم لا من ظن أنهم قد كذبوا. قال: ثنا آدم العسقلاني، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن، عن عمران بن الحرث قال: سمعت ابن عباس يقول: وظنوا أنهم قد كذبوا خفيفة. وقال ابن عباس: ظن القوم أن الرسل قد كذبوهم خفيفة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، في قوله: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم. قال: ثنا محمد بن فضيل، عن خصيف، قال: سألت سعيد بن جبير، عن قوله: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم، وظن الكفار أنهم هم كذبوا. حدثني يعقوب والحسن بن محمد، قالا: ثنا إسماعيل بن علية. قال: ثنا كلثوم بن جبر، عن سعيد ابن جبير، قوله: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم. حدثني المثنى، قال: ثنا عارم أبو النعمان، قال: ثنا حماد بن زيد، قال: ثنا شعيب، قال: ثني إبراهيم بن أبي حمزة الجزري، قال: سأل فتى من قريش سعيد بن جبير، فقال له: يا أبا عبد الله كيف تقرأ هذا الحرف فإني إذا أتيت عليه تمنيت أن لا أقرأ هذه السورة حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ؟ قال: نعم، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم، وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوا. قال: فقال الضحاك بن مزاحم: ما رأيت كاليوم قط رجلا يدعى إلى علم فيتلكأ، لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلا. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا ربيعة بن كلثوم، قال: ثني أبي، أن مسلم بن يسار، سأل سعيد بن جبير فقال: يا أبا عبد الله، آية بلغت مني كل مبلغ: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا فهذا الموت، أن تظن الرسل أنهم قد كذبوا، أو نظن أنهم قد كذبوا مخففة ؟ قال: فقال سعيد بن جبير: يا أبا عبد الرحمن، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم، وظن قومهم أن الرسل كذبتهم جاءهم نصرنا
[ 110 ]
فنجي من نشاء، ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين. قال: فقال مسلم إلى سعيد، فاعتنقه وقال: فرج الله عنك كما فرجت عني. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يحيى بن عباد، قال: ثنا وهيب، قال: ثنا أبو المعلى العطار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا قال: استيأس الرسل من إيمان قومهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم، ما كانوا يخبرونهم ويبلغونهم. قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله حتى إذا استيأس الرسل أن يصدقهم قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا، جاء الرسل نصرنا. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى. قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، في هذه الآية: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم. وظن قومهم أن الرسل قد كذبت. قال: ثنا حماد، عن كلثوم بن جبر، قال: قال لي سعيد بن جبير: سألني سيد من ساداتكم عن هذه الآية. فقلت: استيأس الرسل من قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبت. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا قال: استيأس الرسل أن يؤمن قومهم بهم، وظن قومهم المشركون أن الرسل قد كذبوا ما وعدهم الله من نصره إياهم عليهم وأخلفوا. وقرأ: جاءهم نصرنا قال: جاء الرسل النصر حينئذ، قال: وكان أبي يقرؤها: كذبوا. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن أبي المتوكل، عن أيوب ابن أبي صفوان، عن عبد الله بن الحارث، أنه قال: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وظنوا أنهم قد كذبوا وظن القوم أنهم قد كذبوهم فيما
[ 111 ]
جاءوهم به. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب، عن جويبر، عن الضحاك، قال: ظن قومهم أن رسلهم قد كذبوهم فيما وعدوهم به. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن جحش بن زياد الضبي، عن تميم ابن حذلم، قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الآية: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا قال: استيأس الرسل من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم، وظن قومهم حين أبطأ الامر أنه قد كذبوا بالتخفيف. حدثنا أبو المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي المعلى، عن سعيد بن جبير، فيقوله: حتى إذا استيأس الرسل قال: استيأس الرسل من نصر قومهم، وظن قوم الرسل أن الرسل قد كذبوهم. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير: حتى إذا استيأس الرسل أن يصدقوهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم. قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل أن يصدقهم قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك في قوله: حتى إذا استيأس الرسل يقول: استيأسوا من قومهم أن يجيبوهم، ويؤمنوا بهم، وظنوا: يقول: وظن قوم الرسل أن الرسل قد كذبوهم الموعد. والقراءة على هذا التأويل الذي ذكرنا في قوله: كذبوا بضم الكاف وتخفيف الذال، وذلك أيضا قراءة بعض قراء أهل المدينة وعامة قراء أهل الكوفة. وإنما اخترنا هذا التأويل وهذه القراءة، لان ذلك عقيب قوله: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم فكان ذلك دليلا على أن إياس الرسل كان من إيمان قومهم الذين أهلكوا، وأن المضمر في قوله: وظنوا أنهم قد كذبوا إنما هو من ذكر الذين من قبلهم من الامم الهالكة، وزاد ذلك وضوحا أيضا إتباع الله في سياق الخبر عن الرسل وأممهم قوله: فنجي
[ 112 ]
من نشاء إذ الذين أهلكوا هم الذين ظنوا أن الرسل قد كذبتم، فكذبوهم ظنا منهم أنهم قد كذبوهم. وقد ذهب قوم ممن قرأ هذه القراءة إلى غير التأويل الذي اخترنا، ووجهوا معناه إلى: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظنت الرسل أنهم قد كذبوا فيما وعدوا من النصر. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: ثنا ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: قرأ ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا قال: كانوا بشرا ضعفوا ويئسوا. قال: ثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قرأ: وظنوا أنهم قد كذبوا خفيفة. قال ابن جريج: أقول كما يقول: أخلفوا. قال عبد الله: قال لي ابن عباس: كانوا بشرا، وتلا ابن عباس: حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب. قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: ذهب بها إلى أنهم ضعفوا فظنوا أنهم أخلفوا. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق عن عبد الله، أنه قرأ: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا مخففة، قال عبد الله: هو الذي تكره. قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن سليمان، عن أبي الضحى، عن مسروق، أن رجلا سأل عبد الله بن مسعود: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا قال: هو الذي تكره، مخففة. قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، أنه قال في هذه الآية: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا قلت: كذبوا ؟ قال: نعم ألم يكونوا بشرا. حدثنا الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا قال: كانوا بشرا قد ظنوا.
[ 113 ]
وهذا تأويل وقول، غيره من أهل التأويل أولى عندي بالصواب، وخلافه من القول أشبه بصفات الانبياء والرسل، إن جاز أن يرتابوا بوعد الله إياهم ويشكوا في حقيقة خبره مع معاينتهم من حجج الله وأدلته ما لا يعاينه المرسل إليهم، فيعذروا في ذلك أن المرسل إليهم لاولى في ذلك منهم بالعذر، وذلك قول إن قاله قائل لا يخفى أمره. وقد ذكر هذا التأويل الذي ذكرناه أخيرا عن ابن عباس لعائشة، فأنكرته أشد النكرة فيما ذكر لنا. ذكر الرواية بذلك عنها رضوان الله عليها: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: ثنا ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: قرأ ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا فقال: كانوا بشرا ضعفوا ويئسوا، قال ابن أبي مليكة: فذكرت ذلك لعروة، فقال: قالت عائشة: معاذ الله، ما حدث الله رسوله شيئا قط إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت، ولكن لم يزل البلاء بالرسل، حتى ظن الانبياء أن من تبعهم قد كذبوهم. فكانت تقرؤها: قد كذبوا تثقلها. قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن أبي مليكة، أن ابن عباس قرأ: وظنوا أنهم قد كذبوا خفيفة قال عبد الله: ثم قال لي ابن عباس: كانوا بشرا. وتلا ابن عباس: حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب. قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: يذهب بها إلى أنهم ضعفوا، فظنوا أنهم أخلفوا. قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: وأخبرني عروة عن عائشة، أنها خالفت ذلك وأبته، وقالت: ما وعد الله محمدا (ص) من شئ إلا وقد علم أنه سيكون حتى مات، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أن من معهم من المؤمنين قد كذبوهم. قال ابن أبي مليكة في حديث عروة: كانت عائشة تقرؤها: وظنوا أنهم قد كذبوا مثقله، للتكذيب. قال: ثنا سليمان بن داود الهاشمي، قال: ثنا إبراهيم بن سعد، قال: ثني صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة قال: قلت لها قوله: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا قال: قالت عائشة: لقد استيقنوا أنهم قد كذبوا.
[ 114 ]
قلت: كذبوا ؟ قالت: معاذ الله، لم تكن الرسل تظن يوما، إنما هم أتباع الرسل لما استأخر عنهم الوحي واشتد عليهم البلاء ظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصرنا. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: حتى إذا استيأس الرجل ممن كذبهم من قومهم أن يصدقوهم، وظنت الرسل أن من قد آمن من قومهم قد كذبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك. فهذا روي في ذلك عن عائشة، غير أنها كانت تقرأ: كذبوا بالتشديد وضم الكاف، بمعنى ما ذكرنا عنها، من أن الرسل ظنت بأتباعها الذين قد آمنوا بهم أنهم قد كذبوهم، فارتدوا عن دينهم، استبطاء منهم للنصر. وقد بينا أن الذي نختار من القراءة في ذلك والتأويل غيره في هذا الحرف خاصة. وقال آخرون ممن قرأ قوله: كذبوا بضم الكاف وتشديد الذال، معنى ذلك: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا بهم ويصدقوهم، وظنت الرسل: بمعنى واستيقنت أنهم قد كذبهم أممهم جاءت الرسل نصرتنا وقالوا: الظن في هذا بمعنى العلم، من قول الشاعر: فظنوا بألفي فارس متلبب * سراتهم في الفارسي المسرد حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، وهو قول قتادة: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظنوا أنهم قد كذبوا: أي استيقنوا أنه لا خير عند قومهم، ولا إيمان، جاءهم نصرنا. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن
[ 115 ]
قتادة: حتى إذا استيأس الرسل قال: من قومهم وظنوا أنهم قد كذبوا قال: وعلموا قد كذبوا، جاءهم نصرنا. وبهذه القراءة كانت تقرأ عامة قراء المدينة والبصرة والشام، أعني بتشديد الذال من كذبوا وضم كافها. وهذا التأويل الذي ذهب إليه الحسن وقتادة في ذلك إذا قرئ بتشديد الذال وضم الكاف خلاف لما ذكرنا من أقوال جميع من حكينا قوله من الصحابة، لانه لم يوجه الظن في هذا الموضع منهم أحد إلى معنى العلم واليقين، مع أن الظن إنما استعمله العرب في موضع العلم فيما كان من علم أدرك من جهة الخبر أو من غير وجه المشاهدة والمعاينة، فأما ما كان من علم أدرك من وجه المشاهدة والمعاينة فإنها لا تستعمل فيه الظن، لا تكاد تقول: أظنني حيا وأظنني إنسانا، بمعنى: أعلمني إنسانا وأعلمني حيا. والرسل الذين كذبتهم أممهم، لا شك أنها كانت لاممها شاهدة ولتكذيبها إياها منها سامعة، فيقال فيها: ظنت بأممها أنها كذبتها. وروي عن مجاهد في ذلك قول هو خلاف جميع ما ذكرنا من أقوال الماضين الذين سمينا أسماءهم وذكرنا أقوالهم وتأويل خلاف تأويلهم وقراءة غير قراءة جميعهم، وهو أنه فيما ذكر عنه كان يقرأ: وظنوا أنهم قد كذبوا بفتح الكاف والذال وتخفيف الذال. ذكر الرواية عنه بذلك: حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا أبو عبيد، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، أنه قرأها: كذبوا بفتح الكاف بالتخفيف. وكان يتأوله كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: استيأس الرجل أن تعذب قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا، جاءهم نصرنا، قال: جاء الرسل نصرنا. قال مجاهد: قال في المؤمن: فلما جاءتهم رسلنا بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم قال: قولهم نحن أعلم منهم، ولن نعذب. وقوله: وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون قال: حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الحق. وهذه القراءة لا أستجيز القراءة بها لاجماع الحجة من قراء الامصار على خلافها، ولو جازت القراءة بذلك لاحتمل وجها من التأويل وهو أحسن مما تأوله مجاهد، وهو: حتى إذا استيأس الرسل من عذاب الله قومها المكذبة بها، وظنت الرسل أن قومها قد
[ 116 ]
كذبوا وافتروا على الله بكفرهم بها. ويكون الظن موجها حينئذ إلى معنى العلم، على ما تأوله الحسن وقتادة. وأما قوله: فنجي من نشاء فإن القراء اختلفت في قراءته، فقرأه عامة قراء أهل المدينة ومكة والعراق: فننجي من نشاء بنونين، بمعنى: فننجي نحن من نشاء من رسلنا والمؤمنين بنا، دون الكافرين الذين كذبوا رسلنا إذا جاء الرسل نصرنا. واعتل الذين قرءوا ذلك كذلك أنه إنما كتب في المصحف بنون واحدة، وحكمه أن يكون بنونين، لان إحدى النونين حرف من أصل الكلمة، من أنجى ينجي، والاخرى النون التي تأتي لمعنى الدلالة على الاستقبال، من فعل جماعة مخبرة عن أنفسها، لانهما حرفان أعني النونين من جنس واحد يخفي الثاني منهما عن الاظهار في الكلام، فحذفت من الخط واجتزئ بالمثبتة من المحذوفة، كما يفعل ذلك في الحرفين اللذين يدغم أحدهما في صاحبه. وقرأ ذلك بعض الكوفيين على هذا المعنى، غير أنه أدغم النون الثانية وشدد الجيم. وقرأه آخر منهم بتشديد الجيم ونصب الياء على معنى فعل ذلك به من نجيته أنجيه. وقرأ ذلك بعض المكيين: فنجا من نشاء بفتح النون والتخفيف، من نجا من عذاب الله من نشاء ينجو. والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأ: فننجي من نشاء بنونين، لان ذلك هو القراءة التي عليها القراءة في الامصار، وما خالفه ممن قرأ ذلك ببعض الوجوه التي ذكرناها فمنفرد بقراءته عما عليه الحجة مجمعة من القراء، وغير جائز خلاف ما كان مستفيضا بالقراءة في قراءة الامصار. وتأويل الكلام: فننجي الرسل ومن نشاء من عبادنا المؤمنين إذا جاء نصرنا كما: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال ثني عمي: قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فننجي من نشاء فننجي الرسل ومن نشاء، ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين وذلك أن الله تبارك وتعالى بعث الرسل، قدعوا قومهم. وأخبروهم أنه من أطاع نجا ومن عصاه عذب وغوى. وقوله ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين يقول: ولا ترد عقوبتنا وبطشنا بمن بطشنا به من أهل الكفر بنا عن القوم الذين أجرموا، فكفروا بالله وخالفوا رسله وما أتوهم به من عنده. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 117 ]
(لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) يقول تعالى ذكره: لقد كان في قصص يو سف وإخوته عبرة لاهل الحجا والعقول، يعتبرون بها وموعظة يتعظون بها وذلك أن الله جل ثناؤه بعد أن ألقي يوسف في الجب ليهلك، ثم بيع بيع العبيد بالخسيس من الثمن، وبعد الاسار والحبس الطويل ملكه مصر ومكن له في الارض وأعلاه على من بغاه سوءا من إخوته، وجمع بينه وبين والديه وإخوته بقدرته بعد المدة الطويلة، وجاء بهم إليه من الشقة النائية البعيدة. فقال جل ثناؤه للمشركين من قريش من قوم نبيه محمد (ص): لقد كان لكم أيها القوم في قصصهم عبرة لو اعتبرتم به، أن الذي فعل ذلك بيوسف وإخوته لا يتعذر عليه أن يفعل مثله بمحمد (ص)، فيخرجه من بين أظهركم ثم يظهره عليكم ويمكن له في البلاد ويؤيده بالجند والرجال من الاتباع والاصحاب، وإن مرت به شدائد وأتت دونه الايام والليالي والدهور والازمان. وكان مجاهد يقول: معنى ذلك: لقد كان في قصصهم عبرة ليوسف وإخوته. ذكر الرواية بذلك: حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: لقد كان في قصصهم عبرة ليوسف وإخوته. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: عبرة ليوسف وإخوته. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: لقد كان في قصصهم عبرة لاولى الالباب قال: يوسف وإخوته. وهذا القول الذي قاله مجاهد وإن كان له وجه يحتمله التأويل، فإن الذي قلنا في ذلك أولى به لان ذلك عقيب الخبر عن نبينا (ص) وعن قومه من المشركين، وعقيب تهديدهم ووعيدهم على الكفر بالله وبرسوله محمد (ص)، ومنقطع عن خبر يوسف وإخوته، ومع ذلك أنه خبر عام عن جميع ذوي الالباب، أن قصصهم لهم عبرة، وغير مخصوص
[ 118 ]
بعض به دون بعض. فإذا كان الامر على ما وصفت في ذلك، فهو بأن يكون خبرا عن أنه عبرة لغيرهم أشبه، والرواية التي ذكرناها عن مجاهد من رواية ابن جريج أشبه به أن تكون من قوله لان ذلك موافق القول الذي قلناه في ذلك. وقوله: ما كان حديثا يفترى يقول تعالى ذكره: ما كان هذا القول حديثا يختلق ويتكذب ويتخرص. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ما كان حديثا يفترى والفرية: الكذب. ولكن تصديق الذي بين يديه يقول: ولكنه تصديق الذي بين يديه من كتب الله التي أنزلها قبله على أنبيائه، كالتوراة والانجيل والزبور، ويصدق ذلك كله ويشهد عليه أن جميعه حق من عند الله. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ولكن تصديق الذي بين يديه والفرقان تصديق الكتب التي قبله، ويشهد عليها. وقوله: وتفصيل كل شئ يقول تعالى ذكره: وهو أيضا تفصيل كل ما بالعباد إليه حاجة من بيان أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه وطاعته ومعصيته. وقوله: وهدى ورحمة لقوم يؤمنون يقول تعالى ذكره: وهو بيان أمره، ورشاد من جهل سبيل الحق فعمي عنه إذا تبعه فاهتدى به من ضلالته ورحمة لمن آمن به وعمل بما فيه، ينقذه من سخط الله وأليم عذابه، ويورثه في الآخرة جنانه والخلود في النعيم المقيم. لقوم يؤمنون يقول: لقوم يصدقون بالقرآن وبما فيه من وعد الله ووعيده وأمره ونهيه، فيعملون بما فيه من أمره وينتهون عما فيه من نهيه. آخر تفسير سورة يوسف
[ 119 ]
(13) سورة الرعد مدنية وآياتها ثلاث وأربعون القول في تفسير السورة التي يذكر فيها الرعد بسم الله الرحمن الرحيم (المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) قال أبو جعفر: قد بينا القول في تأويل قوله (الر) و (المر) ونظائرهما من حروف المعجم التي افتتح بها أوائل بعض سور القرآن فيما مضى بما فيه الكفاية من إعادتها، غير أنا نذكر من الرواية ما جاء خاصا به كل سورة افتتح أولها بشئ منها. فمما جاء من الرواية في ذلك في هذه السورة عن ابن عباس من نقل أبي الضحى مسلم بن صبيح وسعيد بن جبير عنه، التفريق بين معنى ما ابتدئ به أولها مع زيادة الميم التي فيها على سائر سور ذوات الراء، ومعنى ما ابتدئ به أخواتها، مع نقصان ذلك منها عنها. ذكر الرواية بذلك عنه: حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن، عن هشيم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: المر قال: أنا الله أرى. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس: قوله: المر قال: أنا الله أرى. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: ثنا سفيان، عن مجاهد: المر: فواتح يفتتح بها كلامه. وقوله: تلك آيات الكتاب يقول تعالى ذكره: تلك التي قصصت عليك خبرها
[ 120 ]
آيات الكتاب الذي أنزلته قبل هذا الكتاب الذي أنزلته إليك إلى من أنزلته إليه من رسلي قبلك. وقيل: عنى بذلك: التوراة والانجيل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: المر تلك آيات الكتاب الكتب التي كانت قبل القرآن. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن مجاهد: تلك آيات الكتاب قال: التوراة والانجيل. وقوله: والذي أنزل إليك من ربك الحق (وهو القرآن) فاعمل بما فيه واعتصم به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: ثنا سفيان، عن مجاهد: والذي أنزل إليك من ربك الحق قال: القرآن. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والذي أنزل إليك من ربك الحق: أي هذا القرآن. وفي قوله: والذي أنزل إليك وجهان من الاعراب: أحدهما الرفع على أنه كلام مبتدأ، فيكون مرفوعا ب الحق والحق به. وعلى هذا الوجه تأويل مجاهد وقتادة الذي ذكرنا قبل عنهما. والآخر: الخفض على العطف به على الكتاب، فيكون معنى الكلام حينئذ: تلك آيات التوراة والانجيل والقرآن، ثم يبتدئ الحق بمعنى ذلك الحق، فيكون رفعه بمضمر من الكلام قد استغني بدلالة الظاهر عليه منه. ولو قيل: معنى ذلك: تلك آيات الكتاب الذي أنزل إليك من ربك الحق، وإنما أدخلت الواو في والذي، وهو نعت للكتاب، كما أدخلها الشاعر في قوله: إلى الملك القرم وابن الهمام * وليث الكتيبة في المزدحم
[ 121 ]
فعطف بالواو، وذلك كله من صفة واحد، كان مذهبا من التأويل ولكن ذلك إذا تؤول كذلك فالصواب من القراءة في الحق الخفض على أنه نعت ل‍ " الذي ". وقوله: ولكن أكثر الناس من مشركي قومك لا يصدقون بالحق الذي أنزل إليك من ربك، ولا يقرون بهذا القرآن وما فيه من محكم آيه. القول في تأويل قوله تعالى: (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى يدبر الامر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون) يقول تعالى ذكره: الله يا محمد هو الذي رفع السموات السبع بغير عمد ترونها، فجعلها للارض سقفا مسموكا. والعمد جمع عمود، وهي السواري، وما يعمد به البناء، كما قال النابغة: وخيس الجن إني قد أذنت لهم * يبنون تدمر بالصفاح والعمد وجمع العمود: عمد، كما جمع الاديم: أدم، ولو جمع بالضم فقيل: عمد جاز، كما يجمع الرسول: رسل، والشكور: شكر. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: رفع السموات بغير عمد ترونها فقال بعضهم: تأويل ذلك: الله الذي رفع السموات بعمد لا ترونها. ذكر من قال ذلك:
[ 122 ]
حدثنا أحمد بن هشام، قال: ثنا معاذ بن معاذ، قال: ثنا عمران بن حدير، عن عكرمة، قال: قلت لابن عباس: إن فلانا يقول: إنها على عمد، يعني السماء ؟ قال: فقال: اقرأها بغير عمد ترونها: أي لا ترونها. حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، قال: ثنا معاذ بن معاذ، عن عمران بن حدير، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان، قال: ثنا حماد، قال: ثنا حميد، عن الحسن بن مسلم، عن مجاهد، قوله: بغير عمد ترونها قال: بعمد لا ترونها. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن حميد، عن الحسن بن مسلم، عن مجاهد، في قول الله: بغير عمد ترونها قال: هي لا ترونها. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بغير عمد يقول: عمد. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الحسن وقتادة، قوله: الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها قال قتادة: قال ابن عباس: بعمد ولكن لا ترونها. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قوله: رفع السموات بغير عمد ترونها قال: ما يدريك لعلها بعمد لا ترونها ؟ ومن تأول ذلك كذلك، قصد مذهب تقديم العرب الجحد من آخر الكلام إلى أوله، كقول الشاعر:
[ 123 ]
ولا أراها تزال ظالمة * تحدث لي نكبة وتنكؤها يريد: أراها لا تزال ظالمة، فقدم الجحد عن موضعه من تزال، وكما قال الآخر: إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ * فدعه وواكل حاله واللياليا يجئن على ما كان من صالح به * وإن كان فيما لا ترى الناس آليا يعني: وإن كان فيما يرى الناس لا يألو. وقال آخرون: بل هي مرفوعة بغير عمد. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: أخبرنا آدم، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن إياس بن معاوية، في قوله: رفع السموات بغير عمد ترونها قال: السماء مقببة على الارض مثل القبة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: بغير عمد ترونها قال: رفعها بغير عمد. وأولى الاقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال الله تعالى: الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها فهي مرفوعة بغير عمد نراها، كما قال ربنا جل ثناؤه. ولا خبر بغير ذلك، ولا حجة يجب التسليم لها بقول سواه. وأما قوله: ثم استوى على العرش فإنه يعني: علا عليه.
[ 124 ]
وقد بينا معنى الاستواء و اختلاف المختلفين فيه والصحيح من القول فيما قالوا فيه بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: وسخر الشمس والقمر يقول: وأجرى الشمس والقمر في السماء، فسخرهما فيها لمصالح خلقه، وذللهما لمنافعهم، ليعلموا بجريهما فيها عدد السنين والحساب، ويفصلوا به بين الليل والنهار. وقوله: كل يجري لاجل مسمى يقول جل ثناؤه: كل ذلك يجري في السماء لاجل مسمى: أي لوقت معلوم، وذلك إلى فناء الدنيا وقيام القيامة التي عندها تكور الشمس، ويخسف القمر وتنكدر النجوم وحذف ذلك من الكلام لفهم السامعين من أهل لسان من نزل بلسانه القرآن معناه، وأن كل لا بد لها من إضافة إلى ما تحيط به. و بنحو الذي قلنا في قوله لاجل مسمى قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى قال: الدنيا. وقوله: يدبر الامر يقول تعالى ذكره: يقضي الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها أمور الدنيا والآخرة كلها، ويدبر ذلك كله وحده، بغير شريك ولا ظهير ولا معين سبحانه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يدبر الامر يقضيه وحده. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه. وقوله: يفصل الآيات يقول: يفصل لكم ربكم آيات كتابه، فيبينها لكم احتجاجا
[ 125 ]
بها عليكم أيها الناس، لعلكم بلقاء ربكم توقنون يقول: لتوقنوا بلقاء الله، والمعاد إليه، فتصدقوا بوعده ووعيده، وتنزجروا عن عبادة الآلهة والاوثان، وتخلصوا له العبادة إذا تيقنتم ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: لعلكم بلقاء ربكم توقنون وأن الله تبارك وتعالى إنما أنزل كتابه، وأرسل رسله لنؤمن بوعده، ونستيقن بلقائه. القول في تأويل قوله تعالى: (وهو الذي مد الارض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) يقول تعالى ذكره: والله الذي مد الارض، فبسطها طولا وعرضا. وقوله: وجعل فيها رواسي يقول جل ثناؤه: وجعل في الارض جبالا ثابتة والرواسي: جمع راسية، وهي الثابتة، يقال منه: أرسيت الوتد في الارض: إذا أثبته، كما قال الشاعر: به خالدات ما يرمن وهامد * وأشعث أرسته الوليدة بالفهر يعني: أثبتته. وقوله: وأنهارا يقول: وجعل في الارض أنهارا من ماء. وقوله: ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ف‍ " من " في قوله ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين من صلة جعل الثاني لا الاول. ومعنى الكلام: وجعل فيها زوجين اثنين من كل الثمرات. وعنى بزوجين اثنين: من كل ذكر اثنان، ومن كل أنثى اثنان، فذلك أربعة من الذكور اثنان ومن الاناث اثنان في قول بعضهم. وقد بينا فيما مضى أن العرب تسمي الاثنين زوجين، والواحد من الذكور زوجا لانثاه، وكذلك الانثى الواحدة زوجا وزوجة لذكرها،
[ 126 ]
بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. ويزيد ذلك إيضاحا قول الله عزوجل: وأنه خلق الزوجين الذكر والانثى فسمى الاثنين الذكر والانثى زوجين. وإنما عنى بقوله: من كل زوجين اثنين: نوعين وضربين. وقوله: يغشى الليل النهار يقول: يجلل الليل النهار فيلبسه ظلمته، والنهار الليل بضيائه. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يغشي الليل النهار: أي يلبس الليل النهار. وقوله: إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون يقول تعالى ذكره: إن فيما وصفت وذكرت من عجائب خلق الله وعظيم قدرته التي خلق بها هذه الاشياء، لدلالات وحججا وعظات، لقوم يتفكرون فيها فيستدلون ويعتبرون بها، فيعلمون أن العبادة لا تصلح ولا تجوز إلا لمن خلقها ودبرها دون غيره من الآلهة والاصنام التي لا تقدر على ضر ولا نفع ولا لشئ غيرها، إلا لمن أنشأ ذلك فأحدثه من غير شئ تبارك وتعالى، وأن القدرة التي أبدع بها ذلك هي القدرة التي لا يتعذر عليه إحياء من هلك من خلقه وإعادة ما فني منه وابتداع ما شاء ابتداعه بها. القول في تأويل قوله تعالى: (وفي الارض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) يقول تعالى ذكره: وفي الارض قطع متجاورات: وفي الارض قطع منها متقاربات متدانيات يقرب بعضها من بعض بالجوار، وتختلف بالتفاضل مع تجاورها وقرب بعضها من بعض، فمنها قطعة سبخة لا تنبت شيئا في جوار قطعة طيبة تنبت وتنفع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: وفي الارض قطع متجاورات قال: السبخة والعذية، والمالح والطيب.
[ 127 ]
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قوله: وفي الارض قطع متجاورات قال: سباخ وعذوبة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا سعيد بن سليمان، قال: ثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي سنان، عن ابن عباس في قوله: وفي الارض قطع متجاورات قال: العذية والسبخة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وفي الارض قطع متجاورات يعني: الارض السبخة، والارض العذية، يكونان جميعا متجاورات، نفضل بعضها على بعض في الاكل. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: قطع متجاورات العذية والسبخة متجاورات جميعا، تنبت هذه، وهذه إلى جنبها لا تنبت. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: قطع متجاورات طيبها: عذيها، وخبيثها: السباخ. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وفي الارض قطع متجاورات قرى قربت متجاورات بعضها من بعض. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وفي الارض قطع متجاورات قال: قرى متجاورات. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن الضحاك، في قوله: قطع متجاورات قال: الارض السبخة تليها الارض العذية.
[ 128 ]
حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وفي الارض قطع متجاورات يعني الارض السبخة والارض العذية، متجاورات بعضها عند بعض. حدثنا الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، في قوله: وفي الارض قطع متجاورات قال: الارض تنبت حلوا، والارض تنبت حامضا، وهي متجاورة تسقى بماء واحد. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: وفي الارض قطع متجاورات قال: يكون هذا حلوا وهذا حامضا، وهو يسقى بماء واحد، وهن متجاورات. حدثني عبد الجبار بن يحيى الرملي، قال: ثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب في قوله: وفي الارض قطع متجاورات قال: عذية ومالحة. وقوله: وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل يقول تعالى ذكره: وفي الارض مع القطع المختلفات المعاني منها، بالملوحة والعذوبة، والخبيث والطيب، مع تجاورها وتقارب بعضها من بعض، بساتين من أعناب وزرع ونخيل أيضا، متقاربة في الخلقة مختلفة في الطعوم والالوان، مع اجتماع جميعها على شرب واحد، فمن طيب طعمه منها حسن منظره طيبة رائحته، ومن حامض طعمه ولا رائحة له. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، في قوله: وجنات من أعناب وررع ونخيل صنوان وغير صنوان قال: مجتمع وغير مجتمع. يسقى بماء واحد ونفصل بعضها على بعض في الاكل قال: الارض الواحدة يكون فيها الخوخ والكمثري والعنب الابيض والاسود، وبعضها أكثر حملا من بعض، وبعضه حلو، وبعضه حامض، وبعضه أفضل من بعض. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وجنات قال: وما معها. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن
[ 129 ]
مجاهد قال المثنى، وثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. واختلفت القراء في قراءة قوله: وزرع ونخيل فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والكوفة: وزرع ونخيل بالخفض عطفا بذلك على الاعناب، بمعنى: وفي الارض قطع متجاورات، وجنات من أعناب ومن زرع ونخيل. وقرأ ذلك بعض قراء أهل البصرة: وزرع ونخيل بالرفع عطفا بذلك على الجنات، بمعنى: وفي الارض قطع متجاورات وجنات من أعناب، وفيها أيضا زرع ونخيل. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان متقاربتا المعنى، وقرأ بكل واحدة منهما قراء مشهورون، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب وذلك أن الزرع والنخل إذا كانا في البساتين فهما في الارض، وإذا كانا في الارض فالارض التي هما فيها جنة، فسواء وصفا بأنهما في بستان أو في أرض. وأما قوله: ونخيل صنوان وغير صنوان فإن الصنوان: جمع صنو، وهي النخلات يجمعهن أصل واحد، لا يفرق فيه بين جميعه واثنيه إلا بالاعراب في النون، وذلك أن تكون نونه في اثنيه مكسورة بكل حال، وفي جميعه متصرفة في وجوه الاعراب، ونظيره القنوان: واحدها قنو. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء: صنوان قال: المجتمع، وغير صنوان: المتفرق. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: صنوان: هي النخلة التي إلى جنبها نخلات إلى أصلها، وغير صنوان: النخلة وحدها. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب: صنوان وغير صنوان قال: الصنوان: النخلتان أصلهما واحد، وغير صنوان النخلة و النخلتان المتفرقتان. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي
[ 130 ]
إسحاق، قال: سمعت البراء يقول في هذه الآية، قال: النخلة يكون لها النخلات، وغير صنوان النخل المتفرق. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عمرو بن الهيثم أبو قطن، ويحيى بن عباد وعفان، واللفظ لفظ أبي قطن، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء، في قوله: صنوان وغير صنوان قال: الصنوان: النخلة التي جنبها النخلات، و (غير صنوان): المتفرق. حدثنا الحسن، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء في قوله: صنوان وغير صنوان قال: الصنوان: النخلات الثلاث والاربع والثنتان أصلهن واحد، وغير صنوان: المتفرق. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان وشريك، عن أبي إسحاق، عن البراء في قوله: صنوان وغير صنوان قال: النخلتان يكون أصلهما واحد، وغير صنوان: المتفرق. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: صنوان يقول: مجتمع. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ونخيل صنوان وغير صنوان يعني بالصنوان: النخلة يخرج من أصلها النخلات، فيحمل بعضه ولا يحمل بعضه، فيكون أصله واحدا ورؤوسه متفرقة. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: صنوان وغير صنوان النخيل في أصل واحد، وغير صنوان: النخيل المتفرق. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: ونخيل صنوان وغير صنوان قال: مجتمع، وغير مجتمع. حدثني المثنى، قال: ثنا النفيلي، قال: ثنا زهير، قال: ثنا أبو إسحاق، عن البراء، قال: الصنوان: ما كان أصله واحدا وهو متفرق، وغير صنوان: الذي نبت وحده. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي
[ 131 ]
نجيح، عن مجاهد، في قوله: صنوان النخلتان وأكثر في أصل واحد، وغير صنوان وحدها. حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: صنوان: النخلتان أو أكثر في أصل واحد، وغير صنوان واحدة. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك: صنوان وغير صنوان قال: الصنوان: المجتمع أصله واحد، وغير صنوان: المتفرق أصله. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: صنوان وغير صنوان قال: الصنوان: المجتمع الذي أصله واحد، وغير صنوان: المتفرق. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ونخيل صنوان وغير صنوان أما الصنوان: فالنخلتان والثلاث أصولهن واحدة وفروعهن شتى، وغير صنوان: النخلة الواحدة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: صنوان وغير صنوان قال: صنوان: النخلة التي يكون في أصلها نخلتان وثلاث أصلهن واحد. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد قوله: ونخيل صنوان وغير صنوان قال: الصنوان: النخلتان أو الثلاث يكن في أصل واحد، فذلك يعده الناس صنوانا. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: حدثني رجل أنه كان بين عمر بن الخطاب وبين العباس قول، فأسرع إليه العباس، فجاء عمر
[ 132 ]
إلى النبي (ص)، فقال: يا رسول الله، ألم تر عباسا فعل بي وفعل، فأردت أن أجيبه، فذكرت مكانه منك فكففت فقال: يرحمك الله إن عم الرجل صنو أبيه. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: صنوان: النخلة التي يكون في أصلها نخلتان وثلاث أصلهن واحد قال: فكان بين عمر بن الخطاب وبين العباس رضي الله عنهما قول، فأسرع إليه العباس، فجاء عمر إلى النبي (ص) فقال: يا نبي الله ألم تر عباسا فعل بي وفعل ؟ فأردت أن أجيبه، فذكرت مكانه منك فكففت عند ذلك، فقال: يرحمك الله إن عم الرجل صنو أبيه. قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن داود بن شابور، عن مجاهد، أن النبي (ص)، قال: لا تؤذوني في العباس فإنه بقية آبائي، وإن عم الرجل صنو أبيه. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء، وابن أبي مليكة أن رسول الله (ص) قال لعمر: يا عمر أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه ؟ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: صنوان قال: في أصل ثلاث نخلات، كمثل ثلاثة بني أم وأب يتفاضلون في العمل، كما يتفاضل ثمر هذه النخلات الثلاث في أصل واحد. قال ابن جريج: قال مجاهد: كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله، عن مجاهد، نحوه. حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن الحسن، قال: هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم كان الارض في يد الرحمن طينة واحدة، فسطحها وبطحها، فصارت الارض قطعا متجاورات، فينزل عليها الماء من
[ 133 ]
السماء، فتخرج هذه زهرتها وثمرها وشجرها وتخرج نباتها وتحيي مواتها، وتخرج هذه سبخها وملحها وخبثها، وكلتاهما تسقى بماء واحد، فلو كان الماء مالحا، قيل: إنما استسبخت هذه من قبل الماء، كذلك الناس خلقوا من آدم، فينزل عليهم من السماء تذكرة، فترق قلوب فتخشع وتخضع، وتقسو قلوب فتلهو وتسهو وتجفو. قال الحسن: والله ما جالس القرآن أحد إلا قام بزيادة أو نقصان، قال الله: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا. وقوله: تسقى بماء واحد اختلفت القراء في قوله تسقى، فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والعراق من أهل الكوفة والبصرة: تسقى بالتاء، بمعنى: تسقى الجنات والزرع والنخيل. وقد كان بعضهم يقول: إنما قيل: تسقى بالتاء لتأنيث الاعناب. وقرأ ذلك بعض المكيين والكوفيين: يسقى بالياء. وقد اختلف أهل العربية في وجه تذكيره إذا قرئ كذلك، وإنما ذلك خبر عن الجنات والاعناب والنخيل والزرع أنها تسقى بماء واحد، فقال بعض نحويي البصرة: إذا قرئ ذلك بالتاء، فذلك على الاعناب كما ذكر الانعام في قوله: ما في بطونه وأنث بعد فقال: وعليها وعلى الفلك تحملون فمن قال: يسقى بالياء جعل الاعناب مما تذكر وتؤنث، مثل الانعام. وقال: بعض نحويي الكوفة: من قال تسقى ذهب إلى تأنيث الزرع والجنات والنخيل، ومن ذكر ذهب إلى أن ذلك كله يسقى بماء واحد، وأكله مختلف حامض وحلو، ففي هذا آية. وأعجب القراءتين إلي أن أقرأ بها، قراءة من قرأ ذلك بالتاء: تسقى بماء واحد على أن معناه: تسقى الجنات والنخل والزرع بماء واحد لمجئ تسقى بعد ما قد جرى ذكرها، وهي جماع من غير بني آدم، وليس الوجه الآخر بممتنع على معنى يسقى ذلك بماء واحد: أي جميع ذلك يسقى بماء واحد عذب دون المالح. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي
[ 134 ]
نجيح، عن مجاهد، في قوله: تسقى بماء واحد ماء السماء كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: تسقى بماء واحد قال: ماء السماء. حدثني أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو، قال: أخبرنا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن الضحاك: تسقى بماء واحد قال: ماء المطر. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، قرأه ابن جريج، عن مجاهد: تسقى بماء واحد قال: ماء السماء، كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد. قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي، قال: ثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب: تسقى بماء واحد قال: بماء السماء. وقوله: ونفضل بعضها على بعض في الاكل اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه عامة قراء المكيين والمدنيين والبصريين وبعض الكوفيين: ونفضل بالنون بمعنى: ونفضل نحن بعضها على بعض في الاكل. وقرأته عامة قراء الكوفيين: ويفضل بالياء، ردا على قوله: يغشي الليل النهار ويفضل بعضها على بعض. وهما قراءتان مستفيضتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أن الياء أعجبهما إلي في القراءة، لانه في سياق كلام ابتداؤه الله الذي رفع السموات فقراءته بالياء إذ كان كذلك أولى.
[ 135 ]
ومعنى الكلام: أن الجنات من الاعناب والزرع والنخيل، الصنوان وغير الصنوان، تسقى بماء واحد عذب لا ملح، ويخالف الله بين طعوم ذلك، فيفضل بعضها على بعض في الطعم، فهذا حلو وهذا حامض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ونفضل بعضها على بعض في الاكل قال: الفارسي والدقل والحلو والحامض. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: ونفضل بعضها على بعض في الاكل قال: الارض الواحدة يكون فيها الخوخ والكمثري والعنب الابيض والاسود، وبعضها أكثر حملا من بعض، وبعضه حلو وبعضه حامض، وبعضه أفضل من بعض. حدثني المثنى، قال: ثنا عارم أبو النعمان، قال: ثنا حماد بن زيد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: ونفضل بعضها على بعض في الاكل قال: برني وكذا وكذا، وهذا بعضه أفضل من بعض. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، في قوله: ونفضل بعضها على بعض في الاكل قال: هذا حامض، وهذا حلو، وهذا مز. حدثني محمود بن خداش، قال: ثنا سيف بن محمد بن أحمد، عن سفيان الثوري، قال: ثنا الاعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال النبي (ص) في قوله: ونفضل بعضها على بعض في الاكل قال: الدقل والفارسي والحلو والحامض. حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي، قال: ثنا سليمان بن عبد الله الرقي، قال: ثنا عبيد الله بن عمر الرقي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي (ص)، في قوله: ونفضل بعضها على بعض في الاكل قال: الدقل والفارسي والحلو والحامض.
