جامع البيان
إبن جرير الطبري ج 8
[ 1 ]
جامع البيان عن تأويل آي القرآن تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفي في سنة 310 ه قدم له الشيخ خليل الميس
[ 2 ]
جميع حقوق اعادة الطبع محفوظ للناشر
[ 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشآء الله ولكن أكثرهم يجهلون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): يا محمد، ايئس من فلاح هؤلاء العادلين بربهم الاوثان والاصنام. القائلين لك: لئن جئتنا بآية لنؤمنن لك، فإننا لو نزلنا إليهم الملائكة حتى يروها عيانا وكلمهم الموتى بإحيائنا إياهم، حجة لك ودلالة على نبوتك، وأخبروهم أنك محق فيما تقول، وأن ما جئتهم به حق من عند الله، وحشرنا عليهم كل شئ فجعلناهم لك قبلا ما آمنوا ولا صدقوك، ولا اتبعوك إلا أن يشاء الله ذلك لمن شاء منهم. ولكن أكثرهم يجهلون يقول: ولكن أكثر هؤلاء المشركين يجهلون أن ذلك كذلك، يحسبون أن الايمان إليهم والكفر بأيديهم، متى شاءوا آمنوا ومتى شاءوا كفروا. وليس ذلك كذلك، ذلك بيدي، لا يؤمن منهم إلا من هديته له فوفقته، ولا يكفر إلا من خذلته عن الرشد فأضللته. وقيل: إن ذلك نزل في المستهزئين برسول الله (ص)، وما جاء به من عند الله، من مشركي قريش. ذكر من قال ذلك: 10705 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: نزلت في المستهزئين الذين سألوا النبي (ص) الآية، فقال: قل يا محمد إنما الآيات عند الله، وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون. ونزل فيهم: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا. وقال آخرون: إنما قيل: ما كانوا ليؤمنوا يراد به أهل الشقاء، وقيل: إلا أن يشاء الله فاستثنى ذلك من قوله: ليؤمنوا يراد به أهل الايمان والسعادة. ذكر من قال ذلك:
[ 4 ]
10706 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا وهم أهل الشقاء. ثم قال: إلا أن يشاء الله وهم أهل السعادة الذين سبق لهم في علمه أن يدخلوا في الايمان. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول ابن عباس، لان الله جل ثناؤه عم بقوله: ما كانوا ليؤمنوا القوم الذين تقدم ذكرهم في قوله: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها. وقد يجوز أن يكون الذين سألوا الآية كانوا هم المستهزئين الذين قال ابن جريج: إنهم عنوا بهذه الآية ولكن لا دلالة في ظاهر التنزيل على ذلك ولا خبر تقوم به حجة بأن ذلك كذلك. والخبر من الله خارج مخرج العموم، فالقول بأن ذلك عني به أهل الشقاء منهم أولى لما وصفنا. واختلفت القراء في قراءة قوله: وحشرنا عليهم كل شئ قبلا فقرأته قراء أهل المدينة: قبلا بكسر القاف وفتح الباء، بمعنى معاينة، من قول القائل: لقيته قبلا: أي معاينة ومجاهرة. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين والبصريين: وحشرنا عليهم كل شئ قبلا بضم القاف والباء. وإذا قرئ كذلك كان له من التأويل ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون القبل: جمع قبيل كالرغف التي هي جمع رغيف، والقضب التي هي جمع قضيب، ويكون القبل: الضمناء والكفلاء وإذا كان ذلك معناه، كان تأويل الكلام: وحشرنا عليهم كل شئ كفلاء يكفلون لهم بأن الذي نعدهم على إيمانهم بالله إن آمنوا أو نوعدهم على كفرهم بالله إن هلكوا على كفرهم، ما آمنوا إلا أن يشاء الله. والوجه الآخر: أن يكون القبل بمعنى المقابلة والمواجهة، من قول القائل: أتيتك قبلا لا دبرا، إذا أتاه من قبل وجهه. والوجه الثالث: أن يكون معناه: وحشرنا عليهم كل شئ قبيلة قبيلة، صنفا صنفا، وجماعة جماعة. فيكون القبل حينئذ جمع قبيل الذي هو جمع قبيلة، فيكون القبل جمع الجمع. وبكل ذلك قد قالت جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال: معنى ذلك: معاينة.
[ 5 ]
10707 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: وحشرنا عليهم كل شئ قبلا يقول: معاينة. 10708 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وحشرنا عليهم كل شئ قبلا حتى يعاينوا ذلك معاينة ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله. ذكر من قال: معنى ذلك: قبيلة قبيلة صنفا صنفا. 10709 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن يزيد، من قرأ: قبلا معناه: قبيلا قبيلا. 10710 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: قبلا أفواجا، قبيلا قبيلا. حدثنى المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أحمد بن يونس، عن أبي خيثمة، قال: ثنا أبان بن تغلب، قال: ثني طلحة أن مجاهدا قرأ في الانعام: كل شئ قبلا قال: قبائل، قبيلا قبيلا وقبيلا. ذكر من قال: معناه: مقابلة. 10711 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا يقول: لو استقبلهم ذلك كله، لم يؤمنوا إلا أن يشاء الله. 10712 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وحشرنا عليهم كل شئ قبلا قال: حشروا إليهم جميعا، فقابلوهم وواجهوهم. 10713 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن يزيد، قرأ عيسى: قبلا ومعناه: عيانا. وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندنا، قراءة من قرأ: وحشرنا عليهم كل شئ قبلا بضم القاف والباء لما ذكرنا من احتمال ذلك الاوجه التي بينا من المعاني، وأن معنى القبل داخل فيه، وغير داخل في القبل معاني القبل. وأما قوله: وحشرنا عليهم فإن معناه: وجمعنا عليهم، وسقنا إليهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شآء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون) *.
[ 6 ]
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) مسليه بذلك عما لقي من كفرة قومه في ذات الله، وحاثا له على الصبر على ما نال فيه: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا يقول: وكما ابتليناك يا محمد بأن جعلنا لك من مشركي قومك أعداء شياطين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول ليصدوهم بمجادلتهم إياك بذلك عن اتباعك والايمان بك وبما جئتهم به من عند ربك كذلك ابتلينا من قبلك من الانبياء والرسل، بأن جعلنا لهم أعداء من قومهم يؤذونهم بالجدال والخصومات، يقول: فهذا الذي امتحنتك به لم تخصص به من بينهم وحدك، بل قد عممتهم بذلك معك لابتليهم وأختبرهم مع قدرتي على منع من آذاهم من إيذائهم، فلم أفعل ذلك إلا لاعرف أولي العزم منهم من غيرهم يقول: فاصبر أنت كما صبر أولو العزم من الرسل. وأما شياطين الانس والجن فإنهم مردتهم. وقد بينا الفعل الذي منه بني هذا الاسم بما أغنى عن إعادته. ونصب العدو والشياطين بقوله: جعلنا. وأما قوله: يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا فإنه يعني: أنه يلقي الملقي منهم القول الذي زينه وحسنه بالباطل إلى صاحبه، ليغتر به من سمعه فيضل عن سبيل الله. ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله: شياطين الانس والجن فقال بعضهم: معناه: شياطين الانس التي مع الانس، وشياطين الجن التي مع الجن وليس للانس شياطين. ذكر من قال ذلك: 10714 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه أما شياطين الانس: فالشياطين التي تضل الانس، وشياطين الجن الذين يضلون الجن يلتقيان فيقول كل واحد منهما: إني أضللت صاحبي بكذا وكذا، وأضللت أنت صاحبك بكذا وكذا، فيعلم بعضهم بعضا. 10715 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو نعيم، عن شريك، عن سعيد بن مسروق، عن عكرمة: شياطين الانس والجن قال: ليس في الانس شياطين ولكن شياطين الجن يوحون إلى شياطين الانس، وشياطين الانس يوحون إلى شياطين الجن. 10716 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن السدي،
[ 7 ]
في قوله: يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا قال: للانسان شيطان، وللجني شيطان، فيلقى شيطان الانس شيطان الجن، فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. قال أبو جعفر: جعل عكرمة والسدي في تأويلهما هذا الذي ذكرت عنهما عدو الانبياء الذين ذكرهم الله في قوله: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا أولاد إبليس دون أولاد آدم ودون الجن، وجعل الموصوفين بأن بعضهم يوحي إلى بعض زخرف القول غرورا، ولد إبليس، وأن من مع ابن آدم من ولد إبليس يوحي إلى من مع الجن من ولده زخرف القول غرورا. وليس لهذا التأويل وجه مفهوم، لان الله جعل إبليس وولده أعداء ابن آدم، فكل ولده لكل ولده عدو. وقد خص الله في هذه الآية الخبر عن الانبياء أنه جعل لهم من الشياطين أعداء، فلو كان معنيا بذلك الشياطين الذين ذكرهم السدي، الذين هم ولد إبليس، لم يكن لخصوص الانبياء بالخبر عنهم أنه جعل لهم الشياطين أعداء وجه. وقد جعل من ذلك لاعدى أعدائه مثل الذي جعل لهم، ولكن ذلك كالذي قلنا من أنه معني به أنه جعل مردة الانس والجن لكل نبي عدوا يوحي بعضهم إلى بعض من القول ما يؤذيهم به. وبنحو الذي قلنا في ذلك، جاء الخبر عن رسول الله (ص). 10717 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن حميد بن هلال، قال: ثني رجل من أهل دمشق، عن عوف بن مالك، عن أبي ذر: أن رسول الله (ص) قال: يا أبا ذر، هل تعوذت بالله من شر شياطين الانس والجن ؟ قال: قلت: يا رسول الله، هل للانس من شياطين ؟ قال: نعم. 10718 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن أبي عبد الله محمد بن أيوب وغيره من المشيخة، عن ابن عائذ، عن أبي ذر، أنه قال: أتيت رسول الله (ص) في مجلس قد أطال فيه الجلوس، قال: فقال: يا أبا ذر، هل صليت ؟ قال: قلت: لا يا رسول الله قال: قم فاركع ركعتين قال: ثم جئت فجلست إليه، فقال: يا أبا ذر هل تعوذت بالله من شر شياطين الانس والجن ؟ قال: قلت: يا رسول الله وهل للانس من شياطين ؟ قال: نعم، شر من شياطين الجن.
[ 8 ]
10719 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: بلغني أن أبا ذر قام يوما يصلي، فقال له النبي (ص): تعوذ يا أبا ذر من شياطين الانس والجن فقال: يا رسول الله: أو إن من الانس شياطين ؟ قال: نعم. وقال آخرون في ذلك بنحو الذي قلنا من ذلك إنه إخبار من الله أن شياطين الانس والجن يوحي بعضهم إلى بعض. ذكر من قال ذلك: 10720 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: شياطين الانس والجن قال: من الجن شياطين، ومن الانس شياطين يوحي بعضهم إلى بعض. قال قتادة: بلغني أن أبا ذر كان يوما يصلي، فقال له النبي (ص): تعوذ يا أبا ذر من شياطين الانس والجن فقال: يا نبي الله، أو إن من الانس شياطين ؟ فقال النبي (ص): نعم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن... الآية، ذكر لنا أبا ذر قام ذات يوم يصلي، فقال له نبي الله: تعوذ بالله من شياطين الجن والانس فقال: يا نبي الله أو للانس شياطين كشياطين الجن ؟ قال: نعم، أو كذبت عليه ؟. 10721 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسن، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن فقال: كفار الجن شياطين يوحون إلى شياطين الانس كفار الانس زخرف القول غرورا. وأما قوله: زخرف القول غرورا فإنه المزين بالباطل كما وصفت قبل، يقال منه: زخرف كلامه وشهادته إذا حسن ذلك بالباطل ووشاه. كما: 10722 حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبو نعيم، عن شريك، عن سعيد بن مسروق، عن عكرمة، قوله: زخرف القول غرورا قال: تزيين الباطل بالالسنة. 10723 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أما الزخرف، فزخرفوه: زينوه.
[ 9 ]
10724 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: زخرف القول غرورا قال: تزيين الباطل بالالسنة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 10725 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: زخرف القول غرورا يقول: حسن بعضهم لبعض القول ليتبعوهم في فتنتهم. 10726 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: زخرف القول غرورا قال: الزخرف: المزين، حيث زين لهم هذا الغرور، كما زين إبليس لآدم ما جاءه به وقاسمه إنه لمن الناصحين. وقرأ: وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم قال: ذلك الزخرف. وأما الغرور: فإنه ما غر الانسان فخدعه فصده عن الصواب إلى الخطأ ومن الحق إلى الباطل. وهو مصدر من قول القائل: غررت فلانا بكذا وكذا، فأنا أغره غرورا وغرا. كالذي: 10727 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: غرورا قال: يغرون به الناس والجن. القول في تأويل قوله تعالى: ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون. يقول تعالى ذكره: ولو شئت يا محمد أن يؤمن الذين كانوا لانبيائي أعداء من شياطين الانس والجن فلا ينالهم مكرهم ويأمنوا غوائلهم وأذاهم، فعلت ذلك ولكني لم أشأ ذلك لابتلي بعضهم ببعض فيستحق كل فريق منهم ما سبق له في الكتاب السابق. فذرهم يقول: فدعهم، يعني الشياطين الذين يجادلونك بالباطل من مشركي قومك ويخاصمونك بما يوحي إليهم أولياؤهم من شياطين الانس والجن، وما يفترون يعني: وما يختلقون من إفك وزور، يقول له (ص): اصبر عليهم فإني من وراء عقابهم على افترائهم على الله واختلاقهم عليه الكذب والزور. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 10 ]
* (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون) *. يقول تعالى ذكره وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولتصغى إليه يقول جل ثناؤه: يوحي بعض هؤلاء الشياطين إلى بعض المزين من القول بالباطل، ليغروا به المؤمنين من أتباع الانبياء، فيفتنوهم عن دينهم ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة يقول: ولتميل إليه قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة. وهو من صغوت تصغي وتصغو، والتنزيل جاء بتصغى صغوا وصغوا، وبعض العرب يقول صغيت بالياء حكي عن بعض بني أسد: صغيت إلى حديثه، فأنا أصغى صغيا بالياء، وذلك إذا ملت، يقال: صغوي معك: إذا كان هواك معه وميلك، مثل قولهم: ضلعي معك، ويقال: أصغيت الاناء: إذا أملته ليجتمع ما فيه ومنه قول الشاعر: ترى السفيه به عن كل محكمة زيغ وفيه إلى التشبيه إصغاء ويقال للقمر إذا مال للغيوب: صغا وأصغى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10728 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ولتصغى إليه أفئدة يقول: تزيغ إليه أفئدة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، في قوله: ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة قال: لتميل. 10729 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا
[ 11 ]
أسباط، عن السدي: ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة يقول: تميل إليه قلوب الكفار ويحبونه ويرضون به. 10730 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة قال: ولتصغى: وليهووا ذلك وليرضوه، قال: يقول الرجل للمرأة: صغيت إليها: هويتها. القول في تأويل قوله تعالى: وليقترفوا ما هم مقترفون. يقول تعالى ذكره: وليكتسبوا من الاعمال ما هم مكتسبون. حكي عن العرب سماعا منها: خرج يقترف لاهله، بمعنى يكسب لهم، ومنه قيل: قارف فلان هذا الامر: إذا واقعه وعمله. وكان بعضهم يقول: هو التهمة والادعاء، يقال للرجل: أنت قرفتني: أي اتهمتني، ويقال: بئسما اقترفت لنفسك. وقال رؤبة: أعيا اقتراف الكذب المقروف تقوى التقي وعفة العفيف وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: وليقترفوا قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10731 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: وليقترفوا ما هم مقترفون وليكتسبوا ما هم مكتسبون. 10732 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وليقترفوا ما هم مقترفون قال: ليعملوا ما هم عاملون. 10733 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وليقترفوا ما هم مقترفون قال: ليعملوا ما هم عاملون. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 12 ]
* (أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل لهؤلاء العادلين بالله الاوثان والاصنام، القائلين لك كف عن آلهتنا ونكف عن إلهك: إن الله قد حكم علي بذكر آلهتكم بما يكون صدا عن عبادتها، أفغير الله أبتغي حكما أي قل: فليس لي أن أتعدى حكمه وأتجاوزه، لانه لا حكم أعدل منه ولا قائل أصدق منه. وهو أنزل إليكم الكتاب مفصلا يعني: القرآن مفصلا، يعني مبينا فيه الحكم فيما تختصمون فيه من أمري وأمركم. وقد بينا معنى التفصيل فيما مضى قبل. القول في تأويل قوله تعالى: والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين. يقول تعالى ذكره: إن أنكر هؤلاء العادلون بالله الاوثان من قومك توحيد الله، وأشركوا معه الانداد، وجحدوا ما أنزلته إليك، وأنكروا أن يكون حقا، وكذبوا به. فالذين آتيناهم الكتاب وهو التوراة والانجيل من بني إسرائيل، يعلمون أنه منزل من ربك يعني: القرآن وما فيه بالحق يقول: فصلا بين أهل الحق والباطل، يدل على صدق الصادق في علم الله، وكذب الكاذب المفتري عليه. فلا تكونن من الممترين يقول: فلا تكونن يا محمد من الشاكين في حقية الانباء التي جاءتك من الله في هذا الكتاب وغير ذلك مما تضمنه لان الذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق. وقد بينا فيما مضى ما وجه قوله: فلا تكونن من الممترين بما أغنى عن إعادته مع الرواية المروية فيه. وقد: 10734 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله: فلا تكونن من الممترين يقول: لا تكونن في شك مما قصصنا عليك. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 13 ]
* (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم) *. يقول تعالى ذكره: وكملت كلمة ربك، يعني القرآن. سماه كلمة كما تقول العرب للقصيدة من الشعر يقولها الشاعر: هذه كلمة فلان. صدقا وعدلا يقول: كملت كلمة ربك من الصدق والعدل والصدق والعدل نصبا على التفسير للكلمة، كما يقال: عندي عشرون درهما. لا مبدل لكلماته يقول: لا مغير لما أخبر في كتبه أنه كائن من وقوعه في حينه وأجله الذي أخبر الله أنه واقع فيه. وذلك نظير قوله جل ثناؤه: يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فكانت إرادتهم تبديل كلام الله مسألتهم نبي الله أن يتركهم يحضرون الحرب معه، وقولهم له ولمن معه من المؤمنين: ذرونا نتبعكم بعد الخبر الذي كان الله أخبرهم تعالى ذكره في كتابه بقوله: فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا... الآية، فحاولوا تبديل كلام الله وخبره بأنهم لن يخرجوا مع نبي الله في غزاة، ولن يقاتلوا معه عدوا بقولهم لهم: ذرونا نتبعكم فقال الله جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): يريدون أن يبدلوا بمسألتهم إياهم ذلك كلام الله وخبره قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل. فكذلك معنى قوله: لا مبدل لكلماته إنما هو: لا مغير لما أخبر عنه من خبر أنه كائن فيبطل مجيئه وكونه ووقوعه، على ما أخبر جل ثناؤه لانه لا يزيد المفترون في كتب الله ولا ينقصون منها وذلك أن اليهود والنصارى لا شك أنهم أهل كتب الله التي أنزلها على أنبيائه، وقد أخبر جل ثناؤه أنهم يحرفون غير الذي أخبر أنه لا مبدل له. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10735 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته يقول: صدقا وعدلا فيما حكم. وأما قوله: وهو السميع العليم فإن معناه: والله السميع لما يقول هؤلاء العادلون بالله، المقسمون بالله جهد أيمانهم: لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها، وغير ذلك من كلام خلقه، العليم بما تئول إليه أيمانهم من بر وصدق وكذب وحنث وغير ذلك من أمور عباده. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 14 ]
* (وإن تطع أكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): لا تطع هؤلاء العادلين بالله الانداد يا محمد فيما دعوك إليه من أكل ما ذبحوا لآلهتهم، وأهلوا به لغير ربهم وأشكالهم من أهل الزيغ والضلال، فإنك إن تطع أكثر من في الارض يضلوك عن دين الله ومحجة الحق والصواب فيصدوك عن ذلك. وإنما قال الله لنبيه: وإن تطع أكثر من في الارض من بني آدم، لانهم كانوا حينئذ كفارا ضلالا، فقال له جل ثناؤه: لا تطعهم فيما دعوك إليه، فإنك إن تطعهم ضللت ضلالهم وكنت مثلهم لانهم لا يدعونك إلى الهدى وقد أخطئوه. ثم أخبر جل ثناؤه عن حال الذين نهى نبيه عن طاعتهم فيما دعوه إليه في أنفسهم، فقال: إن يتبعون إلا الظن فأخبر جل ثناؤه أنهم من أمرهم على ظن عند أنفسهم، وحسبان على صحة عزم عليه وإن كان خطأ في الحقيقة. وإن هم إلا يخرصون يقول: ما هم إلا متخرصون يظنون ويوقعون حزرا لا يقين علم، يقال منه: خرص يخرص خرصا وخرصا: أي كذب وتخرص بظن وتخرص بكذب، وخرصت النخل أخرصه، وخرصت إبلك: أصابها البرد والجوع. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): يا محمد إن ربك الذي نهاك أن تطيع هؤلاء العادلين بالله الاوثان، لئلا يضلوك عن سبيله، هو أعلم منك ومن جميع خلقه، أي خلقه يضل عن سبيله بزخرف القول الذي يوحي الشياطين بعضهم إلى بعض، فيصدوا عن طاعته واتباع ما أمر به. وهو أعلم بالمهتدين يقول: وهو أعلم أيضا منك ومنهم بمن كان على استقامة وسداد، لا يخفى عليه منهم أحد. يقول: واتبع يا محمد ما أمرتك به، وانته عما نهيتك عنه من طاعة من نهيتك عن طاعته، فإني أعلم بالهادي والمضل من خلقي منك. واختلف أهل العربية في موضع من في قوله: إن ربك هو أعلم من يضل. فقال بعض نحويي البصرة: موضعه خفض بنية الباء، قال: ومعنى الكلام: إن ربك هو أعلم بمن يضل. وقال بعض نحويي الكوفة: موضعه رفع، لانه بمعنى أي، والرافع له يضل.
[ 15 ]
والصواب من القول في ذلك: أنه رفع ب يضل وهو في معنى أي. وغير معلوم في كلام العرب اسم مخفوض بغير خافض فيكون هذا له نظيرا. وقد زعم بعضهم أن قوله: أعلم في هذا الموضع بمعنى يعلم، واستشهد لقيله ببيت حاتم الطائي: فحالفت طيئ من دوننا حلفا والله أعلم ما كنا لهم خذلا وبقول الخنساء: القوم أعلم أن جفنته تغدو غداة الريح أو تسري وهذا الذي قاله قائل هذا التأويل وإن كان جائزا في كلام العرب، فليس قول الله تعالى: إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله منه وذلك أنه عطف عليه بقوله: وهو أعلم بالمهتدين فأبان بدخول الباء في المهتدين أن أعلم ليس بمعنى يعلم، لان ذلك إذ كان بمعنى يفعل لم يوصل بالباء، كما لا يقال هو يعلم بزيد، بمعنى يعلم زيدا. القول في تأويل قوله تعالى: * (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) وعباده المؤمنين به وبآياته، فكلوا أيها المؤمنون مما ذكيتم من ذبائحكم وذبحتموه الذبح الذي بينت لكم أنه تحل به الذبيحة لكم، وذلك ما ذبحه المؤمنون بي من أهل دينكم دين الحق، أو ذبحه من دان بتوحيدي من أهل الكتاب، دون ما ذبحه أهل الاوثان ومن لا كتاب له من المجوس. إن كنتم بآياته مؤمنين يقول:
[ 16 ]
إن كنتم بحجج الله التي أتتكم وإعلامه بإحلال ما أحللت لكم وتحريم ما حرمت عليكم من المطاعم والمآكل مصدقين، ودعوا عنكم زخرف ما توحيه الشياطين بعضها إلى بعض من زخرف القول لكم وتلبيس دينكم عليكم غرورا. وكان عطاء يقول في ذلك ما: 10736 - حدثنا به محمد بن بشار ومحمد بن المثنى، قالا: ثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: قوله: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه قال: يأمر بذكر اسمه على الشراب والطعام والذبح، وكل شئ يدل على ذكره يأمر به. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين) *. اختلف أهل العلم بكلام العرب في تأويل قوله: وما لكم أن لا تأكلوا فقال بعض نحويي البصريين: معنى ذلك: وأي شئ لكم في أن لا تأكلوا، قال: وذلك نظير قوله: وما لنا أن لا نقاتل يقول: أي شئ لنا في ترك القتال ؟ قال: ولو كانت لا زائدة لا يقع الفعل، ولو كانت في معنى: وما لنا وكذا، لكانت: وما لنا وأن لا نقاتل. وقال غيره: إنما دخلت لا للمنع، لان تأويل ما لك، وما منعك واحد، ما منعك لا تفعل ذلك، وما لك لا تفعل واحد، فلذلك دخلت لا. قال: وهذا الموضع تكون فيه لا وتكون فيه أن مثل قوله: يبين الله لكم أن تضلوا وأن لا تضلوا: يمنعكم من الضلال بالبيان. وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي قول من قال: معنى قوله: وما لكم في هذا الموضع: وأي شئ يمنعكم أن تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه، وذلك أن الله تعالى ذكره تقدم إلى المؤمنين بتحليل ما ذكر اسم الله عليه وإباحة أكل ما ذبح بدينه أو دين من كان يدين ببعض شرائع كتبه المعروفة، وتحريم ما أهل به لغيره من الحيوان، وزجرهم عن الاصغاء لما يوحي الشياطين بعضهم إلى بعض من زخرف القول في الميتة، والمنخنقة، والمتردية، وسائر ما حرم الله من المطاعم. ثم قال: وما يمنعكم من أكل ما ذبح بديني الذي ارتضيته،
[ 17 ]
وقد فصلت لكم الحلال من الحرام فيما تطعمون، وبينته لكم بقوله: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به... إلى قوله: فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فلا لبس عليكم في حرام ذلك من حلاله، فتمتنعوا من أكل حلاله حذرا من مواقعة حرامه. فإذ كان ذلك معناه فلا وجه لقول متأولي ذلك: وأي شئ لكم في أن لا تأكلوا لان ذلك إنما يقال كذلك لمن كان كف عن أكله رجاء ثواب بالكف عن أكله، وذلك يكون ممن آمن بالكف فكف اتباعا لامر الله وتسليما لحكمه، ولا نعلم أحدا من سلف هذه الامة كف عن أكل ما أحل الله من الذبائح رجاء ثواب الله على تركه ذلك، واعتقادا منه أن الله حرمه عليه. فبين بذلك إذ كان الامر كما وصفنا أن أولى التأويلين في ذلك بالصواب ما قلنا. وقد بينا فيما مضى قبل أن معنى قوله: فصل، وفصلنا وفصل: بين، أو بين، بما يغني عن إعادته في هذا الموضع. كما: 10737 - حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وقد فصل لكم ما حرم عليكم يقول: قد بين لكم ما حرم عليكم. 10738 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، عن ابن زيد، مثله. واختلفت القراء في قول الله جل ثناؤه: وقد فصل لكم ما حرم عليكم فقرأه بعضهم بفتح أول الحرفين من فصل وحرم: أي فصل ما حرمه من مطاعمكم، فبينه لكم. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: وقد فصل بفتح فاء فصل وتشديد صاده، ما حرم بضم حائه وتشديد رائه، بمعنى: وقد فصل الله لكم المحرم عليكم من مطاعمكم. وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين: وقد فصل لكم بضم فائه وتشديد صاده ما حرم عليكم بضم حائه وتشديد رائه، على وجه ما لم يسم فاعله في الحرفين كليهما. وروي عن عطية العوفي أنه كان يقرأ ذلك: وقد فصل بتخفيف الصاد وفتح الفاء، بمعنى: وقد أتاكم حكم الله فيما حرم عليكم.
[ 18 ]
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن كل هذه القراءات الثلاث التي ذكرناها سوى القراءة التي ذكرنا عن عطية قراءات معروفة مستفيضة القراءة بها في قراء الامصار، وهن متفقات المعاني غير مختلفات، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب فيه الصواب. وأما قوله: إلا ما اضطررتم إليه فإنه يعني تعالى ذكره: أن ما اضطررنا إليه من المطاعم المحرمة التي بين تحريمها لنا في غير حال الضرورة لنا حلال ما كنا إليه مضطرين، حتى تزول الضرورة. كما: 10739 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: إلا ما اضطررتم إليه من الميتة. القول في تأويل قوله تعالى: وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين. يقول تعالى ذكره: وإن كثيرا من الناس الذين يجادلونكم في أكل ما حرم الله عليكم أيها المؤمنون بالله من الميتة ليضلون أتباعهم بأهوائهم بغير علم منهم بصحة ما يقولون، ولا برهان عندهم بما فيه يجادلون، إلا ركوبا منهم لاهوائهم، واتباعا منهم لدواعي نفوسهم، اعتداء وخلافا لامر الله ونهيه، وطاعة للشياطين. إن ربك هو أعلم بالمعتدين يقول: إن ربك يا محمد الذي أحل لك ما أحل وحرم عليك ما حرم، هو أعلم بمن اعتدى حدوده فتجاوزها إلى خلافها، وهو لهم بالمرصاد. واختلفت القراء في قراءة قوله: ليضلون فقرأته عامة أهل الكوفة: ليضلون بمعنى: أنهم يضلون غيرهم. وقرأ ذلك بعض البصريين والحجازيين: ليضلون بمعنى: أنهم هم الذين يضلون عن الحق فيجورون عنه. وأولى القراءتين بالصواب في ذلك، قراءة من قرأ: وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بمعنى: أنهم يضلون غيرهم وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر نبيه (ص) عن إضلالهم من تبعهم ونهاه عن طاعتهم واتباعهم إلى ما يدعونه إليه، فقال: وإن تطع أكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله ثم أخبر أصحابه عنهم بمثل الذي أخبره عنهم، ونهاهم من قبول
[ 19 ]
قولهم عن مثل الذي نهاه عنه، فقال لهم: وإن كثيرا منهم ليضلونكم بأهوائهم بغير علم نظير الذي قال لنبيه (ص): وإن تطع أكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (وذروا ظاهر الاثم وباطنه إن الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون) *. يقول تعالى ذكره: ودعوا أيها الناس علانية الاثم وذلك ظاهره، وسره وذلك باطنه. كذلك: 10740 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وذروا ظاهر الاثم وباطنه أي قليله وكثيره وسره وعلانيته. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وذروا ظاهر الاثم وباطنه قال: سره وعلانيته. 10741 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، في قوله: وذروا ظاهر الاثم وباطنه يقول: سره وعلانتيه، وقوله: ما ظهر منها وما بطن قال: سره وعلانيته. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله: وذروا ظاهر الاثم وباطنه قال: نهى الله عن ظاهر الاثم وباطنه أن يعمل به سرا، أو علانية، وذلك ظاهره وباطنه. 10742 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وذروا ظاهر الاثم وباطنه معصية الله في السر والعلانية. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: وذروا ظاهر الاثم وباطنه قال: هو ما ينوي مما هو عامل. ثم اختلف أهل التأويل في المعني بالظاهر من الاثم والباطن منه في هذا الموضع، فقال بعضهم: الظاهر منه: ما حرم جل ثناؤه بقوله: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من
[ 20 ]
النساء، قوله: حرمت عليكم أمهاتكم... الآية، والباطن منه الزنا. ذكر من قال ذلك: 10743 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، في قوله: وذروا ظاهر الاثم وباطنه قال: الظاهر منه: لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف والامهات، والبنات والاخوات. والباطن: الزنا. وقال آخرون: الظاهر: أولات الرايات من الزواني. والباطن: ذوات الاخدان. ذكر من قال ذلك: 10744 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وذروا ظاهر الاثم وباطنه أما ظاهره: فالزواني في الحوانيت. وأما باطنه: فالصديقة يتخذها الرجل فيأتيها سرا. 10745 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثني عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن كان أهل الجاهلية يستسرون بالزنا، ويرون ذلك حلالا ما كان سرا، فحرم الله السر منه والعلانية. ما ظهر منها: يعني العلانية، وما بطن: يعني السر. 10746 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي مكين وأبيه، عن خصيف، عن مجاهد: لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن قال: ما ظهر منها: الجمع بين الاختين، وتزويج الرجل امرأة أبيه من بعده. وما بطن: الزنا. وقال آخرون: الظاهر: التعري والتجرد من الثياب وما يستر العورة في الطواف. والباطن: الزنا. ذكر من قال ذلك: 10747 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 21 ]
ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن قال: ظاهره العرية التي كانوا يعملون بها حين يطوفون بالبيت. وباطنه: الزنا. والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره تقدم إلى خلقه بترك ظاهر الاثم وباطنه وذلك سره وعلانيته، والاثم: كل ما عصى الله به من محارمه، وقد يدخل في ذلك سر الزنا وعلانيته، ومعاهرة أهل الرايات وأولات الاخدان منهن، ونكاح حلائل الآباء والامهات والبنات، والطواف بالبيت عريانا، وكل معصية لله ظهرت أو بطنت. وإذ كان ذلك كذلك، وكان جميع ذلك إثما، وكان الله عم بقوله: وذروا ظاهر الاثم وباطنه جميع ما ظهر من الاثم وجميع ما بطن، لم يكن لاحد أن يخص من ذلك شيئا دون شئ إلا بحجة للعذر قاطعة. غير أنه لو جاز أن يوجه ذلك إلى الخصوص بغير برهان، كان توجيهه إلى أنه عني بظاهر الاثم وباطنه في هذا الموضع: ما حرم الله من المطاعم والمآكل من الميتة والدم، وما بين الله تحريمه في قوله: حرمت عليكم الميتة... إلى آخر الآية، أولى، إذ كان ابتداء الآيات قبلها بذكر تحريم ذلك جرى وهذه في سياقها، ولكنه غير مستنكر أن يكون عنى بها ذلك، وأدخل فيها الامر باجتناب كل ما جانسه من معاصي الله، فخرج الامر عاما بالنهي عن كل ما ظهر أو بطن من الاثم. القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون. يقول تعالى ذكره: إن الذين يعملون بما نهاهم الله عنه ويركبون معاصي الله ويأتون ما حرم الله، سيجزون يقول: سيثيبهم الله يوم القيامة بما كانوا في الدنيا يعملون من معاصيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) *. يعني بقوله جل ثناؤه: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه: لا تأكلوا أيها المؤمنون مما مات فلم تذبحوه أنتم أو يذبحه موحد يدين لله بشرائع شرعها له في كتاب
[ 22 ]
منزل فإنه حرام عليكم، ولا ما أهل به لغير الله مما ذبحه المشركون لاوثانهم، فإن أكل ذلك فسق، يعني: معصية كفر. فكنى بقوله: وإنه عن الاكل، وإنما ذكر الفعل، كما قال: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا يراد به: فزاد قولهم ذلك إيمانا، فكنى عن القول، وإنما جرى ذكره بفعل. وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم: اختلف أهل التأويل في المعني بقوله: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم فقال بعضهم: عنى بذلك: شياطين فارس ومن على دينهم من المجوس إلى أوليائهم من مردة مشركي قريش، يوحون إليهم زخرف القول بجدال نبي الله وأصحابه في أكل الميتة. ذكر من قال ذلك: 10748 - حدثني عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري، قال: ثنا موسى بن عبد العزيز القنباري، قال: ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، لما نزلت هذه الآية بتحريم الميتة، قال: أوحت فارس إلى أوليائها من قريش أن خاصموا محمدا وكانت أولياءهم في الجاهلية وقولوا له: إن ما ذبحت فهو حلال، وما ذبح الله قال ابن عباس: بشمشار من ذهب فهو حرام، فأنزل الله هذه الآية: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم قال: الشياطين: فارس، وأولياؤهم: قريش. 10749 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عمرو بن دينار، عن عكرمة: أن مشركي قريش كاتبوا فارس على الروم، وكاتبتهم فارس، وكتبت فارس إلى مشركي قريش أن محمدا وأصحابه يزعمون أنه يتبعون أمر الله، فما ذبح الله بسكين من ذهب فلا يأكله محمد وأصحابه للميتة وأما ما ذبحوا هم يأكلون. وكتب بذلك المشركون إلى أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام، فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شئ، فنزلت: وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون... الآية، ونزلت: يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا.
[ 23 ]
وقال آخرون: إنما عني بالشياطين الذين يغرون بني آدم أنهم أوحوا إلى أوليائهم من قريش. ذكر من قال ذلك: 10750 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن سماك، عن عكرمة، قال: كان مما أوحى الشياطين إلى أوليائهم من الانس: كيف تعبدون شيئا لا تأكلون مما قتل، وتأكلون أنتم ما قتلتم ؟ فروي الحديث حتى بلغ النبي (ص)، فنزلت: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه. 10751 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، قوله: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم قال: إبليس الذي يوحي إلى مشركي قريش. قال ابن جريج عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قال: شياطين الجن يوحون إلى شياطين الانس، يوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم. قال ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، قال: سمعت أن الشياطين يوحون إلى أهل الشرك يأمرونهم أن يقولوا: ما الذي يموت وما الذي تذبحون إلا سواء يأمرونهم أن يخاصموا بذلك محمدا (ص)، وإن أطعتموهم إنكم لمشركون قال: قول المشركين: أما ما ذبح الله للميتة فلا تأكلون، وأما ما ذبحتم بأيديكم فحلال. 10752 - حدثنا محمد بن عمار الرازي، قال: ثنا سعيد بن سليمان، قال: ثنا شريك، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن المشركين قالوا للمسلمين: ما قتل ربكم فلا تأكلون، وما قتلتم أنتم تأكلونه فأوحى الله إلى نبيه (ص): ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: لما حرم الله الميتة أمر الشيطان أولياءه، فقال لهم: ما قتل الله لكم خير مما تذبحون أنتم بسكاكينكم، فقال الله: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه. حدثنا يحيى بن داود الواسطي، قال: ثنا إسحاق بن يوسف الازرق، عن سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: جادل المشركون المسلمين، فقالوا: ما بال ما قتل الله لا تأكلونه وما قتلتم أنتم أكلتموه، وأنتم تتبعون أمر الله فأنزل الله: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق... إلى آخر الآية.
[ 24 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم يقولون: ما ذبح الله فلا تأكلوه، وما ذبحتم أنتم فكلوه فأنزل الله: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه. 10753 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة: أن ناسا من المشركين دخلوا على رسول الله (ص)، فقالوا: أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها ؟ فقال: الله قتلها. قالوا: فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال، وما قتله الله حرام ؟ فأنزل الله: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه. 10754 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحضرمي: أن ناسا من المشركين، قالوا: أما ما قتل الصقر والكلب فتأكلونه، وأما ما قتل الله فلا تأكلونه. حدثنا المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين قال: قالوا: يا محمد، أما ما قتلتم وذبحم فتأكلونه، وأما ما قتل ربكم فتحرمونه فأنزل الله: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون وإن أطعتموهم في أكل ما نهيتكم عنه، إنكم إذن لمشركون. 10755 - حدثنا المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، قال: قال المشركون: ما قتلتم فتأكلونه، وما قتل ربكم لا تأكلونه فنزلت: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه. 10756 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وإن أطعتموهم إنكم لمشركون قول المشركين: أما ما ذبح الله للميتة فلا تأكلون منه، وأما ما ذبحتم بأيديكم فهو حلال. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 10757 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم قال: جادلهم المشركون في
[ 25 ]
الذبيحة، فقالوا: أما ما قتلتم بأيديكم فتأكلونه، وأما ما قتل الله فلا تأكلونه يعنون: الميتة. فكانت هذه مجادلتهم إياهم. 10758 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق... الآية، يعني: عدو الله إبليس، أوحى إلى أوليائه من أهل الضلالة، فقال لهم: خاصموا أصحاب محمد في الميتة، فقولوا: أما ما ذبحتم وقتلتم فتأكلون، وأما ما قتل الله فلا تأكلون، وأنتم تزعمون أنكم تتبعون أمر الله فأنزل الله على نبيه: وإن أطعتموهم إنكم لمشركون وإنا والله ما نعلمه كان شرك قط إلا بإحدى ثلاث: أن يدعو مع الله إلها آخر، أو يسجد لغير الله، أو يسمى الذبائح لغير الله. 10759 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه إن المشركين قالوا للمسلمين: كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله، وما ذبح الله فلا تأكلونه، وما ذبحتم أنتم أكلتموه ؟ فقال الله: لئن أطعتموهم فأكلتم الميتة إنكم لمشركون. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم قال: كانوا يقولون: ما ذكر الله عليه وما ذبحتم فكلوا فنزلت: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه... إلى قوله: ليجادلوكم قال: يقول: يوحي الشياطين إلى أوليائهم: تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون مما قتل الله ؟ فقال: إن الذي قتلتم يذكر اسم الله عليه، وإن الذي مات لم يذكر اسم عليه. 10760 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك، في قوله: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم هذا في شأن الذبيحة، قال: قال المشركون للمسلمين: تزعمون أن الله حرم عليكم الميتة، وأحل لكم ما تذبحون أنتم بأيديكم، وحرم عليكم ما ذبح هو لكم وكيف هذا وأنتم تعبدونه ؟ فأنزل الله هذه الآية: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه... إلى قوله: المشركون.
[ 26 ]
وقال آخرون: كان الذين جادلوا رسول الله (ص) في ذلك قوما من اليهود. ذكر من قال ذلك: 10761 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى وسفيان بن وكيع، قالا: ثنا عمران بن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال ابن عبد الاعلى: خاصمت اليهود النبي (ص) وقال ابن وكيع: جاءت اليهود إلى النبي (ص) فقالوا: نأكل ما قتلنا، ولا نأكل ما قتل الله فأنزل الله: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب، أن يقال: إن الله أخبر أن الشياطين يوحون إلى أوليائهم ليجادلوا المؤمنين في تحريمهم أكل الميتة بما ذكرنا من جدالهم إياهم. وجائز أن يكون الموحون كانوا شياطين الانس يوحون إلى أوليائهم منهم، وجائز أن يكونوا شياطين الجن أوحوا إلى أوليائهم من الانس، وجائز أن يكون الجنسان كلاهما تعاونا على ذلك، كما أخبر الله عنهما في الآية الاخرى التي يقول فيها: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، بل ذلك الاغلب من تأويله عندي، لان الله أخبر نبيه أنه جعل له أعداء من شياطين الجن والانس، كما جعل لانبيائه من قبله يوحي بعضهم إلى بعض المزين من الاقوال الباطلة، ثم أعلمه أن أولئك الشياطين يوحون إلى أوليائهم من الانس ليجادلوه ومن تبعه من المؤمنين فيما حرم الله من الميتة عليهم. واختلف أهل التأويل في الذي عنى الله جل ثناؤه بنهيه عن أكله مما لم يذكر اسم الله عليه، فقال بعضهم: هو ذبائح كانت العرب تذبحها لآلهتها. ذكر من قال ذلك: 10762 - حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار، قالا: ثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ما قوله: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ؟ قال: يأمر بذكر اسمه على الشراب والطعام والذبح. قلت لعطاء: فما قوله: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ؟ قال: ينهى عن ذبائح كانت في الجاهلية على الاوثان كانت تذبحها العرب وقريش. وقال آخرون: هي الميتة. ذكر من قال ذلك: 10763 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه قال: الميتة.
[ 27 ]
وقال آخرون: بل عنى بذلك كل ذبيحة لم يذكر اسم الله عليها. ذكر من قال ذلك: 10764 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن حميد بن يزيد، قال: سئل الحسن، سأله رجل قال له: أتيت بطير كذا، فمنه ما ذبح، فذكر اسم الله عليه، ومنه ما نسيب أن يذكر اسم الله عليه واختلط الطير ؟ فقال الحسن: كله كله قال: وسألت محمد بن سيرين، فقال: قال الله: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه. 10765 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن أيوب وهشام، عن محمد بن سيرين، عن عبد الله يزيد الخطمي، قال: كلوا من ذبائح أهل الكتاب والمسلمين، ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه. 10766 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يزيد بن هارون، عن أشعث، عن ابن سيرين، عن عبد الله بن يزيد، قال: كنت أجلس إليه في حلقة، فكان يجلس فيها ناس من الانصار هو رأسهم، فإذا جاء سائل فإنما يسأله ويسكتون. قال: فجاءه رجل فسأله، فقال: رجل ذبح فنسي أن يسمي ؟ فتلا هذه الآية: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه حتى فرغ منها. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله عنى بذلك: ما ذبح للاصنام والآلهة، وما مات أو ذبحه من لا تحل ذبيحته. وأما من قال: عنى بذلك ما ذبحه المسلم فنسي ذكر اسم الله، فقول بعيد من الصواب لشذوذه، وخروجه عما عليه الحجة مجمعة من تحليله، وكفى بذلك شاهدا على فساده. وقد بينا فساده من جهة القياس في كتابنا المسمى لطيف القول في أحكام شرائع الدين فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. وأما قوله لفسق فإنه يعني: وإن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه من الميتة وما أهل به لغير الله لفسق. واختلف أهل التأويل في معنى الفسق في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناه: المعصية. فتأويل الكلام على هذا: وإن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه لمعصية لله وإثم. ذكر من قال ذلك:
[ 28 ]
10767 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وإنه لفسق قال: الفسق: المعصية. وقال آخرون: معنى ذلك: الكفر. وأما قوله: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم فقد ذكرنا اختلاف المختلفين في المعني بقوله: وإن الشياطين ليوحون. والصواب من القول فيه. وأما إيحاؤهم إلى أوليائهم، فهو إشارتهم إلى ما أشاروا لهم إليه، إما بقول، وإما برسالة، وإما بكتاب. وقد بينا معنى الوحي فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقد: 10768 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا عكرمة، عن أبي زميل، قال: كنت قاعدا عند ابن عباس، فجاءه رجل من أصحابه، فقال: يا أبا عباس، زعم أبو إسحاق أنه أوحي إليه الليلة يعني المختار بن أبي عبيد فقال ابن عباس: صدق فنفرت فقلت: يقول ابن عباس صدق ؟ فقال ابن عباس: هما وحيان: وحي الله، ووحي الشيطان فوحي الله إلى محمد، ووحي الشياطين إلى أوليائهم. ثم قال: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم. وأما الاولياء: فهم النصراء والظهراء في هذا الموضع. ويعني بقوله: ليجادلوكم ليخاصموكم، بالمعني الذي قد ذكرت قبل. وأما قوله: وإن أطعتموهم إنكم لمشركون فإنه يعني: وإن أطعتموهم في أكل الميتة وما حرم عليكم ربكم كما: 10769 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: وإن أطعتموهم يقول: وإن أطعتموهم في أكل ما نهيتكم عنه. 10770 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وإن أطعتموهم فأكلتم الميتة.
[ 29 ]
وأما قوله: إنكم لمشركون يعني: إنكم إذا مثلهم، إذ كان هؤلاء يأكلون الميتة استحلالا، فإذا أنتم أكلتموها كذلك فقد صرتم مثلهم مشركين. واختلف أهل العلم في هذه الآية: هل نسخ من حكمها شئ أم لا ؟ فقال بعضهم: لم ينسخ منها شئ وهي محكمة فيما عنيت به، وعلى هذا قول عامة أهل العلم. وروى عن الحسن البصري وعكرمة، ما: 10771 - حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري قالا: قال: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق فنسخ واستثنى من ذلك، فقال: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم. والصواب من القول في ذلك عندنا، أن هذه الآية محكمة فيما أنزلت لم ينسخ منها شئ، وأن طعام أهل الكتاب حلال وذبائحهم ذكية. وذلك مما حرم الله على المؤمنين أكله بقوله: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه بمعزل، لان الله إنما حرم علينا بهذه الآية الميتة وما أهل به للطواغيت، وذبائح أهل الكتاب ذكية سموا عليها أو لم يسموا لانهم أهل توحيد وأصحاب كتب لله يدينون بأحكامها، يذبحون الذبائح بأديانهم كما ذبح المسلم بدينه، سمى الله على ذبيحته أو لم يسمه، إلا أن يكون ترك من ذكر تسمية الله على ذبيحته على الدينونة بالتعطيل، أو بعبادة شئ سوى الله، فيحرم حينئذ أكل ذبيحته سمى الله عليها أو لم يسم. القول في تأويل قوله تعالى: * (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون) *. وهذا الكلام من الله جل ثناؤه يدل على نهيه المؤمنين برسوله يومئذ عن طاعة بعض المشركين الذين جادلوهم في أكل الميتة بما ذكرنا عنهم من جدالهم إياهم به، وأمره إياهم بطاعة مؤمن منهم كان كافرا، فهداه جل ثناؤه لرشده ووفقه للايمان، فقال لهم: إطاعة من كان ميتا، يقول: من كان كافرا. فجعله جل ثناؤه لانصرافه عن طاعته وجهله بتوحيده وشرائع دينه وتركه الاخذ بنصيبه من العمل لله بما يؤديه إلى نجاته، بمنزلة الميت الذي لا
[ 30 ]
ينفع نفسه بنافعة ولا يدفع عنها من مكروه نازلة فأحييناه يقول: فهديناه للاسلام، فأنعشناه، فصار يعرف مضار نفسه ومنافعها، ويعمل في خلاصها من سخط الله وعقابه في معاده، فجعل إبصاره الحق تعالى ذكره بعد عماه عنه ومعرفته بوحدانيته وشرائع دينه بعد جهله بذلك حياة وضياء يستضئ به، فيمشي على قصد السبيل ومنهج الطريق في الناس. كمن مثله في الظلمات لا يدري كيف يتوجه وأي طريق يأخذ لشدة ظلمة الليل وإضلاله الطريق، فكذلك هذا الكافر الضال في ظلمات الكفر لا يبصر رشدا ولا يعرف حقا، يعني في ظلمات الكفر. يقول: أفطاعة هذا الذي هديناه للحق وبصرناه الرشاد كطاعة من مثله مثل من هو في الظلمات متردد لا يعرف المخرج منها في دعاء هذا إلى تحريم ما حرم الله وتحليل ما أحل وتحليل هذا ما حرم الله وتحريمه ما أحل ؟. وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في رجلين بأعيانهما معروفين، أحدهما مؤمن، والآخر كافر. ثم اختلف أهل التأويل فيهما، فقال بعضهم: أما الذي كان ميتا فأحياه الله فعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأما الذي مثله في الظلمات ليس بخارج منها: فأبو جهل بن هشام. ذكر من قال ذلك: 10772 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: أخبرنا سليمان بن أبي هوذة، عن شعيب السراج، عن أبي سنان عن الضحاك، في قوله: أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس قال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه. كمن مثله في الظلمات قال: أبو جهل بن هشام. وقال آخرون: بل الميت الذي أحياه الله عمار بن ياسر رضي الله عنه وأما الذي مثله في الظلمات ليس بخارج منها: فأبو جهل بن هشام. ذكر من قال ذلك: 10773 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن بشر بن تيم، عن رجل، عن عكرمة: أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس قال: نزلت في عمار بن ياسر. 10774 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن بشر، عن تيم، عن عكرمة: أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس عمار بن ياسر. كمن مثله في الظلمات أبو جهل بن هشام.
[ 31 ]
وبنحو الذي قلنا في الآية قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10775 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: أو من كان ميتا فأحييناه قال: ضالا فهديناه، وجعلنا له نورا يمشي به في للناس قال: هدى، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها قال: في الضلالة أبدا. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أو من كان ميتا فأحييناه هديناه، وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات في الضلالة أبدا. 10776 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد: أو من كان ميتا فأحييناه قال: ضالا فهديناه. 10777 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أو من كان ميتا فأحييناه يعني: من كان كافرا فهديناه، وجعلنا له نورا يمشي به في الناس يعني بالنور: القرآن من صدق به وعمل به، كمن مثله في الظلمات يعني بالظلمات: الكفر والضلالة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس يقول: الهدى يمشي به في الناس، يقول: فهو الكافر يهديه الله للاسلام، يقول: كان مشركا فهديناه، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها. 10778 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: أو من كان ميتا فأحييناه هذا المؤمن معه من الله نور وبينة يعمل بها ويأخذ وإليها ينتهي، كتاب الله. كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها وهذا مثل الكافر في الضلالة متحير فيها متسكع، لا يجد مخرجا ولا منفذا. 10779 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط عن السدي: أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس يقول: من كان كافرا فجعلناه مسلما وجلعنا له نورا يمشي به في الناس وهو الاسلام، يقول: هذا كمن هو في الظلمات، يعني الشرك.
[ 32 ]
10780 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وجعلنا له نورا يمشي به في الناس قال: الاسلام الذي هداه الله إليه. كمن مثله في الظلمات ليس من أهل الاسلام. وقرأ: الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور قال: والنور يستضئ به ما في بيته ويبصره، وكذلك الذي آتاه الله هذا النور يستضئ به في دينه ويعمل به في نوره كما يستضئ صاحب هذا السراج. قال: كمن مثله في الظلمات لا يدري ما يأتي ولا ما يقع عليه. القول في تأويل قوله تعالى: كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون. يقول تعالى ذكره: كما خذلت هذا الكافر الذي يجادلكم أيها المؤمنون بالله ورسوله في أكل ما حرمت عليكم من المطاعم عن الحق، فزينت له سوء عمله، فرآه حسنا ليستحق به ما أعددت له من أليم العقاب، كذلك زينت لغيره ممن كان على مثل ما هو عليه من الكفر بالله وآياته ما كانوا يعملون من معاصي الله، ليستوجبوا بذلك من فعلهم ما لهم عند ربهم من النكال. وفي هذا أوضح البيان على تكذيب الله الزاعمين أن الله فوض الامور إلى خلقه في أعمالهم فلا صنع له في أفعالهم، وأنه قد سوى بين جميعهم في الاسباب التي بها يصلون إلى الطاعة والمعصية لان ذلك لو كان كما قالوا، لكان قد زين لانبيائه وأوليائه من الضلالة والكفر نظير ما زين من ذلك لاعدائه وأهل الكفر به. وزين لاهل الكفر به من الايمان به نظير الذي زين منه لانبيائه وأوليائه. وفي إخباره جل ثناؤه أنه زين لكل عامل منهم عمله ما ينبئ عن تزيين الكفر والفسوق والعصيان، وخص أعداءه وأهل الكفر بتزيين الكفر لهم والفسوق والعصيان، وكره إليهم الايمان به والطاعة. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون) *. يقول جل ثناؤه: وكما زينا للكافرين ما كانوا يعملون، كذلك جعلنا بكل قرية
[ 33 ]
عظماءها مجرميها، يعني: أهل الشرك بالله والمعصية له ليمكروا فيها بغرور من القول أو بباطل من الفعل بدين الله وأنبيائه. وما يمكرون: أي ما يحيق مكرهم ذلك، إلا بأنفسهم، لان الله تعالى ذكره من وراء عقوبتهم على صدهم عن سبيله. وهم لا يشعرون، يقول: لا يدرون ما قد أعد الله لهم من أليم عذابه، فهم في غيهم وعتوهم على الله يتمادون. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10781 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أكابر مجرميها قال: عظماءها. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 10782 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أكابر مجرميها قال: عظماءها. 10783 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: نزلت في المستهزئين. قال ابن جريج: عن عمرو، عن عطاء، عن عكرمة: أكابر مجرميها... إلى قوله: بما كانوا يمكرون بدين الله وبنبيه عليه الصلاة والسلام وعباده المؤمنين. والاكابر: جمع أكبر، كما الافاضل: جمع أفضل. ولو قيل: هو جمع كبير، فجمع أكابر، لانه قد يقال أكبر، كما قيل: قل هل أنبئكم بالاخسرين أعمالا واحدهم الخاسر لكان صوابا. وحكي عن العرب سماعا: الاكابرة والاصاغرة، والاكابر والاصاغر بغير الهاء على نية النعت، كما يقال: هو أفضل منك. وكذلك تفعل العرب بما جاء من النعوت على أفعل إذا أخرجوها إلى الاسماء، مثل جمعهم الاحمر والاسود: الاحامر والاحامرة، والاساود والاساودة ومنه قول الشاعر:
[ 34 ]
إن الاحامرة الثلاثة أهلكت مالي وكنت بهن قدما مولعا الخمر واللحم السمين أديمه والزعفران فلن أزال مبقعا وأما المكر: فإنه الخديعة والاحتيال للممكور به بالغدر ليورطه الماكر به مكروها من الامر. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل مآ أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون) *. يقول تعالى ذكره: وإذا جاءت هؤلاء المشركين الذين يجادلون المؤمنين بزخرف القول فيما حرم الله عليهم ليصدوا عن سبيل الله آية يعني: حجة من الله على صحة ما جاءهم به محمد (ص) من عند الله وحقيقته، قالوا لنبي الله وأصحابه: لن نؤمن يقول: يقولون: لن نصدق بما دعانا إليه محمد (ص) من الايمان به، وبما جاء به من تحريم ما ذكر أن الله حرمه علينا حتى نؤتى يعنون: حتى يعطيهم الله من المعجزات مثل الذي أعطى موسى من فلق البحر، وعيسى من إحياء الموتى وإبراء الاكمه والابرص. يقول تعالى ذكره: الله أعلم حيث يجعل رسالته يعني بذلك جل ثناؤه: أن آيات الانبياء والرسل لم يعطها من البشر إلا رسول مرسل، وليس العادلون بربهم الاوثان والاصنام منهم فيعطوها. يقول جل ثناؤه: فأنا أعلم بمواضع رسالاتي ومن هو لها أهل، فليس لكم أيها المشركون أن تتخيروا ذلك علي أنتم، لان تخير الرسول إلى المرسل دون المرسل إليه، والله أعلم إذا أرسل رسالة بموضع رسالاته. القول في تأويل قوله تعالى: سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون.
[ 35 ]
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص)، معلمه ما هو صانع بهؤلاء المتمردين عليه: سيصيب يا محمد الذي اكتسبوا الاثم بشركهم بالله وعبادتهم غيره صغار يعني: ذلة وهوان. كما: 10784 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله قال: الصغار: الذلة. وهو مصدر من قول القائل: صغر يصغر صغارا وصغرا، وهو وأشد الذل. وأما قوله: صغار عند الله فإن معناه: سيصيبهم صغار من عند الله، كقول القائل: سيأتيني رزقي عند الله، بمعنى: من عند الله، يراد بذلك: سيأتيني الذي لي عند الله. وغير جائز لمن قال: سيصيبهم صغار عند الله أن يقول: جئت عند عبد الله بمعنى: جئت من عند عبد الله، لان معنى سيصيبهم صغار عند الله: سيصيبهم الذي عند الله من الذل بتكذيبهم رسوله فليس ذلك بنظير جئت من عند عبد الله. وقوله: وعذاب شديد بما كانوا يمكرون يقول: يصيب هؤلاء المكذبين بالله ورسوله المستحلين ما حرم الله عليهم من الميتة مع الصغار، عذاب شديد بما كانوا يكيدون للاسلام وأهله بالجدال بالباطل والزخرف من القول غرورا لاهل دين الله وطاعته. القول في تأويل قوله تعالى: * (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) *. يقول تعالى ذكره: فمن يرد الله أن يهديه للايمان به وبرسوله وما جاء به من عند ربه فيوفقه له، يشرح صدره للاسلام يقول: فسح صدره لذلك وهونه عليه وسهله له بلطفه ومعونته، حتى يستنير الاسلام في قلبه، فيضئ له ويتسع له صدره بالقبول. كالذي جاء الاثر به عن رسول الله (ص)، الذي: 10785 - حدثنا سوار بن عبد الله العنبري، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال:
[ 36 ]
سمعت أبي يحدث، عن عبد الله بن مرة، عن أبي جعفر، قال: لما نزلت هذه الآية: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام قالوا: كيف يشرح الصدر ؟ قال: إذا نزل النور في القلب انشرح له الصدر وانفسح. قالوا: فهل لذلك آية يعرف بها ؟ قال: نعم، الانابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الفوت. 10786 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن عمرو بن قيس، عن عمرو بن مرة، عن أبي جعفر، قال: سئل النبي (ص): أي المؤمنين أكيس ؟ قال: أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم لما بعده استعدادا. قال: وسئل النبي (ص) عن هذه الآية: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام قالوا: كيف يشرح صدره يا رسول الله ؟ قال: نور يقذف فيه فينشرح له وينفسح قالوا: فهل لذلك من أمارة يعرف بها ؟ قال: الانابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت. حدثنا هناد، قال: ثنا قبيصة، عن سفيان، عن عمرو بن مرة، عن رجل يكني أبا جعفر كان يسكن المدائن، قال: سئل النبي (ص) عن قوله: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام قال: نور يقذف في القلب فينشرح وينفسح. قالوا: يا رسول الله، هل له من أمارة يعرف بها ؟ ثم ذكر باقي الحديث مثله. 10787 - حدثني محمد بن العلاء، قال: ثنا سعيد بن عبد الملك بن واقد الحراني، قال: قال: ثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قيل لرسول الله (ص) حين نزلت هذه الآية: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ؟ قال: إذا دخل النور
[ 37 ]
القلب انفسح وانشرح قالوا: فهل لذلك من أمارة يعرف بها ؟ قال: الانابة إلى دار الخلود، والتنحي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت. حدثني سعيد بن الربيع الرازي، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن خالد بن أبي كريمة، عن عبد الله بن المسور، قال: قرأ رسول الله (ص): فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ثم قال رسول الله (ص): إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح. قالوا: يا رسول الله، وهل لذلك من علامة تعرف ؟ قال: نعم، الانابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت. حدثني ابن سنان القزاز، قال: ثنا محبوب بن الحسن الهاشمي، عن يونس، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله (ص)، قال: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام قالوا: يا رسول الله، وكيف يشرح صدره ؟ قال: يدخل فيه النور فينفسح. قالوا: وهل لذلك من علامة يا رسول الله ؟ قال: التجافي عن دار الغرور، والانابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل أن ينزل الموت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10788 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام أما يشرح صدره للاسلام: فيوسع صدره للاسلام. 10789 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ب لا إله إلا الله. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قراءة: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ب لا إله إلا الله يجعل لها في صدره متسعا.
[ 38 ]
القول في تأويل قوله تعالى: ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا. يقول تعالى ذكره: ومن أراد الله إضلاله عن سبيل الهدى يشغله بكفره وصده عن سبيله، ويجعل صدره بخذلانه وغلبة الكفر عليه حرجا. والحرج: أشد الضيق، وهو الذي لا ينفذ من شدة ضيقه، وهو ههنا الصدر الذي لا تصل إليه الموعظة ولا يدخله نور الايمان لرين الشرك عليه. وأصله من الحرج، والحرج جمع حرجة: وهي الشجرة الملتف بها الاشجار، لا يدخل بينها وبينها شئ لشدة التفافها بها. كما: 10790 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا عبد الله بن عمار رجل من أهل اليمن، عن أبي الصلت الثقفي: أن عمر بن الخطاب رحمة الله عليه قرأ هذه الآية: ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا بنصب الراء. قال: وقرأ بعض من عنده من أصحاب رسول الله (ص) ضيقا حرجا. قال صفوان: فقال عمر: ابغوني رجلا من كنانة واجعلوه راعيا، وليكن مدلجيا قال: فأتوه به، فقال له عمر: يا فتى ما الحرجة ؟ قل: الحرجة فينا: الشجرة تكون بين الاشجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شئ. قال: فقال عمر: كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شئ من الخير. 10791 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا يقول: من أراد الله أن يضله يضيق عليه صدره حتى يجعل الاسلام عليه ضيقا والاسلام واسع، وذلك حين يقول: وما جعل عليكم في الدين من حرج يقول: ما جعل عليكم في الاسلام من ضيق. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: شاكا. ذكر من قال ذلك: 10792 - حدثنا عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا حميد، عن مجاهد: ضيقا حرجا قال: شاكا. 10793 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ضيقا حرجا أما حرجا: فشاكا.
[ 39 ]
وقال آخرون: معناه: ملتبسا. ذكر من قال ذلك: 10794 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: يجعل صدره ضيقا حرجا قال: ضيقا: ملتبسا. حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن الحسن، عن قتادة أنه كان يقرأ: ضيقا حرجا يقول: ملتبسا. وقال آخرون: معناه أنه من شدة الضيق لا يصل إليه الايمان. ذكر من قال ذلك: 10795 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير: يجعل صدره ضيقا حرجا قال: لا يجد مسلكا إلا صعدا. 10796 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عطاء الخراساني: ضيقا حرجا قال: ليس للخير فيه منفذ. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن عطاء الخراساني مثله. 10797 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج عن ابن جريج، قوله: ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا بلا إله إلا الله لا يجد لها في صدره مساغا. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قراءة، في قوله: ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا بلا إله إلا الله، حتى لا يستطيع أن تدخله. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: ضيقا حرجا بفتح الحاء والراء من حرجا، وهي قراءة عامة المكيين والعرقيين، بمعنى: حرجة على ما وصفت. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة: ضيقا حرجا بفتح الحاء وكسر الراء. ثم اختلف الذين قرءوا ذلك في معناه، فقال بعضهم: هو بمعنى الحرج، وقالوا: الحرج بفتح الحاء والراء، والحرج بفتح الحاء وكسر الراء بمعنى واحد، وهما لغتان مشهورتان، مثل الدنف والدنف، والوحد والوحد، والفرد والفرد.
[ 40 ]
وقال آخرون منهم: بل هو بمعنى الاثم من قولهم: فلان آثم حرج. وذكر عن العرب سماعا منها: حرج عليك ظلمي، بمعنى: ضيق وإثم. والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان ولغتان مستفيضتان بمعنى واحد، وبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب لاتفاق معنييهما، وذلك كما ذكرنا من الروايات عن العرب في الوحد والفرد بفتح الحاء من الوحد والراء من الفرد وكسرهما بمعنى واحد. وأما الضيق، فإن عامة القراء على فتح ضاده وتشديد يائه، خلا بعض المكيين فإنه قرأه: ضيقا بفتح الضاد وتسكين الياء وتخفيفه. وقد يتجه لتسكينه ذلك وجهان: أحدهما أن يكون سكنه وهو ينوي معنى التحريك والتشديد، كما قيل: هين لين، بمعنى: هين لين. والآخر أن يكون سكنه بنية المصدر من قولهم: ضاق هذا الامر يضيق ضيقا، كما قال رؤبة: وقد علمنا عند كل مأزق ضيق بوجه الامر أي مضيق ومنه قول الله: ولا تك في ضيق مما يمكرون. وقال رؤبة أيضا: وشفها اللوح بمأزول ضيق بمعنى: ضيق. وحكي عن الكسائي أنه كان يقول: الضيق بالكسر: في المعاش والموضع، وفي الامر الضيق. وفي هذه الآية أبين البيان لمن وفق لفهمها عن أن السبب الذي به توصل إلى الايمان والطاعة غير السبب الذي به توصل إلى الكفر والمعصية، وأن كلا السببين من عند الله وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر عن نفسه أنه يشرح صدر من أراد هدايته للاسلام، ويجعل صدر
[ 41 ]
من أراد إضلاله ضيقا عن الاسلام حرجا، كأنما يصعد في السماء. ومعلوم أن شرح الصدر للايمان خلاف تضييقه له، وأنه لو كان توصل بتضييق الصدر عن الايمان إليه لم يكن بين تضييقه عنه وبين شرحه له فرق، ولكان من ضيق صدره عن الايمان قد شرح صدره له ومن شرح صدره له فقد ضيق عنه، إذ كان موصولا بكل واحد منهما، أعني من التضييق والشرح إلى ما يوصل به إلى الآخر. ولو كان ذلك كذلك، وجب أن يكون الله قد كان شرح صدر أبي جهل للايمان به وضيق صدر رسول الله (ص) عنه وهذا القول من أعظم الكفر بالله. وفي فساد ذلك أن يكون كذلك الدليل الواضح على أن السبب الذي به آمن المؤمنون بالله ورسله وأطاعه المطيعون، غير السبب الذي كفر به الكافرون بالله وعصاه العاصون، وأن كلا السببين من عند الله وبيده، لانه أخبر جل ثناؤه أنه هو الذي يشرح صدر هذا المؤمن به للايمان إذا أراد هدايته، ويضيق صدر هذا الكافر عنه إذا أراد إضلاله. القول في تأويل قوله تعالى: كأنما يصعد في السماء. وهذا مثل من الله تعالى ذكره ضربه لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصوله إليه، مثل امتناعه من الصعود إلى السماء وعجزه عنه لان ذلك ليس في وسعه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10798 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عطاء الخراساني: كأنما يصعد في السماء يقول: مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن عطاء الخراساني، مثله. 10799 - وبه قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قراءة: يجعل صدره ضيقا حرجا بلا إله إلا الله، حتى لا يستطيع أن تدخله، كأنما يصعد في السماء من شدة ذلك عليه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، مثله. 10800 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: كأنما يصعد في السماء من ضيق صدره. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والعراق: كأنما
[ 42 ]
يصعد بمعنى: يتصعد، فأدغموا التاء في الصاد، فلذلك شددوا الصاد. وقرأ ذلك بعض الكوفيين: يصاعد بمعنى: يتصاعد، فأدغم التاء في الصاد وجعلها صادا مشددة. وقرأ ذلك بعض قراء المكيين: كأنما يصعد من صعد يصعد. وكل هذه القراءات متقاربات المعاني وبأيها قرأ القارئ فهو مصيب، غير أني أختار القراءة في ذلك بقراءة من قرأه: كأنما يصعد بتشديد الصاد بغير ألف، بمعنى: يتصعد، لكثرة القراء بها، ولقيل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما تصعدني شئ ما تصعدتني خطبة النكاح. القول في تأويل قوله تعالى: كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون. يقول تعالى ذكره: كما يجعل الله صدر من أراد إضلاله ضيقا حرجا، كأنما يصعد في السماء من ضيقه عن الايمان، فيجزيه بذلك، كذلك يسلط الله الشيطان عليه وعلى أمثاله ممن أبى الايمان بالله ورسوله، فيغويه ويصده عن سبيل الحق. وقد اختلف أهل التأويل في معنى الرجس، فقال بعضهم: هو كل ما لا خير فيه. ذكر من قال ذلك: 10801 - حدثني محمد بن عمر، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الرجس: ما لا خير فيه. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون قال: ما لا خير فيه. وقال آخرون: الرجس: العذاب. ذكر من قال ذلك: 10802 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون قال: الرجس: عذاب الله. وقال آخرون: الرجس: الشيطان. ذكر من قال ذلك: 10803 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: الرجس قال: الشيطان. وكان بعض أهل المعرفة بلغات العرب من الكوفين يقول: الرجس والنجس لغتان. ويحكى عن العرب أنها تقول: ما كان رجسا، ولقد رجس رجاسة، ونجس نجاسة. وكان بعض نحويي البصريين يقول: الرجس والرجز سواء، وهما العذاب.