[ 136 ]
وقوله: إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون يقول تعالى ذكره: إن في مخالفة الله عزوجل بين هذا القطع من الارض المتجاورات وثمار جناتها وزروعها على ما وصفنا وبينا لدليلا واضحا وعبرة لقوم يعقلون اختلاف ذلك، أن الذي خالف بينه على هذا النحو الذي خالف بينه، هو المخالف بين خلقه فيما قسم لهم من هداية وضلال وتوفيق وخذلان، فوفق هذا وخذل هذا، وهدى ذا وأضل ذا، ولو شاء لسوى بين جميعهم، كما لو شاء سوى بين جميع أكل ثماء الجنة التي تشرب شربا واحدا، وتسقى سقيا (واحدا)، وهي متفاضلة في الاكل. القول في تأويل قوله تعالى: (وإن تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الاغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) يقول تعالى ذكره: وإن تعجب يا محمد من هؤلاء المشركين المتخذين ما لا يضر ولا ينفع آلهة يعبدونها من دوني، فعجب قولهم أئذا كنا ترابا وبلينا فعدمنا أئنا لفي خلق جديد أإنا لمجدد إنشاؤنا وإعادتنا خلقا جديدا كما كنا قبل وفاتنا ؟ تكذيبا منهم بقدرة الله، وجحودا للثواب والعقاب والبعث بعد الممات. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإن تعجب فعجب إن عجبت يا محمد فعجب قولهم أئذاكنا ترابا أئنا لفي خلق جديد عجب الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وإن تعجب فعجب قولهم قال: إن تعجب من تكذيبهم، وهم قد رأوا من قدرة الله وأمره وما ضرب لهم من الامثال، فأراهم من حياة الموتى في الارض الميتة، إن تعجب من هذه فتعجب من قولهم: أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد أو لا يرون أنا خلقناهم من نطفة، فالخلق من نطفة أشد أم الخلق من تراب وعظام ؟. واختلف في وجه تكرير الاستفهام في قوله: أئنا لفي خلق جديد بعد الاستفهام الاول في قوله: أئذا كنا ترابا أهل العربية، فقال بعض نحويي البصرة: الاول ظرف،
[ 137 ]
والآخر هو الذي وقع عليه الاستفهام كما تقول: أيوم الجمعة زيد منطلق ؟ قال: ومن أوقع استفهاما آخر على قوله: أئذا متنا وكنا ترابا ؟ جعله ظرفا لشئ مذكور قبله، كأنهم قيل لهم: تبعثون، فقالوا: أئذا كنا ترابا ؟ ثم جعل هذا استفهاما آخر. قال: وهذا بعيد. قال: وإن شئت لم تجعل في قولك: أئذا استفهاما، وجعلت الاستفهام في اللفظ على أئنا، كأنك قلت: أيوم الجمعة أ عبد الله منطلق ؟ وأضمر نفيه، فهذا موضع قد ابتدأت فيه أئذا، وليس بكبير في الكلام لو قتل اليوم: أإن عبد الله منطلق لم يحسن، وهو جائز، وقد قالت العرب ما علمت أنه لصالح، تريد: إنه لصالح ما علمت. وقال غيره: أئذا جزاء وليست بوقت، وما بعدها جواب لها إذا لم يكن في الثاني استفهام والمعنى له، لانه هو المطلوب، وقال: ألا ترى أنك تقول: إن تقم يقوم زيد ويقم من جزم، فلانه وقع موقع جواب الجزاء، ومن رفع فلان الاستفهام له. واستشهد بقول الشاعر: حلفت له إن تدلج الليل لا يزل * أمامك بيت من بيوتي سائر فجزم جواب اليمين، لانه وقع موقع جواب الجزاء، والوجه الرفع. قال: فهكذا هذه الآية. قال: ومن أدخل الاستفهام ثانية، فلانه المعتمد عليه، وترك الجزء الاول. وقوله: أولئك الذين كفروا بربهم يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين أنكروا البعث وجحدوا الثواب والعقاب، وقالوا أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد هم الذين جحدوا قدرة ربهم وكذبوا رسوله، وهم الذين في أعناقهم الاغلال يوم القيامة في نار جهنم. فأولئك أصحاب النار: يقول: هم سكان النار يوم القيامة، هم فيها خالدون يقول: هم فيها ماكثون أبدا، لا يموتون فيها، ولا يخرجون منها. القول في تأويل قوله تعالى: (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب) يقول تعالى ذكره: ويستعجلونك يا محمد مشركو قومك بالبلاء والعقوبة قبل الرخاء والعافية، فيقولون: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء
[ 138 ]
أو ائتنا بعذاب أليم وهم يعلمون ما حل بمن خلا قبلهم من الامم التي عصت ربها وكذبت رسلها من عقوبات الله وعظيم بلائه، فمن بين أمة مسخت قردة وأخرى خنازير، ومن بين أمة أهلكت بالرجفة، وأخرى بالخسف، وذلك هو المثلات التي قال الله جل ثناؤه: وقد خلت من قبلهم المثلات والمثلات: العقوبات المنكلات، والواحدة منها: مثلة بفتح الميم وضم الثاء، ثم تجمع مثلات كما واحدة الصدقات صدقة، ثم تجمع صدقات. وذكر أن تميما من بين العرب تضم الميم والثاء جميعا من المثلات، فالواحدة على لغتهم منها مثلة، ثم تجمع على مثلات، مثل غرفة وغرفات، والفعل منه: مثلت به أمثل مثلا بفتح الميم وتسكين الثاء، فإذا أردت أنك أقصصته من غيره، قلت: أمثلته من صاحبه أمثله إمثالا، وذلك إذا أقصصته منه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وقد خلت من قبلهم المثلات: وقائع الله في الامم فيمن خلا قبلكم. وقوله: و يستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وهم مشركو العرب استعجلوا بالشر قبل الخير، وقالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة قال: بالعقوبة قبل العافية. وقد خلت من قبلهم المثلات قال: العقوبات. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: المثلات قال: الامثال. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. وحدثني المثنى قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 139 ]
وقد خلت من قبلهم المثلات قال: المثلات: الذي مثل الله في الامم من العذاب الذي عذبهم تولت المثلات من العذاب، قد خلت من قبلهم، وعرفوا ذلك، وانتهى إليهم ما مثل الله بهم حين عصوه وعصوا رسله. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سليم، قال: سمعت الشعبي يقول في قوله: وقد خلت من قبلهم المثلاث قال: القردة والخنازير هي المثلات. وقوله: وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم يقول تعالى ذكره: وإن ربك يا محمد لذو ستر على ذنوب من تاب من ذنوبه من الناس، فتارك فضيحته بها في موقف القيامة، وصافح له عن عقابه عليها عاجلا وآجلا على ظلمهم. يقول: على فعلهم ما فعلوا من ذلك بغير إذن لهم بفعله. وإن ربك لشديد العقاب لمن هلك مصرا على معاصيه في القيامة إن لم يعجل له ذلك في الدنيا، أو يجمعهما له في الدنيا والآخرة. وهذا الكلام وإن كان ظاهره ظاهر خير، فإنه وعيد من الله وتهديد للمشركين من قوم رسول الله (ص)، إن هم لم ينيبوا ويتوبوا من كفرهم قبل حلول نقمة الله بهم. حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: وإن ربك لذو ومغفرة للناس يقول: ولكن ربك. القول في تأويل قوله تعالى: (ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) يقول تعالى ذكره: ويقول الذين كفروا يا محمد من قومك، لولا أنزل عليه آية من ربه هلا أنزل على محمد آية من ربه يعنون: علامة وحجة له على نبوته، وذلك قولهم: لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك يقول الله له: يا محمد إنما أنت منذر لهم، تنذرهم بأس الله أن يحل بهم على شركهم. ولكل قوم هاد: يقول ولكل قوم إمام يأتمون به وهاد يتقدمهم، فيهديهم إما إلى خير وإما إلى شر. وأصله من هادي الفرس، وهو عنقه الذي يهدي سائر جسده.
[ 140 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في المغني بالهادي في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو رسول الله (ص). ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه هذا قول مشركي العرب، قال الله: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد لكل قوم داع يدعوهم إلى الله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن السدي، عن عكرمة ومنصور، عن أبي الضحى: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد قالا: محمد هو المنذر وهو الهاد. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن السدي، عن عكرمة، مثله. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، مثله. وقال آخرون: عنى بالهادي في هذا الموضع: الله. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد قال: محمد المنذر، والله الهادي. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: إنما أنت منذر و لكل قوم هاد قال محمد المنذر، والله الهادي. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الاشجعي، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: إنما أنت منذر قال: أنت يا محمد منذر، والله الهادي. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد في قوله: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد قال: المنذر: النبي (ص). ولكل قوم هاد قال: الله هادي كل قوم. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد يقول: أنت يا محمد منذر وأنا هادي كل قوم.
[ 141 ]
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد المنذر: محمد (ص)، والهادي: الله عزوجل. وقال آخرون: الهادي في هذا الموضع معناه نبي. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: المنذر محمد (ص). ولكل قوم هاد قال: نبي. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد قال: نبي. قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد، مثله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أسباط بن محمد، عن عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد، في قوله: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد قال: لكل قوم نبي، والمنذر: محمد (ص). قال: ثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثني عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد، في قول الله: ولكل قوم هاد قال: نبي. قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ولكل قوم هاد يعني: لكل قوم نبي. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولكل قوم هاد قال: نبي. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ولكل قوم هاد قال: نبي يدعوهم إلى الله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولكل قوم هاد قال: لكل قوم نبي، الهادي: النبي (ص)، والمنذر أيضا: النبي (ص).
[ 142 ]
وقرأ: وإن من أمة إلا خلا فيها نذير. وقال: نذير من النذر الاولى قال: نبي من الانبياء. وقال آخرون: بل عني به: ولكل قوم قائد. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد قال: إنما أنت يا محمد منذر، ولكل قوم قادة. قال: ثنا الاشجعي، قال: ثني إسماعيل أو سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح: ولكل قوم هاد قال: لكل قوم قادة. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد قال: الهادي: القائد، والقائد: الامام، والامام: العمل. حدثني الحسن، قال: ثنا محمد، وهو ابن يزيد، عن إسماعيل، عن يحيى بن رافع، في قوله: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد قال: قائد. وقال آخرون: هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ذكر من قال ذلك: حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي، قال: ثنا الحسن بن الحسين الانصاري، قال: ثنا معاذ بن مسلم، ثنا الهروي، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت إنما أنت منذر ولكل قوم هاد وضع (ص) يده على صدره، فقال: أنا المنذر ولكل قوم هاد، وأومأ بيده إلى منكب علي، فقال: أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون بعدي. وقال آخرون: معناه: لكل قوم داع. ذكر من قال ذلك:
[ 143 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ولكل قوم هاد قال: داع. وقد بينت معنى الهداية، وأنه الامام المتبع الذي يقدم القوم. فإذا كان ذلك كذلك، فجائز أن يكون ذلك هو الله الذي يهدي خلقه ويتبع خلقه هداه ويأتمون بأمره ونهيه، وجائز أن يكون نبي الله الذي تأتم به أمته، وجائز أن يكون إماما من الائمة يؤتم به ويتبع منهاجه وطريقته أصحابه، وجائز أن يكون داعيا من الدعاة إلى خير أو شر. وإذا كان ذلك كذلك، فلا قول أولى في ذلك بالصواب من أن يقال كما قال جل ثناؤه: إن محمدا هو المنذر من أرسل إليه بالانذار، وإن لكل قوم هاديا يهديهم فيتبعونه ويأتمون به. القول في تأويل قوله تعالى: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الارحام وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار) يقول تعالى ذكره: وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد منكرين قدرة الله على إعادتهم خلقا جديدا بعد فنائهم وبلائهم، ولا ينكرون قدرته على ابتدائهم وتصويرهم في الارحام وتدبيرهم وتصريفهم فيها حالا بعد حال. فابتدأ الخبر عن ذلك ابتداء، والمعنى فيه ما وصفت، فقال جل ثناؤه: الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الارحام وما تزداد يقول: وما تنقص الارحام من حملها في الاشهر التسعة بإرسالها دم الحيض، وما تزداد في حملها على الاشهر التسعة لتمام ما نقص من الحمل في الاشهر التسعة بارسالها دم الحيض. وكل شئ عنده بمقدار لا يجاوز شئ من قدره عن تقديره، ولا يقصر أمر أراده فدبره عن تدبيره، كما لا يزداد حمل أنثى على ما قدر له من الحمل، ولا يقصر عما حد له من القدر والمقدار، مفعال من القدر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن ماهان، قال: ثنا القاسم بن مالك، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الارحام قال: ما رأت المرأة من يوم دما على حملها زاد في الحمل يوما.
[ 144 ]
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الارحام يعني السقط. وما تزداد يقول: ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماما وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر ومنهن من تحمل تسعة أشهر، ومنهن من تزيد في الحمل ومنهن من تنقص، فذلك الغيض والزيادة التي ذكر الله، وكل ذلك بعلمه. حدثنا سعيد بن يحيى الاموي، قال: ثنا عبد السلام، قال: ثنا خصيف، عن مجاهد أو سعيد بن جبير في قول الله: وما تغيض الارحام قال: غيضها دون التسعة، والزيادة فوق التسعة. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن مجاهد، أنه قال: الغيض: ما رأت الحامل من الدم في حملها، فهو نقصان من الولد، والزيادة: ما زاد على التسعة أشهر، فهو تمام للنقصان وهو زيادة. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد، في قوله: وما تغيض الارحام وما تزداد قال: ما ترى من الدم، وما تزداد على تسعة أشهر. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد، أنه قال: يعلم وما تغيض الارحام وما تزداد قال: ما زاد على التسعة الاشهر وما تغيض الارحام: قال: الدم تراه المرأة في حملها. حدثني المثنى، ثنا عمرو بن عون والحجاج بن المنهال، قالا: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن مجاهد، في قوله: وما تغيض الارحام وما تزداد قال: الغيض: الحامل ترى الدم في حملها فهو الغيض، وهو نقصان من الولد، وما زاد على تسعة أشهر فهو تمام لذلك النقصان، وهي الزيادة. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبد السلام، عن خصيف، عن مجاهد: وما تغيض الارحام وما تزداد قال: إذا رأت دون التسعة زاد على التسعة مثل أيام الحيض. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وما تغيض الارحام قال: خروج الدم. وما تزداد قال: استمساك الدم.
[ 145 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وما تغيض الارحام إراقة المرأة حتى يخس الولد. وما تزداد قال: إن لم تهرق المرأة تم الولد وعظم. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا شعبة، عن جعفر، عن مجاهد، في قوله: وقوله: وما تغيض الارحام وما تزداد قال: المرأة ترى الدم وتحمل أكثر من تسعة أشهر. حدثنا الحسن، قال: ثنا محمد بن الصباح، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: وما تغيض الارحام قال: هي المرأة ترى الدم في حملها. قال: ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وما تغيض الارحام وما تزداد إهراق الدم حتى يخس الولد، وتزداد إن لم تهرق المرأة تم الولد وعظم. قال: ثنا الحكم بن موسى، قال: ثنا هقل، عن عثمان بن الاسود، قال: قلت لمجاهد: امرأتي رأت دما، وأرجو أن تكون حاملا قال أبو جعفر: هكذا هو في الكتاب فقال مجاهد: ذاك غيض الارحام يعلم ما تغيض الارحام وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار. الولد لا يزال يقع في النقصان ما رأت الدم، فإذا انقطع الدم وقع في الزيادة، فلا يزال حتى يتم، فذلك قوله: وما تغيض الارحام وما تزداد، وكل شئ عنده بمقدار. قال: ثنا محمد بن الصباح، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن مجاهد، في قوله: وما تغيض الارحام وما تزداد قال: الغيض: الحامل ترى الدم في حملها، وهو الغيض، وهو نقصان من الولد، فما زادت على التسعة الاشهر، فهي الزيادة، وهو تمام للولادة. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عكرمة في هذه الآية: الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الارحام قال: كلما غاضت بالدم زاد ذلك في الحمل. قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عكرمة نحوه.
[ 146 ]
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عباد بن العوام، عن عاصم، عن عكرمة: وما تغيض الارحام قال: غيض الرحم: الدم على الحمل كلما غاض الرحم من الدم يوما زاد في الحمل يوما حتى تستكمل وهي طاهرة. قال: ثنا عباد، عن سعيد، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، مثله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا الوليد بن صالح، قال: ثنا أبو يزيد، عن عاصم، عن عكرمة في هذه الآية: وما تغيض الارحام قال: هو الحيض على الحمل. وما تزداد قال: فلها بكل يوم حاضت على حملها يوم تزداده في طهرها حتى تستكمل تسعة أشهر طاهرا. قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عمران بن حدير، عن عكرمة، في قوله: وما تغيض الارحام وما تزداد قال: ما رأت الدم في حملها زاد في حملها. حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: وما تغيض الارحام وما تزداد ما تغيض: أقل من تسعة، وما تزداد: أكثر من تسعة. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا ابن المبارك، عن الحسن بن يحيى، قال: سمعت الضحاك يقول: قد يولد المولود لسنتين، قد كان الضحاك ولد لسنتين، والغيض: ما دون التسعة، وما تزداد: فوق تسعة أشهر. قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن جويبر، عن الضحاك: وما تغيض الارحام وما تزداد قال: دون التسعة، وما تزداد: قال: فوق التسعة. قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن جويبر، عن الضحاك، قال: ولدت لسنتين. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الحسن بن يحيى، قال: ثنا الضحاك: أن أمه حملته سنتين، قال: وما تغيض الارحام قال: ما تنقص من التسعة وما تزداد قال: ما فوق التسعة. قال: ثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الارحام قال: كل أنثى من خلق الله.
[ 147 ]
قال: ثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، ومنصور عن الحسن، قالا: الغيض ما دون التسعة الاشهر. قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن داود بن عبد الرحمن، عن ابن جريج، عن جميلة بنت سعد، عن عائشة قالت: لا يكون الحمل أكثر من سنتين، قدر ما يتحول ظل مغزل. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي: وما تغيض الارحام قال: هو الحمل لتسعة أشهر وما دون التسعة. وما تزداد قال: على التسعة. قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عمرو بن ثابت عن أبيه، عن سعيد بن جبير: وما تغيض الارحام قال: حيض المرأة على ولدها. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وما تغيض الارحام وما تزداد. قال: الغيض: السقط وما تزداد: فوق التسعة الاشهر. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن سعيد بن جبير: إذا رأت المرأة الدم على الحمل، فهو الغيض للولد. يقول: نقصان في غذاء الولد، وهو زيادة في الحمل. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الارحام وما تزداد قال: كان الحسن يقول: الغيضوضة أن تضع المرأة لستة أشهر أو لسبعة أشهر، أو لما دون الحد. قال قتادة: وأما الزيادة، فما زاد على تسعة أشهر. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا قيس، عن سالم الافطس، عن سعيد بن جبير، قال: غيض الرحم: أن ترى الدم على حملها، فكل شئ رأت فيه الدم على حملها ازدادت على حملها مثل ذلك. قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن قيس بن سعد، عن مجاهد، قال: إذا رأت الحامل الدم كان أعظم للولد.
[ 148 ]
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وما تغيض الارحام وما تزداد الغيض: النقصان من الاجل، والزيادة: ما زاد على الاجل وذلك أن النساء لا يلدن لعدة واحدة، يولد المولود لستة أشهر فيعيش، ويولد لسنتين فيعيش، وفيما بين ذلك. قال: وسمعت الضحاك يقول: ولدت لسنتين، وقد نبتت ثناياي. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وما تغيض الارحام قال: غيض الارحام: الاهراقة التي تأخذ النساء على الحمل، وإذا جاءت تلك الاهراقة لم يعتد بها من الحمل ونقص ذلك حملها حتى يرتفع ذلك وإذا ارتفع استقبلت عدة مستقبلة تسعة أشهر وأما ما دامت ترى الدم فإن الارحام تغيض وتنقص والولد يرق، فإذا ارتفع ذلك الدم ربا الولد واعتدت حين يرتفع عنها ذلك الدم، عدة الحمل تسعة أشهر، وما كان قبله فلا تعتد به هو هراقة يبطل ذلك أجمع أكتع. وقوله: وكل شئ عنده بمقدار. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: وكل شئ عنده بمقدار إي والله، لقد حفظ عليهم رزقهم وآجالهم، وجعل لهم أجلا معلوما. القول في تأويل قوله تعالى: (عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال) يقول تعالى ذكره: والله عالم ما غاب عنكم وعن أبصاركم فلم تروه وما شاهدتموه، فعاينتم بأبصاركم، لا يخفى عليه شئ، لانهم خلقه، وتدبيره الكبير الذي كل شئ دونه، المتعال المستعلي على كل شئ بقدرته، وهو المتفاعل من العلو مثل المتقارب من القرب والمتداني من الدنو. القول في تأويل قوله تعالى: (سوآء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) يقول تعالى ذكره: معتدل عند الله منكم أيها الناس الذي أسر القول، والذي جهر به، والذي هو مستخف بالليل في ظلمته بمعصية الله وسارب بالنهار يقول: وظاهر
[ 149 ]
بالنهار في ضوئه، لا يخفى عليه شئ من ذلك، سواء عنده سر خلقه وعلانيتهم، لانه لا يستسر عنده شئ ولا يخفى يقال منه: سرب يسرب سروبا إذا ظهر، كما قال قيس بن الخطيم: أنى سربت وكنت غير سروب * وتقرب الاحلام غير قريب يقول: كيف سربت بالليل على بعد هذا الطريق ولم تكوني تبرزين وتظهرين. وكان بعضهم يقول: هو السالك في سربه: أي في مذهبه ومكانه. واختلف أهل العلم بكلام العرب في السرب، فقال بعضهم: هو آمن في سربه، بفتح السين، وقال بعضهم: هو آمن في سربه بكسر السين. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار يقول: هو صاحب ريبة مستخف بالليل، وإذا خرج بالنهار أرى الناس أنه برئ من الاثم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: وسارب بالنهار: ظاهر. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن أبي رجاء، في قوله: سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار قال: إن الله أعلم بهم، سواء من أسر القول ومن جهر به، ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا علي بن عاصم، عن عوف، عن أبي رجاء:
[ 150 ]
سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار قال: من هو مستخف في بيته، وسارب بالنهار: ذاهب على وجهه علمه فيهم واحد. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: سواء منكم من أسر القول ومن جهر به يقول: السر والجهر عنده سواء. ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار أما المستخفي ففي بيته، وأما السارب: الخارج بالنهار حيثما كان المستخفي غيبه الذي يغيب فيه والخارج عنده سواء. قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن خصيف، في قوله: مستخف بالليل قال: راكب رأسه في المعاصي. وسارب بالنهار قال: ظاهر بالنهار. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: سواء منكم من أسر القول ومن جهر به كل ذلك عنده تبارك وتعالى سواء السر عنده علانية. قوله: ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار: أي في ظلمه الليل، وسارب: أي ظاهر بالنهار. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن خصيف، عن مجاهد وعكرمة: وسارب بالنهار قال: ظاهر بالنهار. ومن في قوله: من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل رفع الاولى منهن بقوله سواء، والثانية معطوفة على الاولى والثالثة على الثانية. القول في تأويل قوله تعالى: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: لله تعالى ذكره معقبات، قالوا: الهاء في قوله له من ذكر اسم الله، والمعقبات التي تتعقب على العبد وذلك أن ملائكة الليل إذا صعدت بالنهار أعقبتها ملائكة النهار، فإذا انقضى النهار صعدت ملائكة
[ 151 ]
النهار ثم أعقبتها ملائكة الليل، وقالوا: قيل معقبات، والملائكة: جمع ملك مذكر غير مؤنث، وواحد الملائكة معقب، وجماعتها معقبة، ثم جمع جمعه، أعني جمع معقب بعد ما جمع معقبة. وقيل: معقبات، كما قيل: أبناوات سعد، ورجالات بني فلان جمع رجال. وقوله: من بين يديه ومن خلفه يعني بقوله: من بين يديه من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار، ومن خلفه: من وراء ظهره. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، يعني ابن زاذان، عن الحسن في هذه الآية: له معقبات من بين يديه ومن خلفه قال: الملائكة. حدثني المثنى، قال: ثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح القشيري، قال: ثنا علي بن جرير، عن حماد بن سلمة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن كنانة العدوي، قال: دخل عثمان بن عفان على رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله، أخبرني عن العبد كم معه من ملك ؟ قال: ملك على يمينك على حسناتك، وهو أمير على الذي على الشمال، فإذا عملت حسنة كتبت عشرا، وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين: اكتب قال: لا لعله يستغفر الله ويتوب، فإذا قال ثلاثا، قال: نعم اكتب أراحنا الله منه، فبئس القرين، ما أقل مراقبته لله، وأقل استحياءه منا يقول الله: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد. وملكان من بين يديك ومن خلفك، يقول الله: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت لله رفعك، وإذا تجبرت على الله قصمك. وملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك إلا الصلاة على محمد وملك قائم على فيك لا يدع الحية تدخل في فيك وملكان على عينيك. فهؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي، ينزلون ملائكة الليل على ملائكة النهار، [ لان ملائكة الليل سوى ملائكة النهار ] (2) فهؤلاء عشرون ملكا على كل آدمي، وإبليس بالنهار وولده بالليل. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي
[ 152 ]
نجيح، عن مجاهد، في قوله: له معقبات من بين يديه ومن خلفه الملائكة يحفظونه من أمر الله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد، في قوله: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه قال: مع كل إنسان حفظة يحفظونه من أمر الله. قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله فالمعقبات هن من أمر الله، وهي الملائكة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: يحفظونه من أمر الله قال: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدره خلوا عنه. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله فإذا جاء القدر خلوا عنه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم في هذه الآية، قال: الحفظة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله قال: ملائكة. حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا يعلى، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: له معقبات قال: ملائكة الليل يعقبون ملائكة النهار. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: له معقبات من بين يديه ومن خلفه هذه ملائكة الليل يتعاقبون فيكم بالليل والنهار، وذكر لنا أنهم يجتمعون عند صلاة العصر وصلاة الصبح. وفي قراءة أبي بن كعب: له معقبات من بين يديه ورقيب من خلفه يحفظونه من أمر الله.
[ 153 ]
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: له معقبات من بين يديه قال: ملائكة يتعاقبونه. حدثنا القاسم، قال ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: له معقبات من بين يديه ومن خلفه قال: الملائكة. قال ابن جريج: معقبات: قال: الملائكة تعاقب الليل والنهار. وبلغنا أن النبي (ص) قال: يجتمعون فيكم عند صلاة العصر وصلاة الصبح وقوله: من بين يديه ومن خلفه يحفظونه قال ابن جريج: مثل قوله: عن اليمين وعن الشمال قعيد قال: الحسنات من بين يديه والسيئات من خلفه، الذي عن يمينه يكتب الحسنات والذي عن شماله يكتب السيئات. حدثنا سوار بن عبد الله، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت ليثا يحدث عن مجاهد أنه قال: ما من عبد إلا له ملك موكل يحفظه في نونه ويقظته من الجن والانس والهوام، فما منها شئ يأتيه يريده إلا قال: وراءك، إلا شيئا يأذن الله فيه فيصيبه. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: له معقبات من بين يديه ومن خلفه قال: يعني الملائكة. وقال آخرون: بل عني بالمعقبات في هذا الموضع: الحرس الذي يتعاقب على الامير. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: له معقبات من بين يديه ومن خلفه قال: ذلك ملك من ملوك الدنيا له حرس من دونه حرس. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يعني: ولي السلطان يكون عليه الحرس. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن شرقي أنه سمع عكرمة يقول في هذه الآية: له معقبات من بين يديه ومن خلفه قال: هؤلاء الامراء.
[ 154 ]
حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا عمرو بن نافع، قال: سمعت عكرمة يقول: له معقبات من بين يديه ومن خلفه قال: المواكب من بين يديه ومن خلفه. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله قال: هو السلطان المحروس من أمر الله، وهم أهل الشرك. وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، قول من قال: الهاء في قوله: له معقبات من ذكر من التي في قوله: ومن هو مستخف بالليل وأن المعقبات من بين يديه ومن خلفه، هي حرسه وجلاوزته كما قال ذلك من ذكرنا قوله. وإنما قلنا: ذلك أولى التأويلين بالصواب لان قوله: له معقبات أقرب إلى قوله: ومن هو مستخف بالليل منه إلى عالم الغيب، فهي لقربها منه أولى بأن تكون من ذكره، وأن يكون المعنى بذلك هذا، مع دلالة قول الله: وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له على أنهم المعنيون بذلك. وذلك أنه جل ثناؤه ذكر قوما أهل معصية له وأهل ريبة، يستخفون بالليل ويظهرون بالنهار، ويمتنعون عند أنفسهم بحرس يحرسهم، ومنعة تمنعهم من أهل طاعته أن يحولوا بينهم وبين ما يأتون من معصية الله، ثم أخبر أن الله تعالى ذكره إذا أراد بهم سوءا لم ينفعهم حرسهم، ولا يدفع عنهم حفظهم. وقوله: يحفظونه من أمر الله اختلف أهل التأويل في تأويل هذا الحرف على نحو اختلافهم في تأويل قوله: له معقبات فمن قال: المعقبات هي الملائكة، قال: الذين يحفظونه من أمر الله هم أيضا الملائكة ومن قال: المعقبات هي الحرس والجلاوزة من بني آدم، قال: الذين يحفظونه من أمر الله هم أولئك الحرس. واختلفوا أيضا في معنى قوله: من أمر الله فقال بعضهم: حفظهم إياه من أمره. وقال بعضهم: يحفظونه من أمر الله بأمر الله. ذكر من قال: الذين يحفظونه هم الملائكة، ووجه قوله: بأمر الله إلى معنى أن حفظها إياه من أمر الله: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي،
[ 155 ]
عن ابن عباس، قوله: يحفظونه من أمر الله يقول: بإذن الله، فالمعقبات: هي من أمر الله، وهي الملائكة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: يحفظونه من أمر الله قال: الملائكة: الحفظة، وحفظهم إياه من أمر الله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثني عبد الملك، عن ابن عبيد الله، عن مجاهد، في قوله: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله قال: الحفظة هم من أمر الله. قال: ثنا علي، يعني ابن عبد الله بن جعفر، قال: ثنا سفيان، عن عمرو، عن ابن عباس: له معقبات من بين يديه رقباء ومن خلفه من أمر الله يحفظونه. قال: ثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن الجارود، عن ابن عباس: له معقبات من بين يديه رقيب ومن خلفه. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن خصيف، عن مجاهد: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله قال: الملائكة من أمر الله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: يحفظونه من أمر الله قال: الملائكة من أمر الله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله قال: الحفظة. ذكر من قال: عنى بذلك يحفظونه بأمر الله: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يحفظونه من أمر الله: أي بأمر الله. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: يحفظونه من أمر الله، وفي بعض القراءات: بأمر الله. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد في قوله: له معقبات من بين يديه ومن خلفه قال:
[ 156 ]
مع كل إنسان حفظة يحفظونه من أمر الله. ذكر من قال: تحفظه الحرس من بني آدم من أمر الله: حدثني محمد بن سعد، قال: ثنا أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: يحفظونه من أمر الله يعني: ولي السلطان يكون عليه الحرس، يحفظونه من بين يديه ومن خلفه. يقول الله عزوجل: يحفظونه من أمري، فإني إذا أردت بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال. حدثني أبو هريرة الضبعي، قال: ثنا أبو قتيبة، قال: ثنا سعيد، عن شرقي، عن عكرمة: يحفظونه من أمر الله قال: الجلاوزة. وقال آخرون: معنى ذلك: يحفظونه من أمر الله، وأمر الله الجن، ومن يبغي أذاه ومكروهه قبل مجئ قضاء الله، فإذا جاء قضاؤه خلوا بينه وبينه. ذكر من قال ذلك: حدثني أبو هريرة الضبعي، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا ورقاء، عن منصور، عن طلحة، عن إبراهيم: يحفظونه من أمر الله قال: من الجن. حدثنا سوار بن عبد الله، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت ليثا يحدث عن مجاهد أنه قال: ما من عبد إلا له ملك موكل يحفظه في نومه ويقظته من الجن والانس والهوام، فما منهم شئ يأتيه يريده إلا قال: وراءك، إلا شيئا يأذن الله فيصيبه. حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا إسماعيل بن عياش، عن محمد بن زياد الالهاني، عن يزيد بن شريح عن كعب الاحبار، قال: لو تجلى لابن آدم كل سهل وحزن، لرأى على كل شئ من ذلك شياطين، لولا أن الله وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إذن لتخطفتم. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا عمارة بن أبي حفصة، عن أبي مجلز، قال: جاء رجل من مراد إلى علي رضي الله عنه، وهو يصلي، فقال: احترس، فإن ناسا من مراد يريدون قتلك فقال: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، وإن الاجل جنة حصينة. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب، عن الحسن بن ذكوان،
[ 157 ]
عن أبي غالب، عن أبي أمامة قال: ما من آدمي إلا ومعه ملك موكل يذود عنه حتى يسلمه للذي قدر له. وقال آخرون: معنى ذلك: يحفظونه عليه من الله. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: يحفظونه من أمر الله قال: يحفظون عليه من الله. قال أبو جعفر: يعني ابن جريج بقوله: يحفظون عليه الملائكة الموكلة بابن آدم، بحفظ حسناته وسيئاته، وهي المعقبات عندنا، تحفظ على ابن آدم حسناته وسيئاته من أمر الله. وعلى هذا القول يجب أن يكون معنى قوله: من أمر الله أن الحفظة من أمر الله، أو تحفظ بأمر الله، ويجب أن تكون الهاء التي في قوله: يحفظونه وحدت وذكرت، وهي مراد بها الحسنات والسيئات، لانها كناية عن ذكر من الذي هو مستخف بالليل وسارب بالنهار، وأن يكون المستخفي بالليل أقيم ذكره مقام الخبر عن سيئاته وحسناته، كما قيل: واسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها. وكان عبد الرحمن بن زيد يقول في ذلك خلاف هذه الاقوال كلها: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار قال: أتى عامر بن الطفيل، وأربد بن ربيعة إلى رسول الله (ص)، فقال عامر: ما تجعل لي إن أنا اتبعتك ؟ قال: أنت فارس أعطيك أعنة الخيل قال: لا. قال: فما تبغي ؟ قال: لي الشرق ولك الغرب. قال: لا. قال: فلي الوبر ولك المدر. قال: لا قال: لاملانها عليك إذا خيلا ورجالا، قال: يمنعك الله ذاك وأبناء قيلة يريد الاوس والخزرج. قال: فخرجا، فقال عامر لاربد: إن كان الرجل لنا لممكنا لو قتلناه ما انتطحت فيه عنزان ولرضوا بأن نعقله لهم وأحبوا السلم وكرهوا الحرب إذا رأوا أمرا قد وقع. فقال الآخر: إن شئت فتشاورا، وقال: ارجع وأنا أشغله عنك بالمجادلة، وكن وراءه فاضربه بالسيف ضربة واحدة فكانا كذلك، واحد وراء النبي (ص)، والآخر قال: اقصص علينا قصصك، قال: ما يقول قرآنك ؟ فجعل يجادله ويستبطئه حتى
[ 158 ]
قال: مالك أجشمت ؟ قال: وضعت يدي على قائم سيفي فيبست، فما قدرت على أن أحلي ولا أمر ولا أحركها. قال: فخرجا فلما كانا بالحرة سمع بذلك سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، فخرجا إليهما، على كل واحد منهما لامته ورمحه بيده وهو متقلد سيفه، فقالا لعامر بن الطفيل: يا أعور يا خبيث يا أملخ، أنت الذي تشترط على رسول الله (ص) ؟ لولا أنك في أمان من رسول الله (ص) ما رمت المنزل حتى ضربت عنقك، ولكن لا تستبقين وكان أشد الرجلين عليه أسيد بن الحضير، [ فقال: من هذا ؟ فقالوا: أسيد بن حضير ]، فقال: لو كان أبوه حيا لم يفعل بي هذا. ثم قال لاربد: اخرج أنت يا أربد إلى ناحية عذبة، وأخرج أنا إلى نجد، فنجمع الرجال فنلتقي عليه. فخرج أربد حتى إذا كان بالرقم بعث الله سحابة من الصيف فيها صاعقة فأحرقته. قال: وخرج عامر، حتى إذا كان بواد يقال له الجرير، أرسل الله عليه الطاعون، فجعل يصيح: يا آل عامر، أغدة كغدة البكر تقتلني، يا آل عامر أغدة كغدة البكر تقتلني، وموت أيضا في بيت سلولية وهي امرأة من قيس، فذلك قول الله: سواء منكم من أسر القول ومن جهر به فقرأ حتى بلغ: يحفظونه تلك المعقبات من أمر الله، هذا مقدم ومؤخر لرسول الله (ص) معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه تلك المعقبات من أمر الله. وقال لهذين: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فقرأ حتى بلغ: ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء... الآية، فقرأ حتى بلغ: وما دعاء الكافرين إلا في ضلال. قال وقال لبيد في أخيه أربد، وهو يبكيه: أخشى على أربد الحتوف ولا * أرهب نوء السماك والاسد فجعني الرعد والصواعق بال * فارس يوم الكريهة النجد قال أبو جعفر: وهذا القول الذي قاله ابن زيد في تأويل هذه الآية قول بعيد من تأويل الآية مع خلافه أقوال من ذكرنا قوله من أهل التأويل، وذلك أنه جعل الهاء في قوله: له
[ 159 ]
معقبات من ذكر رسول الله (ص)، ولم يجر له في الآية التي قبلها ولا في التي قبل الاخرى ذكر، إلا أن يكون أراد أن يردها على قوله: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد له معقبات فإن كان أراد ذلك، فذلك بعيد لما بينهما من الآيات بغير ذكر الخبر عن رسول الله (ص). وإذا كان كذلك، فكونها عائدة على من التي في قوله: ومن هو مستخف بالليل أقرب، لانه قبلها والخبر بعدها عنه. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: سواء منكم أيها الناس من أسر القول ومن جهر به عند ربكم، ومن هو مستخف بفسقه وريبته في ظلمة الليل، وسارب: يذهب ويجئ في ضوء النهار ممتنعا بجنده وحرسه الذين يتعقبونه من أهل طاعة الله أن يحولوا بينه وبين ما يأتي من ذلك، وأن يقيموا حد الله عليه، وذلك قوله: يحفظونه من أمر الله. وقوله: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم يقول تعالى ذكره: إن الله لا يغير ما بقوم من عافية ونعمة فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من ذلك بظلم بعضهم بعضا واعتداء بعضهم على بعض، فتحل بهم حينئذ عقوبته وتغييره. وقوله: وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له يقول: وإذا أراد الله بهؤلاء الذين يستخفون بالليل ويسربون بالنهار، لهم جند ومنعة من بين أيديهم ومن خلفهم، يحفظونهم من أمر الله هلاكا وخزيا في عاجل الدنيا فلا مرد له يقول: فلا يقدر على رد ذلك عنهم أحد غير الله. يقول تعالى ذكره: وما لهم من دونه من وال يقول: وما لهؤلاء القوم، والهاء والميم في لهم من ذكر القوم الذين في قوله: وإذا أراد الله بقوم سوءا. من دون الله من وال يعني: من وال يليهم ويلي أمرهم وعقوبهم. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: السوء: الهلكة، ويقول: كل جذام وبرص وعمى وبلاء عظيم فهو سوء مضموم الاول، وإذا فتح أوله فهو مصدر سؤت، ومنه قولهم: رجل سوء. واختلف أهل العربية في معنى قوله: ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار فقال بعض نحويي أهل البصرة: معنى قوله: ومن هو مستخف بالليل ومن هو ظاهر بالليل، من قولهم: أخفيت الشئ: إذا أظهرته، وكما قال امرؤ القيس: فإن تكتموا الداء لا نخفه * وإن تبعثوا الحرب لا نقعد وقال: وقد قرئ أكاد أخفيها بمعنى: أظهرها. وقال في قوله: وسارب
[ 160 ]
بالنهار السارب: هو المتواري، كأنه وجهه إلى أنه صار في السرب بالنهار مستخفيا. وقال بعض نحويي البصرة والكوفة: إنما معنى ذلك: ومن هو مستخف: أي مستتر بالليل من الاستخفاء، وسارب بالنهار: وذاهب بالنهار، من قولهم: سربت الابل إلى المراعي، وذلك ذهابها إلى المراعي وخروجها إليها. وقيل: إن السروب بالعشي والسروح بالغداة. واختلفوا أيضا في تأنيث معقبات، وهي صفة لغير الاناث، فقال بعض نحويي البصرة: إنما أنثت لكثرة ذلك منها، نحو: نسابة وعلامة، ثم ذكر لان المعنى مذكر، فقال: يحفظونه. وقال بعض نحويي الكوفة: إنما هي ملائكة معقبة، ثم جمعت مقبات، فهو جمع جمع، ثم قيل: يحفظونه، لانه للملائكة. وقد تقدم قولنا في معنى المستخفي بالليل والسارب بالنهار. وأما الذي ذكرناه عن نحويي البصريين في ذلك فقول وإن كان له في كلام العرب وجه خلاف لقول أهل التأويل، وحسبه من الدلالة على فساده خروجه عن قول جميعهم. وأما المعقبات، فإن التعقيب في كلام العرب العود بعد البدء والرجوع إلى الشئ بعد الانصراف عنه، من قول الله تعالى: ولى مدبرا ولم يعقب: أي لم يرجع، وكما قال سلامة بن جندل: وكرنا الخيل في آثارهم رجعا * كس السنابك من بدء وتعقيب يعني: في غزو ثان عقبوا وكما قال طرفة: ولقد كنت عليكم عاتبا * فعقبتم بذنوب غير مر يعني بقوله: عقبتم: رجعتم، وأتاها التأنيث عندنا، وهي من صفة الحرس الذي
[ 161 ]
يحرسون المستخفي بالليل والسارب بالنهار، لانه عني بها حرس معقبة، ثم جمعت المعقبة، فقيل: معقبات، فذلك جمع جمع المعقب، والمعقب: واحد المعقبة، كما قال لبيد: حتى تهجر في الرواح وهاجها * طلب المعقب حقه المظلوم والمعقبات جمعها، ثم قال: يحفظونه، فرد الخبر إلى تذكير الحرس والجند. وأما قوله: يحفظونه من أمر الله فإن أهل العربية اختلفوا في معناه، فقال بعض نحويي الكوفة معناه: له معقبات من أمر الله يحفظونه، وليس من أمره إنما هو تقديم وتأخير. قال: ويكون يحفظونه ذلك الحفظ من أمر الله وبإذنه، كما تقول للرجل: أجبتك من دعائك إياي، وبدعائك إياي. وقال بعض نحويي البصريين: معنى ذلك: يحفظونه عن أمر الله، كما قالوا: أطعمني من جوع وعن جوع، وكساني عن عري ومن عري. وقد دللنا فيما مضى على أن أولى القول بتأويل ذلك أن يكون قوله: يحفظونه من أمر الله من صفة حرس هذا المستخفي بالليل وهي تحرسه ظنا منها أنها تدفع عنه أمر الله، فأخبر تعالى ذكره أن حرسه ذلك لا يغني عنه شيئا إذا جاء أمره، فقال: وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 162 ]
(هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال. ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشآء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) يقول تعالى ذكره: هو الذي يريكم البرق يعني أن الرب هو الذي يرى عباده البرق. وقوله: هو كناية اسمه جل ثناؤه، وقد بينا معنى البرق فيما مضى وذكرنا اختلاف أهل التأويل فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله خوفا يقول: خوفا للمسافر من أذاه. وذلك أن البرق الماء في هذا الموضع، كما: حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، قال: أخبرنا موسى بن سالم أبوجهضم، مولى ابن عباس، قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن البرق، فقال: البرق: الماء. وقوله وطمعا يقول: وطمعا للمقيم أن يمطر فينتفع. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عنقتادة، قوله: هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا يقول: خوفا للمسافر في أسفاره، يخاف أذاه ومشقته، وطمعا للمقيم يرجو بركته ومنفعته ويطمع في رزق الله. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: خوفا وطمعا خوفا للمسافر، وطمعا للمقيم. وقوله: وينشئ السحاب الثقال: ويثير السحاب الثقال بالمطر، ويبدئه، يقال منه: أنشأ الله السحاب: إذا أبدأه، ونشأ السحاب: إذا بدأ ينشأ نشأ. والسحاب في هذا الموضع وإن كان في لفظ واحد فإنها جمع واحدتها سحابة، ولذلك قال: الثقال، فنعتها بنعت الجمع، ولو كان جاء: السحاب الثقيل كان جائزا، وكان توحيدا للفظ السحاب، كما قيل: جعل لكم من الشجر الاخضر نارا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 163 ]
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شباب، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وينشئ السحاب الثقال قال: الذي فيه الماء. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: وينشئ السحاب الثقال قال: الذي فيه الماء. وقوله: ويسبح الرعد بحمده قال أبو جعفر: وقد بينا معنى الرعد فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وذكر أن رسول الله (ص) كان إذا سمع صوت الرعد، قال كما: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا كثير بن هشام، قال: ثنا جعفر، قال: بلغنا أن النبي (ص) كان إذا سمع صوت الرعد الشديد، قال: اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبيه، عن رجل، عن أبي هريرة رفع الحديث: أنه كان إذا سمع الرعد قال: سبحان من يسبح الرعد بحمده. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا مسعدة بن اليسع الباهلي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه، كان إذا سمع صوت الرعد، قال: سبحان من سبحت له. قال: ثنا إسماعيل بن علية، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه كان إذا سمع الرعد، قال: سبحان الذي سبحت له.
[ 164 ]
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا يعلى بن الحارث، قال: سمعت أبا صخرة يحدث عن الاسود بن يزيد، أنه كان إذا سمع الرعد، قال: سبحان من سبحت له، أو سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته. قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا ابن علية، عن ابن طاوس، عن أبيه، وعبد الكريم، عن طاوس أنه كان إذا سمع الرعد، قال: سبحان من سبحت له. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ميسرة، عن الاوزاعي، قال: كان ابن أبي زكريا يقول: من قال حين يسمع الرعد: سبحان الله وبحمده، لم تصبه صاعقة. ومعنى قوله: ويسبح الرعد بحمده ويعظم الله الرعد ويمجده، فيثنى عليه بصفاته، وينزهه مما أضاف إليه أهل الشرك به ومما وصفوه به من اتخاذ الصاحبة والولد، تعالى ربنا وتقدس. وقوله: من خيفته يقول: وتسبح الملائكة من خيفة الله ورهبته. وأما قوله: ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء فقد بينا معنى الصاعقة فيما مضى بما أغنى عن إعادته بما فيه الكفاية من الشواهد، وذكرنا ما فيها من الرواية. وقد اختلف فيمن أنزلت هذه الآية، فقال بعضهم: نزلت في كافر من الكفار ذكر الله تعالى وتقدس بغير ما ينبغي ذكره، فأرسل عليه صاعقة أهلكته. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان، قال: ثنا أبان بن يزيد، قال: ثنا أبوعمران الجوني، عن عبد الرحمن بن صحار العبدي، أنه بلغه أن نبي الله (ص) بعث إلى جبار يدعوه، فقال: أرأيتم ربكم، أذهب هو أم فضة هو أم لؤلؤ هو ؟ قال: فبينما هو يجادلهم، إذ بعث الله سحابة فرعدت، فأرسل الله عليه صاعقة فذهبت بقحف رأسه فأنزل الله هذه الآية: ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال.
[ 165 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي بكر بن عياش، عن ليث، عن مجاهد، قال: جاء يهودي إلى النبي (ص)، فقال: أخبرني عن ربك من أي شئ هو، من لؤلؤ أو من ياقوت ؟ فجاءت صاعقة فأخذته، فأنزل الله: ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن ليث، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن هاشم، قال: ثنا سيف، عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي، قال: جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: يا محمد حدثني من هذا الذي تدعو إليه، أياقوت هو، أذهب هو، أم ما هو ؟ قال: فنزلت على السائل الصاعقة فأحرقته، فأنزل الله: ويرسل الصواعق... الآية. حدثنا محمد بن مرزوق، قال: ثنا عبد الله بن عبد الوهاب، قال: ثني علي بن أبي سارة الشيباني، قال: ثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، قال: بعث النبي (ص) مرة رجلا إلى رجل من فراعنة العرب، أن ادعه لي، فقال: يا رسول الله، إنه أعتى من ذلك، قال: اذهب إليه فادعه قال: فأتاه، فقال: رسول الله (ص) يدعوك، فقال: من رسول الله، وما الله ؟ أمن ذهب هو، أم من فضة، أم من نحاس ؟ قال: فأتى الرجل النبي (ص) فأخبره، فقال: ارجع إليه فادعه قال فأتاه فأعاد عليه ورد عليه مثل الجواب الاول، فأتى النبي (ص) فأخبره، فقال: ارجع إليه فادعه قال: فرجع إليه. فبينما هما يتراجعان الكلام بينهما، إذ بعث الله سحابة بحيال رأسه فرعدت، فوقعت منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه، فأنزل الله: ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال. وقال آخرون: نزلت في رجل من الكفار أنكر القرآن وكذب النبي (ص). ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن رجلا أنكر القرآن وكذب النبي (ص)، فأرسل الله عليه صاعقة فأهلكته، فأنزل الله عز وجل فيه: وهم يجادلون في الله، وهو شديد المحال.
[ 166 ]
وقال آخرون: نزلت في أربد أخي لبيد بن ربيعة، وكان هم بقتل رسول الله (ص) هو وعامر بن الطفيل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: نزلت، يعني قوله: ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء في أربد أخي لبيد بن ربيعة، لانه قدم أربد وعامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر على النبي (ص)، فقال عامر: يا محمد أأسلم وأكون الخليفة من بعدك ؟ قال: لا قال: فأكون على أهل الوبر وأنت على أهل المدر ؟ قال: لا، قال: فما ذاك ؟ قال: أعطيك أعنة الخيل تقاتل عليها، فإنك رجل فارس قال: أو ليست أعنة الخيل بيدي ؟ أما والله لاملانها عليك خيلا ورجالا من بني عامر وقال لاربد: إما أن تكفينيه وأضربه بالسيف، وإما أن أكفيكه وتضربه بالسيف. قال أربد: أكفيكه واضربه فقال عامر بن الطفيل: يا محمد إن لي إليك حاجة، قال: ادن، فلم يزل يدنو، ويقول النبي (ص)، ادن حتى وضع يديه على ركبتيه وحنى عليه، واستل أربد السيف، فاستل منه قليلا فلما رأى النبي (ص) بريقه، تعوذ بآية كان يتعوذ بها، فيبست يد أربد على السيف، فبعث الله عليه صاعقة فأحرقته، فذلك قول أخيه: أخشى على أربد الحتوف ولا * أرهب نوء السماك والاسد فجعني البرق و الصواعق بال‍ * فارس يوم الكريهة النجد وقد ذكرت قبل خبر عبد الرحمن بن زيد بنحو هذه القصة. وقوله: وهم يجادلون في الله يقول: وهؤلاء الذين أصابهم الله بالصواعق أصابهم في حال خصومتهم في الله عزوجل لرسوله (ص). وقوله: وهو شديد المحال يقول تعالى ذكره والله شديدة مما حلته في عقوبة من طغى عليه وعتا وتمادى في كفره. والمحال: مصدر من قول القائل: ما حلت فلانا فأنا أما حله مما حلة ومحالا، وفعلت منه: محلت أمحل محلا: إذا عرض رجل رجلا لما يهلكه و منه قوله: وما حل مصدق ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
[ 167 ]
فرع نبع يهتز في غصن المج‍ * د غزير الندى شديد المحال هكذا كان ينشده معمر بن المثنى فيما حدثت عن علي بن المغيرة عنه. وأما الرواة بعد فإنهم ينشدونه: فرع فرع يهتز في غصن المج‍ * د كثير الندى عظيم المحال وفسر ذلك معمر بن المثنى، وزعم أنه عنى به العقوبة والمكر والنكال ومنه قول الآخر: ولبس بين أقوام فكل * أعد له الشغازب والمحالا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن هاشم، قال: ثنا سيف، عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي رضي الله عنه: وهو شديد المحال قال: شديد الاخذ. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد: وهو شديد المحال قال: شديد القوة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وهو شديد المحال أي القوة و الحيلة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن
[ 168 ]
الحسن: شديد المحال يعني: الهلاك، قال: إذا محل فهو شديد. وقال قتادة: شديد الحيلة. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا رجل، عن عكرمة: وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال قال: المحال: جدال أربد، وهو شديد المحال قال: ما أصاب أربد من الصاعقة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: وهو شديد المحال قال: قال ابن عباس: شديد الحول. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وهو شديد المحال قال: شديد القوة. المحال: القوة. والقول الذي ذكرناه عن قتادة في تأويل المحال أنه الحيلة، والقول الذي ذكره ابن جريج عن ابن عباس يدلان على أنهما كانا يقرآن: وهو شديد المحال بفتح الميم، لان الحيلة لا يأتي مصدرها محالا بكسر الميم، ولكن قد يأتي على تقدير المفعلة منها، فيكون محالة، ومن ذلك قولهم: المرء يعجز لا محالة، والمحالة في هذا الموضع: المفعلة من الحيلة. فأما بكسر الميم، فلا تكون إلا مصدرا، من ما حلت فلانا أما حله محالا، والمماحلة بعيدة المعنى من الحيلة، ولا أعلم أحدا قرأه بفتح الميم. فإذا كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بتأويل ذلك ما قلنا من القول. القول في تأويل قوله تعالى: (له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) يقول تعالى ذكره: لله من خلقه الدعوة الحق، والدعوة هي الحق كما أضيفت الدار إلى الآخرة في قوله: ولدار الآخرة وقد بينا ذلك فيما مضى. و إنما عنى بالدعوة الحق: توحيد الله، وشهادة أن لا إله إلا الله.
[ 169 ]
و بنحو الذي قلنا أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا أحمد بن إسحاق، قال ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: دعوة الحق قال: لا إله إلا الله. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: له دعوة الحق قال: شهادة لا إله إلا الله. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن هاشم، قال: ثنا سيف، عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي رضي الله عنه: له دعوة الحق قال: التوحيد. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: له دعوة الحق قال: لا إله إلا الله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، في قوله: له دعوة الحق قال: لا إله إلا الله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: له دعوة الحق: لا إله إلا الله ليست تنبغي لاحد غيره، لا ينبغي أن يقال: فلان إله بني فلان. وقوله: والذين يدعون من دونه يقول تعالى ذكره: والآلهة التي يدعونها المشركون أربابا وآلهة. وقوله من دونه يقول: من دون الله وإنما عنى بقوله: من دونه الآلهة أنها مقصرة عنه، وأنها لا تكون إلها، ولا يجوز أن يكون إلها إلا الله الواحد القهار ومنه قول الشاعر: أتوعدني وراء بني رياح * كذبت لتقصرن يداك دوني يعني: لتقصرن يداك عني. وقوله: لا يستجيبون لهم بشئ يقول: لا تجيب هذه الآلهة التي يدعوها هؤلاء
[ 170 ]
المشركون آلهة بشئ يريدونه من نفع أو دفع ضر. إلا كباسط كفيه إلى الماء يقول: لا ينفع داعي الآلهة دعاؤه إياها إلا كما ينفع باسط كفيه إلى الماء، بسطه إياهما إليه من غير أن يرفعه إليه في إناء، ولكن ليرتفع إليه بدعائه إياه وإشارته إليه وقبضه عليه. والعرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلا بالقابض على الماء. قال بعضهم: فإني وإياكم وشوقا إليكم * كقابض ماء لم تسقه أنامله يعني بذلك: أنه ليس في يده من ذلك إلا كما في يد القابض على الماء، لان القابض على الماء لا شئ في يده. وقال آخر: فأصبحت مما كان بيني وبينها * من الود مثل القابض الماء باليد وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا سيف، عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي رضي الله عنه، في قوله: إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه قال: كالرجل العطشان يمد يده إلى البئر ليرتفع الماء إليه وما هو ببالغه. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: كباسط كفيه إلى الماء يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده، ولا يأتيه أبدا. قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني الاعرج، عن مجاهد: ليبلغ فاه يدعوه ليأتيه وما هو بآتيه، كذلك لا يستجيب من هو دونه. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: كباسط كفيه إلى الماء يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده، فلا يأتيه أبدا.
[ 171 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: وثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثل حديث الحسن، عن حجاج، قال ابن جريج: وقال الاعرج عن مجاهد: ليبلغ فاه قال: يدعوه لان يأتيه وما هو بآتيه، فكذلك لا يستجيب من هو دونه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وليس ببالغه حتى يتمزع عنقه ويهلك عطشا، قال الله تعالى: وما دعاء الكافرين إلا في ضلال هذا مثل ضربه الله أي هذا الذي يدعو من دون الله هذا الوثن وهذا الحجر لا يستجيب له بشئ أبدا ولا يسوق إليه خيرا ولا يدفع عنه سوءا حتى يأتيه الموت، كمثل هذا الذي بسط ذارعيه إلى الماء ليبلغ فاه ولا يبلغ فاه ولا يصل إليه ذلك حتى يموت عطشا. وقال آخرون: معنى ذلك: والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا كباسط كفيه إلى الماء ليتناول خياله فيه، وما هو ببالغ ذلك. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه فقال: هذا مثل المشرك مع الله غيره، فمثله كمثل الرجل العطشان الذي ينظر إلى خياله في الماء من بعيد، فهو يريد أن يتناوله ولا يقدر عليه. وقال آخرون في ذلك ما: حدثني به محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ... إلى: وما دعاء الكافرين إلا في ضلال يقول: مثل الاوثان الذين يعبدون من دون الله كمثل رجل قد بلغه العطش حتى كربه الموت وكفاه في الماء قد وضعهما لا يبلغان فاه، يقول الله: لا تستجيب الآلهة ولا تنفع الذين يعبدونها حتى يبلغ كفا هذا فاه، وما هما ببالغتين فاه أبدا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 172 ]
والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه قال: لا ينفعونهم بشئ إلا كما ينفع هذا بكفيه، يعني بسطهما إلى ما لا ينال أبدا. وقال آخرون في ذلك ما: حدثنا به محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وليس الماء ببالغ فاه ما قام باسطا كفيه لا يقبضهما وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال قال: هذا مثل ضربه الله لمن اتخذ من دون الله إلها أنه غير نافعه، ولا يدفع عنه سوءا حتى يموت على ذلك. وقوله: وما دعاء الكافرين إلا في ضلال يقول: و ما دعاء من كفر بالله ما يدعو من الاوثان والآلهة إلا في ضلال: يقول: إلا في غير استقامة ولا هدى، لانه يشرك بالله. القول في تأويل قوله تعالى: (ولله يسجد من في السماوات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) يقول تعالى ذكره: فإن امتنع هؤلاء الذين يدعون من دون الله الاوثان والاصنام لله شركاء من إفراد الطاعة والاخلاص بالعبادة له، فلله يسجد من في السموات من الملائكة الكرام ومن في الارض من المؤمنين به طوعا، فأما الكافرون به فإنهم يسجدون له كرها حين يكرهون على السجود. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها فأما المؤمن فيسجد طائعا، وأما الكافر فيسجد كارها. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، قال: كان ربيع بن خيثم إذا تلا هذه الآية: ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها قال: بلى يا رباه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها قال: من دخل طائعا هذا طوعا، وكرها من لم ير يدخل إلا بالسيف. وقوله: وظلالهم بالغدو والآصال يقول: ويسجد أيضا ظلال كل من سجد لله
[ 173 ]
طوعا وكرها بالغدوات والعشايا، وذلك أن ظل كل شخص فإنه يفئ بالعشي كما قال جل ثناؤه: أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتقيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وظلالهم بالغدو والآصال يعني: حين يفئ ظل أحدهم عن يمينه أو شماله. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، قال في تفسير مجاهد: ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال قال: ظل المؤمن يسجد طوعا وهو طائع، وظل الكافر يسجد طوعا وهو كاره. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وظلالهم بالغدو والآصال قال: ذكر أن ظلال الاشياء كلها تسجد له، وقرأ: سجدا لله وهم داخرون قال: تلك الظلال تسجد لله. والآصال: جمع أصل، والاصل: جمع أصيل، وا لاصيل: هو العشي، وهو ما بين العصر إلى مغرب الشمس قال أبو ذؤيب: لعمري لانت البيت أكرم أهله * وأقعد في أفيائه بالاصائل القول في تأويل قوله تعالى:
[ 174 ]
(قل من رب السماوات والارض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الاعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله من رب السموات والارض ومدبرها، فإنهم سيقولون الله. وأمر الله نبيه (ص) أن يقول الله، فقال له: قل يا محمد: ربها الذي خلقها وأنشأها، هو الذي لا تصلح العبادة إلا له، وهو الله. ثم قال: فإذا أجابوك بذلك فقل لهم: أفاتخذتم من دون رب السموات والارض أولياء لا تملك لانفسها نفعا تجلبه إلى نفسها، ولا ضرا تدفعه عنها، وهي إذ لم تملك ذلك لانفسها، فمن ملكه لغيرها أبعد فعبدتموها، وتركتم عبادة من بيده النفع والضر والحياة والموت وتدبير الاشياء كلها. ثم ضرب لهم جل ثناؤه مثلا، فقال: قل هل يستوي الاعمى والبصير. القول في تأويل قوله تعالى: قل هل يستوي الاعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار): يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين عبدوا من دون الله الذي بيده نفعهم وضرهم ما لا ينفع ولا يضر: هل يستوي الاعمى الذي لا يبصر شيئا ولا يهتدي لمحجة يسلكها إلا بأن يهدى، والبصير الذي يهدي الاعمى لمحجة الطريق الذي لا يبصر ؟ إنهما لا شك لغير مستويين يقول: فكذلك لا يستوي المؤمن الذي يبصر الحق فيتبعه ويعرف الهدى فيسلكه وأنتم أيها المشركون الذين لا تعرفون حقا ولا تبصرون رشدا. و قوله: أم هل تستوي الظلمات والنور يقول تعالى ذكره: وهل تستوي الظلمات التي لا ترى فيها المحجة فتسلك ولا يرى فيها السبيل فيركب، والنور الذي يبصر به الاشياء ويجلو ضوءه الظلام ؟ يقول: إن هذين لا شك لغير مستويين، فكذلك الكفر بالله، إنما صاحبه منه في حيرة يضرب أبدا في غمرة لا يرجع منه إلى حقيقة، والايمان بالله صاحبه منه في ضياء يعمل على علم بربه ومعرفة منه بأن له مثيبا يثيبه على إحسانه ومعاقبا يعاقبه على إساءته ورازقا يرزقه ونافعا ينفعه.
[ 175 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قل هل يستوي الاعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أما الاعمى والبصير فالكافر والمؤمن وأما الظلمات والنور فالهدى والضلالة. وقوله: أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء المشركين: أخلق أوثانكم التي اتخذتموها أولياء من دون الله كخلق الله فاشتبه عليكم أمرها فيما خلقت وخلق الله فجعلتموها له شركاء من أجل ذلك، أم إنما بكم الجهل والذهاب عن الصواب ؟ فإنه لا يشكل على ذي عقل أن عبادة ما لا يضر ولا ينفع من الفعل جهل، وأن العبادة إنما تصلح للذي يرجى نفعه ويخشى ضره، كما أن ذلك غير مشكل خطؤه وجهل فاعله، كذلك لا يشكل جهل من أشرك في عبادة من يرزقه ويكفله ويمونه من لا يقدر له على ضرر ولا نفع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه حملهم ذلك على أن شكوا في الاوثان. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم خلقوا كخلقه، فحملهم ذلك على أن شكوا في الاوثان. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن كثير: سمعت مجاهدا يقول: أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم ضربت مثلا. وقوله: قل الله خالق كل شئ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل لهؤلاء المشركين إذا أقروا لك أن أوثانهم التي أشركوها في عبادة الله لا تخلق شيئا، فالله خالقكم وخالق أوثانكم وخلق كل شئ، فما وجه إشراككم ما لا تخلق ولا تضر.
[ 176 ]
وقوله: وهو الواحد القهار يقول: وهو الفرد الذي لا ثاني له، القهار الذي يستحق الالوهة والعبادة، لا الاصنام والاوثان التي لا تضر ولا تنفع. القول في تأويل قوله تعالى: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغآء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفآء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض كذلك يضرب الله الامثال) قال أبو جعفر: وهذا مثل ضربه الله للحق والباطل والايمان به والكفر، يقول تعالى ذكره: مثل الحق في ثباته والباطل في اضمحلاله مثل ماء أنزله الله من السماء إلى الارض فسالت أودية بقدرها يقول: فاحتملته الاودية بملئها الكبير بكبره والصغير بصغره، فاحتمل السيل زبدا رابيا يقول: فاحتمل السيل الذي حدث عن ذلك الماء الذي أنزله الله من السماء زبدا عاليا فوق السيل. فهذا أحد مثلى الحق والباطل، فالحق هو الماء الباقي الذي أنزله الله من السماء، والزبد الذي لا ينتفع به هو الباطل. والمثل الآخر: ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية يقول جل ثناؤه: ومثل آخر للحق والباطل، مثل فضة أو ذهب يوقد عليها الناس في النار طلب حلية يتخذونها أو متاع، وذلك من النحاس والرصاص والحديد، يوقد عليه ليتخذ منه متاع ينتفع به زبد مثله يقول تعالى ذكره: ومما يوقدون عليه من هذه الاشياء زبد مثله، يمعني: مثل زبد السيل لا ينتفع به ويذهب باطلا، كما لا ينتفع بزبد السيل ويذهب باطلا. ورفع الزبد بقوله: ومما يوقدون عليه في النار ومعنى الكلام: ومما يوقدون عليه في النار زبد مثل زبد السيل في بطول زبده، وبقاء خالص الذهب والفضة. يقول الله تعالى: كذلك يضرب الله الحق والباطل يقول: كما مثل الله الايمان والكفر في بطول الكفر وخيبة صاحبه عند مجازاة الله بالباقي النافع من ماء السيل وخالص الذهب والفضة، كذلك يمثل الله الحق والباطل. فأما الزبد فيذهب جفاء يقول: فأما الزبد الذي علا السيل، والذهب والفضة والنحاس والرصاص عند الوقود عليها، فيذهب بدفع الرياح وقدف الماء به وتعلقه بالاشجار وجوانب الوادي. وأما ما ينفع الناس من الماء والذهب والفضة والرصاص والنحاس، فالماء يمكث في الارض فتشربه، والذهب والفضة تمكث للناس. كذلك يضرب الله الامثال يقول: كما مثل هذا المثل للايمان والكفر، كذلك يمثل الامثال.
[ 177 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فهذا مثل ضربه الله احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها، فأما الشك فلا ينفع معه العمل، وأما اليقين فينفع الله به أهله، وهو قوله: فأما الزبد فيذهب جفاء وهو الشك، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض وهو اليقين، كما يجعل الحلي في النار، فيؤخذ خالصه ويترك خبثه في النار، فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا يقول: احتمل السيل ما في الوادي من عود ودمنة ومما يوقدون عليه في النار فهو الذهب والفضة والحلية والمتاع والنحاس والحديد، وللنحاس والحديد خبث، فجعل الله مثل خبثه كزبد الماء فأما ما ينفع الناس فالذهب والفضة، وأما ما ينفع الارض فما شربت من الماء فأنبتت. فجعل ذلك مثل العمل الصالح يبقى لاهله، والعمل السيئ يضمحل عن أهله، كما يذهب هذا الزبد، فكذلك الهدى والحق جاء من عند الله، فمن عمل بالحق كان له وبقي كما يبقى ما ينفع الناس في الارض، وكذلك الحديد لا يستطاع أن يجعل منه سكين ولا سيف حتى يدخل في النار فتؤكل خبثه، فيخرج جيده فينتفع به، فكذلك يضمحل الباطل إذا كان يوم القيامة وأقيم الناس، وعرضت الاعمال، فيريغ الباطل ويهلك، وينتفع أهل الحق بالحق، ثم قال: ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: أنزل من السماء ماء فسالت أودية... إلى: أو متاع زبد مثله فقال: ابتغاء حلية الذهب والفضة، أو متاع الصفر والحديد. قال: كما أوقد على الذهب والفضة والصفر والحديد فخلص خالصه، قال: كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض كذلك بقاء الحق لاهله فانتفعوا. حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: ثنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول: أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها قال: ما أطاقت ملاها فاحتمل السيل زبدا رابيا قال: انقضى
[ 178 ]
الكلام، ثم استقبل فقال: ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله قال: المتاع: الحديد والنحاس والرصاص وأشباهه، زبد مثله، قال: خبث ذلك مثل زبد السيل. قال: وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض فأما الزبد فيذهب جفاء قال: فذلك مثل الحق والباطل. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد، أنه سمعه يقول: فذكر نحوه. وزاد فيه: قال: قال ابن جريج: قال مجاهد قوله: فأما الزبد فيذهب جفاء قال: جمودا في الارض، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض يعني الماء وهما مثلان: مثل الحق والباطل. حدثنا الحسن، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: زبدا رابيا السيل مثل خبث الحديد والحلية، فيذهب جفاء جمودا في الارض، ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله الحديد والنحاس والرصاص وأشباهه. وقوله: و أما ما ينفع الناس فيمكث في الارض إنما هما مثلان للحق والباطل. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: وثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، يزيد أحدهما على صاحبه في قوله: فسالت أودية بقدرها قال: بملئها، فاحتمل السيل زبدا رابيا قال: الزبد: السيل ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله قال: خبث الحديد والحلية، فأما الزبد فيذهب جفاء قال: جمودا في الارض، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض قال: الماء وهما مثلان للحق والباطل. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها الصغير بصغره والكبير بكبره، فاحتمل السيل زبدا رابيا أي عاليا، ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء والجفاء: ما يتعلق بالشجر، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض. هذه ثلاثة أمثال ضربها الله في مثل واحد، يقول: كما اضمحل
[ 179 ]
هذا الزبد فصار جفاء لا ينتفع به ولا ترجى بركته، كذلك يضمحل الباطل عن أهله كما اضمحل هذا الزبد، وكما مكث هذا الماء في الارض، فأمرعت هذه الارض، وأخرجت نباتها، كذلك يبقى الحق لاهله كما بقي هذا الماء في الارض، فأخرج الله به ما أخرج من النبات. قوله: ومما يوقدون عليه في النار... الآية، كما يبقى خالص الذهب والفضة، حين أدخل النار و ذهب خبثه، كذلك يبقى الحق لاهله. قوله: أو متاع زبد مثله يقول: هذا الحديد والصفر الذي ينتفع به، فيه منافع: يقول: كما يبقى خالص هذا الحديد وهذا الصفر حين أدخل النار وذهب خبثه، كذلك يبقى الحق لاهله كما بقي خالصهما. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فسالت أودية بقدرها الكبير بقدره والصغير بقدره. زبدا رابيا قال: ربا فوق الماء الزبد. ومما يوقدون عليه في النار قال: هو الذهب إذا أدخل النار بقي صفوه ونفى ما كان كدره وهذا مثل ضربه الله. للحق والباطل، فأما الزبد فيذهب جفاء يتعلق بالشجر فلا يكون شيئا مثل الباطل، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض وهذا يخرج النبات، وهو مثل الحق أو متاع زبد مثله قال: المتاع: الصفر والحديد. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا هوذة بن خليفة، قال: ثنا عوف، قال: بلغني في قوله: أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها قال: إنما هو مثل ضربه الله للحق والباطل، فسالت أودية بقدرها الصغير على قدره، والكبير على قدره، وما بينهما على قدره. فاحتمل السيل زبدا رابيا يقول: عظيما، وحيث استقر الماء يذهب الزبد جفاء فتطير به الريح، فلا يكون شيئا، ويبقى صريح الماء الذي ينفع الناس منه شرابهم ونباتهم ومنفعتهم. أو متاع زبد مثله ومثل الزبد كل شئ يوقد عليه في النار الذهب والفضة والنحاس والحديد، فيذهب خبثه ويبقى ما ينفع في أيديهم، والخبث والزبد مثل الباطل، والذي ينفع الناس مما تحصل في أيديهم مما ينفعهم المال الذي في أيديهم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله قال: هذا مثل ضربه الله للحق والباطل. فقرأ: أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا هذا الزبد لا ينفع، أو متاع زبد مثله هذا لا ينفع أيضا، قال: وبقي الماء في الارض فنفع الناس، وبقي الحلي الذي صلح من هذا، فانتفع الناس به. فأما الزبد فيذهب جفاء وأما
[ 180 ]
ما ينفع الناس فيمكث في الارض كذلك يضرب الله الامثال وقال: هذا مثل ضربه الله للحق والباطل. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: أودية بقدرها قال: الصغير بصغره، والكبير بكبره. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا طلحة بن عمرو، عن عطاء: ضرب الله مثلا للحق والباطل، فضرب مثل الحق كمثل السيل الذي يمكث في الارض، وضرب مثل الباطل كمثل الزبد الذي لا ينفع الناس. وعنى بقوله رابيا: عاليا منتفخا، من قولهم: ربا الشئ يربو ربوا فهو راب، ومنه قيل للنشز من الارض كهيئة الاكمة: رابية ومنه قول الله تعالى: اهتزت وربت. وقيل للنحاس والرصاص والحديد في هذا الموضع: المتاع، لانه يستمتع به، وكل ما يتمتع به الناس فهو متاع كما قال الشاعر: تمتع يا مشعث إن شيئا * سبقت به الممات هو المتاع وأما الجفاء فإني: حدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال: قال أبو عمرو بن العلاء، يقال: قد أجفأت القدر، وذلك إذا غلت فانصب زبدها، أو سكنت فلا يبقى منه شئ. وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة أن معنى قوله: فيذهب جفاء تنشفه الارض، وقال: يقال: جفا الوادي وأجفى في معنى نشف، وانجفى الوادي: إذا جاء بذلك الغثاء، وغثى الوادي فهو يغثى غثيا وغثيانا. وذكر عن العرب أنها تقول: جفأت القدر
[ 181 ]
أجفؤها: إذا أخرجت جفاءها، وهو الزبد الذي يعلوها، وأجفأتها إجفاء لغة. قال: وقالوا: جفأت الرجل جفا: صرعته. وقيل: فيذهب جفاء بمعنى جفئا، لانه مصدر من قول القائل: جفأ الوادي غثاءه، فخرج مخرج الاسم وهو مصدر، كذلك تفعل العرب في مصدر كل ما كان من فعل شئ اجتمع بعضه إلى بعض كالقماش والدقاق والحطام والغثاء، تخرجه على مذهب الاسم، كما فعلت ذلك في قولهم: أعطيته عطاء، بمعنى الاعطاء، ولو أريد من القماش المصدر على الصحة لقيل: قد قمشته قمشا. القول في تأويل قوله تعالى: (للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الارض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد) يقول تعالى ذكره: أما الذين استجابوا لله فآمنوا به حين دعاهم إلى الايمان به وأطاعوه فاتبعوا رسوله وصدقوه فيما جاءهم به من عند الله، فإن لهم الحسنى، وهي الجنة. كذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: للذين استجابوا لربهم الحسنى وهي الجنة. وقوله: والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الارض جميعا ومثله معه لافتدوا به يقول تعالى ذكره: وأما الذين لم يستجيبوا له حين دعاهم إلى توحيده والاقرار بربوبيته، ولم يطيعوه فيما أمرهم به، ولم يتبعوا رسوله فيصدقوه فيما جاءهم به من عند ربهم، فلو أن لهم ما في الارض جميعا من شئ ومثله معه ملكا لهم ثم مثل ذلك وقبل ذلك منهم بدلا من العذاب الذي أعده الله لهم في نار جهنم وعوضا لافتدوا به أنفسهم منه، يقول الله: أولئك لهم سوء الحساب يقول: هؤلاء الذين لم يستجيبوا لله لهم سوء الحساب: يقول: لهم عند الله أن يأخذهم بذنوبهم كلها، فلا يغفر لهم منها شيئا، ولكن يعذبهم على جميعها. كما: حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا يونس بن محمد، قال: ثنا عون، عن فرقد السبخي، قال: قال لنا شهر بن حوشب: سوء الحساب أن لا يتجاوز لهم عن شئ.
[ 182 ]
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثني الحجاج بن أبي عثمان، قال: ثني فرقد السبخي، قال: قال إبراهيم النخعي: يا فرقد أتدري ما سوء الحساب ؟ قلت: لا، قال: هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر له منه شئ. وقوله: ومأواهم جهنم يقول: ومسكنهم الذي يسكنونه يوم القيامة جهنم. وبئس المهاد يقول: وبئس الفراش والوطاء جهنم، التي هي مأواهم يوم القيامة. القول في تأويل قوله تعالى: (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الالباب) يقول تعالى ذكره: أهذا الذي يعلم أن الذي أنزله الله عليك يا محمد حق فيؤمن به ويصدق ويعمل بما فيه، كالذي هو أعمى فلا يعرف موقع حجة الله عليه به ولا يعلم ما ألزمه الله من فرائضه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة في قوله: أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق قال: هؤلاء قوم انتفعوا بما سمعوا من كتاب الله وعقلوه ووعوه، قال الله: كمن هو أعمى قال: عن الخير فلا يبصره. وقوله: إنما يتذكر أولوا الالباب يقول: إنما يتعظ بآيات الله، ويعتبر بها ذوو العقول، وهي الالباب، واحدها: لب. القول في تأويل قوله تعالى: (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق. والذين يصلون مآ أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) يقول تعالى ذكره: إنما يتعظ ويعتبر بآيات الله أولو الالباب الذين يوفون بوصية الله التي أوصاهم. ولا ينقضون الميثاق ولا يخالفون العهد الذي عاهدوا الله عليه إلى خلافه، فيعملوا بغير ما أمرهم به ويخالفوا إلى ما نهى عنه. وقد بينا معنى العهد و الميثاق فيما مضى بشواهده، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 183 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، قال: إنما يتذكر أولوا الالباب فبين من هم، فقال: الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق فعليكم بوفاء العهد، ولا تنقضوا هذا الميثاق، فإن الله تعالى قد نهى وقدم فيه أشد التقدمة، فذكره في بضع وعشرين موضعا، نصيحة لكم وتقدمة إليكم وحجة عليكم، وإنما يعظم الامر بما عظمه الله به عند أهل الفهم والعقل، فعظموا ما عظم الله قال قتادة: وذكر لنا أن رسول الله (ص) كان يقول في خطبته: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له. وقوله: والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل يقول تعالى ذكره: والذين يصلون الرحم التي أمرهم الله بوصلها فلا يقطعونها، ويخشون ربهم يقول: ويخافون الله في قطعها أن يقطعوها، فيعاقبهم على قطعها وعلى خلافهم أمره فيها. وقوله: ويخافون سوء الحساب يقول: ويحذرون مناقشة الله إياهم في الحساب، ثم لا يصفح لهم عن ذنب، فهم لرهبتهم ذلك جادون في طاعته محافظون على حدوده. كما: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان، قال: ثنا جعفر بن سليمان، عن عمرو بن مالك، عن أبي الحفنا، في قوله: الذين يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب قال: المناقشة بالاعمال. قال: ثنا عفان، قال: ثنا حماد، عن فرقد، عن إبراهيم، قال: سوء الحساب أن يحاسب من لا يغفر له. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ويخافون سوء الحساب قال: فقال: وما سوء الحساب ؟ قال: الذي لا جواز فيه. حدثني ابن سنان القزاز، قال: ثنا أبو عاصم، عن الحجاج، عن فرقد، قال: قال لي إبراهيم: تدري ما سوء الحساب ؟ قلت لا أدري، قال: يحاسب العبد بذنبه كله لا يغفر له منه شئ. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 184 ]
(والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار) يقول تعالى ذكره: والذين صبروا على الوفاء بعهد الله وترك نقض الميثاق وصلة الرحم، ابتغاء وجه ربهم ويعني بقوله: ابتغاء وجه ربهم طلب تعظيم الله، و تنزيها له أن يخالف في أمره أو يأتي أمرا كره إتيانه فيعصيه به. وأقاموا الصلاة يقول: وأدوا الصلاة المفروضة بحدودها في أوقاتها. وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يقول: وأدوا من أموالهم زكاتها المفروضة، وأنفقوا منها في السبل التي أمرهم الله بالنفقة فيها، سرا في خفاء وعلانية في الظاهر. كما: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وأقاموا الصلاة يعني الصلوات الخمس، وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يقول الزكاة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد الصبر: الاقامة، قال: وقال الصبر في هاتين، فصبر لله على ما أحب وإن ثقل على الانفس والابدان، وصبر عما يكره وإن نازعت إليه الاهواء، فمن كان هكذا فهو من الصابرين. وقرأ: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. وقوله: ويدرءون بالحسنة السيئة يقول: ويدفعون إساءة من أساء إليهم من الناس، بالاحسان إليهم. كما: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ويدرءون بالحسنة السيئة قال: يدفعون الشر بالخير، لا يكافئون الشر بالشر ولكن يدفعونه بالخير. وقوله: أولئك لهم عقبى الدار يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا صفتهم هم الذين لهم عقبى الدار، يقول: هم الذين أعقبهم الله دار الجنان من دارهم التي لو لم يكونوا مؤمنين كانت لهم في النار، فأعقبهم الله من تلك هذه. وقد قيل: معنى ذلك: أولئك الذين لهم عقيب طاعتهم ربهم في الدنيا دار الجنان. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 185 ]
(جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ئ سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) يقول تعالى: جنات عدن ترجمة عن عقبى الدار، كما يقال: نعم الرجل عبد الله، فعبد الله هو الرجل المقول له: نعم الرجل، وتأويل الكلام: أولئك لهم عقيب طاعتهم ربهم الدار التي هي جنات عدن. وقد بينا معنى قوله: عدن، وأنه بمعنى الاقامة التي لا ظعن معها. وقوله: ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم يقول تعالى ذكره: جنات عدن يدخلها هؤلاء الذين وصفت صفتهم، وهم الذين يوفون بعهد الله، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم، وأقاموا الصلاة، وفعلوا الافعال التي ذكرها جل ثناؤه في هذه الآيات الثلاث. ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وهي نساؤهم وأهلوهم وذرياتهم. وصلاحهم إيمانهم بالله واتباعهم أمره وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام. كما: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ومن صلح من آبائهم قال: من آمن في الدنيا. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: ومن صلح من آبائهم قال: من آمن من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم. وقوله: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم يقول: تعالى ذكره: وتدخل الملائكة على هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه صفتهم في هذه الآيات الثلاث في جنات عدن، من كل باب منها، يقولون لهم: سلام عليكم بما صبرتم على طاعة ربكم في الدنيا، فنعم عقبى الدار. وذكر أن لجنات عدن خمسة آلاف باب. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا علي بن جرير، قال: ثنا
[ 186 ]
حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن نافع بن عاصم، عن عبد الله بن عمرو، قال: إن في الجنة قصرا يقال له عدن، حوله البروج والمروج، فيه خمسة آلاف باب، على كل باب خمسة آلاف حبرة، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: جنات عدن قال: مدينة الجنة، فيها الرسل والانبياء والشهداء، وأئمة الهدى، والناس حولهم بعدد الجنات حولها. وحذف من قوله: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم يقولون اكتفاء بدلالة الكلام عليه، كما حذف ذلك من قوله: ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن بقية بن الوليد، قال: ثني أرطأة بن المنذر، قال: سمعت رجلا من مشيخة الجند يقال له أبو الحجاج، يقول: جلست إلى أبي أمامة فقال: إن المؤمن ليكون متكئا على أريكته إذا دخل الجنة، وعنده سماطان من خدم، وعند طرف السماطين سور، فيقبل الملك يستأذن، فيقول للذي يليه: ملك يستأذن، ويقول الذي يليه: ملك يستأذن، ويقول الذي يليه للذي يليه: ملك يستأذن، حتى يبلغ المؤمن فيقول: ائذنوا فيقول: أقربهم إلى المؤمن ائذنوا، ويقول الذي يليه للذي يليه: ائذنوا، فكذلك حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب، فيفتح له، فيدخل فيسلم ثم ينصرف. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن إبراهيم بن محمد، عن سهل بن أبي صالح، عن محمد بن إبراهيم، قال: كان النبي (ص) يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، وأبو بكر وعمر وعثمان. وأما قوله: سلام عليكم بما صبرتم فإن أهل التأويل قالوا في ذلك نحو قولنا فيه. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن جفعر بن
[ 187 ]
سليمان، عن أبي عمران الجوني أنه تلا هذه الآية: سلام عليكم بما صبرتم قال: على دينكم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: سلام عليكم بما صبرتم قال: حين صبروا لله بما يحبه الله فقدموه. وقرأ: وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا حتى بلغ: وكان سعيكم مشكورا وصبروا عما كره الله وحرم عليهم، وصبروا على ما ثقل عليهم وأحبه الله، فسلم عليهم بذلك. وقرأ: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. وأما قوله: فنعم عقبى الدار فإن معناه إن شاء الله كما: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال ثنا عبد الرزاق، عن جعفر، عن أبي عمران الجوني في قولهم فنعم عقبى الدار قال: الجنة من النار. القول في تأويل قوله تعالى: (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون مآ أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الارض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) يقول تعالى ذكره: وأما الذين ينقضون عهد الله، ونقضهم ذلك: خلافهم أمر الله، وعملهم بمعصيته، من بعد ميثاقه يقول: من بعد ما وثقوا على أنفسهم لله أن يعملوا بما عهد إليهم، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل يقول: ويقطعون الرحم التي أمرهم الله بوصلها، ويفسدون في الارض فسادهم فيها: عملهم بمعاصي الله أولئك لهم اللعنة يقول: فهؤلاء لهم اللعنة، وهي البعد من رحمته والاقصاء من جنانه، ولهم سوء الدار يقول: ولهم ما يسوءهم في الدار الآخرة. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قال: أكبر الكبائر: الاشراك بالله، لان الله يقول: ومن يشرك بالله فكأنما
[ 188 ]
خر من السماء فتخطفه الطير، ونقض العهد وقطيعة الرحم، لان الله تعالى يقول: أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار يعني: سوء العاقبة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، في قوله: ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل قال: بلغنا أن النبي (ص) قال: إذا لم تمش إلى ذي رحمك برجلك ولم تعطه من مالك فقد قطعته. حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد، قال: سألت أبي عن هذه الآية: قل هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا أهم الحرورية ؟ قال: لا، ولكن الحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الارض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار. فكان سعد يسميهم الفاسقين. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت مصعب بن سعد، قال: كنت أمسك على سعد المصحف، فأتى على هذه الآية، ثم ذكر نحو حديث محمد بن جعفر. القول في تأويل قوله تعالى: (الله يبسط الرزق لمن يشآء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع) يقول تعالى ذكره: الله يوسع على من يشاء من خلقه في رزقه، فيبسط له منه، لان منهم من لا يصلحه إلا ذلك. ويقدر يقول: ويقتر على من يشاء منهم في رزقه وعيشه، فيضيقه عليه، لانه لا يصلحه إلا الاقتار. وفرحوا بالحياة الدنيا يقول تعالى ذكره: وفرح هؤلاء الذين بسط لهم في الدنيا من الرزق على كفرهم بالله ومعصيتهم إياه بما بسط لهم فيها، وجهلوا ما عند الله لاهل طاعته والايمان به في الآخرة من الكرامة والنعيم. ثم أخبر جل ثناؤه عن قدر ذلك في الدنيا فيما لاهل الايمان به عنده في الآخرة وأعلم عباده قلته،
[ 189 ]
فقال: وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع يقول: وما جميع ما أعطى هؤلاء في الدنيا من السعة وبسط لهم فيها من الرزق ورغد العيش فيما عند الله لاهل طاعته في الآخرة إلا متاع قليل وشئ حقير ذاهب. كما: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيج، عن مجاهد، قوله: إلا متاع قال: قليل ذاهب. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. قال: وثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع قال: قليل ذاهب. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن الاعمش، عن بكير بن الاخنس، عن عبد الرحمن بن سابط في قوله: وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع قال: كزاد الراعي يزوده أهله الكف من التمر، أو الشئ من الدقيق، أو الشئ يشرب عليه اللبن. القول في تأويل قوله تعالى: (ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشآء ويهدي إليه من أناب) يقول تعالى ذكره: ويقول لك يا محمد مشركو قومك: هلا أنزل عليك آية من ربك، إما ملك يكون معك نذيرا، أو يلقى إليك كنز، فقل: إن الله يضل منكم من يشاء أيها القوم فيخذله عن تصديقي والايمان بما جئته به من عند ربي ويهدي إليه من أناب، فرجع إلى التوبة من كفره والإيمان به، فيوفقه لاتباعي وتصديقي به على ما جئته به من عند ربه. وليس ضلال من يضل منكم بأن لم ينزل على آية من ربي ولا هداية من يهتدى منكم بأنها أنزلت علي، وإنما ذلك بيد الله، يوفق من يشاء منكم للايمان ويخذل من يشاء منكم فلا يؤمن. وقد بينت معنى الانابة في غير موضع من كتابنا هذا بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويهدي إليه من أناب: أي من تاب وأقبل. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 190 ]
(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب. الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) يقول تعالى ذكره: ويهدي إليه من أناب بالتوبة الذين آمنوا. والذين آمنوا في موضع نصب رد على من، لان الذين آمنوا هم من أناب ترجم بها عنها. وقوله: وتطمئن قلوبهم بذكر الله يقول: وتسكن قلوبهم وتستأنس بذكر الله. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وتطمئن قلوبهم بذكر الله يقول: سكنت إلى ذكر الله واستأنست به. وقوله: ألا بذكر الله تطمئن القلوب يقول: ألا بذكر الله تسكن وتستأنس قلوب المؤمنين. وقيل: إنه عنى بذلك قلوب المؤمنين من أصحاب رسول الله (ص). ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ألا بذكر الله تطمئن القلوب لمحمد وأصحابه. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثنا المثنى قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ألا بذكر الله تطمئن القلوب قال: لمحمد وأصحابه. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أحمد بن يونس قال: ثنا سفيان بن عيينة في قوله: وتطمئن قلوبهم بذكر الله قال: هم أصحاب محمد (ص). وقوله: الذين آمنوا وعملوا الصالحات الصالحات من الاعمال، وذلك العمل بما أمرهم ربهم. طوبى لهم وطوبى في موضع رفع بلهم. وكان بعض أهل البصرة والكوفة يقول ذلك رفع، كما يقال في الكلام: ويل لعمرو، وإنما أوثر الرفع في طوبى لحسن الاضافة فيه بغير لام، وذلك أنه يقال فيه طوباك، كما يقال: ويلك وويبك، ولولا حسن الاضافة فيه بغير لام لكان النصب فيه أحسن وأفصح، كما النصب في قولهم: تعسا لزيد وبعدا له وسحقا أحسن، إذ كانت الاضافة فيها بغير لام لا تحسن.