[ 43 ]
والصواب في ذلك من القول عندي ما قاله ابن عباس، ومن قال: إن الرجس والنجس واحد، للخبر الذي روي عن رسول الله (ص) أنه كان يقول إذا دخل الخلاء: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم. 10804 - حدثني بذلك عبد الرحمن بن البختري الطائي، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن وقتادة، عن أنس، عن النبي (ص). وقد بين هذا الخبر أن الرجس هو النجس القذر الذي لا خير فيه، وأنه من صفة الشيطان. ] القول في تأويل قوله تعالى: * (وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون) *. يقول تعالى ذكره: وهذا الذي بينا لك يا محمد في هذه السورة وغيرها من سور القرآن، هو صراط ربك، يقول: طريق ربك ودينه الذي ارتضاه لنفسه دينا وجعله مستقيما لا اعوجاج فيه، فاثبت عليه وحرم ما حرمته عليك وأحلل ما أحللته لك، فقد بينا الآيات والحجج على حقيقة ذلك وصحته لقوم يذكرون، يقول: لمن يتذكر ما احتج الله به عليه من الآيات والعبر، فيعتبر بها. وخص بها الذين يتذكرون، لانهم هم أهل التمييز والفهم وأولو الحجا والفضل، فقيل: يذكرون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10805 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وهذا صراط ربك مستقيما يعني به الاسلام. القول في تأويل قوله تعالى: * (لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون) *. يعني تعالى ذكره بقوله لهم للقوم الذين يذكرون آيات الله فيعتبرون بها ويوقنون بدلالتها على ما دلت عليه من توحيد الله، ومن نبوة نبيه محمد (ص)، وغير ذلك، فيصدقون
[ 44 ]
بما وصلوا بها إلى علمه من ذلك. وأما دار السلام، فهي دار الله التي أعدها لاوليائه في الآخرة جزاء لهم على ما أبلوا في الدنيا في ذات الله وهي جنته. والسلام: اسم من أسماء الله تعالى، كما قال السدي. 10806 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: لهم دار السلام عند ربهم الله هو السلام، والدار: الجنة. وأما قوله: وهو وليهم فإنه يقول: والله ناصر هؤلاء القوم الذين يذكرون آيات الله. بما كانوا يعملون يعني جزاء بما كانوا يعملون من طاعة الله، ويتبعون رضوانه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس وقال أولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنآ أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شآء الله إن ربك حكيم عليم) *. يعني تعالى ذكره بقوله: ويوم يحشرهم جميعا: ويوم يحشر هؤلاء العادلين بالله الاوثان والاصنام وغيرهم من المشركين مع أوليائهم من الشياطين الذين كانوا يوحون إليهم زخرف القول غرورا ليجادلوا به المؤمنين، فيجمعهم جميعا في موقف القيامة. يقول للجن: يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس وحذف يقول للجن من الكلام اكتفاء بدلالة ما ظهر من الكلام عليه منه. وعني بقوله: قد استكثرتم من الانس استكثرتم من إضلالهم وإغوائهم. كما: 10807 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوله: ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس يعني: أضللتم منهم كثيرا. 10808 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس قال: قد أضللتم كثيرا من الانس. 10809 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: قد استكثرتم من الانس قال: كثر من أغويتم.
[ 45 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 10810 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الحسن: قد استكثرتم من الانس يقول: أضللتم كثيرا من الانس. القول في تأويل قوله تعالى: وقال أولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض. يقول تعالى ذكره: فيجيب أولياء الجن من الانس، فيقولون: ربنا استمتع بعضنا ببعض في الدنيا. فأما استمتاع الانس بالجن، فكان كما: 10811 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: ربنا استمتع بعضنا ببعض قال: كان الرجل في الجاهلية ينزل الارض فيقول: أعوذ بكبير هذا الوادي فذلك استمتاعهم، فاعتذروا يوم القيامة. وأما استمتاع الجن بالانس، فإنه كان فيما ذكر، ما ينال الجن من الانس من تعظيمهم إياهم في استعاذتهم بهم، فيقولون: قد سدنا الجن والانس. القول في تأويل قوله تعالى: وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا. يقول تعالى ذكره: قالوا: وبلغنا الوقت الذي وقت لموتنا. وإنما يعني جل ثناؤه بذلك أنهم قالوا: استمتع بعضنا ببعض أيام حياتنا إلى حال موتنا. كما: 10812 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، وأما قوله: وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا فالموت. القول في تأويل قوله تعالى: قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم. وهذا خبر من الله تعالى ذكره عما هو قائل لهؤلاء الذين يحشرهم يوم القيامة من العادلين به في الدنيا الاوثان ولقرنائهم من الجن، فأخرج الخبر عما هو كائن مخرج الخبر عما كان لتقدم الكلام قبله بمعناه والمراد منه، فقال: قال الله لاولياء الجن من الانس الذين قد تقدم خبره عنهم: النار مثواكم يعني نار جهنم مثواكم الذي تثوون فيه: أي تقيمون فيه. والمثوى: هو المفعل، من قولهم: ثوى فلان بمكان كذا، إذا أقام فيه. خالدين فيها يقول: لابثين فيها، إلا ما شاء الله يعني: إلا ما شاء الله من قدر مدة ما بين مبعثهم
[ 46 ]
من قبورهم إلى مصيرهم إلى جهنم، فتلك المدة التي استثناها الله من خلودهم في النار. إن ربك حكيم في تدبيره في خلقه، وفي تصريفه إياهم في مشيئته من حال إلى حال وغير ذلك من أفعاله. عليم بعواقب تدبيره إياهم، وما إليه صائر أمرهم من خير وشر. وروي عن ابن عباس أنه كان يتأول في هذا الاستثناء أن الله جعل أمر هؤلاء القوم في مبلغ عذابه إياهم إلى مشيئته. 10813 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم قال: إن هذه الآية آية لا ينبغي لاحد أن يحكم على الله في خلقه أن لا ينزلهم جنة ولا نارا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) *. اختلف أهل التأويل في تأويل نولي فقال بعضهم: معناه: نجعل بعضهم لبعض وليا على الكفر بالله. ذكر من قال ذلك: 10814 - حدثنا يونس، قال: ثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون وإنما يولي الله بين الناس بأعمالهم. فالمؤمن ولي المؤمن أين كان وحيث كان، والكافر ولي الكافر أينما كان وحيثما كان. ليس الايمان بالتمني ولا بالتحلي. وقال آخرون: معناه: نتبع بعضهم بعضا في النار من الموالاة، وهو المتابعة بين الشئ والشئ، من قول القائل: واليت بين كذا وكذا: إذا تابعت بينهما. ذكر من قال ذلك: 10815 - حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا في النار يتبع بعضهم بعضا. وقال آخرون: معنى ذلك: نسلط بعض الظلمة على بعض. ذكر من قال ذلك: 10816 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا قال: ظالمي الجن وظالمي الانس. وقرأ: ومن
[ 47 ]
يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين قال: نسلط ظلمة الجن على ظلمة الانس. وأولى هذه الاقوال في تأويل ذلك بالصواب، قول من قال: معناه: وكذلك نجعل بعض الظالمين لبعض أولياء. لان الله ذكر قبل هذه الآية ما كان من قول المشركين، فقال جل ثناؤه: وقال أولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض، وأخبر جل ثناؤه أن بعضهم أولياء بعض، ثم عقب خبره ذلك بخبره عن أن ولاية بعضهم بعضا بتوليته إياهم، فقال: وكما جعلنا بعض هؤلاء المشركين من الجن والانس أولياء بعض يستمتع بعضهم ببعض، كذلك نجعل بعضهم أولياء بعض في كل الامور بما كانوا يكسبون من معاصي الله ويعملونه. القول في تأويل قوله تعالى: * (يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين) *. وهذا خبر من الله جل ثناؤه عما هو قائل يوم القيامة لهؤلاء العادلين به من مشركي الانس والجن، يخبر أنه يقول لهم تعالى ذكره يومئذ: يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي يقول: يخبرونكم بما أوحي إليهم من تنبيهي إياكم على مواضع حججي وتعريفي لكم أدلتي على توحيدي، وتصديق أنبيائي، والعمل بأمري والانتهاء إلى حدودي. وينذرونكم لقاء يومكم هذا يقول: يحذرونكم لقاء عذابي في يومكم هذا وعقابي على معصيتكم إياي، فتنتهوا عن معاصي. وهذا من الله جل ثناؤه تقريع وتوبيخ لهؤلاء الكفرة على ما سلف منهم في الدنيا من الفسوق والمعاصي، ومعناه: قد أتاكم رسل منكم ينبهونكم على خطإ ما كنتم عليه مقيمين بالحجج البالغة، وينذرونكم وعيد الله على مقامكم على ما كنتم عليه مقيمين، فلم تقبلوا ذلك ولم تتذكروا ولم تعتبروا. واختلف أهل التأويل في الجن، هل أرسل منهم إليهم أم لا ؟ فقال بعضهم: قد أرسل إليه رسل كما أرسل إلى الانس منهم رسل. ذكر من قال ذلك:
[ 48 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سئل الضحاك عن الجن: هل كان فيهم نبي قبل أن يبعث النبي (ص) ؟ فقال: ألم تسمع إلى قول الله: يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي يعني بذلك: رسلا من الانس ورسلا من الجن ؟ فقالوا: بلى. وقال آخرون: لم يرسل منهم إليهم رسول، ولم يكن له من الجن قط رسول مرسل، وإنما الرسل من الانس خاصة. فأما من الجن فالنذر. قالوا: وإنما قال الله: ألم يأتكم رسل منكم والرسل من أحد الفريقين، كما قال: مرج البحرين يلتقيان ثم قال: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح دون العذب منهما وإنما معنى ذلك: يخرج من بعضهما أو من أحدهما. قال: وذلك كقول القائل لجماعة أدور إن في هذه الدور لشرا، وإن كان الشر في واحدة منهن، فيخرج الخبر عن جميعهن والمراد به الخبر عن بعضهن، وكما يقال: أكلت خبزا ولبنا: إذا اختلطا ولو قيل: أكلت لبنا، كان الكلام خطأ، لان اللبن يشرب ولا يؤكل. ذكر من قال ذلك: 10818 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم قال: جمعهم كما جمع قوله: ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها ولا يخرج من الانهار حلية. قال ابن جريج: قال ابن عباس: هم الجن لقوا قومهم، وهم رسل إلى قومهم. فعلى قول ابن عباس هذا، أن من الجن رسلا للانس إلى قومهم. فتأويل الآية على هذا التأويل الذي تأوله ابن عباس: ألم يأتكم أيها الجن والانس رسل منكم ؟ فأما رسل الانس، فرسل من الله إليهم وأما رسل الجن، فرسل رسل الله من بني آدم، وهم الذين إذ سمعوا القرآن ولوا إلى قومهم منذرين. وأما الذين قالوا بقول الضحاك، فإنهم قالوا: إن الله تعالى ذكره أخبر أن من الجن رسلا أرسلوا إليهم، كما أخبر أن من الانس رسلا أرسلوا إليهم. قالوا: ولو جاز أن يكون
[ 49 ]
خبره عن رسل الجن بمعنى أنهم رسل الانس، جاز أن يكون خبره عن رسل الانس بمعنى أنهم رسل الجن. قالوا: وفي فساد هذا المعنى ما يدل على أن الخبرين جميعا بمعنى الخبر عنهم أنهم رسل الله، لان ذلك هو المعروف في الخطاب دون غيره القول في تأويل قوله تعالى: قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين. وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن قول مشركي الجن والانس عند تقريعه إياهم بقوله لهم ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا أنهم يقولون شهدنا على أنفسنا بأن رسلك قد أتتنا بآياتك، وأنذرتنا لقاء يومنا هذا، فكذبناها وجحدنا رسالتها، ولم نتبع آياتك ولم نؤمن بها. قال الله خبرا مبتدأ: وغرت هؤلاء العادلين بالله الاوثان والاصنام وأولياءهم من الجن، الحياة الدنيا يعني: زنية الحياة الدنيا وطلب الرياسة فيها والمنافسة عليها، أن يسلموا لامر الله فيطيعوا فيها رسله، فاستكبروا وكانوا قوما عالين. فاكتفى بذكر الحياة الدنيا من ذكر المعاني التي غرتهم وخدعتهم فيها، إذ كان في ذكرها متكفى عن ذكر غيرها لدلالة الكلام على ما ترك ذكره، يقول الله تعالى: وشهدوا على أنفسهم يعني هؤلاء العادلين به يوم القيامة أنهم كانوا في الدنيا كافرين به وبرسله، لتتم حجة الله عليهم بإقرارهم على أنفسهم بما يوجب عليهم عقوبته وأليم عذابه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون) *. يقول تعالى ذكره: ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم: أي إنما أرسلنا الرسل يا محمد إلى من وصفت أمره، وأعلمتك خبره من مشركي الانس والجن يقصون عليهم آياتي وينذرونهم لقاء معادهم إلي، من أجل أن ربك لم يكن مهلك القرى بظلم. وقد يتجه من التأويل في قوله: بظلم وجهان: أحدهما: ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم: أي بشرك من أشرك، وكفر من كفر من أهلها، كما قال لقمان: إن الشرك لظلم عظيم. وأهلها غافلون يقول: لم يكن يعاجلهم بالعقوبة حتى يبعث
[ 50 ]
إليهم رسلا تنبههم على حجج الله عليهم، وتنذرهم عذاب الله يوم معادهم إليه، ولم يكن بالذي يأخذهم غفلة فيقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير. والآخر: ذلك أن لم ربك يكن مهلك القرى بظلم يقول: لم يكن ليهلكهم دون التنبيه والتذكير بالرسل والآيات والعبر، فيظلمهم بذلك، والله غير ظلام للعبيد. وأولى القولين بالصواب عندي القول الاول، أن يكون معناه: أن لم يكن ليهلكهم بشركهم دون إرسال الرسل إليهم والاعذار بينه وبينهم، وذلك أن قوله: ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم عقيب قوله: ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فكان في ذلك الدليل الواضح على أن نص قوله: ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم إنما هو إنما فعلنا ذلك من أجل أنا لا نهلك القرى بغير تذكير وتنبيه. وأما قوله: ذلك فإنه يجوز أن يكون نصبا، بمعنى: فعلنا ذلك، ويجوز أن يكون رفعا بمعنى الابتداء، كأنه قال: ذلك كذلك. وأما أن فإنها في موضع نصب بمعنى: فعلنا ذلك من أجل أن لم يكن ربك مهلك القرى، فإذا حذف ما كان يخفضها تعلق بها الفعل فنصب. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون) *. يقول تعالى ذكره: ولكل عامل في طاعة الله أو معصيته منازل ومراتب من عمله، يبلغه الله إياها، ويثيبه بها، إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا. وما ربك بغافل عما يعملون يقول جل ثناؤه: وكل ذلك من عملهم يا محمد بعلم من ربك يحصيها ويثبتها لهم عنده ليجازيهم عليها عند لقائهم إياه ومعادهم إليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشآء كمآ أنشأكم من ذرية قوم آخرين) *. يقول جل ثناؤه: وربك يا محمد الذي أمر عباده بما أمرهم به ونهاهم عما نهاهم عنه وأثابهم على الطاعة وعاقبهم على المعصية، الغنى عن عباده، الذين أمرهم بما أمر ونهاهم عما نهى، وعن أعمالهم وعبادتهم إياه، وهم المحتاجون إليه، لانه بيده حياتهم ومماتهم وأرزاقهم وأقواتهم ونفعهم وضرهم، يقول عز ذكره: فلم أخلقهم يا محمد ولم آمرهم بما
[ 51 ]
أمرتهم به وأنههم عما نهيتهم عنه، لحاجة لي إليهم ولا إلى أعمالهم، ولكن لا تفضل عليهم برحمتي وأثيبهم على إحسانهم إن أحسنوا، فإني ذو الرأفة والرحمة. وأما قوله: إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء فإنه يقول: إن يشأ ربك يا محمد الذي خلق خلقه لغير حاجة منه إليهم وإلى طاعتهم إياه يذهبكم يقول: يهلك خلقه هؤلاء الذين خلقهم من ولد آدم ويستخلف من بعدكم ما يشاء يقول: ويأت بخلق غيركم، وأمم سواكم يخلفونكم في الارض من بعدكم، يعني: من بعد فنائكم وهلاككم. كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين كما أحدثكم وابتدعكم من بعد خلق آخرين كانوا قبلكم. ومعنى من في هذا الموضع: التعقيب، كما يقال في الكلام أعطيتك من دينارك ثوبا، بمعنى: مكان الدينار ثوبا، لا أن الثوب من الدينار بعض، كذلك الذين خوطبوا بقوله: كما أنشأكم لم يرد بإخبارهم هذا الخبر أنهم أنشئوا من أصلاب قوم آخرين، ولكن معنى ذلك ما ذكرنا من أنهم أنشئوا مكان خلق خلف قوم آخرين قد هلكوا قبلهم. والذرية من قول القائل: ذرأ الله الخلق، بمعنى خلقهم فهو يذرؤهم، ثم ترك الهمزة فقيل: ذرا الله، ثم أخرج الفعيلة بغير همز على مثال العلية. وقد روى عن بعض المتقدمين أنه كان يقرأ: من ذريئة قوم آخرين على مثال فعيلة. وعن آخر أنه كان يقرأ: ومن ذرية على مثال علية. والقراءة التي عليها القراء في الامصار: ذرية بضم الذال وتشديد الياء على مثال علية. وقد بينا اشتقاق ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته ههنا. وأصل الانشاء: الاحداث، يقال: قد أنشأ فلان يحدث القوم، بمعنى: ابتدأ وأخذ فيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين) *. يقول تعالى ذكره للمشركين به: أيها العادلون بالله الاوثان والاصنام، إن الذي يوعدكم به ربكم من عقابه على إصراركم على كفركم واقع بكم وما أنتم بمعجزين،
[ 52 ]
يقول: لن تعجزوا ربكم هربا منه في الارض فتفوتوه، لانكم حيث كنتم في قبضته، وهو عليكم وعلى عقوبتكم بمعصيتكم إياه قادر، يقول: فاحذروه، وأنيبوا إلى طاعته قبل نزول البلاء بكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لقومك من قريش، الذين يجعلون مع الله إلها آخر: اعملوا على مكانتكم يقول: اعملوا على حيالكم وناحيتكم. كما: 10819 - حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يا قوم اعملوا على مكانتكم يعني على ناحيتكم. يقال منه: هو يعمل على مكانته ومكينته. وقرأ ذلك بعض الكوفيين: على مكاناتكم على جمع المكانة. والذي عليه قراء الامصار: على مكانتكم على التوحيد. إني عامل يقول جل ثناؤه لنبيه: قل لهم: اعملوا ما أنتم عاملون، فإني عامل ما أنا عامله مما أمرني به ربي. فسوف تعلمون يقول: فسوف تعلمون عند نزول نقمة الله بكم، أينا كان المحق في عمله والمصيب سبيل الرشاد، أنا أم أنتم ؟ وقوله تعالى ذكره لنبيه: قل لقومك يا قوم اعملوا على مكانتكم أمر منه له بوعيدهم وتهديدهم، لا إطلاق لهم في عمل ما أرادوا من معاصي الله. القول في تأويل قوله تعالى: من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون. يعني بقوله جل ثناؤه: من تكون له عاقبة الدار فسوف تعلمون أيها الكفرة بالله عند معاينتكم العذاب، من الذي تكون له عاقبة الدار منا ومنكم، يقول: من الذي يعقب دنياه ما هو خير له منها أو شر منها بما قدم فيها من صالح أعماله أو سيئها. ثم ابتدأ الخبر جل ثناؤه فقال: إنه لا يفلح الظالمون يقول: إنه لا ينجح ولا يفوز بحاجته عند الله من عمل بخلاف ما أمره الله به من العمل في الدنيا، وذلك معنى ظلم الظالم في هذا الموضع. وفي من التي في قوله: من تكون له وجهان من الاعراب: الرفع على الابتداء، والنصب بقوله: تعلمون لاعمال العلم فيه والرفع فيه أجود، لان معناه: فسوف تعلمون أينا له
[ 53 ]
عاقبة الدار، فالابتداء في أن أصح وأفصح من إعمال العلم فيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون) *. يقول تعالى ذكره: وجعل هؤلاء العادلون بربهم الاوثان والاصنام لربهم مما ذرأ خالقهم، يعني: مما خلق من الحرث والانعام، يقال منه: ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرأ وذروا: إذا خلقهم. نصيبا: يعني قسما وجزءا. ثم اختلف أهل التأويل في صفة النصيب الذي جعلوا لله والذي جعلوه لشركائهم من الاوثان والشيطان، فقال بعضهم: كان ذلك جزءا من حروثهم وأنعامهم يقررونه لهذا، وجزءا لهذا. ذكر من قال ذلك: 10820 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: ثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن عكرمة عن ابن عباس: فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله... الآية، قال: كانوا إذا أدخلوا الطعام فجعلوه حزما جعلوا منها لله سهما وسهما لآلهتهم، وكان إذا هبت الريح من نحو الذي جعلوه لآلهتهم إلى الذي جعلوه لله ردوه إلى الذي جعلوه لآلهتهم وإذا هبت الريح من نحو الذي جعلوه لله إلى الذي جعلوه لآلهتم أقروه ولم يردوه، فذلك قوله: ساء ما يحكمون. 10821 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، في قوله: وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا قال: جعلوا لله من ثمراتهم ومالهم نصيبا وللشيطان والاوثان نصيبا، فإن سقط من ثمرة ما جعلوا لله في نصيب الشيطان تركوه، وإن سقط مما جعلوه للشيطان في نصيب الله التقطوه وحفظوه وردوه إلى نصيب الشيطان. وإن انفجر من سقي ما جعلوه لله في نصيب الشيطان تركوه وإن انفجر من سقي ما جعلوه
[ 54 ]
للشيطان في نصيب الله سدوه، فهذا ما جعلوا من الحروث وسقي الماء. وأما ما جعلوا للشيطان من الانعام، فهو قول الله: ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم... الآية، وذلك أن أعداء الله كانوا إذا احترثوا حرثا أو كانت لهم ثمرة، جعلوا لله منها جزءا وللوثن جزءا، فما كان من حرث أو ثمرة أو شئ من نصيب الاوثان حفظوه وأحصوه، فإن سقط منه شئ فيما سمى لله ردوه إلى ما جعلوا للوثن، وإن سبقهم الماء إلى الذي جعلوه للوثن فسقى شيئا جعلوه لله، جعلوا ذلك للوثن، وإن سقط شئ من الحرث والثمرة التي جعلوا لله فاختلط بالذي جعلوا للوثن، قالوا: هذا فقير، ولم يردوه إلى ما جعلوا لله. وإن سبقهم الماء الذي جعلوا لله فسقى ما سمي للوثن تركوه للوثن. وكانوا يحرمون من أنعامهم: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، فيجعلونه للاوثان، ويزعمون أنهم يحرمونه لله، فقال الله في ذلك: وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا... الآية. 10822 - حدثنا محمد عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا قال: يسمون لله جزءا من الحرث ولشركائهم وأوثانهم جزءا. فما ذهبت به الريح مما سموا لله إلى جزء أوثانهم تركوه، وما ذهب من جزء أوثانهم إلى جزء الله ردوه وقالوا: الله عن هذا غني. والانعام: السائبة والبحيرة التي سموا. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. 10823 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا... الآية، عمد ناس من أهل الضلالة، فجزءوا من حروثهم ومواشيهم جزءا لله وجزءا لشركائهم. وكانوا إذا خالط شئ مما جزءوا لله فيما جزءوا لشركائهم خلوه، فإذا خالط شئ مما جزءوا لشركائهم فيما جزءوا لله ردوه على
[ 55 ]
شركائهم. وكانوا إذا أصابتهم السنة استعانوا بما جزءوا لله وأقروا ما جزءوا لشركائهم، قال الله: ساء ما يحكمون. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا قال: كانوا يجزئون من أموالهم شيئا، فيقولون: هذا لله، وهذا للاصنام التي يعبدون. فإذا ذهب مما جعلوا لشركائهم فخالط ما جعلوا لله ردوه، وإن ذهب مما جعلوه لله فخالط شيئا مما جعلوه لشركائهم تركوه. وإن أصابتهم سنة، أكلوا ما جعلوا لله وتركوا ما جعلوا لشركائهم، فقال الله: ساء ما يحكمون. 10824 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وجلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا... إلى: يحكمون قال: كانوا يقسمون من أموالهم قسما فيجعلونه لله، ويزرعون زرعا فيجعلونه لله، ويجعلون لآلتهم مثل ذلك، فما خرج للآلهة أنفقوه عليها، وما خرج لله تصدقوا به. فإذا هلك الذي يصنعون لشركائهم وكثر الذي لله، قالوا: ليس بد لآلهتنا من نفقة وأخذوا الذي لله فأنفقوه على آلهتهم وإذا أجدب الذي لله وكثر الذي لآلهتهم، قالوا: لو شاء أزكى الذي له فلا يردون عليه شيئا مما للآلهة. قال الله: لو كانوا صادقين فيما قسموا لبئس إذا ما حكموا أن يأخذوا مني ولا يعطوني. فذلك حين يقول: ساء ما يحكمون... وقال آخرون: النصيب الذي كانوا يجعلونه لله فكان يصل منه إلى شركائهم أنهم كانوا لا يأكلون ما ذبحوا لله حتى يسموا الآلهة، وكانوا ما ذبحوه للآلهة يأكلونه ولا يسمون الله عليه. ذكر من قال ذلك: 10825 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا... حتى بلغ: وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم قال: كل شئ جعلوه لله من ذبح يذبحونه لا يأكلونه أبدا حتى يذكروا معه أسماء الآلهة، وما كان للآلهة لم يذكروا اسم الله معه. وقرأ الآية حتى بلغ: ساء ما يحكمون. وأولى التأويلين بالآية، ما قال ابن عباس، ومن قال بمثل قوله في ذلك لان الله جل
[ 56 ]
ثناؤه أخبر أنهم جعلوا لله من حرثهم وأنعامهم قسما مقدرا، فقالوا: هذا لله، وجعلوا مثله لشركائهم، وهم أوثانهم بإجماع من أهل التأويل عليه، فقالوا: هذا لشركائنا وإن نصيب شركائهم لا يصل منه إلى الله، بمعنى: لا يصل إلى نصيب الله، وما كان لله وصل إلى نصيب شركائهم. فلو كان وصول ذلك بالتسمية وترك التسمية، كان أعيان ما أخبر الله عنه أنهم لم يصل جائزا أن تكون قد وصلت، وما أخبر عنه أنه قد وصل لم يصل، وذلك خلاف ما دل عليه ظاهر الكلام لان الذبيحتين تذبح إحداهما لله والاخرى للآلهة، جائز أن تكون لحومهما قد اختلطت وخلطوها، إذ كان المكروه عندهم تسمية الله على ما كان مذبوحا للآلهة دون اختلاط الاعيان واتصال بعضها ببعض. وأما قوله: ساء ما يحكمون فإنه خبر من الله جل ثناؤه عن فعل هؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم. يقول جل ثناؤه: وقد أساءوا في حكمهم إذ أخذوا من نصيبي لشركائهم ولم يعطوني من نصيب شركائهم. وإنما عنى بذلك تعالى ذكره الخبر عن جهلهم وضلالتهم وذهابهم عن سبيل الحق بأنهم لم يرضوا أن عدلوا بمن خلقهم وغذاهم وأنعم عليهم بالنعم التي لا تحصى ما لا يضرهم ولا ينفعهم، حتى فضلوه في إقسامهم عند أنفسهم بالقسم عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شآء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون) *. يقول تعالى ذكره: وكما زين شركاء هؤلاء العادلين بربهم الاوثان والاصنام لهم ما زينوا لهم، من تصييرهم لربهم من أموالهم قسما بزعمهم، وتركهم ما وصل من القسم الذي جعلوه لله إلى قسم شركائهم في قسمهم، وردهم ما وصل من القسم الذي جعلوه لشركائهم إلى قسم نصيب الله إلى قسم شركائهم، كذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم من الشياطين، فحسنوا لهم وأد البنات، ليردوهم يقول: ليهلكوهم، وليلبسوا عليهم دينهم فعلوا ذلك بهم ليخلطوا عليهم دينهم فيلتبس، فيضلوا ويهلكوا بفعلهم ما حرم عليهم الله. ولو شاء الله أن لا يفعلوا ما كانوا يفعلون من قتلهم لم يفعلوه، بأن كان يهديهم للحق ويوفقهم للسداد، فكانوا لا يقتلونهم، ولكن الله خذلهم عن الرشاد فقتلوا أولادهم وأطاعوا الشياطين التي أغوتهم. يقول الله لنبيه متوعدا
[ 57 ]
لهم على عظيم فريتهم على ربهم فيما كانوا يقولون في الانصباء التي يقسمونها هذا لله وهذا لشركائنا وفي قتلهم أولادهم: ذرهم يا محمد وما يفترون وما يتقولون علي من الكذب والزور، فإني لهم بالمرصاد، ومن وراء العذاب والعقاب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10826 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم: زينوا لهم، من قتل أولادهم. 10827 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: قتل أولادهم شركاؤهم شياطينهم يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خيفة العيلة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. 10828 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم... الآية، قال: شركاؤهم زينوا لهم ذلك. ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون. 10829 - حدثني يونس، قال: أخبرنا وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم قال: شياطينهم التي عبدوها، زينوا لهم قتل أولادهم. 10830 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم أمرتهم الشياطين أن يقتلوا البنات. وأما ليردوهم: فيهلكوهم. وأما ليلبسوا عليهم دينهم فيخلطوا عليهم دينهم. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته قراء الحجاز والعراق: وكذلك زين بفتح الزاي من زين لكثير من المشركين قتل أولادهم بنصب القتل، شركاؤهم بالرفع.
[ 58 ]
بمعنى أن شركاء هؤلاء المشركين الذين زينوا لهم قتل أولادهم، فيرفعون الشركاء بفعلهم، وينصبون القتل لانه مفعول به. وقرأ ذلك بعض قراء أهل الشام: وكذلك زين بضم الزاي لكثير من المشركين قتل بالرفع أولادهم بالنصب شركائهم بالخفض، بمعنى: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم. ففرقوا بين الخافض والمخفوض بما عمل فيه من الاسم، وذلك في كلام العرب قبيح غير فصيح. وقد روى عن بعض أهل الحجاز بيت من الشعر يؤيد قراءة من قرأ بما ذكرت من قراءة أهل الشام، رأيت رواة الشعر وأهل العلم بالعربية من أهل العراق ينكرونه، وذلك قول قائلهم: فزججته متمكنا زج القلوص أبي مزاده والقراءة التي لا أستجيز غيرها: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم بفتح الزاي من زين ونصب القتل بوقوع زين عليه وخفض أولادهم بإضافة القتل إليهم، ورفع الشركاء بفعلهم لانهم هم الذين زينوا للمشركين قتل أولادهم على ما ذكرت من التأويل. وإنما قلت: لا أستجيز القراءة بغيرها لاجماع الحجة من القراء عليه، وأن تأويل أهل التأويل بذلك ورد، ففي ذلك أوضح البيان على فساد ما خالفها من القراءة. ولولا أن تأويل جميع أهل التأويل بذلك ورد ثم قرأ قارئ: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم بضم الزاي من زين ورفع القتل وخفض الاولاد والشركاء، على أن الشركاء مخفوضون بالرد على الاولاد بأن الاولاد شركاء آبائهم في النسب والميراث كان جائزا. ولو قرأه كذلك قارئ، غير أنه رفع الشركاء وخفض الاولاد كما يقال: ضرب عبد الله أخوك، فيظهر الفاعل بعد أن جرى الخبر بما لم يسم فاعله، كان ذلك صحيحا في العربية جائزا. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 59 ]
* (وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون) *. وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء الجهلة من المشركين أنهم كانوا يحرمون ويحللون من قبل أنفسهم من غير أن يكون الله أذن لهم بشئ من ذلك. يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء العادلون بربهم من المشركين جهلا منهم، لانعام لهم وحرث: هذه أنعام، وهذا حرث حجر، يعني بالانعام والحرث ما كانوا جعلوه لله ولآلهتهم التي قد مضى ذكرها في الآية قبل هذه. وقيل: إن الانعام: السائبة والوصيلة والبحيرة التي سموا. 10831 - حدثني بذلك محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: الانعام: السائبة والبحيرة التي سموا. والحجر في كلام العرب: الحرام، يقال: حجرت على فلان كذا: أي حرمت عليه، ومنه قول الله: ويقولون حجرا محجورا. ومنه قول المتلمس: حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها حجر حرام ألا ثم الدهاريس وقول رؤبة: وجارة البيت لها حجري
[ 60 ]
يعني: المحرم. ومنه قول الآخر: فبت مرتفقا والعين ساهرة كأن نومي علي الليل محجور أي حرام، يقال: حجر وحجر، بكسر الحاء وضمها. وبضمها كان يقرأ فيما ذكر الحسين وقتادة. 10832 - حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي قال: ثني أبي، عن الحسين، عن قتادة، أنه كان يقرؤها: وحرث حجر يقول: حرام، مضمومة الحاء. وأما القراء من الحجاز والعراق والشام فعلى كسرها، وهي القراءة التي لا أستجيز خلافها لاجماع الحجة من القراء عليها، وأنها اللغة الجودى من لغات العرب. وروي عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: وحرث حرج بالراء قبل الجيم. 10833 - حدثني بذلك الحرث، قال: ثني عبد العزيز، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن ابن عباس: أنه كان يقرؤها كذلك. وهي لغة ثالثة معناها ومعنى الحجر واحد، وهذا كما قالوا: جذب وجبذ، وناء ونأى، ففي الحجر إذن لغات ثلاث: حجر بكسر الحاء والجيم قبل الراء، وحجر بضم الحاء والجيم قبل الراء، وحرج بكسر الحاء والراء قبل الجيم. وبنحو الذي قلنا في تأويل الحجر قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10834 - حدثني عمران بن موسى القزاز، قال: ثنا عبد الوارث، عن حميد، عن مجاهد وأبي عمرو: وحرث حجر يقول: حرام. 10835 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: وحرث حجر فالحجر: ما حرموا من الوصيلة، وتحريم ما حرموا.
[ 61 ]
10836 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وحرث حجر قال: حرام. 10837 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: هذه أنعام وحرث حجر... الآية، تحريم كان عليهم من الشياطين في أموالهم وتغليظ وتشديد، وكان ذلك من الشياطين ولم يكن من الله. 10838 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، أما قوله: وقالوا هذه أنعام وحرث حجر فيقولون: حرام أن نطعم إلا من شئنا. 10839 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: هذه أنعام وحرث حجر نحتجرها على من نريد وعمن لا نريد، لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم، قال: إنما احتجروا ذلك لآلهتهم، وقالوا: لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم قالوا: نحتجرها عن النساء، ونجعلها للرجال. 10840 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أنعام وحرث حجر أما حجر، يقول: محرم. وذلك أنهم كانوا يصنعون في الجاهلية أشياء لم يأمر الله بها، كانوا يحرمون من أنعامهم أشياء لا يأكلونها، ويعزلون من حرثهم شيئا معلوما لآلهتهم، ويقولون: لا يحل لنا ما سمينا لآلهتنا. 10841 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: أنعام وحرث حجر ما جعلوه لله ولشركائهم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. القول في تأويل قوله تعالى: وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون. يقول تعالى ذكره: وحرم هؤلاء الجهلة من المشركين، ظهور بعض أنعامهم، فلا يركبون ظهورها، وهم ينتفعون برسلها ونتاجها، وسائر الاشياء منها غير ظهورها
[ 62 ]
للركوب، وحرموا من أنعامهم أنعاما أخر فلا يحجون عليها ولا يذكرون اسم الله عليها إن ركبوها بحال ولا إن حلبوها ولا إن حملوا عليها. وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10842 - حدثنا سفيان، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، قال: قال لي أبو وائل: أتدري ما أنعام لا يذكرون اسم الله عليها ؟ قال: قلت: لا، قال: أنعام لا يحجون عليها. حدثنا محمد بن عباد بن موسى، قال: ثنا شاذان، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، قال: قال لي أبو وائل: أتدري ما قوله: حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ؟ قال: قلت: لا، قال: هي البحيرة كانوا لا يحجون عليها. 10843 - حدثنا أحمد بن عمرو البصري، قال: ثنا محمد بن سعيد الشهيد، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن أبي وائل: وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها قال: لا يحجون عليها. 10844 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، أما: أنعام حرمت ظهورها فهي البحيرة والسائبة والحام وأما الانعام التي لا يذكرون اسم الله عليها، قال: إذا ولدوها، ولا إن نحروها. 10845 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها قال: كان من إبلهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها ولا في شئ من شأنها لا إن ركبوها، ولا إن حلبوا، ولا إن حملوا، ولا إن منحوا، ولا إن عملوا شيئا. 10846 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأنعام حرمت ظهورها قال: لا يركبها أحد، وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها. وأما قوله: افتراء على الله، فإنه يقول: فعل هؤلاء المشركون ما فعلوا من تحريمهم ما حرموا، وقالوا ما قالوا من ذلك، كذبا على الله، وتخرصا الباطل عليه لانهم أضافوا ما كانوا يحرمون من ذلك على ما وصفه عنهم جل ثناؤه في كتابه إلى أن الله هو الذي حرمه، فنفى الله ذلك عن نفسه، وأكذبهم، وأخبر نبيه والمؤمنين أنهم كذبة فيما يزعمون.
[ 63 ]
ثم قال عز ذكره: سيجزيهم يقول: سيثيبهم ربهم، بما كانوا يفترون على الله الكذب ثوابهم، ويجزيهم بذلك جزاءهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم) *. اختلف أهل التأويل في المعنى بقوله: ما في بطون هذه الانعام فقال بعضهم: عنى بذلك اللبن. ذكر من قال ذلك: 10847 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن ابن عباس: وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا قال: اللبن. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس مثله. 10848 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ألبان البحائر كانت للذكور دون النساء، وإن كانت ميتة اشترك فيها ذكورهم وإناثهم. 10849 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا قال: ما في بطون البحائر: يعني ألبانها، كانوا يجعلونه للرجال دون النساء. 10850 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن زكريا، عن عامر، قال: البحيرة لا يأكل من لبنها إلا الرجال، وإن مات منها شئ أكله الرجال والنساء. 10851 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا... الآية، فهو اللبن كانوا يحرمونه على إناثهم ويشربه ذكرانهم وكانت الشاة إذا ولدت ذكرا
[ 64 ]
ذبحوه وكان للرجال دون النساء، وإن كانت أنثى تركب فلم تذبح، وإن كانت ميتة فهم فيه شركاء. فنهى الله عن ذلك. وقال آخرون: بل عنى بذلك ما في بطون البحائر والسوائب من الاجنة. ذكر من قال ذلك: 10852 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء فهذه الانعام ما ولد منها من حي فهو خالص للرجال دون النساء وأما ما ولد من ميت فيأكله الرجال والنساء. 10853 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن مجاهد: ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا السائبة والبحيرة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وأولى الاقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الكفرة أنهم قالوا في أنعام بأعيانها: ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا دون إناثنا. واللبن مما في بطونها، وكذلك أجنتها، ولم يخصص الله بالخبر عنهم أنهم قالوا بعض ذلك حرام عليهن دون بعض. وإذ كان ذلك كذلك، فالواجب أن يقال: إنهم قالوا ما في بطون تلك الانعام من لبن وجنين حل لذكورهم خالصة دون إناثهم، وإنهم كانوا يؤثرون بذلك رجالهم، إلا أن يكون الذي في بطونها من الاجنة ميتا فيشترك حينئذ في أكله الرجال والنساء. واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله أنثت الخالصة، فقال بعض نحويي البصرة وبعض الكوفيين: أنثت لتحقيق الخلوص، كأنه لما حقق لهم الخلوص أشبه الكثرة، فجرى مجرى راوية ونسابة. وقال بعض نحويي الكوفة: أنثت لتأنيث الانعام، لان ما في بطونها مثلها، فأنثت لتأنيثها. ومن ذكره فلتذكير ما قال: وهي في قراءة عبد الله: خالص قال: وقد تكون الخالصة في تأنيثها مصدرا، كما تقول العافية والعاقبة، وهو مثل قوله: إنا أخلصناهم بخالصة.
[ 65 ]
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: أريد بذلك المبالغة في خلوص ما في بطون الانعام التي كانوا حرموا ما في بطونها على أزواجهم، لذكورهم دون إناثهم، كما فعل ذلك بالراوية والنسابة والعلامة، إذا أريد بها المبالغة في وصف من كان ذلك من صفته، كما يقال: فلان خالصة فلان وخلصانه. وأما قوله: ومحرم على أزواجنا فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني بالازواج، فقال بعضهم: عنى بها النساء. ذكر من قال ذلك: 10854 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: ومحرم على أزواجنا قال: النساء. وقال آخرون: بل عنى بالازواج البنات. ذكر من قال ذلك: 10855 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: ومحرم على أزواجنا قال: الازواج: البنات. وقالوا: ليس للبنات منه شئ. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن هؤلاء المشركين أنهم كانوا يقولون لما في بطون هذه الانعام، يعني أنعامهم: هذا محرم على أزواجنا. والازواج إنما هي نساؤهم في كلامهم، وهن لا شك بنات من هن أولاده، وحلائل من هن أزواجه. وفي قول الله عزوجل: ومحرم على أزواجنا الدليل الواضح على أن تأنيث الخالصة كان لما وصفت من المبالغة في وصف ما في بطون الانعام بالخلوصة للذكور، لانه لو كان لتأنيث الانعام لقيل: ومحرمة على أزواجنا، ولكن لما كان التأنيث في الخالصة لما ذكرت، ثم لم يقصد في المحرم ما قصد في الخالصة من المبالغة، رجع فيها إلى تذكير ما، واستعمال ما هو أولى به من صفته. وأما قوله: وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء فاختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه يزيد بن القعقاع وطلحة بن مصرف في آخرين: وإن تكن ميتة بالتاء في تكن ورفع ميتة، غير أن يزيد كان يشدد الياء من ميتة، ويخففها طلحة. 10856 - حدثني بذلك المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي حماد، قال: ثنا عيسى، عن طلحة بن مصرف.
[ 66 ]
10857 - وحدثنا أحمد بن يوسف، عن القاسم، وإسماعيل بن جعفر، عن يزيد. وقرأ ذلك بعض قراء المدينة والكوفة والبصرة: وإن يكن ميتة بالياء وميتة بالنصب وتخفيف الياء. وكأن من قرأ: وإن يكن بالياء ميتة بالنصب، أرادوا إن يكن ما في بطون تلك الانعام، فذكر يكن لتذكير ما، ونصب الميتة لانه خبر يكن. وأما من قرأ: وإن تكن ميتة فإنه إن شاء الله أراد وإن يكن ما في بطونها ميتة، فأنث تكن لتأنيث ميتة. وقوله: فهم فيه شركاء فإنه يعني أن الرجال وأزواجهم شركاء في أكله لا يحرمونه على أحد منهم، كما ذكرنا عمن ذكرنا ذلك عنه قبل من أهل التأويل. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما: 10858 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء قال: تأكل النساء مع الرجال، إن كان الذي يخرج من بطونها ميتة فهم فيه شركاء، وقالوا: إن شئنا جعلنا للبنات فيه نصيبا وإن شئنا لم نجعل. وظاهر التلاوة بخلاف ما تأوله ابن زيد، لان ظاهرها يدل على أنهم قالوا: إن لم يكن ما في بطونها ميتة، فنحن فيه شركاء بغير شرط مشيئة. وقد زعم ابن زيد أنهم جعلوا ذلك إلى مشيئتهم. القول في تأويل قوله تعالى: سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم. يقول جل ثناؤه: سيجزي: أي سيثيب ويكافئ هؤلاء المفترين عليه الكذب في تحريمهم ما لم يحرمه الله، وتحليلهم ما لم يحلله الله، وإضافتهم كذبهم في ذلك إلى الله. وقوله: وصفهم يعني بوصفهم الكذب على الله، وذلك كما قال جل ثناؤه في موضع آخر من كتابه: وتصف ألسنتهم الكذب والوصف والصفة في كلام العرب واحد، وهما مصدران مثل الوزن والزنة. وبنحو الذي قلنا في معنى الوصف قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10859 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن نجيح، عن مجاهد، في قوله: سيجزيهم وصفهم قال: قولهم الكذب في ذلك.
[ 67 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 10860 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: سيجزيهم وصفهم: أي كذبهم. 10861 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: سيجزيهم وصفهم: أي كذبهم. وأما قوله: حكيم عليم فإنه يقول جل ثناؤه: إن الله في مجازاتهم على وصفهم الكذب وقيلهم الباطل عليه، حكيم في سائر تدبيره في خلقه، عليم بما يصلحهم وبغير ذلك من أمورهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين) *. يقول تعالى ذكره: قد هلك هؤلاء المفترون على ربهم الكذب، العادلون به الاوثان والاصنام، الذين زين لم شركاؤهم قتل أولادهم، وتحريم ما حرمت عليهم من أموالهم، فقتلوا طاعة لها أولادهم، وحرموا ما أحل الله لهم، وجعله لهم رزقا من أنعامهم سفها منهم، يقول: فعلوا ما فعلوا من ذلك جهالة منهم بما لهم وعليهم، ونقص عقول، وضعف أحلام منهم، وقلة فهم بعاجل ضره وآجل مكروهه من عظيم عقاب الله عليه لهم. افتراء على الله يقول: تكذيبا على الله وتخرصا عليه الباطل. قد ضلوا يقول: قد تركوا محجة الحق في فعلهم ذلك، وزالوا عن سواء السبيل. وما كانوا مهتدين يقول: ولم يكن فاعلو ذلك على هدى واستقامة في أفعالهم التي كانوا يفعلون قبل ذلك، ولا كانوا مهتدين للصواب فيها ولا موفقين له. ونزلت هذا الآية في الذين ذكر الله خبرهم في هذه الآيات، من قوله: وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا الذين كانوا يبحرون البحائر، ويسيبون السوائب، ويئدون البنات. كما:
[ 68 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عكرمة، قوله: الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم قال: نزلت فيمن يئد البنات من ربيعة ومضر، كان الرجل يشترط على امرأته أن تستحيي جارية وتئد أخرى، فإذا كانت الجارية التي توأد غدا الرجل أو راح من عند امرأته وقال لها: أنت علي كظهر أمي إن رجعت إليك ولم تئديها فتخد لها في الارض خدا، وترسل إلى نسائها فيجتمعن عندها، ثم يتداولنها، حتى إذا أبصرته راجعا دستها في حفرتها، ثم سوت عليها التراب. 10863 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، ثم ذكر ما صنعوا في أولادهم وأموالهم، فقال: قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله. 10864 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم فقال: هذا صنيع أهل الجاهلية، كان أحدهم يقتل ابنته مخافة السباء والفاقة ويغذو كلبه. وقوله: وحرموا ما رزقهم الله... الآية، وهم أهل الجاهلية جعلوا بحيرة وسائبة ووصيلة وحاميا، تحكما من الشياطين في أموالهم. 10865 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: إذا سرك أن تعلم جهل العرب، فاقرأ ما بعد المائة من سورة الانعام، قوله: قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم... الآية. وكان أبو رزين يتأول قوله: قد ضلوا أنه معني به قد ضلوا قبل هؤلاء الافعال من قتل الاولاد وتحريم الرزق الذي رزقهم الله بأمور غير ذلك. 10866 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن سفيان، عن الاعمش، عن أبي رزين، في قوله: قد خسر الذين قتلوا أولادهم... إلى قوله: قد ضلوا قال: قد ضلوا قبل ذلك. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 69 ]
* (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) *. وهذا إعلام من الله تعالى ذكره ما أنعم به عليهم من فضله، وتنبيه منه لهم على موضع إحسانه، وتعريف منه لهم ما أحل وحرم وقسم في أموالهم من الحقوق لمن قسم له فيها حقا. يقول تعالى ذكره: وربكم أيها الناس أنشأ: أي أحدث وابتدع خلقا، لا الآلهة والاصنام، جنات يعني: بساتين، معروشات وهي ما عرش الناس من الكروم، وغير معروشات: غير مرفوعات مبنيات، لا ينبته الناس ولا يرفعونه، ولكن الله يرفعه وينبته وينميه. كما: 10867 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: معروشات يقول: مسموكات. 10868 - وبه عن ابن عباس: وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات فالمعروشات: ما عرش الناس وغير معروشات: ما خرج في البر والجبال من الثمرات. 10869 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أما جنات فالبساتين وأما المعروشات: فما عرش كهيئة الكرم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قوله: وهو الذي أنشأ جنات معروشات قال: ما يعرش من الكروم. وغير معروشات قال: ما لا يعرش من الكرم. القول في تأويل قوله تعالى: والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر. يقول جل ثناؤه: وأنشأ النخل والزرع مختلفا أكله، يعني بالاكل: الثمر، يقول: وخلق النخل والزرع مختلفا ما يخرج منه مما يؤكل من الثمر والحب والزيتون والرمان، متشابها وغير متشابه في الطعم، منه الحلو والحامض والمز كما:
[ 70 ]
10870 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: متشابها وغير متشابه قال: متشابها في المنظر، وغير متشابه في الطعم. وأما قوله: كلوا من ثمره إذا أثمر فإنه يقول: كلوا من رطبه ما كان رطبا ثمره. كما: 10871 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو همام الاهوازي، قال: ثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب، في قوله: كلوا من ثمره إذا أثمر قال: من رطبه وعنبه. 10872 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا محمد بن الزبرقان، قال: ثنا موسى بن عبيدة في قوله: كلوا من ثمره إذا أثمر قال: من رطبه وعنبه. القول في تأويل قوله تعالى: وآتوا حقه يوم حصاده. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: هذا أمر من الله بإيتاء الصدقة المفروضة من الثمر والحب. ذكر من قال ذلك: 10873 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا يونس، عن الحسن، في قوله: وآتوا حقه يوم حصاده قال: الزكاة. 10874 - حدثنا عمرو، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا يزيد بن درهم، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: وآتوا حقه يوم حصاده قال: الزكاة المفروضة. 10875 - حدثنا عمرو، قال: ثنا معلى بن أسد، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا الحجاج بن أرطاة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: وآتوا حقه يوم حصاده قال: العشر ونصف العشر. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا هانئ بن سعيد، عن حجاج، عن محمد بن عبيد الله، عن عبد الله بن شداد، عن ابن عباس: وآتوا حقه يوم حصاده قال: العشر ونصف العشر. 10876 - حدثنا عمرو بن علي وابن وكيع وابن بشار، قالوا: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إبراهيم بن نافع المكي، عن ابن عباس، عن أبيه، في قوله: وآتوا حقه يوم حصاده قال: الزكاة.
[ 71 ]
10877 - حدثنا عمرو، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا أبو هلال، عن حيان الاعرج، عن جابر بن زيد: وآتوا حقه يوم حصاده قال: الزكاة. 10878 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، في قوله: وآتوا حقه يوم حصاده قال: هي الصدقة. قال: ثم سئل عنها مرة أخرى، فقال: هي الصدقة من الحب والثمار. 10879 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الله، عن عمرو بن سليمان وغيره، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: وآتوا حقه يوم حصاده قال: الصدقة المفروضة. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: وآتوا حقه يوم حصاده قال: هي الصدقة من الحب والثمار. 10880 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: وآتوا حقه يوم حصاده يعني بحقه: زكاته المفروضة، يوم يكال أو يعلم كيله. 10881 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وآتوا حقه يوم حصاده وذلك أن الرجل كان إذا زرع فكان يوم حصاده، وهو أن يعلم ما كيله وحقه، فيخرج من كل عشرة واحدا، وما يلتقط الناس من سنبله. 10882 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وآتوا حقه يوم حصاده وحقه يوم حصاده: الصدقة المفروضة، ذكر لنا أن نبي الله (ص) سن فيما سقت السماء أو العين السائحة، أو سقاه الطل والطل الندى أو كان بعلا العشر كاملا وإن سقى برشاء: نصف العشر. قال قتادة: وهذا فيما يكال من الثمرة، وكان هذا إذا بلغت الثمرة خمسة أوسق، وذلك ثلاث مئة صاع، فقد حق فيها الزكاة، وكانوا يستحبون أن يعطوا مما لا يكال من الثمرة على قدر ذلك. 10883 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وطاوس: وآتوا حقه يوم حصاده قالا: هو الزكاة.
[ 72 ]
10884 - حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن الحجاج، عن سالم المكي، عن محمد ابن الحنفية، قوله: وآتوا حقه يوم حصاده قال: يوم كيله، يعطي العشر أو نصف العشر. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن سالم المكي، عن محمد ابن الحنفية، قوله: وآتوا حقه يوم حصاده قال: العشر، ونصف العشر. 10885 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، وعن قتادة: وآتوا حقه يوم حصاده قالا: الزكاة. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو معاوية الضرير، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: وآتوا حقه يوم حصاده قال: العشر ونصف العشر. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شريك، عن الحكم بن عتيبة، عن ابن عباس، مثله. 10886 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك، يقول في قوله: وآتوا حقه يوم حصاده يعني: يوم كيله ما كان من بر أو تمر أو زبيب. وحقه: زكاته. 10887 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كلوا من ثمره إذا أثمر، وآتوا حقه يوم حصاده قال: كل منه، وإذا حصدته فلت حقه. وحقه: عشوره. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن يونس بن عبيد، عن الحسن أنه قال في هذه الآية: وآتوا حقه يوم حصاده قال: الزكاة إذا كلته. حدثنا عمرو، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، قال: سألت الحسن، عن قوله: وآتوا حقه يوم حصاده قال: الزكاة. 10888 - حدثني ابن البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سألت ابن زيد بن أسلم عن قول الله: وآتوا حقه يوم حصاده فقلت له: هو العشور ؟ قال: نعم، فقلت له: عن أبيك ؟ قال: عن أبي وغيره.
[ 73 ]
وقال آخرون: بل ذلك حق أوجبه الله في أموال أهل الاموال، غير الصدقة المفروضة. ذكر من قال ذلك: 10889 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن أبيه: وآتوا حقه يوم حصاده قال: شيئا سوى الحق الواجب. قال: وكان في كتابه عن علي بن الحسين. 10890 - حدثنا عمرو، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا عبد الملك، عن عطاء، في قوله: وآتوا حقه يوم حصاده قال: القبضة من الطعام. 10891 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بكر، عن ابن جرير، عن عطاء: وآتوا حقه يوم حصاده قال: من النخل والعنب والحب كله. 10892 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أرأيت ما حصدت من الفواكه ؟ قال: ومنها أيضا تؤتي. وقال: من كل شئ حصدت تؤتي منه حقه يوم حصاده، من نخل أو عنب أو حب أو فواكه أو خضر أو قصب، من كل شئ من ذلك. قلت لعطاء: أواجب على الناس ذلك كله ؟ قال: نعم ثم تلا: وآتوا حقه يوم حصاده. قال: قلت لعطاء: وآتوا حقه يوم حصاده هل في ذلك شئ مؤقت معلوم ؟ قال: لا. 10893 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن عبد الملك، عن عطاء، في قوله: وآتوا حقه يوم حصاده قال: يعطي من حصاده يومئذ ما تيسر، وليس بالزكاة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن عبد الملك، عن عطاء: وآتوا حقه يوم حصاده قال: ليس بالزكاة، ولكن يطعم من حضره ساعتئذ حصده. 10894 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن العلاء بن المسيب، عن حماد: وآتوا حقه يوم حصاده قال: كانوا يعطون رطبا. 10895 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد: وآتوا حقه يوم حصاده قال: إذا حضرك المساكين طرحت لهم منه، وإذا أنقيته وأخذت
[ 74 ]
في كيله حثوت لهم منه، وإذا علمت كيله عزلت زكاته، وإذا أخذت في جداد النخل طرحت لهم من التفاريق وإذا أخذت في كيله حثوت لهم منه، وإذا علمت كيله عزلت زكاته. 10896 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد: وآتوا حقه يوم حصاده قال: سوى الفريضة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد: وآتوا حقه يوم حصاده قال: يلقي إلى السؤال عند الحصاد من السنبل، فإذا طبن أو طين الشك من أبي جعفر ألقى إليهم. فإذا حمله فأراد أن يجعله كدسا ألقى إليهم، وإذا داس أطعم منه، وإذا فرغ وعلم كم كيله عزل زكاته. وقال: في النخل عند الجداد يطعم من الثمرة والشماريخ، فإذا كان عند كيله أطعم من التمر، فإذا فرغ عزل زكاته. حدثنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار، قالا: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قوله: وآتوا حقه يوم حصاده قال: إذا حصد الزرع ألقى من السنبل، وإذا جل النخل ألقى من الشماريخ، فإذا كاله زكاه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: عند الحصاد، وعند الدياس، وعند الصرام يقبض لهم منه، فإذا كاله عزل زكاته. وبه عن سفيان، عن مجاهد مثله، إلا أنه قال: سوى الزكاة. حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وآتوا حقه يوم حصاده قال: شئ سوى الزكاة في الحصاد والجداد، إذا حصدوا وإذا جدوا.
[ 75 ]
10897 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، في قول الله: وآتوا حقه يوم حصاده قال: واجب حين يصرم. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد أنه قال: قال في هذه الآية: وآتوا حقه يوم حصاده قال: إذا حصد أطعم، وإذا أدخله البيدر، وإذا داسه أطعم منه. 10898 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن أشعث، عن ابن عمر، قال: يطعم المعتر سوى ما يعطي من العشر ونصف العشر. وبه عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: قبضة عند الحصاد، وقبضة عند الجداد. 10899 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص، عن أشعث، عن ابن سيرين، قال: كانوا يعطون من اعتر بهم الشئ. 10900 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، قال: الضغث. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، قال: يعطي مثل الضغث. حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا حماد، عن إبراهيم: وآتوا حقه يوم حصاده قال: مثل هذا من الضغث. ووضع يحيى إصبعه الابهام على المفصل الثاني من السبابة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، قال: نحو الضعث. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، عن سفيان، عن حماد عن إبراهيم، قال: يعطي ضغثا. 10901 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا كثير بن هشام، قال: ثنا جعفر بن برقان،
[ 76 ]
عن يزد بن الاصم، قال: كان النخل إذا صرم يجئ الرجل بالعذق من نخله فيعلقه في جانب المسجد، فيجئ المسكين فيضربه بعصاه، فإذا تناثر أكل منه. فدخل رسول الله (ص) ومعه حسن أو حسين، فتناول تمرة، فانتزعها من فيه، وكان رسول الله (ص) لا يأكل الصدقة، ولا أهل بيته. فذلك قوله: وآتوا حقه يوم حصاده. 10902 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا خالد بن حيان، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، ويزيد بن الاصم، قالا: كان أهل المدينة إذا صرموا يجيئون بالعذق فيضعونه في المسجد، ثم يجئ السائل فيضربه بعصاه، فيسقط منه، وهو قوله: وآتوا حقه يوم حصاده. حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن جعفر، عن يزيد وميمون، في قوله: وآتوا حقه يوم حصاده قالا: كان الرجل إذا جد النخل يجئ بالعذق فيعلقه في جانب المسجد، فيأتيه المسكين فيضربه بعصاه، فيأكل ما يتناثر منه. 10903 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبيد الله، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس: وآتوا حقه يوم حصاده قال: لقط السنبل. 10904 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن مجاهد، قال: كانوا يعلقون العذق في المسجد عند الصرام، فيأكل منه الضعيف. وبه عن معمر، قال: قال مجاهد: وآتوا حقه يوم حصاده يطعم الشئ عند صرامه. 10905 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير: وآتوا حقه يوم حصاده قال: الضغث وما يقع من السنبل. 10906 - وبه عن سالم، عن سعيد: وآتوا حقه يوم حصاده قال: العلف. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شريك، عن سالم، عن سعيد، في قوله: وآتوا حقه يوم حصاده قال: كان هذا قبل الزكاة للمساكين، القبضة والضغث لعلف دابته.
[ 77 ]
10907 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا محمد بن رفاعة، عن محمد بن كعب، في قوله: وآتوا حقه يوم حصاده قال: ما قل منه أو كثر. 10908 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح: وآتوا حقه يوم حصاده قال: عند الزرع يعطي القبض، وعند الصرام يعطي القبض، ويتركهم فيتتبعون آثار الصرام. وقال آخرون: كان هذا شيئا أمر الله به المؤمنين قبل أن تفرض عليهم الصدقة المؤقتة، ثم نسخته الصدقة المعلومة، فلا فرض في مال كائنا ما كان زرعا كان أو غرسا، إلا الصدقة التي فرضها الله فيه. ذكر من قال ذلك: 10909 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: نسخها العشر ونصف العشر. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص، عن الحجاج، عن الحكم، عن ابن عباس، قال: نسخها العشر ونصف العشر. 10910 - وبه عن حجاج، عن سالم، عن ابن الحنفية، قال: نسخها العشر، ونصف العشر. 10911 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير: وآتوا حقه يوم حصاده قال: هذا قبل الزكاة، فلما نزلت الزكاة نسختها، فكانوا يعطون الضغث. 10912 - حدثنا ابن حميد وأبو وكيع، قالا: ثنا جرير، عن مغيرة، عن شباك، عن إبراهيم: وآتوا حقه يوم حصاده قال: كانوا يفعلون ذلك حتى سن العشر ونصف العشر فلما سن العشر ونصف العشر ترك. حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن مغيرة، عن شباك، عن إبراهيم: وآتوا حقه يوم حصاده قال: هي منسوخة، نسختها العشر ونصف العشر.
[ 78 ]
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم: وآتوا حقه يوم حصاده قال: نسختها العشر ونصف العشر. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن مغيرة، عن شباك، عن إبراهيم، قال: نسختها العشر ونصف العشر. 10913 - وبه عن سفيان، عن يونس، عن الحسن، قال: نسختها الزكاة. 10914 - وبه عن سفيان، عن السدي، قال: نسختها الزكاة: وآتوا حقه يوم حصاده. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن شباك، عن إبراهيم، في قوله: وآتوا حقه يوم حصاده قال: هذه السورة مكية نسختها العشر ونصف العشر، قلت: عمن ؟ قال: عن العلماء. وبه عن سفيان، عن مغيرة، عن شباك، عن إبراهيم، قال: نسختها العشر ونصف العشر. 10916 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، أما: وآتوا حقه يوم حصاده فكانوا إذا مر بهم أحد يوم الحصاد أو الجداد أطعموه منه، فنسخها الله عنهم بالزكاة، وكان فيما أنبتت الارض العشر ونصف العشر. 10916 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الاعلى، عن يونس، عن الحسن، قال: كانوا يرضخون لقرابتهم من المشركين. 10917 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية: وآتوا حقه يوم حصاده قال: نسخه العشر ونصف العشر كانوا يعطون إذا حصدوا وإذا ذروا، فنسختها العشر ونصف العشر. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: كان ذلك فرضا فرضه الله
[ 79 ]
على المؤمنين في طعامهم وثمارهم التي تخرجها زروعهم وغروسهم، ثم نسخه الله بالصدقة المفروضة، والوظيفة المعلومة من العشر ونصف العشر وذلك أن الجميع مجمعون لا خلاف بينهم أن صدقة الحرث لا تؤخذ إلا بعد الدياس والتنقية والتذرية، وأن صدقة التمر لا تؤخذ إلا بعد الجفاف. فإذا كان ذلك كذلك، وكان قوله جل ثناؤه: وآتوا حقه يوم حصاده ينبئ عن أنه أمر من الله جل ثناؤه بإيتاء حقه يوم حصاده، وكان يوم حصاده هو يوم جده وقطعه والحب لا شك أنه في ذلك اليوم في سنبله، والثمر وإن كان ثمر نخل أو كرم غير مستحكم جفوفه ويبسه، وكانت الصدقة من الحب إنما تؤخذ بعد دياسه وتذريته وتنقيته كيلا، والتمر إنما تؤخذ صدقته بعد استحكام يبسه وجفوفه كيلا علم أن ما يؤخذ صدقة بعد حين حصده غير الذي يجب إيتاؤه المساكين يوم حصاده. فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون ذلك إيجابا من الله في المال حقا سوى الصدقة المفروضة ؟ قيل: لانه لا يخلو أن يكون ذلك فرضا واجبا أو نفلا، فإن يكن فرضا واجبا فقد وجب أن يكون سبيله سبيل الصدقات المفروضات التي من فرط في أدائها إلى أهلها كان بربه آثما ولامره مخالفا، وفي قيام الحجة بأن لا فرض لله في المال بعد الزكاة يجب وجوب الزكاة سوى ما يجب من النفقة لمن يلزم المرء نفقته ما ينبئ عن أن ذلك ليس كذلك. أو يكون ذلك نفلا، فإن يكن ذلك كذلك فقد وجب أن يكون الخيار في إعطاء ذلك إلى رب الحرث والثمر، وفي إيجاب القائلين بوجوب ذلك ما ينبئ عن أن ذلك ليس كذلك. وإذا خرجت الآية من أن يكون مرادا بها الندب، وكان غير جائز أن يكون لها مخرج في وجوب الفرض بها في هذا الوقت، علم أنها منسوخة. ومما يؤيد ما قلنا في ذلك من القول دليلا على صحته، أنه جل ثناؤه أتبع قوله: وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ومعلوم أن من حكم الله في عباده مذ فرض في أموالهم الصدقة المفروضة المؤقتة القدر، أن القائم بأخذ ذلك ساستهم ورعاتهم. وإذا كان ذلك كذلك، فما وجه نهي رب المال عن الاسراف في إيتاء ذلك، والآخذ مجبر، وإنما يأخذ الحق الذي فرض الله فيه ؟. فإن ظن ظان أن ذلك إنما هو نهي من الله القيم بأخذ ذلك من الرعاة عن التعدي في مال رب المال والتجاوز إلى أخذ ما لم يبح له أخذه، فإن آخر الآية، وهو قوله: ولا تسرفوا معطوف على أوله وهو قوله: وآتوا حقه يوم حصاده. فإن كان المنهي عن
[ 80 ]
الاسراف القيم بقبض ذلك، فقد يجب أن يكون المأمور بإيتانه المنهي عن الاسراف فيه، وهو السلطان. وذلك قول إن قاله قائل، كان خارجا من قول جميع أهل التأويل ومخالفا المعهود من الخطاب، وكفى بذلك شاهدا على خطئه. فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون معنى قوله: وآتوا حقه يوم حصاده: وآتوا حقه يوم كيله، لا يوم فصله وقطعه، ولا يوم جداده وقطافه، فقد علمت من قال ذلك من أهل التأويل ؟ وذلك ما: 10918 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، في قوله: وآتوا حقه يوم حصاده قال: يوم كيله. 10919 - وحدثنا المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن الحجاج، عن سالم المكي، عن محمد ابن الحنفية، قوله: وآتوا حقه يوم حصاده قال: يوم كيله يعطي العشر ونصف العشر. مع آخرين، قد ذكرت الرواية فيما مضى عنهم بذلك ؟ قيل: لان يوم كيله غير يوم حصاده. ولن يخلو معنى قائلي هذا القول من أحد أمرين: إما أن يكونوا وجهوا معنى الحصاد إلى معنى الكيل، فذلك ما لا يعقل في كلام العرب لان الحصاد والحصد في كلامهم الجد والقطع، لا الكيل. أو يكونوا وجهوا تأويل قوله: وآتوا حقه يوم حصاده إلى وآتوا حقه بعد يوم حصاده إذا كلتموه. فذلك خلاف ظاهر التنزيل، وذلك أن الامر في ظاهر التنزيل بإيتاء الحق منه يوم حصاده لا بعد يوم حصاده. ولا فرق بين قائل: إنما عنى الله بقوله: وآتوا حقه يوم حصاده بعد يوم حصاده، وآخر قال: عنى بذلك قبل يوم حصاده، لانهما جميعا قائلان قولا دليل ظاهر التنزيل بخلافه. القول في تأويل قوله تعالى: ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. اختلف أهل التأويل في الاسراف الذي نهى الله عنه بهذه الآية، ومن المنهي عنه. فقال بعضهم: المنهي عنه: رب النخل والزرع والثمر والسرف الذي نهى الله عنه في هذه الآية، مجاوزة القدر في العطية إلى ما يجحف برب المال. ذكر من قال ذلك:
[ 81 ]
10920 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: ثنا عاصم، عن أبي العالية، في قوله: وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا... الآية، قال: كانوا يعطون شيئا سوى الزكاة، ثم تسارفوا، فأنزل الله: ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن عاصم الاحول، عن أبي العالية: وآتوا حقه يوم حصاده قال: كانوا يعطون يوم الحصاد شيئا سوى الزكاة، ثم تباروا فيه وأسرفوا، فقال الله: ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن عاصم الاحول، عن أبي العالية: وآتوا حقه يوم حصاده قال: كانوا يعطون يوم الحصاد شيئا، ثم تسارفوا، فقال الله: ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. 10921 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، جد نخلا فقال: لا يأتين اليوم أحد إلا أطعمته فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة، فقال الله: ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. 10922 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ولا تسرفوا يقول: لا تسرفوا فيما يؤتى يوم الحصاد، أم في كل شئ ؟ قال: بلى في كل شئ ينهى عن السرف. قال: ثم عاودته بعد حين، فقلت: ما قوله: ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ؟ قال: ينهى عن السرف في كل شئ. ثم تلا: لم يسرفوا ولم يقتروا.