[ 191 ]
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله طوبى لهم فقال بعضهم: معناه: نعم ما لهم. ذكر من قال ذلك: حدثني جعفر بن محمد البروري من أهل الكوفة، قال: ثنا أبو زكريا الكلبي، عن عمر بن نافع، قال: سئل عكرمة عن طوبى لهم، قال: نعم ما لهم. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عمرو بن نافع، عن عكرمة، في قوله: طوبى لهم قال: نعم ما لهم. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثني عمرو بن نافع، قال: سمعت عكرمة، في قوله: طوبى لهم قال: نعم ما لهم. وقال آخرون: معناه: غبطة لهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو هشام، قال: ثنا أبو خالد الاحمر، عن جويبر، عن الضحاك: طوبى لهم قال: غبطة لهم. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك، مثله. قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله. وقال آخرون: معناه: فرح وقرة عين. ذكر من قال ذلك: حدثني علي بن داود المثنى بن إبراهيم، قالا: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: طوبى لهم يقول: فرح وقرة عين. وقال آخرون: معناه: حسنى لهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: طوبى لهم يقول: حسنى لهم، وهي كلمة من كلام العرب. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: طوبى لهم هذه كلمة عربية، يقول الرجل: طوبى لك: أي أصبت خيرا. وقال آخرون: معناه: خير لهم. ذكر من قال ذلك:
[ 192 ]
حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: خير لهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: طوبى لهم قال: الخير والكرامة التي أعطاهم الله. وقال آخرون: طوبى لهم اسم من أسماء الجنة، ومعنى الكلام: الجنة لهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: طوبى لهم قال: اسم الجنة بالحبشية. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن مشجوع في قوله: طوبى لهم قال: طوبى: اسم الجنة بالهندية. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا داود بن مهران، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن مشجوع، قال: اسم الجنة بالهندية: طوبى. حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا سفيان، عن السدي، عن عكرمة: طوبى لهم قال: الجنة. قال: ثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: طوبى لهم قال: الجنة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب قال: لما خلق الله الجنة وفرغ منها قال: الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب وذلك حين أعجبته. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد: طوبى لهم قال الجنة. وقال آخرون: طوبى لهم: شجرة في الجنة. ذكر من قال ذلك:
[ 193 ]
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا قرة بن خالد، عن موسى بن سالم، قال: قال ابن عباس: طوبى لهم شجرة في الجنة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الاشعث بن عبد الله، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة: طوبى لهم: شجرة في الجنة يقول لها: تفتقي لعبدي عما شاء فتتفتق له عن الخيل بسروجها ولجمها، وعن الابل بأزمتها، وعم شاء من الكسوة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن شهر بن حوشب، قال: طوبى: شجرة في الجنة، كل شجر الجنة منها، أغصانها من وراء سور الجنة. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن الاشعث، بن عبد الله، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: في الجنة شجرة يقال لها طوبى، يقول الله لها: تفتقي فذكر نحو حديث ابن عبد الاعلى، عن ابن ثور. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الجبار، قال: ثنا مروان، قال: أخبرنا العلاء، عن شمر بن عطية، في قوله: طوبى لهم قال: هي شجرة في الجنة يقال لها طوبى. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن منصور، عن حسان أبي الاشرس، عن مغيث بن سمي، قال: طوبى: شجرة في الجنة، ليس في الجنة دار إلا فيها غصن منها، فيجئ الطائر فيقع فيدعوه، فيأكل من أحد جنبيه قديدا ومن الآخر شواء، ثم يقول: طر فيطير. قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن بعض أهل الشام، قال: إن ربك أخذ لؤلؤة فوضعها على راحتيه، ثم دملجها بين كفيه، ثم غرسها وسط أهل الجنة، ثم قال لها: امتدي حتى تبلغي مرضاتي ففعلت، فلما استوت تفجرت من أصولها أنهار الجنة، وهي طوبى. حدثنا الفضل بن الصباح، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني، قال: ثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهبا يقول: إن في الجنة شجرة يقال لها: طوبى،
[ 194 ]
يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها زهرها رياط، وورقها برود، وقضبانها عنبر، وبطحاؤها ياقوت، وترابها كافور، ووحلها مسك، يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل، وهي مجلس لاهل الجنة. فبينا هم في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربهم، يقودون نجبا مزمومة بسلاسل من ذهب، وجوهها كالمصابيح من حسنها، وبرها كخز المرعزي من لينه، عليها رحال ألواحها من ياقوت، ودفوفها من ذهب، وثيابها من سندس وإستبرق، فينيخونها ويقولون: إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه. قال: فيركبونها. قال: فهي أسرع من الطائر، وأوطأ من الفراش نجبا من غير مهنة، يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه، لا تصيب أذن راحلة منها أذن صاحبتها، ولا برك راحلة برك صاحبتها، حتى إن الشجرة لتتنحى عن طرقهم لئلا تفرق بين الرجل وأخيه. قال: فيأتون إلى الرحمن الرحيم، فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه، فإذا رأوه قالوا: اللهم أنت السلام ومنك السلام، وحق لك الجلال والاكرام قال: فيقول تبارك وتعالى عند ذلك: أنا السلام، ومنى السلام، وعليكم حقت رحمتي ومحبتي، مرحبا بعبادي الذين خشوني بغيب أطاعوا أمري قال: فيقولون: ربنا إنا لم نعبدك حق عبادتك ولم نقدرك حق قدرك، فأذن لنا بالسجود قدامك قال: فيقول الله: إنها ليست بدار نصب ولا عبادة، ولكنها دار ملك ونعيم، وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة، فسلوني ما شئتم، فإن لكل رجل منكم أمنيته فيسألونه حتى إن أقصرهم أمنية ليقول: رب تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها، رب فآتني كل شئ كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا ! فيقول الله: لقد قصرت بك اليوم أمنيتك، ولقد سألت دون منزلتك، هذا لك مني، وسأتحفك بمنزلتي، لانه ليس في عطائي نكد ولا قصريد. قال: ثم يقول: اعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيهم ولم يخطر لهم على بال قال: فيعرضون عليهم حتى يقضوهم أمانيهم التي في أنفسهم، فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مقرنة، على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة، على كل سرير منها قبة من ذهب، مفرغة، في كل قبة منها فرش من
[ 195 ]
فرش الجنة مظاهرة، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين، على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة، ليس في الجنة لون إلا وهو فيهما، ولا ريح طيبة إلا قد عبقتا به، ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة، حتى يظن من يراهما أنهما من دون القبة، يرى مخهما من فوق سوقهما كالسلك الابيض من ياقوتة حمراء، يريان له من الفضل على صحابته كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل، ويرى هو لهما مثل ذلك. ثم يدخل إليهما فيحييانه ويقبلانه ويعانقانه، ويقولان له: والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك ثم يأمر الله الملائكة فيسيرون بهم صفا في الجنة حتى ينتهي كل رجل منهم إلى منزلته التي أعدت له. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا علي بن جرير، عن حماد، قال: شجرة في الجنة في دار كل مؤمن غصن منها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن حسان بن أبي الاشرس، عن مغيث بن سمي قال: طوبى: شجرة في الجنة لو أن رجلا ركب قلوصا جذعا أو جذعة، ثم دار بها لم يبلغ المكان الذي ارتحل منه حتى يموت هرما. وما من أهل الجنة منزل إلا فيه غصن من أغصان تلك الشجرة متدل عليهم، فإذا أرادوا أن يأكلوا من الثمرة تدلى إليهم فيأكلون منه ما شاءوا، ويجئ الطير فيأكلون منه قديدا وشواء ما شاءوا، ثم يطير. وقد روي عن رسول الله (ص) خبر بنحو ما قال من قال هي شجرة. ذكر الرواية بذلك: حدثني سليمان بن داود القومسي، قال: ثنا أبو توبة الربيع بن نافع، قال: ثنا معاوية بن سلام، عن زيد، أنه سمع أبا سلام، قال: ثنا عامر بن زيد البكالي، أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول: جاء أعرابي إلى رسول الله (ص)، فقال: يا رسول الله، إن في الجنة فاكهة ؟ قال: نعم، فيها شجرة تدعى طوبى، هي تطابق الفردوس. قال: أي شجر أرضنا تشبه ؟ قال: ليست تشبه شيئا من شجر أرضك، ولكن أتيت الشام ؟ فقال: لا يا رسول الله، فقال: فإنها تشبه شجرة تدعى الجوزة، تنبت على ساق واحدة ثم ينتشر أعلاها قال: ما عظم أصلها ؟ قال: لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتاها هرما.
[ 196 ]
حدثنا الحسن بن شبيب، قال: ثنا محمد بن زياد الجريري، عن فرات بن أبي الفرات، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله (ص): طوبى لهم وحسن مآب: شجرة غرسها الله بيده، ونفخ فيها من روحه بالحلي والحلل، وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أن دراجا حدثه أن أبا الهيثم حدثه، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (ص): أن رجلا قال له: يا رسول الله ما طوبى ؟ قال: شجرة في الجنة مسيرة مئة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها. فعلى هذا التأويل الذي ذكرنا عن رسول الله (ص) الرواية به، يجب أن يكون القول في رفع قوله: طوبى لهم خلاف القول الذي حكيناه عن أهل العربية فيه. وذلك أن الخبر عن رسول الله (ص) أن طوبى اسم شجرة في الجنة، فإذا كان كذلك فهو اسم لمعرفة كزيد وعمرو. وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن في قوله: وحسن مآب إلا الرفع عطفا به على طوبى. وأما قوله: وحسن مآب فإنه يقول: وحسن منقلب كما: حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: وحسن مآب قال: حسن منقلب. القول في تأويل قوله تعالى: (كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب) يقول تعالى ذكره: هكذا أرسلناك يا محمد في جماعة من الناس، يعني إلى جماعة قد خلت من قبلها جماعات على مثل الذي هم عليه، فمضت لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك يقول: لتبلغهم ما أرسلتك به إليهم من وحيي الذي أوحيته إليك. وهم يكفرون بالرحمن يقول: وهم يجحدون وحدانية الله، ويكذبون بها. قل هو ربي يقول: إن
[ 197 ]
كفر هؤلاء الذين أرسلتك إليهم يا محمد بالرحمن، فقل: أنت الله ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب يقول: وإليه مرجعي وأوبتي. وهو مصدر من قول القائل: تبت متابا وتوبة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وهم يكفرون بالرحمن ذكر لنا أن نبي الله (ص) زمن الحديبية حين صالح قريشا كتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله. فقال مشركو قريش: لئن كنت رسول الله (ص) ثم قاتلناك لقد ظلمناك، ولكن اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله. فقال أصحاب رسول الله (ص): دعنا يا رسول الله نقاتلهم فقال: لا، ولكن اكتبوا كما يريدون إني محمد بن عبد الله فلما كتب الكاتب: بسم الله الرحمن الرحيم، قالت قريش: أما الرحمن فلا نعرفه وكان أهل الجاهلية يكتبون: باسمك اللهم، فقال أصحابه: يا رسول الله دعنا نقاتلهم قال: لا ولكن اكتبوا كما يريدون. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: قوله: كذلك أرسلناك في أمة قد خلت... الآية، قال: هذا لما كاتب رسول الله (ص) قريشا في الحديبية كتب: بسم الله الرحمن الرحيم، قالوا: لا تكتب الرحمن، وما ندري ما الرحمن، ولا نكتب إلا باسمك اللهم قال الله: وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو... الآية. القول في تأويل قوله تعالى: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى بل لله الامر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشآء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: وهم يكفرون بالرحمن ولو أن قرآنا سيرت به الجبال: أي يكفرون بالله ولو سير لهم الجبال بهذا القرآن. وقالوا: هو من المؤخر الذي معناه التقديم. وجعلوا جواب لو مقدما قبلها، وذلك أن
[ 198 ]
الكلام على معنى قيلهم: ولو أن هذا القرآن سيرت به الجبال أو قطعت به الارض، لكفروا بالرحمن. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى قال: هم المشركون من قريش، قالوا لرسول الله (ص): لو وسعت لنا أودية مكة، وسيرت جبالها، فاحتر ثناها، وأحييت من مات منا، أو قطع به الارض، أو كلم به الموتى فقال الله تعالى: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى بل لله الامر جميعا. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى قول كفار قريش لمحمد: سير جبالنا تتسع لنا أرضنا فإنها ضيقة، أو قرب لنا الشأم فإنا نتجر إليها، أو أخرج لنا آباءنا من القبور نكلمهم فقال الله تعالى: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. قال: ابن جريج، وقال عبد الله بن كثير، قالوا: لو فسحت عنا الجبال، أو أجريت لنا الانهار، أو كلمت به الموتى، فنزل ذلك. قال ابن جريج، وقال ابن عباس: قالوا: سير بالقرآن الجبال، قطع بالقرآن الارض، أخرج به موتانا. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن كثير: قالوا: لو فسحت عنا الجبال، أو أجريت لنا الانهار، أو كلمت به الموتى، فنزل: أفلم ييأس الذين آمنوا.
[ 199 ]
وقال آخرون: بل معناه: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال كلام مبتدأ منقطع عن قوله: وهم يكفرون بالرحمن. قال: وجواب لو محذوف استغني بمعرفة السامعين المراد من الكلام عن ذكر جوابها. قالوا: والعرب تفعل ذلك كثيرا، ومنه قول امرئ القيس: فلو أنها نفس تموت سريحة * ولكنها نفس تقطع أنفسا وهو آخر بيت في القصيدة، فترك الجواب اكتفاء بمعرفة سامعه مراده، وكما قال الآخر: فأقسم لو شئ أتانا رسوله * سواك ولكن لم نجد لك مدفعا ذكر من قال نحو معنى ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى ذكر لنا أن قريشا قالوا: إن سرك يا محمد اتباعك، أو أن نتبعك، فسير لنا جبال تهامة، أو زد لنا في حرمنا، حتى نتخذ قطائع نخترف فيها، أو أحي لنا فلانا وفلانا ناسا ماتوا في الجاهلية. فأنزل الله تعالى: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى يقول: لو فعل هذا بقرآن قبل قرآنكم لفعل بقرآنكم.
[ 200 ]
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أن كفار قريش قالوا للنبي (ص): أذهب عنا جبال تهامة حتى نتخذها زرعا فتكون لنا أرضين، أو أحي لنا فلانا وفلانا يخبروننا حق ما تقول فقال الله: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى بل لله الامر جميعا يقول: لو كان فعل ذلك بشئ من الكتب فيما مضى كان ذلك. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال الآية... قال: قال كفار قريش لمحمد (ص): سير لنا الجبال كما سخرت لداود، أو قطع لنا الارض كما قطعت لسليمان فاغتدى بها شهرا وراح بها شهرا، أو كلم لنا الموتى كما كان عيسى يكلمهم يقول: لم أنزل بهذا كتابا، ولكن كان شيئا أعطيته أنبيائي ورسلي. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال... الآية. قال: قالوا للنبي (ص): إن كنت صادقا فسير عنا هذه الجبال واجعلها حروثا كهيئة أرض الشام ومصر والبلدان، أو ابعث موتانا فأخبرهم فإنهم قد ماتوا على الذي نحن عليه فقال الله تعالى: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى: لم يصنع ذلك بقرآن قط ولا كتاب، فيصنع ذلك بهذا القرآن. القول في تأويل قوله تعالى: أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا. اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى قوله: أفلم ييأس فكان بعض أهل البصرة يزعم أن معناه: ألم يعلم ويتبين ويستشهد لقيله ذلك ببيت سحيم بن وثيل الرياحي: أقول لهم بالشعب إذ يأمرونني * ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
[ 201 ]
ويروى: ييسرونني، فمن رواه: ييسرونني فإنه أراد: يقسمونني من الميسر، كما يقسم الجزور. ومن رواه: يأسرونني، فإنه أراد: الاسر. وقال: عنى بقوله: ألم تيأسوا: ألم تعلموا. وأنشدوا أيضا في ذلك: ألم ييأس الاقوام أني أنا ابنه * وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا وفسروا قوله: ألم ييأس: ألم يعلم ويتبين. وذكر عن ابن الكلبي أن ذلك لغة لحي من النخع، يقال لهم: وهبيل، تقول: ألم تيأس، كذا بمعنى: ألم تعلمه. وذكر عن القاسم بن معن أنها لغة هوزان، وأنهم يقولون: يئست كذا: علمت. وأما بعض الكوفيين فكان ينكر ذلك، ويزعم أنه لم يسمع أحدا من العرب يقول: يئست بمعنى: علمت، ويقول هو في المعنى وإن لم يكن مسموعا: يئست بمعنى: علمت، يتوجه إلى ذلك أن الله قد أوقع إلى المؤمنين، أنه لو شاء لهدى الناس جميعا، فقال: أفلم ييأسوا علما، يقول: يؤيسهم العلم، فكان فيه العلم مضمرا، كما يقال: قد يئست منك أن لا تفلح علما، كأنه قيل: علمته علما، قال: وقول الشاعر:
[ 202 ]
حتى إذا يئس الرماة وأرسلوا * غضفا دواجن قافلا أعصامها معناه: حتى إذا يئسوا من كل شئ مما يمكن إلا الذي ظهر لهم أرسلوا، فهو في معنى: حتى إذا علموا أن ليس وجه إلا الذي رأوا وانتهى علمهم، فكان ما سواه يأسا. وأما أهل التأويل فإنهم تأولوا ذلك بمعنى: أفلم يعلم ويتبين. ذكر من قال ذلك منهم: حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن مولى يخبر أن عليا رضي الله عنه كان يقرأ: أفلم يتبين الذين آمنوا. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب، عن هارون، عن حنظلة، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس: أفلم ييأس يقول: أفلم يتبين. حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا يزيد، عن جرير بن حازم، عن الزبير بن الحارث، أو يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه كان يقرؤها: أفلم يتبين الذين آمنوا قال: كتب الكاتب الاخرى هو ناعس. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال في القراءة الاولى: زعم ابن كثير وغيره: أفلم يتبين. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: أفلم ييأس الذين آمنوا يقول: ألم يتبين. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله: أفلم ييأس الذين آمنوا يقول: يعلم. حدثنا عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا ليث، عن مجاهد، في قوله: أفلم ييأس الذين آمنوا قال: أفلم يتبين.
[ 203 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: أفلم ييأس الذين آمنوا قال: ألم يتبين الذين آمنوا. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أفلم ييأس الذين آمنوا قال: ألم يعلم الذين آمنوا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أفلم ييأس الذين آمنوا قال: ألم يعلم الذين آمنوا. والصواب من القول في ذلك ما قاله أهل التأويل: إن تأويل ذلك: أفلم يتبين ويعلم لاجماع أهل التأويل على ذلك والابيات التي أنشدناها فيه. فتأويل الكلام إذا: ولو أن قرآنا سوى هذا القرآن كان سيرت به الجبال لسير بهذا القرآن، أو قطعت به الارض لقطعت بهذا، أو كلم به الموتى لكلم بهذا، ولو يفعل بقرآن قبل هذا القرآن لفعل بهذا. بل لله الامر جميعا يقول: ذلك كله إليه وبيده، يهدى من يشاء إلى الايمان فيوفقه له ويضل من يشاء فيخذله، أفلم يتبين الذين آمنوا بالله ورسوله إذ طمعوا في إجابتي من سأل نبيهم من تسيير الجبال عنهم وتقريب أرض الشام عليهم وإحياء موتاهم، أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا إلى الايمان به من غير إيجاد آية ولا إحداث شئ مما سألوا إحداثه. يقول تعالى ذكره: فما معنى محبتهم ذلك مع علمهم بأن الهداية والاهلاك إلي وبيدي أنزلت آية أو لم أنزلها أهدي من أشاء بغير إنزال آية، وأضل من أردت مع إنزالها. القول في تأويل قوله تعالى: (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد) يقول تعالى ذكره: ولا يزا ل يا محمد الذين كفروا من قومك تصيبهم بما صنعوا من كفرهم بالله وتكذيبهم إياك وإخراجهم لك من بين أظهرهم قارعة، وهي ما يقرعهم من البلاء والعذاب والنقم، بالقتل أحيانا، وبالحروب أحيانا، والقحط أحيانا. أو تحل أنت يا محمد، يقول: أو تنزل أنت قريبا من دارهم بجيشك وأصحابك حتى يأتي وعد الله الذي وعدك فيهم، وذلك ظهورك عليهم وفتحك أرضهم وقهرك إياهم بالسيف. إن الله لا يخلف الميعاد يقول: إن الله منجزك يا محمد ما وعدك من الظهور عليهم، لانه لا يخلف وعده.
[ 204 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو داود، قال: ثنا المسعودي، عن قتادة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة قال: سرية. أو تحل قريبا من دارهم قال محمد: حتى يأتي وعد الله، قال: فتح مكة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن المسعودي، عن قتادة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس بنحوه، غير أنه لم يذكر سرية. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أبو قطن، قال: ثنا المسعودي، عن قتادة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه تلا هذه الآية: ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة قال: القارعة: السرية. أو تحل قريبا من دارهم قال: هو محمد (ص). حتى يأتي وعد الله قال: فتح مكة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا زهير، أن خصيفا حدثهم، عن عكرمة، في قوله: ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم قال: نزلت بالمدينة في سرايا رسول الله (ص) أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن النضر بن عربي، عن عكرمة: ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة قال: سرية. أو تحل قريبا من دارهم قال: أنت يا محمد. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة يقول: عذاب من السماء ينزل عليهم. أو تحل قريبا من دارهم يعني: نزول رسول الله (ص) بهم وقتاله إياهم. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: تصيبهم بما صنعوا قارعة: تصاب منهم سرية، أو تصاب منهم مصيبة، أو يحل محمد قريبا من دارهم. وقوله: حتى يأتي وعد الله قال: الفتح. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد بن زيد، عن عبد الله بن أبي نجيح: أو تحل قريبا من دارهم يعني النبي (ص).
[ 205 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحو حديث الحسن، عن شبابة. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا قيس، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس: قال: قارعة، قال: السرايا. قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا عبد الغفار، عن منصور، عن مجاهد: قارعة: مصيبة من محمد. أو تحل قريبا من دارهم قال: أنت يا محمد. حتى يأتي وعد الله قال: الفتح. قال: ثنا إسرائيل، عن خصيف، عن مجاهد: قارعة قال: كتيبة. قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير: تصيبهم بما صنعوا قارعة قال: سرية. أو تحل قريبا من دارهم قال: أنت يا محمد. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة: أي بأعمالهم أعمال السوء. وقوله: أو تحل قريبا من دارهم أنت يا محمد. حتى يأتي وعد الله ووعد الله: فتح مكة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: قارعة قال: وقيعة. أو تحل قريبا من دارهم قال: يعني النبي (ص)، يقول: أو تحل أنت قريبا من دارهم. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا محمد بن طلحة، عن طلحة، عن مجاهد: تصيبهم بما صنعوا قارعة قال: سرية. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد: تصيبهم بما صنعوا قارعة قال: السرايا: كان يبعثهم النبي (ص). أو تحل قريبا من دارهم أنت يا محمد. حتى يأتي وعد الله قال: فتح مكة. قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن بعض أصحابه، عن مجاهد: تصيبهم بما صنعوا قارعة قال: كتيبة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة قال: قارعة من العذاب.
[ 206 ]
وقال آخرون: معنى قوله: أو تحل قريبا من دارهم تحل القارعة قريبا من دارهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال الحسن: أو تحل قريبا من دارهم قال: أو تحل القارعة قريبا من دارهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، قال: أو تحل قريبا من دارهم قال: أو تحل القارعة. وقال آخرون في قوله: حتى يأتي وعد الله قال: يوم القيامة. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا معلى بن أسد، قال: ثنا إسماعيل بن حكيم، عن رجل قد سماه عن الحسن، في قوله: حتى يأتي وعد الله قال: يوم القيامة. القول في تأويل قوله تعالى: (ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): يا محمد إن يستهزئ هؤلاء المشركون من قومك ويطلبوا منك الآيات تكذيبا منهم ما جئتهم به، فاصبر على أذاهم لك وامض لامر ربك في إعذارهم والاعذار إليهم، فلقد استهزأت أمم من قبلك قد خلت فمضت برسلي، فأطلت لهم في المهل ومددت لهم في الاجل، ثم أحللت بهم عذابي ونقمتي حين تمادوا في غيهم وضلالهم، فانظر كيف كان عقابي إياهم حين عاقبتهم، ألم أذقهم أليم العذاب وأجعلهم عبرة لاولي الالباب. والاملاء في كلام العرب: الاطالة، يقال منه: أمليت لفلان: إذا أطلت له في المهل، ومنه الملاوة من الدهر، ومنه قولهم: تمليت حينا، ولذلك قيل لليل والنهار: الملوان لطولهما، كما قال ابن مقبل:
[ 207 ]
ألا يا ديار الحي بالسبعان * ألح عليها بالبلى الملوان وقيل للخرق الواسع من الارض: ملا، كما قال الشاعر: فاخضل منها كل بال وعين * وجف الروايا بالملا المتباطن لطول ما بين طرفيه وامتداده. القول في تأويل قوله تعالى: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الارض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد) يقول تعالى ذكره: أفالرب الذي هو دائم لا يبيد ولا يهلك قائم بحفظ أرزاق جميع الخلق، متضمن لها، عالم بهم وبما يكسبونه من الاعمال، رقيت عليهم، لا يعزب عنه شئ أينما كانوا كمن هو هالك بائد لا يسمع ولا يبصر ولا يفهم شيئا، ولا يدفع عن نفسه ولا عمن يعبده ضرا، ولا يجلب إليهما نفعا ؟ كلاهما سواء. وحذف الجواب في ذلك فلم
[ 208 ]
يقل وقد قيل أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ككذا وكذا، اكتفاء بعلم السامع بما ذكر عما ترك ذكره. وذلك أنه لما قال جل ثناؤه: وجعلوا لله شركاء علم أن معنى الكلام كشركائهم التي اتخذوها آلهة، كما قال الشاعر: تخيري خيرت أم عال * بين قصير شبره تنبال أذاك أم منخرق السربال * ولا يزال آخر الليالي متلف مال ومفيد مال ولم يقل: وقد قال: شبره تنبال، وبين كذا وكذا، اكتفاء منه بقول: أذاك أم منخرق السربال، ودلالة الخبر عن المنخرق السربال على مراده في ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ذلكم ربكم تبارك وتعالى، قائم على بني آدم بأرزاقهم وآجالهم، وحفظ عليهم والله أعمالهم. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت يعني بذلك نفسه، يقول: هو معكم أينما كنتم، فلا يعمل عامل إلا وهو حاضر. ويقال: هم الملائكة الذين وكلوا ببني آدم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت على رزقهم وعلى طعامهم، فأنا على ذلك قائم وهم عبيدي ثم جعلوا لي شركاء.
[ 209 ]
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت فهو الله قائم على كل نفس بر وفاجر، يرزقهم ويكلؤهم، ثم يشرك به منهم من أشرك. وقوله: وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الارض أم بظاهر من القول يقول تعالى ذكره: أنا القائم بأرزاق هؤلاء المشركين، والمدبر أمورهم، والحافظ عليهم أعمالهم، وجعلوا لي شركاء من خلقي يعبدونها دوني، قل لهم يا محمد: سموا هؤلاء الذين أشركتموهم في عبادة الله، فإنهم إن قالوا آلهة فقد كذبوا، لانه لا إله إلا الواحد القهار لا شريك له. أم تنبئونه بما لا يعلم في الارض يقول: أتخبرونه بأن في الارض إلها، ولا إله غيره في الارض ولا في السماء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وجعلوا لله شركاء قل سموهم ولو سموهم آلهة لكذبوا وقالوا في ذلك غير الحق لان الله واحد ليس له شريك، قال الله: أم تنبئونه بما لا يعلم في الارض أم بظاهر من القول يقول: لا يعلم الله في الارض إلها غيره. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وجعلوا لله شركاء قل سموهم والله خلقهم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: وجعلوا لله شركاء قل سموهم ولو سموهم كذبوا، وقالوا في ذلك ما لا يعلم الله من إله غير الله فذلك قوله: أم تنبئونه بما لا يعلم في الارض أم بظاهر من القول مسموع، و هو في الحقيقة باطل لا صحة له. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. غير أنهم قالوا: أم بظاهر، معناه: أم بباطل، فأتوا بالمعنى تدل عليه الكلمة دون البيان عن حقيقة تأويلها. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: بظاهر من القول بظن.
[ 210 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن قتادة، قوله: أم بظاهر من القول والظاهر من القول: هو الباطل. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك في قوله: أم بظاهر من القول يقول: أم بباطل من القول وكذب، ولو قالوا، قالوا الباطل والكذب. وقوله: بل زين للذين كفروا مكرهم يقول تعالى ذكره: ما لله من شريك في السموات ولا في الارض، ولك زين للمشركين الذي يدعون من دون إلها مكرهم، وذلك افتراؤهم وكذبهم على الله. وكان مجاهد يقول: معنى المكر ههنا: القول، كأنه قال: قولهم بالشرك بالله. حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: بل زين للذين كفروا مكرهم قال: قولهم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. وأما قوله: وصدوا عن السبيل فإن القراء اختلفت في قراءته، فقرأته عامة قراء الكوفيين: وصدوا عن السبيل بضم الصاد، بمعنى: وصدهم الله عن سبيله لكفرهم به، ثم جعلت الصاد مضمومة، إذ لم يسم فاعله. وأما عامة قراء الحجاز والبصرة، فقرءوه بفتح الصاد، على معنى أن المشركين هي الذين صدوا الناس عن سبيل الله. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القراء، متقاربتا المعنى وذلك أن المشركين بالله كانوا مصدودين عن الايمان به، وهم مع ذلك كانوا يصدون غيرهم، كما وصفهم الله به بقوله: إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله. وقوله: ومن يضلل الله فما له من هاد يقول تعالى ذكره: ومن أضله الله عن إصابة
[ 211 ]
الحق والهدى بخذلانه إياه، فما له أحد يهديه لاصابتهما لان ذلك لا ينال إلا بتوفيق الله ومعونته، وذلك بيد الله وإليه دون كل أحد سواه. القول في تأويل قوله تعالى: (لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق) يقول تعالى ذكره: لهؤلاء الكفار الذي وصف صفتهم في هذه السورة عذاب في الحياة الدنيا بالقتل والاسار والآفات التي يصيبهم الله بها. ولعذاب الآخرة أشق يقول: ولتعذيب الله إياهم في الدار الآخرة أشد من تعذيبه إياهم في الدنيا وأشق، إنما هو أفعل من المشقة. وقوله: وما لهم من الله من واق يقول تعالى ذكره: وما لهؤلاء الكفار من أحد يقيهم من عذاب الله إذا عذبهم، لا حميم ولا ولي ولا نصير، لانه جل جلاله لا يعاده أحد فيقهره فيخلصه من عذابه بالقهر، ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه وليس يأذن لاحد في الشفاعة لمن كفر به فمات على كفره قبل التوبة منه. القول في تأويل قوله تعالى: (مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الانهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار) اختلف أهل العلم بكلام العرب في رافع المثل، فقال بعض نحوي الكوفيين الرافع للمثل قوله: تجري من تحتها الانهار في المعنى، وقال: هو كما تقول حلية فلان أسمر كذا وكذا، فليس الاسمر بمرفوع بالحلية، إنما هو ابتداء أي هو أسمر هو كذا. قال: ولو دخل أن في مثل هذا كان صوابا. قال: ومثله في الكلام مثلك أنك كذا وأنك كذا. وقوله: فلينظر الانسان إلى طعامه أنا من وجه: مثل الجنة التي وعد المتقون فيها ومن قال: أنا صببنا الماء أظهر الاسم، لانه مردود على الطعام بالخفض، ومستأنف، أي: طعامه أنا صببنا ثم فعلنا. وقال: معنى قوله: مثل الجنة: صفات الجنة. وقال بعض نحويي البصريين: معنى ذلك: صفة الجنة، قال: ومنه قول الله تعالى: وله المثل الاعلى معناه: ولله الصفة العليا. قال: فمعنى الكلام في قوله: مثل
[ 212 ]
الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الانهار أو فيها أنهار، كأنه قال: وصف الجنة صفة تجري من تحتها الانهار، أو صفة فيها أنهار والله أعلم. قال: ووجه آخر كأنه إذا قيل: مثل الجنة قيل: الجنة التي وعد المتقون. قال: وكذلك قوله: وإنه بسم الله الرحمن الرحيم كأنه قال: بالله الرحمن الرحيم، والله أعلم. قال: وقوله: على ما فرطت في جنب الله في ذات الله، كأنه عندنا قيل: في الله. قال: وكذلك قوله: ليس كمثله شئ إنما المعنى: ليس كشئ، وليس مثله شئ، لانه لا مثل له. قال: وليس هذا كقولك للرجل: ليس كمثلك أحد، لانه يجوز أن يكون له مثل، والله لا يجوز ذلك عليه. قال: ومثله قول لبيد: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما قال: وفسر لنا أنه أراد: السلام عليكما قال أوس بن حجر: و قتلي كرام كمثل الجذوع * تغشاهم سبل منهمر قال: والمعنى عندنا: كالجذوع، لانه لم يزد أن يجعل للجذوع مثلا ثم يشبه القتلى به. قال: ومثله قول أمية: زحل وثور تحت رجل يمينه * والنسر للاخرى وليث مرصد
[ 213 ]
قال: فقال تحت رجل يمينه، كأنه قال: تحت رجله أو تحت رجله اليمنى قال: وقول لبيد: أضل صواره وتضيفته * نطوف أمرها بيده الشمال كأنه قال: أمرها بالشمال وإلى الشمال وقول لبيد أيضا: حتى إذا ألقت يدا في كافر فكأنه قال: حتى وقعت في كافر. وقال آخر منهم: هو المكفوف عن خبره، قال: والعرب تفعل ذلك. قال: وله معنى آخر: للذين استجابوا لربهم الحسنى مثل الجنة موصول صفة لها على الكلام الاول. قال أبو جعفر: وأولى الاقوال في ذلك بالصواب: أن يقال ذكر المثل، فقال مثل الجنة، والمراد الجنة، ثم وصفت الجنة بصفتها، وذلك أن مثلها إنما هو صفتها وليست صفتها شيئا غيرها. وإذا كان ذلك كذلك، ثم ذكر المثل، فقيل: مثل الجنة، ومثلها صفتها وصفة الجنة، فكان وصفها كوصف المثل، وكان كأن الكلام جرى بذكر الجنة، فقيل: الجنة تجري من تحتها الانهار، كما قال الشاعر: أرى مر السنين أخذن مني * كما أخذ السرار من الهلال فذكر المر، ورجع في الخبر إلى السنين.
[ 214 ]
وقوله: أكلها دائم وظلها يعني: ما يؤكل فيها. يقول: هو دائم لاهلها، لا ينقطع عنهم، ولا يزول ولا يبيد، ولكنه ثابت إلى غير نهاية. وظلها: يقول: وظلها أيضا دائم، لانه لا شمس فيها. تلك عقبى الذين اتقوا يقول: هذه الجنة التي وصف جل ثناؤه عاقبة الذين اتقوا الله، فاجتنبوا معاصيه وأدوا فرائضه. وقوله: وعقبى الكافرين النار يقول: وعاقبة الكافرين بالله النار. القول في تأويل قوله تعالى: (والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بمآ أنزل إليك ومن الاحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أ عبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب) يقول تعالى ذكره: والذي أنزلنا إليهم الكتاب ممن آمن بك واتبعك يا محمد يفرحون بما أنزل إليك منه. ومن الاحزاب من ينكر بعضه يقول: ومن أهل الملل المتحزبين عليك، وهم أهل أديان شتى، من ينكر بعض ما أنزل إليك، فقل لهم: إنما أمرت أيها القول أن أ عبد الله وحده دون ما سواه ولا أشرك به فأجعل له شريكا في عبادتي، فأعبد معه الآلهة والاصنام، بل أخلص له الدين حنيفا مسلما. إليه أدعو يقول: إلى طاعته، وإخلاص العبادة له أدعو الناس. وإليه مآب يقول: وإليه مصيري، وهو مفعل من قول القائل: آب يئوب أوبا ومآبا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك أولئك أصحاب محمد (ص)، فرحوا بكتاب الله وبرسوله وصدقوا به قوله: ومن الاحزاب من ينكر بعضه يعني اليهود والنصارى. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ومن الاحزاب من ينكر بعضه قال: من أهل الكتاب. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
[ 215 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسن، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الاحزاب من ينكر بعضه من أهل الكتاب والاحزاب أهل الكتب، تفريقهم لحزبهم. قوله: وإن يأت الاحزاب قال: لتحزبهم على النبي (ص)، قال ابن جريج، وقال عن مجاهد: ينكر بعضه قال: بعض القرآن. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محميد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وإليه مآب: وإليه مصير كل عبد. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك قال: هذا من آمن برسول الله (ص) من أهل الكتاب فيفرحون بذلك. وقرأ: ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به. وفي قوله: ومن الاحزاب من ينكر بعضه قال: الاحزاب: الامم اليهود والنصارى والمجوس منهم من آمن به، ومنهم من أنكره. القول في تأويل قوله تعالى: (وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق) يقول تعالى ذكره: وكما أنزلنا عليك الكتاب يا محمد، فأنكره بعض الاحزاب، كذلك أيضا أنزلنا الحكم والدين حكما عربيا وجعل ذلك عربيا، ووصفه به لانه أنزل على محمد (ص) وهو عربي، فنسب الدين إليه إذ كان عليه أنزل، فكذب به الاحزاب. ثم نهاه جل ثناؤه عن ترك ما أنزل إليه واتباع الاحزاب، وتهدده على ذلك إن فعله، فقال: ولئن اتبعت يا محمد أهواءهم، أهواء هؤلاء الاحزاب ورضاهم ومحبتهم، وانتقلت من دينك إلى دينهم، ما لك من يقيك من عذاب الله إن عذبك على اتباعك أهواءهم، وما لك من ناصر ينصرك فيستنقذك من الله إن هو عاقبك، يقول: فاحذر أن تتبع أهواءهم. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 216 ]
(ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب) يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا يا محمد رسلا من قبلك إلى أمم قد خلت من قبل أمتك فجعلناهم بشرا مثلك، لهم أزواج ينكحون، وذرية أنسلوهم، ولم نجعلهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون، فنجعل الرسول إلى قومك من الملائكة مثلهم، ولكن أرسلنا إليهم بشرا مثلهم، كما أرسلنا إلى من قبلهم من سائر الامم بشرا مثلهم. وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله: يقول تعالى ذكره: وما يقدر رسول أرسله الله إلى خلقه أن يأتي أمته بآية وعلامة من تسيير الجبال ونقل بلدة من مكان إلى مكان آخر وإحياء الموتى ونحوها من الآيات إلا بإذن الله، يقول: إلا بأمر الله الجبال بالسير والارض بالانتقال، والميت بأن يحيا. لكل أجل كتاب يقول: لكل أجل أمر قضاه الله كتاب قد كتبه، فهو عنده. وقد قيل: معناه: لكل كتاب أنزله الله من السماء أجل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق بن يوسف، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: لكل أجل كتاب يقول: لكل كتاب ينزل من السماء أجل، فيمحو الله من ذلك ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب. قال أبو جعفر: وهذا على هذا القول نظير قول الله: وجاءت سكرة الموت بالحق، وكان أبو بكر رضي الله عنه يقرأها: وجاءت سكرة الحق بالموت، وذلك أن سكرة الموت تأتي بالحق والحق يأتي بها، فكذلك الاجل به كتاب وللكتاب أجل. القول في تأويل قوله تعالى: (يمحو الله ما يشآء ويثبت وعنده أم الكتاب) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: يمحو الله ما يشاء من أمور عباده، فيغيره، إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يغيران. ذكر من قال ذلك:
[ 217 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا بحر بن عيسى، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب قال: يدبر الله أمر العباد فيمحو ما يشاء، إلا الشقاء والسعادة والموت. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب قال: كل شئ غير السعادة والشقاء، فإنهما قد فرغ منهما. حدثني علي بن سهل، قال: ثنا يزيد، وحدثنا أحمد، قال ثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن ابن أبي ليلى عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس يقول: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب قال: إلا الشقاء والسعادة، والموت والحياة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين وقبيصة قالا: ثنا سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله. حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قوله: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب قال: قال ابن عباس: إلا الحياة والموت، والشقاء والسعادة. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب قال: يقدر الله أمر السنة في ليلة القدر، إلا الشقاء والسعادة والموت والحياة. حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: يمحو الله ما يشاء ويثبت قال: إلا الحياة والموت والسعادة والشقاوة فإنهما لا يتغيران. حدثنا عمرو قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا معاذ بن عقبة، عن منصور، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، قال: قلت لمجاهد
[ 218 ]
إن كنت كتبتني سعيدا فأثبتني، وإن كنت كتبتني شقيا فامحني قال: الشقاء والسعادة قد فرغ منهما. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد قال: ثنا سعيد بن سلمان، قال: ثنا شريك، عن منصور، عن مجاهد: يمحو الله ما يشاء ويثبت قال: ينزل الله كل شئ في السنة في ليلة القدر، فيمحو ما يشاء من الآجال والارزاق والمقادير، إلا الشقاء والسعادة، فإنهما ثابتان. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، قال: سألت مجاهدا فقلت أرأيت دعاء أحدنا يقول: اللهم إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم، وإن كان في الاشقياء فامحه واجعله في السعداء ؟ فقال: حسن. ثم أتيته بعد ذلك بحول أو أكثر من ذلك، فسألته عن ذلك، فقال: إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم قال: يقضى في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة، ثم يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء. فأما كتاب الشقاء والسعادة فهو ثابت لا يغير. وقال آخرون: معنى ذلك: أن الله يمحو ما يشاء ويثبت من كتاب سوى أم الكتاب الذي لا يغير منه شئ. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن سليمان التيمي، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب قال: كتابان: كتاب يمحو منه ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب. حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا سهل بن يوسف، قال: ثنا سليمان التيمي، عن عكرمة، في قوله: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب قال: الكتاب كتابان، كتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب. قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن سليمان التيمي، عن عكرمة، عن ابن عباس بمثله. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن عكرمة، قال: الكتاب كتابان يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.
[ 219 ]
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه يمحو كل ما يشاء، ويثبت كل ما أراد. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثام، عن الاعمش، عن شقيق أنه كان يقول: اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء، فامحنا واكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب. حدثنا عمرو، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا الاعمش، عن أبي وائل، قال: كان مما يكثر أن يدعو بهؤلاء الكلمات: اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب. قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنا أبي، عن أبي حكيمة، عن أبي عثمان النهدي، أن عمر بن الخطاب قال وهو يطوف بالبيت ويبكي: اللهم إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبا فامحه، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت. وعندك أم الكتاب، فاجعله سعادة ومغفرة. قال: ثنا معتمر، عن أبيه، عن أبي حكيمة، عن أبي عثمان، قال: وأحسبني قد سمعته من أبي عثمان، مثله. قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة بن خالد، عن عصمة أبي حكيمة، عن أبي عثمان النهدي، عن عمر رضي الله عنه، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، قال: ثنا أبو حكيمة، قال: سمعت أبا عثمان النهدي، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول وهو يطوف بالكعبة: اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبت علي الذنب والشقوة فامحني وأثبتني في أهل السعادة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب.
[ 220 ]
قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن ابن مسعود، أنه كان يقول: اللهم إن كنت كتبتني في أهل الشقاء فامحني وأثبتني في أهل السعادة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب يقول: وهو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله، ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلاله، فهو الذي يمحو. والذي يثبت: الرجل يعمل بمعصية الله، وقد كان سبق له خير حتى يموت، وهو في طاعة الله، فهو الذي يثبت. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن هلال بن حميد، عن عبد الله بن حكيم، عن عبد الله، أنه كان يقول: اللهم إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني في السعداء، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن أبي حمزة، عن إبراهيم، أن كعبا قال لعمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، لولا آية في كتاب الله لانبأتك ما هو كائن إلى يوم القيامة، قال: وما هي ؟ قال: قول الله: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. حدثت من الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لكل أجل كتاب... الآية، يقول: يمحو الله ما يشاء يقول: أنسخ ما شئت، وأصنع من الافعال ما شئت، إن شئت زدت فيها، وإن شئت نقصت. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان، قال: ثنا همام، قال: ثنا الكلبي، قال: يمحو الله ما يشاء ويثبت قال: يمحي من الرزق ويزيد فيه، ويمحي من الاجل ويزيد فيه. قلت: من حدثك ؟ قال: أبو صالح، عن جابر بن عبد الله بن رئاب الانصاري، عن النبي (ص). فقدم الكلبي بعد، فسئل عن هذه الآية: يمحو الله ما يشاء ويثبت قال: يكتب القول كله، حتى إذا كان يوم الخميس طرح منه كل شئ ليس فيه
[ 221 ]
ثواب ولا عليه عقاب، مثل قولك: أكلت، شربت، دخلت، خرجت، ونحو ذلك من الكلام، وهو صادق، ويثبت ما كان فيه الثواب وعليه العقاب. حدثنا الحسن، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: سمعت الكلبي، عن أبي صالح نحوه، ولم يجاوز أبا صالح. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن الله ينسخ ما يشاء من أحكام كتابه، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: يمحو الله ما يشاء قال: من القرآن. يقول: يبدل الله ما يشاء فينسخه، ويثبت ما يشاء فلا يبدله. وعنده أم الكتاب يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب: الناسخ والمنسوخ، وما يبدل، وما يثبت، كل ذلك في كتاب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يمحو الله ما يشاء ويثبت هي مثل قوله: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها، وقوله: وعنده أم الكتاب: أي جملة الكتاب وأصله. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يمحو الله ما يشاء ويثبت ما يشاء، وهو الحكيم. وعنده أم الكتاب وأصله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يمحو الله ما يشاء بما ينزل على الانبياء، ويثبت ما يشاء مما ينزل على الانبياء. قال: وعنده أم الكتاب لا يغير ولا يبدل. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: يمحو الله ما يشاء قال: ينسخ. قال: وعنده أم الكتاب قال: الذكر. وقال آخرون: معنى ذلك أنه يمحو من قد حان أجله، ويثبت من لم يجئ أجله إلى أجله. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، في قوله: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب يقول: يمحو من جاء أجله فذهب، والمثبت الذي هو حي يجري إلى أجله.
[ 222 ]
. حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا عوف، قال: سمعت الحسن: يمحو الله ما يشاء قال: من جاء أجله. ويثبت قال: من لم يجئ أجله إلى أجله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، نحو حديث ابن بشار. قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: أخبرنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، في قوله: لكل أجل كتاب قال: آجال بني آدم في كتاب. يمحو الله ما يشاء من أجله ويثبت وعنده أم الكتاب. قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قول الله: يمحو الله ما يشاء ويثبت قالت قريش حين أنزل: وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ما نراك يا محمد تملك من شئ، ولقد فرغ من الامر. فأنزلت هذه الآية تخويفا ووعيدا لهم: إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا، ونحدث في كل رمضان، فنمحو ونثبت ما نشاء من أرزاق الناس ومصائبهم، وما نعطيهم، وما نقسم لهم. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. وقال آخرون: معنى ذلك: ويغفر ما يشاء من ذنوب عباده، ويترك ما يشاء فلا يغفر. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد، في قوله يمحو الله ما يشاء ويثبت قال: يثبت في البطن الشقاء والسعادة وكل شئ، فيغفر منه ما يشاء ويؤخر ما يشاء. وأولى الاقوال التي ذكرت في ذلك بتأويل الآية، وأشبهها بالصواب، القول الذي ذكرناه عن الحسن ومجاهد وذلك أن الله تعالى ذكره توعد المشركين الذين سألوا رسول الله (ص) الآيات بالعقوبة وتهددهم بها وقال لهم: وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا
[ 223 ]
بإذن الله لكل أجل كتاب يعلمهم بذلك أن لقضائه فيهم أجلا مثبتا في كتاب هم مؤخرون إلى وقت مجئ ذلك الاجل، ثم قال لهم: فإذا جاء ذلك الاجل يجئ الله بما شاء ممن قد دنا أجله وانقطع رزقه أو حان هلاكه أو اتضاعه، من رفعة أو هلاك مال، فيقضي ذلك في خلقه، فذلك محوه. ويثبت ما شاء ممن بقي أجله ورزقه وأكله، فيتركه على ما هو عليه فلا يمحوه. وبهذا المعنى جاء الاثر عن رسول الله (ص) وذلك ما: حدثني محمد بن سهل بن عسكر، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا الليث بن سعد، عن زيادة بن محمد، عن محمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبيد، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله (ص): إن الله يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل، في الساعة الاولى منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره، فيمحو ما يشاء ويثبت ثم ذكر ما في الساعتين الآخرتين. حدثنا موسى بن سهل الرملي، قال: ثنا آدم، قال: ثنا الليث، قال: ثنا زيادة بن محمد، عن محمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبيد، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله (ص): إن الله ينزل في ثلاث ساعات يبقين من الليل، يفتح الذكر في الساعة الاولى الذي لم يره أحد غيره، يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء. حدثني محمد بن سهل بن عسكر، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: إن لله لوحا محفوظا مسيرة خمس مئة عام، من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت، والدفتان لوحان لله، كل يوم ثلاث مئة وستون لحظة، يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: ثني رجل، عن أبيه، عن قيس بن عباد، أنه قال: العاشر من رجب هو يوم يمحو الله فيه ما يشاء. القول في تأويل قوله تعالى: (وعنده أم الكتاب)
[ 224 ]
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وعنده أم الكتاب فقال بعضهم: معناه: وعنده الحلال والحرام. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا محمد بن عقبة، قال: ثنا مالك بن دينار، قال: سألت الحسن: قلت: أم الكتاب ؟ قال: الحلال والحرام، قال: قلت: فما الحمد لله رب العالمين ؟ قال: هذه أم القرآن. وقال آخرون: معناه: وعنده جملة الكتاب وأصله. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وعنده أم الكتاب قال: جملة الكتاب وأصله. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وعنده أم الكتاب قال: كتاب عند رب العالمين. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق بن يوسف، عن جويبر، عن الضحاك: وعنده أم الكتاب قال: جملة الكتاب وعلمه يعني بذلك ما ينسخ منه وما يثبت. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: وعنده أم الكتاب يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب: الناسخ والمنسوخ، وما يبدل، وما يثبت، كل ذلك في كتاب. وقال آخرون في ذلك: ما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن شيبان، عن ابن عباس، أنه سأل كعبا عن أم الكتاب، قال: علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون، فقال لعلمه: كن كتابا فكان كتابا. وقال آخرون: هو الذكر. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج قال أبو جعفر: لا أدري فيه ابن جريج أم لا قال: قال ابن عباس: وعنده أم الكتاب قال: الذكر.