[ 82 ]
10923 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا سفيان بن حسين، عن أبي بشر، قال: أطاف الناس بإياس بن معاوية بالكوفة، فسألوه: ما السرف ؟ فقال: ما تجاوز أمر الله فهو سرف. 10924 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولا تسرفوا لا تعطوا أموالكم فتغدوا فقراء. وقال آخرون: الاسراف الذي نهى الله عنه في هذا الموضع: منع الصدقة والحق الذي أمر الله رب المال بإيتائه أهله بقوله: وآتوا حقه يوم حصاده. ذكر من قال ذلك: 10925 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الله، عن عمرو بن سليم وغيره، عن سعيد بن المسيب، في قوله: ولا تسرفوا قال: لا تمنعوا الصدقة فتعصوا. 10926 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا محمد بن الزبرقان، قال: ثنا محمد بن عبيدة، عن محمد بن كعب: ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين والسرف: أن لا يعطي في حق. وقال آخرون: إنما خوطب بهذا السلطان: نهي أن يأخذ من رب المال فوق الذي ألزم الله ماله. ذكر من قال ذلك: 10927 - حدثنا يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد، في قوله: ولا تسرفوا قال: قال للسلطان: لا تسرفوا، لا تأخذوا بغير حق فكانت هذه الآية بين السلطان وبين الناس، يعني قوله: كلوا من ثمره إذا أثمر... الآية. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى بقوله: ولا تسرفوا عن جميع معاني الاسراف، ولم يخصص منها معنى دون معنى. وإذ كان ذلك كذلك، وكان الاسرف في كلام العرب: الاخطاء بإصابة الحق في العطية، إما بتجاوز حده في الزيادة وإما بتقصير عن حده الواجب كان معلوما أن المفرق ماله مباراة والباذله للناس حتى أجحفت به عطيته، مسرف بتجاوزه حد الله إلى ما كيفته له، وكذلك المقصر في بذله فيما ألزمه الله بذله فيه، وذلك كمنعه ما ألزمه إيتاءه منه أهل سهمان الصدقة إذا وجبت فيه، أو منعه من ألزمه الله نفقته من أهله وعياله ما ألزمه منها، وكذلك السلطان في أخذه من رعيته ما لم يأذن الله بأخذه. كل هؤلاء فيما فعلوا من ذلك مسرفون، داخلون في معنى من أتى ما
[ 83 ]
نهى الله عنه من الاسراف بقوله: ولا تسرفوا في عطيتكم من أموالكم ما يجحف بكم، إذ كان ما قبله من الكلام أمرا من الله بإيتاء الواجب فيه أهله يوم حصاده، فإن الآية قد كانت تنزل على رسول الله (ص) بسبب خاص من الامور والحكم بها على العام، بل عامة آي القرآن كذلك، فكذلك قوله: ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. ومن الدليل على صحة ما قلنا من معنى الاسراف أنه على ما قلنا قول الشاعر: أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية ما في عطائهم من ولا سرف يعني بالسرف: الخطأ في العطية. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن الانعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) *. يقول تعالى ذكره: وأنشأ من الانعام حمولة وفرشا، مع ما أنشأ من الجنات المعروشات وغير المعروشات. والحمولة: ما حمل عليه من الابل وغيرها، والفرش: صغار الابل التي لم تدرك أن يحمل عليها. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: الحمولة: ما حمل عليه من كبار الابل ومسانها والفرش: صغارها التي لا يحمل عليها لصغرها. ذكر من قال ذلك: 10928 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله، في قوله: حمولة وفرشا قال: الحمولة: الكبار من الابل وفرشا: الصغار من الابل. وقال: ثنا أبي، عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة، عن ابن عباس: الحمولة هي الكبار، والفرش: الصغار من الابل. 10929 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، قال: الحمولة: ما حمل من الابل، والفرش: ما لم يحمل. وبه عن إسرائيل، عن خصيف، عن مجاهد: الحمولة: ما حمل من الابل، والفرش: ما لم يحمل.
[ 84 ]
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: وفرشا قال: صغار الابل. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله، في قوله: حمولة وفرشا قال: الحمولة: الكبار، والفرش: الصغار. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن ابن مسعود في قوله: حمولة وفرشا الحمولة: ما حمل من الابل، والفرش: هن الصغار. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص عن عبد الله، أنه قال في هذه الآية: حمولة وفرشا قال: الحمولة: ما حمل عليه من الابل، والفرش: الصغار. قال ابن المثنى، قال محمد، قال شعبة: إنما كان حدثني سفيان عن ابن إسحاق. 10930 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: قال الحسن: الحمولة من الابل والبقر. وقال بعضهم: الحمولة من الابل، وما لم يكن من الحمولة فهو الفرش. 10931 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن: حمولة وفرشا قال: الحمولة: ما حمل عليه، والفرش: حواشيها، يعني صغارها. 10932 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثنا عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ومن الانعام حمولة وفرشا فالحمولة ما حمل من الابل، والفرش: صغار الابل، الفصيل وما دون ذلك مما لا يحمل. ويقال: الحمولة: من البقر والابل، والفرش: الغنم. وقال آخرون: الحمولة: ما حمل عليه من الابل والخيل والبغال وغير ذلك، والفرش: الغنم. ذكر من قال ذلك: 10933 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن
[ 85 ]
علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: ومن الانعام حمولة وفرشا فأما الحمولة: فالابل والخيل والبغال والحمير، وكل شئ يحمل عليه وأما الفرش: فالغنم. 10934 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبيد الله، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس: الحمولة من الابل: والبقر، وفرشا: المعز والضأن. 10935 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ومن الانعام حمولة وفرشا قال: أما الحمولة: فالابل والبقر. قال: وأما الفرش: فالغنم. 10936 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، كان غير الحسن يقول: الحمولة: الابل والبقر، والفرش: الغنم. 10937 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ومن الانعام حمولة وفرشا أما الحمولة: فالابل. وأما الفرش: فالفصلان والعجاجيل والغنم، وما حمل عليه فهو حمولة. 10938 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: حمولة وفرشا الحمولة: الابل، والفرش، الغنم. 10939 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن: وفرشا قال: الفرش: الغنم. 10940 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: حمولة وفرشا قال: الحمولة: ما تركبون، والفرش: ما تأكلون وتحلبون، شاة لا تحمل، تأكلون لحمها، وتتخذون من أصوافها لحافا وفرشا. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الحمولة: هي ما حمل من الانعام، لان ذلك من صفتها إذا حملت، لا أنه اسم لها كالابل والخيل والبغال فإذا كانت إنما سميت حمولة لانها تحمل، فالواجب أن يكون كل ما حمل على ظهره من الانعام فحمولة، وهي جمع لا واحد لها من لفظها، كالركوبة والجزورة. وكذلك الفرش إنما هو صفة لما
[ 86 ]
لطف فقرب من الارض جسمه، ويقال له الفرش. وأحسبها سميت بذلك تمثيلا لها في استواء أسنانها ولطفها بالفرش من الارض، وهي الارض المستوية التي يتوطؤها الناس. فأما الحمولة بضم الحاء: فإنها الاحمال، وهي الحمول أيضا بضم الحاء. القول في تأويل قوله تعالى: كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين. يقول جل ثناؤه: كلوا مما رزقكم الله أيها المؤمنون، فأحل لكم ثمرات حروثكم وغروسكم ولحوم أنعامكم، إذ حرم بعض ذلك على أنفسهم المشركون بالله، فجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا، وللشيطان مثله، فقالوا: هذا لله بزعمهم، وهذا لشركائنا. ولا تتبعوا خطوات الشيطان كما اتبعها باحرو البحيرة ومسيبو السوائب، فتحرموا على أنفسكم من طيب رزق الله الذي رزقكم ما حرموه، فتطيعوا بذلك الشيطان وتعصوا به الرحمن. كما: 10941 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا تتبعوا خطوات الشيطان: لا تتبعوا طاعته هي ذنوب لكم، وهي طاعة للخبيث. إن الشيطان لكم عدو يبغي هلاككم وصدكم عن سبيل ربكم، مبين قد أبان لكم عدوانه بمناصبته أباكم بالعداوة، حتى أخرجه من الجنة بكيده وخدعه، وحسدا منه له وبغيا عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل ء آلذكرين حرم أم الانثيين أما اشتملت عليه أرحام الانثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين) *. وهذا تقريع من الله جل ثناؤه العادلين به الاوثان من عبدة الاصنام الذي بحروا البحائر وسيبوا السوائب ووصلوا الوصائل، وتعليم منه نبيه (ص) والمؤمنين به، الحجة عليهم في تحريمهم ما حرموا من ذلك، فقال للمؤمنين به وبرسوله: وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات ومن الانعام أنشأ حمولة وفرشا. ثم بين جل ثناؤه الحمولة والفرش، فقال: ثمانية أزواج وإنما نصب الثمانية، لانها ترجمة عن الحمولة والفرش وبدل منها كأن معنى الكلام: ومن الانعام أنشأ ثمانية أزواج فلما قدم قبل الثمانية الحمولة والفرش بين ذلك بعد، فقال: ثمانية أزواج على ذلك المعنى من الضأن اثنين
[ 87 ]
ومن المعز اثنين فذلك أربعة، لان كل واحد من الاثنين من الضأن زوج، فالانثى منه زوج الذكر، والذكر منه زوج الانثى، وكذلك ذلك من المعز ومن سائر الحيوان فلذلك قال جل ثناؤه: ثمانية أزواج كما قال: ومن كل شئ خلقنا زوجين لان الذكر زوج الانثى والانثى زوج الذكر، فهما وإن كانا اثنين فهما زوجان، كما قال جل ثناؤه: وجعل منها زوجها ليسكن إليها وكما قال: أمسك عليك زوجك. وكما: 10942 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك: من الضأن اثنين ذكر وأنثى، ومن البقر اثنين ذكر وأنثى، ومن الابل اثنين ذكر وأنثى. ويقال للاثنين: هما زوج كما قال لبيد: من كل محفوف يظل عصيه زوج عليه كلة وقرامها ثم قال لهم: كلوا مما رزقكم الله من هذه الثمار واللحوم، واركبوا هذه الحمولة أيها المؤمنون، فلا تتبعوا خطوات الشيطان في تحريم ما حرم هؤلاء الجهلة بغير أمري إياهم بذلك. قل يا محمد لهؤلاء الذين حرموا ما حرموا من الحرث والانعام، اتباعا للشيطان من عبدة الاوثان والاصنام الذين زعموا أن الله حرم عليهم ما هم محرمون من ذلك: آلذكرين حرم ربكم أيها الكذبة على الله من الضأن والمعز، فإنهم إن ادعوا ذلك وأقروا به، كذبوا أنفسهم وأبانوا جهلهم، لانهم إذا قالوا: يحرم الذكرين من ذلك، أوجبوا تحريم كل ذكرين من ولد الضأن والمعز، وهم يستمتعون بلحوم الذكران منها وظهورها، وفي ذلك فساد دعواهم وتكذيب قولهم. أم الانثيين فإنهم إن قالوا: حرم ربنا الانثيين، أوجبوا تحريم لحوم كل أنثى من ولد الضأن والمعز على أنفسهم وظهورها، وفي ذلك أيضا تكذيب لهم، ودحض دعواهم أن ربهم حرم ذلك عليهم، إذ كانوا يستمتعون بلحوم بعض ذلك وظهوره.
[ 88 ]
أما اشتملت عليه أرحام الانثيين يقول: أم حرم ما اشتملت عليه أرحام الانثيين، يعني أرحام أنثى الضأن وأنثى المعز فلذلك قال: أرحام الانثيين. وفي ذلك أيضا لو أقروا به فقالوا: حرم علينا ما اشتملت عليه أرحام الانثيين، بطول قولهم وبيان كذبهم، لانهم كانوا يقرون بإقرارهم بذلك أن الله حرم عليهم ذكور الضأن والمعز وإناثها أن يأكلوا لحومها أو يركبوا ظهورها، وقد كانوا يستمتعون ببعض ذكورها وإناثها، وما التي في قوله: أما اشتملت عليه أرحام الانثيين نصب عطفا بها على الانثيين. نبئوني بعلم يقول: قل لهم: خبروني بعلم ذلك على صحته، أي ذلك حرم ربكم عليكم وكيف حرم، إن كنتم صادقين فيما تنحلونه ربكم من دعواكم وتضيفونه إليه من تحريمكم. وإنما هذا إعلام من الله جل ثناؤه نبيه أن كل ما قاله هؤلاء المشركون في ذلك وأضافوه إلى الله، فهو كذب على الله، وأنه لم يحرم شيئا من ذلك، وأنها إنما اتبعوا في ذلك خطوات الشيطان، وخالفوا أمره. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10943 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين... الآية، إن كل هذا لم أحرم منه قليلا ولا كثيرا ذكرا ولا أنثى. 10944 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قال: سلهم آلذكرين حرم أم الانثين أما اشتملت عليه أرحام الانثيين: أي لم أحرم من هذا شيئا. بعلم إن كنتم صادقين فذكر من الابل والبقر نحو ذلك. 10945 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ثمانية أزواج في شأن ما نهى اللهعنه من البحيرة. 10946 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: ثمانية أزواج قال: هذا في شأن ما نهى الله عنه من البحائر والسيب. قال ابن جريج: يقول: من أين حرمت هذا من قبل الذكرين أم من قبل الانثيين، أما اشتملت
[ 89 ]
عليه أرحام الانثيين ؟ وإنها لا تشتمل إلا على ذكر أو أنثى، فمن أين جاء التحريم ؟ فأجابوا هم: وجدنا آباءنا كذلك يفعلون. 10947 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن البقر اثنين ومن الابل اثنين، يقول: أنزلت لكم ثمانية أزواج من هذا الذي عددت ذكر وأنثى، فالذكرين حرمت عليكم أم الانثيين أما اشتملت عليه أرحام الانثيين ؟ يقول: أي ما اشتملت عليه أرحام الانثيين ما تشتمل إلا على ذكر أو أنثى، فما حرمت عليكم ذكرا ولا أنثى من الثمانية، إنما ذكر هذا من أجل ما حرموا من الانعام. 10948 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن: أما اشتملت عليه أرحام الانثيين قال: ما حملت الرحم. 10949 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قل آلذكرين حرم أم الانثيين قال: هذا لقولهم: ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا. قال: وقال ابن زيد في قوله: ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قال: الانعام: هي الابل والضأن والمعز، هذه الانعام التي قال الله ثمانية أزواج. قال: وقال في قوله: هذه أنعام وحرث حجر نحتجرها على من نريد وعمن نريد، وقوله: وأنعام حرمت ظهورها قال: لا يركبها أحد، وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها فقال: آلذكرين حرم أم الانثيين أي هذين حرم على هؤلاء، أي أن تكون لهؤلاء حلا وعلى هؤلاء حراما. 10950 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل الذكرين حرم أم الانثيين أما اشتملت عليه أرحام الانثيين يعني: هل تشتمل الرحم إلا على ذكر أو أنثى، فهم يحرمون بعضا ويحلون بعضا ؟. 10951 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين فهذه
[ 90 ]
أربعة أزواج، ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين قل الذكرين حرم أم الانثيين يقول: لم أحرم شيئا من ذلك. نبئوني بعلم إن كنتم صادقين يقول: كله حلال. والضأن: جمع لا واحد له من لفظه، وقد يجمع الضأن: الضئين والضئين، مثل الشعير والشعير، كما يجمع العبد على عبيد وعبيد. وأما الواحد من ذكوره فضائن، والانثى ضائنة، وجمع الضائنة: ضوائن، وكذلك المعز جمع على غير واحد، وكذلك المعزى وأما الماعز، فجمعه مواعز. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين قل ءآلذكرين حرم أم الانثيين أما اشتملت عليه أرحام الانثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) *. وتأويل قوله: ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الانثيين أما اشتملت عليه أرحام الانثيين نحو تأويل قوله: من الضأن اثنين ومن المعز اثنين وهذه أربعة أزواج، على نحو ما بينا من الازواج الاربعة قبل من الضأن والمعز، فذلك ثمانية أزواج كما وصف جل ثناؤه. وأما قوله: أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم فإنه أمر من الله جل ثناؤه نبيه (ص) أن يقول لهؤلاء الجهلة من المشركين الذين قص قصصهم في هذه الآيات التي مضت، يقول له عز ذكره: قل لهم يا محمد، أي هذه سألتكم عن تحريمه حرم ربكم عليكم من هذه الازواج الثمانية ؟ فإن أجابوك عن شئ مما سألتهم عنه من ذلك، فقل لهم: أخبرا قلتم إن الله حرم هذا عليكم أخبركم به رسول عن ربكم، أم شهدتم ربكم فرأيتموه فوصاكم بهذا الذي تقولون وتردون على الله ؟ فإن هذا الذي تقولون من إخباركم عن الله أنه حرام بما تزعمون على ما تزعمون، لا يعلم إلا بوحي من عنده مع رسول يرسله إلى خلقه، أو بسماع منه، فبأي هذين الوجهين علمتم أن الله حرم ذلك كذلك برسول أرسله إليكم ؟ فانبئوني بعلم إن كنتم صادقين أم
[ 91 ]
شهدتم ربكم، فأوصاكم بذلك وقال لكم: حرمت ذلك عليكم، فسمعتم تحريمه منه وعهده إليكم بذلك ؟ فإنه لم يكن واحد من هذين الامرين. يقول جل ثناؤه: فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا يقول: فمن أشد ظلما لنفسه وأبعد عن الحق ممن تخرص على الله قيل الكذب وأضاف إليه تحريم ما لم يحرم وتحليل ما لم يحلل. ليضل الناس بغير علم يقول: ليصدهم عن سبيله: إن الله لا يهدي القوم الظالمين يقول: لا يوفق الله للرشد من افترى على الله وقال عليه الزور والكذب وأضاف إليه تحريم ما لم يحرم كفرا بالله وجحودا لنبوة نبيه محمد (ص). كالذي: 10952 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا الذي تقولون. 10953 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: كانوا يقولون يعني الذين كانوا يتخذون البحائر والسوائب: إن الله أمر بهذا. فقال الله: فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل لا أجد في مآ أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم) *. يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء الذين جعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا ولشركائهم من الآلهة والانداد مثله والقائلين هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم والمحرمين من أنعام أخر ظهورها، والتاركين ذكر اسم الله على أخر منها، والمحرمين بعض ما في بطون بعض أنعامهم على إناثهم وأزواجهم ومحلية لذكورهم، المحرمين ما رزقهم الله افتراء على الله، وإضافة منهم ما يحرمون من ذلك إلى أن الله هو الذي حرمه عليهم: أجاءكم من الله رسول بتحريمه ذلك عليكم، فانبئونا به، أم وصاكم الله بتحريمه مشاهدة منكم له فسمعتم منه تحريمه ذلك عليكم فحرمتموه ؟ فإنكم كذبة إن ادعيتم ذلك ولا يمكنكم دعواه، لانكم إذا ادعيتموه علم الناس كذبكم، فإني لا أجد فيما أوحي إلي من كتابه وآي تنزيله شيئا محرما على آكل يأكله مما تذكرون أنه حرمه
[ 92 ]
من هذه الانعام التي تصفون تحريم ما حرم عليكم منها بزعمكم، إلا أن يكون ميتة قد ماتت بغير تذكية أو دما مسفوحا وهو المنصب أو إلا أن يكون لحم خنزير. فإنه رجس أو فسقا يقول: أو إلا أن يكون فسقا، يعني بذلك: أو إلا أن يكون مذبوحا ذبحه ذابح من المشركين من عبدة الاوثان لصنمه وآلهته فذكر عليه اسم وثنه، فإن ذلك الذبح فسق نهى الله عنه وحرمه، ونهى من آمن به عن أكل ما ذبح كذلك، لانه ميتة. وهذا إعلام من الله جل ثناؤه للمشركين الذين جادلوا نبي الله وأصحابه في تحريم الميتة بما جادلوهم به أن الذي جادلوهم فيه من ذلك هو الحرام الذي حرمه الله، وأن الذي زعموا أن الله حرمه حلال قد أحله الله، وأنهم كذبة في إضافتهم تحريمه إلى الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10954 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، في قوله: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما قال: كان أهل الجاهلية يحرمون أشياء ويحلون أشياء، فقال: قل لا أجد مما كنتم تحرمون وتستحلون إلا هذا إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، في قوله: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما... الآية، قال: كان أهل الجاهلية يستحلون أشياء ويحرمون أشياء، فقال الله لنبيه: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما مما كنتم تستحلون إلا هذا وكانت أشياء يحرمونها فهي حرام الآن. 10955 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه قال: ما يؤكل. قلت: في الجاهلية ؟ قال: نعم وكذلك كان يقول: إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا. قال ابن جريج: وأخبرني إبراهيم بن أبي بكر، عن مجاهد: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما قال: مما كان في الجاهلية يأكلون، لا أجد محرما من ذلك على طاعم يطعمه، إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا. وأما قوله: أو دما مسفوحا فإن معناه: أو دما مسالا مهراقا، يقال منه: سفحت دمه: إذا أرقته، أسفحه سفحا، فهو دم مسفوح، كما قال طرفة بن العبد:
[ 93 ]
إني وجدك ما هجوتك وال أنصاب يسفح فوقهن دم وكما قال عبيد بن الابرص: إذا ما عاده منا نساء سفحن الدمع من بعد الرنين يعني: صببن، وأسلن الدمع. وفي اشتراطه جل ثناؤه في الدم عند إعلامه عباده تحريمه إياه المسفوح منه دون غيره، الدليل الواضح أن ما لم يكن منه مسفوحا فحلال غير نجس. وذلك كالذي: 10956 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة: أو دما مسفوحا قال: لولا هذه الآية لتتبع المسلمون من العروق ما تتبعت اليهود. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة بنحوه، إلا أنه قال: لاتبع المسلمون. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة بنحوه. 10957 - حدثنا أبو كريب، قال: أخبرنا وكيع، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز، في القدر يعلوها الحمرة من الدم، قال: إنما حرم الله الدم المسفوح.
[ 94 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز، قال: سألته عن الدم، وما يتلطخ بالمذبح من الرأس، وعن القدر يرى فيها الحمرة، قال: إنما نهى الله عن الدم المسفوح. 10958 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أو دما مسفوحا قال: حرم الدم ما كان مسفوحا وأما لحم خالطه دم فلا بأس به. 10959 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا يعني مهراقا. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، أخبرني ابن دينار، عن عكرمة: أو دما مسفوحا قال: لولا هذه الآية لتتبع المسلمون عروق اللحم ما تتبعها اليهود. 10960 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة: أنها كانت لا ترى بلحوم السباع بأسا، والحمرة والدم يكونان على القدر بأسا. وقرأت هذه الآية: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه... الآية. 10961 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن سعيد، ثني القاسم بن محمد، عن عائشة قالت، وذكرت هذه الآية أو دما مسفوحا قلت: وإن البرمة ليرى في مائها الصفرة. وقد بينا معنى الرجس فيما مضى من كتابنا هذا، وأنه النجس والنتن، وما يعصى الله به، بشواهده، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع. وكذلك القول في معنى الفسق، وفي قوله: أهل لغير الله به قد مضى ذلك كله بشواهده الكافية من وفق لفهمه عن تكراره وإعادته. واختلفت القراء في قراءة قوله: إلا أن يكون ميتة فقرأ ذلك بعض قراء أهل المدينة والكوفة والبصرة: إلا أن يكون بالياء ميتة مخففة الياء منصوبة على أن في
[ 95 ]
يكون مجهولا، والميتة فعل له فنصبت على أنها فعل يكون، وذكروا يكون لتذكير المضمر في يكون. وقرأ ذلك بعض قراء أهل مكة والكوفة: إلا أن تكون بالتاء ميتة بتخفيف الياء من الميتة ونصبها. وكأن معنى نصبهم الميتة معنى الاولين، وأنثوا تكون لتأنيث الميتة، كما يقال: إنها قائمة جاريتك، وإنه قائم جاريتك، فيذكر المجهول مرة ويؤنث أخرى لتأنيث الاسم الذي بعده. وقرأ ذلك بعض المدنيين: إلا أن تكون ميتة بالتاء في تكون، وتشديد الياء من ميتة ورفعها، فجعل الميتة اسم تكون، وأنث تكون لتأنيث الميتة، وجعل تكون مكتفية بالاسم دون الفعل، لانه قوله: إلا أن تكون ميتة استثناء، والعرب تكتفي في الاستثناء بالاسماء عن الافعال، فيقولون: قام الناس إلا أن يكون أخاك، وإلا أن يكون أخوك، فلا تأتي ليكون بفعل، وتجعلها مستغنية بالاسم، كما يقال: قام القوم إلا أخاك وإلا أخوك، فلا يعتد الاسم الذي بعد حرف الاستثناء نفلا. والصواب من القراءة في ذلك عندي: إلا أن يكون بالياء ميتة بتخفيف الياء ونصب الميتة، لان الذي في يكون من المكنى من ذكر المذكر، وإنما هو: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه، إلا أن يكون ذلك ميتة أو دما مسفوحا. فأما قراءة ميتة بالرفع، فإنه وإن كان في العربية غير خطأ فإنه في القراءة في هذا الموضع غير صواب، لان الله يقول: أو دما مسفوحا فلا خلاف بين الجميع في قراءة الدم بالنصب، وكذلك هو في مصاحف المسلمين، وهو عطف على الميتة. فإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الميتة لو كانت مرفوعة لكان الدم وقوله أو فسقا مرفوعين، ولكنها منصوبة فيعطف بهما عليها بالنصب. القول في تأويل قوله تعالى: فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم. وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله: فمن اضطر غير باع ولا عاد. والصواب من القول فيه عندنا فيما مضى من كتابنا هذا في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وأن معناه: فمن اضطر إلى أكل ما حرم الله من أكل الميتة والدم المسفوح أو لحم الخنزير، أو ما أهل لغير الله به، غير باغ في أكله إياه تلذذا، لا لضرورة حالة من الجوع، ولا عاد في أكله بتجاوزه ما حده الله وأباحه له من أكله، وذلك أن يأكل منه ما يدفع عنه الخوف على نفسه بترك أكله من الهلاك لم يتجاوز ذلك إلى أكثر منه، فلا حرج
[ 96 ]
عليه في أكله ما أكل من ذلك. فإن الله غفور فيما فعل من ذلك، فساتر عليه بتركه عقوبته عليه، ولو شاء عاقبه عليه. رحيم باباحته إياه أكل ذلك عند حاجته إليه، ولو شاء حرمه عليه ومنعه منه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايآ أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون) *. يقول تعالى ذكره: وحرمنا على اليهود كل ذي ظفر، وهو من البهائم والطير ما لم يكن مشقوق الاصابع كالابل والانعام والاوز والبط. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10962 - حدثني المثنى، وعلي بن داود، قالا: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر وهو البعير والنعامة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر قال: البعير والنعامة ونحو ذلك من الدواب. 10963 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عطاء، عن سعيد: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر قال: هو ليس الذي بمنفرج الاصابع. حدثني علي بن الحسين الازدي، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن شريك، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، في قوله: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر قال: كل شئ متفرق الاصابع، ومنه الديك. 10964 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: كل ذي ظفر: النعامة والبعير.
[ 97 ]
10965 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، مثله. 10966 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر فكان يقال: البعير والنعامة وأشباهه من الطير والحيتان. 10967 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، قال: ثنا معمر، عن قتادة: كل ذي ظفر قال: الابل والنعام، ظفر يد البعير ورجله، والنعام أيضا كذلك، وحرم عليهم أيضا من الطير البط وشبهه، وكل شئ ليس بمشقوق الاصابع. 10968 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أما كل ذي ظفر: فالابل والنعام. 10969 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا شيخ، عن مجاهد، في قوله: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر قل: النعامة والبعير شقا شقا، قال: قلت: ما شقا شقا ؟ قال، كل ما لم تفرج قوائمه لم يأكله اليهود، البعير والنعامة والدجاج والعصافير تأكلها اليهود لانها قد فرجت. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: كل ذي ظفر قال: النعامة والبعير شقا شقا، قلت للقاسم بن أبي بزة وحدثنيه: ما شقا شقا ؟ قال: كل شئ لم يفرج من قوائم البهائم، قال: وما انفرج أكلته اليهود، قال: انفرجت قوائم الدجاج والعصافير، فيهود تأكلها. قال: ولم تنفرج قائمة البعير خفه ولا خف النعامة ولا قائمة الوزين، فلا تأكل اليهود الابل ولا النعام ولا الوزين ولا كل شئ لم تنفرج قائمته، وكذلك لا تأكل حمار وحش. وكان ابن زيد يقول في ذلك بما: 10970 - حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر الابل فقط. وأولى القولين في ذلك بالصواب، القول الذي ذكرنا عن ابن عباس ومن قال بمثل مقالته لان الله جل ثناؤه أخبر أنه حرم على اليهود كل ذي ظفر، فغير جائز إخراج شئ من عموم هذا الخبر إلا ما أجمع أهل العلم أنه خارج منه. وإذا كان ذلك كذلك، وكان النعام
[ 98 ]
وكل ما لم يكن من البهائم والطير مما له ظفر غير منفرج الاصابع داخلا في ظاهر التنزيل، وجب أن يحكم له بأنه داخل في الخبر، إذ لم يأت بأن بعض ذلك غير داخل في الآية خبر عن الله ولا عن رسوله، وكانت الامة أكثرها مجمع على أنه فيه داخل. القول في تأويل قوله تعالى: ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما اختلف أهل التأويل في الشحوم التي أخبر الله تعالى أنه حرمها على اليهود من البقر والغنم، فقال بعضهم: هي شحوم الثروب خاصة. ذكر من قال ذلك: 10971 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ومن البقر الغنم حرمنا عليهم شحومهما الثروب. ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: قاتل الله اليهود حرم الله عليهم الثروب ثم أكلوا أثمانها. وقال آخرون: بل ذلك كان كل شحم لم يكن مختلطا بعظم ولا على عظم. ذكر من قال ذلك: 10972 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريح، قوله: حرمنا عليهم شحومهما قال: إنما حرم عليهم الثرب، وكل شحم كدن كذلك ليس في عظم. وقال آخرون: بل ذلك شحم الثرب والكلى. ذكر من قال ذلك: 10973 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: حرمنا عليهم شحومهما قال: الثرب وشحم الكليتين. وكانت اليهود تقول: إنما حرمه إسرائيل فنحن نحرمه. 10974 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: حرمنا عليهم شحومهما قال: إنما حرم عليهم الثروب والكليتين. هكذا هو في كتابي عن يونس، وأنا أحسب أنه الكلى. والصواب في ذلك من القول أن يقال: إن الله أخبر أنه كان حرم على اليهود من البقر
[ 99 ]
والغنم شحومهما إلا ما استثناه منها مما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم، فكل شحم سوى ما استثناه الله في كتابه من البقر والغنم، فإنه كان محرما عليهم. وبنحو ذلك من القول، تظاهرت الاخبار عن رسول الله (ص)، وذلك قوله: قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها. وأما قوله: إلا ما حملت ظهورهما فإنه يعني: إلا شحوم الجنب وما علق بالظهر، فإنها لم تحرم عليهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10975 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: إلا ما حملت ظهورهما يعني: ما علق بالظهر من الشحوم. 10976 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أما ما حملت ظهورهما: فالاليات. 10977 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن إسماعيل، عن أبي صالح، قال: الالية مما حملت ظهورهما. القول في تأويل قوله تعالى: أو الحوايا. قال أبو جعفر: والحوايا جمع، واحدها حاوياء وحاوية وحوية: وهي ما تحوى من البطن فاجتمع واستدار، وهي بنات اللبن، وهي المباعر، وتسمى المرابض، وفيها الامعاء. ومعنى الكلام: ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو ما حملت الحوايا، فالحوايا رفع عطفا على الظهور، وما التي بعد إلا، نصب على الاستثناء من الشحوم.
[ 100 ]
وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10978 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أو الحوايا وهي المبعر. 10979 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: أو الحوايا قال: المبعر. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: الحوايا: المبعر والمربض. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أو الحوايا قال: المبعر. 10980 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: أو الحوايا قال: المباعر. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: أو الحوايا قال: المباعر. 10981 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: أو الحوايا قال: المبعر. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أو الحوايا قال: المبعر. 10982 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة والمحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، قال: المبعر. 10983 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أو الحوايا يعني: البطون غير الثروب. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أو الحوايا هو المبعر.
[ 101 ]
10984 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أو الحوايا قال: المباعر. وقال ابن زيد في ذلك، ما: 10895 - حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أو الحوايا قال: الحوايا: المرابض التي تكون فيها الامعاء تكون وسطها، وهي بنات اللبن، وهي في كلام العرب تدعى المرابض. القول في تأويل قوله تعالى: أو ما اختلط بعظم. يقول تعالى ذكره: ومن البقر والغنم حرمنا على الذين هادوا شحومهما سوى ما حملت ظهورهما، أو ما حملت حواياهما، فإنا أحللنا ذلك لهم، وإلا ما اختلط بعظم فهو لهم أيضا حلال. فرد قوله: أو ما اختلط بعظم على قوله: إلا ما حملت ظهورهما ف ما التي في قوله: أو ما اختلط بعظم في موضع نصب عطفا على ما التي في قوله: إلا ما حملت ظهورهما. وعنى بقوله: أو ما اختلط بعظم شحم الالية والجنب وما أشبه ذلك. كما: 10986 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: أو ما اختلط بعظم قال: شحم الالية بالعصعص، فهو حلال، وكل شئ في القوائم والجنب والرأس والعين قد اختلط بعظم، فهو حلال. 10987 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أو ما اختلط بعظم مما كان من شحم على عظم. القول في تأويل قوله تعالى: ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون. يقول تعالى ذكره: فهذا الذي حرمنا على الذين هادوا من الانعام والطير، ذوات الاظافير غير المنفرجة، ومن البقر والغنم، ما حرمنا عليهم من شحومهما الذي ذكرنا في هذه الآية، حرمناه عليهم عقوبة منا لهم، وثوابا على أعمالهم السيئة وبغيهم على ربهم. كما:
[ 102 ]
10988 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون إنما حرم ذلك عليهم عقوبة ببغيهم. 10989 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ذلك جزيناهم ببغيهم فعلنا ذلك بهم ببغيهم. وقوله: وإنا لصادقون يقول: وإنا لصادقون في خبرنا هذا عن هؤلاء اليهود عما حرمنا عليهم من الشحوم ولحوم الانعام والطير التي ذكرنا أنا حرمنا عليهم، وفي غير ذلك من أخبارنا، وهم الكاذبون في زعمهم أن ذلك إنما حرمه إسرائيل على نفسه وأنهم إنما حرموه لتحريم إسرائيل إياه على نفسه. القول في تأويل قوله تعالى: * (فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين) *. يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): فإن كذبوك يا محمد هؤلاء اليهود فيما أخبرناك أنا حرمنا عليهم وحللنا لهم كما بينا في هذه الآية، فقل: ربكم ذو رحمة بنا وبمن كان به مؤمنا من عباده وبغيرهم من خلقه، واسعة، تسع جميع خلقه المحسن والمسئ، لا يعاجل من كفر به بالعقوبة ولا من عصاه بالنقمة، ولا يدع كرامة من آمن به وأطاعه ولا يحرمه ثواب عمله، رحمة منه بكلا الفريقين ولكن بأسه، وذلك سطوته وعذابه، لا يرده إذا أحله عند غضبه على المجرمين بهم عنهم شئ. والمحرمون هم الذين أجرموا فاكتسبوا الذنوب واجترحوا السيئات. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10990 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فإن كذبوك اليهود. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فإن كذبوك اليهود، فقل ربكم ذو رحمة واسعة. 10991 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا
[ 103 ]
أسباط، عن السدي، قال: كانت اليهود يقولون: إنما حرمه إسرائيل يعني: الثرب وشحم الكليتين فنحن نحرمه، فذلك قوله: فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين. القول في تأويل قوله تعالى: * (سيقول الذين أشركوا لو شآء الله مآ أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنآ إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون) *. يقول جل ثناؤه: سيقول الذين أشركوا وهم العادلون بالله الاوثان والاصنام من مشركي قريش: لو شاء الله ما أشركنا يقول: قالوا احتجازا من الاذعان للحق بالباطل من الحجة لما تبين لهم الحق، وعلموا باطل ما كانوا عليه مقيمين من شركهم، وتحريمهم ما كانوا يحرمون من الحروث والانعام، على ما قد بين تعالى ذكره في الآيات الماضية قبل ذلك: وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا وما بعد ذلك: لو أراد اللهمنا الايمان به وإفراده بالعبادة دون الاوثان والآلهة وتحليل ما حرم من البحائر والسوائب وغير ذلك من أموالنا، ما جعلنا لله شريكا، ولا جعل ذلك له آباؤنا من قبلنا، ولا حرمنا ما نحرمه من هذه الاشياء التي نحن على تحريمها مقيمون لانه قادر على أن يحول بيننا وبين ذلك، حتى لا يكون لنا إلى فعل شئ من ذلك سبيل، إما بأن يضطرنا إلى الايمان وترك الشرك به وإلى القول بتحليل ما حرمنا وإما بأن يلطف بنا بتوفيقه فنصير إلى الاقرار بوحدانيته وترك عبادة ما دونه من الانداد والاصنام، وإلى تحليل ما حرمنا. ولكنه رضي منا ما نحن عليه من عبادة الاوثان والاصنام، واتخاذ الشريك له في العبادة والانداد، وأراد ما نحرم من الحروث والانعام، فلم يحل بيننا وبين ما نحن عليه من ذلك. قال الله مكذبا لهم في قيلهم: إن الله رضي منا ما نحن عليه من الشرك وتحريم ما نحرم، ورادا عليهم باطل ما احتجوا به من حجتهم في ذلك: كذلك كذب الذين من قبلهم يقول: كما كذب هؤلاء المشركون يا محمد ما جئتهم به من الحق والبيان، كذب من قبلهم من فسقة الامم الذين طغوا على ربهم ما جاءتهم به أنبياؤهم من آيات الله وواضح حججه، وردوا عليهم نصائحهم. حتى ذاقوا بأسنا يقول: حتى أسخطونا فغضبنا عليهم، فأحللنا بهم بأسنا فذاقوه، فعطبوا بذوقهم إياه، فخابوا وخسروا الدنيا والآخرة، يقول: وهؤلاء الآخرون، مسلوك بهم
[ 104 ]
سبيلهم، إن هم لم ينيبوا فيؤمنوا ويصدقوا بما جئتهم به من عند ربهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10992 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا وقال: كذلك كذب الذين من قبلهم، ثم قال: ولو شاء الله ما أشركوا فإنهم قالوا: عبادتنا الآلهة تقربنا إلى الله زلفي. فأخبرهم الله أنها لا تقربهم، وقوله: ولو شاء الله ما أشركوا يقول الله سبحانه: لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين. 10993 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولا حرمنا من شئ قال: قول قريش، يعني: إن الله حرم هذه البحيرة والسائبة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولا حرمنا من شئ قول قريش بغير يقين: إن الله حرم هذه البحيرة والسائبة. فإن قال قائل: وما برهانك على أن الله تعالى إنما كذب من قيل هؤلاء المشركين قوله: رضى الله منا عبادة الاوثان، وأراد منا تحريم ما حرمنا من الحروث والانعام، دون أن يكون تكذيبه إياهم كان على قولهم: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ وعلى وصفهم إياه بأنه قد شاء شركهم وشرك آبائهم، وتحريمهم ما كانوا يحرمون ؟ قيل: له الدلالة على ذلك، قوله: كذلك كذب الذين من قبلهم فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم سلكوا في تكذيبهم نبيهم محمدا (ص) فيما آتاهم به من عند الله من النهي عن عبادة شئ غير الله تعالى، وتحريم غير ما حرم الله في كتابه وعلى لسان رسوله مسلك أسلافهم من الامم الخالية المكذبة لله ورسوله. والتكذيب منهم إنما كان لمكذب، ولو كان ذلك خبرا من الله عن كذبهم في قيلهم: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا لقال: كذلك كذب الذين من قبلهم بتخفيف الذال، وكان ينسبهم في قيلهم ذلك إلى الكذب على الله لا إلى التكذيب. مع علل كثيرة يطول بذكرها الكتاب، وفيما ذكرنا كفاية لمن وفق لفهمه. القول في تأويل قوله تعالى: قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون.
[ 105 ]
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الاوثان والاصنام المحرمين ما هم له محرمون من الحروث والانعام، القائلين: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ ولكن رضي منا ما نحن عليه من الشرك وتحريم ما نحرم: هل عندكم بدعواكم ما تدعون على الله من رضاه بإشراككم في عبادته ما تشركون وتحريمكم من أموالكم ما تحرمون علم يقين من خبر من يقطع خبره العذر، أو حجة توجب لنا اليقين من العلم فتخرجوه لنا ؟ يقول: فتظهروا ذلك لنا وتبينوه، كما بينا لكم مواضع خطأ قولكم وفعلكم، وتناقض ذلك واستحالته في المعقول والمسموع. إن تتبعون إلا الظن يقول له: قل لهم: إن تقولون ما تقولون أيها المشركون وتعبدون من الاوثان والاصنام ما تعبدون وتحرمون من الحروث والانعام ما تحرمون إلا ظنا وحسبانا أنه حق، وأنكم على حق وهو باطل، وأنتم على باطل. وإن أنتم إلا تخرصون يقول: وإن أنتم، وما أنتم في ذلك كله إلا تخرصون، يقول: إلا تتقولون الباطل على الله ظنا بغير يقين علم ولا برهان واضح. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل فلله الحجة البالغة فلو شآء لهداكم أجمعين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الاوثان والاصنام، القائلين على ربهم الكذب في تحريمهم ما حرموا من الحروث والانعام، إن عجزوا عن إقامة الحجة عند قيلك لهم: هل عندكم من علم بما تدعون على ربكم فتخرجوه لنا، وعن إخراج علم ذلك لك وإظهاره، وهم لا شك عن ذلك عجزة، وعن إظهاره مقصرون، لانه باطل لا حقيقة له. فلله الذي حرم عليكم أن تشركوا به شيئا، وأن تتبعوا خطوات الشيطان في أموالكم من الحروث والانعام، الحجة البالغة دونكم أيها المشركون. ويعني بالبالغة: أنها تبلغ مراده في ثبوتها على من احتج بها عليه من خلقه، وقطع عذره إذا انتهت إليه فيما جعلت حجة فيه. فلو شاء لهداكم أجمعين يقول: فلو شاء ربكم لوفقكم أجمعين للاجماع على إفراده بالعبادة والبراءة من الانداد والآلهة والدينونة، بتحريم ما حرم الله وتحليل ما حلله الله، وترك اتباع خطوات الشيطان، وغير ذلك من طاعاته. ولكنه لم يشأ ذلك، فخالف بين خلقه فيما شاء منهم، فمنهم كافر ومنهم مؤمن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 106 ]
10994 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قال: لا حجة لاحد عصى الله، ولكن لله الحجة البالغة على عباده. وقال: فلو شاء لهداكم أجمعين قال: لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء المفترين على ربهم من عبدة الاوثان، الزاعمين أن الله حرم عليهم ما هم محرموه من حروثهم وأنعامهم: هلم شهداءكم يقول: هاتوا شهداءكم الذين يشهدون على الله أنه حرم عليكم ما تزعمون أنه حرمه عليكم. وأهل العالية من تهامة توحد هلم في الواحد والاثنين والجمع، وتذكر في المؤنث والمذكر، فتقول للواحد: هلم يا فلان وللانثين والجمع كذلك، وللانثى مثله ومنه قول الاعشى: وكان دعا قومه دعوة هلم إلى أمركم قد صرم ينشد هلم وهلموا. وأما أهل السافلة من نجد فإنهم يوحدون للواحد ويثنون للاثنين ويجمعون للجميع، فيقال للواحد من الرجال: هلم، وللواحدة من النساء: هلمي، وللاثنين: هلما، وللجماعة من الرجال هلموا، وللنساء: هلممن.
[ 107 ]
قال الله لنبيه: فإن شهدوا يقول: يا محمد، فإن جاءوك بشهداء يشهدون أن الله حرم ما يزعمون أن الله حرمه عليهم. فلا تشهد معهم فإنهم كذبة وشهود زور في شهادتهم بما شهدوا به من ذلك على الله. وخاطب بذلك جل ثناؤه نبيه (ص)، والمراد به أصحابه والمؤمنون به. ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا يقول: ولا تتابعهم على ما هم عليه من التكذيب بوحي الله وتنزيله في تحريم ما حرم وتحليل ما أحل لهم ولكن اتبع ما أوحي إليك من كتاب ربك الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. والذين لا يؤمنون بالآخرة يقول: ولا تتبع أهواء الذين لا يؤمنون بالآخرة، فتكذب بما هم به مكذبون من إحياء الله خلقه بعد مماتهم ونشره إياهم بعد فنائهم. وهم بربهم يعدلون يقول: وهم مع تكذيبهم بالبعث بعد الممات وجحودهم قيام الساعة بالله يعدلون الاوثان والاصنام، فيجعلونها له عدلا، ويتخذونها له ندا يعبدونها من دونه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10995 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا يقول: قل أروني الذين يشهدون أن الله حرم هذا مما حرمت العرب، وقالوا: أمرنا الله به. قال الله لرسوله: فإن شهدوا فلا تشهد معهم. 10996 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا قال: البحائر والسيب. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الاوثان والاصنام، الزاعمين أن الله حرم عليهم ما هم محرموه من حروثهم وأنعامهم، على ما
[ 108 ]
ذكرت لك في تنزيلي عليك: تعالوا أيها القوم أقرأ عليكم ما حرم ربكم حقا يقينا، لا الباطل، تخرصا كخرصكم على الله الكذب والفرية ظنا، ولكن وحيا من الله أوحاه إلي، وتنزيلا أنزله علي، ألا تشركوا بالله شيئا من خلقه ولا تعدلوا به الاوثان والاصنام ولا تعبدوا شيئا سواه. وبالوالدين إحسانا يقول: وأوصى بالوالدين إحسانا. وحذف أوصى وأمر لدلالة الكلام عليه ومعرفة السامع بمعناه، وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى من الكتاب. وأما أن في قوله: أن لا تشركوا به شيئا فرفع، لان معنى الكلام: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، هو أن لا تشركوا به شيئا. وإذا كان ذلك معناه، كان في قوله: تشركوا وجهان: الجزم بالنهي، وتوجيهه لا إلى معنى النهي. والنصب على توجيه الكلام إلى الخبر، ونصب تشركوا بأن لا كما يقال: أمرتك أن لا تقوم. وإن شئت جعلت أن في موضع نصب ردا على ما وبيانا عنها، ويكون في قوله: تشركوا أيضا من وجهي الاعراب نحو ما كان فيه منه، وأن في موضع رفع، ويكون تأويل الكلام حينئذ: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، أتل أن لا تشركوا به شيئا. فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يكون قوله تشركوا نصبا ب أن لا، أم كيف يجوز توجيه قوله: أن لا تشركوا به، على معنى الخبر، وقد عطف عليه بقوله: ولا تقتلوا أولادكم من إملاق وما بعد ذلك من جزم النهي ؟ قيل: جاز ذلك كما قال تعالى ذكره: قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم فجعل أن أكون خبرا وأن اسما، ثم عطف عليه، وكما قال الشاعر: حج وأوصى بسليمى الاعبداأن لا ترى ولا تكلم أحدا ولا يزل شرابها مبردا فجعل قوله أن لا ترى خبرا، ثم عطف بالنهي، فقال: ولا تكلم، ولا يزل.
[ 109 ]
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم. يعني تعالى ذكره بقوله: ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ولا تئدوا أولادكم فتقتلوهم من خشية الفقر على أنفسكم بنفقاتهم، فإن الله هو رازقكم وإياهم، ليس عليكم رزقهم، فتخافوا بحياتهم على أنفسكم العجز عن أرزاقهم وأقواتهم. والاملاق: مصدر من قول القائل: أملقت من الزاد، فأنا أملق إملاقا، وذلك إذا فني زاده وذهب ماله وأفلس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 10997 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ولا تقتلوا أولادكم من إملاق الاملاق: الفقر، قتلوا أولادهم خشية الفقر. 10998 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: ولا تقتلوا أولادكم من إملاق أي خشية الفاقة. 10999 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولا تقتلوا أولادكم من إملاق قال: الاملاق: الفقر. 11000 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قوله: من إملاق قال: شياطينهم يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خيفة العيلة. 11001 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك، في قوله: من إملاق يعني: من خشية فقر. القول في تأويل قوله تعالى: ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن. يقول تعالى ذكره: ولا تقربوا الظاهر من الاشياء المحرمة عليكم التي هي علانية بينكم لا تناكرون ركوبها، والباطن منها الذي تأتونه سرا في خفاء لا تجاهرون به، فإن كل ذلك حرام. وقد قيل: إنما قيل لا تقربوا ما ظهر من الفواحش وما بطن، لانهم كانوا يستقبحون من معاني الزنا بعضا. وليس ما قالوا من ذلك بمدفوع، غير أن دليل الظاهر من التنزيل على النهي عن ظاهر كل فاحشة وباطنها، ولا خبر يقطع العذر بأنه عنى به بعض دون جميع، وغير جائز إحالة ظاهر كتاب الله إلى باطن إلا بحجة يجب التسليم لها. ذكر من قال ما ذكرنا من قول من قال الآية خاص المعنى:
[ 110 ]
11002 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن أما ما ظهر منها: فزواني الحوانيت، وأما ما بطن: فما خفي. 11003 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك، قوله: ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن كان أهل الجاهلية يستسرون بالزنا، ويرون ذلك حلالا ما كان سرا، فحرم الله السر منه والعلانية ما ظهر منها يعني: العلانية وما بطن يعني: السر. 11004 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن قال: كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأسا في السر ويستقبحونه في العلانية، فحرم الله الزنا في السر والعلانية. وقال آخرون في ذلك بمثل الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك: 11005 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن: سرها وعلانيتها. حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، نحوه. وقال آخرون: ما ظهر نكاح الامهات وحلائل الآباء، وما بطن: الزنا. ذكر من قال ذلك: 11006 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن خصيف، عن مجاهد: ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن قال: ما ظهر: جمع بين الاختين، وتزويج الرجل امرأة أبيه من بعده وما بطن: الزنا. وقال آخرون في ذلك بما: 11007 - حدثني إسحاق بن زياد العطار البصري، قال: ثنا محمد بن إسحاق البلخي، قال: ثنا تميم بن شاكر الباهلي، عن عيسى بن أبي حفصة، قال: سمعت الضحاك
[ 111 ]
يقول في قوله: ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن قال: ما ظهر الخمر، وما بطن: الزنا. القول في تأويل قوله تعالى: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون. يقول تعالى ذكره: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق يعني بالنفس التي حرم الله قتلها: نفس مؤمن أو معاهد. وقوله: إلا بالحق يعني: بما أباح قتلها به من أن تقتل نفسا فتقتل قودا بها، أو تزني وهي محصنة فترجم، أو ترتد عن دينها الحق فتقتل فذلك الحق الذي أباح الله جل ثناؤه قتل النفس التي حرم على المؤمنين قتلها به. ذلكم يعني: هذه الامور التي عهد إلينا فيها ربنا أن لا نأتيه وأن لا ندعه، هي الامور التي أوصانا والكافرين بها أن نعمل جميعا به. لعلكم تعقلون يقول: وصاكم بذلك لعلكم تعقلون ما وصاكم به ربكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون) *. يعني جل ثناؤه بقوله: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ولا تقربوا ماله إلا بما فيه صلاحه وتثميره. كما: 11008 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن قال: التجارة فيه. 11009 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن فليثمر ماله. 11010 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا فضيل بن مرزوق العنزي، عن سليط بن بلال، عن الضحاك بن مزاحم، في قوله: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن قال: يبتغي له فيه، ولا يأخذ من ربحه شيئا.
[ 112 ]
11011 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن قال: التي هي أحسن: أن يأكل بالمعروف إن افتقر، وإن استغنى فلا يأكل قال الله: ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف. قال: وسئل عن الكسوة فقال: لم يذكر الله الكسوة إنما ذكر الاكل. وأما قوله: حتى يبلغ أشده فإن الاشد جمع شد، كما الاضر جمع ضر، وكما الاشر جمع شر. والشد: القوة، وهو استحكام قوة شبابه وسنه، كما شد النهار ارتفاعه وامتداده، يقال: أتيته شد النهار ومد النهار، وذلك حين امتداده وارتفاعه وكان المفضل فيما بلغني ينشد بيت عنترة: عهدي به شد النهار كأنما خضب اللبان ورأسه بالعظلم ومنه قول الآخر: يطيف به شد النهار ظعينة طويلة أنقاء اليدين سحوق وكان بعص البصريين يزعم أن الاشد اسم مثل الآنك. فأما أهل التأويل فإنهم مختلفون في الحين الذي إذا بلغه الانسان قيل بلغ أشده، فقال بعضهم: يقال ذلك له إذا بلغ الحلم. ذكر من قال ذلك:
[ 113 ]
11012 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا عمي، قال: أخبرني يحيى بن أيوب، عن عمرو بن الحرث، عن ربيعة، في قوله: حتى يبلغ أشده قال: الحلم. 11013 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا عمي، قال: ثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، مثله. قال ابن وهب: وقال لي مالك مثله. 11014 - حدثت عن الحماني، قال: ثنا هشيم، عن مجاهد، عن عامر: حتى يبلغ أشده قال: الاشد: الحلم، حيث تكتب له الحسنات وتكتب عليه السيئات. وقال آخرون: إنما يقال ذلك له إذا بلغ ثلاثين سنة. ذكر من قال ذلك: 11015 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: حتى يبلغ أشده قال: أما أشده: فثلاثون سنة، ثم جاء بعدها: حتى إذا بلغوا النكاح. وفي الكلام محذوف ترك ذكره اكتفاء بدلالة ما ظهر عما حذف. وذلك أن معنى الكلام: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، حتى يبلغ أشده، فإذا بلغ أشده فآنستم منه رشدا فادفعوا إليه ماله. لانه جل ثناؤه لم ينه أن يقرب مال اليتيم في حال يتمه إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ويحل لوليه بعد بلوغه أشده أن يقربه بالتي هي أسوأ، ولكنه نهاهم أن يقربوا حياطة منه له وحفظا عليه ليسلموه إليه إذا بلغ أشده. القول في تأويل قوله تعالى: وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها. يقول تعالى ذكره: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا، وأن أوفوا الكيل والميزان، يقول: لا تبخسوا الناس الكيل إذا كلتوهم والوزن إذا وزنتموهم، ولكن أوفوهم حقوقهم وإيفاؤهم ذلك: إعطاوهم حقوقهم تامة بالقسط، يعني: بالعدل. كما: 11016 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: بالقسط بالعدل.
[ 114 ]
وقد بينا معنى القسط بشواهده فيما مضى وكرهنا إعادته. وأما قوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها فإنه يقول: لا نكلف نفسا من إيفاء الكيل والوزن إلا ما يسعها، فيحل لها، ولا تحرج فيه. وذلك أن الله جل ثناؤه علم من عباده أن كثيرا منهم تضيق نفسه عن أن تطيب لغيره بما لا يجب عليها له، فأمر المعطي بإيفاء رب الحق حقه الذي هو له ولم يكلفه الزيادة لما في الزيادة عليه من ضيق نفسه بها، وأمر الذي له الحق بأخد حقه ولم يكلفه الرضا بأقل منه، لما في النقصان عنه من ضيق نفسه، فلم يكلف نفسا منهما إلا ما لا حرج فيه ولا ضيق، فلذلك قال: لا نكلف نفسا إلا وسعها. وقد استقصينا بيان ذلك بشواهده في موضع غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته. القول في تأويل قوله تعالى: وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون. يعني تعالى ذكره بقوله: وإذا قلتم فاعدلوا: وإذا حكمتم بين الناس فتكلمتم، فقولوا الحق بينهم، واعدلوا وأنصفوا ولا تجوروا ولو كان الذي يتوجه الحق عليه والحكم ذا قرابة لكم، ولا يحملنكم قرابة قريب أو صداقة صديق حكمتم بينه وبين غيره، أن تقولوا غير الحق فيما احتكم إليكم فيه. وبعهد الله أوفوا يقول: وبوصية الله التي أوصاكم بها فأوفوا وإيفاء ذلك أن يطيعوه فيما أمرهم به ونهاهم، وأن يعملوا بكتابه وسنة رسوله (ص)، وذلك هو الوفاء بعهد الله. وأما قوله: ذلكم وصاكم به يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل للعادلين بالله الاوثان والاصنام من قومك: هذه الامور التي ذكرت لكم في هاتين الآيتين، هي الاشياء التي عهد إلينا ربنا ووصاكم بها ربكم وأمركم بالعمل بها، لا بالبحائر والسوائب والوصائل والحام وقتل الاولاد ووأد البنات واتباع خطوات الشيطان. لعلكم تذكرون يقول: أمركم بهذه الامور التي أمركم بها في هاتين الآيتين ووصاكم بها وعهد إليكم فيها، لتتذكروا عواقب أمركم بهذه الامور التي أمركم بها في هاتين الآيتين، ووصاكم بها وعهد إليكم فيها، لتتذكروا عواقب أمركم وخطأ ما أنتم عليه مقيمون، فتنزجروا عنها وترتدعوا وتنيبوا إلى طاعة ربكم. وكان ابن عباس يقول: هذه الآيات هن الآيات المحكمات.
[ 115 ]
11017 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن علي بن صالح، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن قيس، عن ابن عباس، قال: هن الآيات المحكمات، قوله: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا. 11018 - حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار، قالا: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا أبي، قال: سمعت يحيى بن أيوب، يحدث عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، قال: سمع كعب الاحبار رجلا يقرأ: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم فقال: والذي نفس كعب بيده، إن هذا لاول شئ في التوراة بسم الله الرحمن الرحيم قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم. 11019 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن سعيد بن مسروق، عن رجل، عن الربيع بن خيثم أنه قال لرجل: هل لك في صحيفة عليها خاتم محمد ؟ ثم قرأ هؤلاء الآيات: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا إسحاق الرازي، عن أبي سنان، عن عمرو بن مرة، قال: قال الربيع: ألا أقرأ عليكم صحيفة من رسول الله (ص) ؟ لم يقل خاتمها. فقرأ هذه الآيات: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم. 11020 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: جاء إليه نفر فقالوا: قد جالست أصحاب محمد فحدثنا عن الوحي فقرأ عليهم هذه الآيات من الانعام: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: فما عندنا وحي غيره. 11021 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: قال: هؤلاء الآيات التي أوصى بها من محكم القرآن. 11022 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإذا قلتم فاعدلوا قال: قولوا الحق. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 116 ]
* (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) *. يقول تعالى ذكره: وهذا الذي وصاكم به ربكم أيها الناس في هاتين الآيتين من قوله: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم وأمركم بالوفاء به، هو صراطه، يعني طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده. مستقيما يعني: قويما لا اعوجاج به عن الحق. فاتبعوه يقول: فاعملوا به، واجعلوه لانفسكم منهاجا تسلكونه فاتبعوه. ولا تتبعوا السبل يقول: ولا تسلكوا طريقا سواه، ولا تركبوا منهجا غيره، ولا تبغوا دينا خلافه من اليهودية والنصرانية والمجوسية وعبادة الاوثان وغير ذلك من الملل، فإنها بدع وضلالات. فتفرق بكم عن سبيله يقول: فيشتت بكم إن اتبعتم السبل المحدثة التي ليست لله بسبل ولا طرق ولا أديان، اتباعكم عن سبيله، يعني: عن طريقه ودينه الذي شرعه لكم وارتضاه، وهو الاسلام الذي وصى به الانبياء وأمر به الامم قبلكم. ذلكم وصاكم به يقول تعالى ذكره: هذا الذي وصاكم به ربكم من قوله لكم: إن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل وصاكم به لعلكم تتقون، يقول: لتتقوا الله في أنفسكم فلا تهلكوها، وتحذروا ربكم فيها فلا تسخطوه عليها فيحل بكم نقمته وعذابه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11023 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله قال: البدع والشبهات. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولا تتبعوا السبل: البدع والشبهات. 11024 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، وقوله: وأقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ونحو هذا في القرآن، قال: أمر الله
[ 117 ]
المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله. 11025 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله يقول: لا تتبعوا الضلالات. 11026 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا حماد، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: خط لنا رسول الله (ص) يوما خطا، فقال: هذا سبيل الله ثم خط عن يمين ذلك الخط وعن شماله خطوطا، فقال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا إليها. ثم قرأ هذه الآية: وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله. 11027 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله: الاسلام، وصراطه: الاسلام. نهاهم أن يتبعوا السبل سواه، فتفرق بكم عن سبيله: عن الاسلام. 11028 - حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أبان: أن رجلا قال لابن مسعود: ما الصراط المستقيم ؟ قال: تركنا محمد (ص) في أدناه، وطرفه في الجنة، وعن يمينه جواد، وعن يساره جواد، وثم رجال يدعون من مر بهم، فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة. ثم قرأ ابن مسعود: وأن هذا صراطي مستقيما... الآية. واختلفت القراء في قراءة قوله: وأن هذا صراطي مستقيما فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: وأن بفتح الالف من أن، وتشديد النون، ردا على قوله: أن لا تشركوا به شيئا بمعنى: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا، وأن هذا صراطي مستقيما. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: وإن بكسر الالف من إن، وتشديد النون منها على الابتداء وانقطاعها عن الاول، إذ كان الكلام قد انتهى بالخبر عن الوصية التي أوصى الله بها عباده دونه عندهم.
[ 118 ]
والصواب من القول في ذلك عندي: أنهما قراءتان مستفيضتان في قراء الامصار وعوام المسلمين صحيح معنياهما، فبأي القراءتين قرأ القارئ فهو مصيب الحق في قراءته. وذلك أن الله تعالى ذكره قد أمر باتباع سبيله، كما أمر عباده بالاشياء. وإن أدخل ذلك مدخل فيما أمر الله نبيه (ص) أن يقول للمشركين: تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم وما أمركم به، ففتح على ذلك أن فمصيب. وإن كسرها إذ كانت التلاوة قولا وإن كان بغير لفظ القول لبعدها من قوله: أتل، وهو يريد إعمال ذلك فيه فمصيب. وإن كسرها بمعنى ابتداء وانقطاع عن الاول والتلاوة، وأن ما أمر النبي (ص) بتلاوته على من أمر بتلاوة ذلك عليهم قد انتهى دون ذلك، فمصيب. وقد قرأ ذلك عبد الله بن أبي إسحاق البصري: وأن بفتح الالف من أن، وتخفيف النون منها، بمعنى: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا، وأن هذا صراطي فخففها إذ كانت أن في قوله: أن لا تشركوا به شيئا مخففة، وكانت أن في قوله: وأن هذا صراطي معطوفة عليها، فجعلها نظيرة ما عطفت عليه. وذلك وإن كان مذهبا، فلا أحب القراءة به لشذوذها عن قراءة قراء الامصار وخلاف ما هم عليه في أمصارهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شئ وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون) *. يعني جل ثناؤه بقوله: ثم آتينا موسى الكتاب ثم قل بعد ذلك يا محمد: آتى ربك موسى الكتاب. فترك ذكر قل، إذ كان قد تقدم في أول القصة ما يدل على أنه مراد فيها، وذلك قوله: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم فقص ما حرم عليهم وأحل، ثم قال: ثم قل: آتينا موسى، فحذف قل لدلالة قوله: قل عليه، وأنه مراد في الكلام. وإنما قلنا ذلك مراد في الكلام، لان محمدا (ص) لا شك أنه بعث بعد موسى بدهر طويل وأنه إنما أمر بتلاوة هذه الآيات على من أمر بتلاوتها عليه بعد مبعثه، ومعلوم أن موسى أوتي الكتاب من قبل أمر الله محمدا بتلاوة هذه الآيات على من أمر بتلاوتها عليه، وثم في كلام العرب حرف يدل على أنه ما بعده من الكلام والخبر بعد الذي قبلها.
[ 119 ]
ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله: تماما على الذي أحسن فقال بعضهم: معناه: تماما على المحسنين. ذكر من قال ذلك: 11029 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: تماما على الذي أحسن قال: على المؤمنين. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن نجيح، عن مجاهد: تماما على الذي أحسن المؤمنين والمحسنين. وكأن مجاهدا وجه تأويل الكلام ومعناه إلى أن الله جل ثناؤه أخبر عن موسى أنه آتاه الكتاب فضيلة على ما آتى المحسنين من عباده. فإن قال قائل: فكيف جاز أن يقال: على الذي أحسن فيوحد الذي، والتأويل على الذين أحسنوا ؟ قيل: إن العرب تفعل ذلك خاصة في الذي وفي الالف واللام إذا أرادت به الكل والجميع، كما قال جل ثناؤه: والعصر إن الانسان لفي خسر وكما قالوا: أكثر الذي هم فيه في أيدي الناس. وقد ذكر عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ ذلك: تماما على الذين أحسنوا وذلك من قراءته كذلك يؤيد قول مجاهد. وإذا كان المعنى كذلك، كان قوله: أحسن فعلا ماضيا، فيكون نصبه لذلك. وقد يجوز أن يكون أحسن في موضع خفض، غير أنه نصب، إذ كان أفعل، وأفعل لا يجري في كلامها. فإن قيل: فبأي شئ خفض ؟ قيل: ردا على الذي إذ لم يظهر له ما يرفعه. فيكون تأويل الكلام حينئذ: ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي هو أحسن، ثم حذف هو، وجاور أحسن الذي، فعرف بتعريفه، إذ كان كالمعرفة من أجل أن الالف واللام لا يدخلانه، والذي مثله، كما تقول العرب: مررت بالذي خير منك وشر منك، وكما قال الراجز: إن الزبيري الذي مثل الحلم مسى بأسلابكم أهل العلم فأتبع مثل الذي في الاعراب. ومن قال ذلك لم يقل: مررت بالذي عالم، لان عالما نكرة والذي معرفة، ولا تتبع نكرة معرفة.