[ 225 ]
وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: وعنده أصل الكتاب وجملته وذلك أنه تعالى ذكره أخبر أنه يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، ثم عقب ذلك بقوله: وعنده أم الكتاب فكان بينا أن معناه: وعنده أصل المثبت منه والمحو، وجملته في كتاب لديه. واختلفت القراء في قراءة قوله: ويثبت فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة: ويثبت بتشديد الباء بمعنى: ويتركه ويقره على حاله، فلا يمحوه. وقرأه بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين: ويثبت بالتخفيف، بمعنى: يكتب، وقد بينا قبل أن معنى ذلك عندنا: إقراره مكتوبا وترك محوه على ما قد بينا، فإذا كان ذلك كذلك فالتثبيت به أولى، والتشديد أصوب من التخفيف، وإن كان التخفيف قد يحتمل توجيهه في المعنى إلى التشديد والتشديد إلى التخفيف، لتقارب معنييهما. وأما المحو، فإن للعرب فيه لغتين: فأما مضر فإنها تقول: محوت الكتاب أمحوه محوا، وبه التنزيل، ومحوته أمحاه محوا. وذكر عن بعض قبائل ربيعة: أنها تقول: محيت أمحى. القول في تأويل قوله تعالى: (وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وإما نرينك يا محمد في حياتك بعض الذي نعد هؤلاء المشركين بالله من العقاب على كفرهم، أو نتوفينك قبل أن نريك ذلك، فإنما عليك أن تنتهي إلى طاعة ربك فيما أمرك به من تبليغهم رسالته، لا طلب صلاحهم ولا فسادهم، وعلينا محاسبتهم فمجازاتهم بأعمالهم، إن خيرا فخير وإن شرا فشر. القول في تأويل قوله تعالى: (أولم يروا أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: أو لم ير هؤلاء المشركون
[ 226 ]
من أهل مكة الذين يسألون محمدا الآيات، أنا نأتي الارض فنفتحها له أرضا بعد أرض حوالي أرضهم، أفلا يخافون أن نفتح له أرضهم كما فتحنا له غيرها. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا محمد بن الصباح، قال: ثنا هشيم، عن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها قال: أو لم يروا أنا نفتح لمحمد الارض بعد الارض. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: أو لم يروا أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها يعني بذلك: ما فتح الله على محمد، يقول: فذلك نقصانها. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك، قال: ما تغلبت عليه من أرض العدو. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: كان الحسن يقول في قوله: أو لم يروا أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها فهو ظهور المسلمين على المشركين. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أو لم يروا أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها يعني أن نبي الله (ص) كان ينتقص له ما حوله من الارضين، ينظرون إلى ذلك فلا يعتبرون، قال الله في سورة الانبياء: نأتي الارض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون بل نبي الله (ص) وأصحابه هم الغالبون. وقال آخرون: بل معناه: أو لم يروا أنا نأتي الارض فنخربها، أو لا يخافون أن نفعل بهم وبأرضهم مثل ذلك فنهلكهم ونخرب أرضهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا علي بن عاصم، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها قال: أو لم يروا إلى القرية تخرب حتى يكون العمران في ناحية. قال: ثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن الاعرج، أنه سمع مجاهدا يقول: نأتي الارض ننقصها من أطرافها قال: خرابها.
[ 227 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن الاعرج، عن مجاهد، مثله. قال: وقال ابن جريج: خرابها وهلاك الناس. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي جعفر الفراء، عن عكرمة، قوله: أو لم يروا أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها قال: نخرب من أطرافها. وقال آخرون: بل معناه: ننقص من بركتها وثمرتها وأهلها بالموت. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ننقصها من أطرافها يقول: نقصان أهلها وبركتها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: ننقصها من أطرافها قال: في الانفس وفي الثمرات، وفي خراب الارض. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن طلحة القناد، عمن سمع الشعبي، قال: لو كانت الارض تنقص لضاق عليك حشك، ولكن تنقص الانفس والثمرات. وقال آخرون: معناه: أنا نأتي الارض ننقصها من أهلها، فنتطرفهم بأخذهم بالموت. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ننقصها من أطرافها قال: موت أهلها. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: ألم يروا أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها قال: الموت. حدثني المثنى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا هارون النحوي، قال: ثنا الزبير بن الحارث عن عكرمة، في قوله: ننقصها من أطرافها قال: هو الموت. ثم قال: لو كانت الارض تنقص لم نجد مكانا نجلس فيه.
[ 228 ]
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: نأتي الارض ننقصها من أطرافها قال: كان عكرمة يقول: هو قبض الناس. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: سئل عكرمة عن نقص الارض، قال: قبض الناس. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا جرير بن حازم، عن يعلى بن حكيم، عن عكرمة، في قوله: أو لم يروا أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها قال: لو كان كما يقولون لما وجد أحدكم جبا يخرأ فيه. حدثنا الفضل بن الصباح، قال: ثنا إسماعيل بن علية، عن أبي رجاء، قال: سئل عكرمة وأنا أسمع عن هذه الآية: أو لم يروا أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها قال: الموت. وقال آخرون: ننقصها من أطرافها بذهاب فقهائها وخيارها. ذكر من قال ذلك: حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: ذهاب علمائها وفقهائها وخيار أهلها. قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبد الوهاب، عن مجاهد، قال: موت العلماء. وأولى الاقوال في تأويل ذلك بالصواب، قول من قال: أو لم يروا أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها بظهور المسلمين من أصحاب محمد (ص) عليها وقهرهم أهلها، أفلا يعتبرون بذلك فيخافون ظهورهم على أرضهم وقهرهم إياهم ؟ وذلك أن الله توعد الذين سألوا رسوله الآيات من مشركي قومه بقوله: وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب. ثم وبخهم تعالى ذكره بسوء اعتبارهم ما يعاينون من فعل الله بضربائهم من الكفار، وهم مع ذلك يسألون الآيات، فقال: أو لم يروا أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها بقهر أهلها، والغلبة عليها من أطرافها وجوانبها، وهم لا يعتبرون بما يرون من ذلك.
[ 229 ]
وأما قوله: والله يحكم لا معقب لحكمه يقول: والله هو الذي يحكم فينفذ حكمه، ويقضي فيمضي قضاؤه، وإذا جاء هؤلاء المشركين بالله من أهل مكة حكم الله وقضاؤه لم يستطيعوا رده. ويعني بقوله: لا معقب لحكمه: لا راد لحكمه، والمعقب في كلام العرب: هو الذي يكر على الشئ، وقوله: وهو سريع الحساب يقول: والله سريع الحساب يحصي أعمال هؤلاء المشركين لا يخفي عليه شئ ومن وراء جزائهم عليها. القول في تأويل قوله تعالى: (وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار) يقول تعالى ذكره: قد مكر الذين من قبل هؤلاء المشركين من قريش من الامم التي سلفت بأنبياء الله ورسله فلله المكر جميعا يقول: فلله أسباب المكر جميعا، وبيده وإليه، لا يضر مكر من مكر منهم أحدا إلا من أراد ضره به، يقول: فلم يضر الماكرون بمكرهم إلا من شاء الله أن يضره ذلك، وإنما ضروا به أنفسهم لانهم أسخطوا ربهم بذلك على أنفسهم حتى أهلكهم، ونجى رسله: يقول: فكذلك هؤلاء المشركون من قريش يمكرون بك يا محمد، والله منجيك من مكرهم، وملحق ضر مكرهم بهم دونك. وقوله: يعلم ما تكسب كل نفس يقول: يعلم ربك يا محمد ما يعمل هؤلاء المشركون من قومك وما يسعون فيه من المكر بك، ويعلم جميع أعمال الخلق كلهم، لا يخفى عليه شئ منها. وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار يقول: و سيعلمون إذا قدموا على ربهم يوم القيامة لمن عاقبة الدار الآخرة حين يدخلون النار، ويدخل المؤمنون بالله ورسوله الجنة. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته قراء المدينة وبعض أهل البصرة: وسيعلم الكافر على التوحيد. وأما قراء الكوفة فإنهم قرءوه: وسيعلم الكفار على الجمع. والصواب من القراءة في ذلك القراءة على الجمع: وسيعلم الكفار لان الخبر جرى قبل ذلك عن جماعتهم، وأتبع بعده الخبر عنهم، وذلك قوله: وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك وبعده قوله: ويقول الذين كفروا لست مرسلا. وقد ذكر أنها في قراءة ابن مسعود: وسيعلم الكافرون، وفي قراءة أبي: وسيعلم الذين كفروا وذلك كله دليل على صحة ما اخترنا من القراءة في ذلك. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 230 ]
(ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) يقول تعالى ذكره ويقول الذين كفروا بالله من قومك يا محمد لست مرسلا تكذيبا منهم لك، وجحودا لنبوتك. فقل لهم إذا قالوا ذلك: كفى بالله يقول: قل حسبي الله شهيدا، يعني شاهدا، بيني وبينكم علي وعليكم بصدقي وكذبكم، ومن عنده علم الكتاب فمن إذا قرئ به كذلك في موضع خفض عطفا به على اسم الله، وكذلك قرأ قرأة الامصار بمعنى: والذين عندهم علم الكتاب الكتب التي نزلت قبل القرآن كالتوراة والانجيل. وعلى هذه القراءة فسر ذلك المفسرون. ذكر الرواية بذلك: حدثني علي بن سعيد الكندي، قال: ثنا أبو المحياة يحيى بن يعلى، عن عبد الملك بن عمير، عن ابن أخي عبد الله بن سلام، قال: قال عبد الله بن سلام: نزلت في: كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب. حدثنا الحسين بن علي الصدائي، قال: ثنا أبو داود الطيالسي، قال: ثنا شعيب بن صفوان، قال: ثنا عبد الملك بن عمير، أن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: قال عبد الله بن سلام: أنزل في: قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب فالذين عندهم علم الكتاب: هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الاشجعي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: ومن عنده علم الكتاب قال: هو عبد الله بن سلام. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: ومن عنده علم الكتاب قال: رجل من الانس، ولم يسمه. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ومن عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام.
[ 231 ]
قال: ثنا يحيى بن عباد، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد: ومن عنده علم الكتاب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويقول الذين كفروا لست مرسلا قال: قول مشركي قريش: قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب أناس من أهل الكتاب كانوا يشهدون بالحق ويقرون به، ويعلمون أن محمدا رسول الله، كما يحدث أن منهم عبد الله بن سلام. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن قتادة: ومن عنده علم الكتاب قال: كان منهم عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، وتميم الداري. حدثنا الحسن، قال: ثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة: ومن عنده علم الكتاب قال هو عبد الله بن سلام. وقد ذكر عن جماعة من المتقدمين أنهم كانوا يقرءونه: ومن عنده علم الكتاب بمعنى: من عند الله علم الكتاب. ذكر من ذكر ذلك عنه: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن هارون، عن جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ومن عنده علم الكتاب يقول: من عند الله علم الكتاب. حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد: ومن عنده علم الكتاب قال: من عند الله. قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد: ومن عنده علم الكتاب قال: من عند الله علم الكتاب. وقد حدثنا هذا الحديث الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد: ومن عنده علم الكتاب قال: هو الله، هكذا قرأ الحسن: ومن عنده علم الكتاب. قال: ثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن، مثله. قال: ثنا علي، يعني ابن الجعد، قال: ثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن
[ 232 ]
الحسن: ومن عنده علم الكتاب قال: الله، قال شعبة: فذكرت ذلك للحكم، فقال: قال مجاهد، مثله. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت منصور بن زاذان يحدث عن الحسن، أنه قال في هذه الآية: ومن عنده علم الكتاب قال: من عند الله. قال: ثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن: ومن عنده علم الكتاب قال: من عند الله علم الكتاب. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: ومن عنده علم الكتاب قال: من عند الله علم الكتاب، هكذا قال ابن عبدا لاعلى. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان الحسن يقرؤها: قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب يقول: من عند الله علم الكتاب، وجملته. هكذا حدثنا به بشر: علم الكتاب، وأنا أحسبه وهم فيه، وأنه: ومن عنده علم الكتاب لان قوله وجملته اسم لا يعطف باسم على فعل ماض. حدثنا الحسن، قال: ثنا عبد الوهاب، عن هارون: ومن عنده علم الكتاب يقول: من عند الله علم الكتاب. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، قال: قلت لسعيد بن جبير: ومن عنده علم الكتاب أهو عبد الله بن سلام ؟ قال: هذه السورة مكية، فكيف يكون عبد الله بن سلام ؟ قال: وكان يقرؤها: ومن عنده علم الكتاب يقول: من عند الله. حدثنا الحسن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، قال: سألت سعيد بن جبير، عن قول الله: ومن عنده علم الكتاب أهو عبد الله بن سلام ؟ قال: فكيف وهذه السورة مكية. وكان سعيد يقرؤها: ومن عنده علم الكتاب. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني عباد، عن عوف، عن الحسن وجويبر، عن الضحاك بن مزاحم، قالا: ومن عنده علم الكتاب قال: من عند الله.
[ 233 ]
وقد روي عن رسول الله (ص) خبر بتصحيح هذه القراءة وهذا التأويل، غير أن في إسناده نظرا، وذلك ما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني عباد بن العوام، عن هارون الاعور، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي (ص) أنه قرأ: ومن عنده علم الكتاب عند الله علم الكتاب. وهذا خبر ليس له أصل عند الثقات من أصحاب الزهري. فإذا كان ذلك كذلك وكانت قراء الامصار من أهل الحجاز والشام والعراق على القراءة الاخرى، وهي: ومن عنده علم الكتاب كان التأويل الذي على المعنى الذي عليه قراء الامصار أولى بالصواب ممن خالفه، إذ كانت القراءة بما هم عليه مجمعون أحق بالصواب. آخر تفسير سورة الرعد، والحمد لله صادق الوعد
[ 234 ]
سورة إبراهيم مكية وآياتها ثنتان وخمسون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: (الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) قال أبو جعفر الطبري: قد تقدم منا البيان عن معنى قوله: الر فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وأما قوله: كتاب أنزلناه إليك فإن معناه: هذا كتاب أنزلناه إليك يا محمد يعني القرآن. لتخرج الناس من الظلمات إلى النور يقول: لتهديهم به من ظلمات الضلالة والكفر إلى نور الايمان وضيائه، وتبصر به أهل الجهل والعمى سبل الرشاد والهدى. وقوله: بإذن ربهم يعني: بتوفيق ربهم لهم بذلك ولطفه بهم. إلى صراط العزيز الحميد يعني: إلى طريق الله المستقيم، وهو دينه الذي ارتضاه وشرعه لخلقه. والحميد: فعيل، صرف من مفعول إلى فعيل، ومعناه: المحمود بآلائه، وأضاف تعالى ذكره إخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم لهم بذلك إلى نبيه (ص)، وهو الهادي خلقه والموفق من أحب منهم للايمان، إذ كان منه دعاؤهم إليه، وتعريفهم ما لهم فيه وعليهم، فبين بذلك
[ 235 ]
صحة قول أهل الاثبات الذين أضافوا أفعال العباد إليهم كسبا، وإلى الله جل ثناؤه إنشاء وتدبيرا، وفساد قول أهل القدر الذين أنكروا أن يكون لله في ذلك صنع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: لتخرج الناس من الظلمات إلى النور: أي من الضلالة إلى الهدى. القول في تأويل قوله تعالى: (الله الذي له ما في السماوات وما في الارض وويل للكافرين من عذاب شديد) اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والشام: الله الذي له ما في السموات برفع اسم الله على الابتداء، وتصيير قوله: الذي له ما في السموات خبره. وقرأته عامة قراء أهل العراق والكوفة والبصرة: الله الذي بخفض اسم الله على إتباع ذلك العزيز الحميد وهما خفض. وقد اختلف أهل العربية في تأويله إذا قرئ كذلك، فذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقرؤه بالخفض ويقول: معناه: بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، الذي له ما في السموات، ويقول: هو من المؤخر الذي معناه التقديم، ويمثله بقول القائل: مررت بالظريف عبد الله، والكلام الذي يوضع مكان الاسم: النعت، ثم يجعل الاسم مكان النعت، فيتبع إعرابه إعراب النعت الذي وضع موضع الاسم كما قال بعض الشعراء: لو كنت ذا نبل وذا شريب * ما خفت شدات الخبيث الذيب وأما الكسائي فإنه كان يقول فيما ذكر عنه من خفض أراد أن يجعله كلاما واحدا و أتبع الخفض الخفض، وبالخفض كان يقرأه.
[ 236 ]
والصواب من القول في ذلك عندي، أنهم قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القراء معناهما واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقد يجوز أن يكون الذي قرأه بالرفع، أراد معنى من خفض في إتباع الكلام بعضه بعضا، ولكنه رفع لانفصاله من الآية التي قبله، كما قال جل ثناؤه: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم... إلى آخر الآية، ثم قال: التائبون العابدون. ومعنى قوله: الله الذي له ما في السموات وما في الارض الله الذي يملك جميع ما في السموات وما في الارض يقول لنبيه محمد (ص): أنزلنا إليك هذا الكتاب لتدعو عبادي إلى عبادة من هذه صفته، ويدعوا عبادة من لا يملك لهم ولا لنفسه ضرا ولا نفعا من الآلهة والاوثان. ثم توعد جل ثناؤه من كفر به ولم يستجب لدعاء رسوله إلى ما دعاه إليه من إخلاص التوحيد له، فقال: وويل للكافرين من عذاب شديد يقول: الوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم، لمن جحد وحدانيته وعبد معه غيره، من عذاب الله الشديد. القول في تأويل قوله تعالى: (الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد) يعني جل ثناؤه بقوله: الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة الذين يختارون الحياة الدنيا ومتاعهم ومعاصي الله فيها على طاعة الله وما يقربهم إلى رضاه من الاعمال النافعة في الآخرة. ويصدون عن سبيل الله يقول: ويمنعون من أراد الايمان بالله واتباع رسوله على ما جاء به من عند الله من الايمان به واتباعه. ويبغونها عوجا يقول: ويلتمسون سبيل الله، وهي دينه الذي ابتعث به رسوله. عوجا: تحريفا وتبديلا بالكذب والزور. والعوج بكسر العين وفتح الواو في الدين والارض وكل ما لم يكن قائما، فأما في كل ما كان قائما كالحائط والرمح والسن فإنه يقال بفتح العين والواو جميعا عوج يقول الله عز ذكره: أولئك في ضلال بعيد يعني: هؤلاء الكافرين الذي يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة، يقول: هم في ذهاب عن الحق بعيد، وأخذ على غير هدى، وجور عن قصد السبيل.
[ 237 ]
وقد اختلف أهل العربية في وجه دخول على في قوله: على الآخرة فكان بعض نحويي البصرة يقول: أوصل الفعل ب على، كما قيل: ضربوه في السيف، يريد بالسيف، وذلك أن هذه الحروف يوصل بها كلها وتحذف، نحو قول العرب: نزلت زيدا، ومررت زيدا، يريدون: مررت به، ونزلت عليه. وقال بعضهم: إنما أدخل ذلك، لان الفعل يؤدي عن معناه من الافعال، ففي قوله: يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ولذلك أدخلت على. وقد بينت هذا ونظائره في غير موضع من الكتاب بما أغنى عن الاعادة. القول في تأويل قوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشآء ويهدي من يشآء وهو العزيز الحكيم) يقول تعالى ذكره: وما أرسلنا إلى أمة من الامم يا محمد من قبلك ومن قبل قومك رسولا إلا بلسان الامة التي أرسلناه إليها ولغتهم، ليبين لهم يقول: ليفهمهم ما أرسله الله به إليهم من أمره ونهيه، ليثبت حجة الله عليهم، ثم التوفيق والخذلان بيد الله، فيخذل عن قبول ما أتاه به رسوله من عنده من شاء منهم، ويوفق لقبوله من شاء ولذلك رفع فيضل، لانه أريد به الابتداء لا العطف على ما قبله، كما قيل: لنبين لكم ونقر في الارحام ما نشاء وهو العزيز الذي لا يمتنع مما أراده من ضلال أو هداية من أراد ذلك به، والحكيم في توفيقه للايمان من وفقه له وهدايته له من هداه إليه، وفي إضلاله من أضل عنه، وفي غير ذلك من تدبيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه: أي بلغة قومه ما كانت، قال الله عزوجل: ليبين لهم الذي أرسل إليهم ليتخذ بذلك الحجة، قال الله عزوجل: فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 238 ]
(ولقد أرسلنا موسى بآياتنآ أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا موسى بأدلتنا وحججنا من قبلك يا محمد، كما أرسلناك إلى قومك بمثلها من الادلة والحجج. كما: حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ح وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن الاشيب، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ح وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ولقد أرسلنا موسى بآياتنا قال: بالبينات. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولقد أرسلنا موسى بآياتنا قال: التسع الآيات: الطوفان وما معه. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد،: أرسلنا موسى بآياتنا قال: التسع البينات. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. وقوله: أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور كما أنزلنا إليك يا محمد هذا الكتاب، لتخرج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم، ويعني بقوله: أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور: أي ادعهم من الضلالة إلى الهدى، ومن الكفر إلى الايمان. كما: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور يقول: من الضلالة إلى الهدى. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، مثله.
[ 239 ]
وقوله: وذكرهم بأيام الله يقول عز وجل: وعظهم بما سلف من نعمي عليهم في الايام التي خلت. فاجتزئ بذكر الايام من ذكر النعم التي عناها، لانها أيام كانت معلومة عندهم، أنعم الله عليهم فيها نعما جليلة، أنقذهم فيها من آل فرعون بعد ما كانوا فيما كانوا من العذاب المهين، وغرق عدوهم فرعون وقومه، وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم. وكان بعض أهل العربية يقول: معناه: خوفهم بما نزل بعاد وثمود وأشباههم من العذاب، وبالعفو عن الآخرين. قال: وهو في المعنى كقولك: خذهم بالشدة واللين. وقال آخرون منهم: قد وجدنا لتسمية النعم بالايام شاهدا في كلامهم. ثم استشهد لذلك بقول عمرو بن كلثوم: وأيام لنا غر طوال * عصينا الملك فيها أن ندينا وقال: فقد يكون إنما جعلها غرا طوالا لانعامهم على الناس فيها. وقال: فهذا شاهد لمن قال: وذكرهم بأيام الله بنعم الله. ثم قال: وقد يكون تسميتها غرا، لعلوهم على الملك وامتناعهم منه، فأيامهم غر لهم وطوال على أعدائهم. قال أبو جعفر: وليس للذي قال هذا القول، من أن في هذا البيت دليلا على أن الايام معناها النعم وجه، لان عمرو بن كلثوم إنما وصف ما وصف من الايام بأنها غر، لعز عشيرته فيها، وامتناعهم على الملك من الاذعان له بالطاعة، وذلك كقول الناس: ما كان لفلان قط يوم أبيض، يعنون بذلك: أنه لم يكن له يوم مذكور بخير. وأما وصفه إياها بالطول، فإنها لا توصف بالطول إلا في حال شدة، كما قال النابغة: كليني لهم يا أميمة ناصب * وليل أقاسيه بطئ الكواكب
[ 240 ]
فإنما وصفها عمرو بالطول لشدة مكروهها على أعداء قومه، ولا وجه لذلك غير ما قلت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن ليث، عن مجاهد: وذكرهم بأيام الله قال: بأنعم الله. حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد. قال: ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن عبيد المكتب عن مجاهد: وذكرهم بأيام الله قال: بنعم الله. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن عبيد المكتب، عن مجاهد، مثله. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبثر، عن حصين، عن مجاهد، مثله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ح وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: بأيام الله قال: بنعم الله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وذكرهم بأيام الله قال: بالنعم التي أنعم بها عليهم: أنجاهم من آل فرعون، وفلق لهم البحر، وظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا حبيب بن حسان، عن سعيد بن جبير: وذكرهم بأيام الله قال: بنعم الله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وذكرهم بأيام الله يقول: ذكرهم بنعم الله عليهم.
[ 241 ]
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وذكرهم بأيام الله قال: بنعم الله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله: وذكرهم بأيام الله قال: أيامه التي انتقم فيها من أهل معاصيه من الامم خوفهم بها، وحذرهم إياها، وذكرهم أن يصيبهم ما أصاب الذين من قبلهم. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا محمد بن أبان، عن أبي إسحاق، عن سعد بن جبير، عن ابن عباس. عن أبي، عن النبي (ص): وذكرهم بأيام الله قال: نعم الله. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن عبيد الله أو غيره، عن مجاهد: وذكرهم بأيام الله قال: بنعم الله. إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور يقول: إن في الايام التي سلفت بن عمي عليهم، يعني على قوم موسى لآيات، يعني: لعبرا ومواعظ لكل صبار شكور: يقول: لكل ذي صبر على طاعة الله وشكر له على ما أنعم عليه من نعمه. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، في قول الله عزوجل: إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور قال: نعم العبد، عبد إذا ابتلى صبر وإذا أعطى شكر. القول في تأويل قوله تعالى: (وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبنائكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): واذكر يا محمد إذ قال موسى بن عمران لقومه من بني إسرائيل: اذكروا نعمة الله عليكم التي أنعم بها عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يقول: حين أنجاكم من أهل دين فرعون وطاعته. يسومونكم سوء العذاب: أي
[ 242 ]
يذيقونكم شديد العذاب. ويذبحون أبناءكم وأدخلت الواو في هذا الموضع لانه أريد بقوله: ويذبحون أبناءكم الخبر عن أن آل فرعون كانوا يعذبون بني إسرائيل بأنواع من العذاب غير التذبيح وبالتذبيح. وأما في موضع آخر من القرآن، فانه جاء بغير الواو: يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم في موضع وفي موضع: يقتلون أبناءكم، ولم تدخل الواو في المواضع التي لم تدخل فيها لانه أريد بقوله: يذبحون وبقوله: يقتلون تبيينه صفات العذاب الذي كانوا يسومونهم، وكذلك العمل في كل جملة أريد تفصيلها فبغير الواو تفصيلها، وإذا أريد العطف عليها بغيرها وغير تفصيلها فالواو. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، في قوله: وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم: أيادي الله عندكم وأيامه. وقوله: ويستحيون نساءكم يقول: ويبقون نساءكم فيتركون قتلهن وذلك استحياؤهم كان إياهن. وقد بينا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، ومعناه: يتركونهم، والحياة: هي الترك. ومنه الخبر الذي روي عن رسول الله (ص) أنه قال: اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم بمعنى: استبقوهم فلا تقتلوهم. وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم يقول تعالى: وفيما يصنع بكم آل فرعون من أنواع العذاب بلاء لكم من ربكم عظيم: أي ابتلاء واختبار لكم من ربكم عظيم. وقد يكون البلاء في هذا الموضع نعماء، وقد يكون معناه: من البلاء الذي قد يصيب الناس في الشدائد وغيرها. القول في تأويل قوله تعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)
[ 243 ]
يقول جل ثناؤه: واذكروا أيضا حين آذنكم ربكم. وتأذن: تفعل من أذن، والعرب ربما وضعت تفعل موضع أفعل، كما قالوا: أوعدته و توعدته بمعنى واحد، وآذن: أعلم، كما قال الحارث بن حلزة: آذنتنا ببينها أسماء * رب ثاو يمل منه الثواء يعني بقوله: آذنتنا: أعلمتنا. وذكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرأ وإذ تأذن ربكم وإذ قال ربكم. حدثني بذلك الحارث، قال: ثني عبد العزيز، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش عنه حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وبه، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإذ تأذن ربكم: وإذ قال ربكم ذلك التأذن. وقوله: لئن شكرتم لازيدنكم يقول: لئن شكرتم ربكم بطاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم لازيدنكم في أياديه عندكم ونعمه عليكم على ما قد أعطاكم من النجاة من آل فرعون والخلاص من عذابهم. وقيل في ذلك قول غيره، وهو ما: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا الحسن بن الحسن، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: سمعت علي بن صالح، يقول في قول الله عزوجل: لئن شكرتم لازيدنكم قال: أي من طاعتي. حدثنا المثنى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا ابن المبارك قال: سمعت علي بن صالح، فذكر نحوه. حدثني أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان: لئن شكرتم لازيدنكم قال: من طاعتي. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا مالك بن مغول، عن أبان بن أبي عياش، عن الحسن، في قوله: لئن شكرتم لازيدنكم قال: من طاعتي. ولا وجه لهذا القول يفهم، لانه لم يجر للطاعة في هذا الموضع ذكر، فيقال: إن شكرتموني عليها زدتكم منها، وإنما جرى ذكر الخبر عن إنعام الله على قوم موسى بقوله:
[ 244 ]
وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم ثم أخبرهم أن الله أعلمهم إن شكروه على هذه النعمة زادهم، فالواجب في المفهوم أن يكون معنى الكلام: زادهم من نعمه، لا مما لم يجر له ذكر من الطاعة، إلا أن يكون أريد به: لئن شكرتم فأطعتموني بالشكر لازيدنكم من أسباب الشكر ما يعينكم عليه، فيكون ذلك وجها. وقوله: ولئن كفرتم إن عذابي لشديد يقول: ولئن كفرتم أيها القوم نعمة الله، فجحدتموها، بترك شكره عليها، وخلافه في أمره ونهيه وركوبكم معاصيه إن عذابي لشديد: أعذبكم كما أعذب من كفر بي من خلقي. وكان بعض البصريين يقول في معنى قوله: وإذ تأذن ربكم وتأذن ربكم. ويقول: إذ من حروف الزوائد. وقد دللنا على فساد ذلك فيما مضى قبل. القول في تأويل قوله تعالى: (وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الارض جميعا فإن الله لغني حميد) يقول تعالى ذكر ه: وقال موسى لقومه: إن تكفروا أيها القوم، فتجحدوا نعمة الله التي أنعمها عليكم أنتم، ويفعل في ذلك مثل فعلكم من في الارض جميعا فإن الله لغني عنكم وعنهم من جميع خلقه، لا حاجة به إلى شكركم إياه على نعمه عند جميعكم، حميد ذو حمد إلى خلقه بما أنعم به عليهم. كما: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن هاشم، قال: أخبرنا سيف، عن أبي روق عن أبي أيوب، عن علي: فإن الله لغني قال: غني عن خلقه، حميد قال: مستحمد إليهم. القول في تأويل قوله تعالى: (ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بمآ أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل موسى لقومه: يا قوم ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم يقول: خبر الذين من قبلكم من الامم التي مضت قبلكم، قوم نوح وعاد وثمود وقوم عاد فبين بهم عن الذين، وعاد معطوف بها على قوم نوح. والذين من بعدهم
[ 245 ]
يعني: من بعد قوم نوح وعاد وثمود. لا يعلمهم إلا الله يقول: لا يحصي عددهم ولا يعلم مبلغهم إلا الله. كما: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ابن ميمون: وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله قال: كذب النسابون. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود بمثل ذلك. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: ثنا ابن مسعود، أنه كان يقرؤها: وعادا وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ثم يقول: كذب النسابون. حدثني ابن المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عيسى بن جعفر، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله، مثله. وقوله: جاءتهم رسلهم بالبينات يقول: جاءت هؤلاء الامم رسلهم الذين أرسلهم الله إليهم بدعائهم إلى إخلاص العبادة له بالبينات، يعني بالحجج الواضحات والدلالات البينات الظاهرات على حقيقة ما دعوهم إليه من معجزات. وقوله: فردوا أيديهم في أفواههم اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فعضوا على أصابعهم تغيظا عليهم في دعائهم إياهم ما دعوهم إليه. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى، قالا: ثنا عبد الرحمن، قال ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله: فردوا أيديهم في أفواههم قال: عضوا عليها تغيظا. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله، في قوله: فردوا أيديهم في أفواههم قال: غيظا هكذا. وعض يده.
[ 246 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله: فردوا أيديهم في أفواههم قال: عضوها، حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن رجاء البصري، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله في قول الله عزوجل: فردوا أيديهم في أفواههم قال: عضوا على أصابعهم. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله: فردوا أيديهم في أفواههم قال: عضوا على أطراف أصابعهم. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن هبيرة عن عبد الله أنه قال في هذه الآية: فردوا أيديهم في أفواههم قال: أن يجعل إصبعه في فيه. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أبو قطن، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن هبيرة، عن عبد الله في قول الله عزوجل: فردوا أيديهم في أفواههم ووضع شعبة أطراف أنامله اليسرى على فيه. حدثنا الحسن، قال: ثنا يحيى بن عباد، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرنا أبو إسحاق، عن هبيرة، قال: قال عبد الله: فردوا أيديهم في أفواههم قال: هكذا، وأدخل أصابعه في فيه. حدثنا الحسن، قال: ثنا عفان، قال: ثنا شعبة، قال أبو إسحاق: أنبأنا عن هبيرة، عن عبد الله أنه قال في هذه الآية: فردوا أيديهم في أفواههم قال أبو علي: وأرانا عفان، وأدخل أطراف أصابع كفه مبسوطة في فيه، وذكر أن شعبة أراه كذلك. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله: فردوا أيديهم في أفواههم قال: عضوا على أناملهم. وقال سفيان: عضوا غيضا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 247 ]
فردوا أيديهم في أفواههم فقرأ: عضوا عليكم الانامل من الغيظ قال: ومعنى: ردوا أيديهم في أفواههم قال: أدخلوا أصابعهم في أفواههم، وقال: إذا اغتاظ الانسان عض يده. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم لما سمعوا كتاب الله عجبوا منه، ووضعوا أيديهم على أفواههم. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فردوا أيديهم في أفواههم قال: لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم. وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم كذبوهم بأفواههم. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ح وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: فردوا أيديهم في أفواههم قال: ردوا عليهم قولهم وكذبوهم. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم يقول قومهم كذبوا رسلهم وردوا عليهم ما جاؤوا به من البينات وردوا عليهم بأفواههم إنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب. حدثنا محمد بن عبد الاعلى قال ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة في قوله فردوا أيديهم في أفواههم قال ردوا على الرسل ما ما جائت به. وكأن مجاهد أوجه قوله فردوا أيديهم إلى أفواههم إلى معنى ردوا أيادي الله
[ 248 ]
التي لو قبلوها كانت أيادي ونعما عندهم فلم يقبلوها ووجه قوله في أفواههم إلى معنى بأفواههم بعني بألسنتهم التي في أفواههم وقد ذكر عن بعض العرب سماعا أدخلك الله بالجنة يعنون في الجنة وينشد هذا البيت: وأرغب فيها عن لقيط ورهطه * ولكنني عن سنبس لا أرغب يريد وأرغب فيها يعني أرغب بها عن لقيط ولا أرغب بها عن قبيلتي. وقال آخرون بل معنى ذلك أنهم كانوا يضعون أيديهم على أفواه الرسل ردا عليهم قولهم وتكذيبا لهم. وقال آخرون هذا مثل وإنما أريد أنهم كفوا عما أمروا بقبوله من الحق ولم يؤمنوا به ولم يسلموا وقال يقال للرجل إذا أمسك عن الجواب فلم يجب: رد يده في فمه وذكر بعضهم أن العرب تقول كلمت فلانا في حاجة فرد يده في فيه وإذا سكت عنه فلم يجب. وهذا أيضا قول لا وجه له لان الله عزوجل ذكره قد أخبر عنهم أنهم قالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به فقد أجابوا بالتكذيب. وأشبه هذه الاقوال عندي بالصواب في تأويل هذه الآية القول الذي ذكرناه عن عبد الله بن مسعود أنهم ردوا أيديهم في أفواههم فعضوا عليها غيظا على الرسل كما وصف الله عزوجل به إخوانهم من المنافقين فقال وإذا خلوا عضوا عليكم الانامل من الغيظ فهذا هو الكلام المعروف والمعنى المفهوم من رد اليد إلى الفم. وقوله وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به يقول عزوجل وقال لرسلهم إنا كفرنا بما أرسلكم به من أرسلكم من الدعاء إلى ترك عبادة الاوثان والاصنام وإنا لفي شك من حقيقة ما تدعوننا إليه من توحيد الله مريب يقول يريبنا ذلك الشك أي يوجب لنا الريبة والتهمة فيه يقال منه أراب الرجل إذا أتى بريبة يريب أرابة. تأويل قولة تعالى:
[ 249 ]
(قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والارض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آبآؤنا فأتونا بسلطان مبين) يقول تعالى ذكره: قالت رسل الامم التي أتتها رسلها: أفي الله أنه المستحق عليكم أيها الناس الالوهة والعبادة دون جميع خلقه، شك ؟ وقوله: فاطر السموات والارض يقول: خالق السموات والارض. يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم يقول: يدعوكم إلى توحيده وطاعته. ليغفر لكم من ذنوبكم يقول: فيستر عليكم بعض ذنوبكم بالعفو عنها، فلا يعاقبكم عليها. ويؤخركم يقول: وينسئ في آجالكم، فلا يعاقبكم في العاجل فيهلككم، ولكن يؤخركم إلى الوقت الذي كتب في أم الكتاب أنه يقبضكم فيه، وهو الاجل الذي سمى لكم. فقالت الامم لهم: إن أنتم أيها القوم إلا بشر مثلنا في الصورة والهيئة، ولستم ملائكة، وإنما تريدون بقولكم هذا الذي تقولون لنا أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا يقول: إنما تريدون أن تصرفونا بقولكم عن عبادة ما كان يعبده من الاوثان آباؤنا: فأتونا بسلطان مبين يقول: فأتو. ا بحجة على ما تقولون تبين لنا حقيقته وصحته، فنعلم أنكم فيما تقولون محقون. القول في تأويل قوله تعالى: (قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشآء من عباده وما كان لنآ أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) يقول تعالى ذكره: قال الامم التي أتتهم الرسل لرسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم صدقتم في قولكم إن أنتم إلا بشر مثلنا فما نحن إلا بشر من بني آدم إنس مثلكم، ولكن الله يمن على من يشاء من عباده يقول: ولكن الله يتفضل على من يشاء من خلقه، فيهديه ويوفقه للحق، ويفضله على كثير من خلقه. وما كان لنا أن نأتيكم
[ 250 ]
بسلطان يقول: وما كان لنا أن نأتيكم بحجة وبرهان على ما ندعوكم إليه إلا بإذن الله يقول: إلا بأمر الله لنا بذلك. وعلى الله فليتوكل المؤمنون يقول: وبالله فليثق به من آمن به وأطاعه فإنا به نثق وعليه نتوكل. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: فأتونا بسلطان مبين قال: السلطان المبين: البرهان والبينة. وقوله: ما لم ينزل به سلطانا قال: بينة وبرهانا. القول في تأويل قوله تعالى: (وما لنآ ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على مآ آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الرسل لاممها: وما لنا أن لا نتوكل على الله فنثق به وبكفايته ودفاعه إياكم عنا، وقد هدانا سبلنا يقول: وقد بصرنا طريق النجاة من عذابه، فبين لنا. ولنصبرن على ما آذيتمونا في الله وعلى ما نلقي منكم من المكروه فيه بسبب دعائنا إليكم إلى ما ندعوكم إليه من البراءة من الاوثان والاصنام وإخلاص العبادة له. وعلى الله فليتوكل المتوكلون يقول: وعلى الله فليتوكل من كان به واثقا من خلقه، فأما من كان به كافرا فإن وليه الشيطان. القول في تأويل قوله تعالى: (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ئ ولنسكننكم الارض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد) يقول عز ذكره: وقال الذين كفروا بالله لرسلهم الذين أرسلوا إليهم حين دعوهم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له وفراق عبادة الآلهة والاوثان: لنخرجنكم من أرضنا يعنون: من بلادنا، فنطردكم عنها. أو لتعودن في ملتنا يعنون: إلا أن تعودوا في ديننا الذي نحن عليه من عبادة الاصنام. وأدخلت في قوله: لتعودن لام، وهو في معنى شرط، كأنه جواب لليمين. وإنما معنى الكلام: لنحرجنكم من أرضنا أو تعودن في ملتنا، ومعنى أو ههنا معنى
[ 251 ]
إلا أو معنى حتى كما يقال في الكلام: لاضربنك أو تقر لي، فمن العرب من يجعل ما بعد أو في مثل هذا الموضع عطفا على ما قبله، إن كان ما قبله جزما جزموه، وإن كان نصبا نصبوه، وإن كان فيه لام جعلوا فيه لاما، إذ كانت أو حرف نسق. ومنهم من ينصب ما بعد أو بكل حال، ليعلم بنصبه أنه عن الاول منقطع عما قبله، كما قال امرؤ القيس: بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه * وأيقن أنا لاحقان بقيصرا فقلت له: لا تبك عينك إنما * نحاول ملكا أو نموت فنعذرا فنصب نموت فنعذرا وقد رفع نحاول، لانه أراد معنى: إلا أن نموت، أو حتى نموت، ومنه قول الآخر: لا أستطيع نزوعا عن مودتها * أو يصنع الحب بي غير الذي صنعا وقوله: فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين الذين ظلموا أنفسهم، فأوجبوا لها عقاب الله بكفرهم وقد يجوز أن يكون قيل لهم: الظالمون لعبادتهم، من لا تجوز عبادته من الاوثان والآلهة، فيكون بوضعهم العبادة في غير موضعها إذ كان ظلما سموا بذلك ظالمين. وقوله: ولنسكننكم الارض من بعدهم هذا وعد من الله من وعد من أنبيائه النصر على الكفرة به من قومه، يقول: لما تمادت أمم الرسل في الكفر، وتوعدوا رسلهم بالوقوع بهم، أوحى الله إليهم بإهلاك من كفر بهم من أممهم ووعدهم النصر. وكل ذلك كان من الله وعيدا وتهديدا لمشركي قوم نبينا محمد (ص) على كفرهم به وجراءتهم على نبيه، وتثبيتا لمحمد (ص) وأمرا له بالصبر على ما لقي من المكروه فيه من مشركي قومه، كما صبر من كان قبله من أولي العز من رسله، ومعرفه أن عاقبة أمر من كفر به الهلاك وعاقبته النصر عليهم، سنة الله في الذين خلوا من قبل.
[ 252 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ولنسكننكم الارض من بعدهم قال: وعدهم النصر في الدنيا، والجنة في الآخرة. وقوله: ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد يقول جل ثناؤه: هكذا فعلى لمن خاف مقامه بين يدي، وخاف وعيدي فاتقاني بطاعته وتجنب سخطي، أنصره على من أراد به سوءا وبغاه مكروها من أعدائي، أهلك عدوه وأخزيه وأورثه أرضه ودياره. وقال: لمن خاف مقامي ومعناه ما قلت من أنه لمن خاف مقامه بين يدي بحيث أقيمه هنالك للحساب، كما قال: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون معناه: وتجعلون رزقي إياكم أنكم تكذبون، وذلك أن العرب تضيف أفعالها إلى أنفسها، وإلى ما أوقعت عليه، فتقول: قد سررت برؤيتك وبرؤيتي إياك، فكذلك ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: (واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد) يقول تعالى ذكره: واستفتحت الرسل على قومها: أي استنصرت الله عليها. وخاب كل جبار عنيد يقول: هلك كل متكبر جائر حائد عن الاقرار بتوحيد الله وإخلاص العبادة له. والعنيد والعاند والعنود بمعنى واحد، ومن الجبار تقول: هو جبار بين الجبرية والجبروتية والجبروة والجبروت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: واستفتحوا قال: الرسل كلها، يقول: استنصروا على أعدائهم ومعانديهم: أي على من عاند عن اتباع الحق وتجنبه. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
[ 253 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، ح وحدثني الحارث، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: واستفتحوا قال: الرسل كلها استنصروا. وخاب كل جبار عنيد قال: معاند للحق مجانبه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. وقال ابن جريج: استفتحوا على قومهم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد قال: كانت الرسل والمؤمنون يستضعفهم قومهم، ويقهرونهم، ويكذبونهم، ويدعونهم إلى أن يعودوا في ملتهم، فأبى الله عز وجل لرسله وللمؤمنين أن يعودوا في ملة الكفر، وأمرهم أن يتوكلوا على الله، و أمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة، ووعدهم أن يسكنهم الارض من بعدهم، فأنجز الله لهم ما وعدهم، واستفتحوا كما أمرهم أن يستفتحوا. وخاب كل جبار عنيد. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن إبراهيم، في قوله: وخاب كل جبار عنيد قال: هو الناكب عن الحق أي الحائد عن اتباع طريق الحق. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا مطرف، عن بشر، عن هشيم، عن مغيرة، عن سماك، عن إبراهيم: وخاب كل جبار عنيد قال: الناكب عن الحق. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: واستفتحوا يقول: استنصرت الرسل على قومها، قوله: وخاب كل جبار عنيد والجبار العنيد: الذي أبى أن يقول: لا إله إلا الله. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: واستفتحوا قال: استنصرت الرسل على قومها. وخاب كل جبار عنيد يقول: بعيد عن الحق معرض عنه.