[ 120 ]
وقال آخرون: معنى ذلك: تماما على الذي أحسن موسى فيما امتحنه الله به في الدنيا من أمره ونهيه. ذكر من قال ذلك: 11030 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذين أحسن فيما أعطاه الله. 11031 - حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن قال: من أحسن في الدنيا تمم الله له ذلك في الآخرة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن يقول: من أحسن في الدنيا تمت عليه كرامة الله في الآخرة. وعلى هذا التأويل الذي تأوله الربيع يكون أحسن نصبا، لانه فعل ماض، والذي بمعنى ما، وكان الكلام حينئذ: ثم آتينا موسى الكتاب تماما على ما أحسن موسى، أي آتيناه الكتاب لاتمم له كرامتي في الآخرة تماما على إحسانه في الدنيا في عبادة الله والقيام بما كلفه به من طاعته. وقال آخرون في ذلك: معناه: ثم آتينا موسى الكتاب تماما على إحسان الله إلى أنبيائه وأياديه عندهم. ذكر من قال ذلك: 11032 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن قال: تماما من الله وإحسانه الذي أحسن إليهم وهداهم للاسلام، وآتاهم ذلك الكتاب تماما لنعمته عليه وإحسانه. وأحسن على هذا التأويل أيضا في موضع نصب على أنه فعل ماض. والذي على هذا القول والقول الذي قاله الربيع بمعنى: ما. وذكر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ ذلك: تماما على الذي أحسن رفعا، بتأويل: على الذي هو أحسن. 11033 - حدثني بذلك أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم بن سلام، قال: ثنا الحجاج، عن هارون، عن أبي عمرو بن العلاء، عن يحيى بن يعمر. قال أبو جعفر: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها وإن كان لها في العربية وجه صحيح، لخلافها ما عليه الحجة مجمعة من قرأة الامصار.
[ 121 ]
وأولى هذه الاقوال عندي بالصواب قول من قال: معناه: ثم آتينا موسى الكتاب تماما لنعمنا عنده على الذي أحسن موسى في قيامه بأمرنا ونهينا لان ذلك أظهر معانيه في الكلام، وأن إيتاء موسى كتابه نعمة من الله عليه ومنة عظيمة، فأخبر جل ثناؤه أنه أنعم بذلك عليه لما سلف له من صالح عمل وحسن طاعة. ولو كان التأويل على ما قاله ابن زيد كان الكلام: ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسنا، أو: ثم آتى الله موسى الكتاب تماما على الذي أحسن. وفي وصفه جل ثناؤه نفسه بإيتائه الكتاب ثم صرفه الخبر بقوله: أحسن، إلى غير المخبر عن نفسه بقرب ما بين الخبرين، الدليل الواضح على أن القول غير القول الذي قاله ابن زيد. وأما ما ذكر عن مجاهد من توجيهه الذي إلى معنى الجميع فلا دليل في الكلام يدل على صحة ما قال من ذلك، بل ظاهر الكلام بالذي اخترنا من القول أشبه. وإذا تنوزع في تأويل الكلام كان أولى معانيه به أغلبه على الظاهر، إلا أن يكون من العقل أو الخبر دليل واضح على أنه معنى به غير ذلك. وأما قوله: وتفصيلا لكل شئ فإنه يعني: وتبيينا لكل شئ من أمر الدين الذي أمروا به. فتأويل الكلام إذن: ثم آتينا موسى التوراة تماما لنعمنا عنده وأيادينا قبله، تتم به كرامتنا عليه على إحسانه وطاعته ربه وقيامه بما كلفه من شرائع دينه، وتبيينا لكل ما لقومه وأتباعه إليه الحاجة من أمر دينهم. كما: 11034 - حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وتفصيلا لكل شئ فيه حلاله وحرامه. القول في تأويل قوله تعالى: وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون. يقول تعالى ذكره: آتينا موسى الكتاب تماما وتفصيلا لكل شئ. وهدى يعني بقوله وهدى: تقويما لهم على الطريق المستقيم، وبيانا لهم سبل الرشاد لئلا يضلوا. ورحمة يقول: ورحمة منا بهم، ورأفة، لننجيهم من الضلالة وعمى الحيرة. وأما قوله: لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون فإنه يعني: إيتائي موسى الكتاب تماما لكرامة الله موسى على إحسان موسى، وتفصيلا لشرائع دينه، وهدى لمن اتبعه ورحمة لمن كان منهم ضالا، لينجيه الله به من الضلالة، وليؤمن بلقاء ربه إذا سمع مواعظ الله التي وعظ
[ 122 ]
بها خلقه فيه، فيرتدع عما هو عليه مقيم من الكفر به، وبلقائه بعد مماته، فيطيع ربه، ويصدق بما جاءه به نبيه موسى (ص). القول في تأويل قوله تعالى: * (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون) *. يعني جل ثناؤه بقوله: وهذا كتاب أنزلناه مبارك وهذا القرآن الذي أنزلناه إلى نبينا محمد (ص). كتاب أنزلناه مبارك. فاتبعوه يقول: فاجعلوه إماما تتبعونه وتعملون بما فيه أيها الناس. واتقوا يقول: واحذروا الله في أنفسكم أن تضيعوا العمل بما فيه، وتتعدوا حدوده، وتستحلوا محارمه. كما: 11035 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وهذا كتاب أنزلناه مبارك وهو القرآن الذي أنزله الله على محمد عليه الصلاة والسلام. فاتبعوه يقول: فاتبعوا حلاله وحرموا حرامه. وقوله: لعلكم ترحمون يقول: لترحموا فتنجوا من عذاب الله وأليم عقابه. القول في تأويل قوله تعالى: * (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين) *. اختلف أهل العربية في العامل في أن التي في قوله: أن تقولوا وفي معنى هذا الكلام، فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن كراهية أن تقولوا: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا. وقال بعض نحويي الكوفة: بل ذلك في موضع نصب بفعل مضمر، قال: ومعنى الكلام: فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون اتقوا أن تقولوا. قال: ومثله بقول الله أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون. وقال آخرون منهم: هو في موضع نصب. قال: ونصبه من مكانين، أحدهما أنزلناه لئلا يقول: إنما أنزل الكتاب على. والآخر من قوله: اتقوا قال: ولا يصلح في موضع أن كقوله: يبين الله لكم أن تضلوا.
[ 123 ]
وأولى هذه الاقوال عندي بالصواب قول من قال: نصب أن لتعلقها بالانزال، لان معنى الكلام: وهذا كتاب أنزلناه مبارك لئلا تقولوا: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا. فأما الطائفتان اللتان ذكرهما الله، وأخبر أنه إنما أنزل كتابه على نبيه محمد، لئلا يقول المشركون: لم ينزل علينا كتاب فنتبعه، ولم نؤمر ولم ننه، فليس علينا حجة فيما نأتي ونذر، إذ لم يأت من الله كتاب ولا رسول، وإنما الحجة على الطائفتين اللتين أنزل عليهما الكتاب من قبلنا، فإنهما اليهود والنصارى. وكذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11036 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وهم اليهود والنصارى. 11037 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا اليهود والنصارى نخاف أن تقوله قريش. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج عن مجاهد: أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا قال: اليهود والنصارى قال: أن تقول قريش. 11038 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وهم اليهود والنصارى. 11039 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا أما الطائفتان: فاليهود والنصارى. وأما وإن كنا عن دراستهم لغافلين فإنه يعني: أن تقولوا: وقد كنا عن تلاوة الطائفتين الكتاب الذي أنزلت عليهم غافلين، لا ندري ما هي، ولا نعلم ما يقرءون وما يقولون وما أنزل إليهم في كتابهم، لانهم كانوا أهله دوننا، ولم نعن به، ولم نؤمر بما فيه، ولا هو بلساننا، فيتخذوا ذلك حجة. فقطع الله بانزاله القرآن على نبيه محمد (ص) حجتهم تلك.
[ 124 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11040 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: وإن كنا عن دراستهم لغافلين يقول: وإن كنا عن تلاوتهم لغافلين. 11041 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وإن كنا عن دراستهم لغافلين أي عن قراءتهم. 11042 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وإن كنا عن دراستهم لغافلين قال: الدراسة: القراءة والعلم وقرأ: ودرسوا ما فيه قال: علموا ما فيه لم يأتوه بجهالة. 11043 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وإن كنا عن دراستهم لغافلين يقول: وإن كنا عن قراءتهم لغافلين لا نعلم ما هي. القول في تأويل قوله تعالى: * (أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون) *. يقول تعالى ذكره: وهذا كتاب أنزلناه مبارك، لئلا يقول المشركون من عبدة الاوثان من قريش: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا، أو لئلا يقولوا: لو أنا أنزل علينا الكتاب كما أنزل على هاتين الطائفتين من قبلنا، فأمرنا فيه ونهينا، وبين لنا فيه خطأ ما نحن فيه من صوابه. لكنا أهدى منهم: أي لكنا أشد استقامة على طريق الحق واتباعا للكتاب، وأحسن عملا بما فيه من الطائفتين اللتين أنزل عليهما الكتاب من قبلنا. يقول الله: فقد جاءكم بينة من ربكم يقول: فقد جاءكم كتاب بلسانكم عربي مبين، حجة عليكم واضحة بينة من ربكم. وهدى يقول: وبيان للحق، وفرقان بين الصواب والخطأ. ورحمة لمن عمل به واتبعه. كما:
[ 125 ]
11044 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم يقول: قد جاءكم بينة لسان عربي مبين، حين لم تعرفوا دراسة الطائفتين، وحين قلتم: لو جاءنا كتاب لكنا أهدى منهم. 11045 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فهذا قول كفار العرب، فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة. القول في تأويل قوله تعالى: فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون. يقول جل ثناؤه: فمن أخطأ فعلا وأشد عدوانا منكم أيها المشركون، المكذبون بحجج الله وأدلته وهي آياته. وصدف عنها يقول: وأعرض عنها بعد ما أتته، فلم يؤمن بها ولم يصدق بحقيقتها. وأخرج جل ثناؤه الخبر بقوله: فمن أظلم ممن كذب بآيات الله مخرج الخبر عن الغائب، والمعني به المخاطبون به من مشركي قريش. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: وصدف عنها قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11046 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: وصدف عنها يقول: أعرض عنها. 11047 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يصدفون عن آياتنا: يعرضون عنها، والصدف: الاعراض. 11048 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وصدف عنها أعرض عنها، سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون أي يعرضون. 11049 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وصدف عنها فصد عنها. وقوله: سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب يقول: سيثيب الله الذين يعرضون عن آياته وحججه ولا يتدبرونها ولا يتعرفون حقيقتها فيؤمنوا بما دلتهم عليه من
[ 126 ]
توحيد الله وحقية نبوة نبيه وصدق ما جاءهم به من عند ربهم سوء العذاب يقول: شديد العقاب، وذلك عذاب النار التي أعدها الله لكفرة خلقه به. بما كانوا يصدفون يقول: يفعل الله ذلك بهم، جزاء بما كانوا يعرضون عن آياته في الدنيا فلا يقبلون ما جاءهم به نبيهم محمد (ص). القول في تأويل قوله تعالى: * (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون) *. يقول جل ثناؤه: هل ينتظر هؤلاء العادلون بربهم الاوثان والاصنام، إلا أن تأتيهم الملائكة بالموت فتقبض أرواحهم، أو أن يأتيهم ربك يا محمد بين خلقه في موقف القيامة أو يأتي بعض آيات ربك يقول: أو أن يأتيهم بعض آيات ربك وذلك فيما قال أهل التأويل: طلوع الشمس من مغربها. ذكر من قال من أهل التأويل ذلك: 11050 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إلا أن تأتيهم الملائكة يقول: عند الموت حين توفاهم، أو يأتي ربك ذلك يوم القيامة. أو يأتي بعض آيات ربك طلوع الشمس من مغربها. 11051 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: إلا أن تأتيهم الملائكة بالموت، أو يأتي ربك يوم القيامة، أو يأتي بعض آيات ربك قال: آية موجبة طلوع الشمس من مغربها، أو ما شاء الله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة يقول: بالموت، أو يأتي ربك وذلك يوم القيامة، أو يأتي بعض آيات ربك. 11052 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة عند الموت، أو يأتي بعض آيات ربك يقول: طلوع الشمس من مغربها. 11053 - حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا: ثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: قال عبد الله في قوله: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو
[ 127 ]
يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك قال: يصبحون والشمس والقمر من هنا من قبل المغرب كالبعيرين القرينين. زاد ابن حميد في حديثه: فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا وقال: كالبعيرين المقترنين. 11054 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة تقبض الانفس بالموت، أو يأتي ربك يوم القيامة، أو يأتي بعض آيات ربك. القول في تأويل قوله تعالى: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا يقول تعالى ذكره: يوم يأتي بعض آيات ربك، لا ينفع من كان قبل ذلك مشركا بالله أن يؤمن بعد مجئ تلك الآية. وقيل: إن تلك الآية التي أخبر الله جل ثناؤه أن الكافر لا ينفعه إيمانه عند مجيئها: طلوع الشمس من مغربها. ذكر من قال ذلك وما ذكر فيه عن رسول الله (ص): 11055 - حدثني عيسى بن عثمان الرملي، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن ابن أبي ليلى، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (ص): يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها قال: طلوع الشمس من مغربها. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي (ص)، مثله. 11056 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن فضيل، وجرير عن عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها قال: فإذا رآها الناس آمن من عليها، فتلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا.
[ 128 ]
11057 - حدثنا عبد الحميد بن بيان اليشكري وإسحاق بن شاهين، قالا: أخبرنا خالد بن عبد الله الطحان، عن يونس، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله (ص) يوما: أتدرون أين تذهب هذه الشمس ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إنها تذهب إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي من حيث شئت، فتصبح طالعة من مطلعها. ثم تجرى إلى أن تنتهي إلى مستقر لها تحت العرش، فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي من حيث شئت فتصبح طالعة من مطلعها. ثم تجرى لا ينكر الناس منها شيئا، حتى تنتهي فتخر ساجدة في مستقر لها تحت العرش، فيصبح الناس لا ينكرون منها شيئا، فيقال لها: اطلعي من مغربك فتصبح طالعة من مغربها. قال رسول الله (ص): أتدرون أي يوم ذلك ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذاك يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا. حدثنا مؤمل بن هشام ويعقوب بن إبراهيم، قالا: ثنا ابن علية، عن يونس، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، عن النبي (ص)، نحوه. 11058 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن عاصم، عن زر، عن صفوان بن عسال، قال: ثنا رسول الله (ص): إن من قبل مغرب الشمس بابا مفتوحا للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوه، فإذا طلعت الشمس من نحوه لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا. حدثنا المفضل بن إسحاق، قال: ثنا أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد اليامي، عن أبيه، عن زبيد، عن زر بن حبيش، عن صفوان عسال بن المرادي، قال: ذكرت التوبة، فقال النبي (ص): للتوبة باب بالمغرب مسيرة سبعين عاما أو أربعين عاما، فلا يزال كذلك حتى يأتي بعض آيات ربك. حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا سهل بن عامر، قال: ثنا مالك، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال، أنه قال: إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرة سبعين عاما، فإذا طلعت الشمس من مغربها، لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا.
[ 129 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن فضيل، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمن من عليها، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا خالد بن مخلد، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فيومئذ يؤمن الناس كلهم أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا. 11059 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: التوبة مقبولة ما لم تطلع الشمس من مغربها. 11060 - حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي، قال: ثنا سليمان بن عبد الرحمن، قال: ثنا ابن عياش، قال: ثنا ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن مالك بن يخامر، عن معاوية بن أبي سفيان وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله (ص)، قال: لا تزل التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه، وكفى الناس العمل. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أسامة وجعفر بن عون، بنحوه. 11061 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي حيان التيمي، عن أبي زرعة، قال: جلس ثلاثة من المسلمين إلى مروان بن الحكم بالمدينة، فسمعوه وهو يحدث عن الآيات، أن أولها خروجا الدجال. فانصرف القوم إلى عبد الله بن عمرو، فحدثوه بذلك، فقال: لم يقل مروان شيئا، قد حفظت من رسول الله (ص) في ذلك شيئا لم أنسه، لقد سمعت رسول الله (ص) يقول: إن أول الآيات خروجا: طلوع الشمس من مغربها، أو خروج الدابة على الناس ضحى، أيتهما كانت قبل صاحبتها فالاخرى على أثرها قريبا. ثم قال عبد الله بن عمرو وكان يقرأ الكتب: أظن أولهما خروجا طلوع الشمس من مغربها وذلك
[ 130 ]
أنها كلما غربت أتت تحت العرش، فسجدت واستأذنت في الرجوع، فيؤذن لها في الرجوع، حتى إذا بدا لله أن تطلع من مغربها فعلت كما كانت تفعل أتت تحت العرش، فسجدت واستأذنت في الرجوع، فلم يرد عليها شيئا، فتفعل ذلك ثلاث مرات لا يرد عليها بشئ، حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب، وعرفت أن لو أذن لها لم تدرك المشرق، قالت: ما أبعد المشرق رب من لي بالناس، حتى إذا صار الافق كأنه طوق استأذنت في الرجوع، فقيل لها: اطلعي من مكانك فتطلع من مغربها. ثم قرأ: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها... إلى آخر الآية. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو ربيعة فهد، قال: ثنا حماد، عن يحيى بن سعيد أبي حيان، عن الشعبي، أن ثلاثة نفر دخلوا على مروان بن الحكم، فذكر نحوه، عن عبد الله بن عمرو. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: سمعت عاصم بن أبي النجود يحدث عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال، قال: قال رسول الله (ص): إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرة سبعين عاما، لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه. 11062 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد، عن حجاج، عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال، قال: إذا طلعت الشمس من مغربها، فيؤمئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو ربيعة فهد، قال: ثنا عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، قال: غدونا إلى صفوان بن عسال فقال: إن رسول الله (ص)، قال: إن باب التوبة مفتوح من قبل المغرب. عرضه مسيرة سبعين عاما، فلا يزال مفتوحا حتى تطلع من قبله الشمس. ثم قرأ: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك... إلى: خيرا. حدثني الربيع بن سليمان، قال: ثنا شعيب بن الليث، قال: ثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، أنه قال: قال أبو هريرة، قال رسول الله (ص):
[ 131 ]
لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من المغرب، قال: فإذا طلعت الشمس من المغرب آمن الناس كلهم وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا. 11063 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها قبل منه. 11064 - حدثني المثنى، قال: ثنا فهد، قال: ثنا حماد، عن يونس بن عبيد، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، عن أبي ذر، أن رسول الله (ص)، قال: إن الشمس إذا غربت، أتت تحت العرش فسجدت، فيقال لها: اطلعي من حيث غربت ثم قرأ هذه الآية: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة... إلى آخر الآية. 11065 - حدثني المثنى، قال: ثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الحكم، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: كنت ردف النبي (ص) ذات يوم على حمار، فنظر إلى الشمس حين غربت، فقال: إنها تغرب في عين حمئة، تنطلق حتى تخر لربها ساجدة تحت العرش حتى يأذن لها، فإذا أراد أن يطلعها من مغربها حبسها، فتقول: يا رب إن مسيري بعيد، فيقول لها: اطلعي من حيث، غربت فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل حدثنا ابن وكيع قال: ثنا عبدة، عن موسى بن المسيب، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: نظر النبي (ص) يوما إلى الشمس فقال: يوشك أن تجئ حتى تقف بين يدي الله، فيقول: ارجعي من حيث جئت فعند ذلك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا. 11066 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن
[ 132 ]
آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا فهو أنه لا ينفع مشركا إيمانه عند الآيات، وينفع أهل الايمان عند الآيات إن كانوا اكتسبوا خيرا قبل ذلك. قال ابن عباس: خرج رسول الله (ص) عشية من العشيات، فقال لهم: يا عباد الله، توبوا إلى الله فإنكم توشكون أن تروا الشمس من قبل المغرب، فإذا فعلت ذلك حبست التوبة وطوي العمل وختم الايمان. فقال الناس: هل لذلك من آية يا رسول الله ؟ فقال رسول الله (ص): إن آية تلكم الليلة أن تطول كقدر ثلاث ليال، فيستيقظ الذين يخشون ربهم فيصلون له، ثم يقضون صلاتهم والليل مكانه لم ينقض، ثم يأتون مضاجعهم فينامون، حتى إذا استيقظوا والليل مكانه، فإذا رأوا ذلك خافوا أن يكون ذلك بين يدي أمر عظيم، فإذا أصبحوا وطال عليهم طلوع الشمس. فبينا هم ينتظرونها إذ طلعت عليهم من قبل المغرب، فإذا فعلت ذلك، لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، أنه سمعه يقول: قال رسول الله (ص): لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا كلهم أجمعون، فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها... الآية. 11067 - وبه قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرني بن أبي عتيق، أنه سمع عبيد بن عمير يتلو: يوم يأتي بعض آياته ربك لا ينفع نفسا إيمانها قال: يقول: نتحدث والله أعلم أنها الشمس تطلع من مغربها. قال ابن جريج: وأخبرني عمرو بن دينار، أنه سمع عبيد بن عمير يقول ذلك. قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن أبي مليكة، أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: إن الآية التي لا ينفع نفسا إيمانها إذا طلعت الشمس من مغربها. قال ابن جريج: وقال مجاهد ذلك أيضا. 11068 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن قتادة، عن زرارة بن
[ 133 ]
أوفى، عن ابن مسعود: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها قال: طلوع الشمس من مغربها. حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى، قالا: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث عن زرارة بن أوفى، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية: يوم يأتي بعض آيات ربك قال: طلوع الشمس من مغربها. 11069 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي وعبد الوهاب بن عوف، عن ابن سيرين، قال: ثني أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، قال: كان عبد الله بن مسعود يقول: ما ذكر من الآيات فقد مضين غير أربع: طلوع الشمس من مغربها، ودابة الارض، والدجال، وخروج يأجوج ومأجوج. والآية التي تختم بها الاعمال: طلوع الشمس من مغربها، ألم تر أن الله قال: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ؟ قال: فهي طلوع الشمس من مغربها. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: قال عبد الله: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها قال: طلوع الشمس من مغربها مع القمر، كأنهما بعيران مقرونان. قال شعبة: وحدثنا قتادة، عن زرارة، عن عبد الله بن مسعود: يوم يأتي بعض آيات ربك قال: طلوع الشمس من مغربها. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود: يوم يأتي بعض آيات ربك قال: طلوع الشمس من مغربها مع القمر كالبعيرين المقترنين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور والاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق عن عبد الله: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها قال: طلوع الشمس من مغربها مع القمر كالبعيرين القرينين. 11070 - وقال: ثنا أبي، عن إسرائيل وأبيه، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن عبد الله، قال: التوبة مبسوطة ما لم تطلع الشمس من مغربها.
[ 134 ]
11071 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد،، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن ابن أم عبد كان يقول: لا يزال باب التوبة مفتوحا حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رأى الناس ذلك آمنوا، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا. حدثنا بشر، قال: ثنا عبد الله بن جعفر، قال: ثنا العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت آمن الناس كلهم، فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير: يوم يأتي بعض آيات ربك قال: طلوع الشمس من مغربها. 11072 - وقال: حدثنا أبي، عن الحسن بن عقبة أبي كيران، عن الضحاك: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها قال: طلوع الشمس من مغربها. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيل، قال: أخبرني أشعث ابن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن ابن مسعود، في قوله: لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قال: لا تزال التوبة مبسوطة ما لم تطلع الشمس من مغربها. 11073 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: يوم يأتي بعض آيات ربك قال: طلوع الشمس من مغربها. 11074 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن القرظي أنه كان يقول في هذه الآية: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل يقول: إذا جاءت الآيات لم ينفع نفسا إيمانها، يقول: طلوع الشمس من مغربها.
[ 135 ]
حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان الثوري، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال: يوم يأتي بعض آيات ربك قال: طلوع الشمس من مغربها. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابر، عن عبد الله بن عمرو: يوم يأتي بعض آيات ربك قال: طلوع الشمس من مغربها. وقال آخرون: بل ذلك بعض الآيات الثلاثة: الدابة، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها. ذكر من قال ذلك: 11075 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جعفر بن عون، عن المسعودي، عن القاسم، قال: قال عبد الله التوبة معروضة على ابن آدم إن قبلها ما لم تخرج إحدى ثلاث: ما لم تطلع الشمس من مغربها، أو الدابة، أو فتح يأجوج ومأجوج. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن، قال: قال عبد الله: التوبة معروضة على ابن آدم إن قبلها ما لم تخرج إحدى ثلاث: الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج يأجوج ومأجوج. 11076 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن عامر، عن عائشة، قالت: إذا خرج أول الآيات طرحت الاقلام، وحبست الحفظة، وشهدت الاجساد على الاعمال. 11077 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن فضيل، عن أبيه، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص: ثلاث إذا خرجت لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الارض. 11078 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا معاوية بن عبد الكريم، قال: ثنا الحسن،
[ 136 ]
قال: قال رسول الله (ص): بادروا بالاعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدخان، ودابة الارض، وخويصة أحدكم، وأمر العامة. 11079 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر أن نبي الله (ص) يقول، فذكر نحوه. وأولى الاقوال بالصواب في ذلك، ما تظاهرت به الاخبار عن رسول الله (ص) أنه قال: ذلك حين تطلع الشمس من مغربها. وأما قوله: أو كسبت في إيمانها خيرا فإنه يعني: أو عملت في تصديقها بالله خيرا من عمل صالح تصدق قيله، وتحققه من قبل طلوع الشمس من مغربها، لا ينفع كافرا لم يكن آمن بالله قبل طلوعها، كذلك إيمانه بالله إن آمن وصدق بالله ورسله، لانها حالة لا تمتنع نفس من الا قرار بالله العظيم الهول الوارد عليهم من أمر الله، فحكم إيمانهم كحكم إيمانهم عند قيام الساعة وتلك حال لا يمتنع الخلق من الاقرار بوحدانية الله لمعاينتهم من أهوال ذلك اليوم ما ترتفع معه حاجتهم إلى الفكر والاستدلال والبحث والاعتبار، ولا ينفع من كان بالله وبرسله مصدقا ولفرائض الله مضيعا غير مكتسب بجوارحه لله طاعة إذا هي طلعت من مغربها أعماله إن عمل، وكسبه إن اكتسب، لتفريطه الذي سلف قبل طلوعها في ذلك. كما: 11080 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا يقول: كسبت في تصديقها خيرا عملا صالحا، فهؤلاء أهل القبلة. وإن كانت مصدقة ولم تعمل قبل ذلك خيرا فعملت بعد أن رأت الآية لم يقبل منها. وإن عملت قبل الآية خيرا ثم عملت بعد الآية خيرا، قبل منها. 11081 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا
[ 137 ]
إيمانها قال: من أدركه بعض الآيات وهو على عمل صالح مع إيمانه قبل الله منه العمل بعد نزول الآية كما قبل منه قبل ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: قل انتظروا إنا منتظرون. يقول تعالى لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الاوثان والاصنام: انتظروا أن تأتيكم الملائكة بالموت، فتقبض أرواحكم، أو أن يأتي ربك لفصل القضاء بيننا وبينكم في موقف القيامة، أو أن يأتيكم طلوع الشمس من مغربها، فتطوى صحائف الاعمال، ولا ينفعكم إيمانكم حينئذ إن آمنتم، حتى تعلموا حنيئذ المحق منا من المبطل، والمسئ من المحسن، والصادق من الكاذب، وتتبينوا عند ذلك بمن يحيق عذاب الله وأليم نكاله، ومن الناجي منا ومنكم ومن الهالك، إنا منتظرو ذلك، ليجزل الله لنا ثوابه على طاعتنا إياه، وإخلاصنا العبادة له، وإفرادنا إياه بالربوبية دون ما سواه، ويفصل بيننا وبينكم بالحق، وهو خير الفاصلين. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) *. اختلف القراء في قراءة قوله: فرقوا فروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ما: 11082 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان عن أبي إسحاق، عن عمرو بن دينار، أن عليا رضي الله عنه، قرأ: إن الذين فارقوا دينهم. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، قال: قال حمزة الزيات، قرأها علي رضي الله عنه: فارقوا دينهم. 11083 - وقال: ثنا الحسن بن علي، عن سفيان، عن قتادة: فارقوا دينهم. وكأن عليا ذهب بقوله: فارقوا دينهم خرجوا فارتدوا عنه من المفارقة. وقرأ ذلك عبد الله بن مسعود، كما: 11084 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن رافع، عن زهير، قال: ثنا أبو إسحاق أن عبد الله كان يقرؤها: فرقوا دينهم.
[ 138 ]
وعلى هذه القراءة، أعني قراءة عبد الله، قراء المدينة والبصرة وعامة قراء الكوفيين. وكأن عبد الله تأول بقراءته ذلك كذلك أن دين الله واحد، وهو دين إبراهيم الحنيفية المسلمة، ففرق ذلك اليهود والنصارى، فتهود قوم، وتنصر آخرون، فجعلوه شيعا متفرقة. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان، قد قرأت بكل واحدة منهما أئمة من القراء، وهما متفقتا المعنى غير مختلفتيه. وذلك أن كل ضال فلدينه مفارق، وقد فرق الاحزاب دين الله الذي ارتضاه لعباده، فتهود بعض، وتنصر آخرون، وتمجس بعض، وذلك هو التفريق بعينه ومصير أهله شيعا متفرقين غير مجتمعين، فهم لدين الله الحق مفارقون وله مفرقون فبأي ذلك قرأ القارئ فهو للحق مصيب، غير أني أختار القراءة بالذي عليه عظم القراء، وذلك تشديد الراء من فرقوا. ثم اختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله إن الذين فرقوا دينهم فقال بعضهم: عني بذلك اليهود والنصارى. ذكر من قال ذلك: 11085 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: وكانوا شيعا قال: يهود. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. 11086 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فرقوا دينهم قال: هم اليهود والنصارى. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا من اليهود والنصارى. 11087 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ هؤلاء اليهود والنصارى. وأما قوله: فرقوا دينهم فيقول: تركوا دينهم وكانوا شيعا. 11088 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا وذلك أن اليهود
[ 139 ]
والنصارى اختلفوا قبل أن يبعث محمد فتفرقوا، فلما بعث محمد أنزل الله: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ. 11089 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا يعني: اليهود والنصارى. 11090 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حسين بن علي، عن شيبان، عن قتادة: فارقوا دينهم قال: هم اليهود والنصارى. وقال آخرون: عني بذلك: أهل البدع من هذه الامة الذين اتبعوا متشابه القرآن دون محكمه. ذكر من قال ذلك: 11091 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن طاوس، عن أبي هريرة، قال: إن الذين فرقوا دينهم قال: نزلت هذه الآية في هذه الامة. 11092 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن طاوس، عن أبي هريرة: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا قال: هم أهل الضلالة. 11093 - حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: ثنا بقية بن الوليد، قال: كتب إلي عباد بن كثير، قال: ثني ليث، عن طاوس، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص) في هذه الآية: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ وليسوا منك، هم أهل البدع وأهل الشبهات وأهل الضلالة من هذه الامة. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله أخبر نبيه (ص) أنه برئ ممن فارق دينه الحق، وفرقه، وكانوا فرقا فيه وأحزابا شيعا، وأنه ليس منهم ولاهم منه لان دينه الذي بعثه الله به هو الاسلام دين إبراهيم الحنيفية كما قال له ربه وأمره أن يقول: قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين فكان من فارق دينه الذي بعث به (ص) من مشرك ووثني ويهودي ونصراني ومتحنف مبتدع قد ابتدع في الدين ما ضل به عن الصراط المستقيم والدين القيم، ملة إبراهيم المسلم، فهو
[ 140 ]
برئ من محمد (ص) ومحمد منه برئ، وهو داخل في عموم قوله: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ. وأما قوله: لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: نزلت هذه الآية على نبي الله بالامر بترك قتال المشركين قبل وجوب فرض قتالهم، ثم نسخها الامر بقتالهم في سورة براءة، وذلك قوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم. ذكر من قال ذلك: 11094 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: قوله: لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله لم يؤمر بقتالهم، ثم نسخت، فأمر بقتالهم في سورة براءة. وقال آخرون: بل نزلت على النبي (ص) إعلاما من الله له أن من أمته من يحدث بعده في دينه وليست بمنسوخة، لانها خبر لا أمر، والنسخ إنما يكون في الامر والنهي. ذكر من قال ذلك: 11095 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا مالك بن مغول، عن علي بن الاقمر، عن أبي الاحوص، أنه تلا هذه الآية: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ ثم يقول: برئ نبيكم (ص) منهم. 11096 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي وابن إدريس وأبو أسامة ويحيى بن آدم، عن مالك بن مغول، بنحوه. 11097 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا شجاع أبو بدر، عن عمرو بن قيس الملا، قال: قالت أم سلمة: ليتق امرؤ أن لا يكون من رسول الله (ص) في شئ ثم قرأت: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ قال عمرو بن قيس: قالها مرة الطيب وتلا هذه الآية. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن قوله: لست منهم في شئ إعلام من الله نبيه محمدا (ص) أنه من مبتدعة أمته الملحدة في دينه برئ، ومن الاحزاب من مشركي قومه ومن اليهود والنصارى. وليس في إعلامه ذلك ما يوجب أن يكون نهاه عن قتالهم،
[ 141 ]
لانه غير محال أن في الكلام: لست من دين اليهود والنصارى في شئ فقاتلهم، فإن أمرهم إلى الله في أن يتفضل على من شاء منهم، فيتوب عليه، ويهلك من أراد إهلاكه منهم كافرا، فيقبض روحه، أو يقتله بيدك على كفره، ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون عند مقدمهم عليه. وإذ كان غير مستحيل اجتماع الامر بقتالهم، وقوله: لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله ولم يكن في الآية دليل واضح على أنها منسوخة ولا ورد بأنها منسوخة عن الرسول خبر، كان غير جائز أن يقضى عليها بأنها منسوخة حتى تقوم حجة موجبة صحة القول بذلك لما قد بينا من أن المنسوخ هو ما لم يجز اجتماعه وناسخه في حال واحدة في كتابنا كتاب اللطيف عن أصول الاحكام. وأما قوله: إنما أمرهم إلى الله فإنه يقول: أنا الذي إلي أمر هؤلاء المشركين فارقوا دينهم وكانوا شيعا، والمبتدعة من أمتك الذين ضلوا عن سبيلك، دونك ودون كل أحد إما بالعقوبة إن أقاموا على ضلالتهم وفرقتهم دينهم فأهلكهم بها، وإما بالعفو عنهم بالتوبة عليهم والتفضل مني عليهم. ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون يقول: ثم أخبرهم في الآخرة عند ورودهم علي يوم القيامة بما كانوا يفعلون فأجازي كلا منهم بما كانوا في الدنيا يفعلون، المحسن منهم بالاحسان والمسئ بالاساءة. ثم أخبر جل ثناؤه ما مبلغ جزائه من جازى منهم بالاحسان أو بالاساءة، فقال: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون. القول في تأويل قوله تعالى: * (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون) *. يقول تعالى ذكره: من وافى ربه يوم القيامة في موقف الحساب من هؤلاء الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا بالتوبة والايمان والاقلاع عما هو عليه مقيم من ضلالته، وذلك هو الحسنة التي ذكرها الله، فقال: من جاء بها فله عشر أمثالها. ويعني بقوله: فله عشر أمثالها فله عشر حسنات أمثال حسنته التي جاء بها. ومن جاء بالسيئة يقول: ومن وافى يوم القيامة منهم بفراق الدين الحق والكفر بالله، فلا يجزى إلا ما ساءه من الجزاء، كما وافى الله به من عمله السيئ. وهم لا يظلمون يقول: ولا يظلم الله الفريقين: لا فريق الاحسان، ولا فريق الاساءة، بأن يجازي المحسن بالاساءة والمسئ بالاحسان
[ 142 ]
ولكنه يجازي كلا الفريقين من الجزاء ما هو له، لانه جل ثناؤه حكيم لا يضع شيئا إلا في موضعه الذي يستحق أن يضعه فيه، ولا يجازي أحدا إلا بما يستحق من الجزاء. وقد دللنا فيما مضى على أن معنى الظلم وضع الشئ في غير موضعه بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع. فإن قال قائل: فإن كان الامر كما ذكرت من أن معنى الحسنة في هذا الموضع الايمان بالله والاقرار بوحدانيته والتصديق برسوله، والسيئة فيه الشرك به والتكذيب لرسوله، فللايمان أمثال فيجازى بها المؤمن، وإن كان له مثل فكيف يجازي به، والايمان إنما هو عندك قول وعمل، والجزاء من الله لعباده عليه الكرامة في الآخرة، والانعام عليه بما أعد لاهل كرامته من النعيم في دار الخلود، وذلك أعيان ترى وتعاين وتحس ويلتذ بها، لا قول يسمع ولا كسب جوارح ؟ قيل: إن معنى ذلك غير الذي ذهبت إليه، وإنما معناه: من جاء بالحسنة فوافى الله بها له مطيعا، فإن له من الثواب ثواب عشر حسنات أمثالها. فإن قلت: فهل لقول لا إله إلا الله من الحسنات مثل ؟ قيل: له مثل هو غيره، وليس له مثل هو قول لا إله إلا الله، وذلك هو الذي وعد الله جل ثناؤه من أتاه به أن يجازيه عليه من الثواب بمثل عشرة أضعاف ما يستحقه قائله، وكذلك ذلك فيمن جاء بالسيئة التي هي الشرك، إلا أن لا يجازي صاحبها عليها إلا ما يستحقه عليها من غير إضعافه عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11098 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، قال: لما نزلت: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها قال رجل من القوم فإن لا إله إلا الله حسنة ؟ قال: نعم، أفضل الحسنات. 11099 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص بن غياث، عن الاعمش والحسن بن عبيد الله، عن جامع بن شداد، عن الاسود بن هلال، عن عبد الله: من جاء بالحسنة لا إله إلا الله. 11100 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا حفص، قال: ثنا الاعمش والحسن بن عبيد الله، عن جامع بن شداد، عن الاسود بن هلال، عن عبد الله، قال: من جاء بالحسنة قال: من جاء بلا إله إلا الله، قال: ومن جاء بالسيئة قال: الشرك.
[ 143 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن الحسن بن عبيد الله، عن جامع بن شداد، عن الاسود بن هلال، عن عبد الله: من جاء بالحسنة قال: لا إله إلا الله. 11101 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا معاوية بن عمرو المعنى عن زائدة، عن عاصم، عن شقيق: من جاء بالحسنة قال: لا إله إلا الله كلمة الاخلاص. ومن جاء بالسيئة قال: الشرك. 11102 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، وعن عثمان بن الاسود، عن مجاهد والقاسم بن أبي بزة: من جاء بالحسنة قالوا: لا إله إلا الله كلمة الاخلاص. ومن جاء بالسيئة قالوا: بالشرك وبالكفر. 11103 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير وابن فضيل، عن عبد الملك، عن عطاء: من جاء بالحسنة قال: لا إله إلا الله. ومن جاء بالسيئة قال: الشرك. 11104 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها قال: لا إله إلا الله. 11105 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي المحجل، عن إبراهيم: من جاء بالحسنة قال: لا إله إلا الله. ومن جاء بالسيئة قال: الشرك. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا سفيان، عن أبي المحجل، عن أبي معشر، عن إبراهيم، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي المحجل، عن إبراهيم، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن أبي المحجل، عن أبي معشر، قال: كان إبراهيم يحلف بالله ما يستثني، أن من جاء بالحسنة لا إله إلا الله، ومن جاء بالسيئة من جاء بالشرك. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاء، في
[ 144 ]
قوله: من جاء بالحسنة قال: كلمة الاخلاص: لا إله إلا الله. ومن جاء بالسيئة قال: بالشرك. 11106 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، وحدثنا المثنى بن إبراهيم، قال: ثنا أبو نعيم جميعا، عن سفيان، عن الاعمش، عن أبي صالح: من جاء بالحسنة قال: لا إله إلا الله. ومن جاء بالسيئة قال: الشرك. 11107 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن عثمان بن الاسود، عن القاسم بن أبي بزة: من جاء بالحسنة قال: كلمة الاخلاص. ومن جاء بالسيئة قال: الكفر. 11108 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سلمة، عن الضحاك: من جاء بالحسنة قال: لا إله إلا الله. 11109 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد الاحمر، عن أشعث، عن الحسن: من جاء بالحسنة قال: لا إله إلا الله. 11110 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد: من جاء بالحسنة قال: لا إله إلا الله. 11111 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد، مثله. 11112 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: من جاء بالحسنة يقول: من جاء بلا إله إلا الله. ومن جاء بالسيئة قال: الشرك. 11113 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: الاعمال ستة: موجبة وموجبة، ومضعفة ومضعفة، ومثل ومثل. فأما الموجبتان: فمن لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقي الله مشركا به دخل النار وأما المضعف والمضعف: فنفقة المؤمن في سبيل الله سبع مئة ضعف، ونفقته
[ 145 ]
على أهل بيته عشر أمثالها. وأما مثل ومثل: فإذا هم العبد بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، وإذا هم بسيئة ثم عملها كتبت عليه سيئة. 11114 - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا الاعمش، عن شمر بن عطية، عن شيخ من التيم، عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله علمني عملا يقربني إلى الجنة ويباعدني من النار قال: إذا عملت سيئة فاعمل حسنة، فإنها عشر أمثالها. قال: قلت: يا رسول الله، لا إله إلا الله من الحسنات ؟ قال هي أحسن الحسنات. وقال قوم: عني بهذه الآية: الاعراب فأما المهاجرون، فإن حسناتهم سبع مئة ضعف أو أكثر. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنا أبي، عن قتادة، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري، في قوله: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها قال: هذه للاعراب، وللمهاجرين سبع مئة. 11116 - حدثنا محمد بن نشيط بن هارون الحربي، قال: ثنا يحيى بن أبي بكر، قال: ثنا فضيل بن مرزوق. عن عطية العوفي، عن عبد الله بن عمرو، قال: نزلت هذه الآية في الاعراب: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها قال: قال رجل: فما للمهاجرين ؟ قال: ما هو أعظم من ذلك: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما وإذا قال الله لشئ عظيم، فهو عظيم. 11117 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعد، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، قال: نزلت هذه الآية: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وهم يصومون ثلاثة أيام من الشهر ويؤدون عشر أموالهم، ثم نزلت الفرائض بعد ذلك: صوم رمضان والزكاة. فإن قال قائل: وكيف قيل عشر أمثالها، فأضيف العشر إلى الامثال، وهي الامثال، وهي يضاف الشئ إلى نفسه ؟ قيل: أضيفت إليها لانه مراد بها: فله عشر حسنات أمثالها، فالامثال حلت محل المفسر، وأضيف العشر إليها، كما يقال: عندي عشر نسوة، فلانه
[ 146 ]
أريد بالامثال مقامها فقيل: عشر أمثالها، فأخرج العشر مخرج عدد الآيات، والمثل مذكر لا مؤنث، ولكنها لما وضعت موضع الآيات، وكان المثل يقع للمذكر والمؤنث، فجعلت خلفا منها، فعل بها ما ذكرت ومن قال: عندي عشر أمثالها، لم يقل: عندي عشر صالحات، لان الصالحات فعل لا يعد، وإنما تعد الاسماء والمثل اسم، ولذلك جاز العدد به. وقد ذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: فله عشر بالتنوين أمثالها بالرفع، وذلك على وجه صحيح في العربية، غير أن القراء في الامصار على خلافها، فلا نستجيز خلافها، فيما هي عليه مجتمعة. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الاوثان والاصنام إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم يقول: قل لهم: إنني أرشدني ربي إلى الطريق القويم، هو دين الله الذي ابتعثه به، وذلك الحنيفية المسلمة، فوفقني له. دينا قيما يقول: مستقيما. ملة إبراهيم يقول: دين إبراهيم. حنيفا يقول: مستقيما. وما كان من المشركين يقول: وما كان من المشركين بالله، يعني: إبراهيم صلوات الله عليه، لانه لم يكن ممن يعبد الاصنام. واختلفت القراء في قراءة قوله: دينا قيما فقرأ ذلك عامة قراء المدينة وبعض البصريين: دينا قيما بفتح القاف وتشديد الياء إلحاقا منهم ذلك بقول الله: ذلك الدين القيم وبقوله: ذلك دين القيمة. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: دينا قيما بكسر القاف وفتح الياء وتخفيفها، وقالوا: القيم والقيم بمعنى واحد، وهم لغتان معناهما: الدين المستقيم. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الامصار، متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فهو للصواب مصيب، غير أن فتح القاف وتشديد الياء أعجب إلي، لانه أفصح اللغتين وأشهرهما. ونصب قوله: دينا على المصدر من معنى قوله:
[ 147 ]
إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم وذلك أن المعنى هداني ربي إلى دين قويم، فاهتديت له دينا قيما، فالدين منصوب من المحذوف الذي هو اهتديت الذي ناب عنه قوله: إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم. وقال بعض نحويي البصرة: إنما نصب ذلك لانه لما قال: هداني ربي إلى صراط مستقيم قد أخبر أنه عرف شيئا، فقال: دينا قيما كأنه قال: عرفت دينا قيما ملة إبراهيم. وأما معنى الحنيف، فقد بينته في مكانه في سورة البقرة بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ئ لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الاوثان والاصنام، الذين يسألونك أن تتبع أهواءهم على الباطل من عبادة الآلهة والاوثان: إن صلاتي ونسكي يقول: وذبحي. ومحياي يقول: وحياتي. ومماتي يقول: ووفاتي. لله رب العالمين يعني أن ذلك كله له خالصا دون ما أشركتم به أيها المشركون من الاوثان. لا شريك له في شئ من ذلك من خلقه، ولا لشئ منهم فيه نصيب، لانه لا ينبغي أن يكون ذلك إلا له خالصا. وبذلك أمرت يقول: وبذلك أمرني ربي. وأنا أول المسلمين يقول: وأنا أول من أقر وأذعن وخضع من هذه الامة لربه، بأن ذلك كذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال: النسك في هذا الموضع: الذبح: 11118 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: إن صلاتي ونسكي قال: النسك: الذبائح في الحج والعمرة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ونسكي: ذبيحتي في الحج والعمرة.
[ 148 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ونسكي: ذبيحتي في الحج والعمرة. 11119 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل، وليس بابن أبي خالد، عن سعيد بن جبير، في قوله: صلاتي ونسكي قال: ذبحي. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن إسماعيل، عن سعيد بن جبير، في قوله: صلاتي ونسكي قال: ذبيحتي. 11120 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن إسماعيل عن إسماعيل بن جبير، قال ابن مهدي: لا أدري من إسماعيل هذا. صلاتي ونسكي قال: صلاتي وذبيحتي. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن سعيد بن جبير، في قوله: صلاتي ونسكي قال: وذبيحتي. 11121 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ونسكي قال ذبحي. 11122 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: ونسكي قال: ذبيحتي. 11123 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: صلاتي ونسكي قال: الصلاة: الصلاة، والنسك: الذبح. وأما قوله: وأنا أول المسلمين فإن: 11124 - محمد بن عبد الاعلى حدثنا، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر عن قتادة وأنا أول المسلمين قال: أول المسلمين من هذه الامة. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شئ ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الاوثان، الداعيك إلى عبادة الاصنام واتباع خطوات الشيطان: أغير الله أبغي ربا يقول: أسوى
[ 149 ]
الله أطلب سيدا يسودني. وهو رب كل شئ يقول: وهو سيد كل شئ دونه، ومدبره ومصلحه. ولا تكسب كل نفس إلا عليها يقول: ولا تجترح نفس إثما إلا عليها أي لا يؤخذ بما أتت من معصية الله تبارك وتعالى وركبت من الخطيئة سواها، بل كل ذي إثم فهو المعاقب بإثمه والمأخوذ بذنبه. ولا تزر وازرة وزر أخرى يقول: ولا تأثم نفس آثمة بإثم نفس أخرى غيرها، ولكنها تأثم بإثمها وعليه تعاقب دون إثم أخرى غيرها. وإنما يعني بذلك المشركين الذين أمر الله نبيه (ص) أن يقول هذا القول لهم، يقول: قل لهم: إنا لسنا مأخوذين بآثامكم، وعليكم عقوبة إجرامكم، ولنا جزاء أعمالنا. وهذا كما أمره الله جل ثناؤه في موضع آخر أن يقول لهم: لكم دينكم ولي دين. وذلك كما: 11125 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: كان في ذلك الزمان لا مخرج للعلماء العابدين إلا إحدى خلتين، إحداهما أفضل من صاحبتها: إما أمر ودعاء إلى الحق، أو الاعتزال، فلا تشارك أهل الباطل في عملهم، وتؤدي الفرائض فيما بينك وبين ربك، وتحب لله، وتبغض لله، ولا تشارك أحدا في إثم. قال: وقد أنزل في ذلك آية محكمة: قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شئ... إلى قوله: فيه تختلفون، وفي ذلك قال: وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة. يقال من الوزر: وزر يوزر، فهو وزير، ووزر يوزر فهو موزور. القول في تأويل قوله تعالى: ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل لهؤلاء العادلين بربهم الاوثان: كل عامل منا ومنكم فله ثواب عمله وعليه وزره، فاعملوا ما أنتم عاملوه. ثم إلى ربكم أيها الناس، مرجعكم يقول: ثم إليه مصيركم ومنقلبكم، فينبئكم بما كنتم فيه في الدنيا، تختلفون من الاديان والملل، إذ كان بعضكم يدين باليهودية، وبعض بالنصرانية،
[ 150 ]
وبعض بالمجوسية، وبعض بعبادة الاصنام، وادعاء الشركاء مع الله والانداد، ثم يجازي جميعكم بما كان يعمل في الدنيا من خير أو شر، فتعلموا حينئذ من المحسن منا والمسئ. القول في تأويل قوله تعالى: * (وهو الذي جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في مآ آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) وأمته: والله الذي جعلكم أيها الناس خلائف الارض بأن أهلك من كان قبلكم من القرون والامم الخالية، واستخلفكم فجعلكم خلائف منهم في الارض، تخلفونهم فيها، وتعمرونها بعدهم. والخلائف: جمع خليفة، كما الوصائف جمع وصيفة، وهي من قول القائل: خلف فلان فلانا في داره يخلفه فهو خليفة فيها، كما قال الشماخ: تصيبهم وتخطيني المنايا وأخلف في ربوع عن ربوع وذلك كما: 11126 - حدثني الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وهو الذي جعلكم خلائف الارض قال: أما خلائف الارض: فأهلك القرون، واستخلفنا فيها بعدهم. وأما قوله: ورفع بعضكم فوق بعض درجات فإنه يقول: وخالف بين أحوالكم، فجعل بعضكم فوق بعض، بأن رفع هذا على هذا بما بسط لهذا من الرزق ففضله بما أعطاه من المال والغنى على هذا الفقير فيما خوله من أسباب الدنيا، وهذا على هذا بما أعطاه من الايد والقوة على هذا الضعيف الواهن القوى، فخالف بينهم بأن رفع من درجة هذا على درجة هذا وخفض من درجة هذا عن درجة هذا. وذلك كالذي:
[ 151 ]
11127 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ورفع بعضكم فوق بعض درجات يقول: في الرزق. وأما قوله: ليبلوكم فيما آتاكم فإنه يعني: ليختبركم فيما خولكم من فضله ومنحكم من رزقه، فيعلم المطيع له منكم فيما أمره به ونهاه عنه والعاصي، ومن المؤدي مما آتاه الحق الذي أمره بأدائه منه والمفرط في أدائه. القول في تأويل قوله تعالى: إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم. يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): إن ربك يا محمد لسريع العقاب لمن أسخطه بارتكابه معاصيه وخلافه أمره فيما أمره به ونهاه، ولمن ابتلي منه فيما منحه من فضله وطوله، توليا وإدبارا عنه، مع إنعامه عليه وتمكينه إياه في الارض، كما فعل بالقرون السالفة. وإنه لغفور: يقول وإنه لساتر ذنوب من ابتلي منه إقبالا إليه بالطاعة عند ابتلائه إياه بنعمة، واختباره إياه بأمره ونهيه، فمغط عليه فيها وتارك فضيحته بها في موقف الحساب. رحيم بتركه عقوبته على سالف ذنوبه التي سلفت بينه وبينه إذ تاب وأناب إليه قبل لقائه ومصيره إليه.
[ 152 ]
سورة الاعراف مكية وآياتها ست ومائتان تفسير السورة التي يذكر فيها الاعراف بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: * (المص) *. قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قول الله تعالى: المص فقال بعضهم: معناه: أنا الله أفضل. ذكر من قال ذلك: 11128 - حدثنا سفيان، قال: ثنا أبي، عن شريك، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس: المص: أنا الله أفضل. 11129 - حدثني الحرث، قال: ثنا القاسم بن سلام، قال: ثنا عمار بن محمد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، في قوله: المص: أنا الله أفضل. وقال آخرون: هو هجاء حروف اسم الله تعالى الذي هو المصور. ذكر من قال ذلك: 11130 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: المص قال: هي هجاء المصور. وقال آخرون: هي اسم من أسماء الله أقسم ربنا به. ذكر من قال ذلك: 11131 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: المص قسم أقسمه الله، وهو من أسماء الله. وقال آخرون: هو اسم من أسماء القرآن. ذكر من قال ذلك:
[ 153 ]
11132 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: المص قال: اسم من أسماء القرآن. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله. وقال آخرون: هي حروف هجاء مقطعة. وقال آخرون: هي من حساب الجمل. وقال آخرون: هي حروف تحوي معاني كثيرة دل بها الله خلقه على مراده من ذلك. وقال آخرون: هي حروف اسم الله الاعظم. وقد ذكرنا كل ذلك بالرواية فيه، وتعليل كل فريق قال فيه قولا. وأما الصواب من القول عندنا في ذلك بشواهده وأدلته فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى: * (كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين) *. قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره هذا القرآن يا محمد في كتاب أنزله الله إليك. ورفع الكتاب بتأويل: هذا كتاب. القول في تأويل قوله تعالى: فلا يكن في صدرك حرج منه:. يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): فلا يضق صدرك يا محمد من الانذار به من أرسلتك لانذاره به، وإبلاغه من أمرتك بابلاغه إياه، ولا تشك في أنه من عندي، واصبر بالمضي لامر الله واتباع طاعته فيما كلفك وحملك من عب ء أثقال النبوة، كما صبر أولو العزم من الرسل، فإن الله معك. والحرج: هو الضيق في كلام العرب، وقد بينا معنى ذلك بشواهده وأدلته في قوله: ضيقا حرجا بما أغنى عن إعادته. وقال أهل التأويل في ذلك، ما: 11133 - حدثني به محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني
[ 154 ]
أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: فلا يكن في صدرك حرج منه قال: لا تكن في شك منه. 11134 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: فلا يكن في صدرك حرج منه قال: شك. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 11135 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، قال: ثنا معمر، عن قتادة: فلا يكن في صدرك حرج منه: شك منه. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة مثله. 11136 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فلا يكن في صدرك حرج منه قال: أما الحرج: فشك. حدثنا الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد المدني، قال: سمعت مجاهدا، في قوله: فلا يكن في صدرك حرج منه قال: شك من القرآن. قال أبو جعفر: وهذا الذي ذكرته من التأويل عن أهل التأويل هو معنى ما قلنا في الحرج لان الشك فيه لا يكون إلا من ضيق الصدر به وقلة الاتساع لتوجيهه وجهته التي هي وجهته الصحيحة. وإنما اخترنا العبارة عنه بمعنى الضيق، لان ذلك هو الغالب عليه من معناه في كلام العرب، كما قد بيناه قبل. القول في تأويل قوله تعالى: لتنذر به وذكرى للمؤمنين. يعني بذلك تعالى ذكره: هذا كتاب أنزلناه إليك يا محمد لتنذر به من أمرتك بإنذاره، وذكرى للمؤمنين وهو من المؤخر الذي معناه التقديم، ومعناه: كتاب أنزل ليك لتنذر به، وذكرى للمؤمنين، فلا يكن في صدرك حرج منه. وإذا كان معناه كان موضع قوله: وذكرى نصبا بمعنى: أنزلنا إليك هذا الكتاب لتنذر به، وتذكر به المؤمنين. ولو قيل: معنى ذلك: هذا كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه أن تنذر به وتذكر به المؤمنين، كان قولا غير مدفوعة صحته. وإذا وجه معنى الكلام إلى هذا الوجه كان في قوله: وذكرى من الاعراب وجهان: أحدهما النصب بالرد على موضع لتنذر به،
[ 155 ]
والآخر الرفع عطفا على الكتاب، كأنه قيل: المص كتاب أنزل إليك وذكرى للمؤمنين. القول في تأويل قوله تعالى: * (اتبعوا مآ أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون) *. يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك الذين يعبدون الاوثان والاصنام: اتبعوا أيها الناس ما جاءكم من عند ربكم بالبينات والهدى، واعملوا بما أمركم به ربكم، ولا تتبعوا شيئا من دونه يعني: شيئا غير ما أنزل إليكم ربكم، يقول: لا تتبعوا أمر أوليائكم الذين يأمرونكم بالشرك بالله وعبادة الاوثان، فإنهم يضلونكم ولا يهدونكم. فإن قال قائل: وكيف قلت: معنى الكلام قل اتبعوا، وليس في الكلام موجودا ذكر القول ؟ قيل: إنه وإن لم يكن مذكورا صريحا، فإن في الكلام دلالة عليه، وذلك قوله: فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به، ففي قوله: لتنذر به الامر بالانذار، وفي الامر بالانذار الامر بالقول لان الانذار قول. فكان معنى الكلام: أنذر القوم وقل لهم: اتبعوا ما أنزل إليكم، كان غير مدفوع. وقد كان بعض أهل العربية يقول قوله: اتبعوا خطاب النبي (ص)، ومعناه: كتاب أنزل إليك، فلا يكن في صدرك حرج منه، اتبع ما أنزل إليك من ربك. ويرى أن ذلك نظير قول الله: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن إذ ابتدأ خطاب النبي (ص)، ثم جعل الفعل للجميع، إذ كان أمر الله نبيه بأمر أمرا منه لجميع أمته، كما يقال للرجل يفرد بالخطاب والمراد به هو وجماعة أتباعه أو عشيرته وقبيلته: أما تتقون الله ؟ أما تستحيون من الله ؟ ونحو ذلك من الكلام. وذلك وإن كان وجها غير مدفوع، فالقول الذي اخترناه أولى بمعنى الكلام لدلالة الظاهر الذي وصفنا عليه. وقوله: قليلا ما تذكرون يقول: قليلا ما تتعظون وتعتبرون، فتراجعون الحق. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ص): حذر هؤلاء العابدين غيري والعادلين بي الآلهة
[ 156 ]
والاوثان سخطي، لاحل بهم عقوبتي فأهلكهم كما أهلكت من سلك سبيلهم من الامم قبلهم، فكثيرا ما أهلكت قبلهم من أهل قرى عصوني وكذبوا رسلي وعبدوا غيري. فجاءها بأسنا بياتا يقول: فجاءتهم عقوبتنا ونقمتنا ليلا قبل أن يصبحوا، أو جاءتهم قائلين، يعني نهارا في وقت القائلة. وقيل: وكم لان المراد بالكلام ما وصفت من الخبر عن كثرة ما قد أصاب الامم السالفة من المثلاث بتكذيبهم رسله وخلافهم عليه، وكذلك تفعل العرب إذا أرادوا الخبر عن كثرة العدد، كما قال الفرزدق: كم عمة لك يا جرير وخالة فدعاء قد حلبت علي عشاري فإن قال قائل: فإن الله تعالى ذكره إنما أخبر أنه أهلك قرى، فما في خبره عن إهلاكه القرى من الدليل على إهلاكه أهلها ؟ قيل: إن القرى لا تسمى قرى ولا القرية قرية إلا وفيها مساكن لاهلها وسكان منهم، ففي إهلاكها من فيها من أهلها. وقد كان بعض أهل العربية يرى أن الكلام خرج مخرج الخبر عن القرية، والمراد به أهلها. والذي قلنا في ذلك أولى بالحق لموافقته ظاهر التنزيل المتلو. فإن قال قائل: وكيف قيل: وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون وهل هلكت قرية إلا بمجئ بأس الله وحلول نقمته وسخطه بها ؟ فكيف قيل أهلكناها فجاءها وإن كان مجئ بأس الله إياها بعد هلاكها ؟ فما وجه مجئ ذلك قوما قد هلكوا وبادوا ولا يشعرون بما ينزل بهم ولا بمساكنهم ؟ قيل: إن لذلك من التأويل وجهين كلاهما صحيح واضح منهجه: أحدهما أن يكون معناه: وكم من قرية أهلكناها بخذلاننا إياها عن اتباع ما أنزلنا إليها من البينات والهدى واختيارها اتباع أمر أوليائها، المغويها عن طاعة ربها، فجاءها بأسنا إذ فعلت ذلك بياتا، أو هم قائلون. فيكون إهلاك الله إياها: خذلانه لها عن طاعته، ويكون مجئ بأس الله إياهم جزاء لمعصيتهم ربهم بخذلانه إياهم. والآخر منهما: أن يكون الاهلاك هو البأس بعينه. فيكون في ذكر الاهلاك الدلالة
[ 157 ]
على ذكر مجئ البأس، وفي ذكر مجئ البأس الدلالة على ذكر الاهلاك. وإذا كان ذلك كذلك، كان سواء عند العرب بدئ بالاهلاك ثم عطف عليه بالبأس، أو بدئ بالبأس ثم عطف عليه بالاهلاك، وذلك كقولهم: زرتني فأكرمتني إذ كانت الزيارة هي الكرامة، فسواء عندهم قدم الزيارة وأخر الكرامة، أو قدم الكرامة وأخر الزيارة فقال: أكرمتني فزرتني. وكان بعض أهل العربية يزعم أن في الكلام محذوفا، لولا ذلك لم يكن الكلام صحيحا، وأن معنى ذلك: وكم من قرية أهلكناها، فكان مجئ بأسنا إياها قبل إهلاكنا. وهذا قول لا دلالة على صحته من ظاهر التنزيل ولا من خبر يجب التسليم له، وإذا خلا القول من دلالة على صحته من بعض الوجوه التي يجب التسليم لها كان بينا فساده. وقال آخر منهم أيضا: معنى الفاء في هذا الموضع معنى الواو، وقال: تأويل الكلام: وكم من قرية أهلكناها وجاءها بأسنا بياتا. وهذا قول لا معنى له، إذ كان للفاء عند العرب من الحكم ما ليس للواو في الكلام، فصرفها إلى الاغلب من معناها عندهم ما وجد إلى ذلك سبيل أولى من صرفها إلى غيره. فإن قال: كيف قيل: فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون، وقد علمت أن الاغلب من شأن أو في الكلام اجتلاب الشك، وغير جائز أن يكون في خبر الله شك ؟ قيل: إن تأويل ذلك خلاف ما إليه ذهبت، وإنما معنى الكلام: وكم من قرية أهلكناها فجاء بعضها بأسنا بياتا، وبعضها وهم قائلون. ولو جعل مكان أو في هذا الموضع الواو لكان الكلام كالمحال، ولصار الاغلب من معنى الكلام: إن القرية التي أهلكها الله جاءها بأسه بياتا، وفي وقت القائلة وذلك خبر عن البأس أنه أهلك من قد هلك وأفنى من قد فني، وذلك من الكلام خلف ولكن الصحيح من الكلام هو ما جاء به التزيل، إذ لم يفصل القرى التي جاءها البأس بياتا من القرى التي جاءها ذلك قائلة، ولو فصلت لم يخبر عنها إلا بالواو. وقيل: فجاءها بأسنا خبرا عن القرية أن البأس أتاها، وأجرى الكلام على ما ابتدئ به في أول الآية ولو قيل: فجاءهم بأسنا بياتا لكان صحيحا فصيحا ردا للكلام إلى معناه، إذ كان البأس إنما قصد به سكان القرية دون بنيانها، وإن كان قد نال بنيانها ومساكنها من البأس بالخراب نحو من الذي نال سكانها. وقد رجع في قوله: أو هم قائلون إلى خصوص الخبر عن سكانها دون مساكنها لما وصفنا من أن المقصود بالبأس كان السكان وإن كان في هلاكهم هلاك مساكنهم وخرابها. ولو قيل: أو هي قائلة كان صحيحا إذ كان السامعون قد فهموا المراد من الكلام.
[ 158 ]
فإن قال قائل: أو ليس قوله: أو هم قائلون خبرا عن الوقت الذي أتاهم فيه بأس الله من النهار ؟ قيل: بلى. فإن قال: أو ليس المواقيت في مثل هذا تكون في كلام العرب بالواو الدال على الوقت ؟ قيل: إن ذلك وإن كان كذلك، فإنهم قد يحذفون من مثل هذا الموضع استثقالا للجمع بين حرفي عطف، إذ كان أو عندهم من حروف العطف، وكذلك الواو، فيقولون: لقيتني مملقا أو أنا مسافر، بمعنى: أو وأنا مسافر، فيحذفون الواو وهم مريدوها في الكلام لما وصفت. القول في تأويل قوله تعالى: * (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنآ إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين) *. يقول تعالى ذكره: فلم يكن دعوى أهل القرية التي أهلكناها إذ جاءهم بأسنا وسطوتنا بياتا أو هم قائلون، إلا اعترافهم على أنفسهم بأنهم كانوا إلى أنفسهم مسيئين وبربهم آثمين ولامره ونهيه مخالفين. وعنى بقوله جل ثناؤه: دعواهم في هذا الموضع دعاءهم. وللدعوى في كلام العرب وجهان: أحدهما الدعاء والآخر الادعاء للحق. ومن الدعوى التي معناها الدعاء قول الله تبارك وتعالى: فما زالت تلك دعواهم ومنه قول الشاعر: وإن مذلت رجلي دعوتك أشتفي بدعواك من مذل بها فيهون وقد بينا فيما مضى قبل أن البأس والبأساء: الشدة، بشواهد ذلك الدالة على صحته، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله (ص) من قوله: ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم. وقد تأول ذلك كذلك بعضهم. 11137 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن أبي سنان، عن عبد الملك بن ميسرة الزراد، قال: قال عبد الله بن مسعود، قال رسول الله (ص): ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم قال: قلت لعبد الملك: كيف يكون ذلك ؟ قال: فقرأ هذه الآية: فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا... الآية
[ 159 ]
فإن قال قائل: وكيف قيل: فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين وكيف أمكنتهم الدعوى بذلك وقد جاءهم بأس الله بالهلاك، أقالوا ذلك قبل الهلاك ؟ فإن كانوا قالوه قبل الهلاك، فإنهم قالوا قبل مجئ البأس، والله يخبر عنهم أنهم قالوه حين جاءهم لا قبل ذلك، أو قالوه بعد ما جاءهم فتلك حالة قد هلكوا فيها، فكيف يجوز وصفهم بقيل ذلك إذا عاينوا بأس الله وحقيقة ما كانت الرسل تعدهم من سطوة الله ؟ قيل: ليس كل الامم كان هلاكها في لحظة ليس بين أوله وآخره مهل، بل كان منهم من غرق بالطوفان، فكان بين أول ظهور السبب الذي علموا أنهم به هالكون وبين آخره الذي عم جميعهم هلاكه المدة التي لا خفاء بها على ذي عقل ومنهم من متع بالحياة بعد ظهور علامة الهلاك لاعينهم أياما ثلاثة، كقوم صالح وأشباههم، فحينئذ لما عاينوا أوائل بأس الله الذي كانت رسل الله تتوعدهم به وأيقنوا حقيقة نزول سطوة الله بهم، دعوا: يا ويلنا إنا كنا ظالمين فلم يك ينفعهم إيمانهم مع مجئ وعيد الله وحلول نقمته بساحتهم، فحذر ربنا جل ثناؤه الذين أرسل إليهم نبيه (ص) من سطوته وعقابه على كفرهم به وتكذيبهم رسوله، ما حل بمن كان قبلهم من الامم، إذ عصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) *. يقول تعالى ذكره: لنسألن الامم الذين أرسلت إليهم رسلي ماذا عملت فيما جاءتهم به الرسل من عندي من أمري ونهيي، هل عملوا بما أمرتهم به وانتهوا عما نهيتهم عنه وأطاعوا أمري، أم عصوني، فخالفوا ذلك ؟ ولنسألن المرسلين يقول: ولنسألن الرسل الذين أرسلتهم إلى الامم، هل بلغتهم رسالاتي وأدت إليهم ما أمرتهم بأدائه إليه، أم قصروا في ذلك ففرطوا ولم يبلغوهم ؟. وكذلك كان أهل التأويل يتأولونه. ذكر من قال ذلك: 11138 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين قال: يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين، ويسأل المرسلين عما بلغوا. 11139 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي،
[ 160 ]
عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فلنسألن الذين أرسل إليهم... إلى قوله: غائبين قال: يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون. 11140 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فلنسألن الذين ارسل إليهم ولنسألن المرسلين يقول فلنسألن الامم ما عملوا فيما جاءت به الرسل، ولنسألن الرسل هل بلغوا ما أرسلوا به. 11141 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد المدني، قال: قال مجاهد: فلنسألن الذين أرسل إليهم الامم، ولنسألن الذين أرسلنا إليهم عما ائتمناهم عليه، هل بلغوا. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين) *. يقول تعالى ذكره: فلنخبرن الرسل ومن أرسلتهم إليه بيقين علم بما عملوا في الدنيا فيما كنت أمرتهم به، وما كنت نهيتهم عنه، وما كنا غائبين عنهم وعن أفعالهم التي كانوا يفعلونها. فإن قال قائل: وكيف يسأل الرسل والمرسل إليهم، وهو يخبر أنه يقص عليهم بعلم بأعمالهم وأفعالهم في ذلك ؟ قيل: إن ذلك منه تعالى ذكره ليس بمسألة استرشاد ولا مسألة تعرف منهم ما هو به غير عالم، وإنما هو مسألة توبيخ وتقرير معناها الخبر، كما يقول الرجل للرجل: ألم أحسن إليك فأسأت ؟ وألم أصلك فقطعت ؟ فكذلك مسألة الله المرسل إليهم بأن يقول لهم: ألم يأتكم رسلي بالبينات ؟ ألم أبعث إليكم النذر فتنذركم عذابي وعقابي في هذا اليوم من كفر بي وعبد غيري ؟ كما أخبر جل ثناؤه أنه قائل لهم يومئذ: ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ونحو ذلك من القول الذي ظاهره مسألة، ومعناه الخبر والقصص وهو بعد توبيخ وتقرير. وأما مسألة الرسل الذي هو قصص وخبر، فإن الامم المشركة لما سئلت في القيامة قيل لها: ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم أنكر ذلك كثير منهم وقالوا: ما جاءنا من بشير ولا نذير، فقيل للرسل: هل بلغتم ما أرسلتم به ؟ أو قيل لهم: ألم تبلغوا إلى هؤلاء ما أرسلتم به ؟ كما جاء الخبر عن رسول الله (ص)، وكما قال جل ثناؤه لامة
[ 161 ]
نبينا محمد (ص): وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا فكل ذلك من الله مسألة للرسل على وجه الاستشهاد لهم على من أرسلوا إليه من الامم وللمرسل إليهم على وجه التقرير والتوبيخ، وكل ذلك بمعنى القصص والخبر. فأما الذي هو عن الله منفى من مسألته خلقه، فالمسألة التي هي مسألة استرشاد واستثبات فيما لا يعلمه السائل عنها ويعلمه المسؤول، ليعلم السائل علم ذلك من قبله. فذلك غير جائز أن يوصف الله به لانه العالم بالاشياء قبل كونها وفي حال كونها وبعد كونها، وهي المسألة التي نفاها جل ثناؤه عن نفسه بقوله: فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس وجان، وبقوله: ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون يعني: لا يسأل عن ذلك أحدا منهم على مستثبت، ليعلم علم ذلك من قبل من سأل منه، لانه العالم بذلك كله وبكل شئ غيره. وقد ذكرنا ما روي في معنى ذلك من الخبر في غير هذا الموضع، فكرهنا إعادته. وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول في معنى قوله: فلنقصن عليهم بعلم أنه ينطق لهم كتاب عملهم عليهم بأعمالهم. هذا قول غير بعيد من الحق، غير أن الصحيح من الخبر عن رسول الله (ص) أنه قال: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، فيقول له: أتذكر يوم فعلت كذا وفعلت كذا ؟ حتى يذكره ما فعل في الدنيا. والتسليم لخبر رسول الله (ص) أولى من التسليم لغيره. القول في تأويل قوله تعالى: * (والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون) *. الوزن: مصدر من قول القائل: وزنت كذا وكذا، أزنه وزنا وزنة، مثل: وعدته أعده وعدا وعدة، وهو مرفوع بالحق، والحق به. ومعنى الكلام: والوزن يوم نسأل الذين أرسل إليهم والمرسلين، الحق. ويعني بالحق: العدل. وكان مجاهد يقول: الوزن في هذا الموضع: القضاء.
[ 162 ]
11142 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: والوزن يومئذ: القضاء. وكان يقول أيضا: معنى الحق ههنا: العدل. ذكر الرواية بذلك: 11143 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن الاعمش، عن مجاهد: والوزن يومئذ الحق قال العدل. وقال آخرون: معنى قوله: والوزن يومئذ الحق وزن الاعمال. ذكر من قال ذلك: 11144 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: والوزن يومئذ الحق توزن الاعمال. 11145 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: والوزن يومئذ الحق قال: قال عبيد بن عمير: يؤتى بالرجل العظيم الطويل الاكول الشروب، فلا يزن جناح بعوضة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: والوزن يومئذ الحق قال: قال عبيد بن عمير: يؤتى بالرجل الطويل العظيم، فلا يزن جناح بعوضة. 11146 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا يوسف بن صهيب، عن موسى، عن بلال بن يحيى، عن حذيفة، قال: صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام، قال: يا جبريل زن بينهم، فرد على المظلوم، وإن لم يكن له حسنات حمل عليه من سيئات صاحبه فيرجع الرجل عليه مثل الجبال، فذلك قوله: والوزن يومئذ الحق. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: فمن ثقلت موازينه فقال بعضهم: معناه: فمن كثرت حسناته. ذكر من قال ذلك: 11147 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن الاعمش، عن مجاهد: فمن ثقلت موازينه قال: حسناته. وقال آخرون: معنى ذلك: فمن ثقلت موازينه التي توزن بها حسناته وسيئاته، قالوا: وذلك هو الميزان الذي يعرفه الناس، له لسان وكفتان. ذكر من قال ذلك: 11148 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن
[ 163 ]
جريج: قال لي عمرو بن دينار: قوله: والوزن يومئذ الحق قال: إنا نرى ميزانا وكفتين، سمعت عبيد بن عمير يقول: يجعل الرجل العظيم الطويل في الميزان، ثم لا يقوم بجناح ذباب. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي القول الذي ذكرناه عن عمرو بن دينار من أن ذلك: هو الميزان المعروف الذي يوزن به، وأن الله جل ثناؤه يزن أعمال خلقه الحسنات منها والسيئات، كما قال جل ثناؤه: فمن ثقلت موازينه موازين عمله الصالح، فأولئك هم المفلحون يقول: فأولئك هم الذين ظفروا بالنجاح وأدركوا الفوز بالطلبات، والخلود والبقاء في الجنات، لتظاهر الاخبار عن رسول الله (ص) بقوله: ما وضع في الميزان شئ أثقل من حسن الخلق، ونحو ذلك من الاخبار التي تحقق أن ذلك ميزان يوزن به الاعمال على ما وصفت. فإن أنكر ذلك جاهل بتوجيه معنى خبر الله عن الميزان وخبر رسوله (ص) عن وجهته، وقال: وكيف توزن الاعمال، والاعمال ليست بأجسام توصف بالثقل والخفة، وإنما توزن الاشياء ليعرف ثقلها من خفتها وكثرتها من قلتها، وذلك لا يجوز إلا على الاشياء التي توصف بالثقل والخفة والكثرة والقلة ؟ اقيل له في قوله: وما وجه وزن الله الاعمال وهو العالم بمقاديرها قبل كونها: وزن ذلك نظير إثباته إياه في أم الكتاب، واستنساخه ذلك في الكتاب من غير حاجة به إليه ومن غير خوف من نسيانه، وهو العالم بكل ذلك في كل حال ووقت قبل كونه وبعد وجود، بل ليكون ذلك حجة على خلقه، كما قال جل ثناؤه في تنزيله: كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق... الآية، فكذلك وزنه تعالى أعمال خلقه بالميزان حجة عليهم ولهم، إما بالتقصير في طاعته والتضييع وإما بالتكميل والتتميم. وأما وجه جواز ذلك، فإنه كما: 11149 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا جعفر بن عون، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد الافريقي، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو،
[ 164 ]
قال: يؤتى بالرجل يوم القيامة إلى الميزان، فيوضع في الكفة، فيخرج له تسعة وتسعون سجلا فيها خطاياه وذنوبه. قال: ثم يخرج له كتاب مثل الانملة، فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله (ص). قال: فتوضع في الكفة فترجح بخطاياه وذنوبه. فكذلك وزن الله أعمال خلقه بأن يوضع العبد وكتب حسناته في كفة من كفتي الميزان، وكتب سيئاته في الكفة الاخرى، ويحدث الله تبارك وتعالى ثقلا وخفة في الكفة التي الموزون بها أولى احتجاجا من الله بذلك على خلقه كفعله بكثير منهم من استنطاق أيديهم وأرجلهم، استشهادا بذلك عليهم، وما أشبه ذلك من حججه. ويسئل من أنكر ذلك، فيقال له: إن الله أخبرنا تعالى ذكره أنه يثقل موازين قوم في القيامة ويخفف موازين آخرين، وتظاهرت الاخبار عن رسول الله (ص) بتحقيق ذلك، فما الذي أوجب لك إنكار الميزان أن يكون هو الميزان الذي وصفنا صفته الذي يتعارفه الناس ؟ أحجة عقل ؟ فقد يقال: وجه صحته من جهة العقل، وليس في وزن الله جل ثناؤه خلقه وكتب أعمالهم، لتعريفهم أثقل القسمين منها بالميزان خروج من حكمة، ولا دخول في جور في قضية، فما الذي أحال ذلك عندك من حجة أو عقل أو خبر ؟ إذ كان لا سبيل إلى حقيقة القول بإفساد ما لا يدفعه العقل إلا من أحد الوجهين اللذين ذكرت ولا سبيل إلى ذلك. وفي عدم البرهان على صحة دعواه من هذين الوجهين وضوح فساد قوله وصحة ما قاله أهل الحق في ذلك. وليس هذا الموضع من مواضع الاكثار في هذا المعنى على من أنكر الميزان الذي وصفنا صفته، إذ كان قصدنا في هذا الكتاب البيان عن تأويل القرآن دون غيره، ولولا ذلك لقرنا إلى ما ذكرنا نظائره، وفي الذي ذكرنا من ذلك كفاية لمن وفق لفهمه إن شاء الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) *. يقول جل ثناؤه: ومن خفت موازين أعماله الصالحة فلم تثقل بإقراره بتوحيد الله والايمان به وبرسوله واتباع أمره ونهيه، فأولئك الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من جزيل ثواب الله وكرامته بما كانوا بآياتنا يظلمون يقول: بما كانوا بحجج الله وأدلته يجحدون، فلا يقرون بصحتها، ولا يوقنون بحقيقتها. كالذي:
[ 165 ]
11150 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن الاعمش، عن مجاهد: ومن خفت موازينه قال: حسناته. وقيل: فأولئك ومن في لفظ الواحد، لان معناه الجمع، ولو جاء موحدا كان صوابا فصيحا. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد مكناكم في الارض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون) *. يقول تعالى ذكره: ولقد وطأنا لكم أيها الناس في الارض، وجعلناها لكم قرارا تستقرون فيها، ومهادا تمتهدونها، وفراشا تفترشونها. وجعلنا لكم فيها معايش تعيشون بها أيام حياتكم، من مطاعم ومشارب، نعمة مني عليكم وإحسانا مني إليكم. قليلا ما تشكرون يقول: وأنتم قليل شكركم على هذه النعم التي أنعمتها عليكم لعبادتكم غيري، واتخاذكم إلها سواي. والمعايش: جمع معيشة. واختلفت القراء في قراءتها، فقرأ ذلك عامة قراء الامصار: معايش بغير همز، وقرأه عبد الرحمن الاعرج: معائش بالهمز. والصواب من القراءة في ذلك عندنا: معايش بغير همز، لانها مفاعل من قول القائل: عشت تعيش، فالميم فيها زائدة والياء في الحكم متحركة، لان واحدها مفعلة معيشة متحركة الياء، نقلت حركة الياء منها إلى العين في واحدها فلما جمعت ردت حركتها إليها لسكون ما قبلها وتحركها. وكذلك تفعل العرب بالياء والواو إذا سكن ما قبلهما وتحركتا في نظائر ما وصفنا من الجمع الذي يأتي على مثال مفاعل، وذلك مخالف لما جاء من الجمع على مثال فعائل التي تكون الياء فيها زائدة ليست بأصل، فإن ما جاء من الجمع على هذا المثال فالعرب تهمزه كقولهم: هذه مدائن وصحائف ونظائر، لان مدائن جمع مدينة، والمدينة: فعيلة من قولهم: مدنت المدينة، وكذلك صحائف جمع صحيفة، والصحيفة فعيلة من قولك: صحفت الصحيفة، فالياء في واحدها زائدة ساكنة، فإذا جمعت همزت لخلافها في الجمع الياء التي كانت في واحدها، وذلك أنها كانت في واحدها ساكنة، وهي في الجمع متحركة، ولو جعلت مدينة مفعلة من دان يدين، وجمعت على مفاعل، كان الفصيح ترك الهمز فيها وتحريك الياء. وربما همزت العرب جمع مفعلة في ذوات الياء والواو وإن كان الفصيح من كلامها ترك الهمز فيها، إذا جاءت على مفاعل تشبيها منهم جمعها بجمع فعيلة، كما تشبه مفعلا بفعيل، فتقول: مسيل الماء، من سال يسيل، ثم تجمعها جمع فعيل، فتقول: هي أمسلة في الجمع تشبيها منهم لها بجمع بعير
[ 166 ]
وهو فعيل، إذ تجمعه أبعرة، وكذلك يجمع المصير وهو مفعل مصران، تشبيها له بجمع بعير وهو فعيل، إذ تجمعه بعران، وعلى هذا همز الاعرج: معائش، وذلك ليس بالفصيح في كلامها. وأولى ما قرئ به كتاب الله من الالسن، أفصحها وأعرفها دون أنكرها وأشذها. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين) *. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويل ذلك: ولقد خلقناكم في ظهر آدم أيها الناس، ثم صورناكم في أرحام النساء خلقا مخلوقا ومثالا ممثلا في صورة آدم. ذكر من قال ذلك: 11151 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: ولقد خلقناكم ثم صورناكم، قوله: خلقناكم يعني آدم، وأما صورناكم فذريته. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولقد خلقناكم ثم صورناكم... الآية، قال: أما خلقناكم فآدم، وأما صورناكم: فذرية آدم من بعده. 11152 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع: ولقد خلقناكم يعني: آدم، ثم صورناكم يعني: في الارحام. - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعد، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، في قوله: ولقد خلقناكم ثم صورناكم يقول: خلقناكم خلق آدم، ثم صورناكم في بطون أمهاتكم. 11153 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولقد خلقناكم ثم صورناكم يقول: خلقنا آدم ثم صورنا الذرية في الارحام. 11154 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن
[ 167 ]
قتادة: ولقد خلقناكم ثم صورناكم قال: خلق الله آدم من طين، ثم صورناكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق، علقة ثم مضغة ثم عظاما، ثم كسا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر. 11155 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: خلق الله آدم ثم صور ذريته من بعده. 11156 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمر بن هارون، عن نصر بن مشاوش، عن الضحاك: خلقناكم ثم صورناكم قال: ذريته. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك، قوله: ولقد خلقناكم يعني آم، ثم صورناكم، يعني: ذريته. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولقد خلقناكم في أصلاب آبائكم ثم صورناكم في بطون أمهاتكم. ذكر من قال ذلك: 11157 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة: ولقد خلقناكم ثم صورناكم قال: خلقناكم في أصلاب الرجال، وصورناكم في أرحام النساء. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، مثله. 11158 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت الاعمش يقرأ: ولقد خلقناكم ثم صورناكم قال: خلقناكم في أصلاب الرجال، ثم صورناكم في أرحام النساء. وقال آخرون: بل معنى ذلك: خلقناكم يعني آدم، ثم صورناكم يعني في ظهره. ذكر من قال ذلك: 11159 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ولقد خلقناكم قال: آدم، ثم صورناكم قال: في ظهر آدم.
[ 168 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولقد خلقناكم ثم صورناكم في ظهر آدم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج عن مجاهد، قوله: ولقد خلقناكم ثم صورناكم قال: صورناكم في ظهر آدم. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد المدني، قال: سمعت مجاهدا في قوله: ولقد خلقناكم ثم صورناكم قال: في ظهر آدم لما تصيرون إليه من الثواب في الآخرة. وقال آخرون: معنى ذلك: ولقد خلقناكم في بطون أمهاتكم، ثم صورناكم فيها. ذكر من قال ذلك: 11160 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عمن ذكره، قال: خلقناكم ثم صورناكم قال: خلق الله الانسان في الرحم، ثم صوره فشق سمعه وبصره وأصابعه. قال أبو جعفر: وأولى الاقوال بالصواب قول من قال: تأويله: ولقد خلقناكم ولقد خلقنا آدم، ثم صورناكم بتصويرنا آدم، كما قد بينا فيما مضى من خطاب العرب الرجل بالافعال تضيفها إليه، والمعنى في ذلك سلفه، وكما قال جل ثناؤه لمن بين أظهر المؤمنين من اليهود على عهد رسول الله (ص): وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة وما أشبه ذلك من الخطاب الموجه إلى الحي الموجود والمراد به السلف المعدوم، فكذلك ذلك في قوله: ولقد خلقناكم ثم صورناكم معناه: ولقد خلقنا أباكم آدم، ثم صورناه. وإنما قلنا هذا القول أولى الاقوال في ذلك بالصواب، لان الذي يتلو ذلك قوله: ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ومعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أمر الملائكة بالسجود لآدم قبل أن يصور ذريته في بطون أمهاتهم، بل قبل أن يخلق أمهاتهم، وثم في كلام العرب لا تأتي إلا بإيذان انقطاع ما بعدها عما قبلها، وذلك كقول القائل: قمت ثم قعدت، لا يكون القعود إذ عطف به ب ثم على قوله: قمت إلا بعد القيام، وكذلك ذلك في جميع الكلام. ولو كان العطف في ذلك بالواو جاز أن يكون الذي بعدها قد كان قبل الذي قبلها، وذلك كقول
[ 169 ]
القائل: قمت وقعدت، فجائز أن يكون القعود في هذا الكلام قد كان قبل القيام، لان الواو تدخل في الكلام إذا كانت عطفا لتوجب للذي بعدها من المعنى ما وجب للذي قبلها من غير دلالة منها بنفسها، على أن ذلك كان في وقت واحد أو وقتين مختلفين، أو إن كانا في وقتين أيهما المتقدم وأيهما المتأخر. فلما وصفنا قلنا إن قوله: ولقد خلقناكم ثم صورناكم لا يصح تأويله إلا على ما ذكرنا. فإن ظن ظان أن العرب إذا كانت ربما نطقت ب ثم في موضع الواو في ضرورة شعر كما قال بعضهم: سألت ربيعة من خيرها أبا ثم أما فقالت لمه بمعنى: أبا وأما، فإن ذلك جائز أن يكون نظيره، فإن ذلك بخلاف ما ظن وذلك أن كتاب الله جل ثناؤه نزل بأفصح لغات العرب، وغير جائز توجيه شئ منه إلى الشاذ من لغاتها وله في الافصح الاشهر معنى مفهوم ووجه معروف. وقد وجه بعض من ضعفت معرفته بكلام العرب ذلك إلى أنه من المؤخر الذي معناه التقديم، وزعم أن معنى ذلك: ولقد خلقناكم، ثم قلنا للملائكة: اسجدوا لآدم، ثم صورناكم. وذلك غير جائز في كلام العرب، لانها لا تدخل ثم في الكلام وهي مراد بها التقديم على ما قبلها من الخبر، وإن كانوا قد يقدمونها في الكلام، إذا كان فيه دليل على أن معناها التأخير، وذلك كقولهم: قام ثم عبد الله عمرو فأما إذا قيل: قام عبد الله ثم قعد عمرو، فغير جائز أن يكون قعود عمرو كان إلا بعد قيام عبد الله، إذا كان الخبر صدقا، فقول الله تبارك وتعالى: ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا نظير قول القائل: قام عبد الله ثم قعد عمرو في أنه غير جائز أن يكون أمر الله الملائكة بالسجود لآدم كان إلا بعد الخلق والتصوير لما وصفنا قبل. وأما قوله: للملائكة اسجدوا لآدم فإنه يقول جل ثناؤه: فلما صورنا آدم وجعلناه خلقا سويا، ونفخنا فيه من روحنا، قلنا للملائكة: اسجدوا لآدم، ابتلاء منا واختبارا لهم بالامر، ليعلم الطائع منهم من العاصي فسجدوا يقول: فسجد الملائكة إلا إبليس فإنه لم يكن من الساجدين لآدم حين أمره الله مع من أمر من سائر الملائكة غيره بالسجود. وقد بينا فيما مضى المعنى الذي من أجله امتحن جل جلاله ملائكته بالسجود لآدم، وأمر إبليس وقصصه، وبما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 170 ]
* (قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) *. وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيله لابليس إذ عصاه، فلم يسجد لآدم إذ أمره بالسجود له، يقول: قال الله لابليس: ما منعك أي شئ منعك ألا تسجد: أن تدع السجود لآدم، إذ أمرتك أن تسجد. قال أنا خير منه يقول: قال إبليس: أنا خير من آدم، خلقتني من نار وخلقته من طين. فإن قال قائل: أخبرنا عن إبليس، ألحقته الملامة على السجود أم على ترك السجود ؟ فإن تكن لحقته الملامة على ترك السجود، فكيف قيل له: ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ؟ وإن كان النكير على السجود، فذلك خلاف ما جاء به التنزيل في سائر القرآن، وخلاف ما يعرفه المسلمون. قيل: إن الملامة لم تلحق إبليس إلا على معصيته ربه بتركه السجود لآدم إذ أمره بالسجود له، غير أن في تأويل قوله: ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك بين أهل المعرفة بكلام العرب اختلافا أبدأ بذكر ما قالوا، ثم أذكر الذي هو أولى ذلك بالصواب فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: ما منعك أن تسجد، ولا ههنا زائدة، كما قال الشاعر: أبى جوده لا البخل واستعجلت به نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله وقال: فسرته العرب: أبى جوده البخل، وجعلوا لا زائدة حشوا ههنا وصلوا بها الكلام. قال: وزعم يونس أن أبا عمرو كان يجر البخل، ويجعل لا مضافة إليه، أراد: أبى جوده لا التي هي للبخل، ويجعل لا مضافة، لان لا قد تكون للجود والبخل، لانه لو قال له: امنع الحق ولا تعط المسكين، فقال لا كان هذا جودا منه. وقال بعض نحويي الكوفة نحو القول الذي ذكرناه عن البصريين في معناه وتأويله، غير أنه زعم أن العلة في دخول لا في قوله: أن لا تسجد أن في أول الكلام جحدا، يعني بذلك قوله: لم يكن من الساجدين فإن العرب ربما أعادوا في الكلام الذي فيه جحد الجحد، كالاستيثاق والتوكيد له قال: وذلك كقولهم:
[ 171 ]
ما إن رأينا مثلهن لمعشرسود الرؤوس فوالج وفيول فأعاد على الجحد الذي هو ما جحدا، وهو قوله إن فجمعهما للتوكيد. وقال آخر منهم: ليست لا بحشو في هذا الموضع، ولا صلة، ولكن المنع ههنا بمعنى القول. إنما تأويل الكلام: من قال لك لا تسجد إذا أمرتك بالسجود ؟ ولكن دخل في الكلام أن إذا كان المنع بمعنى القول لا في لفظه، كما يفعل ذلك في سائر الكلام الذي يضارع القول، وهو له في اللفظ مخالف كقولهم: ناديت أن لا تقم، وحلفت أن لا تجلس، وما أشبه ذلك من الكلام. وقال بعض من روى: أبى جوده لا البخل بمعنى: كلمة البخل، لان لا هي كلمة البخل، فكأنه قال: كلمة البخل. وقال بعضهم: معنى المنع: الحول بين المرء وما يريده، قال: والممنوع مضطر به إلى خلاف ما منع منه، كالممنوع من القيام وهو يريده، فهو مضطر من الفعل إلى ما كان خلافا للقيام، إذ كان المختار للفعل هو الذي له السبيل إليه وإلى خلافه، فيؤثر أحدهما على الآخر فيفعله قال: فلما كانت صفة المنع ذلك، فخوطب إبليس بالمنع، فقيل له: ما منعك ألا تسجد كان معناه: كأنه قيل له: أي شئ اضطرك إلى أن لا تسجد. قال أبو جعفر: والصواب عندي من القول في ذلك أن يقال: إن في الكلام محذوفا قد كفى دليل الظاهر منه، وهو أن معناه: ما منعك من السجود فأحوجك أن لا تسجد ؟ فترك ذكر أحوجك استغناء بمعرفة السامعين. قوله: إلا إبليس لم يكن من الساجدين أن ذلك معنى الكلام من ذكره، ثم عمل قولهما منعك في أن ما كان عاملا فيه قبل أحوجك لو ظهر إذ كان قد ناب عنه. وإنما قلنا إن هذا القول أولى بالصواب لما قد مضى من دلالتنا قبل على أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شئ لا معنى له، وأن لكل كلمة معنى صحيحا، فتبين بذلك فساد قول من قال لا في الكلام حشو لا معنى لها. وأما قول من قال: معنى المنع ههنا: القول، فلذلك دخلت لا مع أن، فإن المنع وإن كان قد يكون قولا وفعلا، فليس المعروف في الناس استعمال المنع في الامر بترك الشئ، لان المأمور بترك الفعل إذا كان
[ 172 ]
قادرا على فعله وتركه ففعله لا يقال فعله وهو ممنوع من فعله إلا على استكراه للكلام وذلك أن المنع من الفعل حول بينه وبينه، فغير جائز أن يكن وهو محول بينه وبينه فاعلا له، لانه إن جاز ذلك وجب أن يكون محولا بينه وبينه لا محولا وممنوعا لا ممنوعا وبعد، فإن إبليس لم يأتمر لامر الله تعالى بالسجود لآدم كبرا، فكيف كان يأتمر لغيره في ترك أمر الله وطاعته بترك السجود لآدم، فيجوز أن يقال له: أي شئ قال لك لا تسجد لآدم إذ أمرتك بالسجود له ؟ ولكن معناه إن شاء الله ما قلت: ما منعك من السجود له، فأحوجك، أو فأخرجك، أو فاضطرك إلى أن لا تسجد له على ما بينت. وأما قوله: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين فإنه خبر من الله جل ثناؤه عن جواب إبليس إياه إذ سأله: ما الذي منعه من السجود لآدم، فأحوجه إلى أن لا يسجد له، واضطره إلى خلافه أمره به وتركه طاعته أن المانع كان له من السجود والداعي له إلى خلافه أمر ربه في ذلك أنه أشد منه يدا وأقوى منه قوة وأفضل منه فضلا، لفضل الجنس الذي منه خلق وهو النار، من الذي خلق منه آدم وهو الطين فجهل عدو الله وجه الحق، وأخطأ سبيل الصواب، إذ كان معلوما أن من جوهر النار: الخفة والطيش والاضطراب والارتفاع علوا، والذي في جوهرها من ذلك هو الذي حمل الخبيث بعد الشقاء الذي سبق له من الله في الكتاب السابق على الاستكبار عن السجود لآدم والاستخفاف بأمر ربه، فأورثه العطب والهلاك، وكان معلوما أن من جوهر الطين: الرزانة والاناة والحلم والحياء والتثبت، وذلك الذي في جوهره من ذلك كان الداعي لآدم بعد السعادة التي كانت سبقت له من ربه في الكتاب السابق إلى التوبة من خطيئته، ومسألته ربه العفو عنه والمغفرة ولذلك كان الحسن وابن سيرين يقولان: أول من قاس إبليس، يعنيان بذلك: القياس الخطأ، وهو هذا الذي ذكرنا من خطأ قوله وبعده من إصابة الحق في الفضل الذي خص الله به آدم على سائر خلقه من خلقه إياه بيده، ونفخه فيه من روحه، وإسجاده له الملائكة، وتعليمه أسماء كل شئ مع سائر ما خصه به من كرامته فضرب عن ذلك كله الجاهل صفحا، وقصد إلى الاحتجاج بأنه خلقه من نار وخلق آدم من طين، وهو في ذلك أيضا له غير كف ء، لو لم يكن لآدم من الله جل ذكره تكرمة شئ غيره، فكيف والذي خص به من كرامته يكثر تعداده ويمل إحصاؤه ؟.
[ 173 ]
11161 - حدثني عمرو بن مالك، قال: ثنا يحيى بن سليم الطائفي، عن هشام، عن ابن سيرين، قال: أول من قاس إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس. 11162 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا محمد بن كثير، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن الحسن، قوله: خلقتني من نار وخلقته من طين قال: قاس إبليس وهو أول من قاس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11163 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس، قال: لما خلق الله آدم قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السموات: اسجدوا لآدم فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر، لما كان حدث نفسه من كبره واغتراره، فقال: لا أسجد له، وأنا خير منه، وأكبر سنا، وأقوى خلقا، خلقتني من نار وخلقته من طين. يقول: إن النار أقوى من الطين. 11164 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: خلقتني من نار قال: ثم جعل ذريته من ماء. قال أبو جعفر: وهذ الذي قاله عدو الله ليس لما سأله عنه بجواب، وذلك أن الله تعالى ذكره قال له: ما منعك من السجود ؟ فلم يجب بأن الذي منعه من السجود: أنه خلقه من نار، وخلق آدم من طين، ولكنه ابتدأ خبرا عن نفسه، فيه دليل على موضع الجواب، فقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين) *. يعني بذلك جل ثناؤه: قال الله لابليس عند ذلك: فاهبط منها وقد بينا معنى الهبوط فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته. فما يكون لك أن تتكبر فيها يقول تعالى ذكره: فقال الله له: اهبط منها يعني: من الجنة فما يكون لك، يقول: فليس لك أن تستكبر في الجنة عن طاعتي وأمري. فإن قال قائل: هل لاحد أن يتكبر في الجنة ؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه
[ 174 ]
ذهبت، وإنما معنى ذلك: فاهبط من الجنة، فإنه لا يسكن الجنة متكبر عن أمر الله، فأما غيرها فإنه قد يسكنها المستكبر عن أمر الله والمستكين لطاعته. وقوله: فاخرج إنك من الصاغرين يقول: فاخرج من الجنة إنك من الذين قد نالهم من الله الصغار والذل والمهانة، يقال منه: صغر يصغرا وصغرانا وقد قيل: صغر يصغر صغارا وصغارة. وبنحو الذي قلنا قال السدي. 11165 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فاخرج إنك من الصاغرين والصغار: هو الذل. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين) *. وهذه أيضا جهلة أخرى من جهلاته الخبيثة، سأل ربه ما قد علم أنه لا سبيل لاحد من خلق الله إليه وذلك أنه سأل النظرة إلى قيام الساعة، وذلك هو يوم يبعث فيه الخلق، ولو أعطي ما سأل من النظرة كان قد أعطي الخلود وبقاء لا فناء معه، وذلك أنه لا موت بعد البعث. فقال جل ثناؤه له: إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم وذلك إلى اليوم الذي قد كتب الله عليه فيه الهلاك والموت والفناء لانه لا شئ يبقى فلا يفنى غير ربنا الحي الذي لا يموت، يقول الله تعالى ذكره: كل نفس ذائقة الموت. والانظار في كلام العرب: التأخير، يقال منه: أنظرته بحقي عليه، أنظره به إنظارا. فإن قال قائل: فإن الله قد قال له إذ سأله الانظار إلى يوم يبعثون: إنك من المنظرين في هذا الموضع، فقد أجابه إلى ما سأل ؟ قيل له: ليس الامر كذلك، وإنما كان مجيبا له إلى ما سأل لو كان قال له: إنك من المنظرين إلى الوقت الذي سألت، أو إلى يوم البعث، أو إلى يوم يبعثون، أو ما أشبه ذلك مما يدل على إجابته إلى ما سأل من النظرة. وأما قوله: إنك من المنظرين فلا دليل فيه لولا الآية الاخرى التي قد بين فيها مدة إنظاره إياه إليها، وذلك قوله: فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم على المدة التي أنظره إليها، لانه إذا أنظره يوما واحدا أو أقل منه أو أكثر، فقد دخل في عداد المنظرين وتم فيه وعد الله الصادق، ولكنه قد بين قدر مدة ذلك بالذي ذكرناه، فعلم بذلك الوقت الذي أنظر إليه. وبنحو ذلك كان السدي يقول.
[ 175 ]
11166 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم فلم ينظره إلى يوم البعث، ولكن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم ينفخ في الصور النفخة الاولى، فصعق من في السموات ومن في الارض، فمات. فتأويل الكلام: قال إبليس لربه: أنظرني أي أخرني وأجلني، وأنسئ في أجلي، ولا تمتني إلى يوم يبعثون، يقول: إلى يوم يبعث الخلق. فقال تعالى ذكره: إنك من المنظرين إلى يوم ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الارض إلا من شاء الله. فإن قال قائل: فهل أحد منظر إلى ذلك اليوم سوى إبليس فيقال له إنك منهم ؟ قيل: نعم، من لم يقبض الله روحه من خلقه إلى ذلك اليوم ممن تقوم عليه الساعة، فهم من المنظرين بآجالهم إليه ولذلك قيل لابليس: إنك من المنظرين بمعنى: إنك ممن لا يميته الله إلا ذلك اليوم. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال فبمآ أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم) *. يقول جل ثناؤه: قال إبليس لربه: فبما أغويتني يقول: فبما أضللتني. كما: 11167 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: فبما أغويتني يقول: أضللتني. 11168 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فبما أغويتني قال: فبما أضللتني. وكان بعضهم يتأول قوله: فبما أغويتني: بما أهلكتني، من قولهم: غوي الفصيل يغوى غوى، وذلك إذا فقد اللبن فمات، من قول الشاعر: معطفة الاثناء ليس فصيلها برازئها درا ولا ميت غوى
[ 176 ]
وأصل الاغواء في كلام العرب: تزيين الرجل للرجل الشئ حتى يحسنه عنده غارا له. وقد حكي عن بعض قبائل طي أنها تقول: أصبح فلان غاويا: أي أصبح مريضا. وكان بعضهم يتأول ذلك أنه بمعنى القسم، كأن معناه عنده: فبإغوائك إياي لاقعدن لهم صراطك المستقيم، كما يقال: بالله لافعلن كذا. وكان بعضهم يتأول ذلك بمعنى المجازاة، كأن معناه عنده: فلانك أغويتني، أو فبأنك أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم. وفي هذا بيان واضح على فساد ما يقول القدرية من أن كل من كفر أو آمن فبتفويض الله أسباب ذلك إليه، وأن السبب الذي به يصل المؤمن إلى الايمان هو السبب الذي به يصل الكافر إلى الكفر وذلك أن ذلك لو كان كما قالوا لكان الخبيث قد قال بقوله: فبما أغويتني: فبما أصلحتني، إذ كان سبب الاغواء، هو سبب الاصلاح، وكان في إخباره عن الاغواء إخبار عن الاصلاح، ولكن لما كان سبباهما مختلفين وكان السبب الذي به غوى وهلك من عند الله أضاف ذلك إليه فقال: فبما أغويتني. وكذلك قال محمد بن كعب القرظي، فيما: 11169 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا زيد بن الحباب، قال: ثنا أبو مودود، سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: قاتل الله القدرية، لابليس أعلم بالله منهم. وأما قوله: لاقعدن لهم صراطك المستقيم فإنه يقول: لاجلسن لبني آدم صراطك المستقيم، يعني: طريقك القويم، وذلك دين الله الحق، وهو الاسلام وشرائعه. وإنما معنى الكلام: لاصدن بني آدم عن عبادتك وطاعتك، ولاغوينهم كما أغويتني، ولاضلنهم كما أضللتني. وذلك كما روي عن سبرة بن الفاكه أنه سمع النبي (ص) يقول: إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقة، فقعد له بطريق الاسلام، فقال: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك ؟ فعصاه فأسلم. ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك،
[ 177 ]
وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول ؟ فعصاه وهاجر. ثم قعد له بطريق الجهاد، وهو جهد النفس والمال، فقال: أتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال ؟ قال: فعصاه فجاهد. وروي عن عون بن عبد الله في ذلك، ما: 11170 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حيوة أبو يزيد، عن عبد الله بن بكير، عن محمد بن سوقة، عن عون بن عبد الله: لاقعدن لهم صراطك المستقيم قال: طريق مكة. والذي قاله عون وإن كان من صراط الله المستقيم فليس هو الصراط كله، وإنما أخبر عدو الله أنه يقعد لهم صراط الله المستقيم ولم يخصص منه شيئا دون شئ، فالذي روي في ذلك عن رسول الله (ص) أشبه بظاهر التنزيل وأولى بالتأويل، لان الخبيث لا يألو عباد الله الصد عن كل ما كان لهم قربة إلى الله. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل في معنى المستقيم في هذا الموضع. ذكر من قال ذلك: 11171 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: صراطك المستقيم قال: الحق. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 11172 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد المدني، قال: سمعت مجاهدا يقول: لاقعدن لهم صراطك المستقيم قال: سبيل الحق، فلاضلنهم إلا قليلا. واختلف أهل العربية في ذلك، فقال بعض نحويي البصرة: معناه: لاقعدن لهم على صراطك المستقيم، كما يقال: توجه مكة: أي إلى مكة، وكما قال الشاعر: كأني إذ أسعى لاظفر طائرا مع النجم من جو السماء يصوب
[ 178 ]
بمعنى: لاظفر بطائر، فألقى الباء وكما قال: أعجلتم أمر ربكم بمعنى: أعجلتم عن أمر ربكم. وقال بعض نحويي الكوفة: المعنى والله أعلم: لاقعدن لهم على طريقهم، وفي طريقهم قال: وإلقاء الصفة من هذا جائز، كما تقول: قعدت لك وجه الطريق، وعلى وجه الطريق لان الطريق صفة في المعنى يحتمل ما يحتمله اليوم والليلة والعام، إذ قيل: آتيك غدا، وآتيك في غد. وهذا القول هو أولى القولين في ذلك عندي بالصواب، لان القعود مقتض مكانا يقعد فيه، فكما يقال: قعدت في مكانك، يقال: قعدت على صراطك، وفي صراطك، كما قال الشاعر: لدن بهز الكف يعسل متنه فيه كما عسل الطريق الثعلب فلا تكاد العرب تقول ذلك في أسماء البلدان، ولا يكادون يقولون: جلست مكة وقمت بغداد. القول في تأويل قوله تعالى: * (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) *. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى قوله: لآتينهم من بين
[ 179 ]
أيديهم من قبل الآخرة، ومن خلفهم من قبل الدنيا، وعن أيمانهم من قبل الحق، وعن شمائلهم من قبل الباطل. ذكر من قال ذلك: 11173 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ثم لآتينهم من بين أيديهم يقول: أشككهم في آخرتهم، ومن خلفهم أرغبهم في دنياهم وعن أيمانهم أشبه عليهم أمر دينهم، وعن شمائلهم أشهي لهم المعاصي. وقد روي عن ابن عباس بهذا الاسناد في تأويل ذلك خلاف هذا التأويل، وذلك ما: 11174 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: ثم لآتينهم من بين أيديهم يعني من الدنيا، ومن خلفهم من الآخرة، وعن أيمانهم من قبل حسناتهم، وعن شمائلهم من قبل سيئاتهم. وتحقق هذه الرواية الاخرى التي: 11175 - حدثني بها محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قال: ما بين أيديهم فمن قبلهم أما ومن خلفهم فأمر آخرتهم وأما عن أيمانهم: فمن قبل حسناتهم وأما عن شمائلهم: فمن قبل سيئاتهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ثم لآتينهم من بين أيديهم... الآية، أتاهم من بين أيديهم، فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار، ومن خلفهم من أمر الدنيا، فزينها لهم ودعاهم إليها وعن أيمانهم: من قبل حسناتهم بطأهم عنها وعن شمائلهم: زين لهم السيئات والمعاصي ودعاهم إليها وأمرهم بها، أتاك يا ابن آدم من كل وجه، غير أنه لم يأتك من فوقك، لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله. وقال آخرون: بل معنى قوله: من بين أيديهم من قبل دنياهم، ومن خلفهم من قبل آخرتهم. ذكر من قال ذلك: 11176 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم قال: من بين أيديهم من قبل دنياهم ومن خلفهم من قبل آخرتهم. وعن أيمانهم من قبل حسناتهم، وعن شمائلهم: من قبل سيئاتهم.
[ 180 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن الحكم: ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قال: من بين أيديهم: من دنياهم ومن خلفهم: من آخرتهم وعن أيمانهم: من حسناتهم وعن شمائلهم:: من قبل سيئاتهم. حدثنا سفيان، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن الحكم: ثم لآتينهم من بين أيديهم قال: من قبل الدنيا يزينها لهم ومن خلفهم من قبل الآخرة يبطئهم عنها وعن أيمانهم: من قبل الحق يصدهم عنه وعن شمائلهم من قبل الباطل يرغبهم فيه، ويزينه لهم. 11178 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم أما من بين أيديهم: فالدنيا أدعوهم إليها وأرغبهم فيها ومن خلفهم: فمن الآخرة أشككهم فيها وأبعدها عليهم وعن أيمانهم يعني الحق فأشككهم فيه وعن شمائلهم: يعني الباطل أخففه عليهم، وأرغبهم فيه. 11179 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: قوله: من بين أيديهم من دنياهم أرغبهم فيها، ومن خلفهم آخرتهم أكفرهم بها وأزهدهم فيها، وعن أيمانهم حسناتهم أزهدهم فيها، وعن شمائلهم مساوئ أعمالهم أحسنها إليهم. وقال آخرون: معنى ذلك: من حيث يبصرون ومن حيث لا يبصرون. ذكر من قال ذلك: 11180 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قول الله: من بين أيديهم وعن أيمانهم قال: حيث يبصرون، ومن خلفهم وعن شمائلهم حيث لا يبصرون. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 11181 - حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا: ثنا جرير، عن منصور، قال: تذاكرنا عند مجاهد قوله: ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم
[ 181 ]
فقال مجاهد: هو كما قال: يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم. زاد ابن حميد، قال: يأتيهم من ثم. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد المدني، قال: قال مجاهد: فذكر نحو حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم. قال أبو جعفر: وأولى هذه الاقوال عندي بالصواب قول من قال: معناه: ثم لآتينهم من جميع وجوه الحق والباطل، فأصدهم عن الحق وأحسن لهم الباطل وذلك أن ذلك عقيب قوله: لاقعدن لهم صراطك المستقيم فأخبر أنه يقعد لبني آدم على الطريق الذي أمرهم الله أن يسلكوه، وهو ما وصفنا من دين الله الحق، فيأتيهم في ذلك من كل وجوهه من الوجه الذي أمرهم الله به، فيصدهم عنه، وذلك من بين أيديهم وعن أيمانهم، ومن الوجه الذي نهاهم الله عنه، فيزينه لهم ويدعوهم إليه، وذلك من خلفهم وعن شمائلهم. وقيل: ولم يقل: من فوقهم لان رحمة الله تنزل على عباده من فوقهم. ذكر من قال ذلك: 11182 - حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، قال: ثنا حفص بن عمر، قال: ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولم يقل: من فوقهم، لان الرحمة تنزل من فوقهم. وأما قوله: ولا تجد أكثرهم شاكرين فإنه يقول: ولا تجد رب أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتك التي أنعمت عليهم كتكرمتك أباهم آدم بما أكرمته به، من إسجادك له ملائكتك، وتفضيلك إياه علي، وشكرهم إياه طاعتهم له بالاقرار بتوحيده، واتباع أمره ونهيه. وكان ابن عباس يقول في ذلك بما: 11183 - حدثني به المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: ولا تجد أكثرهم شاكرين يقول: موحدين. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لاملان جهنم منكم أجمعين) *. وهذا خبر من الله تعالى ذكره، عن إحلاله بالخبيث عدو الله ما أحل به من نقمته ولعنته، وطرده إياه عن جنته، إذ عصاه وخالف أمره، وراجعه من الجواب بما لم يكن له مراجعته به يقول: قال الله له عند ذلك: اخرج منها أي من الجنة مذءوما مدحورا
[ 182 ]
يقول: معيبا. والذأم: العيب، يقال منه: ذأمه يذأمه ذأما فهو مذءوم، ويتركون الهمز فيقولون: ذمته أذيمه ذيما وذاما، والذأم والذيم أبلغ في العيب من الذم وقد أنشد بعضهم هذا البيت: صحبتك إذ عيني عليها غشاوة فلما انجلت قطعت نفسي أذيمها وأكثر الرواة على إنشاهده ألومها. وأما المدحور: فهو المقصى، يقال: دحره يدحره دحرا ودحورا: إذا أقصاه وأخرجه ومنه قولهم: ادحر عنك الشيطان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11184 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: اخرج منها مذءوما مدحورا يقول: اخرج منها لعينا منفيا. 11185 - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: مذءوما: ممقوتا. 11186 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: قال اخرج منها مذءوما يقول: صغيرا منفيا. 11187 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: اخرج منها مذءوما مدحورا: أما مذءوما: فمنفيا، وأما مدحورا: فمطرودا. 11188 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: مذءوما قال: منفيا مدحورا قال: مطرودا. 11189 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله: اخرج منها مذءوما قال: منفيا، والمدحور، قال: المصغر. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن يونس وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: اخرج منها مذءوما قال: منفيا.
[ 183 ]
11190 - حدثني أبو عمرو القرقساني عثمان بن يحيى، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن التميمي، سأل ابن عباس: ما اخرج منها مذءوما مدحورا قال: مقيتا. 11191 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: اخرج منها مذءوما مدحورا فقال: ما نعرف المذءوم والمذموم إلا واحدا، ولكن يكون منتقصة، وقال العرب لعامر: يا عام، ولحارث: يا حار، وإنما أنزل القرآن على كلام العرب. القول في تأويل قوله تعالى: لمن تبعك منهم لاملان جهنم منكم أجمعين. وهذا قسم من الله جل ثناؤه: أقسم أن من اتبع من بني آدم عدو الله إبليس وأطاعه وصدق ظنه عليه أن يملا من جميعهم، يعني من كفرة بني آدم تباع إبليس ومن إبليس وذريته جهنم، فرحم الله امرءا كذب ظن عدو الله في نفسه، وخيب فيها أمله وأمنيته، ولم يكن ممن أطمع فيها عدوه، واستغشه ولم يستنصحه. وإن الله تعالى ذكره إنما نبه بهذه الآيات عباده على قدم عداوة عدوه وعدوهم إبليس لهم، وسالف ما سلف من حسده لابيهم، وبغيه عليه وعليهم، وعرفهم مواقع نعمه عليهم قديما في أنفسهم ووالدهم ليدبروا آياته، وليتذكر أولو الالباب، فينزجروا عن طاعة عدوه وعدوهم إلى طاعته وينيبوا إليها. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) *. يقول الله تعالى ذكره: وقال الله لآدم: يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما فأسكن جل ثناؤه آدم وزوجته الجنة بعد أن أهبط منها إبليس وأخرجه منها، وأباح لهما أن يأكلا من ثمارها من أي مكان شاءا منها، ونها هما أن يقربا ثمر شجرة بعينها. وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في ذلك وما نرى من القول فيه صوابا في غير هذا الموضع، فكرهنا إعادته. فتكونا من الظالمين يقول: فتكونا ممن خالف أمر ربه. وفعل ما ليس له فعله. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 184 ]
* (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوأتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) *. يعني جل ثناؤه بقوله: فوسوس لهما فوسوس إليهما، وتلك الوسوسة كانت قوله لهما: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وإقسامه لهما على ذلك. وقيل: وسوس لهما، والمعنى ما ذكرت، كما قيل: عرضت له، بمعنى: استبنت إليه، وإنما يعني: عرضت من هؤلاء إليه، فكذلك معنى ذلك: فوسوس من نفسه إليهما الشيطان بالكذب من من القيل ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما كما قال رؤبة: (وسوس يدعو مخلصا رب الفلق) ومعنى الكلام: فجذب إبليس إلى آدم حواء، وألقى إليهما: ما نها كما ربكما عن أكل ثمر هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين، أو تكونا من الخالدين ليبدي لهما ما واراه الله عنهما من عوراتهما. فغطاه بستره الذي ستره عليهما. وكان وهب بن منبه يقول في الستر الذي كان الله سترهما به ما: 11192 - حدثني به حوثرة بن محمد المنقري، قال ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن ابن منبه، في قوله: فبدت لهما سوآتهما قال: كان عليهما نور لا ترى سوآتهما. القول في تأويل قوله تعالى: وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين. يقول جل ثناؤه: وقال الشيطان لآدم وزوجته حواء: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة أن تأكلا ثمرها إلا لئلا تكونا ملكين.
[ 185 ]
وأسقطت لا من الكلام لدلالة ما ظهر عليها، كما أسقطت من قوله: يبين الله لكم أن تضلوا والمعنى: يبين اللهلكم أن لا تضلوا. وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يزعم أن معنى الكلام: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تكونا ملكين، كما يقال: إياك أن تفعل كراهية أن تفعل، أو تكونا من الخالدين في الجنة الماكثين فيها أبدا فلا تموتا. والقراءة على فتح اللام بمعنى ملكين من الملائكة. وروي عن ابن عباس ما: 11193 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي حماد، قال: ثنا عيسى الاعمى، عن السدي، قال: كان ابن عباس يقرأ: إلا أن تكونا ملكين بكسر اللام. وعن يحيى بن أبي كثير ما: 11194 - حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثني القاسم بن سلام، قال: ثنا حجاج، عن هارون، قال: ثنا يعلى بن حكيم، عن يحيى بن أبي كثير أنه قرأها: ملكين بكسر اللام. وكأن ابن عباس ويحيى وجها تأويل الكلام إلى أن الشيطان قال لهما: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين من الملوك، وأنهما تأولا في ذلك قول الله في موضع آخر: قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى. قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز القراءة في ذلك بغيرها، القراءة التي عليها قراء الامصار، وهي فتح اللام من ملكين، بمعنى: ملكين من الملائكة لما قد تقدم من بياننا في أن كل ما كان مستفيضا في قرأة الاسلام من القراءة، فهو الصواب الذي لا يجوز خلافه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقاسمهما إنى لكما لمن النصحين) *. يعني جل ثناؤه بقوله: (وقاسمهما): وحلف لهما، كما قال في موضع آخر: (تقاسموا بالله النبيتنه) بمعني: تحالفوا بالله، وكما قال خالد بن زهير عم أبي ذؤيب:
[ 186 ]
وقاسمها بالله جهدا لانتم * ألذ من السلوى إذا ما نشورها بعنى: وحالفها بالله، وكما قال أعشى بني ثعلبة: رضيعى تحالفا. وقوله: (إني لكما لمن الناصحين): أي لممن ينصح لكما في مشورته لكما، وأمره إياكما بأكل ثم الشجرة التي نهيتما عن أكل ثمرها، وفي خبري إياكما بما أخبركما به من أنكما إن أكلتماه كنتما ملكين، أو كنتما من الخالدين. كما: 11195 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثما سعيد، عن قتادة، قوله: (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) فحلف لهما بالله حتى خدعهما، وقد يخدع المؤمن يقول من خادعنا بالله خدعنا. القول في تأويل قوله تعالى: (فدلتهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوأتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ونادئهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطن لكما عدو مبين) يعني جل ثناؤه بقوله: فدلاهما بغرور فخدعهما بغرور، يقال منه: ما زال فلان يدلي فلانا بغرور، بمعنى: ما زال يخدعه بغرور ويكلمه بزخرف من القول باطل. فلما
[ 187 ]
ذاقا الشجرة يقول: فلما ذاق آدم وحواء ثمر الشجرة، يقول: طعماه. بدت لهما سوآتهما يقول: انكشفت لهما سوآتهما، لان الله أعراهما من الكسوة التي كان كساهما قبل الذنب والخطيئة، فسلبهما ذلك بالخطيئة التي أخطئا، أو المعصية التي ركبا. وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة يقول: أقبلا وجعلا يشدان عليهما من ورق الجنة ليواريا سوآتهما. كما: 11196 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة قال: جعلا يأخذان من ورق الجنة فيجعلان على سوأتهما. 11197 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر، عن الحسن، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله (ص): كان آدم كأنه نخلة سحوق كثير شعر الرأس، فلما وقع بالخطيئة بدت له عورته وكان لا يراها، فانطلق فارا، فتعرضت له شجرة فحبسته بشعره، فقال لها: أرسليني، فقالت: لست بمرسلتك، فناداه ربه: يا آدم، أمني تفر ؟ قال: لا، ولكني استحيتك. 11198 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا سفيان بن عيينة وابن مبارك، عن الحسن، عن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته: السنبلة فلما أكلا منها بدت لهما سوأتهما، وكان الذي وارى عنهما من سوآتهما أظفارهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ورق التين يلصقان بعضها إلى بعض، فانطلق آدم موليا في الجنة، فأخذت برأسه شجرة من الجنة، فناداه: أي آدم أمني تفر ؟ قال: لا، ولكني استحيتك يا رب قال: أما كان لك فيما منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة عما حرمت عليك ؟ قال: بلى يا رب، ولكن وعزتك ما حسبت أن أحدا يحلف بك كاذبا. قال: وهو قول الله: وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين قال: فبعزتي لاهبطنك إلى الارض، ثم لا تنال العيش إلا كدا قال: فأهبط من الجنة، وكانا يأكلان فيها رغدا، فأهبطا في غير رغد من طعام وشراب، فعلم صنعة الحديد، وأمر بالحرث، فحرث وزرع ثم سقى. حتى إذا بلغ
[ 188 ]
حصده ثم داسه، ثم ذراه، ثم طحنه، ثم عجنه، ثم خبزه، ثم أكله، فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء الله أن يبلغ. 11199 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: يخصفان قال: يرقعان كهيئة الثوب. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يخصفان عليهما من الورق كهيئة الثوب. 11200 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وكانا قبل ذلك لا يريانها وطفقا يخصفان... الآية. وقال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ثنا الحسن، عن أبي بن كعب: أن آدم عليه السلام كان رجلا طوالا، كأنه نخلة سحوق، كثير شعر الرأس فلما وقع بما وقع به من الخطيئة، بدت له عورته عند ذلك، وكان لا يراها. فانطلق هاربا في الجنة، فعلقت برأسه شجرة من شجر الجنة، فقال لها: أرسليني قالت: إني غير مرسلتك. فناداه ربه: يا آدم، أمني تفر ؟ قال: رب إني استحيتك. 11202 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جعفر بن عون، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة قال: ورق التين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة قال: ورق التين. 11203 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن حسام بن معبد، عن قتادة وأبي بكر عن غير قتادة قال: كان لباس آدم في الجنة ظفرا كله، فلما وقع بالذنب كشط عنه وبدت سوأته. قال أبو بكر: قال غير قتادة: فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة قال: ورق التين.
[ 189 ]
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: بدت لهما سوآتهما قال: كانا لا يريان سوآتهما. 11204 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، قال: ثنا عمرو، قال: سمعت وهب بن منبه يقول: ينزع عنهما لباسهما قال: كان لباس آدم وحواء عليهما السلام نورا على فروجهما، لا يرى هذا عورة هذه ولا هذه عورة هذا. فلما أصابا الخطيئة بدت لهما سوآتهما. القول في تأويل قوله تعالى: وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين. يقول تعالى ذكره: ونادى آدم وحواء ربهما: ألم أنهكما عن أكل ثمرة الشجرة التي أكلتما ثمرها، وأعلمكما أن إبليس لكما عدو مبين ؟ يقول: قد أبان عداوته لكما بترك السجود لآدم حسدا وبغيا. كما: 11205 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قوله: وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين لم أكلتها وقد نهيتك عنها ؟ قال: يا رب أطعمتني حواء قال لحواء: لم أطعمته ؟ قالت: أمرتني الحية. قال للحية: لم أمرتها ؟ قالت: أمرني إبليس. قال: ملعون مدحور أما أنت يا حواء فكما دميت الشجرة تدمين كل شهر، وأما أنت يا حية فأقطع قوائمك فتمشين على وجهك، وسيشدخ رأسك من لقيك اهبطوا بعضكم لبعض عدو. 11206 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما أكل آدم من الشجرة قيل له: لم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها ؟ قال: حواء أمرتني، قال: فإني قد أعقبتها أن لا تحمل إلا كرها ولا تضع إلا كرها. قال: فرنت حواء عند ذلك، فقيل لها: الرنة عليك وعلى ولدك. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 190 ]
* (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) *. وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن آدم وحواء فيما أجاباه به، واعترافهما على أنفسهما بالذنب، ومسألتهما إياه المغفرة منه والرحمة، خلاف جواب اللعين إبليس إياه. ومعنى قوله: قالا ربنا ظلمنا أنفسنا قال: آدم وحواء لربهما: يا ربنا فعلنا بأنفسنا من الاساءة إليها بمعصيتك وخلاف أمرك وبطاعتنا عدونا وعدوك، فيما لم يكن لنا أن نطيعه فيه من أكل الشجرة التي نهيتنا عن أكلها. وإن لم تغفر لنا يقول: وإن أنت لم تستر علينا ذنبنا فتغطيه علينا، وتترك فضيحتنا به بعقوبتك إيانا عليه، وترحمنا بتعطفك علينا، وتركك أخذنا به لنكونن من الخاسرين يعني: لنكونن من الهالكين. وقد بينا معنى الخاسر فيما مضى بشواهده والرواية فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. 11207 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: قال آدم عليه السلام: يا رب، أرأيت إن تبت واستغفرتك ؟ قال: إذا أدخلك الجنة وأما إبليس فلم يسأله التوبة، وسأل النظرة، فأعطى كل واحد منهما ما سأل. 11208 - حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا... الآية، قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين) *. وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن فعله بإبليس وذريته وآدم وولده والحية، يقول تعالى ذكره لآدم وحواء وإبليس والحية: اهبطوا من السماء إلى الارض بعضكم لبعض عدو. كما: 11209 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن طلحة، عن أسباط، عن السدي: اهبطوا بعضكم لبعض عدو قال: فلعن الحية، وقطع قوائمها، وتركها تمشي على بطنها، وجعل رزقها من التراب، وأهبطوا إلى الارض، آدم وحواء وإبليس والحية. 11210 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن أبي عوانة، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح: اهبطوا بعضكم لبعض عدو قال: آدم وحواء والحية.
[ 191 ]
وقوله: ولكم في الارض مستقر يقول: ولكم يا آدم وحواء وإبليس والحية، في الارض قرار تستقرونه وفراش تمتهدونه. كما: 11211 - حدثني المثنى، قال: ثنا آدم العسقلاني، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله: ولكم في الارض مستقر قال: هو قوله: الذي جعل لكم الارض فراشا. وروي عن ابن عباس في ذلك ما: 11212 - حدثت عن عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس، قوله: ولكم في الارض مستقر قال: القبور. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر آدم وحواء وإبليس والحية إذ أهبطوا إلى الارض، أنهم عدو بعضهم لبعض، وأن لهم فيها مستقرا يستقرون فيه، ولم يخصصها بأن لهم فيها مستقرا في حال حياتهم دون حال موتهم، بل عم الخبر عنها بأن لهم فيها مستقرا، فذلك على عمومه كما عم خبر الله، ولهم فيها مستقر في حياتهم على ظهرها وبعد وفاتهم في بطنها، كما قال جل ثناؤه: ألم نجعل الارض كفاتا أحياء وأمواتا. وأما قوله: ومتاع إلى حين فإنه يقول جل ثناؤه: ولكم فيها متاع تستمتعون به إلى انقطاع الدنيا، وذلك هو الحين الذي ذكره. كما: 11213 - حدثت عن عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس: ومتاع إلى حين قال: إلى يوم القيامة وإلى انقطاع الدنيا. والحين نفسه الوقت، غير أنه مجهول القدر، يدل على ذلك قول الشاعر: وما مراحك بعد الحلم والدين وقد علاك مشيب حين لا حين أي وقت لا وقت. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 192 ]
* (قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون) *. يقول تعالى ذكره: قال الله للذين أهبطهم من سمواته إلى أرضه: فيها تحيون يقول: في الارض تحيون، يقول: تكونون فيها أيام حياتكم، وفيها تموتون يقول في الارض تكون وفاتكم، ومنها تخرجون: يقول: ومن الارض يخرجكم ربكم، ويحشركم إليه لبعث القيامة أحياء. القول في تأويل قوله تعالى: * (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوأتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون) *. يقول جل ثناؤه للجهلة من العرب الذين كانوا يتعرون للطواف اتباعا منهم أمر الشيطان وتركا منهم طاعة الله، فعرفهم انخداعهم بغروره لهم حتى تمكن منهم فسلبهم من ستر الله الذي أنعم به عليهم، حتى أبدى سوآتهم وأظهرها من بعضهم لبعض، مع تفضل الله عليهم بتمكينهم مما يسترونها به، وأنهم قد سار بهم سيرته في أبويهم آدم وحواء اللذين دلاهما بغرور حتى سلبهما ستر الله الذي كان أنعم به عليهما حتى أبدى لهما سوآتهما فعراهما منه: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا: يعني بإنزاله عليهم ذلك: خلقه لهم، ورزقه إياهم. واللباس: ما يلبسون من الثياب. يواري سوآتكم يقول: يستر عوراتكم عن أعينكم. وكنى بالسوآت عن العورات، واحدتها سوأة، وهي فعلة من السوء، وإنما سميت سوأة لانه يسوء صاحبها انكشافها من جسده، كما قال الشاعر: خرقوا جيب فتاتهم لم يبالوا سوأة الرجله وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11214 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن
[ 193 ]
أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: لباسا يواري سوآتكم قال: كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة، ولا يلبس أحدهم ثوبا طاف فيه. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. 11215 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد المدني، قال: سمعت مجاهدا يقول في قوله: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا قال: أربع آيات نزلت في قريش، كانوا في الجاهلية لا يطوفون بالبيت إلا عراة. 11216 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن عوف، قال: سمعت معبدا الجهني يقول في قوله: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا قال: اللباس الذي يلبسون. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم قال: كانت قريش تطوف عراة، لا يلبس أحدهم ثوبا طاف فيه، وقد كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر وسهل بن يوسف، عن عوف، عن معبد الجهني: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم قال: اللباس الذي يواري سوآتكم: هو لبوسكم هذا. 11217 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: لباسا يواري سوآتكم قال: هي الثياب. 11218 - حدثنا الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد، قال: ثني من سمع عروة بن الزبير، يقول: اللباس: الثياب. 11219 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم قال: يعني ثياب الرجل التي يلبسها. القول في تأويل قوله تعالى: وريشا. اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الامصار: وريشا بغير ألف.
[ 194 ]
وذكر عن زر بن حبيش والحسن البصري أنهما كانا يقرآنه: ورياشا. 11220 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبان العطار، قال: حدثنا عاصم، أن زر بن حبيش قرأها: ورياشا. قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك قراءة من قرأ: وريشا بغير ألف لاجماع الحجة من القراء عليها. وقد روي عن النبي (ص) خبر في إسناده نظر، أنه قرأه: ورياشا، فمن قرأ ذلك: ورياشا فإنه محتمل أن يكون أراد به جمع الريش، كما تجمع الذئب ذئابا والبئر بئارا، ويحتمل أن يكون أراد به مصدرا من قول القائل: راشه الله يريشه رياشا وريشا، كما يقال: لبسه يلبسه لباسا ولبسا وقد أنشد بعضهم: فلما كشفن اللبس عنه مسحنه بأطراف طفل زان غيلا موشما بكسر اللام من اللبس. والرياش في كلام العرب: الاثاث وما ظهر من الثياب من المتاع مما يلبس أو يحشى من فراش أو دثار. والريش: إنما هو المتاع والاموال عندهم، وربما استعملوه في الثياب والكسوة دون سائر المال، يقولون: أعطاه سرجا بريشه، ورحلا بريشه: أي بكسوته وجهازه، ويقولون: إنه لحسن ريش الثياب. وقد يستعمل الرياش في الخصب ورفاهة العيش. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال: الرياش المال: 11221 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: وريشا يقول: مالا. 11222 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وريشا قال: المال. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
[ 195 ]
11223 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ورياشا قال: أما رياشا: فرياش المال. 11224 - حدثني الحرث قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد المدني، قال: ثني من سمع عروة بن الزبير يقول: الرياش: المال. 11225 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك، قوله: ورياشا يعني: المال. ذكر من قال: هو اللباس ورفاهة العيش: 11226 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ورياشا قال: الرياش: اللباس، والعيش: النعيم. 11227 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر وسهل بن يوسف، عن عوف، عن معبد الجهني: ورياشا قال: الرياش: المعاش. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا عوف، قال: قال معبد الجهني: ورياشا قال: هو المعاش. وقال آخرون: الريش الجمال. ذكر من قال ذلك: 11228 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ورياشا قال: الريش: الجمال. القول في تأويل قوله تعالى: ولباس التقوى ذلك خير. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: لباس التقوى هو الايمان. ذكر من قال ذلك: 11229 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ولباس التقوى هو الايمان. 11230 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولباس التقوى: الايمان. 11231 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: أخبرني حجاج، عن ابن جريج: ولباس التقوى الايمان.
[ 196 ]
وقال آخرون: هو الحياء. ذكر من قال ذلك: 11232 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر وسهل بن يوسف، عن عوف، عن معبد الجهني، في قوله: ولباس التقوى الذي ذكر الله في القرآن هو الحياء. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا عوف، قال: قال معبد الجهني، فذكر مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن عوف، عن معبد بنحوه. وقال آخرون: هو العمل الصالح. ذكر من قال ذلك: 11233 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ولباس التقوى ذلك خير قال: لباس التقوى: العمل الصالح. وقال آخرون: بل ذلك هو السمت الحسن. ذكر من قال ذلك: 11234 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا عبد الله بن داود، عن محمد بن موسى، عن الزباء بن عمرو، عن ابن عباس: ولباس التقوى قال: السمت الحسن في الوجه. 11235 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق بن الحجاج، قال: ثنا إسحاق بن إسماعيل، عن سليمان بن أرقم، عن الحسن، قال: رأيت عثمان بن عفان على منبر رسول الله (ص) عليه قميص قوهي محلول الزر، وسمعته يأمر بقتل الكلاب وينهى عن اللعب بالحمام، ثم قال: يا أيها الناس اتقوا الله في هذه السرائر، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: والذي نفس محمد بيده ما عمل أحد قط سرا إلا ألبسه الله رداءه علانية، إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا ثم تلا هذه الآية: ورياشا، ولم يقرأها: وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله قال: السمت الحسن. وقال آخرون: هو خشية الله. ذكر من قال ذلك: 11236 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد المدني، قال: ثني من سمع عروة بن الزبير يقول: لباس التقوى خشية الله.