[ 254 ]
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله، وزاد فيه: معرض عنه، أبى أن يقول: لا إله إلا الله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وخاب كل جبار عنيد قال: العنيد عن الحق الذي يعند عن الطريق، قال: و العرب تقول: شر الابل العنيد الذي يخرج عن الطريق. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد قال: الجبار: هو المتجبر. وكان ابن زيد يقول في معنى قوله: واستفتحوا خلاف قول هؤلاء، ويقول: إنما استفتحت الامم، فأجيبت. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: واستفتحوا قال: استفتاحهم بالبلاء، قالوا: اللهم إن كان هذا الذي أتى به محمد هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء كما أمطرتها على قوم لوط، أو ائتنا بعذاب أليم قال: كان استفتاحهم بالبلاء كما استفتح قوم هود. ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال: فالاستفتاح: العذاب. قال: قيل لهم: إن لهذا أجلا، حين سألوا الله أن ينزل عليهم، فقال: بل نؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار، فقالوا: لا نريد أن نؤخر إلى يوم القيامة ربنا عجل لنا قطنا عذابنا قبل يوم الحساب. وقرأ: ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب حتى بلغ: ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون. القول في تأويل قوله تعالى: (من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد ئ يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ) يقول عز ذكره: من ورائه من أمام كل جبار جهنم يردونها. ووراء في هذا الموضع: يعني أمام، كما يقال: إن الموت من ورائك: أي قدامك، وكما قال الشاعر:
[ 255 ]
أتوعدني وراء بني رياح * كذبت لتقصرن يداك دوني يعني وراء بني رياح: قدام بني رياح وأمامهم. وكان بعض نحويي أهل البصرة يقول: إنما يعني بقوله: من ورائه أي من أمامه، لانه وراء ما هو فيه، كما يقول لك: وكل هذا من ورائك: أي سيأتي عليك، وهو من وراء ما أنت فيه قد كان قبل ذلك وهو من ورائه. وقال: وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا من هذا المعنى: أي كان وراء ما هم في أمامهم. وكان بعض نحويي أهل الكوفة يقول: أكثر ما يجوز هذا في الاوقات، لان الوقت يمر عليك فيصير خلفك إذا جزته، وكذلك كان وراءهم ملك، لانهم يجوزونه فيصير وراءهم. وكان بعضهم يقول: هو من حروف الاضداد، يعني وراء يكون قداما وخلفا. وقوله: و يسقى من ماء صديد يقول: ويسقى من ماء، ثم بين ذلك الماء جل ثناؤه وما هو، فقال: هو صديد ولذلك رد الصديد في إعرابه على الماء، لانه بيان عنه، و الصديد: هو القيح والدم. وكذلك تأوله أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء ح وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: من ماء صديد قال: قيح ودم. حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويسقى من ماء صديد والصديد: ما يسيل من دمه ولحمه وجلده. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: ويسقى من ماء صديد قال: ما يسيل من بين لحمه وجلده. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عمن ذكره، عن
[ 256 ]
الضحاك: ويسقى من ماء صديد قال: يعني بالصديد: ما يخرج من جوف الكافر قد خالط القيح والدم. وقوله: يتجرعه يتحساه، ولا يكاد يسيغه يقول: ولا يكاد يزدرده من شدة كراهته، وهو يسيغه من شدة العطش. والعرب تجعل لا يكاد فيما قد فعل، وفيما لم يفعل. فأما ما قد فعل فمنه هذا، لان الله جل ثناؤه جعل لهم ذلك شرابا و أما ما لم يفعل وقد دخلت فيه كاد فقوله: حتى إذا أخرج يده لم يكد يراها فهو لا يراها. وبنحو ما قلنا من أن معنى قوله: ولا يكاد يسيغه وهو يسيغه، جاء الخبر عن رسول الله (ص). ذكر الرواية بذلك: حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني، قال: ثنا ابن المبارك، عن صفوان بن عمرو، عن عبيد الله بن بسر، عن أبي أمامة، عن النبي (ص) في قوله: ويسقى من ماء صديد يتجرعه: فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره يقول الله عزوجل: وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم، ويقول: وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا معمر، عن ابن المبارك، قال: ثنا صفوان بن عمرو، عن عبيد الله بن بسر، عن أبي أمامة، عن النبي (ص)، في قوله: ويسقى من ماء صديد فذكر مثله، إلا أنه قال سقوا ماء حميما. حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا حيوة بن شريح الحمصي، قال: ثنا بقية، عن صفوان ابن عمرو، قال: ثني عبيد الله بن بسر، عن أبي أمامة، عن النبي (ص) مثله سواء. وقوله: ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت فإنه يقول: ويأتيه الموت من
[ 257 ]
بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وشماله، ومن كل موضع من أعضاء جسده. وما هو بميت لانه لا تخرج نفسه فيموت فيستريح، ولايحيا لتعلق نفسه بالحناجر، فلا ترجع إلى مكانها. كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله: يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت قال: تعلق نفسه عند حنجرته، فلا تخرج من فيه فيموت ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فيجد لذلك راحة فتنفعه الحياة. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي قوله: ويأتيه الموت من كل مكان قال: من تحت كل شعرة في جسده. وقوله: ومن ورائه عذاب غليظ يقول: ومن وراء ما هو فيه من العذاب، يعني أمامه وقدامه عذاب غليظ. القول في تأويل قوله تعالى: (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شئ ذلك هو الضلال البعيد) اختلف أهل العربية في رافع مثل، فقال بعض نحويي البصرة: إنما هو كأنه قال: ومما نقص عليك مثل الذين كفروا، ثم أقبل يفسر كما قال: مثل الجنة، وهذا كثير. وقال بعض نحويي الكوفيين: إنما المثل للاعمال، ولكن العرب تقدم الاسماء لانها أعرف، ثم تأتي بالخبر الذي تخبر عنه مع صاحبه. معنى الكلام: مثل أعمال الذين كفروا بربهم كرماد، كما قيل: ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ومعنى الكلام: ترى ويوم القيامة وجوه الذين كذبوا على الله مسودة. قال: ولو خفض الاعمال جاز، كما قال: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه... الآية. وقوله: مثل الجنة التي وعد المتقون تجرپ ي من تحتها الانهار قال: فتجري هو في موضع
[ 258 ]
الخبر، كأنه قال: أن تجري، وأن يكون كذا وكذا، فلو أدخل أن جاز، قال: ومنه قول الشاعر: ذريني إن أمرك لن يطاعا * وما ألفيتني حلمي مضاعا قال: فالحلم منصوب ب‍ (ألفيت على) التكرير، قال: ولو رفعه كان صوابا. قال: وهذا مثل ضربه الله لاعمال الكفار، فقال: مثل أعمال الذين كفروا يوم القيامة التي كانوا يعملونها في الدنيا يزعمون أنهم يريدون الله بها، مثل رماد عصفت الريح عليه في يوم ريح عاصف، فنسفته وذهبت به، فكذلك أعمال أهل الكفر به يوم القيامة، لا يجدون منها شيئا ينفعهم عند الله فينجيهم من عذابه، لانهم لم يكونوا يعملونها لله خالصا، بل كانوا يشركون فيها الاوثان والاصنام، يقول الله عزوجل: ذلك هو الضلال البعيد يعني أعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا التي يشركون يها مع الله شركاء، هي أعمال عملت على غير هدى واستقامة، بل على جور عن الهدى بعيد، وأخذ على غير استقامة شديد. وقيل: في يوم عاصف فوصف بالعصوف، وهو من صفة الريح، لان الريح تكون فيه كما يقال: يوم بارد، ويوم حار، لان البرد والحرارة يكونان فيه وكما قال الشاعر: يومين غيمين ويوما شمسا
[ 259 ]
فوصف اليومين بالغيمين وإنما يكون الغيم فيهما وقد يجوز أن يكون أريد به في يوم عاصف الريح فحذفت الريح لانها قد ذكرت قبل ذلك فيكون ذلك نظير قول الشاعر: إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف يريد كاسف الشمس وقبل هو من نعت الريح خاصة غير أنه لما جاء بعد اليوم أتبع أعرابه وذلك أن العرب تتبع الخفض الخفض في النعوت كما قال الشاعر: تريك سنة وجه غير مقرفة * ملساء ليس بها خال ولا ندب فخفض غير اتباعا لاعراض الوجه وإنما هي من نعت السنة والمعنى سنة وجه غير مقرفة وكما قالوا هذا حجر ضب خرب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثني حجاج عن ابن جريج في قوله كرماد اشتدت به الريح قال حملته الريح في يوم عاصف. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله مثل الذين كفروا بهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح
[ 260 ]
في يوم عاصف يقول الذين كفروا بربهم وعبدوا غيره فأعمالهم يوم القيامة كرماد اشتدت به الريح في يوم علصف لا يقدرون على شئ من أعمالهم ينفعهم كما لا يقدر على الرماد إذا أرسل عليه الريح في يوم عاصف. وقوله: ذلك هو الضلال البعيد: أي الخطأ البين البعيد عن طريق الحق. القول في تأويل قوله تعالى: (ألم تر أن الله خلق السماوات والارض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ئ وما ذلك على الله بعزيز) يقول عز ذكره لنبيه محمد (ص): ألم تر يا محمد بعين قلبك، فتعلم أن الله أنشأ السموات والارض بالحق منفردا بانشائها بغير ظهير ولا معين. إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد يقول: إن الذي تفرد بخلق ذلك وإنشائه من غير معين ولا شريك، إن هو شاء أن يذهبكم فيفنيكم أذهبكم وأفناكم، ويأت بخلق آخر سواكم مكانكم، فيجدد خلقهم. وما ذلك على الله بعزيز يقول: وما إذهابكم وإفناؤهم وإنشاء خلق آخر سواكم مكانكم على الله بممتنع ولا متعذر، لانه القادر على ما يشاء. واختلفت القراء في قراءة قوله: ألم تر أن الله خلق فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: خلق على فعل. وقرأته عامة قراء أهل الكوفة خالق على فاعل، وهما قراءتان مستفيضتان قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القراء متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. القول في تأويل قوله تعالى: (وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شئ قالوا لو هدانا الله لهديناكم سوآء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص) يعني تعالى ذكره بقوله: وبرزوا لله جميعا وظهر هؤلاء الذين كفروا به يوم القيامة من قبورهم فصاروا بالبزار من الارض جميعا، يعني كلهم. فقال الضعفاء للذين استكبروا يقول: فقال التباع منهم للمتبوعين، وهم الذين كانوا يستكبرون في الدنيا عن
[ 261 ]
إخلاص العبادة لله واتباع الرسل الذين أرسلوا إليهم: إنا كنا لكم تبعا في الدنيا، والتبع: جمع تابع، كما الغيب جمع غائب. وإنما عنوا بقولهم: إنا كنا لكم تبعا أنهم كانوا أتباعهم في الدنيا يأتمرون لما يأمرونهم به من عبادة الاوثان والكفر بالله، وينتهون عما نهوهم عنه من اتباع رسل الله. فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شئ يعنون: فهل أنتم دافعون عنا اليوم من عذاب الله من شئ. وكان ابن جريج يقول نحو ذلك. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: وقال الضعفاء قال: الاتباع للذين استكبروا قال: للقادة. وقوله: لو هدانا الله لهديناكم يقول عز ذكره: قالت القادة على الكفر بالله لتباعها: لو هدانا الله يعنون: لو بين الله لنا شيئا ندفع به عذابه عنا اليوم، لهديناكم لبينا ذلك لكم حتى تدفعوا العذاب عن أنفسكم، ولكنا قد جزعنا من العذاب فلم ينفعنا جزعنا منه وصبرنا عليها. سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص يعنون: ما لهم من مزاغ يزوغون عنه، يقال منه: حاص عن كذا إذا زاغ عنه يحيص حيصا وحيوصا وحيصانا. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الحكم، عن عمر بن أبي ليلى أحد بني عامر، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: بلغني أو ذكر لي أن أهل النار قال بعضهم لبعض: يا هؤلاء، إنه قد نزل بكم من العذاب والبلاء ما قد ترون، فهلم فلنصبر، فلعل الصبر ينفعنا كما صبر أهل الدنيا على طاعة الله فنفعهم الصبر إذ صبروا قال: فيجمعون رأيهم على الصبر، قال: فصبروا فطال صبرهم، ثم جزعوا فنادوا: سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص أي منجي. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص قال: إن أهل النار قال بعضهم لبعض: تعالوا، فإنما أدرك أهل الجنة الجنة ببكائهم وتضرعهم إلى الله، فتعالوا نبكي ونتضرع إلى الله قال: فبكوا، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: تعالوا، فما أدرك أهل الجنة الجنة إلا بالصبر، تعالوا نصبر فصبروا صبرا لم ير مثله، فلم ينفعهم ذلك فعند ذلك قالوا سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص. القول في تأويل قوله تعالى: (وقال الشيطان لما قضي الامر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني
[ 262 ]
ولوموا أنفسكم مآ أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بمآ أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم) يقول تعالى ذكره: وقال إبليس لما قضي الامر، يعني لما أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار واستقر بكل فريق منهم قرارهم: إن الله وعدكم أيها الاتباع النار، ووعدتكم النصرة فأخلفتكم وعدي، ووفى الله لكم بوعده. وما كان لي عليكم من سلطان يقول: وما كان لي عليكم فيما وعدتكم من النصرة من حجة تثبت لي عليكم بصدق قولي إلا أن دعوتكم وهذا الاستثناء المنقطع عن الاول كما تقول: ما ضربته إلا أنه أحمق، ومعناه: ولكن دعوتكم فاستجبتم لي يقول: إلا أن دعوتكم إلى طاعتي ومعصية الله، فاستجبتم لدعائي. فلا تلوموني على إجابتكم إياي ولوموا أنفسكم عليها. ما أنا بمصرخكم يقول: ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمصرخي ولا أنتم بمغيثي من عذاب الله فمنجي منه. إني كفرت بما أشركتمون من قبل يقول: إني جحدت أن أكون شريكا لله فيما أشركتموني فيه من عبادتكم من قبل في الدنيا. إن الظالمين لهم عذاب أليم يقول: إن الكافرين بالله لهم عذاب أليم من الله موجع، يقال: أصرخت الرجل: إذا أغثته إصراخا، وقد صرخ الصارخ يصرخ، ويصرخ قليلة وهو الصريخ والصراخ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عامر في هذه الآية: ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل قال: خطيبان يقومان يوم القيامة: إبليس، وعيسى ابن مريم فأما إبليس فيقوم في حزبه فيقول هذا القول وأما عيسى عليه السلام فيقول: ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي، قال: يقوم خطيبان يوم القيامة: أحدهما عيسى، والآخر إبليس فأما إبليس فيقوم في حزبه
[ 263 ]
فيقول: إن الله وعدكم وعد الحق فتلا داود حتى بلغ: بما أشركتمون من قبل فلا أدري أتم الآية أم لا ؟ وأما عيسى عليه السلام فيقال له: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله فتلا حتى بلغ: إنك أنت العزيز الحكيم. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا علي بن عاصم، عن داود بن أبي هند، عن عامر، قال: يقول خطيبان يوم القيامة على رءوس الناس، يقول الله عزوجل: يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله... إلى قوله: هذ يوم ينفع الصادقين صدقهم قال: ويقوم إبليس فيقول: وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم المثنى، فاستجبتم لي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثي. حدثنا الحسين، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثني خالد، عن داود، عن الشعبي، في قوله: ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي قال: خطيبان يقومان يوم القيامة فأما إبليس فيقول هذا وما عيسى فيقول: ما قلت لهم إلا ما أمرتني به. حدثنا المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن رشدين بن سعد، قال: أخبرني عبد الرحمن بن زياد، عن دخين الحجري، عن عقبة بن عامر، عن رسول الله (ص)، ذكر الحديث قال: يقول عيسى: ذلكم النبي الامي فيأتونني، فيأذن الله لي أن أقوم فيثور من مجلسي من أطيب ريح شمها أحد حتى آتى ربي، فيشفعني، ويجعل لي نورا إلى نور من شعر رأسي إلى ظفر قدمي، ثم يقول الكافرون: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فقم أنت فاشفع لنا، فإنك أنت أضللتنا، فيقوم فيثور من مجلسه أنتن ريح شمها أحد، ثم يعظم نحيبهم، ويقول عند ذلك: إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم... الآية. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن الحسن، في
[ 264 ]
قوله: وما كان لي عليكم من سلطان قال: إذ كان يوم القيامة، قام إبليس خطيبا على منبر من نار، فقال: إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم... إلى قوله: وما أنتم بمصرخي قال: بناصري إني كفرت بما أشركتمون من قبل قال: بطاعتكم إياي في الدنيا. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك عمن ذكره، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي، قال في قوله: وقال الشيطان لما قضي الامر إن الله وعدكم وعد الحق قال: قام إبليس يخطبهم فقال: إن الله وعدكم وعد الحق... إلى قوله: ما أنا بمصرخكم يقول: بمغن عنكم شيئا، وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل قال: فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم، قال: فنودوا: لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم... الآية. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثي. وقوله: إني كفرت بما أشركتمون من قبل يقول: عصيت الله قبلكم. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل قال: هذا قول إبليس يوم القيامة، يقول: ما أنتم بنافعي وما أنا بنافعكم، إني كفرت بما أشركتمون من قبل قال: شركته: عبادته. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسين قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: بمصرخي قال: بمغيثي. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
[ 265 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، قال: ما أنا بمنجيكم وما أنتم بمنجي. حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: خطيب السوء إبليس الصادق، أفرأيتم صادقا لم ينفعه صدقه إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان أقهركم به، إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي قال: اطعتموني، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم حين أطعتموني، ما أنا بمصرخكم ما أنا بناصركم ولا مغيثكم، وما أنتم بمصرخي: وما أنتم بناصري ولا مغيثي لما بي، إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: ثنا ابن المبارك، عن الحكم، عن عمرو بن أبي ليلى أحد بني عامر، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: وقال الشيطان لما قضي الامر قال: قام أبليس عند ذلك، يعني حين قال أهل جهنم: سواء علينا أجزعنا أم صبرنا مالنا من محيص، فخطبم فقال: إن الله وعدكم وعد الحق، ووعدتكم فأخلفتكم... إلى قوله: ما أنا بمصرخكم يقول: بمغن عنكم شيئا، وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل قال: فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم، قال: فنودوا: لمقت الله أكبر من مقتكم. القول في تأويل قوله تعالى: (وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام ئ ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ئ تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون) يقول عز ذكره: وأدخل الذين صدقوا الله ورسوله فأقروا بوحدانية الله وبرسالة رسله
[ 266 ]
وأن ما جاءت به من عند الله حق، وعملوا الصالحات يقول: وعملوا بطاعة الله فانتهوا إلى أمر الله ونهيه، جنات تجري من تحتها الانهار بساتين تجري من تحتها الانهار، خالدين فيها باذن ربهم يقول: أدخلوها بأمر الله لهم بالدخول. تحيتهم فيها سلام وذلك إن شاء الله كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قوله: تحيتهم فيها سلام قال: الملائكة يسلمون عليهم في الجنة. وقوله: ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ألم تر يا محمد بعين قلبك فتعلم كيف مثل الله مثلا وشبه شبها كلمة طيبة، ويعني بالطيبة: الايمان به جل ثناؤه: كشجرة طيبة الثمرة، وترك ذكر الثمرة استغناء بمعرفة السامعين عن ذكرها بذكر الشجرة. وقوله: أصلها ثابت وفرعها في السماء يقول عز ذكره: أصل هذه الشجرة ثابت في الارض، وفرعها، وهو أعلاها في السماء: يقول: مرتفع علوا نحو السماء. وقوله: تؤتي أكلها كل حين باذن ربها يقول: تطعم ما يؤكل منها من ثمرها، كل حين بإذن ربها ويضرب الامثال للناس يقول: ويمثل الله الامثال للناس ويشبه لهم الاشياء، لعلهم يتذكرون يقول: ليتذكروا حجة الله عليهم، فيعتبروا بها ويتعظوا، فينزجروا عما هم عليه من الكفر به إلى الايمان. وقد اختلف أهل التأويل في المعنى بالكلمة الطيبة، فقال بعضهم: عني بها: إيمان المؤمن. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: كلمة طيبة شهادة أن لا إله إلا الله، كشجرة طيبة وهو المؤمن، أصلها ثابت يقول: لا إله إلا الله ثابت في قلب المؤمن، وفرعها في السماء يقول: يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس: كلمة طيبة قال: هذا مثل الايمان، فالايمان: الشجرة الطيبة، وأصله الثابت الذي لا يزول: الاخلاص لله، وفرعه في السماء، فرعه: خشية الله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة قال: كنخلة.
[ 267 ]
قال ابن جريج: وقال آخرون: الكلمة الطيبة أصلها ثابت في ذات أصل في القلب وفرعها في السماء تعرج فلا تحجب حتى تنتهي إلى الله. وقال آخرون: بل عني بها المؤمن نفسه. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين باذن ربها، يعني بالشجرة الطيبة: المؤمن، ويعني بالاصل الثابت: في الارض، وبالفرع في السماء: يكون المؤمن يعمل في الارض، ويتكلم فيبلغ عمله وقوله السماء وهو في الارض. حدثنا أحمد قال ثنا أبو أحمد قال ثنا فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي في قوله ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة قال ذلك مثل المؤمن لا يزال يخرج منه كلام طيب وعمل صالح يصعد إليه. حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثنى حجاج عن أبي جعفر عن الربيع بن أنس قال أصلها ثابت في الارض وكذلك كان يقرؤها قال ذلك المؤمن ضرب مثله قال الاخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له قال أصلها ثابت قال: أصل عمله ثابت في الارض وفرعها في السماء قال ذكره في السماء. واختلفوا في هذه الشجرة التي جعلت للكلمة الطيبة مثلا فقال بعضهم: هي النخلة ذكر من قال ذلك. حدثنا ابن المثنى قال ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن معاوية بن قرة قال سمعت أنس بن مالك في هذا الحر كشجرة طيبة قال هي النخلة. حدثنا الحسن بن محمد قال ثنا أبو قطن قال ثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أنس مثله. حدثنا الحسن قال ثنا شبابة قال ثنا شعبة عن معاوية بن قرة قال: سمعت أنس بن مالك يقول كلمة طيبة كشجرة طيبة قال: النخل. حدثني يعقوب والحسن بن محمد قالا ثنا ابن علية قال ثنا شعيب
[ 268 ]
قال: قال خرجت مع أبي العالية نريد أنس بن مالك قال فأتيناه فدعا لنا بقنو عليه رطب فقال كلوا من هذه الشجرة التي قال الله عزوجل: ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. وقال الحسن في حديثه: بقناع. حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا حماد بن سلمة قال أخبرنا شعيب بن الحبحاب عن أنس أن رسول الله (ص) أتى بقناع بسر فقال مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة قال هي النخلة. حدثنا سوار بن عبد الله قال ثنا أبي قال ثنا حماد بن سلمة عن شعيب بن الحبحاب عن أنس أن رسول الله (ص) أتى بقناع فيه بسر فقال مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة قال هي النخلة قال شعيب فأخبرت بذلك أبا العالية فقال كذلك كانوا يقولون. حدثني المثنى قال ثنا حجاج قال ثنا حماد بن سلمة عن شعيب بن الحبحاب قال كنا عند أنس فأتينا بطبق أو قنع عليه رطب فقال كل يا أبا العالية فإن هذا من الشجرة التي ذكر الله عزوجل في كتابه ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت. حدثني المثنى قال ثنا الحجاج بن المنهال قال ثنا مهدي بن ميمون عن شعيب بن الحبحاب قال كان أبو العالية يأتيني فأتاني يوما في منزلي بعد ما صليت الفجر فانطلقت معه إلى أنس بن مالك فدخلنا معه إلى أنس ابن مالك فجئ بطبق عليه رطب فقال أنس لابي العالية كل يا أبا العالية فإن هذه من الشجرة التي قال الله في كتابه ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة ثابت أصلها قال هكذا قرأها يومئذ أنس. حدثنا أبو كريب قال ثنا طلق قال ثنا شريك عن السدى عن مرة عن عبد الله مثله.
[ 269 ]
حدثني الحرث قال ثنا عبد العزيز قال ثنا عبد الغفار بن القاسم عن جامع ابن أبي راشد عن مرة بن شراحيل الهمداني عن مسروق كشجرة طيبة قال النخلة. حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم قال ثنا عيسى ح. وحدثني الحارث قال ثنا الحسن قال ثنا شبابة قال ثنا ورقاء ح. وحدثني المثنى قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا شبل جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله. حدثنا أحمد قال ثنا أبوى حمد قال ثنا اسرائيل عن السدى عن مرة عن عبد الله مثله. حدثني المثنى قال ثنا معلى بن أسد قال ثنا خالد قال أخبرنا حصين عن عكرمة في قوله كشجرة طيبة قال هي النخلة لا تزال فيها منفعة. حدثني المثنى قال ثنا إسحاق قال ثنا عبد الرحمن بن مغراء عن جويبر عن الضحاك في قوله كشجرة طيبة قال ضرب الله مثل المؤمن كمثل النخلة تؤتي أكلها كل حين. حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة كنا نحدث أنها النخلة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى قال ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة كشجرة طيبة قال يزعمون أنها النخلة. حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله تؤتي أكلها كل حين قال هي النخلة. حدثنا الحسن بن محمد قال ثنا محمد بن عبيد قال ثنا الاعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله وفرعها في المساء قال النخلة. قال ثنا الحسن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا خالد عن الشيباني عن عكرمة تؤتي أكلها كل حين قال هي النخلة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى قال ثنا محمد بن ثور عن معمر قال قال شعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك الشجرة الطيبة النخلة.
[ 270 ]
وقال آخرون بل هي شجرة في الجنة ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد قال ثنا عفان قال ثنا أبو كدينة قال ثنا قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس في قول الله عزوجل ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قال هي شجرة في الجنة. وأولى القولين بالصواب في ذلك قول من قال هي النخلة لصحة الخبر عن رسول الله (ص) بما. حدثنا به الحسن بن محمد قال ثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال صحبت ابن عمر إلى المدينة فلم أسمعه يحدث عن رسول الله (ص) إلا حديثا واحدا قال كنا عند النبي (ص) فأتى بجمار فقال من الشجر شجرة مثلها مثل الرجل المسلم فأردت أن أقول هي النخلة فإذا أنا أصغر القوم فسكت. حدثنا الحسن قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا سليمان عن يوسف بن سرح عن رجل عن ابن عمر أن رسول الله (ص) قال هل تدرون ما الشجرة الطيبة قال ابن عمر فأردت أن أقول هي النخلة فمنعني مكان عمر فقالوا الله ورسوله أعلم فقال رسول الله (ص) هي النخلة. حدثنا الحسن قال ثنا يحيى بن حماد قال ثنا عبد العزيز قال ثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص) يوما لاصحابه أن شجرة من الشجر لا يطرح ورقها مثل المؤمن قال فوقع الناس في شجر البدو ووقع في قلبي أنها النخلة حدثنا الحسن قال ثنا عاصم بن فاستحييت حتى قال رسول الله (ص) هي النخلة حدثنا الحسن، قال: ثنا عاصم بن علي قال ثنا عبد العزيز بن مسلم
[ 271 ]
القسملي قال ثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله (ص) قال ان من الشجر شجرة لا يسقط ورقها ويه مثل المؤمن فحدثوني ما هي فذكر نحوه. حدثنا الحسن قال ثنا على قال ثنا يحيى بن سعيد قال ثنا عبيد الله قال ثنى نافع عن عبد الله قال قال رسول الله (ص) أخبروني بشجرة كمثل الرجل المسلم تؤتي أكلها كل حين لا يتحات ورقها قال فوقع في نفسي أنها النخلة فكرهت أن أتكلم وثم أبو بكر وعمر فلما لم يتكلموا قال رسول الله (ص) هي النخلة. حدثنا الحسن قال ثنا محمد بن الصباح قال ثنا إسماعيل عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي (ص) نحوه. واختلف أهل التأويل في معنى الحين الذي ذكر الله عزوجل في هذا الموضع فقال: تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها فقال بعضهم معناه تؤتي أكلها كل غداة وعشية. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد قال ثنا أبو معاوية قال ثنا الاعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال الحسين قد يكون فدوة وعشية. حدثنا الحسن بن محمد قال ثنا محمد بن عبيد قال ثنا الاعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس في قوله تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قال غدوة وعشية. حدثنا ابن بشار قال ثنا يحيى قال ثنا سفيان عن الاعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس مثله. حدثنا محمد بن المثنى قال ثنا محمد بن أبي عدى عن شعبة عن سليمان عن أبي ظبيان عن ابن عباس بمثله. أبو كريب قال ثنا طلق عن زائدة عن الاعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس مثله. حدثنا الحسن قال ثنا علي بن الجعد قال ثنا شعبة عن الاعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس في قوله تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قال بكرة وعشيا. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن الاعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس: (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها) قال: بكرة وعشية.
[ 272 ]
حدثنا محمد ابن سعد قال ثنى أبي قال ثنى عمي قال ثنى أبي عن أبيه عن ابن عباس تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قال يذكر الله كل ساعة من الليل والنهار. حدثنا الحسن قال ثنا عفان قال ثنا أبو كدينة قال ثنا قابوس عن أبيه عن ابن عباس تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قال غدوة وعشية. حدثني المثنى قال ثنا إسحاق قال ثنا عبد الرحمن بن مغراء عن جويبر عن الضحاك في قوله تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قال المؤمن يطيع الله بالليل والنهار وفي كل حين. حدثني المثنى قال ثنا إسحاق قال ثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع بن أنس تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها يصعد عمله أول النهار وآخره. حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثنى حجاج عن أبي جعفر عن الربيع بن أنس تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها يصعد عمله غدوة وعشية. حدثت عن الحسين قال سمعت أبا معاذ قال أخبرنا عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك يقول في قوله تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قال تخرج ثمرتها كل حين وهذا مثل المؤمن يعمل كل حين كل ساعة من النهار وكل ساعة من الليل وبالشتاء والصيف بطاعة الله. وقال آخرون معنى ذلك تؤتي أكلها كل ستة أشهر من بين صرامها إلى حملها ذكر من قال ذلك. حدثنا محمد بن بشار قال ثنا يحيى قال ثنا سفيان عن طارق بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الحين ستة أشهر. حدثني يعقوب قال ثنا ابن عية قال أخبرنا أيوب قال قال عكرمة سئلت عن رجل حلف أن لا يصنع كذا وكذا إلى حين فقلت إن من الحين حينا يدرك ومن الحين حينا لا يدرك فالحين الذي لا يدرك قوله ولتعلمن نبأه بعد
[ 273 ]
حين والحين الذي يدرك تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قال وذلك من حين تصرم النخلة إلى حين تطلع وذلك ستة أشهر. حدثنا أبو كريب قال ثنا وكيع عن سفيان عن ابن الاصبهاني عن عكرمة قال الحين ستة أشهر. حدثنا الحسن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا خالد عن الشيباني عن عكرمة في قوله تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قال هي النخلة والحين ستة أشهر. حدثنا أبو كريب قال ثنا كثير بن هشام قال ثنا جعفر قال ثنا عكرمة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قال هو ما بين حجمل النخلة إلى أن تحرز. حدثنا المثنى قال ثنا قبيصة بن عقبة قال ثنا سفيان قال قال عكرمة الحين ستة أشهر. حدثنا أحمد قال ثنا أبو أحمد قال ثنا قيس عن طارق بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه سئل عن رجل حلف أن لا يكلم أخاه حينا قال الحين ستة أشهر ثم ذكر النخلة ما بين حملها إلى صرامها ستة أشهر. حدثنا أبو كريب قال ثنا وكيع عن سفيان عن طارق عن سعيد بن جبير تؤتي أكلها كل حين قال ستة أشهر. حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قال تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها والحين ما بين السبعة والستة وهي تؤكل شتاء وصيفا. حدثنا محمد بن عبد الاعلى قال ثنا محمد بن ثور عن معمر قال قال الحسن ما بين الستة الاشهر والسبعة يعني الحين. حدثنا ابن بشار قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن الاصبهاني عن عكرمة قال الحين ستة أشهر.
[ 274 ]
وقال آخرون بل الحين ههنا سنة ذكر من قال ذلك. حدثنا أبو كريب قال ثنا وكيع، عن أبي مكين، عن عكرمة: أنه (1) نذر أن يقطع يد غلامه أو يحبسه حينا، قال: فسألني عمر بن العزيز، فقلت: لا تقطع يده، ويحبسه سنة، والحين: سنة. ثم قرأ: (ليسجننه حتى حين) (2)، وقرأ: (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها). حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، قال: وزاد أبو بكر الهذلي عن عكرمة قال قال ابن عباس الحين حينان حين يعرف، وحين لايعرف، فأما الحين الذي لايعرف: (ولتعلمن نبأه بعد حين) (3). وأما الحين الذي لايعرف فقوله تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. حدثنا ابن المثنى قال ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة قال سألت حمادة والحكم عن رجل حلف أن لا يكلم رجلا إلى حين قالا الحين سنة. حدثنا محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم قال ثنا عيسى ح. حدثني الحرث قال ثنا الحسن قال ثنا ورقاء ح. حدثنا الحسن بن محمد قال ثنا شبابة قال ثنى ورقاء ح. حدثنا المثنى قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله كل حين قال كل سنة. حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله تؤتي أكلها كل حين قال كل سنة. حدثنا أحمد قال ثنا أبو أحمد قال ثنا سلام عن عطاء بن السائب عن رجل مبهم أنه سأل ابن عباس فقال حلفت أن لا أكلم رجلا حينا فقرأ ابن عباس تؤتي أكلها كل حين فالحين سنة. حدثنا أحمد قال ثنا أبو أحمد قال ثنا ابن غسيل عن عكرمة قال
[ 275 ]
أرسل إلي عمر بن عبد العزيز فقال يا مولى ابن عباس إني حلفت أن لا أفعل كذا وكذا حينا فما الحين الذي يعرف به قلت ان من الحين حينا لا يدرك ومن الحين حين يدرك فأما الحين الذي لا يدرك فقول الله هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا والله ما يدري كم أتى له إلى أن خلق وأما الذي يدرك فقوله تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها فهو ما بين العام إلى العام المقبل فقال أصبت يا مولى ابن عباس ما أحسن ما قلت. حدثنا ابن حميد قال ثنا جرير عن عطاء قال أتى رجل ابن عباس فقال إني نذرت أن لا أكلم رجلا حينا فقال ابن عباس تؤتي أكلها كل حين فالحين سنة. وقال آخرون بل الحين في هذا الموضع شهران ذكر من قال ذلك. حدثنا أحمد بن إسحاق قال ثنا أبو أحمد قال ثنا محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة قال جاء رجل إلى سعيد بن المسيب فقال إني حلفت أن لا أكلم فلانا حينا فقال قال الله تعالى تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قال هي النخلة لا يكون منها أكلها الا شهرين فالحين شهران. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال عنى بالحين في هذا الموضع غدوة وعشية وكل ساعة لان الله تعالى ذكره ضرب ما تؤتى هذه الشجرة كل حين من الاكل لعمل المؤمن وكلامه مثلا ولا شك أن المؤمن يرفع له إلى الله في كل يوم صالح من العمل والقول لا في كل سنة أوفى كل ستة أشهر أوفس كل شهرين فإذا كان ذلك كذلك فلا شك أن المثل لا يكون خلافا للمثل به في المعنى وإذا كان ذلك كذلك كان بينا صحة ما قلنا فإن قال قائل فأي نخلة تؤتي في كل وقت أكلا صيفا وشتاء قيل أما في الشتاء فإن الطلع من أكلها وأما في الصيف فالبلح والبسر والرطب والتمر و ذلك كله من أكلها وقوله تؤتي أكلها فإنه كما حدثنا به محمد بن عبد الاعلى قال ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة تئتي أكلها كل حين بإذن ربها قال يؤكل ثمرها في الشتاء والصيف.
[ 276 ]
حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة تؤتي أكلها كل حين قال هي تؤكل شتاء وصيفا. حدثني المثنى قال ثنا إسحاق قال ثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع بن أنس تئتي أكلها كل حين بإذن ربها يصعد عمله يعني عمل المؤمن من أول النهار وآخره. القول في تأويل قوله تعالى: (ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار) يقول تعالى ذكره: ومثل الشرك بالله، وهي الكلمة الخبيثة، كشجرة خبيثة. اختلف أهل التأويل فيها أي شجرة هي ؟ فقال أكثرهم: هي الحنظل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن معاوية بن قرة، قال: سمعت أنس بن مالك، قال في هذا الحرف: ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة قال: الشريان فقلت: ما الشريان ؟ قال رجل عنده: الحنظل. فأقر به معاوية. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: أخبرنا شعبة، عن معاوية بن قرة، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة قال: الحنظل. حدثنا الحسن، قال: ثنا عمرو بن الهيثم، قال: ثنا شعبة، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك، قال: الشريان: يعني الحنظل. حدثنا أحمد بن منصور، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا محمد بن ثور، عن ابن جريج، عن الاعمش، عن حبان بن شعبة، عن أنس بن مالك، في قوله: كشجرة خبيثة قال: الشريان، قلت لانس: ما الشريان ؟ قال: الحنظل. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا شعيب، قال: خرجت مع أبي العالية، نريد أنس بن مالك، فأتيناه، فقال: ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة تلكم الحنظل.
[ 277 ]
حدثنا الحسن، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن شعيب بن الحبحاب، عن أنس، مثله. حدثنا المثنى قال: ثنا آدم العسقلاني، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا أبو إياس، عن أنس بن مالك، قال: الشجرة الخبيثة: الشريان، فقلت: وما الشريان ؟ قال: الحنظل. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن شعيب، عن أنس، قال: تلكم الحنظل. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا مهدي بن ميمون، عن شعيب، قال: قال أنس: ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبثة... الآية، قال: تلكم الحنظل، ألم تروا إلى الرياح كيف تصفقها يمينا وشمالا ؟. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: كشجرة خبيثة: الحنظلة. وقال آخرون: هذه الشجرة لم تخلق على الارض. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: ثنا عفان قال ثنا أبو كدينة، قال: ثنا قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس: ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار قال: هذا مثل ضربه الله، ولم تخلق هذه الشجرة على وجه الارض. وقد روي عن رسول الله (ص) بتصحيح قول من قال: هي الحنظلة خبر، فإن صح فلا قول يجوز أن يقال غيره، وإلا فإنها شجرة بالصفة التي وصفها الله بها. ذكر الخبر الذي ذكرناه عن رسول الله (ص): حدثنا سوار بن عبد الله، قال: ثنا أبي، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن شعيب بن الحبحاب، عن أنس بن مالك، أن رسول الله (ص) قال: ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار هي الحنظلة. قال شعيب: وأخبرت بذلك أبا العالية، فقال: كذلك كانوا يقولون.
[ 278 ]
وقوله: اجتثت من فوق الارض يقول: استؤصلت، يقال منه: اجتثثت الشئ أجتثه اجتثاثا: إذا استأصلته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: اجتثت من فوق الارض قال: استؤصلت من فوق الارض. ما لها من قرار يقول: ما لهذه الشجرة من قرار ولا أصل في الارض تنبت عليه وتقوم. وإنما ضربت هذه الشجرة التي وصفها الله بهذه الصفة لكفر الكافر وشركه به مثلا، يقول: ليس لكفر الكافر وعمله الذي هو معصية الله في الارض ثبات، ولا له في السماء مصعد، لانه لا يصعد إلى الله منه شئ. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار ضرب الله مثل الشجرة الخبيثة كمثل الكافر، يقول: إن الشجرة الخبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار: يقول: الكافر لا يقبل عمله ولا يصعد إلى الله، فليس له أصل ثابت في الارض ولا فرع في السماء، يقول: ليس له عمل صالح في الدنيا ولا في الآخرة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار قال قتادة: إن رجلا لقي رجلا من أهل العلم، فقال: ما تقول في الكلمة الخبيثة ؟ فقال: ما أعلم لها في الارض مستقرا ولا في السماء مصعدا إلا أن تلزم عنق صاحبها، حتى يوافي بها يوم القيامة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي العالية: أن رجلا خالجت الريح رداءه فلعنها، فقال رسول الله (ص): لا تلعنها فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة على صاحبها.
[ 279 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس: ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة قال: هذا الكافر ليس له عمل في الارض وذكر في السماء. اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار قال: لا يصعد عمله إلى السماء ولا يقوم على الارض. فقيل: فأين تكون أعمالهم ؟ قال: يحملون أوزارهم على ظهورهم. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي: ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض قال: مثل الكافر لا يصعد له قول طيب ولا عمل صالح. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قال: ومثل كلمة خبيثة وهي الشرك، كشجرة خبيثة يعني الكافر. قال: اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار يقول: الشرك ليس له أصل يأخذ به الكافر ولا برهان، ولا يقبل الله مع الشرك عملا. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة قال: مثل الشجرة الخبيثة مثل الكافر، ليس لقوله ولا لعمله أصل ولا فرع، ولا قوله ولا عمله يستقر على الارض ولا يصعد إلى السماء. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول: ضرب الله مثل الكافر كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار، يقول: ليس لها أصل ولا فرع، وليست لها ثمرة، وليس فيها منفعة، كذلك الكافر ليس يعمل خيرا ولا يقوله، ولم يجعل الله فيه بركة ولا منفعة. القول في تأويل قوله تعالى: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشآء) يعني تعالى ذكره بقوله: يثبت الله الذين آمنوا يحقق الله أعمالهم وإيمانهم
[ 280 ]
بالقول الثابت يقول: بالقول الحق، وهو فيما قيل: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وأما قوله: في الحياة الدنيا فإن أهل التأويل اختلفوا فيه، فقال بعضهم: عني بذلك أن الله يثبتهم في قبورهم قبل قيام الساعة. ذكر من قال ذلك: حدثني أبو السائب سلم بن جنادة، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن سعد بن عبيدة، عن البراء بن عازب، في قوله: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا قال: التثبيت في الحياة الدنيا إذا أتاه الملكان في القبر، فقالا له: من ربك ؟ فقال: ربي الله، فقالا له: ما دينك ؟ قال: ديني الاسلام، فقالا له: من نبيك ؟ قال: نبيي محمد (ص). فذلك التثبيت في الحياة الدنيا. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن الاعمش، عن سعد بن عبيدة، عن البراء بن عازب، بنحو منه في المعنى. حدثني عبد الله بن إسحاق الناقد الواسطي، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة، عن البراء، قال: ذكر النبي (ص) المؤمن والكافر، فقال: إن المؤمن إذا سئل في قبره قال: ربي الله، فذلك قوله: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا هشام بن عبد الملك، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني علقمة بن مرثد قال: سمعت سعد بن عبيدة، عن البراء بن عازب، أن رسول الله (ص) قال: إن المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله قال: فذلك قوله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. حدثني الحسن بن سلمة بن أبي كبشة، ومحمد بن معمر البحراني، واللفظ لحديث ابن أبي كبشة، قالا: ثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو، قال: ثنا عباد بن
[ 281 ]
راشد، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: كنا مع رسول الله (ص) في جنازة، فقال: يا أيها الناس إن هذه الامة تبتلى في قبورها، فإذا الانسان دفن وتفرق عنه أصحابه، جاءه ملك بيده مطراق فأقعده، فقال: ما تقول في هذا الرجل ؟ فإن كان مؤمنا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فيقول له: صدقت فيفتح له باب إلى النار، فيقال: هذا منزلك لو كفرت بربك فأما إذ آمنت به، فإن الله أبدلك به هذا. ثم يفتح له باب إلى الجنة، فيريد أن ينهض له، فيقال له: اسكن ثم يفسح له في قبره. وأما الكافر أو المنافق، فيقال له ما تقول في هذا الرجل ؟ فيقول: ما أدري، فيقال له: لادريت ولا تليت ولا اهتديت ثم يفتح له باب إلى الجنة، فيقال له: هذا كان منزلك لو آمنت بربك فأما إذ كفرت فإن الله أبدلك هذا. ثم يفتح له باب إلى النار، ثم يقمعه الملك بالمطراق قمعة يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين. قال بعض أصحابه: يا رسول الله ما منا أحد يقوم على رسه ملك بيده مطراق إلا هيل عند ذلك ؟ فقال رسول الله (ص): يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن الاعمش، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء: أن رسول الله (ص) قال، وذكر قبض روح المؤمن: فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه في قبره، فيقولان من ربك ؟ فيقول: ربي الله، فيقولان: ما دينك ؟ فيقول ديني الاسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان: ما يدريك ؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به، وصدقت. فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي قال: فذلك قول الله عزوجل يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا الاعمش، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء، عن النبي (ص)، بنحوه. حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: ثنا جرير، عن الاعمش، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء، عن النبي (ص)، بنحوه.
[ 282 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، قال: ثنا الاعمش، قال: ثنا المنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء، عن النبي (ص)، بنحوه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو بن قيس، عن يونس بن خباب، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء بن عازب، عن النبي (ص)، نحوه. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا مهدي بن ميمون جميعا، عن يونس بن خباب، عن المنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله (ص)، وذكر قبض روح المؤمن، قال: فيأتيه آت في قبره فيقول: من ربك وما دينك ومن نبيك ؟ فيقول: ربي الله وديني الاسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم. فينتهره، فيقول: من ربك، وما دينك ؟ فهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، فذلك حين يقول الله عزوجل: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فيقول: ربي الله، وديني الاسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم. فيقال له: صدقت. واللفظ لحديث ابن عبد الاعلى. حدثنا محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا آدم، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: تلا رسول الله (ص): يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال: ذاك إذا قيل في القبر: من ربك ؟ وما دينك ؟ فيقول: ربي الله، وديني الاسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، جاء بالبينات من عند الله، فآمنت به وصدقت فيقال له: صدقت على هذا عشت وعليه مت، وعليه تبعث. حدثنا مجاهد بن موسى، والحسن بن محمد، قالا: ثنا يزيد، قال: أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: إن الميت ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه مدبرين فإذا كان مؤمنا، كانت الصلاة عند رأسه والزكاة عن يمينيه، وكان الصيام عن يساره، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والاحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من عند رأسه، فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل فيؤتى عن يمينه،
[ 283 ]
فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل فيؤتى عن يساره، فيقول الصيام: ما قبلي مدخل فيؤتى من عند رجليه، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والاحسان إلى الناس: ما قبلي مدخل فيقال له: اجلس فيجلس، قد مثلت له الشمس قد دنت للغروب، فيقال له: أخبرنا عما نسألك فيقول: دعوني حتى أصلي فيقول: إنك ستفعل فأخبرنا عما نسألك عنه. فيقول: وعم تسألون ؟ فيقال: أرأيت هذا الرجل الذي كان فيكم ؟ ماذا تقول فيه وماذا تشهد به عليه ؟ فيقول: أمحمد ؟ فيقال له: نعم. فيقول: أشهد أنه رسول الله، وأنه جاء بالبينات من عند الله، فصدقناه فيقال له: على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله. ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا، وينور له فيه، ثم يفتح له باب إلى الجنة، فيقال له: انظر إلى ما أعد الله لك فيها فيزداد غبطة وسرورا. ثم يفتح له باب إلى النار، فيقال له: انظر ما صرف الله عنك لو عصيته فيزداد غبطة وسرورا. ثم يجعل نسمه في النسم الطيب، وهي طير خضر تعلق بشجر الجنة ويعاد جسده إلى ما بدئ منه من التراب، وذلك قول الله تعالى: يثبت الله الذين آمنوا بالقول في الحياة الدنيا وفي الآخرة. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أبو قطن، قال: ثنا المسعودي، عن عبد الله بن مخارق، عن أبيه عن عبد الله، قال: إن المؤمن إذا مات أجلس في قبره، فيقال له: من ربك، وما دينك، ومن نبيك ؟ فيثبته الله، فيقول: ربي الله، وديني الاسلام، ونبي محمد. قال: فقرأ عبد الله: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. حدثنا الحسن، قال: ثنا أبو خالد القرشي، عن سفيان، عن أبيه وحدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن أبيه، عن خيثمة، عن البراء، في قوله: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا قال: عذاب القبر. حدثنا الحسن، قال: ثنا عفان، قال: ثنا شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة، عن البراء، عن النبي (ص)، في قول الله تعالى: يثبت الله الذين آمنوا
[ 284 ]
بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال شعبة: شيئا لم أحفظه، قال: في القبر. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت... إلى قوله: ويضل الله الظالمين قال: إن المؤمن إذا حضره الموت شهدته الملائكة فسلموا عليه وبشروه بالجنة، فإذا مات مشوا في جنازته، ثم صلوا عليه مع الناس، فإذا دفن في أجلس في قبره، فيقال له: من ربك ؟ فيقول: ربي الله، ويقال له: من رسولك ؟ فيقول محمد، فيقال له: ما شهادتك ؟ فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. فيوسع له في قبره مد بصره. حدثنا الحسن، قال: ثنا حجاج، قال: قال ابن جريج، سمعت ابن طاوس يخبر عن أبيه، قال: لا أعلمه إلا قال: هي في فتنة القبر في قوله: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير عن العلاء بن المسيب، عن أبيه، أنه كان يقول في هذه الآية: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة: هي في صاحب القبر. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن العوام، عن المسيب بن رافع: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال: نزلت في صاحب القبر. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عباد بن العوام، عن العلاء بن المسيب، عن أبيه المسيب بن رافع نحوه. حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعد، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع، في قول الله تعالى: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال: بلغنا أن هذه الامة تسأل في قبورها، فيثبت الله المؤمن في قبره حين يسأل.
[ 285 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو ربيعة فهد، قال: ثنا أبو عوانة، عن الاعمش، عن المنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله (ص)، وذكر قبض روح المؤمن، قال: فترجع روحه في جسده، ويبعث الله إليه ملكين شديدي الانتهار، فيجلسانه وينتهرانه، يقولان: من ربك ؟ قال: فيقول: الله، وما دينك ؟ قال: الاسلام، قال: فيقولان له: ما هذا الرجل أو النبي الذي بعث فيكم ؟ فيقول محمد رسول الله، قال: فيقولان له: وما يدريك ؟ قال: فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فذلك قول الله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال: نزلت في الميت الذي يسئل في قبره عن النبي (ص). حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: في قول الله: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال: بلغنا أن هذه الامة تسئل في قبورها، فيثبت الله المؤمن حيث يسئل. حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا قال: هذا في القبر مخاطبته وفي الآخرة مثل ذلك. وقال آخرون: معنى ذلك: يثبت الله الذين آمنوا بالايمان في الحياة الدنيا، وهو القول الثابت، وفي الآخرة: المسألة في القبر. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا قال: لا إله إلا الله. وفي الآخرة المسألة في القبر. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا أما الحياة الدنيا، فيثبتهم بالخير والعمل الصالح. وقوله: في الآخرة أي في القبر.
[ 286 ]
والصواب من القول في ذلك ما ثبت به الخبر عن رسول الله (ص) في ذلك، وهو أن معناه: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وذلك تثبيته إياهم في الحياة الدنيا بالايمان بالله وبرسوله محمد (ص)، وفي الآخرة بمثل الذي ثبتهم به في الحياة الدنيا، وذلك في قبورهم حين يسألون عن الذي هم عليه من التوحيد والايمان برسوله (ص). وأما قوله: ويضل الله الظالمين فإنه يعني أن الله لا يوفق المنافق والكافر في الحياة الدنيا وفي الآخرة عند المسألة في القبر لما هدي له من الايمان المؤمن بالله ورسوله (ص). وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: أما الكافر فتنزل الملائكة إذا حضره الموت، فيبسطون أيديهم والبسط: هو الضرب يضربون وجوههم وأدبارهم عند الموت. فإذا أدخل قبره أقعد، فقيل له: من ربك ؟ فلم يرجع إليهم شيئا، وأنساه الله ذكر ذلك، وإذا قيل له: من الرسول الذي بعث إليك ؟ لم يهتد له ولم يرجع إليه شيئا. يقول: ويضل الله الظالمين. حدثني المثنى، قال: ثنا فهد بن عوف أبو ربيعة، قال: ثنا أبو عوانة، عن الاعمش، عن المنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء، قال: قال رسول الله (ص)، وذكر الكافر حين تقبض روحه، قال: فتعاد روحه في جسده، قال: فيأتيه ملكان شديدا الانتهار، فيجلسانه فينتهرانه، فيقولان له: من ربك ؟ فيقول: لا أدري، قال: فيقولان له: ما دينك ؟ فيقول: لا أدري، قال: فيقال له: ما هذا النبي الذي بعث فيكم ؟ قال: فيقول: سمعت الناس يقولون ذلك، لا أدري، قال: فيقولان: لا دريت قال: وذلك قول الله ويضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء. وقوله: ويفعل الله ما يشاء يعني تعالى ذكره بذلك: وبيد الله الهداية والاضلال، فلا تنكروا أيها الناس قدرته ولا اهتداء من كان منكم ضالا ولا ضلال من كان منكم مهتديا، فإن بيده تصريف خلقه وتقليب قلوبهم، يفعل فيها ما يشاء. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 287 ]
(ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ئ جهنم يصلونها وبئس القرار) يقول تعالى ذكره: ألم تنظر يا محمد إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا يقول: غيروا ما أنعم الله به عليهم من نعمه، فجعلوها كفرا به. وكان تبديلهم نعمة الله كفرا في نبي الله محمد (ص)، أنعم الله به على قريش، فأخرجه منهم وابتعثه فيهم رسولا، رحمة لهم و نعمة منه عليهم، فكفروا به، وكذبوه، فبدلوا نعمة الله به كفرا. وقوله: وأحلوا قومهم دار البوار يقول: وأنزلوا قومهم من مشركي قريش دار البوار، و هي دار الهلاك، يقال منه: بار الشئ يبور بورا: إذا هلك وبطل ومنه قول ابن الزبعري، وقد قيل إنه لابي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب: يا رسول المليك إن لساني * راتق ما فتقت إذ أنا بور ثم ترجم عن دار البوار وما هي، فقيل: جهنم يصلونها وبئس القرار يقول: وبئس المستقر هي جهنم لمن صلاها. وقيل: إن الذين بدلوا نعمة الله كفرا: بنو أمية، وبنو مخزوم. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار وأحمد بن إسحاق، قالا: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن علي بن زيد، عن يوسف بن سعد، عن عمر بن الخطاب، في قوله: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم قال: هما الافجران من قريش: بنو المغيرة، وبنو أمية فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: أخبرنا حمزة الزيات، عن عمرو بن مرة، قال: قال ابن عباس لعمر رضي الله عنهما: يا أمير المؤمنين، هذه
[ 288 ]
الآية: الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ؟ قال: هم الافجران من قريش أخوالي و أعمامك، فأما أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر، وأما أعمامك فأملى الله لهم إلى حين. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي مر، عن علي: وأحلوا قومهم دار البوار قال: الافجران من قريش. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي مر، عن علي، مثله. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان وشريك، عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي مر، عن علي، قوله: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار قال: بنو المغيرة وبنو أمية فأما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم يوم بدر وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت عمرا ذا مر، قال: سمعت عليا يقول في هذه الآية: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار قال: الافجران من بني أسد وبني مخزوم. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن القاسم بن أبي بزة، عن أبي الطفيل، عن علي، قال: هم كفار قريش. يعني في قوله: وأحلوا قومهم دار البوار جهنم. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن القاسم بن أبي بزة، عن أبي الطفيل أنه سمع علي بن أبي طالب، وسأله ابن الكواء عن هذه الآية: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار قال: هم كفار قريش يوم بدر. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم، عن شعبة، عن القاسم بن أبي بزة، قال: سمعت أبا الطفيل، قال: سمعت عليا، فذكر نحوه.
[ 289 ]
حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن مسلم البطين، عن أبي أرطأة، عن علي في قوله: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال: هم كفار قريش. هكذا قال أبو السائب مسلم البطين عن أبي أرطأة. حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: ثنا أبو معاوية الضرير، قال: ثنا إسماعيل بن سميع، عن مسلم بن أرطأة، عن علي، في قوله تعالى: الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال: كفار قريش. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يعقوب بن إسحاق، قال: ثنا شعبة، عن القاسم بن أبي بزة، عن أبي الطفيل، عن علي، قال في قول الله: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار قال: هم كفار قريش. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا شعبة، عن القاسم بن أبي بزة، قال: سمعت أبا الطفيل يحدث، قال: سمعت عليا يقول في هذه الآية: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار قال: كفار قريش يوم بدر. حدثنا الحسن، قال: ثنا الفضل بن دكين، قال: ثنا بسام الصيرفي، قال: ثنا أبو الطفيل عامر بن واثلة، ذكر أن عليا قام على المنبر فقال: سلوني قبل أن لا تسألوني، ولن تسألوا بعدي مثلي فقام ابن الكواء فقال: من الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ؟ قال: منافقو قريش. حدثنا الحسن، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا بسام، عن رجل قد سماه الطنافسي، قال: جاء رجل إلى علي، فقال: يا أمير المؤمنين: من الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ؟ قال: في قريش. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا بسام الصيرفي، عن أبي الطفيل، عن علي أنه سئل عن هذه الآية: الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال: منافقو قريش. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان، قال: ثنا حماد، قال: ثنا عمرو بن دينار، أن ابن عباس قال في قوله: وأحلوا قومهم دار البوار قال: هم المشركون من أهل بدر. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الجبار، قال: ثنا سفيان، عن
[ 290 ]
عمرو، قال: سمعت عطاء يقول: سمعت ابن عباس يقول: هم والله أهل مكة الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا صالح بن عمر، عن مطرف بن طريف، عن أبي إسحاق قال: سمعت عمرا ذا مر يقول: سمعت عليا يقول على المنبر، وتلا هذه الآية: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار. قال: هما الافجران من قريش فأما أحدهما فقطع الله دابرهم يوم بدر وأما الآخر فمتعوا إلى حين. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء وحدثنا الحسن، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: بدلوا نعمة الله كفرا قال: كفار قريش. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبد الوهاب، عن مجاهد، قال: كفار قريش. حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: بدلوا نعمة الله كفرا كفار قريش. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، قال: سمعت ابن عباس يقول: هم والله الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار قريش. أو قال: أهل مكة. حدثنا ابن وكيع وابن بشار، قالا: ثنا غندر، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية: الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار قال: قتلى يوم بدر. حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر،
[ 291 ]
عن سعيد بن جبير: الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار قال: هم كفار قريش. حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى، قالا: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا هشيم، عن حصين، عن أبي مالك وسعيد بن جبير، قالا: هم قتلى بدر من المشركين. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس في: الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار قال: هم والله أهل مكة. قال: أبو كريب: قال سفيان: يعني كفارهم. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، في قوله: وأحلوا قومهم دار البوار قال: هم المشركون من أهل بدر. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق، عن بعض أصحاب علي، عن علي، في قوله: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال: هم الافجران من قريش من بني مخزوم وبني أمية أما بنو مخزوم فإن الله قطع دابرهم يوم بدر وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين. حدثني المثنى، قال: ثنا معلى بن أسد، قال: أخبرنا خالد، عن حصين، عن أبي مالك، في قول الله: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال: هم القادة من المشركين يوم بدر. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن حصين، عن أبي مالك وسعيد بن جبير، قالا: هم كفار قريش من قتل ببدر. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، قال: هم كفار قريش، من قتل ببدر. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك، يقول في قوله: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا... الآية، قال: هم مشركو أهل مكة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: أخبرني محمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: نزلت هذه الآية في الذين قتلوا من قريش: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار... الآية.
[ 292 ]
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار كنا نحدث أنهم أهل مكة: أبو جهل وأصحابه الذين قتلهم الله يوم بدر، قال الله: جهنم يصلونها وبئس القرار. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: وأحلوا قومهم دار البوار قال: هم قادة المشركين يوم بدر، أحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها. حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار قال: هؤلاء المشركون من أهل بدر. وقال آخرون في ذلك، بما: حدثني به محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن ابن عباس، قوله: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها فهو جبلة بن الايهم، والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: وأحلوا قومهم دار البوار قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: وأحلوا قومهم دار البوار قال: أحلوا من أطاعهم من قومهم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن ابن عباس: دار البوار قال: الهلاك. قال ابن جريج، قال مجاهد: وأحلوا قومهم دار البوار قال: أصحاب بدر. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: دار البوار النار. قال: وقد بين الله ذلك وأخبرك به، فقال: جهنم يصلونها وبئس القرار. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: دار البوار جهنم يصلونها هي دارهم في الآخرة. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 293 ]
(وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار) يقول تعالى ذكره: وجعل هؤلاء الذين بدلوا نعمة الله كفرا لربهم أندادا، وهي جماع ند، وقد بينت معنى الند فيما مضى بشواهده بما أغنى عن إعادته، وإنما أراد أنهم جعلوا لله شركاء كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: قوله: وجعلوا لله أندادا والانداد: الشركاء. وقوله: ليضلوا عن سبيله اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفيين: ليضلوا بمعنى: كي يضلوا الناس عن سبيل الله بما فعلوا من ذلك. وقرأته عامة قراء أهل البصرة: ليضلوا بمعنى: كي يضل جاعلو الانداد لله عن سبيل الله. وقوله: قل تمتعوا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهم: تمتعوا في الحياة الدنيا وعيدا من الله لهم لا إباحة لهم التمتع بها ولا أمرا على وجه العبادة، ولكن توبيخا وتهددا ووعيدا، وقد بين ذلك بقوله: فإن مصيركم إلى النار يقول: استمتعوا في الحياة الدنيا، فإنها سريعة الزوال عنكم، وإلى النار تصيرون عن قريب، فتعلمون هنالك غب تمتعكم في الدنيا بمعاصي الله وكفركم فيها به. القول في تأويل قوله تعالى: (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لعبادي الذين آمنوا بك وصدقوا أن ما جئتهم به من عندي يقيموا الصلاة يقول: قل لهم: فليقيموا الصلوات الخمس المفروضة عليهم بحدودها، ولينفقوا مما رزقناهم فخولناهم من فضلنا سرا وعلانية، فليؤدوا ما أوجبت عليهم من الحقوق فيها سرا وإعلانا. من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه يقول: لا يقبل فيه فدية وعوض من نفس وجب عليها عقاب الله بما كان منها من
[ 294 ]
معصية ربها في الدنيا، فيقبل منها الفدية، وتترك فلا تعاقب. فسمى الله جل ثناؤه الفدية عوضا، إذ كان أخذ عوض من معتاض منه. وقوله: ولا خلال يقول: وليس هناك مخالة خليل، فيصفح عمن استوجب العقوبة عن العقاب لمخالته، بل هنالك العدل والقسط، فالخلال مصدر من قول القائل: خاللت فلانا فأنا أخاله مخالة وخلالا ومنه قول امرئ القيس: صرفت الهوى عنهن من خشية الردى * ولست بمقلي الخلال ولا قالي وجزم قوله: يقيموا الصلاة بتأويل الجزاء ومعناه الامر، يراد: قل لهم ليقيموا الصلاة. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: قل لعبادي الذين أمنوا يقيموا الصلاة يعني الصلوات الخمس. وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية: يقول: زكاة أموالهم. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، في قوله: من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال قال قتادة: إن الله تبارك وتعالى قد علم أن في الدنيا بيوعا وخلالا يتخالون بها في الدنيا، فينظر رجل من يخالل وعلام يصاحب، فإن كان لله فليداوم، وإن كان لغير الله فإنها ستنقطع. القول في تأويل قوله تعالى: (الله الذي خلق السماوات والارض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الانهار) يقول تعالى ذكره: الله الذي أنشأ السموات والارض من غير شئ أيها الناس، وأنزل من السماء غيثا أحيا به الشجر والزرع، فأثمرت رزقا لكم تأكلونه، وسخر لكم الفلك
[ 295 ]
وهي السفن لتجري في البحر بأمره لكم تركبونها، وتحملون فيها أمتعتكم من بلد إلى بلد وسخر لكم الانهار ماؤها شراب لكم، يقول تعالى ذكره: الذي يستحق عليكم العبادة وإخلاص الطاعة له، من هذه صفته، لا من لا يقدر على ضر ولا نفع لنفسه ولا لغيره من أوثانكم أيها المشركون وآلهتكم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال ثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد، يعني الزعفراني، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وسخر لكم الانهار قال: بكل بلدة. القول في تأويل قوله تعالى: (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار) يقول تعالى ذكره: الله الذي خلق السموات والارض وفعل الافعال التي وصف. وسخر لكم الشمس والقمر يتعاقبان عليكم أيها الناس بالليل والنهار لصلاح أنفسكم ومعاشكم. دائبين في اختلافهما عليكم. وقيل: معناه: أنهما دائبان في طاعة الله. حدثنا خلف بن واصل، عن رجل، عن مقاتل بن حيان، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: وسخر لكم الشمس والقمر دائبين قال: دؤوبهما في طاعة الله. وقوله: وسخر لكم الليل والنهار يختلفان عليكم باعتقاب، إذا ذهب هذا جاء هذا بمنافعكم وصلاح أسبابكم، فهذا لكم لتصرفكم فيه لمعاشكم، وهذا لكم للسكن تسكنون فيه، ورحمة منه بكم. القول في تأويل قوله تعالى: (وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الانسان لظلوم كفار) يقول تعالى ذكره: وأعطاكم مع إنعامه عليكم بما أنعم به عليكم من تسخير هذه الاشياء التي سخرها لكم والرزق الذي رزقكم من نبات الارض وغروسها من كل شئ سألتموه ورغبتم إليه شيئا. وحذف الشئ الثاني اكتفاء ب‍ " ما " التي أضيفت إليها كل وإنما جاز حذفه، لان من تبعض ما بعدها، فكفت بدلالتها على التبعيض من المفعول،
[ 296 ]
فلذلك جاز حذفه، ومثله قوله تعالى: وأوتيت من كل شئ يعني به: وأوتيت من كل شئ في زمانها شيئا. وقد قيل: إن ذلك إنما قيل على التكثير، نحو قول القائل: فلان يعلم كل شئ، وأتاه كل الناس، وهو يعني بعضهم، وكذلك قوله: فتحنا عليهم أبواب كل شئ. وقيل أيضا: إنه ليس شئ إلا وقد سأله بعض الناس، فقيل: وآتاكم من كل ما سألتموه أي قد آتى بعضكم منه شيئا، وآتى آخر شيئا مما قد سأله. وهذا قول بعض نحويى أهل البصرة. وكان بعض نحويي أهل الكوفة يقول: معناه: وأتاكم من كل ما سألتموه لو سألتموه، كأنه قيل: وآتاكم من كل سؤلكم وقال: ألا ترى أنك تقول للرجل لم يسألك شيئا: والله لاعطينك سؤلك ما بلغت مسألتك وإن لم يسأل ؟ فأما أهل التأويل، فإنهم اختلفوا في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: وآتاكم من كل ما رغبتم إليه فيه. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء وحدثني الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: من كل ما سألتموه ورغبتم إليه فيه. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وحدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وحدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: وآتاكم من كل ما سألتموه قال: من كل الذي سألتموه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وآتاكم من كل الذي سألتموه والذي لم تسألوه. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا خلف، يعني ابن هشام، قال: ثنا
[ 297 ]
محبوب، عن داود بن أبي هند، عن ركانة بن هاشم: من كل ما سألتموه وقال: ما سألتموه وما لم تسألوه. وقرأ ذلك آخرون: وآتاكم مل كل ما سألتموه بتنوين كل وترك إضافتها إلى ما بمعنى: وآتاكم من كل شئ لم تسألوه ولم تطلبوه منه. وذلك أن العباد لم يسألوه الشمس والقمر والليل والنهار، وخلق ذلك لهم من غير أن يسألوه. ذكر من قال ذلك: حدثني أبو حصين، عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا بزيع، عن الضحاك بن مزاحم في هذه الآية: وآتاكم من كل ما سألتموه قال: ما لم تسألوه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد، عن الضحاك أنه كان يقرأ: من كل ما سألتموه ويفسره: أعطاكم أشياء ما سألتموها ولم تلتمسوها، ولكن أعطيتكم برحمتي وسعتي. قال الضحاك: فكم من شئ أعطانا الله ما سألنا ولا طلبناه. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وآتاكم من كل ما سألتموه يقول: أعطاكم أشياء ما طلبتموها ولا سألتموها، صدق الله كم من شئ أعطاناه الله ما سألناه إياه ولا خطر لنا على بال. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وآتاكم من كل ما سألتموه قال: لم تسألوه من كل الذي آتاكم. والصواب من القول في ذلك عندنا، القراءة التي عليها قراء الامصار، وذلك إضافة كل إلى ما بمعنى: وآتاكم من سؤلكم شيئا، على ما قد بينا قبل، لاجماع الحجة من القراء عليها ورفضهم القراءة الاخرى. القول في تأويل قوله تعالى: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الانسان لظلوم كفار. يقول تعالى ذكره: وإن تعدوا أيها الناس نعمة الله التي أنعمها عليكم لا تطيقوا إحصاء عددها والقيام بشكرها إلا بعون الله لكم عليها. إن الانسان لظلوم كفار يقول: إن الانسان الذي بدل نعمة الله كفرا لظلوم: يقول: لشاكر غير من أنعم عليه، فهو بذلك من فعله واضع الشكر في غير موضعه وذلك أن الله هو الذي أنعم عليه بما أنعم واستحق عليه
[ 298 ]
إخلاص العبادة له، فعبد غيره وجعل له أندادا ليضل عن سبيله، وذلك هو ظلمه. وقوله: كفار يقول: هو جحود نعمة الله التي أنعم بها عليه لصرفه العبادة إلى غير من أنعم عليه، وتركه طاعة من أنعم عليه. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا مسعر، عن سعد بن إبراهيم، عن طلق بن حبيب، قال: إن حق الله أثقل من أن تقوم به العباد، وإن نعم الله أكثر من أن تحصيها العباد ولكن أصبحوا توابين وأمسوا توابين. القول في تأويل قوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الاصنام ئ رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمد إذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا يعني الحرم، بلدا آمنا أهله وسكانه. واجنبني وبني أن نعبد الاصنام يقال منه: جنبته الشر فأنا أجنبه جنبا وجنبته الشر، فأنا أجنبه تجنيبا، وأجنبته ذلك فأنا أجنبه إجنابا. ومن جنبت قول الشاعر: وتنفض مهده شفقا عليه * وتجنبه قلا يصعي الصعابا ومعنى ذلك: أبعدني وبني من عبادة الاصنام، والاصنام: جمع صنم، والصنم: هو التمثال المصور، كما قال رؤبة بن العجاج في صفة امرأة: وهنانة كالزون يجلى صنمه * تضحك عن أشنب عذب ملثمه
[ 299 ]
وكذلك كان مجاهد يقول: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الاصنام قال: فاستجاب الله لابراهيم دعوته في ولده، قال: فلم يعبد أحد من ولده صنما بعد دعوته. والصنم: التمثال المصور، ما لم يكن صنما فهو وثن. قال: واستجاب الله له، وجعل هذا البلد آمنا، ورزق أهله من الثمرات، وجعله إماما، وجعل من ذريته من يقيم الصلاة، وتقبل دعاءه، فأراه مناسكه، وتاب عليه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، قال: كان إبراهيم التيمي يقص ويقول في قصصه: من يأمن من البلاء بعد خليل الله إبراهيم، حين يقول: رب اجنبني وبني أن نعبد الاصنام ؟ وقوله: رب إنهن أضللن كثيرا من الناس يقول: يا رب إن الاصنام أضللن: يقول: أزلن كثيرا من الناس عن طريق الهدى وسبيل الحق حتى عبدوهن، وكفروا بك. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنهن أضللن كثيرا من الناس يعني الاوثان. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة: إنهن أضللن كثيرا من الناس قال: الاصنام. وقوله: فمن تبعني فإنه مني يقول: فمن تبعني على ما أنا عليه من الايمان بك وإخلاص العبادة لك وفراق عبادة الاوثان، فإنه مني: يقول: فإنه مستن بسنتي، وعامل بمثل عملي. ومن عصاني فإنك غفور رحيم يقول: ومن خالف أمري فلم يقبل مني ما دعوته إليه، وأشرك بك، فإنه غفور لذنوب المذنبين الخطائين بفضلك، رحيم بعبادك تعفو عمن تشاء منهم. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم اسمعوا إلى قول خليل الله إبراهيم، لا والله ما كانوا طعانين ولا لعانين وكان يقال: إن من أشر عباد الله كل طعان لعان، قال نبي الله
[ 300 ]
ابن مريم عليه السلام: إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم. حدثني المثنى، قال: ثنا أصبغ بن الفرج، قال: أخبرني ابن وهب، قال: ثنا عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة، حدثه عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله (ص) تلا قول إبراهيم: رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم، وقال عيسى: إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فرفع يديه ثم قال: اللهم أمتي، اللهم أمتي وبكى. فقال الله تعالى: يا جبرئيل اذهب إلى محمد وربك أعلم فاسأله ما يبكيه ؟ فأتاه جبرئيل فسأله، فأخبره رسول الله (ص) ما قال. قال: فقال الله: يا جبرئيل اذهب إلى محمد وقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك. القول في تأويل قوله تعالى: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) وقال إبراهيم خليل الرحمن هذا القول حين أسكن إسماعيل وأمه هاجر فيما ذكر مكة. كما: حدثني يعقوب بن إبراهيم و الحسن بن محمد قالا: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، كما قال: نبئت عن سعيد بن جبير، أنه حدث عن ابن عباس، قال: إن أول من سعى بين الصفا و المروة لام إسماعيل وإن أول ما أحدث نساء العرب جر الذيول لمن أم إسماعيل. قال: لما فرت من سارة، أرخت من ذيلها لتعفي أثرها، فجاء بها إبراهيم و معها إسماعيل حتى انتهى بهما إلى موضع البيت، فوضعهما ثم رجع، فاتبعته، فقالت: إلى أي شئ تكلنا ؟ إلى طعام تكلنا ؟ إلى شراب تكلنا ؟ فجعل لا يرد عليها شيئا، فقالت: آلله أمرك بهدا ؟ قال نعم، قالت: إذن لا يضيعنا. قال: فرجعت ومضى حتى إذا استوى
[ 301 ]
على ثنية كداء، أقبل على الوادي فدعا، فقال: رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون قال: ومع الانسانة شنة فيها ماء، فنفد الماء فعطشت وانقطع لبنها، فعطش الصبي، فنظرت أي الجبال أدنى من الارض، فصعدت بالصفا، فتسمعت هل تسمع صوتا أو ترى أنيسا فلم تسمع، فانحدرت، فلما أتت على الوادي سعت وما تريد السعي، كالانسان المجهود الذي يسعى وما يريد السعي، فنظرت أي الجبال أدنى من الارض، فصعدت المروة فتسمعت هل تسمع صوتا، أو ترى أنيسا فسمعت صوتا، فقالت كالانسان الذي يكذب سمعه: صه حتى استيقنت، فقالت: قد أسمعتني صوتك فأغثني، فقد هلكت وهلك من معي فجاء الملك فجاء بها حتى انتهى بها إلى موضع زمزم، فضرب بقدمه ففارت عينا، فعجلت الانسانة فجعلت في شنتها، فقال رسول الله (ص): رحم الله أم إسماعيل لولا أنها عجلت لكانت زمزم عينا معينا. وقال لها الملك: لا تخافي الظمأ على أهل هذا البلد، فإنما هي عين لشرب ضيفان الله. وقال: إن أبا هذا الغلام سيجئ، فيبنيان لله بيتا هذا موضعه. قال: ومرت رفقة من جرهم تريد الشام، فرأوا الطير على الجبل، فقالوا: إن هذا الطير لعائف على ماء، فهل علمتم بهذا الوادي من ماء ؟ فقالوا: لا. فأشرفوا فإذا هم بالانسانة، فأتوها فطلبوا إليها أن ينزلوا معها، فأذنت لهم. قال: وأتى عليها ما يأتي على هؤلاء الناس من الموت، فماتت، وتزوج إسماعيل امرأة منهم، فجاء إبراهيم فسأل عن منزل إسماعيل حتى دل عليه، فلم يجده، ووجد امرأة له فظة غليظة، فقال لها: إذا جاء زوجك فقولي له: جاء ههنا شيخ من صفته كذا وكذا، وإنه يقول لك: إني لا أرضى لك عتبة بابك فحولها وانطلق فلما جاء إسماعيل أخبرته، فقال: ذاك أبي وأنت عتبة بابي، فطلقها وتزوج امرأة أخرى منهم. وجاء إبراهيم حتى انتهى إلى منزل إسماعيل، فلم يجده، ووجد امرأة له سهلة طليقة، فقال لها: أين انطلق زوجك ؟ فقالت: انطلق إلى الصيد، قال: فما طعامكم ؟ قالت: اللحم والماء، قال: اللهم بارك لهم في لحمهم ومائهم اللهم بارك لهم في لحمهم ومائهم ثلاثا. وقال لها: إذا جاء زوجك فأخبريه،
[ 302 ]
قولي: جاء ههنا شيخ من صفته كذا وكذا، وإنه يقول لك: قد رضيت لك عتبة بابك، فأثبتها فلما جاء إسماعيل أخبرته. قال: ثم جاء الثالثة، فرفعا القواعد من البيت. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثني يحيى بن عباد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جاء نبي الله إبراهيم بإسماعيل وهاجر، فوضعهما بمكة في موضع زمزم فلما مضى نادته هاجر: يا إبراهيم إنما أسألك ثلاث مرات: من أمرك أن تضعني بأرض ليس فيها ضرع ولا زرع ولا أنيس ولا زاد ولا ماء ؟ قال: ربي أمرني، قالت: فإنه لن يضيعنا. قال: فلما قفا إبراهيم قال: ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن يعني من الحزن وما يخفى على الله من شئ في الارض ولا في السماء. فلما ظمئ إسماعيل جعل يدحض الارض بعقبه، فذهبت هاجر حتى علت الصفا، والوادي يومئذ لاخ يعني عميق فصعدت الصفا، فأشرفت لتنظر هل ترى شيئا فلم تر شيئا، فانحدرت فبلغت الوادي، فسعت فيه حتى خرجت منه، فأتت المروة، فصعدت فاستشرفت هل تر شيئا، فلم تر شيئا. ففعلت ذلك سبع مرات، ثم جاءت من المروة إلى إسماعيل، وهو يدحض الارض بقعبه، وقد نبعت العين وهي زمزم. فجعلت تفحص الارض بيدها عن الماء، فكلما اجتمع ماء أخذته بقدحها، وأفرغته في سقائها. قال: فقال النبي (ص): يرحمها الله لو تركتها لكانت عينا سائحة تجري إلى يوم القيامة. قال: وكانت جرهم يومئذ بواد قريب من مكة قال: ولزمت الطير الوادي حين رأت الماء فلما رأت جرهم الطير لزمت الوادي، قالوا: ما لزمته إلا وفيه ماء، فجاءوا إلى هاجر، فقالوا: إن شئت كنا معك وآنسناك والماء ماؤك، قالت: نعم. فكانوا معها حتى شب إسماعيل، وماتت هاجر فتزوج إسماعيل امرأة منهم قال: فاستأذن إبراهيم سارة أن يأتي، هاجر، فأذنت له وشرطت عليه أن لا ينزل، فقدم إبراهيم وقد ماتت هاجر، فذهب إلى بيت إسماعيل، فقال لامرأته: أين صاحبك ؟ قالت: ليس ههنا ذهب يتصيد، وكان
[ 303 ]
إسماعيل يخرج من الحرم فيتصيد ثم يرجع، فقال إبراهيم: هل عندك ضيافة، هل عندك طعام أو شراب ؟ قالت: ليس عندي، وما عندي أحد. فقال إبراهيم: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولي له: فليغير عتبة بابه وذهب إبراهيم، وجاء إسماعيل، فوجد ريح أبيه، فقال لامرأته: هل جاءك أحد ؟ فقالت: جاءني شيخ كذا وكذا، كالمستخفة بشأنه، قال: فما قال لك ؟ قالت: قال لي: أقرئي زوجك السلام وقولي له: فليغير عتبة بابه، فطلقها وتزوج أخرى. فلبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث، ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيل، فأذنت له، وشرطت عليه أن لا ينزل، فجاء إبراهيم حتى انتهى إلى باب إسماعيل، فقال لامرأته: أين صاحبك ؟ قالت: ذهب يصيد، وهو يجئ الآن إن شاء الله، فانزل يرحمك الله قال لها: هل عندك ضيافة ؟ قالت: نعم، قال: هل عندك خبز أو بر أو تمر أو شعير ؟ قالت: لا. فجاءت باللبن واللحم، فدعا لهما بالبركة، فلو جاءت يومئذ بخبز أو بر أو شعير أو تمر لكانت أكثر أرض الله برا وشعيرا وتمرا، فقالت له: انزل حتى أغسل رأسك فلم ينزل، فجاءته بالمقام فوضعته عن شقه الايمن، فوضع قدمه عليه، فبقي أثر قدمه عليه، فغسلت شق رأسه الايمن، ثم حولت المقام إلى شقه الايسر فغسلت شقه الايسر، فقال لها: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام، وقولي له: قد استقامت عتبة بابك فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه، فقال لامرأته: هل جاءك أحد ؟ فقالت: نعم، شيخ أحسن الناس وجها وأطيبه ريحا، فقال لي كذا وكذا، وقلت له كذا وكذا، وغسلت رأسه، وهذا موضع قدمه على المقام. قال: وما قال لك ؟ قالت: قال لي: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولي له: قد استقامت عتبة بابك، قال: ذاك إبراهيم، فلبث ما شاء الله أن يلبث، وأمره الله ببناء البيت، فبناه هو وإسماعيل فلما بنياه قيل: أذن في الناس بالحج فجعل لا يمر بقوم إلا قال: أيها الناس إنه قد بني لكم بيت فحجوه، فجعل لا يسمعه أحد، صخرة ولا شجرة ولا شئ، إلا قال: لبيك اللهم لبيك. قال: وكان بين قوله: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم وبين قوله: الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق كذا وكذا عاما، لم يحفظ عطاء. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم وإنه بيت طهره الله من السوء، وجعله قبلة، وجعله حرمه، اختاره نبي الله إبراهيم لولده.
[ 304 ]
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: غير ذي زرع قال: مكة لم يكن بها زرع يومئذ. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن كثير، قال القاسم في حديثه: قال: أخبرني عمرو بن كثير قال أبو جعفر: فغيرته أنا فجعلته: قال أخبرني ابن كثير، وأسقطت عمرا، لاني لا أعرف إنسانا يقال له عمرو بن كثير حدث عنه ابن جريج، وقد حدث به معمر عن كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة، وأخشى أن يكون حديث ابن جريج أيضا عن كثير بن كثير، قال: كنت أنا وعثمان بن أبي سليمان في أناس مع سعيد بن جبير ليلا، فقال سعيد بن جبير للقوم: سلوني قبل ألا تسألوني فسأله القوم فأكثروا، وكان فيما سئل عنه أن قيل له: أحق ما سمعنا في المقام ؟ فقال سعيد: ماذا سمعتم ؟ قالوا: سمعنا أن إبراهيم رسول الله حين جاء من الشام، كان حلف لامرأته أن لا ينزل مكة حتى يرجع، فقرب له المقام، فنزل عليه. فقال سعيد: ليس كذاك: حدثنا ابن عباس، ولكنه حدثنا حين كان بين أم إسماعيل وسارة ما كان أقبل بإسماعيل، ثم ذكر مثل حديث أيوب غير أنه زاد في حديثه، قال: قال أبو القاسم (ص): ولذلك طاف الناس بين الصفا والمروة. ثم حدث وقال: قال أبو القاسم (ص): طلبوا النزول معها وقد أحبت أم إسماعيل الانس، فنزلوا وبعثوا إلى أهلهم فقدموا، وطعامهم الصيد، يخرجون من الحرم ويخرج إسماعيل معهم يتصيد فلما بلغ أنكحوه، وقد توفيت أمه قبل ذلك. قال: وقال رسول الله (ص): لما دعا لهما أن يبارك لهم في اللحم والماء، قال لها: هل من حب أو غيره من الطعام ؟ قالت: لا، ولو وجد يومئذ لها حبا لدعا لها بالبركة فيه. قال ابن عباس: ثم لبث ما شاء الله أن يلبث، ثم جاء فوجد إسماعيل قاعدا تحت دوحة إلى ناحية البئر يبرى نبلا له، فسلم عليه ونزل إليه، فقعد معه وقال: يا إسماعيل، إن الله قد أمرني بأمر. قال إسماعيل: فأطع ربك فيما أمرك قال إبراهيم: أمرني أن أبني له بيتا. قال إسماعيل: ابن قال ابن عباس: فأشار له إبراهيم إلى أكمة بين يديه مرتفعة على ما حولها يأتيها السيل من نواحيها، ولا يركبها. قال: فقاما يحفران عن القواعد يرفعانها ويقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا تقبل منا إنك سميع الدعاء. وإسماعيل يحمل الحجارة على رقبته، والشيخ إبراهيم يبني. فلما ارتفع البنيان وشق على الشيخ تناوله، قرب إليه إسماعيل هذا الحجر، فجعل يقوم
[ 305 ]
عليه ويبني، ويحوله في نواحي البيت حتى انتهى. يقول ابن عباس: فذلك مقام إبراهيم وقيامه عليه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شريك، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع قال: أسكن إسماعيل وأمه مكة. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع قال: حين وضع إسماعيل. قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذن: ربنا إني أسكنت بعض ولدي بواد غير ذي زرع. وفي قوله (ص) دليل على أنه لم يكن هنالك يومئذ ماء، لانه لو كان هنالك ماء لم يصفه بأنه غير ذي زرع عند بيتك الذي حرمته على جميع خلقك أن يستحلوه. وكان تحريمه إياه فيما ذكر كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قال في خطبته: إن هذا البيت أول من وليه أناس من طسم، فعصوا ربهم واستحلوا حرمته، واستخفوا بحقه، فأهلكهم الله. ثم وليهم أناس من جرهم فعصوا ربهم واستحلوا حرمته واستخفوا بحقه، فأهلكهم الله. ثم وليتموه معاشر قريش، فلا تعصوا ربه، ولا تستحلوا حرمته، ولا تستخفوا بحقه فوالله لصلاة فيه أحب إلي من مئة صلاة بغيره، واعلموا أن المعاصي فيه على نحو من ذلك. وقال: إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ولم يأت بما وقع عليه الفعل، وذلك أن حظ الكلام أن يقال: إني أسكنت من ذريتي جماعة، أو رجلا، أو قوما، وذلك غير جائز مع من لدلالتها على المراد من الكلام، والعرب تفعل ذلك معها كثيرا، فتقول: قتلنا من بني فلان، وطعمنا من الكلا، وشربنا من الماء ومنه قول الله تعالى: أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله.
[ 306 ]
فإن قال قائل: وكيف قال إبراهيم حين أسكن ابنه مكة إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم وقد رويت في الاخبار التي ذكرتها أن إبراهيم بنى البيت بعد ذلك بمدة ؟ قيل: قد قيل في ذلك أقوال قد ذكرتها في سورة البقرة، منها أن معناه: عند بيتك المحرم الذي كان قبل أن ترفعه من الارض حين رفعته أيام الطوفان، ومنها: عند بيتك المحرم الذي قد مضى في سابق علمك أنه يحدث في هذا البلد. وقوله المحرم على ما قاله قتادة معناه: المحرم من استحلال حرمات الله فيه، والاستخفاف بحقه. وقوله: ربنا ليقيموا الصلاة يقول: فعلت ذلك يا ربنا كي تؤدي فرائضك من الصلاة التي أوجبتها عليهم في بيتك المحرم. وقوله: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم يخبر بذلك تعالى ذكره عن خليله إبراهيم أنه سأله في دعائه أن يجعل قلوب بعض خلقه تنزع إلى مساكن ذريته الذين أسكنهم بواد غير ذي زرع عند بيته المحرم. وذلك منه دعاء لهم بأن يرزقهم حج بيته الحرام كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام بن سلم، عن عمرو بن أبي قيس، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: أفئدة من الناس تهوي إليهم ولو قال: أفئدة الناس تهوي إليهم لحجت اليهود والنصارى والمجوس، ولكنه قال: أفئدة من الناس تهوي إليهم فهم المسلمون. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم قال: لو كانت أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس والروم، ولكنه أفئدة من الناس. حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم قال: لو قال: أفئدة الناس تهوي إليهم، لازدحمت عليهم فارس والروم. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا علي، يعني بن الجعد، قال: أخبرنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، مثله. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال: سألت عكرمة عن هذه الآية: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم فقال: قلوبهم تهوي إلى البيت.