[ 197 ]
وقال آخرون: لباس التقوى في هذه المواضع: ستر العورة. ذكر من قال ذلك: 11237 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولباس التقوى يتقي الله فيواري عورته، ذلك لباس التقوى. واختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المكيين والكوفيين والبصريين: ولباس التقوى ذلك خير برفع ولباس. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة: ولباس التقوى بنصب اللباس، وهي قراءة بعض قراء الكوفيين. فمن نصب: ولباس فإنه نصبه عطفا على الريش بمعنى: قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا، وأنزلنا لباس التقوى. وأما الرفع، فإن أهل العربية مختلفون في المعنى الذي ارتفع به اللباس، فكان بعض نحويي البصرة يقول: هو مرفوع على الابتداء، وخبره في قوله: ذلك خير. وقد استخطأه بعض أهل العربية في ذلك وقال: هذا غلط، لانه لم يعد على اللباس في الجملة عائد، فيكون اللباس إذا رفع على الابتداء وجعل ذلك خير خبرا. وقال بعض نحويي الكوفة: ولباس يرفع بقوله: ولباس التقوى خير، ويجعل ذلك من نعته. ب خير لم يكن في ذلك وجه إلا أن يجعل اللباس نعتا، لا أنه عائد على اللباس من ذكره في قوله: ذلك خير فيكون خير مرفوعا بذلك وذلك به. فإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام إذن: رفع لباس التقوى، ولباس التقوى ذلك الذي قد علمتموه خير لكم يا بني آدم من لباس الثياب التي تواري سوآتكم، ومن الرياش التي أنزلناها إليكم فالبسوه. وأما تأويل من قرأه نصبا، فإنه: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم، وريشا، ولباس التقوى هذا الذي أنزلنا عليكم، من اللباس الذي يواري سوآتكم، والريش، ولباس التقوى خير لكم من التعري والتجرد من الثياب في طوافكم بالبيت، فاتقوا الله والبسوا ما رزقكم الله من الرياش، ولا تطيعوا الشيطان بالتجرد والتعري من الثياب، فإن ذلك سخرية منه بكم وخدعة، كما فعل بأبويكم آدم وحواء فخدعهما حتى جردهما من لباس الله الذي كان ألبسهما بطاعتهما له في أكل ما كان الله نهاهما عن أكله من ثمر الشجرة التي عصياه بأكلها. وهذه القراءة أولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب، أعني نصب قوله: ولباس التقوى لصحة معناه في التأويل على ما بينت، وأن الله إنما ابتدأ الخبر عن إنزاله اللباس الذي يواري سوأتنا والرياش توبيخا للمشركين الذين كانوا يتجردون في حال طوافهم بالبيت، ويأمرهم بأخذ ثيابهم والاستتار بها في كل حال مع الايمان به واتباع طاعته،
[ 198 ]
ويعلمهم أن كل ذلك خير من كل ما هم عليه مقيمون من كفرهم بالله وتعريهم، لا أنه أعلمهم أن بعض ما أنزل إليهم خير من بعض. وما يدل على صحة ما قلنا في ذلك الآيات التي بعد هذه الآية، وذلك قوله: يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما وما بعد ذلك من الآيات إلى قوله: وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون فإنه جل ثناؤه يأمر في كل ذلك بأخذ الزينة من الثياب واستعمال اللباس وترك التجرد والتعري وبالايمان به واتباع أمره والعمل بطاعته، وينهي عن الشرك به واتباع أمر الشيطان مؤكدا في كل ذلك ما قد أجمله في قوله: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سواتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير. وأولى الاقوال بالصحة في تأويل قوله: ولباس التقوى استشعار النفوس تقوى الله في الانتهاء عما نهى الله عنه من معاصيه والعمل بما أمر به من طاعته وذلك يجمع الايمان والعمل الصالح والحياء وخشية الله والسمت الحسن، لان من اتقى الله كان به مؤمنا وبما أمره به عاملا ومنه خائفا وله مراقبا، ومن أن يرى عند ما يكرهه من عباده مستحييا. ومن كان كذلك ظهرت آثار الخير فيه، فحسن سمته وهديه ورؤيت عليه بهجة الايمان ونوره. وإنما قلنا: عنى بلباس التقوى استشعار النفس والقلب ذلك لان اللباس إنما هو ادراع ما يلبس واحتباء ما يكتسي، أو تغطية بدنه أو بعضه به، فكل من ادرع شيئا أو احتبي به حتى يرى هو أو أثره عليه، فهو له لابس ولذلك جعل جل ثناؤه الرجال للنساء لباسا وهن لهم لباسا، وجعل الليل لعباده لباسا. ذكر من تأول ذلك بالمعنى الذي ذكرنا من تأويله إذا قرئ قوله: ولباس التقوى رفعا: 11238 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولباس التقوى: الايمان ذلك خير يقول: ذلك خير من الرياش واللباس يواري سوآتكم. 11239 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولباس التقوى قال: لباس التقوى خير، وهو الايمان.
[ 199 ]
القول في تأويل قوله تعالى: ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون. يقول تعالى ذكره: ذلك الذي ذكرت لكم أني أنزلته إليكم أيها الناس من اللباس والرياش من حجج الله وأدلته التي يعلم بها من كفر صحة توحيد الله، وخطأ ما هم عليه مقيمون من الضلالة. لعلهم يذكرون يقول جل ثناؤه: جعلت ذلك لهم دليلا على ما وصفت ليذكروا، فيعتبروا وينيبوا إلى الحق وترك الباطل، رحمة مني بعبادي. القول في تأويل قوله تعالى: * (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كمآ أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوأتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) *. يقول تعالى ذكره: يا بني آدم لا يخد عنكم الشيطان فيبدي سوآتكم للناس بطاعتكم إياه عند اختباره لكم، كما فعل بأبويكم آدم وحواء عند اختباره إياهما فأطاعاه وعصيا ربهما فأخرجهما بما سبب لهما من مكره وخدعه من الجنة، ونزع عنهما ما كان ألبسهما من اللباس ليريهما سوآتهما بكشف عورتهما وإظهارها لاعينهما بعد أن كانت مستترة. وقد بينا فيما مضى أن معنى الفتنة الاختبار والابتلاء بما أغنى عن إعادته. وقد اختلف أهل التأويل في صفة اللباس الذي أخبر الله جل ثناؤه أنه نزعه عن أبوينا وما كان، فقال بعضهم: كان ذلك أظفارا. ذكر من لم يذكر قوله فيما مضى من كتابنا هذا في ذلك: 11240 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عكرمة: ينزع عنهما لباسهما قال: لباس كل دابة منها، ولباس الانسان: الظفر، فأدركت آدم التوبة عند ظفره، أو قال: أظفاره. 11241 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الحميد الحماني، عن نصر بن عمر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: تركت أظفاره عليه زينة ومنافع في قوله: ينزع عنهما لباسهما. حدثني أحمد بن الوليد القرشي، قال: ثنا إبراهيم بن أبي الوزير، قال: أخبرنا مخلد بن الحسين، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، في قوله:
[ 200 ]
ينزع عنهما لباسهما قال: كان لباسهما الظفر حدثني المثنى، فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما، وتركت الاظفار تذكرة وزينة حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: ينزع عنهما لباسهما قال: كان لباسه الظفر، فانتهت توبته إلى أظفاره. وقال آخرون: كان لباسهما نورا. ذكر من قال ذلك: 11242 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن وهب بن منبه: ينزع عنهما لباسهما: النور. 11243 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، قال: ثنا عمرو، قال: سمعت وهب بن منبه يقول في قوله: ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما قال: كان لباس آدم وحواء نورا على فروجهما، لا يرى هذا عورة هذه، ولا هذه عورة هذا. وقال آخرون: إنما عنى الله بقوله: ينزع عنهما لباسهما يسلبهما تقوى الله. ذكر من قال ذلك: 11244 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا مطلب بن زياد، عن ليث، عن مجاهد: ينزع عنهما لباسهما قال: التقوى. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن ليث، عن مجاهد: ينزع عنهما لباسهما قال: التقوى. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد، مثله. قال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى حذر عباده أن يفتنهم الشيطان كما فتن أبويهم آدم وحواء، وأن يجردهم من لباس الله الذي أنزله إليهم، كما نزع عن أبويهم لباسهما. واللباس المطلق من الكلام بغير إضافة إلى شئ في متعارف الناس، هو ما اختار فيه اللابس من أنواع الكساء، أو غطى بدنه أو بعضه. وإذ كان ذلك كذلك، فالحق أن يقال: إن الذي أخبر الله عن آدم وحواء من لباسهما الذي نزعه عنهما الشيطان هو بعض ما كانا يواريان به أبدانهما وعورتهما وقد يجوز أن يكون ذلك كان ظفرا، ويجوز أن يكون نورا، ويجوز أن يكون غير ذلك، ولا خبر عندنا بأي ذلك تثبت به
[ 201 ]
الحجة، فلا قول في ذلك أصوب من أن يقال كما قال جل ثناؤه: ينزع عنهما لباسهما. وأضاف جل ثناؤه إلى إبليس إخراج آدم وحواء من الجنة، ونزع ما كان عليهما من اللباس عنهما وإن كان الله جل ثناؤه هو الفاعل ذلك بهما عقوبة على معصيتهما إياه، إذ كان الذي كان منهما في ذلك عن تشبيه ذلك لهم بمكره وخداعه، فأضيف إليه أحيانا بذلك المعنى، وإلى الله أحيانا بفعله ذلك بهما. القول في تأويل قوله تعالى: إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون. يعني جل ثناؤه بذلك: إن الشيطان يراكم هو. والهاء في إنه عائدة على الشيطان. وقبيله: يعني وصنفه وجنسه الذي هو منه، واحد جمعه قبل وهم الجن. كما: 11245 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: إنه يراكم هو وقبيله قال: الجن والشياطين. 11246 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: إنه يراكم هو وقبيله قال: قبيله: نسله. وقوله: من حيث لا ترونهم يقول: من حيث لا ترون أنتم أيها الناس الشيطان وقبيله. إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون يقول: جعلنا الشياطين نصراء الكفار الذين لا يوحدون الله ولا يصدقون رسله. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون) *. ذكر أن معنى الفاحشة في هذا الموضع، ما: 11247 - حدثني علي بن سعيد بن مسروق الكندي، قال: ثنا أبو محياة عن منصور، عن مجاهد: وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، يقولون: نطوف كما ولدتنا أمهاتنا، فتضع المرأة على قبلها النسعة أو الشئ فتقول:
[ 202 ]
اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فلا أحله 11248 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا فاحشتهم أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن مفضل، عن منصور، عن مجاهد، مثله. 11249 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمران بن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير والشعبي: وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة. 11250 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها أباءنا والله أمرنا بها قال: كان قبيلة من العرب من أهل اليمن يطوفون بالبيت عراة، فإذا قيل: لم تفعلون ذلك ؟ قالوا: وجدنا عليها آباءنا، والله أمرنا بها. 11251 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: وإذا فعلوا فاحشة قال: طوافهم بالبيت عراة. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد، عن مجاهد: وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا قال: في طواف الحمس في الثياب وغيرهم عراة.
[ 203 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا قال: كان نساؤهم يطفن بالبيت عراة، فتلك الفاحشة التي وجدوا عليها آباءهم قل إن الله لا يأمر بالفحشاء... الآية. فتأويل الكلام إذن: وإذا فعل الذي لا يؤمنون بالله الذين جعل الله الشياطين لهم أولياء قبيحا من الفعل وهو الفاحشة، وذلك تعريهم للطواف بالبيت وتجردهم له، فعذلوا على ما أتوا من قبيح فعلهم وعوتبوا عليه، قالوا: وجدنا على مثل ما نفعل آباءنا، فنحن نفعل مثل ما كانوا يفعلون، ونقتدي بهديهم ونستن بسنتهم، والله أمرنا به، فنحن نتبع أمره فيه، يقول الله جل ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهم: إن الله لا يأمر بالفحشاء، يقول: لا يأمر خلقه بقبائح الافعال ومساويها، أتقولون أيها الناس على الله ما لا تعلمون يقول: أتروون على الله أنه أمركم بالتعري والتجرد من الثياب واللباس للطواف، وأنتم لا تعلمون أنه أمركم بذلك. ] القول في تأويل قوله تعالى: * (قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه: قل يا محمد لهؤلاء الذين يزعمون أن الله أمرهم بالفحشاء كذبا على الله: ما أمر ربي بما تقولون، بل أمر ربي بالقسط يعني: بالعدل. كما: 11252 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قل أمر ربي بالقسط بالعدل. 11253 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: قل أمر ربي بالقسط والقسط: العدل.
[ 204 ]
وأما قوله: وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله فقال بعضهم: معناه: وجهوا وجوهكم حيث كنتم في الصلاة إلى الكعبة. ذكر من قال ذلك: 11254 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد إلى الكعبة حيثما صليتم في الكنيسة وغيرها. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد قال: إذا صليتم فاستقبلوا الكعبة في كنائسكم وغيرها. 11255 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد هو المسجد: الكعبة. حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن، عن عمر بن ذر، عن مجاهد في قوله: وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد قال: الكعبة حيثما كنت. 11256 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد قال: أقيموها للقبلة هذه القبلة التي أمركم الله بها. وقال آخرون: بل عني بذلك: واجعلوا سجودكم لله خالصا دون ما سواه من الآلهة والانداد. ذكر من قال ذلك: 11257 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، في قوله: وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد قال: في الاخلاص أن لا تدعوا غيره، وأن تخلصوا له الدين. قال أبو جعفر: وأولى هذين التأويلين بتأويل الآية ما قاله الربيع، وهو أن القوم أمروا أن يتوجهوا بصلاتهم إلى ربهم، لا إلى ما سواه من الاوثان والاصنام، وأن يجعلوا دعاءهم لله خالصا، لا مكاء ولا تصدية. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية، لان الله إنما خاطب بهذه الآية قوما من مشركي
[ 205 ]
العرب لم يكونوا أهل كنائس وبيع، وإنما كانت الكنائس والبيع لاهل الكتابين، فغير معقول أن يقال لمن لا يصلي في كنيسة ولا بيعة: وجه وجهك إلى الكعبة في كنيسة أو بيعة. وأما قوله: وادعوه مخلصين له الدين فإنه يقول: واعملوا لربكم مخلصين له الدين والطاعة، لا تخلطوا ذلك بشرك ولا تجعلوا في شئ مما تعملون له شريكا. كما: 11258 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: وادعوه مخلصين له الدين قال: أن تخلصوا له الدين والدعوة والعمل، ثم توجهون إلى البيت الحرام. القول في تأويل قوله تعالى: كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: كما بدأكم تعودون فقال بعضهم: تأويله: كما بدأكم أشقياء وسعداء، كذلك تبعثون يوم القيامة. ذكر من قال ذلك: 11259 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة قال: إن الله سبحانه بدأ خلق ابن آدم مؤمنا وكافرا، كما قال جل ثناؤه: هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمنا وكافرا. 11260 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، قال: ثنا أصحابنا، عن ابن عباس: كما بدأكم تعودون قال: يبعث المؤمن مؤمنا، والكافر كافرا. 11261 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا يحيى بن الضريس، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن رجل، عن جابر، قال: يبعثون على ما كانوا عليه، المؤمن على إيمانه والمنافق على نفاقه. 11262 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: عادوا إلى علمه فيهم، ألم تسمع إلى قول الله فيهم: كما بدأكم تعودون ؟ ألم تسمع قوله: فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ؟.
[ 206 ]
11263 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبيد الله، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: كما بدأكم تعودون قال: ردوا إلى علمه فيهم. 11264 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو همام الاهوازي، قال: ثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب، في قوله: كما بدأكم تعودون قال: من ابتدأ الله خلقه على الشقوة صار إلى ما ابتدأ الله خلقه عليه وإن عمل بأعمال أهل السعادة، كما أن إبليس عمل بأعمال أهل السعادة ثم صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه. ومن ابتدئ خلقه على السعادة صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه وإن عمل بأعمال أهل الشقاء، كما أن السحرة عملت بأعمال أهل الشقاء ثم صاروا إلى ما ابتدئ عليه خلقهم. 11265 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن وفاء بن إياس أبي يزيد، عن مجاهد: كما بدأكم تعودون قال: يبعث المسلم مسلما، والكافر كافرا. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو دكين، قال: ثنا سفيان، عن أبي يزيد، عن مجاهد: كما بدأكم تعودون قال: يبعث المسلم مسلما، والكافر كافرا. 11266 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا محمد بن أبي الوضاح، عن سالم الافطس، عن سعيد بن جبير: كما بدأكم تعودون قال: كما كتب عليكم تكونون. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد، مثله. 11267 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة يقول: كما بدأكم تعودون كما خلقناكم، فريق مهتدون وفريق ضال، كذلك تعودون وتخرجون من بطون أمهاتم. 11268 - حدثنا ابن بشار، قل: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن سفيان، عن جابر، أن النبي (ص)، قال: تبعث كل نفس على ما كانت عليه.
[ 207 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو داود الحفري، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير: كما بدأكم تعودون قال: كما كتب عليكم تكونون. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا حماد بن زيد، عن ليث، عن مجاهد، قال: يبعث المؤمن مؤمنا، والكافر كافرا. 11269 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: كما بدأكم تعودون شقيا وسعيدا. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك قراءة عن مجاهد، مثله. وقال آخرون: معنى ذلك: كما خلقكم ولم تكونوا شيئا تعودون بعد الفناء. ذكر من قال ذلك: 11270 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا غندر، عن عوف، عن الحسن: كما بدأكم تعودون قال: كما بدأكم ولم تكونوا شيئا فأحياكم، كذلك يميتكم ثم يحييكم يوم القيامة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الاعلى، عن عوف، عن الحسن: كما بدأكم تعودون قال: كما بدأكم في الدنيا كذلك تعودون يوم القيامة أحياء. 11271 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: كما بدأكم تعودون قال: بدأ خلقهم ولم يكونوا شيئا، ثم ذهبوا ثم يعيدهم. 11272 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: كما بدأكم تعودون فريقا هدى يقول: كما خلقناكم أول مرة كذلك تعودون. 11273 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: كما بدأكم تعودون يحييكم بعد موتكم. 11274 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كما بدأكم تعودون قال: كما خلقهم أولا، كذلك يعيدهم آخرا. قال أبو جعفر: وأولى الاقوال في تأويل ذلك بالصواب، القول الذي قاله من قال
[ 208 ]
معناه: كما بدأكم الله خلقا بعد أن لم تكونوا شيئا تعودون بعد فنائكم خلقا مثله، يحشركم إلى يوم القيامة لان الله تعالى أمر نبيه (ص) أن يعلم بما في هذه الآية قوما مشركين أهل جاهلية لا يؤمنون بالمعاد ولا يصدقون بالقيامة، فأمره أن يدعوهم إلى الاقرار بأن الله باعثهم يوم القيامة ومثيب من أطاعه ومعاقب من عصاه، فقال له: قل لهم: أمر ربي بالقسط، وأن أقيموا وجوهكم عند كل مسجد، وأن ادعوه مخلصين له الدين، وأن أقروا بأن كما بدأكم تعودون فترك ذكر وأن أقروا بأن كما ترك ذكر أن مع أقيموا، إذ كان فيما ذكر دلالة على ما حذف منه. وإذ كان ذلك كذلك، فلا وجه لان يؤمر بدعاء من كان جاحدا النشور بعد الممات إلى الاقرار بالصفة التي عليها ينشر من نشر، وإنما يؤمر بالدعاء إلى ذلك من كان بالبعث مصدقا، فأما من كان له جاحدا فإنما يدعى إلى الاقرار به ثم يعرف كيف شرائط البعث. على أن في الخبر الذي روي عن رسول الله (ص) الذي. 11275 - حدثناه محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا سفيان، قال: ثني المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس عن النبي (ص)، قال: يحشر الناس عراة غرلا، وأول من يكسى إبراهيم صلى الله عليه وسلم ثم قرأ: كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا إسحاق بن يوسف، قال: ثنا سفيان، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي (ص)، بنحوه. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قام فينا رسول الله (ص) بموعظة، فقال: يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين. ما يبين صحة القول الذي قلنا في ذلك، من أن معناه: أن الخلق يعودون إلى الله يوم
[ 209 ]
القيامة خلقا أحياء كما بدأهم في الدنيا خلقا أحياء، يقال منه: بدأ الله الخلق يبدؤهم وأبدأهم يبدئهم إبداء بمعنى خلقهم، لغتان فصيحتان. ثم ابتدأ الخبر جل ثناؤه عما سبق من علمه في خلقه وجرى به فيهم قضاؤه، فقال: هدى الله منهم فريقا فوفقهم لصالح الاعمال فهم مهتدون، وحق على فريق منهم الضلالة عن الهدى والرشاد، باتخاذهم الشيطان من دون الله وليا. وإذا كان التأويل هذا، كان الفريق الاول منصوبا بإعمال هدى فيه، والفريق الثاني بوقوع قوله حق على عائد ذكره في عليهم، كما قال جل ثناؤه: يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما. ومن وجه تأويل ذلك إلى أنه كما بدأكم في الدنيا صنفين: كافرا، ومؤمنا، كذلك تعودون في الآخرة فريقين: فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة نصب فريقا الاول بقوله: تعودون، وجعل الثاني عطفا عليه. وقد بينا الصواب عندنا من القول فيه. القول في تأويل قوله تعالى: إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون. يقول تعالى ذكره: إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة إنما ضلوا عن سبيل الله وجاروا عن قصد المحجة، باتخاذهم الشياطين نصراء من دون الله وظهراء، جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق، وأن الصواب ما أتوه وركبوا. وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عنادا منه لربه فيها، لان ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد وفريق الهدى فرق، وقد فرق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية. القول في تأويل قوله تعالى: * (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) *. يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين يتعرون عند طوافهم ببيته الحرام ويبدون عوراتهم
[ 210 ]
هنالك من مشركي العرب، والمحرمين منهم أكل ما لم يحرمه الله عليهم من حلال رزقه تبررا عند نفسه لربه: يا بني آدم خذوا زينتكم من الكساء واللباس، عند كل مسجد وكلوا من طيبات ما رزقتكم، وحللته لكم، واشربوا من حلال الاشربة، ولا تحرموا إلا ما حرمت عليكم في كتابي أو على لسان رسولي محمد (ص). وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11276 - حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي، قال: ثنا خالد بن الحرث، قال: ثنا شعبة، عن سلمة، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النساء كن يطفن بالبيت عراة وقال في موضع آخر: بغير ثياب إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة فيما وصف إن شاء الله، وتقول: اليوم يبدوا بعضه أو كله فما بدا منه فلا أحله قال: فنزلت هذه الآية: خذوا زينتكم عند كل مسجد. حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانوا يطوفون عراة، الرجال بالنهار، والنساء بالليل، وكانت المرأة تقول: اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فلا أحله فقال الله: خذوا زينتكم. 11277 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن ابن عباس: خذوا زينتكم عند كل مسجد قال: الثياب. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عند ر ووهب بن جرير، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت مسلما البطين يحدث عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة قال غندر: وهي عريانة، قال وهب: كانت المرأة تطوف بالبيت وقد أخرجت صدرها وما هنالك.
[ 211 ]
قال غندر: وتقول: من يعيرني تطوافا تجعله على فرجها وتقول: اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله فأنزل الله يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعروا. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: خذوا زينتكم عند كل مسجد... الآية، قال: كان رجال يطوفون بالبيت عراة، فأمرهم الله بالزينة. والزينة: اللباس، وهو ما يواري السوأة، وما سوى ذلك من جيد البز والمتاع، فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد. 11278 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي وابن فضيل، عن عبد الملك، عن عطاء: خذوا زينتكم قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فأمروا أن يلبسوا ثيابهم. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء، بنحوه. حدثني عمرو، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا عبد الملك، عن عطاء، في قوله: خذوا زينتكم عند كل مسجد: البسوا ثيابكم. 11279 - حدثنا يعقوب قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة عن إبراهيم في قوله: خذوا زينتكم عند كل مسجد قال: كان ناس يطوفون بالبيت عراة فنهوا عن ذلك. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: خذوا زينتكم عند كل مسجد قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فأمروا أن يلبسوا الثياب. 11280 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن عثمان بن الاسود، عن مجاهد: خذوا زينتكم عند كل مسجد قال: ما وارى العورة ولو عباءة. حدثنا عمرو قال: ثنا يحيى بن سعيد، وأبو عاصم، وعبد الله بن داود، عن
[ 212 ]
عثمان بن الاسود، عن مجاهد، في قوله: خذوا زينتكم عند كل مسجد قال: ما يواري عورتك ولو عباءة. 11281 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: خذوا زينتكم عند كل مسجد في قريش، لتركهم الثياب في الطواف. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. 11282 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، قال: ثنا سفيان، عن سالم، عن سعيد بن جبير: خذوا زينتكم عند كل مسجد قال: الثياب. 11283 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن حباب، عن إبراهيم، عن نافع، عن ابن طاوس، عن أبيه: خذوا زينتكم عند كل مسجد قال: الشملة من الزينة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن طاوس: خذوا زينتكم عند كل مسجد قال: الثياب. 11284 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا سويد وأبو أسامة، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فطافت امرأة بالبيت وهي عريانة، فقالت: اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فلا أحله 11285 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: قوله: خذوا زينتكم عند كل مسجد قال: كان حي من أهل اليمن كان أحدهم إذا قدم حاجا أو معتمرا يقول: لا ينبغي أن أطوف في ثوب قد دنست فيه، فيقول: من يعيرني مئزرا ؟ فإن قدر على ذلك، وإلا طاف عريانا، فأنزل الله فيه ما تسمعون: خذوا زينتكم عند كل مسجد. 11286 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: قال الله: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد يقول: ما يواري العورة عند كل مسجد.
[ 213 ]
11287 - حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري: أن العرب كانت تطوف بالبيت عراة، إلا الحمس قريش وأحلافهم فمن جاء من غيرهم وضع ثيابه وطاف في ثياب أحمس، فإنه لا يحل له أن يلبس ثيابه، فإن لم يجد من يعيره من الحمس فإنه يلقي ثيابه ويطوف عريانا، وإن طاف في ثياب نفسه ألقاها إذا قضى طوافه يحرمها فيجعلها حراما عليه، فلذلك قال: خذوا زينتكم عند كل مسجد. وبه عن معمر قال: قال ابن طاوس، عن أبيه: الشملة من الزينة. 11288 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: خذوا زينتكم عند كل مسجد... الآية، كان ناس من أهل اليمن والاعراب إذا حجوا البيت يطوفون به عراة ليلا، فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعروا في المسجد. 11289 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: خذوا زينتكم قال: زينتهم ثيابهم التي كانوا يطرحونها عند البيت ويتعرون. 11290 - وحدثني به مرة أخرى بإسناده، عن ابن زيد في قوله: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده، والطيبات من الرزق قال: كانوا إذا جاءوا البيت فطافوا به حرمت عليهم ثيابهم التي طافوا فيها، فإن وجدوا من يعيرهم ثيابا، وإلا طافوا بالبيت عراة، فقال: من حرم زينة الله قال: ثياب الله التي أخرج لعباده... الآية. وكالذي قلنا أيضا، قالوا في تأويل قوله: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا. ذكر من قال ذلك: 11291 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: أحل الله الاكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قوله: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين في الطعام والشراب.
[ 214 ]
حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: قال: كان الذين يطوفون بالبيت عراة يحرمون عليهم الودك ما أقاموا بالموسم، فقال الله لهم: كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين يقول: لا تسرفوا في التحريم. 11293 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد، قال: سمعت مجاهدا يقول في قوله: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا قال: أمرهم أن يأكلوا ويشربوا مما رزقهم الله. 11294 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا تسرفوا لا تأكلوا حراما ذلك الاسراف. وقوله إنه لا يحب المسرفين يقول: إن الله لا يحب المتعدين حده في حلال أو حرام، الغالين فيما أحل الله أو حرم بإحلال الحرام، وبتحريم الحلال، ولكنه يحب أن يحلل ما أحل ويحرم ما حرم، وذلك العدل الذي أمر به. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يتعرون عند طوافهم بالبيت، ويحرمون على أنفسهم ما أحللت لهم من طيبات الرزق: من حرم أيها القوم عليكم زينة الله التي خلقها لعباده أن تتزينوا بها وتتجملوا بلباسها، والحلال من رزق الله الذي رزق خلقه لمطاعمهم ومشاربهم. واختلف أهل التأويل في المعنى بالطيبات من الرزق بعد إجماعهم على أن الزينة ما قلنا، فقال بعضهم: الطيبات من الرزق في هذا الموضع: اللحم، وذلك أنهم كانوا لا يأكلونه في حال إحرامهم. ذكر من قال ذلك منهم: 11295 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط،
[ 215 ]
عن السدي، في قوله: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق وهو الودك. 11296 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق الذي حرموا على أنفسهم، قال: كانوا إذا حجوا أو اعتمروا حرموا الشاة عليهم وما يخرج منها. وحدثني به يونس مرة أخرى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال بن زيد، في قوله: قل من حرم زينة الله... إلى آخر الآية، قال: كان قوم يحرمون ما يخرج من الشاة لبنها وسمنها ولحمها، فقال الله: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قال: والزينة من الثياب. 11297 - حدثني المثنى، قال: ثنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن رجل، عن الحسن، قال: لما بعث محمدا فقال: هذا نبيي هذا خياري، استنوا به خذوا في سنته وسبيله لم تغلق دونه الابواب ولم تقم دونه الحجب، ولم يغد عليه بالجبار ولم يرجع عليه بها. وكان يجلس بالارض، ويأكل طعامه بالارض، ويلعق يده، ويلبس الغليظ، ويركب الحمار، ويردف عبده، وكان يقول: من رغب عن سنتي فليس مني. قال الحسن: فما أكثر الراغبين عن سنته التاركين لها، ثم علوجا فساقا، أكلة الربا والغلول، قد سفههم ربي ومقتهم، زعموا أن لا بأس عليهم فيما أكلوا وشربوا وزخرفوا هذه البيوت، يتأولون هذه الآية: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق وإنما جعل ذلك لاولياء الشيطان، قد جعلها ملاعب لبطنه وفرجه من كلام لم يحفظه سفيان. وقال آخرون: بل عنى بذلك ما كانت الجاهلية تحرم من البحائر والسوائب. ذكر من قال ذلك: 11298 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق وهو ما حرم أهل الجاهلية عليهم من أموالهم: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام.
[ 216 ]
11299 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قال: إن الجاهلية كانوا يحرمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرها، وهو قول الله: قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا وهو هذا، فأنزل الله: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق. القول في تأويل قوله تعالى: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة. يقول الله تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء الذين أمرتك أن تقول لهم من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق إذ عيوا بالجواب فلم يدروا ما يجيبونك: زينة الله التي أخرج لعباده، وطيبات رزقه للذين صدقوا الله ورسوله، واتبعوا ما أنزل إليك من ربك في الدنيا، وقد شركهم في ذلك فيها من كفر بالله ورسوله وخالف أمر ربه، وهي للذين آمنوا بالله ورسوله خالصة يوم القيامة، لا يشركهم في ذلك يومئذ أحد كفر بالله ورسوله وخالف أمر ربه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل: ذكر من قال ذلك: 11300 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة يقول: شارك المسلمون الكفار في الطيبات، فأكلوا من طيبات طعامها، ولبسوا من خيار ثيابها، ونكحوا من صالح نسائها، وخلصوا بها يوم القيامة. وحدثني به المثنى مرة أخرى بهذا الاسناد بعينه، عن ابن عباس، فقال: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا يعني: يشارك المسلمون المشركين في الطيبات في الحياة الدنيا، ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا، وليس للمشركين فيها شئ. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال لمحمد (ص): قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة يقول: قل هي
[ 217 ]
في الآخرة خالصة لمن آمن بي في الدنيا، لا يشركهم فيها أحد وذلك أن الزينة في الدنيا لكل بني آدم، فجعلها الله خالصة لاوليائه في الآخرة. 11301 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك: قل هي الذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة قال: اليهود والنصارى يشركونكم فيها في الدنيا، وهي للذين آمنوا خالصة يوم القيامة. 11302 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة خالصة للمؤمنين في الآخرة لا يشاركهم فيها الكفار، فأما في الدنيا فقد شاركوهم. 11303 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة من عمل بالايمان في الدنيا خلصت له كرامة الله يوم القيامة، ومن ترك الايمان في الدنيا قدم على ربه لا عذر له. 11304 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا يشترك فيها معهم المشركون، خالصة يوم القيامة للذين آمنوا. 11305 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة يقول: المشركون يشاركون المؤمنين في الدنيا في اللباس والطعام والشراب، ويوم القيامة يخلص اللباس والطعام والشراب للمؤمنين، وليس للمشركين في شئ من ذلك نصيب. 11306 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: الدنيا يصيب منها المؤمن والكافر، ويخلص خير الآخرة للمؤمنين، وليس للكافر فيها نصيب. 11307 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة قال: هذه يوم القيامة للذين آمنوا، لا يشركهم فيها أهل الكفر ويشركونهم فيها في الدنيا، وإذا كان يوم القيامة فليس لهم فيها قليل ولا كثير. وقال سعيد بن جبير في ذلك، بما:
[ 218 ]
11308 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا إسماعيل بن أبان وحيوية الرازي أبو يزيد عن يعقوب القمي، عن سعيد بن جبير: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة قال: ينتفعون بها في الدنيا ولا يتبعهم إثمها. واختلفت القراء في قراءة قوله خالصة، فقرأ ذلك بعض قراء المدينة: خالصة برفعها، بمعنى: قل هي خالصة للذين آمنوا. وقرأه سائر قراء الامصار: خالصة بنصبها على الحال من لهم، وقد ترك ذكرها من الكلام اكتفاء منها بدلالة الظاهر عليها، على ما قد وصفت في تأويل الكلام أن معنى الكلام: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا مشتركة، وهي لهم الآخرة خالصة. ومن قال ذلك بالنصب جعل خبر هي في قوله: للذين آمنوا. قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي بالصحة قراءة من قرأ نصبا، لايثار العرب النصب في الفعل إذا تأخر بعد الاسم والصفة وإن كان الرفع جائزا، غير أن ذلك أكثر في كلامهم. القول في تأويل قوله تعالى: كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون. يقول تعالى ذكره: كما بينت لكم الواجب عليكم في اللباس والزينة والحلال من المطاعم والمشارب والحرام منها، وميزت بين ذلك لكم أيها الناس، كذلك أبين جميع أدلتي وحججي وأعلام حلالي وحرامي وأحكامي لقوم يعلمون ما يبين لهم ويفقهون ما يميز لهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يتجردون من ثيابهم للطواف بالبيت، ويحرمون أكل طيبات ما أحل الله لهم من رزقه أيها القوم: إن الله لم يحرم ما تحرمونه، بل أحل ذلك لعباده المؤمنين وطيبه لهم. وإنما حرم ربي القبائح من الاشياء، وهي الفواحش، ما ظهر منها فكان علانية، وما بطن منها فكان سرا في خفاء. وقد روي عن مجاهد في ذلك ما: 11309 - حدثني الحرث، قال: ثني عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد، قال: سمعت
[ 219 ]
مجاهدا يقول في قوله: ما ظهر منها وما بطن قال: ما ظهر منها طواف أهل الجاهلية عراة، وما بطن: الزنا. وقد ذكرت اختلاف أهل التأويل في تأويل ذلك بالروايات فيما مضى فكرهت إعادته. وأما الاثم: فإنه المعصية. والبغي: الاستطالة على الناس. يقول تعالى ذكره: إنما حرم ربي الفواحش مع الاثم والبغي على الناس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11310 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: والاثم والبغي أما الاثم: فالمعصية، والبغي: أن يبغي على الناس بغير الحق. 11311 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد، قال: سمعت مجاهدا في قوله: ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي قال: نهى عن الاثم وهي المعاصي كلها، وأخبر أن الباغي بغيه كائن على نفسه. القول في تأويل قوله تعالى: وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون. يقول جل ثناؤه: إنما حرم ربي الفواحش والشرك به أن تعبدوا مع الله إلها غيره، ما لم ينزل به سلطانا يقول: حرم ربكم عليكم أن تجعلوا معه في عبادته شركا لشئ لم يجعل لكم في إشراككم إياه في عبادته حجة ولا برهانا، وهو السلطان. وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون يقول: وأن تقولوا: إن الله أمركم بالتعري والتجرد للطواف بالبيت، وحرم عليكم أكل هذه الانعام التي حرمتموها وسيبتموها وجعلتموها وصائل وحوامي، وغير ذلك مما لا تعلمون أن الله حرمه أو أمر به أو أباحه، فتضيفوا إلى الله تحريمه وحظره والامر به، فإن ذلك هو الذي حرمه الله عليكم دون ما تزعمون أن الله حرمه أو تقولون إن الله أمركم به جهلا منكم بحقيقة ما تقولون وتضيفونه إلى الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) *. يقول تعالى ذكره مهددا للمشركين الذين أخبر جل ثناؤه عنهم أنهم كانوا إذا فعلوا
[ 220 ]
فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها، ووعيدا منه لهم على كذبهم عليه وعلى إصرارهم على الشرك به والمقام على كفرهم، ومذكرا لهم ما أحل بأمثالهم من الامم الذين كانوا قبلهم: ولكل أمة أجل يقول: ولكل جماعة اجتمعت على تكذيب رسل الله ورد نصائحهم، والشرك بالله مع متابعة ربهم حججه عليهم، أجل، يعني: وقت لحلول العقوبات بساحتهم، ونزول المثلات بهم على شركهم. فإذا جاء أجلهم يقول: فإذا جاء الوقت الذي وقته الله لهلاكهم وحلول العقاب بهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون يقول: لا يتأخرون بالبقاء في الدنيا ولا يتمتعون بالحياة فيها عن وقت هلاكهم وحين حلول أجل فنائهم ساعة من ساعات الزمان. ولا يستقدمون يقول: ولا يتقدمون بذلك أيضا عن الوقت الذي جعله الله لهم وقتا للهلاك. القول في تأويل قوله تعالى: * (يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) *. يقول تعالى ذكره معرفا خلقه ما أعد لحزبه وأهل طاعته والايمان به وبرسوله، وما أعد لحزب الشيطان وأوليائه والكافرين به وبرسله: يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقول: إن يجئكم رسلي الذين أرسلهم إليكم بدعائكم إلى طاعته والانتهاء إلى أمري ونهي منكم، يعني: من أنفسكم، ومن عشائركم وقبائلكم. يقصون عليكم آياتي يقول: يتلون عليكم آيات كتابي، ويعرفونكم أدلتي وأعلامي على صدق ما جاءوكم به من عندي، وحقيقة ما دعوكم إليه من توحيدي. فمن اتقى وأصلح يقول: فمن آمن منكم بما أتاه به رسلي مما قص عليه من آياتي وصدق واتقى الله، فخافه بالعمل بما أمره به والانتهاء عما نهاه عنه، على لسان رسوله. وأصلح يقول: وأصلح أعماله التي كان لها مفسدا قبل ذلك من معاصي الله بالتحوب منها. فلا خوف عليهم يقول: فلا خوف عليهم يوم القيامة من عقاب الله إذا وردوا عليه. ولاهم لا يحزنون على ما فاتهم من دنياهم التي تركوها، وشهواتهم التي تجنبوها، اتباعا منهم لنهي الله عنها إذا عاينوا من كرامة الله ما عاينوا هنالك. 11312 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام أبو عبد الله، قال: ثنا هياج، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، عن أبي سيار السلمي، قال: إن الله جعل آدم وذريته
[ 221 ]
في كفه، فقال: يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليهم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ثم نظر إلى الرسل فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون. بثهم. فإن قال قائل: ما جواب قوله: إما يأتننكم رسل منكم ؟ قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك، فقال بعضهم في ذلك: الجواب مضمر، يدل عليه ما ظهر من الكلام، وذلك قوله: فمن اتقى وأصلح وذلك لانه حين قال: فمن اتقى وأصلح كأنه قال: فأطيعوهم. وقال آخرون منهم: الجواب: فمن اتقى، لان معناه، فمن اتقى منكم وأصلح. قال: ويدل على أن ذلك كذلك، تبعيضه الكلام، فكان في التبعيض اكتفاء من ذكر منكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) *. يقول جل ثناؤه: وأما من كذب بأنباء رسلي التي أرسلتها إليه وجحد توحيدي وكفر بما جاء به رسلي واستكبر عن تصديق حججي وأدلتي، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يقول: هم في نار جهنم ماكثون، لا يخرجون منها أبدا. القول في تأويل قوله تعالى: * (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين) *. يقول تعالى ذكره: فمن أخطأ فعلا وأجهل قولا وأبعد ذهابا عن الحق والصواب ممن افترى على الله كذبا يقول: ممن اختلق على الله زورا من القول، فقال إذا فعل
[ 222 ]
فاحشة: إن الله أمرنا بها. أو كذب بآياته يقول: أو كذب بأدلته وأعلامه الدالة على وحدانيته ونبوة أنبيائه، فجحد حقيقتها ودافع صحتها. أولئك يقول: من فعل ذلك فافترى على الله الكذب وكذب بآياته، أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب يقول: يصل إليهم حظهم مما كتب الله لهم في اللوح المحفوظ. ثم اختلف أهل التأويل في صفة ذلك النصيب الذي لهم في الكتاب وما هو، فقال بعضهم: هو عذاب الله الذي أعده لاهل الكفر به. ذكر من قال ذلك. 11313 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا مروان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، قوله: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب: أي من العذاب. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن إسماعيل، عن أبي صالح، مثله. 11314 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب يقول: ما كتب لهم من العذاب. 11315 - حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن كثير بن زياد، عن الحسن في قوله: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال: من العذاب. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن أبي سهل، عن الحسن، قال: من العذاب. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن رجل، عن الحسن، قال: من العذاب. وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم مما سبق لهم من الشقاء والسعادة. ذكر من قال ذلك. 11316 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سعيد: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال: من الشقوة والسعادة. 11317 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب كشقي وسعيد.
[ 223 ]
11318 - حدثنا واصل بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن الحسن، بن عمرو والفقيمي، عن الحكم قال: سمعت مجاهدا يقول: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال: هو ما سبق. حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب: ما كتب لهم من الشقاوة والسعادة. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ينالهم نصيبهم من الكتاب: ما كتب عليهم من الشقاوة والسعادة، كشقي وسعيد. 11319 - قال: حدثنا ابن المبارك، عن شريك، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب من الشقاوة والسعادة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير وابن إدريس، عن الحسن بن عمرو، عن الحكم، عن مجاهد: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال: ما قد سبق من الكتاب. 11320 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حميد بن عبد الرحمن، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال: ما سبق لهم في الكتاب. قال: ثنا سويد بن عمرو ويحيى بن آدم، عن شريك، عن سالم، عن سعيد: أولئك ينالهم نصيبهم قال: من الشقاوة والسعادة. قال: حدثنا أبو معاوية، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ما قضى أو قدر عليهم. 11321 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: ينالهم نصيبهم من الكتاب ينالهم الذي كتب عليهم من الاعمال. 11322 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن بكر الطويل، عن مجاهد، في قول الله: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال: قوم يعملون أعمالا لا بد لهم أن يعملوها. وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من كتابهم الذي كتب لهم أو عليهم بأعمالهم التي عملوها في الدنيا من خير وشر. ذكر من قال ذلك.
[ 224 ]
11323 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب يقول: نصيبهم من الاعمال، من عمل خيرا جزي به، ومن عمل شرا جزي به. 11324 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال: من أحكام الكتاب على قدر أعمالهم. 11325 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال: ينالهم نصيبهم في الآخرة من أعمالهم التي عملوا وأسلفوا. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة، قوله: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب أي أعمالهم، أعمال السوء التي عملوها وأسلفوها. حدثني أحمد بن المقدام، قال: ثنا المعتمر، قال: قال أبي: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب زعم قتادة: من أعمالهم التي عملوا. 11326 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك، قوله: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب يقول: ينالهم نصيبهم من العمل، يقول: إن عمل من ذلك نصيب خير جزي خيرا، وإن عمل شرا جزي مثله. وقال آخرون: معنى ذلك: ينالهم نصيبهم مما وعدوا في الكتاب من خير أو شر. ذكر من قال ذلك: 11327 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس في هذه الآية: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال: من الخير والشر. 11328 - قال: حدثنا زيد، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: ما وعدوا. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال: ما وعدوا.
[ 225 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال: ما وعدوا فيه من خير أو شر. 11329 - قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ليث، عن ابن عباس: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال: ما وعدوا مثله. 11330 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، قال: ما وعدوا فيه من خير أو شر. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال: ما وعدوا فيه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال: ما وعدوا من خير أو شر. حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن الحسين بن عمرو، عن الحكم، عن مجاهد، في قول الله: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال: ينالهم ما سبق لهم من الكتاب. وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب الذي كتبه الله على ما افترى عليه. ذكر من قال ذلك: 11331 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب يقول: ينالهم ما كتب عليهم، يقول: قد كتب لمن يفتري على الله أن وجهه مسود. وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم مما كتب لهم من الرزق والعمر والعمل. ذكر من قال ذلك: 11332 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعد، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع ابن أنس: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب مما كتب لهم من الرزق. 11333 - قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا محمد بن حرب، عن ابن لهيعة، عن أبي صخر، عن القرظي: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال: عمله ورزقه وعمره.
[ 226 ]
11334 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال: من الاعمال والارزاق والاعمال، فإذا فني هذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم وقد فرغوا من هذه الاشياء كلها. قال أبو جعفر، وأولى هذه الاقوال عندي بالصواب قول من قال: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب مما كتب لهم من خير وشر في الدنيا ورزق وعمل وأجل. وذلك أن الله جل ثناؤه أتبع ذلك قوله: حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله فأبان بإتباعه ذلك قوله: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب أن الذي ينالهم من ذلك إنما هو ما كان مقضيا عليهم في الدنيا أن ينالهم، لانه قد أخبر أن ذلك ينالهم إلى وقت مجيئهم رسله لتقبض أرواحهم. ولو كان ذلك نصيبهم من الكتاب أو مما قد أعد لهم في الآخرة، لم يكن محدودا بأنه ينالهم إلى مجئ رسل الله لو فاتهم لان رسل الله لا تجيئهم للوفاة في الآخرة، وأن عذابهم في الآخرة لا آخر له ولا انقضاء فإن الله قد قضى عليهم بالخلود فيه، فبين بذلك أن معناه ما اخترنا من القول فيه. القول في تأويل قوله تعالى: إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين. يعني جل ثناؤه بقوله: حتى إذا جاءتهم رسلنا إلى أن جاءتهم رسلنا، يقول جل ثناؤه: وهؤلاء الذين افتروا على الله الكذب أو كذبوا بآيات ربهم، ينالهم حظوظهم التي كتب الله لهم وسبق في علمه لهم من رزق وعمل وأجل وخير وشر في الدنيا، إلى أن تأتيهم رسلنا لقبض أرواحهم. فإذا جاءتهم رسلنا يعني: ملك الموت وجنده. يتوفونهم يقول: يستوفون عددهم من الدنيا إلى الآخرة. قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله يقول: قالت الرسل: أين الذين كنتم تدعونهم أولياء من دون الله وتعبدونهم، لا يدفعون عنكم ما قد جاءكم من أمر الله الذي هو خالقكم وخالقهم وما قد نزل بساحتكم من عظيم البلاء، وهلا يغيثونكم من كرب ما أنتم فيه فينقذونكم منه فأجابهم الاشقياء، فقالوا: ضل عنا أولياؤنا الذين كنا ندعو من دون الله يعني بقوله: ضلوا: جاروا وأخذوا غير طريقنا وتركونا عند حاجتنا إليهم فلم ينفعونا. يقول الله جل ثناؤه: وشهد القوم حينئذ على أنفسهم أنهم كانوا كافرين بالله جاحدين وحدانيته. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 227 ]
* (قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والانس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لاولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون) *. وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن قيله لهؤلاء المفترين عليه المكذبين آياته يوم القيامة، يقول تعالى ذكره: قال لهم حين وردوا عليه يوم القيامة: ادخلوا أيها المفترون على ربكم المكذبون رسله في جماعات من ضربائكم قد خلت من قبلكم يقول: قد سلفت من قبلكم من الجن والانس في النار. ومعنى ذلك: ادخلوا في أمم هي في النار قد خلت من قبلكم من الجن والانس. وإنما يعني بالامم: الاحزاب وأهل الملل الكافرة. كلما دخلت أمة لعنت أختها يقول جل ثناؤه: كلما دخلت النار جماعة من أهل ملة لعنت أختها، يقول: شتمت الجماعة الاخرى من أهل ملتها تبريا منها. وإنما عني بالاخت: الاخوة في الدين والملة وقيل أختها ولم يقل أخاها، لانه عني بها أمة وجماعة أخرى، كأنه قيل: كلما دخلت أمة لعنت أمة أخرى من أهل ملتها ودينها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11335 حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: كلما دخلت أمة لعنت أختها يقول: كلما دخلت أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك الدنيا يلعن المشركون المشركين واليهود اليهود والنصارى النصارى والصابئون الصابئين والمجوس المجوس، تلعن الآخرة الاولى. القول في تأويل قوله تعالى: حتى إذا اداركوا فيها جميعا. يقول تعالى ذكره: حتى إذا تداركت الامم في النار جميعا، يعني: اجتمعت فيها، يقال: قد اداركوا وتداركوا: إذا اجتمعوا، يقول: اجتمع فيها الاولون من أهل الملل الكافرة والآخرون منهم. القول في تأويل قوله تعالى: قالت أخراهم لاولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون. وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن محاورة الاحزاب من أهل الملل الكافرة في النار يوم القيامة، يقول الله تعالى ذكره: فإذا اجتمع أهل الملل الكافرة في النار فاداركوا، قالت
[ 228 ]
أخرى أهل كل ملة دخلت النار الذين كانوا في الدنيا بعد أولى منهم تقدمتها وكانت لها سلفا وإماما في الضلالة والكفر لاولاها الذين كانوا قبلهم في الدنيا: ربنا هؤلاء أضلونا عن سبيلك ودعونا إلى عبادة غيرك وزينوا لنا طاعة الشيطان، فآتهم اليوم من عذابك الضعف على عذابنا. كما: 11336 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: قالت أخراهم الذين كانوا في آخر الزمان لاولاهم الذين شرعوا لهم ذلك الدين: ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار. وأما قوله: قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون فإنه خبر من الله عن جوابه لهم، يقول: قال الله للذين يدعونه فيقولون: ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار لكلكم، أولكم وآخركم وتابعوكم ومتبعوكم ضعف، يقول: مكرر عليه العذاب. وضعف الشئ: مثله مرة: وكان مجاهد يقول في ذلك، ما: 11337 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11338 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال الله: لكل ضعف للاولى وللآخرة ضعف. 11339 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، قال: ثني غير واحد، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله: ضعفا من النار قال: أفاعي. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله: فآتهم عذابا ضعفا من النار قال: حيات وأفاعي. وقيل: إن الضعف في كلام العرب ما كان ضعفين والمضاعف ما كان أكثر من ذلك.
[ 229 ]
وقوله: ولكن لا تعلمون يقول: ولكنكم يا معشر أهل النار، لا تعلمون ما قدر ما أعد الله لكم من العذاب، فلذلك تسأل الضعف منه الامة الكافرة الاخرى لاختها الاولى. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقالت أولاهم لاخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون) *. يقول جل ثناؤه: وقالت أولى كل أمة وملة سبقت في الدنيا لاخراها الذين جاءوا من بعدهم وحدثوا بعد زمانهم فيها، فسلكوا سبيلهم واستنوا سنتهم: فما كان لكم علينا من فضل وقد علمتم ما حل بنا من عقوبة الله بمعصيتنا إياه وكفرنا به، وجاءتنا وجاءتكم بذلك الرسل والنذر، هل انتهيتم إلى طاعة الله، وارتدعتم عن غوايتكم وضلالتكم ؟ فانقضت حجة القوم وخصموا ولم يطيقوا جوابا بأن يقولوا فضلنا عليكم أنا اعتبرنا بكم فآمنا بالله وصدقنا رسله، قال الله لجميعهم: فذوقوا جميعكم أيها الكفرة عذاب جهنم، بما كنتم في الدنيا تكسبون من الآثام والمعاصي، وتجترحون من الذنوب والاجرام وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11340 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت عمران، عن أبي مجلز: وقالت أولاهم لاخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون قال: يقول: فما فضلكم علينا، وقد بين لكم ما صنع بنا وحذرتم. 11341 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وقالت أولاهم لاخراهم فما كان لكم علينا من فضل فقد ضللتم كما ضللنا. وكان مجاهد يقول في هذا بما: 11342 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فما كان لكم علينا من فضل قال: من التخفيف من العذاب. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فما كان لكم علينا من فضل قال: من تخفيف.
[ 230 ]
وهذا القول الذي ذكرناه عن مجاهد قول لا معنى له، لان قول القائلين: فما كان لكم علينا من فضل، لمن قالوا ذلك إنما هو توبيخ منهم على ما سلف منهم قبل تلك الحال، يدل على ذلك دخول كان في الكلام، ولو كان ذلك منهم توبيخا لهم على قيلهم الذي قالوا لربهم: آتهم عذابا ضعفا من النار، لكان التوبيخ أن يقال: فما لكم علينا من فضل في تخفيف العذاب عنكم وقد نالكم من العذاب ما قد نالنا. ولم يقل: فما كان لكم علينا من فضل. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين) *. يقول تعالى ذكره: إن الذين كذبوا بحججنا وأدلتنا فلم يصدقوا بها ولم يتبعوا رسلنا، واستكبروا عنها يقول: وتكبروا عن التصديق بها وأنفوا من اتباعها والانقياد لها تكبرا، لا تفتح لهم لارواحهم إذا خرجت من أجسادهم أبواب السماء، ولا يصعد لهم في حياتهم إلى الله قول ولا عمل، لان أعمالهم خبيثة. وإنما يرفع الكلم الطيب والعمل الصالح، كما قال جل ثناؤه: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه. ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: لا تفتح لهم أبواب السماء فقال بعضهم: معناه: لا تفتح لارواح هؤلاء الكفار أبواب السماء. ذكر من قال ذلك: 11343 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يعلى، عن أبي سنان، عن الضحاك، عن ابن عباس: لا تفتح لهم أبواب السماء قال: عنى بها الكفار أن السماء لا تفتح لارواحهم وتفتح لارواح المؤمنين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن أبي سنان، عن الضحاك، قال: قال ابن عباس: تفتح السماء لروح المؤمن، ولا تفتح لروح الكافر. 11344 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: لا تفتح لهم أبواب السماء قال: إن الكافر إذا أخذ روحه ضربته ملائكة الارض حتى يرتفع إلى السماء، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء فهبط، فضربته ملائكة الارض فارتفع، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء الدنيا، فهبط إلى أسفل
[ 231 ]
الارضين وإذا كان مؤمنا أخذ روحه، وفتح له أبواب السماء، فلا يمر بملك إلا حياه وسلم عليه حتى ينتهي إلى الله، فيعطيه حاجته، ثم يقول الله: ردوا روح عبدي فيه إلى الارض، فإني قضيت من التراب خلقه، وإلى التراب يعود، ومنه يخرج. وقال آخرون: معنى ذلك: أنه لا يصعد لهم عمل صالح ولا دعاء إلى الله. ذكر من قال ذلك: 11345 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبيد الله، عن سفيان، عن ليث، عن عطاء، عن ابن عباس: لا تفتح لهم أبواب السماء: لا يصعد لهم قول ولا عمل. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء يعني: لا يصعد إلى الله من عملهم شئ. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: لا تفتح لهم أبواب السماء يقول: لا تفتح لخير يعملون. 11346 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: لا تفتح لهم أبواب السماء قال: لا يصعد لهم كلام ولا عمل. 11347 - حدثنا مطر بن محمد الضبي، قال: ثنا عبد الله بن داود، قال: ثنا شريك، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: لا تفتح لهم أبواب السماء قال: لا يرتفع لهم عمل ولا دعاء. 11348 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سالم، عن سعيد: لا تفتح لهم أبواب السماء قال: لا يرتفع لهم عمل ولا دعاء. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن سعيد: لا تفتح لهم أبواب السماء قال: لا يرفع لهم عمل صالح ولا دعاء. وقال آخرون: معنى ذلك: لا تفتح أبواب السماء لارواحهم ولا لاعمالهم. ذكر من قال ذلك: 11349 - حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: لا تفتح لهم أبواب السماء قال: لارواحهم ولا لاعمالهم.
[ 232 ]
قال أبو جعفر: وإنما اخترنا في تأويل ذلك ما اخترنا من القول لعموم خبر الله جل ثناؤه أن أبواب السماء لا تفتح لهم، ولم يخصص الخبر بأنه يفتح لهم في شئ، فذلك على ما عمه خبر الله تعالى بأنها لا تفتح لهم في شئ مع تأييد الخبر عن رسول الله (ص) ما قلنا في ذلك. وذلك ما: 11350 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن الاعمش، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء: أن رسول الله (ص) ذكر قبض روح الفاجر، وأنه يصعد بها إلى السماء، قال: فيصعدون بها فلا يمرون على ملا من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث، فيقولون: فلان، بأقبح أسمائه التي كان يدعى بها في الدنيا. حتى ينتهوا بها إلى السماء، فيستفتحون له فلا يفتح له. ثم قرأ رسول الله (ص): لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط. 11351 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، أن رسول الله (ص)، قال: الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل الصالح قالوا اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان قال: فيقولون ذلك حتى يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها، فيقال: من هذا ؟ فيقولون: فلان، فيقال: مرحبا بالنفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فيقال لها ذلك حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله. وإذا كان الرجل السوء قال: اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج فيقولون ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها، فيقال: من هذا ؟ فيقولون: فلان، فيقولون: لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة فإنه لا تفتح لك أبواب السماء فترسل بين السماء والارض فتصير إلى القبر. حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا ابن أبي فديك، قال: ثني
[ 233 ]
ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي (ص) بنحوه. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة: لا يفتح لهم أبواب السماء بالياء من يفتح وتخفيف التاء منها، بمعنى: لا يفتح لهم جميعها بمرة واحدة وفتحة واحدة. وقرأ ذلك بعض المدنيين وبعض الكوفيين: لا تفتح بالتاء وتشديد التاء الثانية، بمعنى: لا يفتح لهم باب بعد باب وشئ بعد شئ. قال أبو جعفر: والصواب في ذلك عندي من القول أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان صحيحتا المعنى، وذلك أن أرواح الكفار لا تفتح لها ولا لاعمالهم الخبيثة أبواب السماء بمرة واحدة ولا مرة بعد مرة وباب بعد باب، فكلا المعنيين في ذلك صحيح، وكذلك الياء والتاء في يفتح وتفتح، لان الياء بناء على فعل الواحد للتوحيد والتاء، لان الابواب جماعة، فيخبر عنها خبر الجماعة. القول في تأويل قوله تعالى: ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين. يقول جل ثناؤه: ولا يدخل هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها الجنة التي أعدها الله لاوليائه المؤمنين أبدا، كما لا يلج الجمل في سم الخياط أبدا، وذلك ثقب الابرة. وكل ثقب في عين أو أنف أو غير ذلك، فإن العرب تسميه سما وتجمعه سموما وسماما، والسمام في جمع السم القاتل أشهر وأفصح من السموم، وهو في جمع السم الذي هو بمعنى الثقب أفصح، وكلاهما في العرب مستفيض، وقد يقال لواحد السموم التي هي الثقوب: سم وسم بفتح السين وضمها، ومن السم الذي بمعنى الثقب قول الفرزدق: فنفست عن سميه حتى تنفسا وقلت له لا تخش شيئا وراءنا
[ 234 ]
يعني بسميه: ثقبي أنفه. وأما الخياط: فإنه المخيط وهي الابرة، قيل لها: خياط ومخيط، كما قيل: قناع ومقنع، وإزار ومئزر، وقرام ومقرم، ولحاف وملحف. وأما القراء من جميع الامصار، فإنها قرأت قوله: في سم الخياط بفتح السين، وأجمعت على قراءة الجمل بفتح الجيم والميم وتخفيف ذلك. وأما ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير، فإنه حكي عنهم أنهم كانوا يقرءون ذلك: الجمل بضم الجيم وتشديد الميم، على اختلاف في ذلك عن سعيد وابن عباس. فأما الذين قرءوه بالفتح من الحرفين والتخفيف، فإنهم وجهوا تأويله إلى الجمل المعروف وكذلك فسروه. ذكر من قال ذلك: 11352 - حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله في قوله: حتى يلج الجمل في سم الخياط قال: الجمل: ابن الناقة، أو زوج الناقة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي حصين، عن إبراهيم، عن عبد الله: حتى يلج الجمل في سم الخياط قال: الجمل: زوج الناقة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي حصين، عن إبراهيم، عن عبد الله، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن مهدي، عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله، قال: الجمل: زوج الناقة. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله مثله. 11353 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا قرة، قال: سمعت الحسن يقول: الجمل الذي يقوم في المربد. 11354 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: حتى يلج الجمل في سم الخياط قال: حتى يدخل البعير في خرق الابرة. 11355 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن مهدي، عن هشيم، عن عباد بن راشد، عن الحسن، قال: هو الجمل. فلما أكثروا عليه، قال: هو الاشتر.
[ 235 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا هشيم، عن عباد بن راشد، عن الحسن، مثله. حدثنا المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن يحيى، قال: كان الحسن يقرؤها: حتى يلج الجمل في سم الخياط قال: فذهب بعضهم يستفهمه، قال: أشتر أشتر. 11356 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو النعمان عارم، قال: ثنا حماد بن زيد، عن شعيب بن الحبحاب، عن أبي العالية: حتى يلج الجمل قال: الجمل: الذي له أربع قوائم. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن أبي حصين، أو حصين، عن إبراهيم، عن ابن مسعود في قوله: حتى يلج الجمل في سم الخياط قال: زوج الناقة، يعني الجمل. 11357 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك: أنه كان يقرأ: الجمل وهو الذي له أربع قوائم. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبوتميلة، عن عبيد، عن الضحاك: حتى يلج الجمل الذي له أربع قوائم. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن الحباب، عن قرة، عن الحسن: حتى يلج الجمل قال: الذي بالمربد. 11358 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: حتى يلج الجمل الاصفر. 11359 - حدثنا نصر بن علي، قال: ثنا يحيى بن سليم، قال: ثنا عبد الكريم بن أبي المخارق، عن الحسن، في قوله: حتى يلج الجمل في سم الخياط قال: الجمل: ابن الناقة، أو بعل الناقة. وأما الذين خالفوا هذه القراءة فإنهم اختلفوا، فروي عن ابن عباس في ذلك روايتان: إحداهما الموافقة لهذه القراءة وهذا التأويل. ذكر الرواية بذلك عنه: 11360 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي،
[ 236 ]
عن ابن عباس: حتى يلج الجمل في سم الخياط والجمل: ذو القوائم. وذكر أن ابن مسعود قال ذلك. 11361 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: حتى يلج الجمل في سم الخياط: هو الجمل العظيم لا يدخل في خرق الابرة من أجل أنه أعظم منها. والرواية الاخرى ما: 11362 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس: في قوله: حتى يلج الجمل في سم الخياط قال: هو قلس السفينة. 11363 - حدثني عبد الاعلى بن واصل، قال: ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل، عن خالد بن عبد الله الواسطي، عن حنظلة السدوسي، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه كان يقرأ: حتى يلج الجمل في سم الخياط يعني: الحبل الغليظ. فذكرت ذلك للحسن، فقال: حتى يلج الجمل قال عبد الاعلى. قال أبو غسان، قال خالد: يعني البعير. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أسامة، عن فضيل، عن مغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قرأ: الجمل مثقلة، وقال: هو حبل السفينة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن مهدي، عن هشيم، عن مغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: الجمل: حبال السفن. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن ابن المبارك، عن حنظلة، عن عكرمة، عن ابن عباس: حتى يلج الجمل في سم الخياط قال: الحبل الغليظ. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس: حتى يلج الجمل في سم الخياط قال: هو الحبل الذي يكون على السفينة. واختلف عن سعيد بن جبير أيضا في ذلك، فروي عنه روايتان إحداهما مثل الذي ذكرنا عن ابن عباس بضم الجيم وتثقيل الميم. ذكر الرواية بذلك عنه: حدثنا عمران بن موسى القزار، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا
[ 237 ]
حسين المعلم، عن أبي بشر عن سعيد بن جبير، أنه قرأها: حتى يلج الجمل يعني: قلوس السفن، يعني الحبال الغلاظ. والاخرى منهما بضم الجيم وتخفيف الميم. ذكر الرواية بذلك عنه: 11365 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عمرو، عن سالم بن عجلان الافطس، قال: قرأت على أبي: حتى يلج الجمل فقال: حتى يلج الجمل خفيفة: هو حبل السفينة، هكذا أقرأنيها سعيد بن جبير. وأما عكرمة، فإنه كان يقرأ ذلك: الجمل بضم الجيم وتشديد الميم، وبتأوله كما: 11366 - حدثني ابن وكيع، قال: ثنا أبو تميلة، عن عيسى بن عبيدة، قال: سمعت عكرمة يقرأ الجمل مثقلة، ويقول: هو الحبل الذي يصعد به إلى النخل. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا كعب بن فروخ، قال: ثنا قتادة، عن عكرمة، في قوله: حتى يلج الجمل في سم الخياط قال: الحبل الغليظ في خرق الابرة. 11367 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: حتى يلج الجمل في سم الخياط قال: حبل السفينة في سم الخياط. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عبد الله بن كثير: سمعت مجاهدا يقول: الحبل من حبال السفن. وكأن من قرأ ذلك بتخفيف الميم وضم الجيم على ما ذكرنا عن سعيد بن جبير على مثال الصرد والجعل وجهه إلى جماع جملة من الحبال جمعت جملا، كما تجمع الظلمة ظلما والخربة خربا. وكان بعض أهل العربية ينكر التشديد في الميم، ويقول: إنما أراد الراوي الجمل بالتخفيف، فلم يفهم ذلك منه، فشدده. وحدثت عن الفراء، عن الكسائي أنه قال: الذي رواه عن ابن عباس كان أعجميا.
[ 238 ]
وأما من شدد الميم وضم الجيم، فإنه وجهه إلى أنه اسم واحد: وهو الحبل أو الخيط الغليظ. قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراء الامصار وهو: حتى يلج الجمل في سم الخياط بفتح الجيم والميم من الجمل وتخفيفها، وفتح السين من السم، لانها القراءة المستفيضة في قراء الامصار، وغير جائز مخالفة ما جاءت به الحجة متفقة عليه من القراء، وكذلك ذلك في فتح السين في قوله: سم الخياط. وإذ كان الصواب من القراءة ذلك، فتأويل الكلام: ولا يدخلون الجنة حتى يلج، والولوج: الدخول من قولهم: ولج فلان الدار يلج ولوجا، بمعنى: دخل الجمل في سم الابرة وهو ثقبها. وكذلك نجزي المجرمين يقول وكذلك نثيب الذين أجرموا في الدنيا ما استحقوا به من الله العذاب الاليم في الآخرة. وبمثل الذي قلنا في تأويل قوله: سم الخياط قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11368 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة وابن مهدي وسويد الكلبي، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن عتيق، قال: سألت الحسن، عن قوله: حتى يلج الجمل في سم الخياط قال: ثقب الابرة. 11369 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا كعب بن فروخ، قال: ثنا قتادة، عن عكرمة: في سم الخياط قال: ثقب الابرة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن، مثله. 11370 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: في سم الخياط قال: جحر الابرة. 11371 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: في سم الخياط يقول: جحر الابرة. 11372 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: في سم الخياط قال: في ثقبه. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 239 ]
* (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين) *. يقول جل ثناؤه: لهؤلاء الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها من جهنم مهاد وهو ما امتهدوه مما يقعد عليه ويضطجع كالفراش الذي يفرش والبساط الذي يبسط. ومن فوقهم غواش وهو جمع غاشية، وذلك ما غشاهم فغطاهم من فوقهم. وإنما معنى الكلام: لهم من جهنم مهاد، من تحتهم فرش ومن فوقهم منها لحف، وإنهم بين ذلك. وبنحو ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11373 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب: لهم من جهنم مهاد قال: الفراش، ومن فوقهم غواش قال: اللحف. 11374 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك: لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش قال: المهاد: الفرش، والغواشي: اللحف. 11375 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش أما المهاد لهم: كهيئة الفراش، والغواشي: تتغشاهم من فوقهم. وأما قوله وكذلك نجزي الظالمين: فإنه يقول: وكذلك نثيب ونكافئ من ظلم نفسه فأكسبها من غضب الله ما لا قبل لها به بكفره بربه وتكذيبه أنبياءه. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) *. يقول جل ثناؤه: والذين صدقوا الله ورسوله وأقروا بما جاءهم به من وحي الله وتنزيله وشرائع دينه، وعملوا ما أمرهم الله به فأطاعوه وتجنبوا ما نهاهم عنه. لا نكلف نفسا إلا وسعها يقول: لا نكلف نفسا من الاعمال إلا ما يسعها فلا تحرج فيه أولئك يقول: هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أصحاب الجنة يقول: هم أهل الجنة الذين هم
[ 240 ]
أهلها دون غيرهم ممن كفر بالله، وعمل بسيئاتهم فيها خالدون يقول: هم في الجنة ماكثون، دائم فيها مكثهم لا يخرجون منها ولا يسلبون نعيمهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الانهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) *. يقول تعالى ذكره: وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وصف صفتهم وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغل وعداوة كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذ أدخلهموها على سرر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضا على شئ خص الله به بعضهم وفضله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11376 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد الاحمر، عن جويبر، عن الضحاك: ونزعنا ما في صدورهم من غل قال: العداوة. 11377 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حميد بن عبد الرحمن، عن سعيد بن بشير، عن قتادة: ونزعنا ما في صدورهم من غل قال: هي الاحن. 11378 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن إسرائيل أبي موسى، عن الحسن، عن علي، قال: فينا والله أهل بدر نزلت: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن إسرائيل، قال: سمعته يقول: قال علي عليه السلام: فينا والله أهل بدر نزلت: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين. 11379 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال علي رضي الله عنه: إني لارجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم: ونزعنا ما في صدورهم من غل رضوان الله عليهم.