[ 307 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن الحكم، عن عكرمة وعطاء وطاوس: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم البيت تهوي إليه قلوبهم يأتونه. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يحيى بن عباد، قال: ثنا سعيد، عن الحكم، قال: سألت عطاء وطاوسا وعكرمة، عن قوله: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم قالوا: الحج. حدثنا الحسن، قال: ثنا شبابة وعلي بن الجعد، قالا: أخبرنا سعيد، عن الحكم، عن عطاء وطاوس وعكرمة في قوله: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم قال: هواهم إلى مكة أن يحجوا. حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال: سألت طاوسا وعكرمة وعطاء ابن أبي رباح، عن قوله: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم فقالوا: اجعل هواهم الحج. حدثنا الحسن، قال: ثنا يحيى بن عباد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لو كان إبراهيم قال: فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لحجه اليهود والنصارى والناس كلهم، ولكنه قال: أفئدة من الناس تهوي إليهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم قال: تنزع إليهم. حدثنا الحسن، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن قتادة، مثله. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله. وقال آخرون: إنما دعا لهم أن يهووا السكنى بمكة. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم قال: إن إبراهيم خليل الرحمن سأل الله أن يجعل أناسا من الناس يهوون سكنى أو سكن مكة. وقوله: وارزقهم من الثمرات يقول تعالى ذكره: وارزقهم من ثمرات النبات
[ 308 ]
والاشجار ما رزقت سكان الارياف والقرى التي هي ذوات المياه والانهار، وإن كنت أسكنتهم واديا غير ذي زرع ولا ماء. فرزقهم جل ثناؤه ذلك، كما: حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، قال: قرأت على محمد بن مسلم الطائفي أن إبراهيم لما دعا للحرم: وارزق أهله من الثمرات نقل الله الطائف من فلسطين. وقوله: لعلهم يشكرون يقول: ليشكروك على ما رزقتهم وتنعم به عليهم. القول في تأويل قوله تعالى: (ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شئ في الارض ولا في السماء) وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن استشهاد خليله إبراهيم إياه على ما نوى وقصد بدعائه وقيله رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الاصنام... الآية، وأنه إنما قصد بذلك رضا الله عنه في محبته أن يكون ولده من أهل الطاعة لله، وإخلاص العبادة له على مثل الذي هو له، فقال: ربنا إنك تعلم ما تخفي قلوبنا عند مسألتنا ما نسألك، وفي غير ذلك من أحوالنا، وما نعلن من دعائنا، فنجهر به وغير ذلك من أعمالنا، وما يخفى عليك يا ربنا من شئ يكون في الارض ولا في السماء لان ذلك كله ظاهر لك متجل باد، لانك مدبره وخالقه، فكيف يخفى عليك. القول في تأويل قوله تعالى: (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء) يقول: الحمد لله الذي رزقني على كبر من السن ولدا إسماعيل وإسحاق. إن ربي لسميع الدعاء يقول: إن ربي لسميع دعائي الذي أدعوه به، وقولي: اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الاصنام وغير ذلك من دعائي ودعاء غيري، وجميع ما نطق به ناطق لا يخفى عليه منه شئ. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن ضرار بن مرة، قال: سمعت
[ 309 ]
شيخا يحدث سعيد بن جبير، قال: بشر إبراهيم بعد سبع عشرة ومئة سنة. القول في تأويل قوله تعالى: (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء) يقول: رب اجعلني مؤديا ما ألزمتني من فريضتك التي فرضتها علي من الصلاة. ومن ذريتي يقول: واجعل أيضا من ذريتي مقيمي الصلاة لك. ربنا وتقبل دعاء يقول: ربنا وتقبل عملي الذي أعمله لك وعبادتي إياك. وهذا نظير الخبر الذي روي عن رسول الله (ص) أنه قال: إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين. القول في تأويل قوله تعالى: (ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) وهذا دعاء من إبراهيم صلوات الله عليه لوالديه بالمغفرة، واستغفار منه لهما. وقد أخبر الله عز ذكره أنه لم يكن استغفار إبراهيم لابيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه إن إبراهيم لاواه حليم. وقد بينا وقت تبرئه منه فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. وقوله: وللمؤمنين يقول: وللمؤمنين بك ممن تبعني على الدين الذي أنا عليه، فأطاعك في أمرك ونهيك. وقوله: يوم يقوم الحساب يعني: يقوم الناس للحساب فاكتفى بذكر الحساب من ذكر الناس، إذ كان مفهوما معناه. القول في تأويل قوله تعالى: (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار ئ مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء)
[ 310 ]
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ولا تحسبن الله يا محمد غافلا ساهيا عما يعمل هؤلاء المشركون من قومك، بل هو عالم بهم وبأعمالهم محصيها عليهم، ليجزيهم جزاءهم في الحين الذي قد سبق في علمه أنه يجزيهم فيه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا علي بن ثابت، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران في قوله: ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون قال: هي وعيد للظالم وتعزية للمظلوم. القول في تأويل قوله تعالى: إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء. يقول تعالى ذكره: إنما يؤخر ربك يا محمد هؤلاء الظالمين الذين يكذبونك ويجحدون نبوتك، ليوم تشخص فيه الابصار. يقول: إنما يؤخر عقابهم وإنزال العذاب بهم، إلى يوم تشخص فيه أبصار الخلق وذلك يوم القيامة، كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ليوم تشخص فيه الابصار شخصت فيه والله أبصارهم، فلا ترتد إليهم. وأما قوله: مهطعين فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه فقال بعضهم: معناه: مسرعين. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا هاشم بن القاسم، عن أبي سعيد المؤدب، عن سالم، عن سعيد بن جبير: مهطعين قال: النسلان، وهو الخبب أو ما دون الخبب، شك أبو سعيد يخبون وهم ينظرون. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: مهطعين قال: مسرعين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: مهطعين يقول: منطلقين عامدين إلى الداعي. وقال آخرون: معنى ذلك: مديمي النظر. ذكر من قال ذلك:
[ 311 ]
حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: مهطعين يعني بالاهطاع: النظر من غير أن يطرف. حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن سعيد بن مسروق، عن أبي الضحى: مهطعين قال: الاهطاع: التحميج الدائم الذي لا يطرف. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن مغيرة، عن أبي الخير بن تميم بن حذلم، عن أبيه، في قوله: مهطعين قال: الاهطاع: التحميج. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: مهطعين قال: شدة النظر الذي لا يطرف. حدثني المثنى، قال: أخبرنا عمرو، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: مهطعين قال: شدة النظر في غير طرف. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: مهطعين الاهطاع: شدة النظر في غير طرف. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: مهطعين قال: مديمي النظر. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. وقال آخرون: معنى ذلك: لا يرفع رأسه. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: مهطعين قال: المهطع الذي لا يرفع رأسه.
[ 312 ]
والاهطاع في كلام العرب بمعنى الاسراع أشهر منه بمعنى إدامة النظر، ومن الاهطاع بمعنى الاسراع، قول الشاعر: وبمهطع سرح كأن زمامه * في رأس جذع من أراك مشذب وقول الآخر: بمستهطع رسل كأن جديله * بقدوم رعن من صوام ممنع وقوله: مقنعي رؤوسهم يعني رافعي رؤوسهم. وإقناع الرأس: رفعه ومنه قول الشماخ: يباكرن العضاه بمقنعات * نواجذهن كالحدإ الوقيع
[ 313 ]
يعني: أنهن يباكرن العضاه برؤوسهن مرفوعات إليها لتتناول منها، ومنه أيضا قول الراجز: أنغض نحوي رأسه وأقنعا * كأنما أبصر شيئا أطمعا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: مقنعي رؤوسهم قال: الاقناع: رفع رؤوسهم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وقال الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: مقنعي رؤوسهم قال: رافعيها. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، عن أبي سعد، قال: قال الحسن: وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن عثمان بن الاسود، أنه سمع مجاهدا يقول في قوله: مهطعين مقنعي رؤوسهم قال: رافع رأسه هكذا، لا يرتد إليهم طرفهم. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: مقنعي رؤوسهم قال: رافعي رؤوسهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: مقنعي رؤوسهم قال: الاقناع رفع رؤوسهم.
[ 314 ]
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: مقنعي رؤوسهم قال: المقنع الذي يرفع رأسه شاخصا بصره لا يطرف. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: مقنعي رؤوسهم قال: رافعيها. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: مقنعي رؤوسهم قال: المقنع الذي يرفع رأسه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: مقنعي رؤوسهم قال: رافعي رؤوسهم. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا هاشم بن القاسم، عن أبي سعيد، عن سالم، عن سعيد: مقنعي رؤوسهم قال: رافعي رؤوسهم. وقوله: لا يرتد إليهم طرفهم يقول: لا ترجع إليهم لشدة النظر أبصارهم. كما: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء قال: شاخصة أبصارهم. وقوله: وأفئدتهم هواء اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: متخرقة لا تعي من الخير شيئا. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن مرة، في قوله: وأفئدتهم هواء قال: متخرقة لا تعي شيئا. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا مالك بن مغول، عن أبي إسحاق، عن مرة، بمثل ذلك. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مرة، مثله. حدثنا محمد بن عمارة، قال: ثنا سهل بن عامر، قال: ثنا مالك وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مرة، مثله.
[ 315 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن مرة: وأفئدتهم هواء قال: متخرقة لا تعي شيئا من الخير. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يحيى بن عباد، قال: ثنا مالك، يعني ابن مغول، قال: سمعت أبا إسحاق، عن مرة إلا أنه قال: لا تعي شيئا. ولم يقل من الخير. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مرة، مثله. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا مالك بن مغول، وإسرائيل عن أبي إسحاق، عن مرة: وأفئدتهم هواء قال أحدهما: خربة، وقال الآخر: متخرقة لا تعي شيئا. حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وأفئدتهم هواء قال: ليس فيها شئ من الخير فهي كالخربة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: ليس من الخير شئ في أفئدتهم، كقولك للبيت الذي ليس فيه شئ إنما هو هواء. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد في قوله: وأفئدتهم هواء قال: الافئدة: القلوب هواء كما قال الله، ليس فيها عقل ولا منفعة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن أبي بكرة، عن أبي صالح: وأفئدتهم هواء قال: ليس فيها شئ من الخير. وقال آخرون: إنها لا تستقر في مكان تردد في أجوافهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع وأحمد بن إسحاق، قالا: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد: وأفئدتهم هواء قال: تمور في أجوافهم، ليس لها مكان تستقر فيه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا هاشم بن القاسم، عن أبي سعيد، عن سالم، عن سعيد بنحوه.
[ 316 ]
وقال آخرون: معنى ذلك: أنها خرجت من أماكنها فنشبت بالحلوق. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع وأحمد بن إسحاق، قالا: ثنا أبو أحمد الزبيري، عن إسرائيل، عن سعيد، عن مسروق عن أبي الضحى: وأفئدتهم هواء قال: قد بلغت حناجرهم. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: وأفئدتهم هواء قال: هواء ليس فيها شئ، خرجت من صدورهم فنشبت في حلوقهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأفئدتهم هواء انتزعت حتى صارت في حناجرهم لا تخرج من أفواههم، ولا تعود إلى أمكنتها. وأولى هذه الاقوال عندي بالصواب في تأويل ذلك قول من قال: معناه: أنها خالية ليس فيها شئ من الخير، ولا تعقل شيئا وذلك أن العرب تسمي كل أجوف خاو: هواء ومنه قول حسان بن ثابت: ألا أبلغ أبا سفيان عني * فأنت مجوف نخب هواء ومنه قول الآخر: ولا تك من أخدان كل يراعة * هواء كسقب البان جوف مكاسره
[ 317 ]
القول في تأويل قوله تعالى: (وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال) يقول تعالى ذكره: وأنذر يا محمد الناس الذين أرسلتك إليهم داعيا إلى الاسلام ما هو نازل بهم، يوم يأتيهم عذاب الله في القيامة. فيقول الذين ظلموا يقول: فيقول الذين كفروا بربهم، فظلموا بذلك أنفسهم: ربنا أخرنا: أي أخر عنا عذابك، وأمهلنا إلى أجل قريب نجب دعوتك الحق، فنؤمن بك، ولا نشرك بك شيئا ونتبع الرسل يقولون: ونصدق رسلك فنتبعهم على ما دعوتنا إليه من طاعتك واتباع أمرك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب قال: يوم القيامة فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب قال: مدة يعملون فيها من الدنيا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب يقول: أنذرهم في الدنيا قبل أن يأتيهم العذاب. وقوله: فيقول الذين ظلموا رفع عطفا على قوله: يأتيهم في قوله: يأتيهم العذاب وليس بجواب للامر، ولو كان جوابا لقوله: وأنذر الناس جاز فيه الرفع والنصب. أما النصب فكما قال الشاعر: يا ناق سيري عنقا فسيحا * إلى سليمان فنستريحا
[ 318 ]
والرفع على الاستئناف. وذكر عن العلاء بن سيابة أنه كان ينكر النصب في جواب الامر بالفاء، قال الفراء: وكان العلاء هو الذي علم معاذا وأصحابه. القول في تأويل قوله تعالى: أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال. وهذا تقريع من الله تعالى ذكره للمشركين من قريش بعد أن دخلوا النار بإنكارهم في الدنيا البعث بعد الموت. يقول لهم إذ سألوه رفع العذاب عنهم وتأخيرهم لينيبوا ويتوبوا: أو لم تكونوا في الدنيا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال يقول: ما لكم من انتقال من الدنيا إلى الآخرة، وأنكم إنما تموتون، ثم لا تبعثون ؟ كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: أو لم تكونوا أقسمتم من قبل كقوله: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلي. ثم قال: ما لكم من زوال قال: الانتقال من الدنيا إلى الآخرة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا سلمة وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ما لكم من زوال قال: لا تموتون لقريش. حدثني القاسم، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الحكم، عن عمرو بن أبي ليلى أحد بني عامر، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: بلغني، أو ذكر لي، أن أهل النار ينادون: ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل فرد عليهم: أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم... إلى قوله: لتزول منه الجبال. القول في تأويل قوله تعالى: (وسكنتم في مسكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الامثال) يقول تعالى ذكره: وسكنتم في الدنيا في مساكن الذين كفروا بالله، فظلموا بذلك
[ 319 ]
أنفسهم من الامم التي كانت قبلكم. وتبين لكم كيف فعلنا بهم يقول: وعلمتم كيف أهلكناهم حين عتوا على ربهم وتمادوا في طغيانهم وكفرهم. وضربنا لكم الامثال يقول: ومثلنا لكم فيما كنتم عليه من الشرك بالله مقيمين الاشباه، فلم تنيبوا ولم تتوبوا من كفركم، فالآن تسألون التأخير للتوبة حين نزل بكم ما قد نزل بكم من العذاب، إن ذلك لغير كائن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم يقول: سكن الناس في مساكن قوم نوح وعاد وثمود، وقرون بين ذلك كثيرة ممن هلك من الامم. وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الامثال قد والله بعث رسله، وأنزل كتبه، ضرب لكم الامثال، فلا يصم فيها إلا أصم، ولا يخيب فيها إلا الخائب، فاعقلوا عن الله أمره. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم قال: سكنوا في قراهم مدين والحجر والقرى التي عذب الله أهلها، وتبين لكم كيف فعل الله بهم، وضرب لهم الامثال. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: الامثال قال: الاشباه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. القول في تأويل قوله تعالى: (وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) يقول تعالى ذكره: قد مكر هؤلاء الذين ظلموا انفسهم، فسكنتم من بعدهم في مساكنهم، مكرهم. وكان مكرهم الذي مكروا ما: حدثنا محمد بن بشار، قال يحيى، قال: سفيان، قال: ثنا أبو
[ 320 ]
إسحاق عن عبد الرحمن بن أبان (1) قال: سمعت عليا يقرأ: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) قال: كان ملك فره (2) أخذ فروخ النسور، فعلفها اللحم حتى شبت واستعلجت (3) واستغلظت، فقعد هو وصاحبه في التابوت وربطوا التابوت بأرجل النسور، وعلقوا اللحم فوق التابوت، فكانت كلما نظرت الى اللحم صعدت وصعدت، فقال لصاحبه: ما ترى ؟ قال: أرى الجبال مثل الدخان، قال: ما ترى ؟ قال: ما ارى شيئا، قال: ويحك صوب صوب ! قال: فذلك قوله: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال). 15815 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الحمن بن واصل (1)، عن علي بن أبي طالب، مثل حديث يحيى بن سعيد، وزاد فيه: وكان عبد الله بن مسعود يقرؤها (4): (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال). * - حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا محمد بن أبي عدي، عن شعبة، عن أبي إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن واصل (1) أن عليا قال في هذه الآية: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) قال: أخذ ذلك الذي حاج إبراهيم في ربه نسرين صغيرين فرباهما، ثم استغلظا واستعلجا وشبا، قال: فأوثق رجل كل واحد منه بوتد إلى تابوت، وجوعهما، وقعد هو ورجل آخر في التابوت، قال: ورفع في التابوت عصا على رأسه اللحم، قال: فطارا، وجعل يقول لصاحبه: انظر ماذا ترى ؟ قال: أرى كذا وكذا، حتى قال أرى الدنيا كأنها ذباب، فقال: صوب العصا ! فصوبها فهبطا. قال فهو قول الله تعالى: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) قال أبو إسحاق: وكذلك في قراءة عبد الله: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال). 15816 حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) مكر فارس. وزعم أن بختنصر خرج بنسور، وجعل له تابوتا يدخله، وجعل رماحا في أطرافها واللحم فوقها - أراه قال: فعلت
[ 321 ]
تذهب نحو اللحم - حتى انقطع بصره من الارض وأهلها، فنودي: أيها الطاغية أين تريد ؟ ففرق، ثم سمع الصوت فوقه، فصوب الرماح، فتصوبت (1) النسور، ففزعت الجبال من هدتها، وكادت الجبال أن تزول منه من حس ذلك قوله: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال). * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال مجاهد: (وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كاد مكرهم) كذا قرأها مجاهد: (كاد مكرهم لتزول منه الجبال) وقال: إن بعض من مضى جوع نسورا، ثم جعل عليها تابوتا فدخله، ثم جعل رماحا في اطرافها لحم، فجعلت ترى اللحم فتذهب، حتى انتهى بصره، فنودي: أيها الطاغية أين تريد ؟ فصوب الرماح، فتصوبت النسور، ففزعت الجبال، وظنت أن الساعة قد قامت، فكادت أن تزول، فذلك قوله تعالى: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال). قال ابن جريج: اخبرني عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن عمر بن الخطاب، أنه كان يقرأ: (وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال). حدثني هذا الحديث احمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم بن سلام، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، أنه كان يقرأ على نحو: (لتزول) بفتح اللام الاولى ورفع الثانية. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن دانيل (2): قال سمعت عليا يقول: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال). * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن دانيل (2)، قال: سمعت عليا يقول: (وإن كان مكرهم لتزول الحبال) قال: ثم أنشأ علي يحدث فقال: نزلت في جبار من الجبابرة قال: لا أنتهي حتى اعلم ما في السماء، ثم اتخذ نسورا فجعل يطعمها اللحم حتى غلظت واستعجلت واشتدت، وذكر مثل حديث شعبة.
[ 322 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو داود الحضرمي، عن يعقوب، عن حفص بن حميد أو جعفر، عن سعيد بن جبير: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) قال: نمرود صاحب النسور، أمر بتابوت فجعل وجعل معه رجلا، ثم أمر بالنسور فاحتمل، فلما صعد قال لصاحبه: أي شئ ترى ؟ قال: أرى الماء وجزيرة - يعني الدنيا - ثم صعد فقال لصاحبه: أي شئ ترى ؟ قال: ما نزداد من السماء إلا بعدا، قال: اهبط - وقال غيره: نودي - أيها الطاغية أين تريد ؟ قال: فسمعت الجبال حفيف النسور، فكانت ترى أنها أمر من السماء، فكادت تزول، فهو قوله: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال). حدثنا ابن وكيع، قال ثنا أبي، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، أن أنسا كان يقرأ: (وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال). وقال آخرون: كان مكرهم شركهم بالله وافتراءهم عليه لا ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: أبو صالح، قال ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال منه الجبال) يقول: شركهم، كقوله: (تكاد السموات يتفطرن منه) (1). حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) قال: هو كقوله: (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا) (2). حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (وإن كان مكرهم) ثم ذكر مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، أن الحسن كان يقول: كان أهون على الله وأصغر من أن تزول منه الجبال، يصفهم بذلك. قال قتادة وفي مصحف عبد الله بن مسعود: (وإن كاد مكرهم مكرهم لتزول منه الجبال)، وكان قتادة يقول عند ذلك: (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا) (1): أي لكلامهم
[ 323 ]
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) قال ذلك حين دعوا لله ولدا. وقال في آية أخرى: (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا). حدثت عن الحسين، قال سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) في حرف ابن مسعود: (وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال) هو مثل قوله: (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا) (2). واختلفت القراء في قراءة قوله: (لتزول منه الجبال) فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والمدينة و العراق ما خلا الكسائي: (وإن كان مكرهم لزول منه الجبال) بكسر اللام الأولى وفتح الثانية، بمعنى: وما كان مكرهم لتزول منه الجبال. وقرأه الكسائي: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) بفتح اللام الأولى ورفع الثانية على تأويل قراءة من قرأ ذلك: (وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال) من المتقدمين الذين ذكرت أقوالهم، بمعنى: اشتد مكرهم حتى زالت منه الجبال، أو كادت تزول منه. وكان الكسائي يحدث عن حمزة، عن شبل عن مجاهد، أنه كان يقرأ ذلك على مثل قراءته: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) برفع تزول. حدثني بذلك الحرث عن القاسم عنه. والصواب من القراءة عندنا، قراءة من قرأه: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) بكسر اللام الأولى وفتح الثانية، بمعنى: وما كان مكرهم لتزول منه الجبال. وإنما قلنا ذلك هو الصواب، لأن اللام الأولى إذا فتحت، فمعنى الكلام: وقد كان مكرهم تزول منه الجبال، ولو كانت زالت لم تكن ثابتة، وفي ثبوتها على حالتها ما يبين عن أنها لم تزل. وأخرى إجماع الحجة من القراء على ذلك، وفي ذلك كفاية عن الاستشهاد على صحتها وفساد غيرها بغيره.
[ 324 ]
فإن ظن ظان أن ذلك ليس بإجماع من الحجة إذ كان من الصحابة والتابعين من قرأ ذلك كذلك، فإن الامر بخلاف ما ظن في ذلك، وذلك أن الذين قرءوا ذلك بفتح اللام الأولى ورفع الثانية قرءوا: (وإن كاد مكرهم) بالدال وهي إذا قرئت كذلك، فالصحيح من القراءة مع: (وإن كاد) فتح اللام الأولى ورفع الثانية على ما قرءوا، وغير جائز عندنا، القراءة كذلك، لأن مصاحفنا بخلاف ذلك، وإنما خط مصاحفنا وإن كان بالنون لا بالدال. وإذ كانت كذلك، فغير جائز لأحد تغيير رسم مصاحف المسلمين، وإذا لم يجز ذلك لم يكن الصحاح من القراءة إلا ما عليه قراء الأمصار دون من شذ بقراءته عنهم. وبنحو ما قلنا في معنى: (وإن كان مكرهم) قال جماعة من أهل الأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) يقول: ما كان مكرهم لتزول منه الجبال. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: قال الحسن، في قوله: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) ماكان مكرهم لتزول منه الجبال. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن عوف، عن الحسن، قال: ماكان مكرهم لتزول منه الجبال. حدثني الحرث، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، عن يونس وعمرو، عن الحسن: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) قالا: وكان الحسن يقول: وإن كان مكرهم لأوهن وأضعف من أن تزول منه الجبال. قال: قال هارون: وأخبرني يونس، عن الحسن قال: أربع في القرآن: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال): ماكان مكرهم لتزول منه الجبال. وقوله: (لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين) (1): ما كنا فاعلين. وقوله: (إن كان للرحمن ولد فأنا
[ 325 ]
أول العابدين) (1): ما كان للرحمن ولد. وقوله: (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم) (2): ما مكناكم فيه. قال: هارون: وحدثني بهن عمرو بن أسباط، عن الحسن، وزاد فيهن واحدة: (فإن كنت في شك): ماكنت في شك (مما أنزلنا إليك) (3). فالاولى من القول بالصواب في تأويل الاية، إذ كانت القراءة التي ذكرت هي الصواب لما بينا من الدلالة في قوله: (وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) وقد أشرك الذين ظلموا أنفسهم بربهم وافتروا عليه فريتهم عليه، وعند الله علم شركهم به وافترائهم عليه، وهو معاقبهم على ذلك عقوبتهم التي هم أهلها، وما كان شركهم وفريتهم على الله لتزول منه الجبال، بل ما ضروا بذلك إلا أنفسهم، ولا عادت بغية مكروهة إلا عليهم. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا وكيع بن الجراح، قال: ثنا الاعمش، عن شمر، عن علي، قال: الغدر مكر، والمكر كفر. القول في تأويل قوله تعالى: (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فلا تحسبن الله مخلف وعده الذي وعدهم من كذبهم، وجحد ما أتوهم به من عنده. وإنما قاله تعالى ذكره لنبيه تثبيتا وتشديدا لعزيمته، ومعرفه أنه منزل من سخطه بمن كذبه وجحد نبوته، ورد عليه ما أتاه به من عند الله، مثال ما أنزل بمن سلكوا سبيلهم من الامم الذين كانوا قبلهم على مثل منهاجهم من تكذيب رسلهم وجحود نبوتهم ورد ما جاءوهم به من عند الله عليهم. وقوله: إن الله عزيز ذو انتقام يعني بقوله: إن الله عزيز: لا يمانع منه شئ أراد عقوبته، قادر على كل من طلبه، لا يفوته بالهرب منه. ذو انتقام ممن كفر برسله وكذبهم، وجحد نبوتهم، وأشرك به واتخذ معه إلها غيره. وأضيف قوله: مخلف إلى الوعد، وهو مصدر لانه وقع موقع الاسم، ونصب قوله: رسله بالمعنى وذلك أن
[ 326 ]
المعنى: فلا تحسبن الله مخلف رسله وعده. فالوعد وإن كان مخفوضا بإضافة مخلف إليه، ففي معنى النصب، وذلك أن الاخلاف يقع على منصوبين مختلفين، كقول القائل: كسوت عبد الله ثوبا، وأدخلته دارا. وإذا كان الفعل كذلك يقع على منصوبين مختلفين، جاز تقديم أيهما قدم، وخفص ما ولي الفعل الذي هو في صورة الاسماء ونصب الثاني، فيقال: أنا مدخل عبد الله الدار، وأنا مدخل الدار عبد الله، إن قدمت الدار إلى المدخل وأخرت عبد الله خفضت الدار، إذ أضيف مدخل إليها، ونصب عبد الله وإن قدم عبد الله إليه، وأخرت الدار، خفض عبد الله بإضافة مدخل إليه، ونصب الدار وإنما فعل ذلك كذلك، لان الفعل أعني مدخل يعمل في كل واحد منهما نصبا نحو عمله في الآخر ومنه قول الشاعر: ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه * وسائره باد إلى الشمس أجمع أضاف مدخل إلى الظل، ونصب الرأس وإنما معنى الكلام: مدخل رأسه الظل. ومنه قول الآخر: فرشني بخير لا أكون ومدحتي * كناحت يوم صخرة بعسيل والعسيل: الريشة جمع بها الطيب، وإنما معنى الكلام: كناحت صخرة يوما بعسيل، وكذلك قول الآخر: رب ابن عم لسليمى مشمعل * طباخ ساعات الكرى زاد الكسل
[ 327 ]
وإنما معنى الكلام: طباخ زاد الكسل ساعات الكرى. فأما من قرأ ذلك: فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله فقد بينا وجه بعده من الصحة في كلام العرب في سورة الانعام، عند قوله: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى: (يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار) يقول تعالى ذكره: إن الله ذو انتقام يوم تبدل الارض والسموات من مشركي قومك يا محمد من قريش، وسائر من كفر بالله وجحده نبوتك ونبوة رسله من قبلك. ف‍ " يوم " من صلة الانتقام. واختلف في معنى قوله: يوم تبدل الارض غير الارض فقال بعضهم: معنى ذلك: يوم تبدل الارض التي عليها الناس اليوم في دار الدنيا غير هذه الارض، فتصير أرضا بيضاء كالفضة. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت عمرو بن ميمون يحدث، عن عبد الله أنه قال في هذه الآية: يوم تبدل الارض غير الارض والسموات قال: أرض كالفضة نقية لم يسل فيها دم، ولم يعمل فيها خطيئة، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، حفاة عراة قياما أحسب قال: كما خلقوا، حتى يلجمهم العرق قياما وحده. قال: شعبة: ثم سمعته يقول: سمعت عمرو بن ميمون، ولم يذكر عبد الله ثم عاودته فيه، قال: حدثنيه هبيرة، عن عبد الله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يحيى بن عباد، قال: أخبرنا شعبة، قال: أخبرنا أبو إسحاق، قال: سمعت عمرو بن ميمون وربما قال: قال عبد الله: وربما لم يقل، فقلت له: عن عبد الله ؟ قال: سمعت عمرو بن ميمون يقول: يوم تبدل الارض غير
[ 328 ]
الارض قال: أرض كالفضة بيضاء نقية، لم يسل فيها دم، ولم يعمل فيها خطيئة، فينفذهم البصر، ويسمعهم الداعي، حفاة عراة كما خلقوا. قال: أراه قال: قياما حتى يلجمهم العرق. حدثنا الحسن، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن ابن مسعود، قوله: يوم تبدل الارض غير الارض والسموات قال: تبدل أرضا بيضاء نقية كأنها فضة، لم يسفك فيها دم حرام، ولم يعمل فيها خطيئة. حدثني المثنى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون عن عبد الله، في قوله: يوم تبدل الارض غير الارض قال: أرض الجنة بيضاء نقية، لم يعمل فيها خطيئة، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، حفاة عراة قياما يلجمهم العرق. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون: يوم تبدل الارض غير الارض قال: أرض بيضاء كالفضة لم يسفك فيها دم حرام، ولم يعمل فيها خطيئة. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يحيى بن عباد، قال: ثنا حماد بن زيد، قال: أخبرنا عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، أنه تلا هذه الآية: يوم تبدل الارض غير الارض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار قال: يجاء بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يسفك فيها دم، ولم يعمل عليها خطيئة، قال: فأول ما يحكم بين الناس فيه في الدماء. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا معاوية بن هشام، عن سنان، عن جابر الجعفي، عن أبي جبيرة، عن زيد، قال: أرسل رسول الله (ص) إلى اليهود، فقال: هل تدرون لم أرسلت إليهم ؟ قالوا: الله ورسوله أعمل. قال: فإني أرسلت إليهم أسألهم عن قول الله يوم تبدل الارض غير الارض إنها تكون يومئذ بيضاء مثل الفضة. فلما جاءوا سألهم، فقالوا: تكون بيضاء مثل النقي. حدثنا أبو إسماعيل الترمذي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني ابن لهيعة،
[ 329 ]
عن يزيد بن أبي حبيب، عن سنان بن سعد، عن أنس بن مالك، أنه تلا هذه الآية: يوم تبدل الارض غير الارض قال: يبد لها الله يوم القيامة بأرض من فضة لم يعمل عليها الخطايا، ينزلها الجبار تبارك تعالى. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يوم تبدل الارض غير الارض قال: أرض كأنه الفضة. زاد الحسن في حديثه عن شبابة: والسموات كذلك أيضا كأنها الفضة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: يوم تبدل الارض غير الارض قال: أرض كأنها الفضة، والسموات كذلك أيضا. حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا محمد بن جعفر، قال: ثني أبو حازم، قال: سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي. قال سهل أو غيره: ليس فيها معلم لغيره. وقال آخرون: تبدل نارا. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن فضيل، عن الاعمش، عن المنهال بن عمرو، عن قيس بن السكن، قال: قال عبد الله: الارض كلها نار يوم القيامة، والجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها والذي نفس عبد الله بيده، إن الرجل ليفيض عرقا حتى يرشح في الارض قدمه، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه وما مسه الحساب فقالوا: مم ذاك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال: مما يرى الناس ويلقون. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا أبو سفيان، عن الاعمش، عن خيثمة، قال: قال عبد الله: الارض كلها يوم القيامة نار، والجنة من ورائها ترى كواعبها وأكوابها، ويلجم الناس العرق، أو يبلغ منهم العرق، ولم يبلغوا الحساب.
[ 330 ]
وقال آخرون: بل تبدل الارض أرضا من فضة. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت المغيرة بن مالك يحدث عن المجاشع أو المجاشعي، شك أبو موسى عمن سمع عليا يقول في هذه الآية: يوم تبدل الارض غير الارض قال: الارض من فضة، والجنة من ذهب. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن شعبة، عن المغيرة بن مالك، قال: ثني رجل من بني مجاشع، يقال له عبد الكريم أو ابن عبد الكريم قال: ثني هذا الرجل أراه بسمرقند، أنه سمع علي بن أبي طالب قرأ هذه الآية: يوم تبدل الارض غير الارض قال: الارض من فضة، والجنة من ذهب. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن مغيرة بن مالك، عن رجل من بني مجاشع، يقال له عبد الكريم أو يكنى أبا عبد الكريم قال: أقامني على رجل بخراسان، فقال: حدثني هذا أنه سمع علي بن أبي طالب، فذكر نحوه. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يوم تبدل الارض غير الارض... الآية، فزعم أنها تكون فضة. حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سنان بن سعد، عن أنس بن مالك قال: يبدلها الله يوم القيامة بأرض من فضة. وقال آخرون: يبدلها خبزة. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو سعيد بن دل من صغانيان، قال: ثنا الجارود بن معاذ الترمذي، قال: ثنا وكيع بن الجراح، عن عمر بن بشر الهمداني، عن سعيد بن جبير، في قوله: يوم تبدل الارض غير الارض قال: تبدل خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا وكيع، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب القرظي، أو عن محمد بن قيس: يوم تبدل الارض غير الارض قال: خبزة يأكل منها المؤمنون من تحت أقدامهم.
[ 331 ]
وقال آخرون: تبدل الارض غير الارض. ذكر من قال ذلك: حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا حجاج بن محمد، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس، عن كعب في قوله: يوم تبدل الارض غير الارض والسموات قال: تصير السموات جنانا ويصير مكان البحر النار. قال: وتبدل الارض غيرها. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن رافع المدني، عن يزيد، عن رجل من الانصار، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الانصار، عن أبي هريرة، أن رسول الله (ص) قال: يبدل الله الارض غير الارض والسموات، فيبسطها ويسطحها ويمدها مد الاديم العكاظي، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، ثم يزجر الله الخلق زجرة، فإذا هم في هذه المبدلة في مثل مواضعهم من الاولى، ما كان في بطنها ففي بطنها وما كان على ظهرها كان على ظهرها، وذلك حين يطوي السموات كطي السجل للكتاب، ثم يدحو بهما، ثم تبدل الارض غير الارض والسموات. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو بن قيس، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون الاودي، قال: يجمع الناس يوم القيامة في أرض بيضاء، لم يعمل فيها خطيئة مقدار أربعين سنة يلجمهم العرق. وقالت عائشة في ذلك، ما: حدثنا ابن أبي الشوارب وحميد بن مسعدة وابن بزيع، قالوا: ثنا يزيد بن زريع، عن داود، عن عامر، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله، إذا بدلت الارض غير الارض، وبرزوا الله الواحد القهار، أين الناس يومئذ ؟ قال: على الصراط. حدثنا حميد بن مسعدة وابن بزيع، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن عامر، عن عائشة عن النبي (ص) نحوه. حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد، عن داود، عن عامر، عن
[ 332 ]
مسروق، قال: قلت لعائشة: يا أم المؤمنين أرأيت قول الله: يوم تبدل الارض غير الارض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار أين الناس يومئذ ؟ فقالت: سألت رسول الله (ص) عن ذلك، فقال: على الصراط. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا الحسن بن عنبسة الوراق، قال: ثنا عبد الرحيم، يعني ابن سليمان الرازي عن داود بن أبي هند، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة، قالت: سألت رسول الله (ص)، عن قول الله: يوم تبدل الارض غير الارض قلت: يا رسول الله، إذا بدلت الارض غير الارض، أين يكون الناس ؟ قال: على الصراط. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عاصم بن علي، قال: ثنا إسماعيل بن زكريا، عن داود، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة بنحوه. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عامر، عن عائشة أم المؤمنين قالت: أنا أول الناس سأل رسول الله (ص) عن هذه الآية ثم ذكر نحوه. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا ربعي بن إبراهيم الاسدي أخو إسماعيل بن إبراهيم، عن داود بن أبي هند، عن عامر، قال: قالت عائشة: يا رسول الله، أرأيت إذا بدلت الارض غير الارض، أين الناس يومئذ ؟ قال: على الصراط. حدثنا الحسن، قال: ثنا علي بن الجعد، قال: أخبرني القاسم، قال: سمعت الحسن، قال: قالت عائشة: يا رسول الله يوم تبدل الارض غير الارض فأين الناس يومئذ ؟ قال: إن هذا الشئ ما سألني عنه أحد، قال: على الصراط يا عائشة. حدثنا الحسن، قال: ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، قال: ثني الوليد، عن سعيد، عن قتادة، عن حسان بن بلال المزني، عن عائشة: أنها سألت رسول الله (ص)، عن قول الله: يوم تبدل الارض غير الارض والسموات قال: قالت: يا رسول الله، فأين الناس يومئذ ؟ قال: لقد سألتني عن شئ ما سألني عنه أحد من أمتي، ذاك إذا الناس على جسر جهنم.
[ 333 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: يوم تبدل الارض غير الارض والسموات ذكر لنا أن عائشة قالت: يا رسول الله: فأين الناس يومئذ ؟ فقال: لقد سألت عن شئ ما سألني عنه أحد من أمتي قبلك. قال: هم يومئذ على جسر جهنم. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، أن عائشة سألت رسول الله (ص)، فذكر نحوه، إلا أنه قال: على الصراط. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أسماء، عن ثوبان، قال: سأل حبر من اليهود رسول الله (ص)، فقال: أين الناس يوم تبدل الارض غير الارض ؟ قال: هم في الظلمة دون الجسر. حدثني محمد بن عون، قال: ثنا أبو المغيرة، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا سعيد بن ثوبان الكلاعي، عن أبي أيوب الانصاري، قال: أتى النبي (ص) حبر من اليهود، وقال: أرأيت إذ يقول الله في كتابه: يوم تبدل الارض غير الارض والسموات فأين الخلق عند ذلك ؟ قال: أضياف الله فلن يعجزهم ما لديه. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معناه: يوم تبدل الارض التي نحن عليها اليوم يوم القيامة غيرها، وكذلك السموات اليوم تبدل غيرها، كما قال جل ثناؤه. وجائز أن تكون المبدلة أرضا أخرى من فضة، وجائز أن تكون نارا وجائز أن تكون خبزا، وجائز أن تكون غير ذلك، ولا خبر في ذلك عندنا من الوجه الذي يجب التسليم له أي ذلك يكون، فلا قول في ذلك يصح إلا ما دل عليه ظاهر التنزيل. وبنحو ما قلنا في معنى قوله: والسموات قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: يوم تبدل الارض غير الارض قال: أرضا كأنها الفضة والسموات كذلك أيضا. وقوله: وبرزوا لله الواحد القهار يقول: وظهروا لله المنفرد بالربوبية، الذي يقهر
[ 334 ]
كل شئ فيغلبه ويصرفه لما يشاء كيف يشاء، فيحيي خلقه إذا شاء، ويميتهم إذا شاء، لا يغلبه شئ، ولا يقهره من قبورهم أحياء لموقف القيامة. القول في تأويل قوله تعالى: (وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الاصفاد ئ سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ئ ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب) يقول تعالى ذكره: وتعاين الذين كفروا بالله، فاجترموا في الدنيا الشرك يومئذ، يعني: يوم تبدل الارض غير الارض والسموات. مقرنين في الاصفاد يقول: مقرنة أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالاصفاد، وهي الوثاق من غل وسلسلة، واحدها: صفد، يقال منه: صفدته في الصفد صفدا وصفادا، والصفاد: القيد، ومنه قول عمرو بن كلثوم. فآبوا بالنهاب وبالسبايا * وأبنا بالملوك مصفدينا ومن جعل الواحد من ذلك صفادا جمعه: صفدا لا أصفادا. وأما من العطاء، فإنه يقال منه: أصفدته إصفادا، كما قال الاعشى: تضيفته يوما فأكرم مجلسي * وأصفدني عند الزمانة قائدا وقد قيل في العطاء أيضا: صفدني صفدا، كما قال النابغة الذبياني: هذا الثناء فإن تسمع لقائله * فما عرضت أبيت اللعن بالصفد وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: مقرنين في الاصفاد قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 335 ]
حدثني المثنى، قال: ثني عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: مقرنين في الاصفاد يقول: في وثاق. حدثني محمد بن عيسى الدامغاني، قال: ثنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، قال: الاصفاد: السلاسل. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: مقرنين في الاصفاد قال: مقرنين في القيود والاغلال. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا علي بن هاشم بن البريد، قال: سمعت الاعمش، يقول: الصفد: القيد. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: مقرنين في الاصفاد قال: صفدت فيها أيديهم وأرجلهم ورقابهم، والاصفاد: الاغلال. وقوله: سرابيلهم من قطران يقول: قمصهم التي يلبسونها، واحدها: سربال، كما قال امرؤ القيس: لعوب تنسيني إذا قمت سربالي حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: سرابيلهم من قطران قال: السرابيل: القمص. وقوله: من قطران: يقول: من القطران الذي يهنأ به الابل، وفيه لغات ثلاث: يقال: قطران وقطران بفتح القاف وتسكين الطاء منه. وقيل: إن عيسى بن عمر كان يقرأ: من قطران بكسر القاف وتسكين الطاء ومنه قول أبي النجم: جون كأن العرق المنتوحا * لبسه القطران والمسوحا
[ 336 ]
بكسر القاف، وقال أيضا: كأن قطرانا إذا تلاها * ترمي به الريح إلى مجراها بالكسر. وبنحو ما قلناه في ذلك يقول من قرأ ذلك كذلك. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن: من قطران يعني: الخضخاض هناء الابل. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: من قطران قال: قطران الابل. وقال بعضهم: القطران: النحاس. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: قطران: نحاس، قال ابن جريج: قال ابن عباس: من قطران: نحاس. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة: من قطران قال: هي نحاس. وبهذه القراءة: أعني بفتح القاف وكسر الطاء وتصيير ذلك كله كلمة واحدة، قرأ ذلك جميع قراء الامصار، وبها نقرأ لاجماع الحجة من القراء عليه. وقد روي عن بعض المتقدمين أنه كان يقرأ ذلك: من قطر آن بفتح القاف وتسكين الطاء وتنوين الراء وتصيير آن من نعته، وتوجيه معنى القطر إلى أنه النحاس ومعنى الآن إلى أنه الذي قد انتهى حره في الشدة. وممن كان يقرأ ذلك كذلك فيما ذكر لنا عكرمة مولى ابن عباس. حدثني بذلك أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين عنه. ذكر من تأول ذلك على هذه القراءة التأويل الذي ذكرت فيه:
[ 337 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: سرابيلهم من قطر آن قال: قطر، والآن: الذي قد انتهى حره. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا داود بن مهران، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير نحوه. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد، بنحوه. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ: سرابيلهم من قطر آن. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان، قال: ثنا المبارك بن فضالة، قال: سمعت الحسن يقول: كانت العرب تقول للشئ إذا انتهى حره: قد أنى حر هذا، قد أوقدت عليه جهنم منذ خلقت فأنى حرها. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعيد، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس في قوله: سرابيلهم من قطر آن قال: القطر: النحاس، والآن: يقول: قد أنى حره، وذلك أنه يقول: حميم آن. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا ثابت بن يزيد، قال: ثنا هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، في هذه الآية: سرابيلهم من قطر آن قال: من نحاس، قال: آن أنى لهم أن يعذبوا به. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن حصين، عن عكرمة، في قوله: من قطر آن قال: الآني: الذي قد انتهى حره. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: من قطر آن قال: هو النحاس المذاب. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن قتادة: من قطر آن يعني: الصفر المذاب. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن قتادة: سرابيلهم من قطر آن قال: من نحاس.
[ 338 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، قال: ثنا أبو حفص، عن هارون، عن قتادة أنه كان يقرأ: من قطر آن قال: من صفر قد انتهى حره. وكان الحسن يقرؤها: من قطر آن. وقوله: وتغشى وجوههم النار يقول: وتلفح وجوههم النار فتحرقها ليجزي الله كل نفس ما كسبت يقول: فعل الله ذلك بهم جزاء لهم بما كسبوا من الآثام في الدنيا، كيما يثيب كل نفس بما كسبت من خير وشر، فيجزي المحسن بإحسانه، والمسئ بإساءته. إن الله سريع الحساب يقول: إن الله عالم بعمل كل عامل، فلا يحتاج في إحصاء أعمالهم إلى عقد كف ولا معاناة، وهو سريع حسابه لاعمالهم، قد أحاط بها علما، لا يعزب عنه منها شئ، وهو مجازيهم على جميع ذلك صغيره وكبيره. القول في تأويل قوله تعالى: (هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الالباب) يقول تعالى ذكره: هذا القرآن بلاغ للناس، أبلغ الله به إليهم في الحجة عليهم، وأعذر إليهم بما أنزل فيه من مواعظه وعبره. ولينذروا به يقول: ولينذروا عقاب الله، ويحذروا به نقماته، أنزله إلى نبيه (ص). وليعلموا أنما هو إله واحد يقول: وليعلموا بما احتج به عليهم من الحجج فيه أنما هو إله واحد، لا آلهة شتى، كما يقوله المشركون بالله، وأن لا إله إلا هو الذي له ما في السموات وما في الارض، الذي سخر لهم الشمس والقمر والليل والنهار وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لهم، وسخر لهم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لهم الانهار. وليذكر أولوا الالباب يقول: وليتذكر فيتعظ قوله تعالى: (هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الالباب) يقول تعالى ذكره: هذا القرآن بلاغ للناس، أبلغ الله به إليهم في الحجة عليهم، وأعذر إليهم بما أنزل فيه من مواعظه وعبره. ولينذروا به يقول: ولينذروا عقاب الله، ويحذروا به نقماته، أنزله إلى نبيه (ص). وليعلموا أنما هو إله واحد يقول: وليعلموا بما احتج به عليهم من الحجج فيه أنما هو إله واحد، لا آلهة شتى، كما يقوله المشركون بالله، وأن لا إله إلا هو الذي له ما في السموات وما في الارض، الذي سخر لهم الشمس والقمر والليل والنهار وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لهم، وسخر لهم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لهم الانهار. وليذكر أولوا الالباب يقول: وليتذكر فيتعظ بما احتج الله به عليه من حججه التي في هذا القرآن، فينزجر عن أن يجعل معه إلها غيره، ويشرك في عبادته شيئا سواه أهل الحجى والعقول، فإنهم أهل الاعتبار والادكار، دون الذين لا عقول لهم ولا أفهام، فإنهم كالانعام بل هم أضل سبيلا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 339 ]
هذا بلاغ للناس قال: القرآن. ولينذروا به: قال: بالقرآن. وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الالباب. آخر تفسير سورة إبراهيم (ص)، والحمد لله رب العالمين. تم الجزء الثالث عشر من تفسير الإمام محمد بن جرير الطبري ويليه الجزء الرابع عشر وأوله: القول في تأويل قوله تعالى (الر آيات الكتاب وقرآن مبين)