[ 241 ]
11380 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الانهار قال: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة، فبلغوا، وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان، فشربوا من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غل، فهو الشراب الطهور. واغتسلوا من الاخرى، فجرت عليهم نضرة النعيم، فلم يشعثوا ولم يتسخوا بعدها أبدا. 11381 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي نضرة، قال: يحبس أهل الجنة دون الجنة حتى يقضى لبعضهم من بعض، حتى يدخلوا الجنة حين يدخلونها ولا يطلب أحد منهم أحدا بقلامة ظفر ظلمها إياه ويحبس أهل النار دون النار حتى يقضى لبعضهم من بعض، فيدخلون النار حين يدخلونها ولا يطلب أحد منهم أحدا بقلامة ظفر ظلمها إياه. القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات حين أدخلوا الجنة، ورأوا ما أكرمهم الله به من كرامته، وما صرف عنهم من العذاب المهين الذي ابتلي به أهل النار بكفرهم بربهم وتكذيبهم رسله: الحمد لله الذي هدانا لهذا يقول: الحمد لله الذي وفقنا للعمل الذي أكسبنا هذا الذي نحن فيه من كرامة الله وفضله وصرف عذابه عنا. وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله يقول: وما كنا لنرشد لذلك لولا أن أرشدنا الله له ووفقنا بمنه وطوله. كما: 11382 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، قال: ثنا الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (ص): كل أهل النار يرى منزله من الجنة، فيقولون لو هدانا الله، فتكون عليهم حسرة. وكل أهل الجنة يرى منزله من النار، فيقولون لولا أن هدانا الله. فهذا شكرهم. 11383 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن عاصم بن ضمرة، عن علي، قال: ذكر عمر لشئ لا أحفظه، ثم ذكر الجنة، فقال: يدخلون فإذا شجرة يخرج من تحت ساقها عينان، قال:
[ 242 ]
فيغتسلون من إحداهما، فتجري عليهم نضرة النعيم، فلا تشعث أشعارهم ولا تغبر أبشارهم، ويشربون من الاخرى، فيخرج كل قذى وقذر، أو شئ في بطونهم. قال: ثم يفتح لهم باب الجنة، فيقال لهم: سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين قال: فتستقبلهم الولدان، فيحفون بهم كما تحف الولدان بالحميم إذا جاء من غيبته. ثم يأتون فيبشرون أزواجهم، فيسمونهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، فيقلن: أنت رأيته ؟ قال: فيستخفهن الفرح، قال: فيجئن حتى يقفن على أسكفة الباب. قال: فيجيئون فيدخلون، فإذا أس بيوتهم بجندل اللؤلؤ، وإذا صروح صفر وخضر وحمر ومن كل لون، وسرر مرفوعة، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة، فلولا أن الله قدرها لالتمعت أبصارهم مما يرون فيها. فيعانقون الازواج، ويقعدون على السرر، ويقولون: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق... الآية. القول في تأويل قوله تعالى: لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون. يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنهم يقولون عند دخولهم الجنة ورؤيتهم كرامة الله التي أكرمهم بها، وهو أن أعداء الله في النار: والله لقد جاءتنا في الدنيا وهؤلاء الذين في النار رسل ربنا بالحق من الاخبار، عن وعد الله أهل طاعته والايمان به وبرسله ووعيده أهل معاصيه والكفر به. وأما قوله: ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون فإن معناه: ونادى مناد هؤلاء الذين وصف الله صفتهم وأخبر عما أعد لهم من كرامته، أن يا هؤلاء هذه تلكم الجنة التي كانت رسلي في الدنيا تخبركم عنها، أورثكموها الله عن الذين كذبوا رسله، لتصديقكم إياهم وطاعتكم ربكم. وذلك هو معنى قوله: بما كنتم تعملون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11384 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا
[ 243 ]
أسباط، عن السدي: ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون قال: ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل. فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ودخلوا منازلهم، رفعت الجنة لاهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها فقيل لهم: هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله، ثم يقال: يا أهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون فيقسم بين أهل الجنة منازلهم. 11385 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمر بن سعد أبو داود الحفري، عن سعيد بن بكر، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن الاغر: ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون قال: نودوا أن صحوا فلا تسقموا واخلدوا فلا تموتوا وانعموا فلا تبأسوا 11386 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا قبيصة، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الاغر، عن أبي سعيد: ونودوا أن تلكم الجنة... الآية، قال: ينادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا. واختلف أهل العربية في أن التي مع تلكم، فقال بعض نحويي البصرة: هي أن الثقيلة خففت، وأضمر فيها، ولا يستقيم أن نجعلها الخفيفة لان بعدها اسما، والخفيفة لا تليها الاسماء، وقد قال الشاعر: في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك من يحفى وينتعل
[ 244 ]
وقال آخر: أكاشره وأعلم أن كلانا على ما ساء صاحبه حريص قال: فمعناه: أنه كلانا قال، ويكون كقوله: أن قد وجدنا في موضع أي، وقوله: أن أقيموا. ولا تكون أن التي تعمل في الافعال، لانك تقول: غاظني أن قام، وأن ذهب، فتقع على الافعال وإن كانت لا تعمل فيها، وفي كتاب الله: وانطلق الملا منهم أن امشوا أي امشوا. وأنكر ذلك من قوله هذا بعض أهل الكوفة، فقال: غير جائز أن يكون مع أن في هذا الموضع هاء مضمرة، لان من قوله هذا بعض أهل الكوفة، فقال: غير جائز أن يكون مع أن في هذا الموضع هاء مضمرة، لان أن دخلت في الكلام لتقي ما بعدها، قال: وأن هذه التي مع تلكم، هي الدائرة التي يقع فيها ما ضارع الحكاية، وليس بلفظ الحكاية، نحو: ناديت أنك قائم، وأن زيد قائم، وأن قمت، فتلي كل الكلام، وجعلت أن وقاية، لان النداء يقع على ما بعده، وسلم ما بعد أن كما سلم ما بعد القول، ألا ترى أنك تقول: قلت: زيد قائم، وقلت: قام، فتليها ما شئت من الكلام ؟ فلما كان النداء بمعنى الظن وما أشبهه من القول سلم ما بعد أن، ودخلت أن وقاية. قال: وأما أي فإنها لا تكون على أن لا يكون: أي جواب الكلام، وأن تكفي من الاسم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين) *. يقول تعالى ذكره: ونادى أهل الجنة أهل النار بعد دخولهموها: يا أهل النار قد
[ 245 ]
وجدنا ما وعدنا ربنا حقا في الدنيا على ألسن رسله من الثواب على الايمان به وبهم وعلى طاعته، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم على ألسنتهم على الكفر به وعلى معاصيه من العقاب ؟ فأجابهم أهل النار بأن نعم، قد وجدنا ما وعد ربنا حقا. كالذي: 11387 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم قال: وجد أهل الجنة ما وعدوا من ثواب، وأهل النار ما وعدوا من عقاب. 11388 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا وذلك أن الله وعد أهل الجنة النعيم والكرامة وكل خير علمه الناس أو لم يعلموه، ووعد أهل النار كل خزي وعذاب علمه الناس أو لم يعلموه فذلك قوله: وآخر من شكله أزواج قال: فنادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم يقول: من الخزي والهوان والعذاب، قال أهل الجنة: فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا من النعيم والكرامة. فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين. واختلف القراء في قراءة قوله: قالوا نعم فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والكوفة والبصرة: قالوا نعم بفتح العين من نعم. وروي عن بعض الكوفيين أنه قرأ: قالوا نعم بكسر العين، وقد أنشد بيتا لبني كلب: نعم إذا قالها منه محققة ولا تجئ عسى منه ولا قمن بكسر نعم.
[ 246 ]
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة عندنا: نعم بفتح العين، لانها القراءة المستفيضة في قراء الامصار واللغة المشهورة في العرب. وأما قوله: فأذن مؤذن بينهم يقول: فنادى مناد، وأعلم معلم بينهم، أن لعنة الله على الظالمين يقول: غضب الله وسخطه وعقوبته على من كفر به. وقد بينا القول في أن إذا صحبت من الكلام ما ضارع الحكاية وليس بصريح الحكاية، بأنها تشددها العرب أحيانا وتوقع الفعل عليها فتفتحها وتخففها أحيانا، وتعمل الفعل فيها فتنصبها به وتبطل عملها عن الاسم الذي يليها فيما مضى، بما أغني عن إعادته في هذا الموضع. وإذ كان ذلك كذلك، فسواء شددت أن أو خففت في القراءة، إذ كان معنى الكلام بأي ذلك قرأ القارئ واحدا، وكانتا قراءتين مشهورتين في قراءة الامصار. القول في تأويل قوله تعالى: * (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون) *. يقول جل ثناؤه: إن المؤذن بين أهل الجنة والنار يقول: أن لعنة الله على الظالمين الذين كفروا بالله وصدوا عن سبيله. ويبغونها عوجا يقول: حاولوا سبيل الله، وهو دينه، أن يغيروه ويبدلوه عما جعله الله له من استقامته. وهم بالآخرة كافرون يقول: وهم لقيام الساعة والبعث في الآخرة والثواب والعقاب فيها جاحدون. والعرب تقول للميل في الدين والطريق: عوج، بكسر العين، وفي ميل الرجل على الشئ والعطف عليه: عاج إليه يعوج عياجا وعوجا وعوجا، بالكسر من العين والفتح، كما قال الشاعر: قفا نبكي منازل آل ليلى على عوج إليها وانثناء ذكر الفراء أن أبا الجراح أنشده إياه بكسر العين من عوج فأما ما كان خلقة في الانسان، فإنه يقال فيه: عوج ساقه، بفتح العين. القول في تأويل قوله تعالى: * (وبينهما حجاب وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون) *. يعني جل ثناؤه بقوله: وبينهما حجاب وبين الجنة والنار حجاب، يقول: حاجز،
[ 247 ]
وهو السور الذي ذكره الله تعالى فقال: فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وهو الاعراف التي يقول الله فيها: وعلى الاعراف رجال. كذلك: 11389 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، وعن ابن جريج، قال: بلغني، عن مجاهد، قال: الاعراف: حجاب بين الجنة والنار. 11390 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وبينهما حجاب وهو السور، وهو الاعراف. وأما قوله: وعلى الاعراف رجال فإن الاعراف جمع واحدها عرف، وكل مرتفع من الارض عند العرب فهو عرف، وإنما قيل لعرف الديك: عرف، لارتفاعه على ما سواه من جسده ومنه قول الشماخ بن ضرار: وظلت بأعراف تعالى كأنها رماح نحاها وجهة الريح راكز يعني بقوله: بأعراف: بنشوز من الارض ومنه قول الآخر: كل كناز لحمه نياف كالعلم الموفي على الاعراف وكان السدي يقول: إنما سمي الاعراف أعرافا، لان أصحابه يعرفون الناس. 11391 - حدثني بذلك محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 248 ]
11392 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، سمع ابن عباس يقول: الاعراف: هو الشئ المشرف. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: سمعت ابن عباس يقول، مثله. 11393 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: الاعراف: سور كعرف الديك. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله. 11394 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الاعراف: حجاب بين الجنة والنار سور له باب. قال أبو موسى: وحدثني عبيد الله بن أبي يزيد، أنه سمع ابن عباس يقول: إن الاعراف تل بين الجنة والنار حبس عليه ناس من أهل الذنوب بين الجنة والنار. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الاعراف: حجاب بين الجنة والنار، سور له باب. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبد الله بن الحرث عن ابن عباس، قال: الاعراف: سور بين الجنة والنار. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: الاعراف: سور بين الجنة والنار. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: وعلى الاعراف رجال يعني بالاعراف: السور الذي ذكر الله في القرآن وهو بين الجنة والنار. حدثنا الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: الاعراف: سور له عرف كعرف الديك.
[ 249 ]
11395 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: الاعراف: سور بين الجنة والنار. 11396 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثني عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول: الاعراف: السور الذي بين الجنة والنار. واختلف أهل التأويل في صفة الرجال الذين أخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم على الاعراف وما السبب الذي من أجله صاروا هنالك، فقال بعضهم: هم قوم من بني آدم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فجعلوا هنالك إلى أن يقضي الله فيهم ما يشاء، ثم يدخلهم الجنة بفضل رحمته إياهم. ذكر من قال ذلك: 11397 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا يونس بن أبي إسحاق، قال: قال الشعبي: أرسل إلي عبد الحميد بن عبد الرحمن وعنده أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مولى قريش، وإذا هما قد ذكرا من أصحاب الاعراف ذكرا ليس كما ذكرا، فقلت لهما: إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة. فقالا: هات فقلت: إن حذيفة ذكر أصحاب الاعراف، فقال: هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، فإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار، قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين فبيناهم كذلك، اطلع إليهم ربك تبارك وتعالى فقال: اذهبوا وادخلوا الجنة، فإني قد غفرت لكم 11398 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن الشعبي، عن حذيفة، أنه سئل عن أصحاب الاعراف، قال: فقال: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وخلفت بهم حسناتهم عن النار. قال: فوقفوا هنالك على السور حتى يقضي الله فيهم. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير وعمران بن عيينة، عن حصين، عن عامر، عن حذيفة، قال: أصحاب الاعراف: قوم كانت لهم ذنوب وحسنات، فقصرت بهم ذنوبهم عن الجنة وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، فهم كذلك حتى يقضي الله بين خلقه فينفذ فيهم أمره. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن جابر، عن الشعبي، عن حذيفة، قال: أصحاب الاعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فيقول: ادخلوا الجنة بفضلي ومغفرتي، لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون.
[ 250 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن يونس بن أبي إسحاق، عن عامر، عن حذيفة، قال: أصحاب الاعراف قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة. 11399 - حدثنا المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن أبي بكر الهذلي، قال: قال سعيد بن جبير، وهو يحدث ذلك عن ابن مسعود، قال: يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار. ثم قرأ قول الله: فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم. ثم قال: إن الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح قال: فمن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الاعراف. فوقفوا على الصراط، ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا: سلام عليكم وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم نظروا أصحاب النار، قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين فيتعوذون بالله من منازلهم. قال: فأما أصحاب الحسنات، فإنهم يعطون نورا فيمشون به بين أيديهم وبأيمانهم، ويعطى كل عبد يومئذ نورا وكل أمة نورا، فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كل منافق ومنافقة. فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون، قالوا: ربنا أتمم لنا نورنا وأما أصحاب الاعراف، فإن النور كان في أيديهم، فلم ينزع من أيديهم، فهنالك يقول الله: لم يدخلوها وهم يطمعون فكان الطمع دخولا. قال: فقال ابن مسعود: على أن العبد إذا عمل حسنة كتب له بها عشرا، وإذا عمل سيئة لم تكتب إلا واحدة. ثم يقول: هلك من غلب وحدانه أعشاره. 11400 - حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع، قال: أخبرني ابن وهب قال: أخبرني عيسى الخياط عن الشعبي، عن حذيفة، قال: أصحاب الاعراف قوم كانت لهم أعمال أنجاهم الله بها من النار، وهم آخر من يدخل الجنة، قد عرفوا أهل الجنة وأهل النار. 11401 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا همام، عن قتادة، قال: قال ابن عباس: أصحاب الاعراف: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فلم تزد حسناتهم على سيئاتهم ولا سيئاتهم على حسناتهم.
[ 251 ]
11402 - حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا: ثنا جرير عن منصور، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبد الله بن الحرث، عن ابن عباس، قال: الاعراف: سور بين الجنة والنار، وأصحاب الاعراف بذلك المكان، حتى إذا بدا لله أن يعافيهم، انطلق بهم إلى نهر يقال له الحياة حافتاه قضب الذهب مكلل باللؤلؤ ترابه المسك، فألقوا فيه حتى تصلح ألوانهم ويبدو في نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها، حتى إذا صلحت ألوانهم أتى بهم الرحمن، فقال: تمنوا ما شئتم قال: فيتمنون، حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم: لكم الذي تمنيتم ومثله سبعين مرة. فيدخلون الجنة وفي نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها، يسمون مساكين الجنة. 11403 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حبيب، عن مجاهد، عن عبد الله بن الحارث، قال: أصحاب الاعراف يؤمر بهم إلى نهر يقال له الحياة، ترابه الورس والزعفران، وحافتاه قضب اللؤلؤ. قال: وأحسبه قال: مكلل باللؤلؤ. وقال: فيغتسلون فيه، فتبدو في نحورهم شامة بيضاء فيقال لهم: تمنوا فيقال لهم: لكم ما تمنيتم وسبعون ضعفا وإنهم مساكين أهل الجنة. قال حبيب: وحدثني رجل: أنهم استوت حسناتهم وسيئاتهم. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب بن ثابت، عن مجاهد، عن عبد الله بن الحارث، قال: أصحاب الاعراف ينتهى بهم إلى نهر يقال له الحياة، حافتاه قضب من ذهب قال سفيان: أراه قال: مكلل باللؤلؤ. قال: فيغتسلون منه اغتسالة، فتبدو في نحورهم شامة بيضاء، ثم يعودون فيغتسلون فيزدادون، فكلما اغتسلوا ازدادت بياضا، فيقال لهم: تمنوا ما شئتم فيتمنون ما شاءوا. فيقال لهم: لكم ما تمنيتم وسبعون ضعفا قال: فهم مساكين أهل الجنة. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن حصين، عن الشعبي، عن حذيفة، قال: أصحاب الاعراف: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فهم على سور بين الجنة والنار لم يدخلوها وهم يطمعون. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان ابن عباس يقول: الاعراف بين الجنة والنار، حبس عليه أقوام بأعمالهم. وكان يقول: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فلم تزد حسناتهم على سيئاتهم، ولا سيئاتهم على حسناتهم.
[ 252 ]
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: قال ابن عباس: أهل الاعراف: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم. 11404 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك، قال: أصحاب الاعراف: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم. 11405 - وقال: ثنا يحيى بن يمان، عن شريك، عن منصور، عن سعيد بن جبير، قال: أصحاب الاعراف استوت أعمالهم. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: أصحاب الاعراف: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فوقفوا هنالك على السور. 11406 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سفيع أو سميع قال أبو جعفر: كذا وجدت في كتاب سفيع عن أبي علقمة قال: أصحاب الاعراف: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم. وقال آخرون: كانوا قتلوا في سبيل الله عصاة لآبائهم في الدنيا. ذكر من قال ذلك: 11407 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن أبي مسعر، عن شرحبيل بن سعد، قال: هم قوم خرجوا في الغزو بغير إذن آبائهم. 11408 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني خالد، عن سعيد، عن يحيى بن شبل: أن رجلا من بني النضير أخبره عن رجل من بني هلال أن أباه أخبره أنه سأل رسول الله (ص) عن أصحاب الاعراف، فقال: هم قوم غزوا في سبيل الله عصاة لآبائهم، فقتلوا، فأعتقهم الله من النار بقتلهم في سبيله، وحبسوا عن الجنة بمعصية آبائهم، فهم آخر من يدخل الجنة. 11409 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا يزيد بن هارون، عن أبي معشر، عن يحيى بن شبل مولى بني هاشم، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: سئل رسول الله (ص) عن أصحاب الاعراف، فقال: قوم قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم، فمنعهم قتلهم في سبيل الله عن النار، ومنعتهم معصية آبائهم أن يدخلوا الجنة.
[ 253 ]
وقال آخرون: بل هم قوم صالحون فقهاء علماء. ذكر من قال ذلك: 11410 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد، قال: أصحاب الاعراف قوم صالحون، فقهاء علماء. وقال آخرون: بل هم ملائكة وليسوا ببني آدم. ذكر من قال ذلك: 11411 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي مجلز، قوله: وبينهما حجاب وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم قال: هم رجال من الملائكة يعرفون أهل الجنة وأهل النار. قال: ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم... إلى قوله: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. قال: فنادى أصحاب الاعراف رجالا في النار يعرفونهم بسيماهم: ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة قال: فهذا حين دخل أهل الجنة الجنة، ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون. 11412 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت عمران، قال: قلت لابي مجلز: يقول الله: وعلى الاعراف رجال وتزعم أنت أنهم الملائكة ؟ قال: فقال: إنهم ذكور وليسوا بإناث. 11413 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: وعلى الاعراف رجال قال: رجال من الملائكة يعرفون الفريقين جميعا بسيماهم، أهل النار وأهل الجنة، وهذا قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن أبي عدي، عن التيمي، عن أبي مجلز، بنحوه. 11414 - وقال: ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن التيمي، عن أبي مجلز، قال: أصحاب الاعراف الملائكة. حدثني المثنى، قال: ثنا يعلى بن أسد، قال: ثنا خالد، قال: أخبرنا التيمي، عن أبي مجلز: وعلى الاعراف رجال قال: هم الملائكة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز: وعلى الاعراف رجال قال: هم الملائكة. قلت: يا أبا مجلز يقول الله تبارك وتعالى رجال، وأنت تقول ملائكة ؟ قال: إنهم ذكران ليسوا بإناث.
[ 254 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز، في قوله: وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم قال: الملائكة، قال: قلت: يقول الله رجال، قال: الملائكة ذكور. قال أبو جعفر: والصواب من القول في أصحاب الاعراف أن يقال كما قال الله جل ثناؤه فيهم: هم رجال يعرفون كلا من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم، ولا خبر عن رسول الله (ص) يصح سنده ولا أنه متفق على تأويلها، ولا إجماع من الامة على أنهم ملائكة. فإذ كان ذلك كذلك، وكان ذلك لا يدرك قياسا، وكان المتعارف بين أهل لسان العرب أن الرجال اسم يجمع ذكور بني آدم دون إناثهم ودون سائر الخلق غيرهم، كان بينا أن ما قاله أبو مجلز من أنهم ملائكة قول لا معنى له، وأن الصحيح من القول في ذلك ما قاله سائر أهل التأويل غيره. هذا مع من قال بخلافه من أصحاب رسول الله (ص)، ومع ما روي عن رسول الله (ص) في ذلك من الاخبار وإن كان في أسانيدها ما فيها. وقد: 11415 - حدثني القاسم، قال: ثني الحسين، قال: ثني جرير عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، قال: سئل رسول الله (ص) عن أصحاب الاعراف، فقال: هم آخر من يفصل بينهم من العباد، وإذا فرغ رب العالمين من فصله بين العباد، قال: أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار ولم تدخلكم الجنة، وأنتم عتقائي فارعوا من الجنة حيث شئتم. القول في تأويل قوله تعالى: يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون. يقول تعالى ذكره: وعلى الاعراف رجال يعرفون أهل الجنة بسيماهم، وذلك بياض وجوههم ونضرة النعيم عليها. ويعرفون أهل النار كذلك بسيماهم، وذلك سواد وجوههم وزرقة أعينهم، فإذا رأوا أهل الجنة نادوهم: سلام عليكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11416 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن
[ 255 ]
علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم قال: يعرفون أهل النار بسواد الوجوه، وأهل الجنة ببياض الوجوه. 11417 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم قال: أنزلهم الله بتلك المنزلة ليعرفوا من في الجنة والنار، وليعرفوا أهل النار بسواد الوجوه، ويتعوذوا بالله أن يجعلهم مع القوم الظالمين، وهم في ذلك يحيون أهل الجنة بالسلام، لم يدخلوها وهم يطمعون أن يدخلوها، وهم داخلوها إن شاء الله. 11418 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: بسيماهم قال: بسواد الوجوه وزرقة العيون. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم الكفار بسواد الوجوه وزرقة العيون، وسيما أهل الجنة مبيضة وجوههم. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: أصحاب الاعراف إذا رأوا أصحاب الجنة عرفوهم ببياض الوجوه، وإذا رأوا أصحاب النار عرفوهم بسواد الوجوه. 11419 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: إن أصحاب الاعراف رجال كانت لهم ذنوب عظام، وكان حسم أمرهم لله، فأقيموا ذلك المقام إذا نظروا إلى أهل النار عرفوهم بسواد الوجوه، فقالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين وإذا نظروا إلى أهل الجنة عرفوهم ببياض الوجوه، فذلك قوله: ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون. 11420 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك، في قوله: وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم زعموا أن أصحاب الاعراف رجال من أهل الذنوب أصابوا ذنوبا وكان حسم أمرهم لله، فجعلهم الله على الاعراف، فإذا نظروا إلى أهل النار عرفوهم بسواد الوجوه، فتعوذوا بالله من النار وإذا نظروا إلى أهل الجنة، نادوهم أن سلام عليكم، قال الله: لم يدخلوها وهم يطمعون. قال: وهذا قول ابن عباس.
[ 256 ]
11421 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: يعرفون كلا بسيماهم يعرفون الناس بسيماهم، يعرفون أهل النار بسواد وجوههم، وأهل الجنة ببياض وجوههم. 11422 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يعرفون كلا بسيماهم يعرفون أهل النار بسواد وجوههم، وأهل الجنة ببياض وجوههم. 11423 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم قال: أهل الجنة بسيماهم بيض الوجوه، وأهل النار بسيماهم سود الوجوه. قال: وقوله يعرفون كلا بسيماهم قال: أصحاب الجنة وأصحاب النار، ونادوا أصحاب الجنة، قال: حين رأوا وجوههم قد ابيضت. 11424 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: يعرفون كلا بسيماهم قال: بسواد الوجوه. 11425 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن مبارك، عن الحسن: بسيماهم قال: بسواد الوجوه، وزرقة العيون. والسيماء: العلامة الدالة على الشئ في كلام العرب، وأصله من السمة نقلت واوها التي هي فاء الفعل إلى موضع العين، كما يقال: اضمحل وامضحل. وذكر سماعا عن بعض بني عقيل: هي أرض خامة، يعني: وخمة ومنه قولهم: له جاه عند الناس، بمعنى: وجه، نقلت واوه إلى موضع عين الفعل وفيها لغات ثلاث: سيما مقصورة، وسيماء ممدودة، وسيمياء بزيادة ياء أخرى بعد الميم فيها ومدها على مثال الكبرياء، كما قال الشاعر: غلام رماه الله بالحسن إذ رمى له سيمياء لا تشق على البصر وأما قوله: ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون أي حلت عليهم أمنة الله من عقابه وأليم عذابه.
[ 257 ]
واختلف أهل التأويل في المعني بقوله: لم يدخلوها وهم يطمعون فقال بعضهم: هذا خبر من الله عن أهل الاعراف أنهم قالوا لاهل الجنة ما قالوا قبل دخول أصحاب الاعراف، غير أنهم قالوه وهم يطمعون في دخولها. ذكر من قال ذلك: 11426 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: أهل الاعراف يعرفون الناس، فإذا مروا عليهم بزمرة يذهب بها إلى الجنة قالوا: سلام عليكم يقول الله لاهل الاعراف: لم يدخلوها وهم يطمعون أن يدخلوها. 11427 - حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: تلا الحسن: لم يدخلوها وهم يطمعون قال: والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم إلا لكرامة يريدها بهم. 11428 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لم يدخلوها وهم يطمعون قال: أنبأكم الله بمكانهم من الطمع. 11429 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن أبي بكر الهذلي، قال: قال سعيد بن جبير، وهو يحدث ذلك عن ابن مسعود، قال: أما أصحاب الاعراف، فإن النور كان في أيديهم فانتزع من أيديهم يقول الله: لم يدخلوها وهم يطمعون قال: في دخولها. قال ابن عباس: فأدخل الله أصحاب الاعراف الجنة. 11430 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة وعطاء: لم يدخلوها وهم يطمعون قالا: في دخولها. وقال آخرون: إنما عني بذلك أهل الجنة، وأن أصحاب الاعراف يقولون لهم قبل أن يدخلوا الجنة: سلام عليكم، وأهل الجنة يطمعون أن يدخلوها، ولم يدخلوها بعد. ذكر من قال ذلك: 11431 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا جرير، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون قال: الملائكة يعرفون الفريقين جميعا بسيماهم، وهذا قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة أصحاب الاعراف، ينادون أصحاب الجنة: أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون في دخولها. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 258 ]
* (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) *. يقول تعالى ذكره: وإذا صرفت أبصار أصحاب الاعراف تلقاء أصحاب النار يعني: حيالهم ووجاههم فنظروا إلى تشويه الله لهم، قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين الذين ظلموا أنفسهم فأكسبوها من سخطك ما أورثهم من عذابك ما هم فيه. 11432 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: وإذا مروا بهم، يعني بأصحاب الاعراف بزمرة يذهب بها إلى النار، قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. 11433 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: إن أصحاب الاعراف إذا نظروا إلى أهل النار وعرفوهم قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. 11434 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي مكين، عن أخيه، عن عكرمة: وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قال: تحرد وجوههم للنار، فإذا رأوا أهل الجنة ذهب ذلك عنهم. 11435 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد في قوله: وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار فرأوا وجوههم مسودة وأعينهم مزرقة، قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. القول في تأويل قوله تعالى: * (ونادى أصحاب الاعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا مآ أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون) *. يقول جل ثناؤه: ونادى أصحاب الاعراف رجالا من أهل الارض يعرفونهم بسيماهم سيما أهل النار، قالوا ما أغنى عنكم جمعكم ما كنتم تجمعون من الاموال والعدد في الدنيا، وما كنتم تستكبرون يقول: وتكبركم الذي كنتم تتكبرون فيها. كما: 11436 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: فمر بهم يعني بأصحاب الاعراف ناس من الجبارين عرفوهم بسيماهم قال: يقول: قال أصحاب الاعراف: ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون.
[ 259 ]
11437 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ونادى أصحاب الاعراف رجالا قال: في النار، يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وتكبركم، وما كنتم تستكبرون. 11438 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: ونادى أصحاب الاعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون قال: هذا حين دخل أهل الجنة الجنة، أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة... الآية. قلت لابي مجلز: عن ابن عباس ؟ قال: لا بل عن غيره. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: ونادى أصحاب الاعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قال: نادت الملائكة رجالا في النار يعرفونهم بسيماهم: ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة قال: هذا حين دخل أهل الجنة الجنة، ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون. 11439 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ونادى أصحاب الاعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم فالرجال عظماء من أهل الدنيا قال: فبهذه الصفة عرف أهل الاعراف أهل الجنة من أهل النار. وإنما ذكر هذا حين يذهب رئيس أهل الخير ورئيس أهل الشر يوم القيامة. قال: وقال ابن زيد في قوله: ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون قال: على أهل طاعة الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) *. اختلف أهل التأويل في المعنيين بهذا الكلام، فقال بعضهم: هذا قيل الله لاهل النار توبيخا لهم على ما كان من قيلهم في الدنيا لاهل الاعراف عند إدخاله أصحاب الاعراف الجنة. ذكر من قال ذلك: 11440 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قال: أصحاب الاعراف: رجال كانت لهم ذنوب عظام، وكان حسم أمرهم لله، يقومون على الاعراف، فإذا نظروا إلى أهل الجنة طمعوا أن يدخلوها، وإذا
[ 260 ]
نظروا إلى أهل النار تعوذوا بالله منها، فأدخلوا الجنة. فذلك قوله تعالى: أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة يعني أصحاب الاعراف، ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون. 11441 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، قال: قال ابن عباس: إن الله أدخل أصحاب الاعراف الجنة لقوله: ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون. 11442 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: قال الله لاهل التكبر والاموال: أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة يعني أصحاب الاعراف، ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون. 11443 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أهؤلاء الضعفاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون. قال: فقال حذيفة: أصحاب الاعراف قوم تكافأت أعمالهم فقصرت بهم حسناتهم عن الجنة، وقصرت بهم سيئاتهم عن النار، فجعلوا على الاعراف يعرفون الناس بسيماهم. فلما قضي بين العباد، أذن لهم في طلب الشفاعة، فأتوا آدم عليه السلام، فقالوا: يا آدم أنت أبونا فاشفع لنا عند ربك فقال: هل تعلمون أحدا خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وسبقت رحمة الله إليه غضبه وسجدت له الملائكة غيري ؟ فيقولون لا. قال: فيقول: ما علمت كنه ما أستطيع أن أشفع لكم، ولكن ائتوا ابني إبراهيم قال: فيأتون إبراهيم عليه السلام، فيسألونه أن يشفع لهم عند ربه، فيقول هل تعلمون من أحد اتخذه الله خليلا ؟ هل تعلمون أحدا أحرقه قومه في النار في الله غيري ؟ فيقولون: لا فيقول: ما علمت كنه ما أستطيع أن أشفع لكم، ولكن ائتوا ابني موسى فيأتون موسى عليه السلام، فيقول: هل تعلمون من أحد كلمه الله تكليما وقربه نجيا غيري ؟ فيقولون: لا، فيقول: ما علمت كنه ما أستطيع أن أشفع لكم، ولكن ائتوا عيسى فيأتونه فيقولون: اشفع لنا عند ربك فيقول: هل تعلمون أحدا خلقه الله من غير أب غيري ؟ فيقولون: لا، فيقول: هل تعلمون من أحد كان يبرئ الاكمه والابرص ويحيي الموتى بإذن الله غيري ؟ قال: فيقولون: لا، قال: فيقول: أنا حجيج نفسي، ما علمت كنه ما أستطيع أن أشفع لكم، ولكن ائتوا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله (ص): فيأتوني، فأضرب بيدي على صدري ثم أقول: أنا لها. ثم أمشي حتى أقف بين يدي العرش، فأثني
[ 261 ]
على ربي، فيفتح لي من الثناء ما لم يسمع السامعون بمثله قط، ثم أسجد فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول: رب أمتي فيقال: هم لك. فلا يبقى نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا غبطني يومئذ بذلك المقام، وهو المقام المحمود. قال: فآتي بهم باب الجنة فأستفتح، فيفتح لي ولهم، فيذهب بهم إلى نهر يقال له نهر الحياة، حافتاه قضب من ذهب مكلل باللؤلؤ، ترابه المسك، وحصباؤه الياقوت، فيغتسلون منه، فتعود إليهم ألوان أهل الجنة وريحهم، ويصيرون كأنهم الكواكب الدرية، ويبقى في صدرهم شامات بيض يعرفون بها، يقال لهم مساكين أهل الجنة. 11444 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك، قال: إن الله أدخلهم بعد أصحاب الجنة، وهو قوله: ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون يعني أصحاب الاعراف. وهذا قول ابن عباس. فتأويل الكلام على هذا التأويل الذي ذكرنا عن ابن عباس، ومن ذكرنا قوله فيه: قال الله لاهل التكبر عن الاقرار بوحدانية الله والاذعان لطاعته وطاعة رسله الجامعين في الدنيا الاموال مكاثرة ورياء: أيها الجبابرة الذين كانوا في الدنيا، أهؤلاء الضعفاء الذين كنتم في الدنيا أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ؟ قال: قد غفرت لهم ورحمتهم بفضلي ورحمتي، ادخلوا يا أصحاب الاعراف الجنة، لا خوف عليكم بعدها من عقوبة تعاقبون بها على ما سلف منكم في الدنيا من الآثام والاجرام، ولا أنتم تحزنون على شئ فاتكم في دنياكم وقال أبو مجلز: بل هذا القول خبر من الله عن قيل الملائكة لاهل النار بعد ما دخلوا النار تعييرا منهم لهم على ما كانوا يقولون في الدنيا للمؤمنين الذين أدخلهم الله يوم القيامة جنته. وأما قوله: ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون فخبر من الله عن أمره أهل الجنة بدخولها. 11445 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز، قال: نادت الملائكة رجالا في النار يعرفونهم بسيماهم: ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ؟ قال: فهذا حين يدخل أهل الجنة الجنة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 262 ]
* (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين) *. وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن استغاثة أهل النار بأهل الجنة عند نزول عظيم البلاء بهم من شدة العطش والجوع، عقوبة من الله لهم على ما سلف منهم في الدنيا من ترك طاعة الله وأداء ما كان فرض عليهم فيها في أموالهم من حقوق المساكين من الزكاة والصدقة. يقول تعالى ذكره: ونادى أصحاب النار بعد ما دخلوها أصحاب الجنة بعد ما سكنوها أن يا أهل الجنة: أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله أي أطعمونا مما رزقكم الله من الطعام. كما: 11446 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قال: من الطعام. 11447 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قال: يستطعمونهم ويستسقونهم. فأجابهم أهل الجنة: إن الله حرم الماء والطعام على الذين جحدوا توحيده وكذبوا في الدنيا رسله. والهاء والميم في قوله: إن الله حرمهما عائدتان على الماء، وعلى ما التي في قوله: أو مما رزقكم الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11448 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عثمان الثقفي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قال: ينادي الرجل أخاه أو أباه، فيقول: قد احترقت، أفض علي من الماء فيقال لهم: أجيبوهم فيقولون: إن الله حرمهما على الكافرين. 11449 - وحدثني المثنى، قال: ثنا ابن دكين، قال: ثنا سفيان، عن عثمان، عن سعيد بن جبير: ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قال: ينادي الرجل أخاه: يا أخي قد احترقت فأغثني فيقول: إن الله حرمهما على الكافرين. 11450 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 263 ]
قالوا إن الله حرمهما على الكافرين قال: طعام أهل الجنة وشرابها. القول في تأويل قوله تعالى: * (الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون) *. وهذا خبر من الله عن قيل أهل الجنة للكافرين، يقول تعالى ذكره: فأجاب أهل الجنة أهل النار: إن الله حرمهما على الكافرين الذين كفروا بالله ورسله، الذين أتخذوا دينهم الذي أمرهم الله به لهوا ولعبا يقول: سخرية ولعبا. وروي عن ابن عباس في ذلك ما: 11451 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قولهالذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا... الآية. قال: وذلك أنهم كانوا إذا دعوا إلى الايمان سخروا ممن دعاهم إليه وهزءوا به اغترارا بالله. وغرتهم الحياة الدنيا يقول: وخدعهم عاجل ما هم فيه من العيش والخفض والدعة عن الاخذ بنصيبهم من الآخرة حتى أتتهم المنية يقول الله جل ثناؤه: فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا أي ففي هذا اليوم وذلك يوم القيامة ننساهم، يقول: نتركهم في العذاب المبين جياعا عطاشا بغير طعام ولا شراب، كما تركو العمل للقاء يومهم هذا ورفضوا الاستعداد له بإتعاب أبدانهم في طاعة الله. وقد بينا معنى قوله ننساهم بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11452 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد: فاليوم ننساهم قال: نسوا في العذاب. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فاليوم ننساهم قال: نتركهم كما تركوا لقاء يومهم هذا. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ننساهم قال: نتركهم في النار.
[ 264 ]
11453 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاية، عن علي، عن ابن عباس: فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا قال: نتركهم من الرحمة كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا. 11454 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا... الآية: يقول: نسيهم الله من الخير، ولم ينسهم من الشر. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد، قال: سمعت مجاهدا في قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا قال: نؤخرهم في النار. وأما قوله: وما كانوا بآياتنا يجحدون فإن معناه: اليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا، وكما كانوا بآياتنا يجحدون. ما التي في قوله: وما كانوا معطوفة على ما التي في قوله: كما نسوا. وتأويل الكلام: فاليوم نتركهم في العذاب، كما تركوا العمل في الدنيا للقاء الله يوم القيامة، وكما كانوا بآيات الله يجحدون، وهي حججه التي احتج بها عليهم من الانبياء والرسل والكتب وغير ذلك. يجحدون: يكذبون ولا يصدقون بشئ من ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون) *. يقول تعالى ذكره: أقسم يا محمد لقد جئنا هؤلاء الكفرة بكتاب، يعني القرآن الذي أنزله إليهم، يقول: لقد أنزلنا إليهم هذا القرآن مفصلا مبينا فيه الحق من الباطل، على علم يقول: على علم منا بحق ما فصل فيه من الباطل الذي ميز فيه بينه وبين الحق، هدى ورحمة يقول: بيناه ليهتدي ويرحم به قوم يصدقون به وبما فيه من أمر الله ونهيه وأخباره ووعده ووعيده، فينقذهم به من الضلالة إلى الهدى. وهذه الآية مردودة على قوله: كتاب أنزلناه إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين. ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم والهدى في موضع نصب على القطع من الهاء
[ 265 ]
التي في قوله: فصلناه ولو نصب على فعل فصلناه، فيكون المعنى: فصلنا الكتاب كذلك كان صحيحا ولو قرئ هدى ورحمة كان في الاعراب فصيحا، وكان خفض ذلك بالرد على الكتاب. القول في تأويل قوله تعالى: * (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنآ أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون) *. يقول تعالى ذكره: هل ينظرون إلا تأويله هل ينتظر هؤلاء المشركون الذين يكذبون بآيات الله ويجحدون لقاءه، إلا تأويله ؟ يقول: إلا ما يؤول إليه أمرهم من ورودهم على عذاب الله، وصليهم جحيمه، وأشباه هذا مما أوعدهم الله به. وقد بينا معنى التأويل فيما مضى بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11455 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: هل ينظرون إلا تأويله: أي ثوابه يوم يأتي تأويله أي ثوابه. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، قال: ثنا معمر، عن قتادة: هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله قال: تأويله: عاقبته. 11456 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: هل ينظرون إلا تأويله قال: جزاءه، يوم يأتي تأويله قال: جزاؤه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن أبي زائدة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 11457 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: هل ينظرون إلا تأويله أما تأويله: فعواقبه مثل وقعة بدر، والقيامة، وما وعد فيه من موعد. 11458 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله: هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من
[ 266 ]
قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فلا يزال يقع من تأويله أمر حتى يتم تأويله يوم القيامة، ففي ذلك أنزل: هل ينظرون إلا تأويله حيث أثاب الله تبارك وتعالى أولياءه وأعداءه ثواب أعمالهم، يقول يومئذ الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق... الآية. 11459 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله قال: يوم القيامة. 11460 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يوم يأتي تأويله قال: يأتي تحقيقه. وقرأ قول الله تعالى: هذا تأويل رؤياي من قبل قال: هذا تحقيقها. وقرأ قول الله: وما يعلم تأويله إلا الله قال: ما يعلم حقيقته ومتى يأتي إلا الله تعالى. وأما قوله: يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل فإن معناه: يوم يجئ ما يئول إليه أمرهم من عقاب الله، يقول الذين نسوه من قبل: أي يقول الذين ضيعوا وتركوا ما أمروا به من العمل المنجيهم مما آل إليه أمرهم يومئذ من العذاب من قبل ذلك في الدنيا: لقد جاءت رسل ربنا بالحق أقسم المساكين حين عاينوا البلاء وحل بهم العقاب أن رسل الله التي أتتهم بالنذارة وبلغتهم عن الله الرسالة، قد كانت نصحت لهم وصدقتهم عن الله، وذلك حين لا ينفعهم التصديق ولا ينجيهم من سخط الله وأليم عقابه كثرة القيل والقال. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11461 - حدثني محمد بن عمرو بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق أما الذين نسوه فتركوه، فلما رأوا ما وعدهم أنبياؤهم استيقنوا فقالوا: قد جاءت رسل ربنا بالحق. 11462 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يقول الذين نسوه قال: أعرضوا عنه.
[ 267 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. القول في تأويل قوله تعالى: فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون. وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم أنهم يقولون عند حلول سخط الله بهم وورودهم أليم عذابه ومعاينتهم تأويل ما كانت رسل الله تعدهم: هل لنا من أصدقاء وأولياء اليوم، فيشفعوا لنا عند ربنا، فتنجينا شفاعتهم عنده مما قد حل بنا من سوء فعالنا في الدنيا، أو نرد إلى الدنيا مرة أخرى، فنعمل فيها بما يرضيه ويعتبه من أنفسنا ؟ قال: هذا القول المساكين هنالك، لانهم كانوا عهدوا في الدنيا أنفسهم لها شفعاء تشفع لهم في حاجاتهم، فيذكروا ذلك في وقت لا خلة فيه لهم ولا شفاعة، يقول الله جل ثناؤه: قد خسروا أنفسهم يقول: غبنوا أنفسهم حظوظها ببيعهم ما لا خطر له من نعيم الآخرة الدائم بالخسيس من عرض الدنيا الزائل، وضل عنهم ما كانوا يفترون يقول: وأسلمهم لعذاب الله، وحاد عنهم أولياؤهم الذين كانوا يعبدونهم من دون الله، ويزعمون كذبا وافتراء أنهم أربابهم من دون الله. 11463 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: قد خسروا أنفسهم يقول: شروها بخسران. وإنما رفع قوله أو نرد ولم ينصب عطفا على قوله: فيشفعوا لنا لان المعنى: هل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا، أو هل نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل. ولم يرد به العطف على قوله فيشفعوا لنا. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين) *. يقول تعالى ذكره: إن سيدكم ومصلح أموركم أيها الناس، هو المعبود الذي له العبادة من كل شئ الذي خلق السموات والارض في ستة أيام، وذلك يوم الاحد والاثنين والثلاثاء والاربعاء والخميس والجمعة. كما:
[ 268 ]
11464 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن مجاهد، قال: بدء الخلق: العرش والماء والهواء، وخلقت الارض من الماء، وكان بدء الخلق يوم الاحد والاثنين والثلاثاء والاربعاء والخميس، وجمع الخلق في يوم الجمعة، وتهودت اليهود يوم السبت، ويوم من الستة الايام كألف سنة مما تعدون. ثم استوى على العرش وقد ذكرنا معنى الاستواء واختلاف الناس فيه فيما مضى قبل لما أغنى عن إعادته. وأما قوله: يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا فإنه يقول: يورد الليل على النهار فيلبسه إياه، حتى يذهب نضرته ونوره. يطلبه يقول: يطلب الليل النهار حثيثا يعني سريعا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11465 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن على بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يطلبه حثيثا يقول: سريعا. 11466 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا قال: يغشي الليل النهار بضوئه، ويطلبه سريعا حتى يدركه. القول في تأويل قوله تعالى: والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين. يقول تعالى ذكره: إن ربكم الله الذي خلق السموات والارض والشمس والقمر والنجوم، كل ذلك بأمره، أمرهن الله فأطعن أمره، ألا لله الخلق كله، والامر الذي لا يخالف ولا يرد أمره دون ما سواه من الاشياء كلها، ودون ما عبده المشركون من الآلهة والاوثان التي لا تضر ولا تنفع ولا تخلق ولا تأمر، تبارك الله معبودنا الذي له عبادة كل شئ رب العالمين. 11467 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام أبو عبد الرحمن، قال: ثنا بقية بن الوليد، قال: ثني عبد الغفار بن عبد العزيز الانصاري، عن عبد العزيز الشامي، عن أبيه، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله (ص): من لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح، وحمد نفسه، قل شكره وحبط عمله. ومن زعم أن الله جعل للعباد من الامر
[ 269 ]
شيئا فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه لقوله: ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين. القول في تأويل قوله تعالى: * (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين) *. يقول تعالى ذكره: ادعوا أيها الناس ربكم وحده، فأخلصوا له الدعاء دون ما تدعون من دونه من الآلهة والاصنام. تضرعا يقول: تذللا واستكانة لطاعته. وخفية يقول: بخشوع قلوبكم وصحة اليقين منكم بوحدانيته فيما بينكم وبينه، لا جهارا مراءاة، وقلوبكم غير موقنة بوحدانيته وربوبيته، فعل أهل النفاق والخداع لله ولرسوله. كما: 11468 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن المبارك فضالة، عن الحسن، قال: إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر جاره، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوار وما يشعرون به. ولقد أدركنا أقواما ما كان على الارض من عمل يقدرون على أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدا. ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم وذلك أن الله يقول: ادعوا ربكم تضرعا وخفية وذلك أن الله ذكر عبدا صالحا، فرضي فعله فقال: إذ نادى ربه نداء خفيا. 11469 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عاصم الاحول، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى، قال: كان النبي (ص) في غزاة، فأشرفوا على واد يكبرون ويهللون ويرفعون أصواتهم، فقال: أيها الناس اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا معكم. 11470 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قوله: ادعوا ربكم تضرعا وخفية قال: السر.
[ 270 ]
وأما قوله: إنه لا يحب المعتدين فإن معناه: إن ربكم لا يحب من اعتدى فتجاوز حده الذي حده لعباده في دعائه ومسألته ربه، ورفعه صوته فوق الحد الذي حد لهم في دعائهم إياه ومسألتهم وفي غير ذلك من الامور. كما: 11471 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا معتمر بن سليمان، قال: أنبأنا إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان عن عباد بن عباد، عن علقمة، عن أبي مجلز: ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين قال: لا يسأل منازل الانبياء عليهم السلام. 11472 - حدثني القاسم قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: إنه لا يحب المعتدين في الدعاء ولا في غير. قال ابن جريج: إن من الدعاء اعتداء يكره رفع الصوت والنداء والصياح بالدعاء، ويؤمر بالتضرع والاستكانة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين) *. يعني تعالى ذكره بقوله: ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها لا تشركوا بالله في الارض ولا تعصوه فيها وذلك هو الفساد فيها. وقد ذكرنا الرواية في ذلك فيما مضى وبينا معناه بشواهده. بعد إصلاحها يقول: بعد إصلاح الله إياها لاهل طاعته بابتعاثه فيهم الرسل دعاة إلى الحق، وإيضاحه حججه لهم. وادعوه خوفا وطمعا يقول: وأخلصوا له الدعاء والعمل، ولا تشركوا في عملكم له شيئا غيره من الآلهة والاصنام وغير ذلك، وليكن ما يكون منكم في ذلك خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه وإن من كان دعاؤه إياه على غير ذلك فهو بالآخرة من المكذبين، لان من لم يخف عقاب الله ولم يرج ثوابه لم يبال ما ركب من أمر يسخطه الله ولا يرضاه. إن رحمة الله قريب من المحسنين يقول تعالى ذكره: إن ثواب الله الذي وعد المحسنين على إحسانهم في الدنيا قريب منهم. وذلك هو رحمته لانه ليس بينهم وبين أن يصيروا إلى ذلك من رحمته وما أعد لهم من كرامته، إلا أن تفارق أرواحهم أجسادهم ولذلك من المعنى ذكر قوله: قريب وهو من خبر الرحمة والرحمة مؤنثة، لانه أريد به القرب في الوقت لا في النسب والاوقات بذلك المعنى، إذا رفعت أخبارا للاسماء أجرتها العرب مجرى الحال فوحدتها مع الواحد والاثنين والجميع وذكرتها مع المؤنث، فقالوا: كرامة الله بعيد من فلان، وهي قريب من فلان، كما يقولون: هند
[ 271 ]
قريب منا، والهندان منا قريب، والهندات منا قريب، لان معنى ذلك: هي في مكان قريب منا، فإذا حذفوا المكان وجعلوا القريب خلفا منه، ذكروه ووحدوه في الجمع، كما كان المكان مذكرا وموحدا في الجمع. وأما إذا أنثوه أخرجوه مثنى مع الاثنين ومجموعا مع الجميع فقالوا: هي قريبة، منا، وهما منا قريبتان، كما قال عروة بن الورد: عشية لا عفراء منك قريبة فتدنو ولا عفراء منك بعيد فأنث قريبة، وذكر بعيدا على ما وصفت. ولو كان القريب من القرابة في النسب لم يكن مع المؤنث إلا مؤنثا ومع الجمع إلا مجموعا. وكان بعض نحويي البصرة يقول: ذكر قريب وهو صفة للرحمة، وذلك كقول العرب: ريح خريق، وملحفة جديد، وشاة سديس. قال: وإن شئت قلت: تفسير الرحمة ههنا المطر ونحوه، فلذلك ذكر كما قال: وإن كان طائفة منكم آمنوا فذكر لانه أراد الناس، وإن شئت جعلته كبعض ما يذكرون من المؤنث، كقول الشاعر: (ولا أرض أبقل إبقالها) وقد أنكر ذلك من قيله بعض أهل العربية، ورأى أنه يلزمه إن جاز أن يذكر قريبا توجيها منه للرحمة إلى معنى المطر أن يقول: هند قام، توجيها منه لهند وهي امرأة إلى معنى إنسان، ورأى أن ما شبه به قوله: إن رحمة الله قريب من المحسنين بقوله: وإن كان طائفة منكم آمنوا غير مشبهة، وذلك أن الطائفة فيما زعم مصدر بمعنى الطيف، كما الصيحة والصياح بمعنى، ولذلك قيل: وأخذ الذين ظلموا الصيحة. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 272 ]
* (وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون) *. يقول تعالى ذكره: إن ربكم الذي خلق السموات والارض والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره هو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته. والنشر بفتح النون وسكون الشين في كلام العرب من الرياح الطيبة اللينة الهبوب التي تنشئ السحاب، وكذلك كل ريح طيبة عندهم فهي نشر ومنه قول امرئ القيس: كأن المدام وصوب الغمام وريح الخزامى ونشر القطر وبهذه القراءة قرأ ذلك عامة قراء الكوفيين خلا عاصم بن أبي النجود، فإنه كان يقرؤه: بشرا على اختلاف عنه فيه، فروى ذلك بعضهم عنه: بشرا بالباء وضمها وسكون الشين، وبعضهم بالباء وضمها وضم الشين، وكان يتأول في قراءته ذلك كذلك قوله: ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات: تبشر بالمطر، وأنه جمع بشير بشرا، كما يجمع النذير نذرا. وأما قراء المدينة وعامة المكيين والبصريين، فإنهم قرءوا ذلك: وهو الذي يرسل الرياح نشرا بضم النون والشين، بمعنى جمع نشور جمع نشرا، كما يجمع الصبور صبرا، والشكور شكرا. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: معناها إذا قرئت كذلك أنها الريح التي تهب من كل ناحية وتجئ من كل وجه. وكان بعضهم يقول: إذا قرئت بضم النون فينبغي أن تسكن شينها، لان ذلك لغة بمعنى النشر بالفتح وقال: العرب تضم النون من النشر أحيانا، وتفتح أحيانا بمعنى واحد. قال: فاختلاف القراء في
[ 273 ]
ذلك على قدر اختلافها في لغتها فيه. وكان يقول: هو نظير الخسف والخسف بفتح الخاء وضمها. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن قراءة من قرأ ذلك نشرا ونشرا بفتح النون وسكون الشين وبضم النون والشين قراءتان مشهورتان في قرأة الامصار، فلا أحب القراءة بها، وإن كان لها معنى صحيح ووجه مفهوم في المعنى والاعراب لما ذكرنا من العلة وأما قوله بين يدي رحمته فإنه يقول قدام رحمته وأمامها والعرب كذلك تقول لكل شئ حدث قدام شئ وأمامه جاء بين يديه لان ذلك من كلامهم جرى في إخبارهم عن بني آدم وكثر استعمال فيهم حتى قالوا ذلك في غير ابن آدم وما لا يدله والرحمة التي ذكرها جل ثناؤه في هذا الموضع المطر. فمعنى الكلام إذن: والله الذي يرسل الرياح لينا هبوبها، طيبا نسيمها، أمام غيثه الذي يسوقه بها إلى خلقه، فينشئ بها سحابا ثقالا، حتى إذا أقلتها، والاقلال بها: حملها، كما يقال: استقل البعير بحمله وأقله: إذا حمله فقام به. ساقه الله لاحياء بلد ميت قد تعفت مزارعه ودرست مشاربه وأجدب أهله، فأنزل به المطر وأخرج به من كل الثمرات. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11473 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط عن السدي: وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته... إلى قوله: لعلكم تذكرون قال: إن الله يرسل الريح، فتأتي بالسحاب من بين الخافقين طرف السماء والارض من حيث يلتقيان، فيخرجه من ثم، ثم ينشره فيبسطه في السماء كيف يشاء، ثم يفتح أبواب السماء، فيسيل الماء على السحاب، ثم يمطر السحاب بعد ذلك. وأما رحمته: فهو المطر. وأما قوله: كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون فإنه يقول تعالى ذكره: كما نحيي هذا البلد الميت بما ننزل به من الماء الذي ننزله من السحاب، فنخرج به من الثمرات بعد موته وجدوبته وقحوط أهله، كذلك نخرج الموتى من قبورهم أحياء بعد فنائهم ودروس آثارهم. لعلكم تذكرون يقول تعالى ذكره للمشركين به من عبدة الاصنام،
[ 274 ]
المكذبين بالبعث بعد الممات، المنكرين للثواب والعقاب: ضربت لكم أيها القوم هذا المثل الذي ذكرت لكم من إحياء البلد الميت بقطر المطر الذي يأتي به السحاب، الذي تنشره الرياح التي وصفت صفتها لتعتبروا فتذكروا وتعلموا أن من كان ذلك من قدرته فيسير في إحياء الموتى بعد فنائها وإعادتها خلقا سويا بعد دروسها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11474 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون وكذلك تخرجون، وكذلك النشور، كما نخرج الزرع بالماء. وقال أبو هريرة: إن الناس إذا ماتوا في النفخة الاولى أمطر عليهم من ماء تحت العرش يدعى ماء الحيوان أربعين سنة فينبتون كما ينبت الزرع من الماء، حتى إذا استكملت أجسامهم نفخ فيهم الروح، ثم يلقي عليهم نومة، فينامون في قبورهم، فإذا نفخ في الصور الثانية، عاشوا وهم يجدون طعم النوم في رؤوسهم وأعينهم، كما يجد النائم حين يستيقظ من نومه، فعند ذلك يقولون: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا فناداهم المنادي هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون. 11475 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: كذلك نخرج الموتى قال: إذا أراد الله أن يخرج الموتى أمطر السماء حتى تتشقق عنهم الارض، ثم يرسل الارواح فتعود كل روح إلى جسدها، فكذلك يحيي الله الموتى بالمطر كإحيائه الارض. القول في تأويل قوله تعالى: * (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون) *. يقول تعالى ذكره: والبلد الطيبة تربته العذبة مشاربه، يخرج نباته إذا أنزل الله الغيث وأرسل عليه الحيا بإذنه طيبا ثمره في حينه ووقته. والذي خبث فردؤت تربته وملحت مشاربه، لا يخرج نباته إلا نكدا يقول: إلا عسرا في شدة، كما قال الشاعر:
[ 275 ]
لا تنجر الوعد إن وعدت وإن أعطيت أعطيت تافها نكدا يعني بالتافه: القليل، وبالنكد، العسر، يقال منه: نكد ينكد نكدا ونكدا، فهو نكد ونكد، والنكد المصدر، ومن أمثالهم نكدا وجحدا ونكدا وجحدا، والجحد: الشدة والضيق، ويقال إذا شفه وسئل قد نكدوه ينكدونه نكدا، كما قال الشاعر: وأعط ما أعطيته طيبالا خير في المنكود والناكد واختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأه بعض أهل المدينة: إلا نكدا بفتح الكاف. وقرأه بعض الكوفيين بسكون الكاف: نكدا. وخالفهما بعد سائر القراء في الامصار، فقرءوه: إلا نكدا بكسر الكاف. كأن من قرأه: نكدا بنصب الكاف أراد المصدر، وكأن من قرأه بسكون الكاف أراد كسرها فسكنها على لغة من قال: هذه فخذ وكتد، وكان الذي يجب عليه إذا أراد ذلك أن يكسر النون من نكد حتى يكون قد أصاب القياس. قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأه: نكدا بفتح النون وكسر الكاف لاجماع الحجة من قراء الامصار عليه. وقوله: كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون يقول: كذلك نبين آية بعد آية، وندلي بحجة بعد حجة، ونضرب مثلا بعد مثل، لقوم يشكرون الله على إنعامه عليهم بالهداية وتبصيره إياهم سبيل أهل الضلالة، باتباعهم ما أمرهم باتباعه وتجنبهم ما أمرهم بتجنبه من سبل الضلالة. وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، فالبلد الطيب الذي يخرج نباته بإذن ربه مثل للمؤمن، والذي خبث فلا يخرج نباته إلا نكدا مثل للكافر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11476 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح عن علي عن ابن عباس قوله: والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا فهذا مثل ضربه الله للمؤمن، يقول: هو طيب وعمله طيب كما البلد الطيب ثمره طيب. ثم ضرب مثل الكافر كالبلدة السبخة المالحة التي لا تخرج منها البركة، فالكافر هو الخبيث وعمله خبيث.
[ 276 ]
11477 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: والبلد الطيب والذي خبث قال: كل ذلك من أرض السباخ وغيرها مثل آدم وذريته، فيهم طيب وخبيث. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. 11478 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا قال: هذا مثل ضربه الله في الكافر والمؤمن. 11479 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، يعني ابن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي خبث هي السبخة لا يخرج نباتها إلا نكدا. والنكد: الشئ القليل الذي لا ينفع كذلك القلوب لما نزل القرآن، فالقلب المؤمن لما دخله القرآن آمن به، وثبت الايمان فيه والقلب الكافر لما دخله القرآن لم يتعلق منه بشئ ينفعه، ولم يثبت فيه من الايمان شئ إلا ما لا ينفع، كما لم يخرج هذا البلد إلا ما لا ينفع من النبات. 11480 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد، عن مجاهد: والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا قال: الطيب ينفعه المطر فينبت، والذي خبث السباخ لا ينفعه المطر لا يخرج نباته إلا نكدا، قال: هذا مثل ضربه الله لآدم وذريته كلهم، إنما خلقوا من نفس واحدة، فمنهم من آمن بالله وكتابه فطاب ومنهم من كفر بالله وكتابه فخبث. القول في تأويل قوله تعالى: * (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) *. أقسم ربنا جل ثناؤه للمخاطبين بهذه الآية أنه أرسل نوحا إلى قومه منذرهم بأسه، ومخوفهم سخطه على عبادتهم غيره، فقال لمن كفر منهم: يا قوم اعبدوا الله الذي له العبادة، وذلوا له بالطاعة واخضعوا له بالاستكانة، ودعوا عبادة ما سواه من الانداد والآلهة، فإنه ليس لكم معبود يستوجب عليكم العبادة غيره، فإني أخاف عليكم إن
[ 277 ]
لم تفعلوا ذلك عذاب يوم عظيم يعني: عذاب يوم يعظم فيه بلاؤكم بمجيئه إياكم بسخط ربكم. وقد اختلفت القراء في قراءة قوله: غيره فقرأ ذلك بعض أهل المدينة والكوفة: ما لكم من إله غيره يخفض غير على النعت للاله. وقرأ جماعة من أهل المدينة والبصرة والكوفة: ما لكم من إله غيره برفع غير، رد الهاء على موضع من لان موضعها رفع لو نزعت من الكلام لكان الكلام رفعا، وقيل: ما لكم إله غير الله، فالعرب لما وصفت من أن المعلوم بالكلام أدخلت من فيه أو أخرجت، وإنها تدخلها أحيانا في مثل هذا من الكلام وتخرجها منه أحيانا ترد ما نعتت به الاسم الذي عملت فيه على لفظه، فإذا خفضت فعلى كلام واحد، لانها نعت للاله وأما إذا رفعت، فعلى كلامين: ما لكم غيره من إله، وهذا قول يستضعفه أهل العربية. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال الملا من قومه إنا لنراك في ضلال مبين) *. وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن جواب مشركي قوم نوح لنوح، وهم الملا والملا: الجماعة من الرجال لا امرأة فيهم أنهم قالوا له حين دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له: إنا لنراك يا نوح في ضلال مبين يعنون: في أمر زائل عن الحق، مبين زواله عن قصد الحد لمن تأمله. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين) *. يقول تعالى ذكره: قال نوح لقومه مجيبا لهم: يا قوم لم آمركم بما أمرتكم به من إخلاص التوحيد لله وإفراده بالطاعة دون الانداد والآلهة زوالا مني عن محجة الحق وضلالا لسبيل الصواب، وما بي ما تظنون من الضلال، ولكني رسول إليكم من رب
[ 278 ]
العالمين بما أمرتكم به من إفراده بالطاعة والاقرار له بالوحدانية والبراءة من الانداد والآلهة. القول في تأويل قوله تعالى: * (أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون) *. وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن نبيه نوح عليه السلام أنه قال لقومه الذين كفروا بالله وكذبوه: ولكني رسول من رب العالمين أرسلني إليكم، فأنا أبلغكم رسالات ربي، وأنصح لكم في تحذيري إياكم عقاب الله على كفركم به وتكذيبكم إياي وردكم نصيحتي. وأعلم من الله ما لا تعلمون: من أن عقابه لا يرد عن القوم المجرمين. القول في تأويل قوله تعالى: * (أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون) *. وهذا أيضا خبر من الله عز ذكره عن قيل نوح لقومه أنه قال لهم إذ ردوا عليه النصيحة في الله، وأنكروا أن يكون الله بعثه نبيا، وقالوا له: ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين: أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم يقول: أو عجبتم أن جاءكم تذكير من الله وعظة، يذكركم بما أنزل ربكم على رجل منكم. قيل: معنى قوله: على رجل منكم مع رجل منكم لينذركم يقول: لينذركم بأس الله، ويخوفكم عقابه على كفركم به. ولتتقوا يقول: وكي تتقوا عقاب الله وبأسه، بتوحيده وإخلاص الايمان به والعمل بطاعته. ولعلكم ترحمون يقول: وليرحمكم ربكم إن اتقيتم الله وخفتموه وحذرتم بأسه. وفتحت الواو من قوله: أو عجبتم لانها واو عطف دخلت عليها ألف استفهام. القول في تأويل قوله تعالى: * (فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنآ إنهم كانوا قوما عمين) *. يقول تعالى ذكره: فكذب نوحا قومه، إذ أخبرهم أنه لله رسول إليهم يأمرهم بخلع الانداد والاقرار بوحدانية الله والعمل بطاعته، وخالفوا أمر ربهم ولجوا في طغيانهم
[ 279 ]
يعمهون، فأنجاه الله في الفلك والذين معه من المؤمنين به. وكانوا بنوح عليه السلام ثلاث عشرة، فيما: 11481 - حدثني به ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: نوح وبنوه الثلاثة: سام، وحام، ويافث وأزواجهم، وستة أناسي ممن كان آمن به. وكان حمل معه في الفلك من كل زوجين اثنين، كما قال تبارك وتعالى: ومن آمن وما آمن معه إلا قليل. والفلك: هو السفينة. وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا يقول: وأغرق الله الذين كذبوا بحججه ولم يتبعوا رسله ولم يقبلوا نصيحته إياهم في الله بالطوفان. إنهم كانوا قوما عمين يقول: عمين عن الحق. كما: 11482 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: عمين قال: عن الحق. 11483 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: قوما عمين قال: العمي: العامي عن الحق. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون) *. يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا إلى عاد أخاهم هودا ولذلك نصب هودا، لانه معطوف به على نوح عليهما السلام. قال هود: يا قوم اعبدوا الله فأفردوا له العبادة، ولا تجعلوا معه إلها غيره، فإنه ليس لكم إله غيره. أفلا تتقون ربكم فتحذرونه وتخافون عقابه بعبادتكم غيره، وهو خالقكم ورازقكم دون كل ما سواه ؟ القول في تأويل قوله تعالى: * (قال الملا الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين ئ قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عما أجاب هودا له قومه الذين
[ 280 ]
كفروا بالله: قال الملا الذين كفروا يعني الذين جحدوا توحيد الله، وأنكروا رسالة هود إليهم: إنا لنراك يا هود في سفاهة يعنون في ضلالة عن الحق والصواب، بتركك ديننا وعبادة آلهتنا. وإنا لنظنك من الكاذبين في قيلك إني رسول من رب العالمين. قال يا قوم ليس بي سفاهة: يقول: أي ضلالة عن الحق والصواب، ولكني رسول من رب العالمين أرسلني، فأنا أبلغكم رسالات ربي وأؤديها إليكم كما أمرني أن أؤديها. القول في تأويل قوله تعالى: * (أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين ئ أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلآء الله لعلكم تفلحون) *. يعني بقوله: أبلغكم رسالات ربي: أؤدي ذلك إليكم أيها القوم. وأنا لكم ناصح: يقول: وأنا لكم في أمري إياكم بعبادة الله دون ما سواه من الانداد والآلهة، ودعائكم إلى تصديقي فيما جئتكم به من عند الله، ناصح، فاقبلوا نصيحتي، فإني أمين على وحي الله وعلى ما ائتمنني الله عليه من الرسالة، لا أكذب فيه ولا أزيد ولا أبدل، بل أبلغ ما أمرت به كما أمرت. أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم يقول: أو عجبتم أن أنزل الله وحيه بتذكيركم وعظتكم على ما أنتم عليه مقيمون من الضلالة، على رجل منكم، لينذركم بأس الله ويخوفكم عقابه. واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح يقول: فاتقوا الله في أنفسكم، واذكروا ما حل بقوم نوح من العذاب إذ عصوا رسولهم وكفروا بربهم، فإنكم إنما جعلكم ربكم خلفاء في الارض منهم، لما أهلكهم أبدلكم منهم فيها، فاتقوا الله أن يحل بكم نظير ما حل بهم من العقوبة فيهلككم ويبدل منكم غيركم، سنته في قوم نوح قبلكم على معصيتكم إياه وكفركم به. وزادكم في الخلق بسطة: زاد في أجسامكم طولا وعظما على أجسام قوم نوح، وفي قوامكم على قوامهم، نعمة منه بذلك عليكم، فاذكروا نعمه وفضله الذي فضلكم به عليهم في أجسامكم وقوامكم، واشكروا الله على ذلك بإخلاص العبادة له وترك الاشراك به وهجر الاوثان والانداد. لعلكم تفلحون يقول: كي تفلحوا، فتدركوا الخلود والبقاء في النعيم في الآخرة، وتنجحوا في طلباتكم عنده.
[ 281 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11484 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح يقول: ذهب بقوم نوح واستخلفكم من بعدهم. 11485 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح: أي ساكني الارض بعد قوم نوح. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11486 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وزادكم في الخلق بسطة قال: ما لقوام قوم عاد. وأما الآلاء فإنها جمع، واحدها: إلى بكسر الالف في تقدير معى، ويقال: ألى في تقدير قفا بفتح الالف. وقد حكي سماعا من العرب إلي مثل حسي. والآلاء: النعم. وكذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11487 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فاذكروا آلاء الله أي نعم الله. 11488 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: اماآلاء الله فنعم الله. 11489 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فاذكروا آلا الله قال: آلاؤه: نعمه. قال أبو جعفر: وعاد هؤلاء القوم الذين وصف الله صفتهم وبعث إليهم هودا يدعوهم إلى توحيد الله واتباع ما أتاهم به من عنده، هم فيما: 11490 - حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح. وكانت مساكنهم الشحر من أرض اليمن، وما والى بلاد حضرموت إلى عمان. كما: 11491 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: إن عادا قوم كانوا باليمن بالاحقاف.
[ 282 ]
11492 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثنا ابن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول لرجل من حضرموت: هل رأيت كثيبا أحمر يخالطه مدرة حمراء ذا أراك وسدر كثير بناحية كذا وكذا من أرض حضرموت، هل رأيته ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، والله إنك لتنعته نعت رجل قد رآه. قال: لا، ولكني قد حدثت عنه. فقال الحضرمي: وما شأنه يا أمير المؤمنين ؟ قال: فيه قبر هود صلوات الله عليه. 11493 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كانت منازل عاد وجماعتهم حين بعث الله فيهم هودا الاحقاف، قال: والاحقاف: الرمل فيما بين عمان إلى حضرموت باليمن، وكانوا مع ذلك قد فشوا في الارض كلها، وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي آتاهم الله، وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله: صنم يقال له صداء، وصنم يقال له صمود، وصنم يقال له الهباء. فبعث الله إليهم هودا، وهو من أوسطهم نسبا وأفضلهم موضعا، فأمرهم أن يوحدوا الله ولا يجعلوا معه إلها غيره، وأن يكفوا عن ظلم الناس، ولم يأمرهم فيما يذكر والله أعلم بغير ذلك. فأبوا عليه وكذبوه، وقالوا: من أشد منا قوة واتبعه منهم ناس وهم يسير، يكتمون إيمانهم، وكان ممن آمن به وصدقه رجل من عاد يقال له مرثد بن سعد بن عفير، وكان يكتم إيمانه، فلما عتوا على الله وكذبوا نبيهم، وأكثروا في الارض الفساد، وتجبروا وبنوا بكل ريع آية عبثا بغير نفع، كلمهم هود، فقال: أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء أي ما هذا الذي جئتنا به إلا جنون أصابك به بعض آلهتنا هذه التي تعيب، قال إني أشهد الله واشهدوا أني برئ مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون... إلى قوله: صراط مستقيم فلما فعلوا ذلك أمسك الله عنهم المطر من السماء ثلاث سنين فيما يزعمون، حتى جهدهم ذلك. وكان الناس في ذلك الزمان إذا نزل بهم بلاء أو جهد، فطلبوا إلى الله الفرج منه، كانت
[ 283 ]
طلبتهم إلى الله عند بيته الحرام بمكة، مسلمهم ومشركهم، فيجتمع بمكة ناس كثير شتى مختلفة أديانهم، وكلهم معظم لمكة يعرف حرمتها ومكانها من الله. قال ابن إسحاق: وكان البيت في ذلك الزمان معروفا مكانه، والحرم قائما فيما يذكرون، وأهل مكة يومئذ العماليق وإنما سموا العماليق، لان أباهم عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، وكان سيد العماليق إذ ذاك بمكة فيما يزعمون رجلا يقال له: معاوية بن بكر، وكان أبوه حيا في ذلك الزمان ولكنه كان قد كبر، وكان ابنه يرأس قومه، وكان السؤدد والشرف من العماليق فيما يزعمون في أهل ذلك البيت، وكانت أم معاوية بن بكر كلهدة ابنة الخيبري رجل من عاد. فلما قحط المطر عن عاد وجهدوا، قالوا: جهزوا منكم وفدا إلى مكة، فليستسقوا لكم، فإنكم قد هلكتم فبعثوا قيل ابن عنز ولقيم بن هزال من هذيل وعقيل بن صد بن عاد الاكبر ومرثد بن سعد بن عفير، وكان مسلما يكتم إسلامه، وجلهمة بن الخيبري خال معاوية بن بكر أخو أمه، ثم بعثوا لقمان بن عاد بن فلان بن فلان بن صد بن عاد الاكبر. فانطلق كل رجل من هؤلاء القوم معه رهط من قومه حتى بلغ عدة وفدهم سبعين رجلا. فلما قدموا مكة، نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارجا من الحرم، فأنزلهم وأكرمهم، وكانوا أخواله وأصهاره. فلما نزل وفد عاد على معاوية بن بكر، أقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان، قينتان لمعاوية بن بكر، وكان مسيرهم شهرا ومقامهم شهرا. فلما رأى معاوية بن بكر طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوثون بهم من البلاء الذي أصابهم، شق ذلك عليه، فقال: هلك أخوالي وأصهاري، وهؤلاء مقيمون عندي وهم ضيفي نازلون علي والله ما أدري كيف أصنع بهم إن أمرتهم بالخروج إلى ما بعثوا له فيظنوا أنه ضيق مني بمقامهم عندي، وقد هلك من وراءهم من قومهم جهدا وعطشا. أو كما قال. فشكا ذلك من أمرهم إلى قينتيه الجرادتين، فقالتا: قل شعرا نغنيهم به لا يدرون من قاله، لعل ذلك أن يحركهم. فقال معاوية بن بكر حين أشارتا عليه بذلك: ألا يا قيل ويحك قم فهينم لعل الله يسقينا غماما فيسقي أرض عاد إن عاداقد امسوا لا يبينون الكلاما من العطش الشديد فليس نرجو به الشيخ الكبير ولا الغلاما وقد كانت نساؤهم بخير فقد أمست نساؤهم عيامى وإن الوحش يأتيهم جهاراولا يخشى لعادي سهاما
[ 284 ]
وأنتم ها هنا فيما اشتهيتم نهاركم وليلكم التماما فقبح وفدكم من وفد قوم ولا لقوا التحية والسلاما فلما قال معاوية ذلك الشعر، غنتهم به الجرادتان، فلما سمع القوم ما غنتا به، قال بعضهم لبعض: يا قوم إنما بعثكم قومكم يتغوثوني بكم من هذا البلاء الذي نزل بهم، وقد أبطأتم عليهم، فادخلوا هذا الحرم واستسقوا لقومكم فقال لهم مرثد بن سعد بن عفير: إنكم والله لا تسقون بدعائكم، ولكن إن أطعتم نبيكم وأنبتم إليه سقيتم. فأظهر إسلامه عند ذلك، فقال لهم جلهمة بن الخيبري خال معاوية بن بكر حين سمع قوله وعرف أنه قد اتبع دين هود وآمن به: أبا سعد فإنك من قبيل ذوي كرم وأمك من ثمود فإنا لا نطيعك ما بقينا ولسنا فاعلين لما تريد أتأمرنا لنترك دين رفدورمل والصداء مع الصمود ونترك دين آباء كرام ذوي رأي ونتبع دين هود ثم قالوا لمعاوية بن بكر وأبيه بكر: احبسا عنا مرثد بن سعد، فلا يقدمن معنا مكة،
[ 285 ]
فإنه قد اتبع دين هود وترك ديننا ثم خرجوا إلى مكة يستسقون بها لعاد فلما ولوا إلى مكة، خرج مرثد بن سعد من منزل معاوية بن بكر، حتى أدركهم بها، فقال: لا أدعو الله بشئ مما خرجوا له فلما انتهى إليهم، قام يدعو الله بمكة، وبها وفد عاد قد اجتمعوا يدعون، يقول: اللهم أعطني سؤلي وحدي، ولا تدخلني في شئ مما يدعوك به وفد عاد وكان قيل بن عنز رأس وفد عاد، وقال وفد عاد: اللهم أعط قيلا ما سألك، واجعل سؤلنا مع سؤله. وكان قد تخلف عن وفد عاد حين دعا لقمان بن عاد وكان سيد عاد حتى إذا فرغوا من دعوتهم، قام فقال: اللهم إني جئتك وحدي في حاجتي، فأعطني سؤلي وقال قيل بن عنز حين دعا: يا إلهنا إن كان هود صادقا فاسقنا، فإنا قد هلكنا فأنشأ الله لهم سحائب ثلاثا: بيضاء وحمراء وسوداء، ثم ناداه مناد من السحاب: يا قيل اختر لنفسك ولقومك من هذه السحائب فقال: اخترت السحابة السوداء فإنها أكثر السحاب ماء، فناداه مناد: اخترت رمادا رمددا، لا تبق من آل عاد أحدا، لا والدا تترك ولا ولدا، إلا جعلته همدا، إلا بني اللوذية المهدا. وبني اللوذية: بنو لقيم بن هزال بن هزيلة بن بكر وكانوا سكانا بمكة مع أخوالهم، ولم يكونوا مع عاد بأرضهم، فهم عاد الآخرة ومن كان من نسلهم الذين بقوا من عاد. وساق الله السحابة السوداء فيما يذكرون التي اختارها قيل بن عنز بما فيها من النقمة إلى عاد، حتى خرجت عليهم من واد يقال له المغيث فلما رأوها استبشروا بها وقالوا هذا عارض ممطرنا يقول الله: بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شئ بأمر ربها: أي كل شئ أمرت به. وكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح فيما يذكرون، امرأة من عاد يقال لها مهدد. فلما تيقنت ما فيها، صاحت ثم صعقت فلما أن أفاقت قالوا: ماذا رأيت يا مهدد ؟ قالت: رأيت ريحا فيها كشهب النار، أمامها رجال يقودونها. فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما، كما قال الله والحسوم: الدائمة فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك. فاعتزل هود فيما ذكر لي ومن معه من المؤمنين في حظيرة، ما يصيبه ومن معه من الريح إلا ما تلين عليه الجلود وتلتذ به الانفس، وإنها لتمر على عاد بالظعن بين السماء والارض وتدمغهم بالحجارة. وخرج وفد عاد من مكة، حتى
[ 286 ]
مروا بمعاوية بن بكر وابنه، فنزلوا عليه، فبينما هم عنده إذ أقبل رجل على ناقة له في ليلة مقمرة مساء ثالثة من مصاب عاد، فأخبرهم الخبر، فقالوا له: أين فارقت هودا وأصحابه ؟ قال: فارقتهم بساحل البحر، فكأنهم شكوا فيما حدثهم به، فقالت هذيلة بنت بكر: صدق ورب الكعبة. 11494 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، قال: ثنا عاصم، عن الحارث بن حسان البكري، قال: قدمت على رسول الله (ص)، فمررت على امرأة بالربذة، فقالت: هل أنت حاملي إلى رسول الله (ص) ؟ قلت: نعم. فحملتها حتى قدمت المدينة، فدخلت المسجد، فإذا رسول الله (ص) على المنبر، وإذا بلال متقلد السيف، وإذا رايات سود، قال: قلت: ما هذا ؟ قالوا: عمرو بن العاص قدم من غزوته. فلما نزل رسول الله (ص) من على منبره أتيته فاستأذنت فأذن لي، فقلت: يا رسول الله إن بالباب امرأة من بني تميم، وقد سألتني أن أحملها إليك. قال: يا بلال ائذن لها قال: فدخلت، فلما جلست قال لي رسول الله (ص): هل بينكم وبين تميم شئ ؟ قلت: نعم، وكانت لنا الدائرة عليهم، فإن رأيت أن تجعل الدهناء بيننا وبينهم حاجزا فعلت. قال تقول المرأة: فإلى أين يضطر مضطرك يا رسول الله ؟ قال: قلت: إن مثلي مثل ما قال الاول: معزى حملت حتفها. قال: قلت: وحملتك تكونين علي خصما ؟ أعوذ بالله أن أكون كوافد عاد فقال رسول الله (ص): وما وافد عاد ؟ قال: قلت: على الخبير سقطت، إن عادا قحطت، فبعثت من يستسقي لها، فبعثوا رجالا، فمروا على بكر بن معاوية فسقاهم الخمر وتغنتهم الحرادتان شهرا، ثم فصلوا من عنده حتى أتوا جبال مهرة، فدعوا، فجاءت سحابات، قال: وكلما جاءت سحابة، قال: اذهبي إلى كذا، حتى جاءت سحابة، فنودي: خذها رمادا رمددا، لا تدع من عاد أحدا. قال: فسمعه وكلمهم، حتى جاءهم العذاب. قال أبو كريب: قال أبو بكر بعد ذلك في حديث عاد، قال: فأقبل الذين أتاهم فأتى جبال مهرة، فصعد فقال: اللهم إني لم أجئك لاسير فأفاديه، ولا لمريض فأشفيه، فاسق عادا ما كنت مسقيه قال: فرفعت له سحابات قال: فنودي منها: اختر قال: فجعل يقول: اذهبي إلى بني فلان، اذهبي إلى بني فلان. قال: فمرت آخرها سحابة سوداء، فقال: اذهبي إلى عاد. فنودي: منها خذها رمادا رمددا لا تدع من عاد أحدا. قال: وكلمهم، والقوم عند بكر بن معاوية يشربون، قال: وكره بكر بن معاوية أن يقول لهم من أجل أنهم عنده وأنهم في طعامه. قال: فأخذ في الغناء وذكرهم.
[ 287 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا زيد بن الحباب، قال: ثنا سلام أبو المنذر النحوي، قال: ثنا عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث بن يزيد البكري، قال: خرجت لاشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله (ص)، فمررت بالربذة، فإذا عجوز منقطع بها من بني تميم، فقالت: يا عبد الله، إن لي إلى رسول الله (ص) حاجة، فهل أنت مبلغي إليه ؟ قال: فحملتها فقدمت المدينة. قال: فإذا رايات، قلت: ما شأن الناس ؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها، قال: فجلست حتى فرغ. قال: فدخل منزله أو قال: رحله فاستأذنت عليه، فأذن لي فدخلت، فقعدت، فقال لي رسول الله (ص): هل كان بينكم وبين تميم شئ ؟ قلت: نعم، وكانت لنا الدائرة عليهم، وقد مررت بالربذة فإذا عجوز منهم منقطع بها، فسألتني أن أحملها إليك وها هي بالباب. فأذن لها رسول الله (ص)، فدخلت فقلت: يا رسول الله اجعل بيننا وبين تميم الدهناء حاجزا فحميت العجوز واستوفزت وقالت: إلى أين يضطر مضطرك يا رسول الله ؟ قال: قلت: أنا كما قال الاول: معزى حملت حتفها، حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصما، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد قال: وما وافد عاد ؟ قال: على الخيبر سقطت، قال: وهو يستطعمني الحديث، قلت: إن عادا قحطوا فبعثوا قيلا وافدا، فنزل على بكر، فسقاه الخمر شهرا، وغنته جاريتان يقال لهما الجرادتان، فخرج إلى جبال مهرة، فنادى: إني لم أجئ لمريض فأداويه، ولا لاسير فأفاديه، اللهم اسق عادا ما كنت مسقيه فمرت به سحابات سود، فنودي منها: خذها رمادا رمددا، لا تبق من عاد أحدا. قال: فكانت المرأة تقول: لا تكن كوافد عاد ففيما بلغني أنه ما أرسل عليهم من الريح يا رسول الله إلا قدر ما يجري في خاتمي. قال أبو وائل: فكذلك بلغني. 11495 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره: إن عادا أتاهم هود، فوعظهم وذكرهم بما قص الله في القرآن. فكذبوه وكفروا، وسألوه أن يأتيهم العذاب، فقال لهم: إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت له. وإن عادا
[ 288 ]
أصابهم حين كفروا قحوط المطر، حتى جهدوا لذلك جهدا شديدا، وذلك أن هودا دعا عليهم، فبعث الله عليهم الريح العقيم، وهي الريح التي لا تلقح الشجر فلما نظروا إليها قالوا: هذا عارض ممطرنا فلما دنت منهم نظروا إلى الابل والرجال تطير بهم الريح بين السماء والارض فلما رأوها تنادوا: البيوت فلما دخلوا البيوت دخلت عليهم فأهلكتهم فيها، ثم أخرجتهم من البيوت، فأصابتهم في يوم نحس، والنحس: هو الشؤم، ومستمر: استمر عليهم العذاب سبع ليال وثمانية أيام حسوما، حسمت كل شئ مرت به. فلما أخرجتهم من البيوت، قال الله: تنزع الناس من البيوت، كأنهم أعجاز نخل منقعر انقعر من أصوله، خاوية: خوت فسقطت. فلما أهلكهم الله، أرسل إليهم طيرا سودا، فنقلتهم إلى البحر فألقتهم فيه، فذلك قوله: فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ولم تخرج ريح قط إلا بمكيال إلا يومئذ، فإنها عتت على الخزنة فغلبتهم، فلم يعلموا كم كان مكيالها وذلك قوله: فأهلكوا بريح صرصر عاتية والصرصر: ذات الصوت الشديد. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) *. يقول تعالى ذكره: قالت عاد لهود: أجئتنا تتوعدنا بالعقاب من الله على ما نحن عليه من الدين كي نعبد الله وحده وندين له بالطاعة خالصا ونهجر عبادة الآلهة والاصنام التي كان آباؤنا يعبدونها ونتبرأ منها ؟ فلسنا فاعلي ذلك ولا متبعيك على ما تدعونا إليه، فأتنا بما تعدنا من العقاب والعذاب على تركنا إخلاص التوحيد لله، وعبادتنا ما نعبد من دونه من الاوثان إن كنت من أهل الصدق على ما تقول وتعد. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلوني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين) *.
[ 289 ]
يقول تعالى ذكره: قال هود لقومه: قد حل بكم عذاب وغضب من الله. وكان أبو عمرو بن العلاء فيما ذكر لنا عنه، يزعم أن الرجز والرجس بمعنى واحد، وأنها مقلوبة، قلبت السين زايا، كما قلبت شئز وهي من شئس بسين، وكما قالوا قربوس وقربوز، وكما قال الراجز: ألا لحى الله بني السعلاتأ عمرو بن يربوع لئام النات أليسوا بأعفاف ولا أكيات يريد الناس. وأكياس فقلبت السين تاء، كما قال رؤبة: كم قد رأينا من عديد مبزي حتى وقمنا كيده بالرجز وروي عن ابن عباس أنه كان يقول: الرجز: السخط. 11496 - حدثني بذلك المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: قد وقع عليكم من ربكم رجس يقول: سخط. وأما قوله: أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم فإنه يقول: أتخاصمونني في أسماء سميتموها أصناما لا تضر ولا تنفع أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان يقول: ما جعل الله لكم في عبادتكم إياها من حجة تحتجون بها ولا معذرة
[ 290 ]
تعتذرون بها. لان العبادة إنما هي لمن ضر ونفع وأثاب على الطاعة وعاقب على المعصية ورزق ومنع، فأما الجماد من الحجارة والحديد والنحاس فإنه لا نفع فيه ولا ضر، إلا أن تتخذ منه آلة، ولا حجة لعابد عبده من دون الله في عبادته إياه لان الله يأذن بذلك، فيعذر من عبده بأنه يعبده اتباعا منه أمر الله في عبادته إياه، ولا هو إذ كان الله لم يأذن في عبادته مما يرجى نفعه أو يخاف ضره في عاجل أو آجل، فيعبد رجاء نفعه أو دفع ضره. فانتظروا إني معكم من المنتظرين يقول: فانتظروا حكم الله فينا وفيكم، إني معكم من المنتظرين حكمه وفصل قضائه فينا وفيكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين) *. يقول تعالى ذكره: فأنجينا نوحا والذين معه من أتباعه على الايمان به والتصديق به وبما عاد إليه من توحيد الله وهجر الآلهة والاوثان برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا يقول: وأهلكنا الذين كذبوا من قوم هود بحججنا جميعا عن آخرهم، فلم نبق منهم أحدا. كما: 11497 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا قال: استأصلناهم. وقد بينا فيما مضى معنى قوله: فقطع دابر القوم الذين ظلموا بشواهده بما أغنى عن إعادته. وما كانوا مؤمنين يقول: لم يكونوا مصدقين بالله ولا برسوله هود. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم) *.
[ 291 ]
يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا. وثمود: هو ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح، وهو أخو جديس بن عابر، وكانت مساكنهما الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله. ومعنى الكلام: وإلى بني ثمود أخاهم صالحا. وإنما منع ثمود، لان ثمود قبيلة كما بكر قبيلة، وكذلك تميم. قال: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره يقول: قال صالح لثمود: يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له، فما لكم إله يجوز أن تعبدوه غيره، وقد جاءتكم حجة وبرهان على صدق ما أقول وحقيقة ما إليه أدعو من إخلاص التوحيد لله وإفراده بالعبادة دون ما سواه وتصديقي على أني له رسول وبينتي على ما أقول وحقيقة ما جئتكم به من عند ربي، وحجتي عليه هذه الناقة التي أخرجها الله من هذه الهضبة دليلا على نبوتي وصدق مقالتي، فقد علمتم أن ذلك من المعجزات التي لا يقدر على مثلها أحد إلا الله. وإنما استشهد صالح فيما بلغني على صحة نبوته عند قومه ثمود بالناقة لانهم سألوه إياها آية ودلالة على حقيقة قوله. ذكر من قال ذلك، وذكر سبب قتل قوم صالح الناقة: 11498 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيل، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي الطفيل، قال: قالت ثمود لصالح: ائتنا بآية إن كنت من الصادقين قال: فقال لهم صالح: اخرجوا إلى هضبة من الارض فخرجوا، فإذا هي تتمخض كما تتمخض الحامل. ثم إنها انفرجت، فخرجت من وسطها الناقة، فقال صالح: هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم لها شرب ولكم شرب يوم معلوم فلما ملوها عقروها، فقال لهم: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب. قال عبد العزيز، وحدثني رجل آخر أن صالحا قال لهم: إن آية العذاب أن تصبحوا غدا حمرا، واليوم الثاني صفرا، واليوم الثالث سودا. قال: فصبحهم العذاب، فلما رأوا ذلك تحنطوا واستعدوا. 11499 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وإلى ثمود أخاهم صالحا قال: إن الله بعث صالحا إلى ثمود،
[ 292 ]
فدعاهم فكذبوه، فقال لهم ما ذكر الله في القرآن، فسألوه أن يأتيهم بآية، فجاءهم بالناقة، لها شرب ولهم شرب يوم معلوم، وقال: ذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فأقروا بها جميعا، فذلك قوله: فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى وكانوا قد أقروا به على وجه النفاق والتقية، وكانت الناقة لها شرب، فيوم تشرب فيه الماء تمر بين جبلين فيرجمونها، ففيهما أثرها حتى الساعة، ثم تأتي فتقف لهم حتى يحلبوا اللبن فيرويهم، فكانت تصب اللبن صبا، ويوم يشربون الماء لا تأتيهم. وكان معها فصيل لها، فقال لهم صالح: إنه يولد في شهركم هذا غلام يكون هلاككم على يديه فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر، فذبحوا أبناءهم، ثم ولد للعاشر فأبى أن يذبح ابنه، وكان لم يولد له قبل ذلك شئ، فكان ابن العاشر أزرق أحمر، فنبت نباتا سريعا، فإذا مر بالتسعة فرأوه، قالوا: لو كان أبناؤنا أحياء كانوا مثل هذا، فغضب التسعة على صالح لانه أمرهم بذبح أبنائهم، فتقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون. قالوا: نخرج، فيرى الناس أنا قد خرجنا إلى سفر، فنأتي الغار فنكون فيه، حتى إذا كان الليل وخرج صالح إلى المسجد أتيناه فقتلناه ثم رجعنا إلى الغار فكنا فيه، ثم رجعنا فقلنا ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون، يصدقوننا يعلمون أنا قد خرجنا إلى سفر. فانطلقوا فلما دخلوا الغار أرادوا أن يخرجوا من الليل، فسقط عليهم الغار فقتلهم، فذلك قوله: وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون... حتى بلغ ههنا: فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين. وكبر الغلام ابن العاشر، ونبت نباتا عجبا من السرعة، فجلس مع قوم يصيبون من الشراب، فأرادوا ماء يمزجون به شرابهم، وكان ذلك اليوم يوم شرب الناقة، فوجدوا الماء قد شربته الناقة، فاشتد ذلك عليهم وقالوا في شأن الناقة: ما نصنع نحن باللبن ؟ لو كنا نأخذ هذا الماء الذي تشربه هذه الناقة، فنسقيه أنعامنا وحروثنا، كان خيرا لنا فقال: الغلام ابن العاشر: هل لكم في أن أعقرها لكم ؟ قالوا: نعم. فأظهروا دينهم، فأتاها الغلام، فلما بصرت به شدت عليه،
[ 293 ]
فهرب منها فلما رأى ذلك، دخل خلف صخرة على طريقها فاستتر بها، فقال: أجيشوها علي فأجاشوها عليه، فلما جازت به نادوه: عليك فتناولها فعقرها، فسقطت فذلك قوله تعالى: فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر وأظهروا حينئذ أمرهم، وعقروا الناقة، وعتوا عن أمر ربهم، وقالوا: يا صالح ائتنا بما تعدنا وفزع ناس منهم إلى صالح وأخبروه أن الناقة قد عقرت، فقال: علي بالفصيل فطلبوا الفصيل فوجدوه على رابية من الارض، فطلبوه، فارتفعت به حتى حلقت به في السماء، فلم يقدرا عليه. ثم دعا الفصيل إلى الله، فأوحى الله إلى صالح أن مرهم فليتمتعوا في دارهم ثلاثة أيام، فقال لهم صالح: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام وآية ذلك أن تصبح وجوهكم أول يوم مصفرة، والثاني محمرة، واليوم الثالث مسودة، واليوم الرابع فيه العذاب. فلما رأوا العلامات تكفتوا وتحنطوا ولطخوا أنفسم بالمر، ولبسوا الانطاع، وحفروا الاسراب، فدخلوا فيها ينتظرون الصيحة، حتى جاءهم العذاب فهلكوا فذلك قوله: فدمرناهم وقومهم أجمعين. 11500 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما أهلك الله عادا وتقضى أمرها، عمرت ثمود بعدها واستخلفوا في الارض، فنزلوا فيها وانتشروا. ثم عتوا على الله، فلما ظهر فسادهم وعبدوا غير الله، بعث إليهم صالحا وكانوا قوما عربا، وهو من أوسطهم نسبا وأفضلهم موضعا رسولا. وكانت منازلهم الحجر إلى قرح، وهو وادي القرى، وبين ذلك ثمانية عشر ميلا فيما بين الحجاز والشام. فبعث الله إليهم غلاما شابا، فدعاهم إلى الله، حتى شمط وكبر، لا يتبعه منهم إلا قليل مستضعفون فلما ألح عليهم صالح بالدعاء، وأكثر لهم التحذير، وخوفهم من الله العذاب والنقمة، سألوه أن يريهم آية تكون مصداقا لما يقول فيما يدعوهم إليه، فقال لهم: أي آية تريدون ؟ قالوا: تخرج معنا إلى عيدنا هذا وكان لهم عيد يخرجون إليه بأصنامهم وما يعبدون من دون الله في يوم معلوم من السنة فتدعو إلهك وندعو آلهتنا، فإن استجيب لك اتبعناك، وإن استجيب لنا اتبعتنا. فقال لهم صالح: نعم. فخرجوا بأوثانهم إلى عيدهم
[ 294 ]
ذلك، وخرج صالح معهم إلى الله، فدعوا أوثانهم وسألوها أن لا يستجاب لصالح في شئ مما يدعو به، ثم قال له جندع بن عمرو بن حراش بن عمرو بن الدميل، وكان يومئذ سيد ثمود وعظيمهم: يا صالح أخرج لنا من هذه الصخرة لصخرة منفردة في ناحية الحجر يقال لها الكاثبة ناقة مخترجة جوفاء وبراء والمخترجة: ما شاكلت البخت من الابل. وقالت ثمود لصالح مثل ما قال جندع بن عمرو فإن فعلت آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو حق وأخذ عليهم صالح مواثيقهم: لئن فعلت وفعل الله لتصدقني ولتؤمنن بي ؟ قالوا: نعم، فأعطوه على ذلك عهودهم، فدعا صالح ربه بأن يخرجها لهم من تلك الهضبة كما وصفت. 11501 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الاخنس، أنه حدث: أنهم نظروا إلى الهضبة حين دعا الله صالح بما دعا به تتمخض بالناقة تمخض النتوج بولدها، فتحركت الهضبة ثم أسقطت الناقة، فانصدعت عن ناقة كما وصفوا جوفاء وبراء نتوج، ما بين جنبيها لا يعلمه إلا الله عظما. فآمن به جندع بن عمرو ومن كان معه على أمره من رهطه، وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا به ويصدقوا، فنهاهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد والحباب صاحب أوثانهم ورباب بن صمعر بن جلهس، وكانوا من أشراف ثمود، وردوا أشرافها عن الاسلام، والدخول فيما دعاهم إليه صالح من الرحمة والنجاة. وكان لجندع ابن عم يقال له شهاب بن خليفة بن مخلاة بن لبيد بن جواس، فأراد أن يسلم فنهاه أولئك الرهط عن ذلك، فأطاعهم، وكان من أشراف ثمود وأفاضلها، فقال رجل من ثمود يقال له مهوس بن عنمة بن الدميل، وكان مسلما: وكانت عصبة من آل عمروإلى دين النبي دعوا شهابا عزيز ثمود كلهم جميعا فهم بأن يجيب ولو أجابا لاصبح صالح فينا عزيزاوما عدلوا بصاحبهم ذؤابا ولكن الغواة من آل حجرتولوا بعد رشدهم ذئابا فمكثت الناقة التي أخرجها الله لهم معها سقبها في أرض ثمود ترعى الشجر وتشرب
[ 295 ]
الماء، فقال لهم صالح عليه السلام: هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم وقال الله لصالح: إن الماء قسمة بينهم، كل شرب محتضر أي إن الماء نصفان: لهم يوم ولها يوم وهي محتضرة، فيومها لا تدع شربها وقال لها شرب ولكم شرب يوم معلوم. فكانت فيما بلغني والله أعلم إذا وردت وكانت ترد غبا وضعت رأسها في بئر في الحجر يقال لها بئر الناقة، فيزعمون أنها منها كانت تشرب، إذا وردت تضع رأسها فيها، فما ترفعه حتى تشرب كل قطرة ماء في الوادي، ثم ترفع رأسها فتفسح يعني تفحج لهم، فيحتلبون ما شاءوا من لبن، فيشربون ويدخرون حتى يملئوا كل آنيتهم، ثم تصدر من غير الفج الذي منه وردت، لا تقدر على أن تصدر من حيث ترد لضيقه عنها، فلا ترجع منه حتى إذا كان الغد كان يومهم، فيشربون ما شاءوا من الماء، ويدخرون ما شاءوا ليوم الناقة، فهم من ذلك في سعة. وكانت الناقة فيما يذكرون تصيف إذا كان الحر بظهر الوادي، فتهرب منها المواشي أغنامهم وأبقارهم وإبلهم، فتهبط إلى بطن الوادي في حره وجدبه وذلك أن المواشي تنفر منها إذا رأتها، وتشتو في بطن الوادي إذا كان الشتاء، فتهرب مواشيهم إلى ظهر الوادي في البرد والجدب، فأضر ذلك بمواشيهم للبلاء والاختبار. وكانت مراتعها فيما يزعمون الجناب وحسمى، كل ذلك ترعى مع وادي الحجر. فكبر ذلك عليهم، فعتوا عن أمر ربهم، وأجمعوا في عقر الناقة رأيهم. وكانت امرأة من ثمود يقال لها عنيزة بنت غنم بن مجلز، تكنى بأم غنم، وهي من بني عبيد بن المهل أخي دميل بن المهل، وكانت امرأة ذؤاب بن عمرو، وكانت عجوزا مسنة، وكانت ذات بنات حسان، وكانت ذات مال من إبل وبقر وغنم، وامرأة أخرى يقال لها صدوف بنت المحيا بن زهير بن المحيا سيد بني عبيد وصاحب أوثانهم في الزمن الاول. وكان الوادي يقال له وادي المحيا، وهو المحيا الاكبر جد المحيا الاصغر أبي صدوف. وكانت صدوف من أحسن الناس، وكانت غنية ذات مال من إبل وغنم وبقر، وكانتا من أشد امرأتين في ثمود عداوة لصالح وأعظمهم به كفرا، وكانتا تحبان أن تعقر الناقة مع كفرهما به لما أضرت به من مواشيهما. وكانت صدوف عند ابن خال لها يقال له صنتم بن هراوة بن سعد بن الغطريف من بني هليل، فأسلم فحسن إسلامه، وكانت
[ 296 ]
صدوف قد فوضت إليه مالها، فأنفقه على من أسلم معه من أصحاب صالح حتى رق المال. فاطلعت على ذلك من إسلامه صدوف، فعاتبته على ذلك، فأظهر لها دينه ودعاها إلى الله وإلى الاسلام، فأبت عليه، وسبت ولده، فأخذت بنيه وبناته منه فغيبتهم في بني عبيد بطنها الذي هي منه. وكان صنتم زوجها من بني هليل، وكان ابن خالها، فقال لها: ردي علي ولدي فقالت: حتى أنافرك إلى بني صنعان بن عبيد أو إلى بني جندع بن عبيد. فقال لها صنتم: بل أنا أقول إلى بني مرداس بن عبيد وذلك أن بني مرداس بن عبيد كانوا قد سارعوا في الاسلام وأبطأ عنه الآخرون، فقالت: لا أنافرك إلا إلى من دعوتك إليه فقال بنو مرداس: والله لتعطينه ولده طائعة أو كارهة فلما رأت ذلك أعطته إياهم. ثم إن صدوف وعنيزة تحيلا في عقر الناقة للشقاء الذي نزل، فدعت صدوف رجلا من ثمود يقال له الحباب لعقره الناقة، وعرضت عليه نفسها بذلك إن هو فعل، فأبى عليها. فدعت ابن عم لها يقال مصدع بن مهرج بن المحيا، وجعلت له نفسها على أن يعقر الناقة، وكانت من أحسن الناس، وكانت غنية كثيرة المال، فأجابها إلى ذلك. ودعت عنيزة بنت غنم قدار بن سالف بن جندع رجلا من أهل قرح، وكان قدار رجلا أحمر أزرق قصيرا يزعمون أنه كان لزنية من رجل يقال له صهياد، ولم يكن لابيه سالف الذي يدعى إليه ولكنه قد ولد على فراش سالف، وكان يدعى له وينسب إليه، فقالت: أعطيك أي بناتي شئت على أن تعقر الناقة وكانت عنيزة شريفة من نساء ثمود، وكان زوجها ذؤاب بن عمرو من أشراف رجال ثمود، وكان قدار عزيزا منيعا في قومه. فانطلق قدار بن سالف ومصدع بن مهرج، فاستنفرا غواة من ثمود، فاتبعهما سبعة نفر، فكانوا تسعة نفر، أحد النفر الذين اتبعوهما رجل يقال له هويل بن ميلغ خال قدار بن سالف أخو أمه لابيها وأمها، وكان عزيزا من أهل حجر، ودعير بن غنم بن داعر، وهو من بني حلاوة بن المهل، ودأب بن مهرج أخو مصدع بن مهرج، وخمسة لم تحفظ لنا أسماؤهم. فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء، وقد كمن لها قدار في أصل صخرة على طريقها، وكمن لها مصدع في أصل أخرى، فمرت على مصدع فرماها بسهم، فانتظم به عضلة ساقها. وخرجت أم غنم عنيزة وأمرت ابنتها وكانت من أحسن الناس وجها، فأسفرت عنه لقدار وأرته إياه، ثم ذمرته، فشد على الناقة بالسيف، فكشف عرقوبها، فخرت ورغت رغاة واحدة تحذر سقبها، ثم طعن في لبتها فنحرها. وانطلق سقبها حتى أتى جبلا منيعا، ثم أتى صخرة في رأس الجبل فرغا ولاذ بها واسم الجبل فيما يزعمون صور فأتاهم صالح، فلما رأى الناقة قد عقرت، قال: انتهكتم حرمة الله، فأبشروا بعذاب الله تبارك وتعالى ونقمته فاتبع السقب أربعة نفر من التسعة الذين
[ 297 ]
عقروا الناقة، وفيهم مصدع بن مهرج، فرماه مصدع بسهم، فانتظم قلبه، ثم جر برجله فأنزله، ثم ألقوا لحمه مع لحم أمه. فلما قال لهم صالح: أبشروا بعذاب الله ونقمته قالوا له وهم يهزءون به: ومتى ذلك يا صالح ؟ وما آية ذلك ؟ وكانوا يسمون الايام فيهم: الاحد: أول، والاثنين: أهون، والثلاثاء: دبار، والاربعاء: جبار، والخميس: مؤنس، والجمعة: العروبة، والسبت: شيار، وكانوا عقروا الناقة يوم الاربعاء فقال لهم صالح حين قالوا ذلك: تصبحون غداة يوم مؤنس يعني يوم الخميس ووجوهكم مصفرة. ثم تصبحون يوم العروبة يعني يوم الجمعة ووجوهكم محمرة. ثم تصبحون يوم شيار يعني يوم السبت ووجوهكم مسودة. ثم يصبحكم العذاب يوم الاول يعني يوم الاحد. فلما قال لهم صالح ذلك، قال التسعة الذين عقروا الناقة: هلموا فلنقتل صالحا إن كان صادقا عجلناه قبلنا، وإن كان كاذبا يكون قد ألحقناه بناقته فأتوه ليلا ليبيتوه في أهله، فدمغتهم الملائكة بالحجارة. فلما أبطئوا على أصحابهم أتوا منزل صالح، فوجدوهم مشدخين قد رضخوا بالحجارة، فقالوا لصالح: أنت قتلتهم ثم هموا به، فقامت عشيرته دونه ولبسوا السلاح، وقالوا لهم: والله لا تقتلونه أبدا، فقد وعدكم أن العذاب نازل بكم في ثلاث، فإن كان صادقا لم تزيدوا ربكم عليكم إلا غضبا، وإن كان كاذبا فأنتم من وراء ما تريدون. فانصرفوا عنهم ليلتهم تلك، والنفر الذين رضختم الملائكة بالحجارة التسعة الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن بقوله تعالى: وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون... إلى قوله: لآية لقوم يعلمون فأصبحوا من تلك الليلة التي انصرفوا فيها عن صالح وجوههم مصفرة، فأيقنوا بالعذاب، وعرفوا أن صالحا قد صدقهم، فطلبوه ليقتلوه، وخرج صالح هاربا منها حتى لجأ إلى بطن من ثمود يقال لهم بنو غنم، فنزل على سيدهم رجل منهم يقال له نفيل يكنى بأبي هدب، وهو مشرك، فغيبه فلم يقدروا عليه. فغدوا على أصحاب صالح، فعذبوهم ليدلوهم عليه، فقال رجل من أصحاب صالح يقال له ميدع بن هرم: يا نبي الله إنهم ليعذبوننا لندلهم عليك، أفندلهم عليك ؟ قال: نعم فدلهم عليه ميدع بن هرم، فلما علموا بمكان صالح أتوا أبا هدب فكلموه، فقال لهم: عندي صالح، وليس لكم إليه سبيل. فأعرضوا عنه وتركوه، وشغلهم عنه ما أنزل الله بهم من عذابه، فجعل بعضهم يخبر بعضا بما يرون في وجوههم حين أصبحوا من يوم الخميس، وذلك أن وجوههم أصبحت مصفرة، ثم أصبحوا يوم الجمعة ووجوههم محمرة، ثم
[ 298 ]
أصبحوا يوم السبت ووجوههم مسودة، حتى إذا كان ليلة الاحد خرج صالح من بين أظهرهم ومن أسلم معه إلى الشام، فنزل رملة فلسطين، وتخلف رجل من أصحابه يقال له ميدع بن هرم، فنزل قرح وهي وادي القرى، وبين القرح وبين الحجر ثمانية عشر ميلا، فنزل على سيدهم رجل يقال له عمرو بن غنم، وقد كان أكل من لحم الناقة ولم يشترك في قتلها، فقال له ميدع بن هرم: يا عمرو بن غنم، اخرج من هذا البلد، فإن صالحا قال من أقام فيه هلك ومن خرج منه نجا فقال عمرو: ما شركت في عقرها، وما رضيت ما صنع بها. فلما كانت صبيحة الاحد أخذتهم الصيحة، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا هلك، إلا جارية مقعدة يقال لها الدريعة، وهي كليبة ابنة السلق، كانت كافرة شديدة العداوة لصالح، فأطلق الله لها رجليها بعدما عاينت العذاب أجمع، فخرجت كأسرع ما يرى شئ قط، حتى أتت حيا من الاحياء، فأخبرتهم بما عاينت من العذاب وما أصاب ثمود منه، ثم استسقت من الماء فسقيت، فلما شربت ماتت. 11502 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: قال معمر: أخبرني من سمع الحسن يقول: لما عقرت ثمود الناقة ذهب فصيلها حتى صعد تلا، فقال: يا رب أين أمي ؟ ثم رغا رغوة، فنزلت الصيحة، فأخمدتهم. حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن بنحوه، إلا أنه قال: أصعد تلا. 11503 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أن صالحا قال لهم حين عقروا الناقة: تمتعوا ثلاثة أيام وقال لهم: آية هلاككم أن تصبح وجوهكم مصفرة، ثم تصبح اليوم الثاني محمرة، ثم تصبح اليوم الثالث مسودة فأصبحت كذلك. فلما كان اليوم الثالث وأيقنوا بالهلاك تكفنوا وتحنطوا، ثم أخذتهم الصيحة فأهملتهم. قال قتادة: قال عاقر الناقة لهم: لا أقتلها حتى ترضوا أجمعين. فجعلوا يدخلون على المرأة في خدرها، فيقولون: أترضين ؟ فتقول: نعم والصبي، حتى رضوا أجمعين، فعقرها. 11504 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: لما مر النبي (ص) بالحجر، قال: لا تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالح، فكانت ترد من هذا الفج
[ 299 ]
وتصدر من الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها. وكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما، فعقروها فأخذتهم الصيحة أهمد الله من تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله. قيل: من هو ؟ قال: أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه. 11505 - قال: عبد الرزاق، قال معمر: وأخبرني إسماعيل بن أمية: أن النبي (ص) مر بقبر أبي رغال، فقال: أتدرون ما هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا قبر أبي رغال. قالوا فمن أبو رغال ؟ قال: رجل من ثمود كان في حرم الله، فمنعه حرم الله عذاب الله، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه، فدفن ههنا، ودفن معه غصن من ذهب. فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم، فبحثوا عليه فاستخرجوا الغصن. قال عبد الرزاق: قال: معمر: قال الزهري: أبو رغال: أبو ثقيف. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر عن عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن جابر، قال: مر النبي (ص) بالحجر، ثم ذكر نحوه إلا أنه قال في حديثه: قالوا: من هو يا رسول الله ؟ قال: أبو رغال. 11506 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنا أبي، عن قتادة، قال: كان يقال إن أحمر ثمود الذي عقر الناقة، كان ولد زنية. 11507 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عنبسة، عن أبي إسحاق، قال: قال أبو موسى: أتيت أرض ثمود، فذرعت مصدر الناقة فوجدته ستين ذراعا. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، وأخبرني إسماعيل بن أمية بنحو هذا، يعني بنحو حديث عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن جابر، قال: ومر النبي (ص) بقبر أبي رغال، قالوا: ومن أبو رغال ؟ قال: أبو ثقيف، كان في الحرم لما أهلك الله قومه، منعه حرم الله من عذاب الله فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن ههنا ودفن معه غصن من ذهب. قال: فابتدره القوم يبحثون عنه حتى استخرجوا ذلك الغصن.
[ 300 ]
وقال الحسن: كان للناقة يوم ولهم يوم، فأضر بهم. 11508 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال: لما مر النبي (ص) بالحجر قال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل الذي أصابهم. ثم قال: هذا وادي النفر. ثم رفع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي. وأما قوله: ولا تمسوها بسوء فإنه يقول: ولا تمسوا ناقة الله بعقر ولا نحر، فيأخذكم عذاب أليم يعني موجع. القول في تأويل قوله تعالى: * (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الارض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلآء الله ولا تعثوا في الارض مفسدين) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل صالح لقومه واعظا لهم: واذكروا أيها القوم نعمة الله عليكم، إذ جعلكم خلفاء يقول تخلفون عادا في الارض بعد هلاكها. وخلفاء: جمع خليفة، وإنما جمع خليفة خلفاء وفعلاء إنما هي جمع فعيل، كما الشركاء جمع شريك، والعلماء جمع عليم، والحلماء جمع حليم لانه ذهب بالخليفة إلى الرجل، فكأن واحدهم خليف، ثم جمع خلفاء. فأما لو جمعت الخليفة على أنها نظيرة كريمة وحليلة ورغيبة قيل خلائف، كما يقال: كرائم وحلائل ورغائب، إذ كانت من صفات الاناث، وإنما جمعت الخليفة على الوجهين اللذين جاء بهما القرآن، لانها جمعت مرة على لفظها، ومرة على معناها. وأما قوله: وبوأكم في الارض فإنه يقول: وأنزلكم في الارض، وجعل لكم فيها مساكن وأزواجا. تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا ذكر أنهم كانوا ينقبون الصخر مساكن، كما:
[ 301 ]
11509 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وتنحتون الجبال بيوتا كانوا ينقبون في الجبال البيوت. وقوله: فاذكروا آلا الله يقول: فاذكروا نعمة الله التي أنعمها عليكم. ولا تعثوا في الارض مفسدين وكان قتادة يقول في ذلك، ما: 11510 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولا تعثوا في الارض مفسدين يقول: لا تسيروا في الارض مفسدين. وقد بينت معنى ذلك بشواهده واختلاف المختلفين فيه فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال الملا الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بمآ أرسل به مؤمنون ئ قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون) *. يعني جل ثناؤه بقوله: قال الملا الذين استكبروا من قومه قال الجماعة الذين استكبروا من قوم صالح عن اتباع صالح والايمان بالله وبه، للذين استضعفوا يعني: لاهل المسكنة من أتباع صالح والمؤمنين به منهم، دون ذوي شرفهم وأهل السؤدد منهم: أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه أرسله الله إلينا وإليكم ؟ قال الذين آمنوا بصالح من المستضعفين منهم: إنا بما أرسل الله به صالحا من الحق والهدى مؤمنون يقول: مصدقون مقرون أنه من عند الله وأن الله أمر به وعن أمر الله دعانا صالح إليه. قال الذين استكبروا عن أمر الله وأمر رسوله صالح: إنا أيها القوم بالذي آمنتم به يقول: صدقتم به من نبوة صالح، وأن الذي جاء به حق من عند الله كافرون يقول: جاحدون منكرون، لا نصدق به ولا نقر. القول في تأويل قوله تعالى: * (فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين) *. يقول تعالى ذكره: فعقرت ثمود الناقة التي جعلها الله لهم آية. وعتوا عن أمر ربهم يقول: تكبروا وتجبروا عن اتباع الله، واستعلوا عن الحق. كما:
[ 302 ]
11511 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وعتوا علوا عن الحق لا يبصرونه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: عتوا عن أمر ربهم: علوا في الباطل. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد، عن مجاهد في قوله: وعتوا عن أمر ربهم قال: عتوا في الباطل وتركوا الحق. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: وعتوا عن أمر ربهم قال: علوا في الباطل. وهو من قولهم: جبار عات: إذا كان عاليا في تجبره. وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا يقول: قالوا: جئنا يا صالح بما تعدنا من عذاب الله ونقمته استعجالا منهم للعذاب إن كنت من المرسلين يقول: إن كنت لله رسولا إلينا، فإن الله ينصر رسله على أعدائه. فعجل ذلك لهم كما استعجلوه، يقول جل ثناؤه: فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين. القول في تأويل قوله تعالى: * (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين) *. يقول تعالى ذكره: فأخذت الذين عقروا الناقة من ثمود الرجفة، وهي الصيحة، والرجفة: الفعلة، من قول القائل: رجف بفلان كذا يرجف رجفا، وذلك إذا حركه وزعزعه، كما قال الاخطل: إما تريني حناني الشيب من كبر كالنسر أرجف والانسان مهدود وإنما عنى بالرجفة ههنا: الصيحة التي زعزعتهم وحركتهم للهلاك، لان ثمود هلكت بالصيحة فيما ذكر أهل العلم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11512 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن
[ 303 ]
أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: الرجفة، قال: الصيحة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 11513 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فأخذتهم الرجفة وهي الصيحة. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد، عن مجاهد: فأخذتهم الرجفة قال: الصيحة. وقوله: فأصبحوا في دارهم جاثمين يقول: فأصبح الذين أهلك الله من ثمود في دارهم، يعني في أرضهم التي هلكوا فيها وبلدتهم ولذلك وحد الدار ولم يجمعها فيقول في دورهم. وقد يجوز أن يكون أريد بها الدور، ولكن وجه بالواحدة إلى الجمع، كما قيل: والعصر إن الانسان لفي خسر. وقوله: جاثمين يعني: سقوطا صرعى لا يتحركون لانهم لا أرواح فيهم قد هلكوا، والعرب تقول للبارك على الركبة: جاثم، ومنه قول جرير: عرفت المنتأى وعرفت منها مطايا القدر كالحدإ الجثوم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11514 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فأصبحوا في دارهم جاثمين قال: ميتين. القول في تأويل قوله تعالى: * (فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين) *. يقول تعالى ذكره: فأدبر صالح عنهم حين استعجلوه العذاب وعقروا ناقة الله خارجا
[ 304 ]
عن أرضهم من بين أظهرهم لان الله تعالى ذكره أوحى إليه: إني مهلكهم بعد ثلاثة. وقيل: إنه لم تهلك أمة ونبيها بين أظهرها، فأخبر الله جل ثناؤه عن خروج صالح من بين قومه الذين عتوا على ربهم حين أراد الله إحلال عقوبته بهم، فقال: فتولى عنهم صالح، وقال لقومه ثمود: لقد أبلغتكم رسالة ربي، وأديت إليكم ما أمرني بأدائه إليكم ربي من أمره ونهيه، ونصحت لكم في أدائي رسالة الله إليكم في تحذيركم بأسه بإقامتكم على كفركم به وعبادتكم الاوثان، ولكن لا تحبون الناصحين لكم في الله الناهين لكم عن اتباع أهوائكم الصادين لكم عن شهوات أنفسكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين) *. يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا لوطا. ولو قيل: معناه: واذكر لوطا يا محمد إذ قال لقومه إذ لم يكن في الكلام صلة الرسالة كما كان في ذكر عاد وثمود كان مذهبا. وقوله: إذ قال لقومه يقول: حين قال لقومه من سدوم، وإليهم كان أرسل لوط: أتأتون الفاحشة، وكانت فاحشتهم التي كانوا يأتونها التي عاقبهم الله عليها: إتيان الذكور. ما سبقكم بها من أحد من العالمين يقول: ما سبقكم بفعل هذه الفاحشة أحد من العالمين. وذلك كالذي: 11515 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا إسماعيل بن علية، عن ابن أبي نجيح، عن عمرو بن دينار، قوله: ما سبقكم بها من أحد من العالمين قال: ما رؤي ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون) *. يخبر بذلك تعالى ذكره عن لوط أنه قال لقومه، توبيخا منه لهم على فعلهم: إنكم أيها القوم لتأتون الرحال في أدبارهم، شهوة منكم لذلك، من دون الذي أباحه الله لكم وأحله من النساء بل أنتم قوم مسرفون يقول: إنكم لقوم تأتون ما حرم الله عليكم وتعصونه بفعلكم هذا، وذلك هو الاسراف في هذا الموضع. والشهوة: الفعلة، وهي مصدر من قول القائل: شهيت هذا الشئ أشهاه شهوة ومن ذلك قول الشاعر:
[ 305 ]
وأشعث يشهى النوم قلت له ارتحل إذا ما النجوم أعرضت واسبطرت فقام يجر البرد لو أن نفسه يقال له خذها بكفيك خرت القول في تأويل قوله تعالى: * (وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) *. يقول تعالى ذكره: وما كان جواب قوم لوط للوط إذ وبخهم على فعلهم القبيح وركوبهم ما حرم الله عليهم من العمل الخبيث إلا أن قال بعضهم لبعض: أخرجوا لوطا وأهله ولذلك قيل: أخرجوهم، فجمع وقد جرى قبل ذكر لوط وحده دون غيره. وقد يحتمل أن يكون إنما جمع بمعنى: أخرجوا لوطا ومن كان على دينه من قريتكم، فاكتفى بذكر لوط في أول الكلام عن ذكر أتباعه، ثم جمع في آخر الكلام، كما قيل: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء وقد بينا نظائر ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. إنهم أناس يتطهرون يقول: إن لوطا ومن تبعه أناس يتنزهون عما نفعله نحن من إتيان الرجال في الادبار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11516 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا هانئ بن سعيد النخعي، عن الحجاج، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: إنهم أناس يتطهرون قال: من أدبار الرجال وأدبار النساء. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن مجاهد: إنهم أناس يتطهرون من أدبار الرجال وأدبار النساء. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن الحجاج، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله: إنهم أناس يتطهرون قال: يتطهرون من أدبار الرجال والنساء.
[ 306 ]
11517 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: إنهم أناس يتطهرون قال: من أدبار الرجال ومن أدبار النساء. 11518 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: إنهم أناس يتطهرون قال: يتحرجون. 11519 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: إنهم أناس يتطهرون يقول: عابوهم بغير غيب، وذموهم بغير ذم. القول في تأويل قوله تعالى: * (فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) *. يقول تعالى ذكره: فلما أبى قوم لوط مع توبيخ لوط إياهم على ما يأتون من الفاحشة، وإبلاغه إياهم رسالة ربه بتحريم ذلك عليهم، إلا التمادي في غيهم، أنجينا لوطا وأهله المؤمنين به إلا امرأته فإنها كانت للوط خائنة وبالله كافرة. وقوله: من الغابرين يقول: من الباقين. وقيل من الغابرين ولم يقل الغابرات، لانه يريد أنها ممن بقي مع الرجال، فلما ضم ذكرها إلى ذكر الرجال قيل من الغابرين، والفعل منه: غبر يغبر غبورا وغبرا، وذلك إذا بقي كما قال الاعشى: عض بما أبقى المواسي له من أمه في الزمن الغابر وكما قال الآخر: وأبي الذي فتح البلاد بسيفه فأذلها لبني أبان الغابر يعني: الباقي.
[ 307 ]
فإن قال قائل: فكانت امرأة لوط ممن نجا من الهلاك الذي هلك به قوم لوط ؟ قيل: لا، بل كانت فيمن هلك. فإن قال: فكيف قيل: إلا امرأته كانت من الغابرين وقد قلت إن معنى الغابر الباقي، فقد وجب أن تكون قد بقيت ؟ قيل: إن معنى ذلك غير الذي ذهبت إليه وإنما عنى بذلك: إلا مرأته كانت من الباقين قبل الهلاك والمعمرين الذين قد أتى عليهم دهر كبير ومر بهم زمن كثير، حتى هرمت فيمن هرم من الناس، فكانت ممن غبر الدهر الطويل قبل هلاك القوم، فهلكت مع من هلك من قوم لوط حين جاءهم العذاب. وقيل: معنى ذلك: من الباقين في عذاب الله. ذكر من قال ذلك: 11520 - حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: إلا عجوزا في الغابرين: في عذاب الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين) *. يقول تعالى ذكره: وأمطرنا على قوم لوط الذين كذبوا لوطا ولم يؤمنوا به مطرا من حجارة من سجيل أهلكناهم به. فانظر كيف كان عاقبة المجرمين يقول جل ثناؤه: فانظر يا محمد إلى عاقبة هؤلاء الذين كذبوا الله ورسوله من قوم لوط، فاجترموا معاصي الله وركبوا الفواحش واستحلوا ما حرم الله من أدبار الرجال، كيف كانت وإلى أي شئ صارت هل كانت إلا البوار والهلاك ؟ فإن ذلك أو نظيره من العقوبة، عاقبة من كذبك واستكبر عن الايمان بالله وتصديقك إن لم يتوبوا، من قومك. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين) *. يقول تعالى ذكره: وأرسلنا إلى ولد مدين. ومدين: هم ولد مدين بن إبراهيم خليل الرحمن، فيما: 11521 - حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق.
[ 308 ]
فإن كان الامر كما قال: فمدين قبيلة كتميم. وزعم أيضا ابن إسحاق أن شعيبا الذي ذكر الله أنه أرسله إليهم من ولد مدين هذا، وأنه شعيب بن ميكيل بن يشجر، قال: واسمه بالسريانية بثرون. فتأويل الكلام على ما قاله ابن إسحاق: ولقد أرسلنا إلى ولد مدين أخاهم شعيب بن ميكيل، يدعوهم إلى طاعة الله والانتهاء إلى أمره وترك السعي في الارض بالفساد والصد عن سبيله، فقال لهم شعيب: يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له، ما لكم من إله يستوجب عليكم العبادة غير الاله الذي خلقكم وبيده نفعكم وضركم. قد جاءتكم بينة من ربكم يقول: قد جاءتكم علامة وحجة من الله بحقيقة ما أقول وصدق ما أدعوكم إليه. فأوفوا الكيل والميزان يقول: أتموا للناس حقوقهم بالكيل الذي تكيلون به وبالوزن الذي تزنون به. ولا تبخسوا الناس أشياءهم يقول ولا تظلموا الناس حقوقهم ولا تنقصوهم إياها. ومن ذلك قولهم: تحسبها حمقاء وهي باخسة، بمعنى ظالمة، ومنه قول الله: وشروه بثمن بخس يعني به: ردئ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 11522 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: ولا نبخسوا الناس أشياءهم يقول: لا تظلموا الناس أشياءهم. 11523 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ولا تبخسوا الناس أشياءهم: قال: لا تظلموا الناس أشياءهم. وقوله: ولا تفسدوا في الارض يقول: ولا تعملوا في أرض الله بمعاصيه وما كنتم تعملونه قبل أن يبعث الله إليكم نبيه، من عبادة غير الله والاشراك به وبخس الناس في الكيل والوزن. بعد إصلاحها يقول: بعد أن قد أصلح الله الارض بابتعاث النبي عليه السلام فيكم، ينهاكم عما لا يحل لكم وما يكرهه الله لكم. ذلكم خير لكم يقول: هذا الذي ذكرت لكم وأمرتكم به من إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له وإيفاء الناس حقوقهم من الكيل والوزن وترك الفساد في الارض، خير لكم في عاجل دنياكم وآجل آخرتكم عند الله
[ 309 ]
يوم القيامة. إن كنتم مؤمنين يقول: إن كنتم مصدقي فيما أقول لكم وأؤدي إليكم عن الله من أمره ونهيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين) *. يعني بقوله: ولا تقعدوا بكل صراط توعدون: ولا تجلسوا بكل طريق وهو الصراط توعدون المؤمنين بالقتل. وكانوا فيما ذكر يقعدون على طريق من قصد شعيبا وأراده ليؤمن به، فيتوعدونه ويخوفونه ويقولون: إنه كذاب. ذكر من قال ذلك: 11524 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: بكل صراط توعدون قال: كانوا يوعدون من أتى شعيبا وغشيه فأراد الاسلام. 11525 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولا تقعدوا بكل صراط توعدون والصراط: الطريق، يخوفون الناس أن يأتوا شعيبا. 11526 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله قال: كانوا يجلسون في الطريق، فيخبرون من أتى عليهم أن شعيبا عليه السلام كذاب، فلا يفتنكم عن دينكم. 11527 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى: بكل صراط توعدون: كل سبيل حق. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. 11528 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولا تقعدوا بكل صراط توعدون كانوا يقعدون على كل طريق يوعدون المؤمنين.
[ 310 ]
11529 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حميد بن عبد الرحمن، عن قيس، عن السدي: ولا تقعدوا بكل صراط توعدون قال: العشارون. 11530 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن ابي هريرة أو غيره، شك أبو جعفر الرازي قال: أتى النبي (ص) ليلة أسري به على خشبة على الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شئ إلا خرقته، قال: ما هذا يا جبريل ؟ قال: هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه ثم تلا: ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون. وهذا الخبر الذي ذكرناه عن أبي هريرة يدل على أن معناه كان عند أبي هريرة أن نبي الله شعيبا إنما نهى قومه بقوله: ولا تقعدا بكل صراط توعدون عن قطع الطريق، وأنهم كانوا قطاع الطريق. وقيل: ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ولو قيل في غير القرآن: لا تقعدوا في كل صراط كان جائزا فصيحا في الكلام وإنما جاز ذلك لان الطريق ليس بالمكان المعلوم، فجاز ذلك كما جاز أن يقال: قعد له بمكان كذا، وعلى مكان كذا، وفي مكان كذا. قال: توعدون ولم يقل: تعدون، لان العرب كذلك تفعل فيما أبهمت ولم تفصح به من الوعيد، تقول: أوعدته بالالف وتقدم مني إليه وعيد، فإذا بينت عما أوعدت وأفصحت به، قالت: وعدته خيرا، ووعدته شرا بغير ألف، كما قال جل ثناؤه: النار وعدها الله الذين كفروا. وأما قوله: وتصدون عن سبيل الله من آمن به فإنه يقول: وتردون عن طريق الله وهو الرد عن الايمان بالله والعمل بطاعته من آمن به، يقول: تردون عن طريق الله من صدق بالله ووحده. وتبغونها عوجا يقول: وتلتمسون لمن سلك سبيل الله وآمن به وعمل بطاعته، عوجا عن القصد والحق إلى الزيغ والضلال. كما: 11531 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وتصدون عن سبيل الله قال: أهلها، وتبغونها عوجا تلتمسون لها الزيغ.
[ 311 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. 11532 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وتبغونها عوجا قال: تبغون السبيل عن الحق عوجا. 11533 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وتصدون عن سبيل الله عن الاسلام تبغون السبيل عوجا: هلاكا. وقوله: واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم يذكرهم شعيب نعمة الله عندهم بأن كثر جماعتهم بعد أن كانوا قليلا عددهم، وأن رفعهم من الذلة والخساسة. يقول لهم: فاشكروا الله الذي أنعم عليكم بذلك وأخلصوا له العبادة، واتقوا عقوبته بالطاعة، واحذروا نقمته بترك المعصية. وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين يقول: وانظروا ما نزل بمن كان قبلكم من الامم حين عتوا على ربهم وعصوا رسله من المثلات والنقمات، وكيف وجدوا عقبى عصيانهم إياه، ألم يهلك بعضهم غرقا بالطوفان وبعضهم رجما بالحجارة وبعضهم بالصيحة ؟ والافساد في هذا الموضع معناه: معصية الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين) *. يعني بقوله تعالى ذكره: وإن كان طائفة منكم وإن كانت جماعة منكم وفرقة آمنوا، يقول: صدقوا، بالذي أرسلت به من إخلاص العبادة لله وترك معاصيه وظلم الناس وبخسهم في المكاييل والموازين، فاتبعوني على ذلك. وطائفة لم يؤمنوا يقول: وجماعة أخرى لم يصدقوا بذلك، ولم يتبعوني عليه. فاصبروا حتى يحكم الله بيننا يقول: فاحتبسوا على قضاء الله الفاصل بيننا وبينكم. وهو خير الحاكمين يقول: والله خير من يفصل وأعدل من يقضي، لانه لا يقع في حكمه ميل إلى أحد، ولا محاباة لاحد والله أعلم. 11533 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وتصدون عن سبيل الله عن الاسلام تبغون السبيل عوجا: هلاكا. وقوله: واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم يذكرهم شعيب نعمة الله عندهم بأن كثر جماعتهم بعد أن كانوا قليلا عددهم، وأن رفعهم من الذلة والخساسة. يقول لهم: فاشكروا الله الذي أنعم عليكم بذلك وأخلصوا له العبادة، واتقوا عقوبته بالطاعة، واحذروا نقمته بترك المعصية. وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين يقول: وانظروا ما نزل بمن كان قبلكم من الامم حين عتوا على ربهم وعصوا رسله من المثلات والنقمات، وكيف وجدوا عقبى عصيانهم إياه، ألم يهلك بعضهم غرقا بالطوفان وبعضهم رجما بالحجارة وبعضهم بالصيحة ؟ والافساد في هذا الموضع معناه: معصية الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين) *. يعني بقوله تعالى ذكره: وإن كان طائفة منكم وإن كانت جماعة منكم وفرقة آمنوا، يقول: صدقوا، بالذي أرسلت به من إخلاص العبادة لله وترك معاصيه وظلم الناس وبخسهم في المكاييل والموازين، فاتبعوني على ذلك. وطائفة لم يؤمنوا يقول: وجماعة أخرى لم يصدقوا بذلك، ولم يتبعوني عليه. فاصبروا حتى يحكم الله بيننا يقول: فاحتبسوا على قضاء الله الفاصل بيننا وبينكم. وهو خير الحاكمين يقول: والله خير من يفصل وأعدل من يقضي، لانه لا يقع في حكمه ميل إلى أحد، ولا محاباة لاحد والله أعلم. تم الجزء الثامن من تفسير ابن جرير الطبري ويليه الجزء التاسع وأوله: القول في تأويل قوله تعالى: (قال الملا الذين استكبروا من قومه)